أدب المفتي والمستفتي القول في شروط
المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه
شروطه وصفاته
...
القول في شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه:
أما شروطه وصفاته1:
__________
1 في ف وج "فهو".
(1/85)
أن يكون مكلفًا مسلمًا، ثقة مأمونًا،
متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة، لأن من لم يكن كذلك
فقوله غير صالح "للاعتماد"1، وإن كان من أهل الاجتهاد2.
ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر3، صحيح التصرف
والاستنباط مستيقظًا4.
ثم ينقسم وراء هذا إلى قسمين، مستقل، وغير مستقل.
القسم الأول: المفتي المستقل، وشرطه: أن يكون مع ما ذكرناه
قيمًا بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب، والسنة،
والإجماع، والقياس، وما التحق بها على التفصيل، وقد فصلت في
كتب الفقه، وغيرها. فتيسرت والحمد لله. عالمًا بما يشترط في
الأدلة ووجوه دلالتها، وبكيفية اقتباس الأحكام منها، وذلك
يستفاد من علم أصول الفقه5، عارفًا من علم القرآن6، وعلم
الحديث7، وعلم الناسخ
__________
1 في الأصل "الاعتماد".
2 قال ابن حمدان في "صفة الفتوى": 13: "أما اشتراط إسلامه
وتكليفه وعدالته، فبالإجماع ... ", وفي قول عند الحنفية: أن
الفاسق يصلح مفتيًا؛ لأنه يجتهد لئلا ينسب إلى الخطأ، انظر
مجمع الأنهر: 2/ 145.
وقال ابن حمدان: 29: "ولا تصح من فاسق لغيره، وإن كان مجتهدًا،
لكن يفتي نفسه، ولا يسأله غيره", وانظر المجموع: 1/ 70،
وسيتحدث عن هذا الأمر ابن الصلاح في فقرة "القول في أحكام
المفتين": 106.
3 في ف "للفكر".
4 من ف وج وفي الأصل: "مسقطًا".
5 انظر البرهان للإمام الجويني: "2/ 1330-1332"، الملل والنحل
للشهرستاني: "1/ 200، 201"، الغياثي: 401، إرشاد الفحول: 252،
المنخول: "463، 464" المحصول في علم الأصول لفخر الدين الرازي،
الجزء الثاني القسم الثالث: 36، اللمع: 127، الابتهاج في شرح
المنهاج: 3/ 256، الإحكام للآمدي: 4/ 220.
6 انظر الرسالة للإمام الشافعي: 46، الغيائي: 400، 1 المستصفى
للإمام الغزالي: 2/ 350، المحصول: "2/ 3/ 33"، اللمع: 127،
إرشاد الفحول: 252، التقرير والتحبير: 3/ 293، الابتهاج في شرح
المنهاج: 3/ 254، الإحكام للآمدي: 4/ 220.
7 المستصفى: 2/ 351، الغياثي: 400، المحصول للرازي: "2/ 3/
33", إرشاد الفحول: 251، المسودة: 516.
(1/86)
والمنسوخ1، وعلمي2 النحو3، واللغة4،
واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن به من الوفاء
بشروط5 الأدلة والاقتباس منها، ذا دربة وارتياض في استعمال
ذلك، عالمًا بالفقه، ضابطًا لأمهات مسائله6 وتفاريعه المفروغ
من تمهيدها.
فمن جمع هذه الفضائل فهو المفتي المطلق المستقل الذي يتأدى به
فرض الكفاية7، "ولن"8 يكون إلا مجتهدًا مستقلا.
والمجتهد المستقل: هو الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من
الأدلة الشرعية من غير تقليد وتقيد9 بمذهب أحد10.
__________
1 الغياثي: 400 المحصول: 2/ 3/ 35، الابتهاج في شرح المنهاج:
3/ 255، التقرير والتخيير: 3/ 293، اللمع: 127, المنخول: 464.
2 في ف وج "علم".
3 المستصفى: 2/ 351، الغياثي: 400، المحصول: 2/ 3/ 35، المنخول
من تعليقات الأصول للغزالي: "463، 464", الموافقات للشاطبي:
"4/ 59، 62"، الإحكام للآمدي: 4/ 220، الابتهاج في شرح
المنهاج: 3/ 255، اللمع: 127.
4 في المجموع: 1/ 76 حيث نقل نص كلام ابن الصلاح: "والتصريف".
5 في ف: "وبشرط".
6 في ف وج "مسائل".
7 نقل الإمام النووي رحمه الله تعالى هذه الفقرة بطولها عن ابن
الصلاح في المجموع: 1/ 76، ونقل السيوطي رحمه الله تعالى في
كتابه: "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل
عصر فرض" -تحقيق ودراسة الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد: "ص36
و94"- تعريف المجتهد المطلق عن ابن الصلاح وسمى الكتاب "أدب
الفتيا".
8 من ش وفي النسخ كأنها "أن".
9 في ف وج "تقييد".
10 قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين: 4/ 212: "ولا
ينافي في اجتهاده تقليده لغيره أحيانًا، فلا تجد أحدًا من
الأئمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه في بعض الأحكام، وقد قال
الشافعي رحمه الله ورضي عنه في موضع من الحج: قلته تقليدًا
لعطاء". وانظر "حجة الله البالغة" لولي الله بن عبد الرحيم
الدهلوي: 1/ 330.
(1/87)
وفصل الإمام أبو المعالي ابن الجويني1 صفات
المفتي، ثم قال القول الوجيز في ذلك: إن المفتي هو المتمكن من
درك أحكام الوقائع على يسر من غير معاناة تعلم2. وهذا الذي
قاله معتبر في المفتي، ولا يصلح حدًّا للمفتي، والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: ما اشترطناه فيه من كونه حافظًا لمسائل الفقه، لم يعد
من شروطه في كثير من الكتب المشهورة، نظرًا إلى أنه ليس شرطًا
لمنصب الاجتهاد، فإن الفقه من ثمراته فيكون متأخرًا عنه، وشرط
الشيء لا يتأخر عنه.
واشترطه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني3، وصاحبه أبو منصور
البغدادي4، وغيرهما.
واشتراط ذلك في صفة المفتي الذي يتأدى به فرض الكفاية هو5
الصحيح،
__________
1 هو "ركن الدولة إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد
الله بن يوسف بن محمد الجويني، ولد في جوين "من نواحي خراسان"،
أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي، توفي بنيسابور سنة ثمان
وسبعين وأربعمائة". ترجمته في: المنتظم: 9/ 18، وفيات الأعيان:
3/ 197، تبيين كذب المفتري: 278، العبر: 3/ 291، العقد الثمين:
5/ 507.
2 كتاب الغياثي غياث الأمم في التباث الظلم, لإمام الحرمين أبي
المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني "ت478هـ"، والرسالة
للشافعي "ص509"، المنخول: 464.
3 هو "الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران
الإسفراييني، قال السبكي: أحد أئمة الدين، كلامًا وأصولا،
وفروعًا، توفي سنة ثمان عشرة وأربعمائة". ترجمته في تبيين كذب
المفتري: 243، طبقات العبادي: 104، طبقات الشافعية الكبرى: 4/
256.
4 هو "الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي
البغدادي الشافعي، الفقيه الأصولي النحوي المتكلم، صاحب "تفسير
القرآن". و"الملل والنحل" و"الفرق بين الفرق"، وغير ذلك، توفي
سنة تسع وعشرين وأربعمائة"، ترجمته في إنباه الرواة: 2/ 185،
بغية الوعاة: 2/ 105، فوات الوفيات: 1/ 613، وفيات الأعيان: 2/
372.
5 في ف "وهو".
(1/88)
وإن لم يكن كذلك في صفة المجتهد المستقل1
على تجرده، لأن حال المفتي يقتضي اشتراط كونه على صفة يسهل
عليه معها إدراك أحكام الوقائع على القرب من غير تعب كثير،
وهذا لا يحصل لأحد من الخلف إلا بحفظ أبواب الفقه ومسائله، ثم
لا يشترط أن تكون جميع الأحكام على ذهنه، بل يكفي أن يكون
حافظًا للمعظم متمكنًا من إدراك الباقي على القرب2.
الثاني: هل يشترط فيه3 أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل
الحسابية الفقهية؟
حكى أبو إسحاق، وأبو منصور فيه اختلافًا للأصحاب، والأصح
اشتراطه لأن من المسائل الواقعة نوعًا لا يعرف جوابه إلا من
جمع بين الفقه والحساب4.
الثالث: إنما يشترط اجتماع العلوم المذكورة5 في المفتي المطلق
في جميع أبواب الشرع، أما المفتي في باب خاص من العلم، نحو علم
المناسك، أو علم الفرائض، أو غيرهما، فلا يشترط فيه جميع ذلك6،
ومن الجائز أن ينال
__________
1 اقتبس الإمام النووي رحمه الله تعالى هذه الفقرة بطولها في
المجموع: "1/ 76-77".
2 انظر جمع الجوامع: 2/ 422، وشرح الكوكب المنير: 396،
المستصفى: 1/ 42، المحصول: 2/ 3/ 36، إرشاد الفحول: 252,
الإحكام في أصول الأحكام: "4/ 220-22", الغياثي: 404.
3 سقطت من ف.
4 المجموع: 1/ 77، وانظر: "الرد على من ... " للسيوطي:
"181-182".
5 في ج "المزبورة".
6 اختلف العلماء في جواز تجزئة الاجتهاد وعدم جوازه إلى ثلاثة
مذاهب: "أ" رأى جمهور علماء أهل السنة والمعتزلة إلى جوازه،
وكذا الشيعة الإمامية. انظر في ذلك: المستصفى للغزالي: "2/
353-354"، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي: "4/ 220-221",
المحصول للرازي: "2/ 3/ 37-38"، جمع الجوامع: 2/ 386, والمجموع
للنووي: 768 فما بعدها، ومسلَّم الثبوت: 2/ 364، وإرشاد
الفحول: 225، التحرير لابن الهمام وشرحه تيسير التحرير للعلامة
محمد أمين: 4/ 191, والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين محمد
بن علي بن الطيب المعتزلي البصري "ت436هـ": 2/ 929 حيث ذكر
آراء المعتزلة, وتهذيب الوصول إلى علم الأصول للحلي: 100 حيث
ذكر آراء الشيعة الإمامية، وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله تعالى: 20/ 204. =
(1/89)
الإنسان منصب الفتوى والاجتهاد في بعض
الأبواب دون بعض فمن عرف القياس وطرقه وليس عالمًا بالحديث فله
أن يفتي في مسائل قياسية يعلم أنه1 لا تعلق لها بالحديث, ومن
عرف أصول المواريث وأحكامها جاز أن يفتي فيها، وإن لم يكن
عالمًا بأحاديث النكاح، ولا عارفًا بما يجوز له الفتوى في غير
ذلك من أبواب الفقه.
قطع بجواز هذا2 الغزالي3، وابن برهان4، وغيرهما5. ومنهم من منع
من ذلك
__________
= "ب": المذهب الثاني المنع من التجزئة؛ وهو المنقول عن أبي
حنيفة رحمه الله تعالى والإمام الشوكاني، وملاخسرو من الحنفية،
والعلامة الفناري.
انظر: "المرآة" لملاخسرو: "2/ 467-468"، و"إرشاد الفحول"
للشوكاني: "224-225"، و"فصول البدائع" للفناري: 2/ 425، "مسلم
الثبوت" وشرحه "فواتح الرحموت: 2/ 364.
"ج": المذهب الثالث: جواز الاجتهاد في مسائل الميراث وحدها:
ومن أصحاب هذا المذهب ابن الصباغ من الشافعية. انظر "المجموع":
1/ 77 و"إعلام الموقعين" لابن القيم: 4/ 216.
ومذهب تجزيء الاجتهاد هو مذهب أكثر العلماء نص عليه الغزالي،
والرازي والرافعي من الشافعية، وصححه ابن الصلاح والنووي، وابن
السبكي، واختاره ابن دقيق العيد، وهو مذهب الحنابلة والظاهرية
انظر: المستصفى: 2/ 253، نهاية السول للأسنوي بهامش التقرير:
3/ 293، المجموع للنووي: 1/ 77، وإرشاد الفحول: 255، الأحكام
لابن حزم: "5/ 694-695"، جمع الجوامع لابن السبكي: 2/ 245،
الإحكام للآمدي: 4/ 221.
1 في ش "أنها".
2 في ف وج "ذلك".
3 هو "الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد
الطوسي, قال الذهبي: وصنف التصانيف مع التصون والذكاء المفرط،
والاستبحار من العلم، وفي الجملة: ما رأى الرجل مثل نفسه، توفي
سنة خمس وخمسمائة"، ترجمته في إتحاف السادة المتقين للسيد
مرتضى الزبيدي: 1/ 6، البداية والنهاية: 12/ 173، تاريخ دمشق
لابن الوردي: 2/ 21، العبر: 4/ 10، وكتب عنه الأخ الأستاذ
المحقق الدكتور علي محيي الدين علي القره داغي كتابة وافية في
مقدمة تحقيقه لكتاب "الوسيط في المذهب" للإمام الغزالي.
4 هو "أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد بن برهان الأصولي. وبرهان
بفتح الباء الموحدة، قال السبكي: كان حاذق الذهن، عجيب الفطرة،
لا يكاد يسمع شيئًا إلا حفظه، وتعلق بذهنه. توفي سنة ثمان عشرة
وخمسمائة"، ترجمته في البداية والنهاية: 12/ 194، طبقات
الشافعية الكبرى: 6/ 30، مرآة الجنان: 3/ 225.
5 المجموع: 1/ 77، وتقدم ذكر مراجع تجزيء الاجتهاد في أول
الفقرة.
(1/90)
مطلقًا, وأجازه أبو نصر بن الصباغ1، غير
أنه خصصه بباب المواريث. قال: لأن الفرائض لا تنبني2 على غيرها
من الأحكام، فأما ما عداها من الأحكام فبعضه مرتبط ببعض.
والأصح أن ذلك لا يختص بباب المواريث، والله أعلم.
القسم الثاني: المفتي الذي ليس بمستقل، ومنذ دهر طويل طوي بساط
المفتي المستقل المطلق، والمجتهد المستقل3، وأفضى أمر الفتوى
إلى الفقهاء المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة، وللمفتي
المنتسب أحوال أربع:
الأولى: أن لا يكون مقلدًا "لإمامه"4، لا في المذهب5 ولا في
دليله لكونه قد جمع الأوصاف والعلوم المشترطة في المستقل،
وإنما ينتسب إليه لكونه سلك طريقه في الاجتهاد، ودعا إلى
سبيله6.
__________
1 هو "أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن جعفر بن
الصباغ قال السبكي: انتهت إليه رياسة الأصحاب. وكان ورعًا
نزهًا تقيًّا، صالحًا زاهدًا، فقيهًا أصوليًّا محققًا. توفي
سنة سبع وسبعين وأربعمائة". ترجمته في: البداية والنهاية: 12/
126، الجواهر المضية: 1/ 316، العبر 3/ 287، طبقات الشافعية
للسبكي: 5/ 122.
2 في ف وج "لا تبتني".
3 قال السيوطي في كتاب "الرد على من أخلد ... ": 93 "لهج كثير
من الناس اليوم بأن المجتهد المطلق فقد من قديم، وأنه لم يوجد
من دهر إلا المجتهد المقيد. وهذا غلط منهم، ما وقفوا على كلام
العلماء، ولا عرفوا الفرق بين المجتهد المطلق والمجتهد
المستقل، ولا بين المجتهد المقيد ولا المجتهد المنتسب، وبين كل
مما ذكر فرق؛ ولهذا ترى أن من وقع في عبارته المجتهد المستقل
مفقود من دهر، ينص في موضع آخر على وجود المجتهد المطلق،
وللتحقيق في ذلك أن المجتهد المطلق أعم من المجتهد المستقل،
وغير المجتهد المقيد، فإن المستقل هو الذي استقل بقواعد لنفسه
بنى عليها الفقه خارجًا عن قواعد المذاهب المقررة, وهذا شيء
فقد من دهر بل لو أراده الإنسان اليوم لامتنع عليه، ولم يجز
له، نص عليه غير واحد ... ".
4 من ف وج وش وفي الأصل: "لأئمته".
5 في ف وج "المذاهب".
6 "الرد على ... " للسيوطي: 95.
(1/91)
وقد بلغنا عن الأستاذ أبي إسحاق
الإسفراييني رحمه الله: إنه ادعى هذه الصفة لأئمة أصحابنا,
فحكى عن أصحاب مالك، وأحمد، وداود1، وأكثر أصحاب أبي حنيفة2،
رحمهم الله أنهم صاروا إلى مذاهب أئمتهم تقليدًا لهم3. ثم قال:
الصحيح الذي ذهب إليه المحققون ما ذهب إليه أصحابنا، وهو أنهم
صاروا إلى مذهب الشافعي رحمه الله "تعالى"4, لا على جهة
التقليد له، ولكن لما وجدوا طريقه في الاجتهاد والفتاوى أسد
الطرق، وأولاها، ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه في
الاجتهاد، وطلبوا معرفة الأحكام بالطريق الذي طلبها الشافعي به
"رحمه الله تعالى"5.
قلت: وهذا الذي حكاه عن أصحابنا واقع على وفق ما رسمه لهم
الشافعي، ثم المزني6 في أول "مختصره"، وفي غيره, وذكر الشيخ
أبو علي السنجي7 شبيهًا
__________
1 هو "أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني، الإمام
المشهور بالظاهري قال ابن خلكان: كان زاهدًا متقللا كثير
الورع، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع كثير يعرفون
بالظاهرية. توفي سنة سبعين ومائتين"، ترجمته في تاريخ بغداد:
8/ 369، طبقات الشيرازي: 176، وفيات الأعيان: 2/ 255، تذكرة
الحفاظ: 2/ 572.
2 هو "الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه
الكوفي، كان عالمًا عاملا زاهدًا عابدًا ورعًا تقيًّا، مناقبه
وفضائله جمة، توفي ببغداد في السجن لِيَلِيَ القضاء فلم يفعل،
سنة خمسين ومائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 13/ 323، الجواهر
المضية: 1/ 26، تذكرة الحفاظ: 1/ 168، العبر: 1/ 214.
3 في ف وج "بتقليد لهم".
4 من ف وج.
5 من ج وش.
6 هو "أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، كان
زاهدًا عالمًا مجتهدًا، وهو إمام الشافعيين وأعرفهم بطرقه
وفتاويه، وما ينقله عنه، توفي سنة أربع وستين ومائتين بمصر".
ترجمته في المؤلف للدارقطني: 2190، طبقات الشيرازي: 97، وفيات
الأعيان: 1/ 217، طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 93.
7 هو "أبو علي الحسين بن شعيب بن محمد السنجي، من قرية سنج،
بكسر السين المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم، وهي من أكبر قرى
مرو، فقيه العصر، وعالم خراسان، وأول من جمع بين طريقتي
العراق، وخراسان، توفي سنة ثلاثين وأربعمائة", ترجمته في
البداية والنهاية: 12/ 57، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 344.
(1/92)
بذلك، فقال: اتبعنا قول الشافعي، دون غيره
من الأئمة، لأنا وجدنا قوله أحج1 الأقوال وأعدلها، "لا أنا"2
قلده في قوله3.
قلت: دعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقًا من كل وجه لا يستقيم إلا
أن يكون قد أحاطوا بعلوم الاجتهاد المطلق، وفازوا برتبة
المجتهدين المستقلين، وذلك لا يلائم المعلوم من أحوالهم, أو
أحوال أكثرهم، وقد ذكر بعض الأصوليين منا: أنه لم يوجد بعد عصر
الشافعي مجتهد مستقل4.
وحكى اختلافًا بين أصحابنا، وأصحاب أبي حنيفة في أبي يوسف5،
__________
1 في ف وج "أحج من الأقوال".
2 من ش، وكتبت في باقي النسخ "لانا".
3 اقتبس الفقرة النووي في المجموع: 1/ 77، وانظر "شرح عقود رسم
المفتي المفتي" للعلامة السيد محمد أمين الشهير بابن عبدون
الحنفي، طبع الأستانة: 1/ 31، وقال ابن القيم في إعلام
الموقعين: "4/ 213-214": " ... وكل منهم يقول ذلك عن إمامه،
ويزعم أنه أولى بالاتباع من غيره، ومنهم من يغلو فيوجب اتباعه،
ويمنع من اتباع غيره.
فبالله العجب من اجتهاد نهض بهم إلى كون متبوعهم ومقلدهم أعلم
من غيره، أحق بالاتباع من سواه، وأن مذهبه هو الراجح، والصواب
دائر معه، وقعد بهم عن الاجتهاد في كلام الله ورسوله، واستنباط
الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النص، مع استيلاء كلام الله
ورسوله على غاية البيان، وتضمنه لجوامع الكلم، وفصله للخطاب،
وبراءته من التناقض والاختلاف والاضطراب، فقعدت بهم هممهم عن
الاجتهاد فيه، ونهضت بهم إلى الاجتهاد في كون إمامهم أعلم
الأمة وأولاها بالصواب، وأقواله في غاية القوة وموافقة السنة
والكتاب، والله المستعان".
ونقل السيوطي كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى في كتابه "الرد
على من أخلد إلى الأرض": 95.
4 المجموع: 1/ 78.
5 هو "القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، صاحب أبي
حنيفة رضي الله عنه، كان فقيهًا عالمًا حافظًا. قال عمار بن
أبي مالك: ما كان في أصحاب أبي حنيفة مثل أبي يوسف، توفي سنة
اثنتين وثمانين ومائة" ترجمته في تاريخ بغداد: 14/ 242، أخبار
القضاة لوكيع: 3/ 254، وفيات الأعيان: 6/ 378، تذكرة الحفاظ:
1/ 292، العبر: 1/ 284، مرآة الجنان: 1/ 382.
(1/93)
ومحمد1، والمزني، وابن سريج2 خاصًّا3، هل
كانوا من المجتهدين المستقلين، أو من المجتهدين في المذاهب؟ 4
ولا نستنكر5 دعوى ذلك فيهم في فن من الفقه، دون فن بناء على ما
قدمناه من جواز تجزيء6 منصب المجتهد المستقل7، ويبعد جريان ذلك
الخلاف في حق هؤلاء المتبحرين الذين عم نظرهم الأبواب كلها،
فإنه لا يخفى على أحدهم إذا كمل في باب ما لا يتعلق منه بغيره
من الأبواب التي لم يكمل فيها لعموم نظره وجولانه في الأبواب
كلها.
إذا عرفت هذا ففتوى المنتسبين في هذه الحالة، في حكم فتوى
المجتهد المستقل المطلق، يعمل بها ويعتد بها في الإجماع
والخلاف8، والله أعلم.
الحالة الثانية: أن يكون في مذهب إمامه مجتهدًا مقيدًا فيستقل
بتقرير مذاهبه بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه
وقواعده9، ومن شأنه أن يكون
__________
1 هو "أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد، الشيباني، مولاهم،
الفقيه الحنفي قال الشافعي: حملت من علم محمد بن الحسن وقر
بعير، توفي سنة تسع وثمانين ومائة"، ترجمته في تاريخ بغداد: 2/
172، المعارف: 500، وفيات الأعيان: 4/ 184.
2 هو "أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، الفقيه الشافعي، قال
أبو إسحاق الشيرازي: كان يفضل على جمع أصحاب الشافعي رحمة الله
تعالى عليهم، حتى على: المزني. توفي سنة ست وثلاثمائة".
ترجمته في: تاريخ بغداد: 4/ 287، طبقات الشيرازي: 108، وفيات
الأعيان: 1/ 66، طبقات الشافعية الكبرى: 3/ 21، العبر: 2/ 132.
3 في ف وج وش" خاصة أهل".
4 انظر الأقوال في هؤلاء الأئمة في "النافع الكبير لمن يطالع
الجامع الصغير" للعلامة الكنوي المتوفى سنة1304هـ طبع الهند:
"4-6" "وعمدة الرعاية" مقدمة "شرح الوقاية" للعلامة الكنوي: 9،
و"شرح عقود رسم المفتي: 31.
5 في ف وج "ولا يستنكر".
6 في ف وج "تجوز".
7 تقدم ذكر المذاهب في تجزيء الاجتهاد: "89-90".
8 انظر "إعلام الموقعين": 4/ 212-213".
9 إعلام الموقعين: "4/ 213، "الرد على من أخلد إلى الأرض"
للسيوطي: 96، مغني المحتاج: 4/ 377.
(1/94)
عالمًا بالفقه، خبيرًا بأصول الفقه، عارفًا
بأدلة الأحكام تفصيلا، بصيرًا بمسالك الأقيسة والمعاني، تام
الارتياض في التخريج والاستنباط قيمًا بإلحاق ما ليس بمنصوص
عليه في مذهب إمامه بأصول مذهبه وقواعده، ولا يعرى عن شوب من
التقليد له، لإخلاله ببعض العلوم والأدوات المعتبرة في
المستقل. مثل أن يخل بعلم الحديث أو بعلم اللغة العربية،
وكثيرًا ما وقع الإخلال بهذين العلمين في أهل الاجتهاد المقيد.
ويتخذ نصوص إمامه أصولًا يستنبط منها نحو1 ما يفعله المستقل
بنصوص الشارع، وربما مر به الحكم وقد ذكره إمامه بدليله،
فيكتفي بذلك "فيه"2 ولا يبحث هل لذلك الدليل من معارض؟ ولا
يستوفي النظر في شروطه كما يفعله المستقل، وهذه صفة أصحاب
الوجوه والطرق في المذهب.
وعلى هذه الصفة كان أئمة أصحابنا، أو أكثرهم، ومن كان هذا شأنه
فالعامل بفتياه مقلد لإمامه. لا له3، لأن معوله على صحة إضافة
ما يقوله إلى إمامه، لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع،
والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: الذي رأيته من كلام الأئمة يشعر بأن من كانت هذه حالته
ففرض الكفاية لا يتأدى به، ووجهه أن ما فيه من التقليد نقص
وخلل في المقصود.
وأقول: "إنه"4 يظهر أنه يتأدى به فرض الكفاية في الفتوى، وإن
لم يتأد به فرض الكفاية في إحياء العلوم التي منها استمداد
الفتوى5، لأنه قد قام في فتواه مقام إمام مطلق، فهو يؤدي عنه
ما كان يتأدى به6 الفرض حين كان حيًّا قائمًا بالفرض
__________
1 ساقطة من ج.
2 من ش.
3 "الرد على من أخلد إلى الأرض": 96.
4 من ش.
5 "الرد على من أخلد إلى الأرض": "36، 38، 97" اقتبس كلام ابن
الصلاح وسمى كتابه "أدب الفتيا"، وكذا نقل كلام ابن الصلاح
صاحب "الإبهاج في شرح المنهاج" 3/ 256.
6 سقطت من ف وج.
(1/95)
فيها. والتفريع على الصحيح في أن تقليد
الميت جائز1.
الثاني: قد يوجد من المجتهد المقيد الاستقلال بالاجتهاد
والفتوى في مسألة خاصة، أو باب خاص2، كما تقدم في النوع الذي
قبله، والله أعلم.
الثالث: يجوز له أن يفتي فيما لا يجده من أحكام الوقائع
منصوصًا عليه لإمامه بما يخرجه على مذهبه، هذا هو الصحيح الذي
عليه العمل، وإليه مفزع المفتين من مدد مديدة، فالمجتهد في
مذهب الشافعي مثلا، المحيط بقواعده مذهبه، المتدرب في مقاييسه
وسبل تصرفاته، متنزل كما قدمنا ذكره في الإلحاق بمنصوصاته
وقواعد مذهبه منزلة المجتهد المستقل في إلحاقه ما لم ينص عليه
الشارع بما نص عليه، وهذا أقدر على هذا من ذاك3 على ذاك4، فإن
هذا يجد في مذهب إمامه من القواعد الممهدة، والضوابط المهذبة
ما لا يجده المستقل في أصل الشرع ونصوصه، ثم إن هذا5 المستفتي
فيما يفتيه به من تخريجه هذا مقلد لإمامه، لا له.
قطع بهذا الشيخ أبو المعالي ابن الجويني في كتابه "الغياثي"6.
وأنا أقوال: ينبغي أن يخرج هذا على خلاف حكاه الشيخ أبو إسحاق
الشيرازي7: في أن ما يخرجه أصحابنا رحمهم الله على مذهب
الشافعي رضي الله
__________
1 انظر "إعلام الموقعين": 4/ 215، و"المحصول" للرازي: "2/ 3/
97- 98"، المعتمد: 2/ 360.
2 المجموع: 1/ 77، وانظر مجموع الفتاوى الكبرى: 20/ 204، إعلام
الموقعين: 4/ 216.
3 و4 في ف وج "ذلك".
5 سقطت من ش.
6 انظر الغياثي: 426.
7 هو "أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزآبادي
صاحب "التبصرة" و"التنبيه" و"المهذب" في الفقه. وغير ذلك قال
السبكي: هو الشيخ الإمام شيخ الإسلام، صاحب التصانيف التي سارت
كمسير الشمس، ودارت الدنيا ... توفي سنة ست وسبعين وأربعمائة"،
ترجمته في: تبيين كذب المفتري: 276، البداية والنهاية: 12/
124، العبر: 3/ 283، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 215.
(1/96)
عنه هل يجوز أن ينسب إليه؟ واختار الشيخ
أبو إسحاق: أنه لا يجوز أن ينسب إليه1. والله أعلم.
الرابع: تخريجه تارة يكون من نص معين لإمامه في مسألة معينة،
وتارة لا يجد لإمامه نصًّا معينًا يخرج منه "فيخرج"2 على وفق
أصوله، بأن يجد دليلا من جنس ما يحتج به إمامه وعلى3 شرطه،
فيفتي بموجبه، ثم إن وقع النوع الأول من التخريج في صورة فيها
نص لإمامه مخرجًا خلاف نصه فيها من نص آخر في صورة أخرى، سمي
قولا مخرجًا4، وإذا وقع النوع الثاني في صورة قد قال فيها بعض
الأصحاب غير ذلك سمي ذلك وجهًا. ويقال: فيها وجهان. وشرط
التخريج المذكور عند اختلاف النصين، أن لا يجد بين المسألتين
فارقًا، ولا حاجة في مثل ذلك إلى علة جامعة، وهو من قبيل إلحاق
الأمة بالعبد في5 قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركً ا 6
له في عبد قوم عليه" 7.
__________
1 التبصرة في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي: 517، اللمع:
133، ونقل النووي هذه الفقرة عن ابن الصلاح في المجموع: 1/ 78،
وانظر: الشربيني في مغني المحتاج: 1/ 12، والرملي في النهاية:
1/ 43، وإعلام الموقعين: 4/ 215.
2 من ف وج وش وفي الأصل: "مخرج".
3 في ف وج "على".
4 في المسودة: "532، 533": "وأما الأوجه فأقوال الأصحاب
وتخريجهم إن كانت مأخوذة من قواعد الإمام أحمد أو إيمانه أو
دليله أو تعليقه أو سياق كلامه".
والتخريج: هو نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما
فيه.
5 في ف وج "لقوله".
6 "أي حصة ونصيبًا"، النهاية: 2/ 467.
7 رواه البخاري: 5/ 32 في الشركة، باب تقويم الأشياء بين
الشركاء، باب الشركة في الرفيق، وفي العتق، باب إذا أعتق عبدًا
أو عبدين بين اثنين أو أمة بين الشركاء، وباب كراهة التطاول
على الرقيق، الأحاديث: "2491، 2503، 2521، 2522، 2523، 2525"،
ومسلم في الأيمان، باب من أعتق شركًا له في عبد حديث رقم:
"1501"، وأبو داود في العتق، باب فيمن روى أن لا يستسعي،
الأحاديث "3940-3947"، والترمذي في الأحكام، باب ما جاء في
العبد يكون بين الرجلين فينفق أحدهما نصيبه، الأحاديث: "1346،
1347"، والنسائي: 7/ 319 في البيوع، باب الشركة بغير مال، وباب
الشركة في الرقيق، ومالك في الموطأ: 2/ 772 في العتق، باب من
أعتق شركًا له في مملوك من رواية "عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما"، وانظر نيل الأوطار: 6/ 207.
(1/97)
ومهما أمكنه الفرق بين المسألتين لم يجز له
على الأصح التخريج، ولزمه1 تقرير النصين على ظاهرهما معتمدًا
على الفارق، وكثيرًا ما يختلفون في القول بالتخريج في مثل ذلك
لاختلافهم في إمكان الفرق2، والله أعلم.
الحالثة الثالثة3: أن لا يبلغ رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه
والطرق، غير أنه فقيه النفس4 حافظ لمذهب إمامه، عارف5 بأدلته،
قائم بتقريرها، وبنصرته، يصور، ويحرر، ويمهد، ويقرر، ويزيف،
ويرجح، لكنه قصر عن درجة أولئك، إما لكونه لم يبلغ في حفظ
المذهب مبلغهم، وإما لكونه لم يرتضي في التخريج والاستنباط
كارتياضهم، وإما لكونه غير متبحر في علم أصول الفقه على أنه لا
يخلو مثله في ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أداته6، على
أطراف من قواعد أصول الفقه، وإما لكونه مقصرًا في غير ذلك من
العلوم التي هي أدوات الاجتهاد الحاصل لأصحاب الوجوه والطرق.
وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الخامسة7 من
الهجرة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه تصانيف
بها معظم اشتغال الناس اليوم، ولم يلحقوا بأرباب الحالة
الثانية في تخريج الوجوه، وتمهيد الطرق في المذهب.
__________
1 في ج "فلزمه" وطمست في ف.
2 نقل الإمام النووي هذه الفقرة عن ابن الصلاح رحمه الله تعالى
في المجموع: 1/ 78.
وانظر التبصرة: 516، وجمع الجوامع: 2/ 38.
3 "الرد على ... " السيوطي: 97.
4 فقه النفس: هو استعداد فطري يؤهله للاجتهاد. قال إمام
الحرمين في البرهان: 2/ 1332 فقرة "1490": ثم يشترط "أي للمفتي
والمجتهد" وراء ذلك كله فقه النفس فهو رأس مال المجتهد، ولا
يتأتى كسبه، فإن حيل على ذلك فهو المراد، وإلا فلا يتأتى
تحصيله بحفظ الكتب.
5 في ف وج "عارفًا".
6 في ف وج "أدلة" وفي ش "أدلته".
7 في المجموع: 1/ 79 "الرابعة" وانظر "الإحكام": 2/ 172،
و"مسلم الثبوت": 2/ 399، و"جمع الجوامع": 2/ 398.
(1/98)
وأما في فتاويهم فقد كانوا يتبسطون فيها
كتبسيط أولئك، أو قريبًا منه، ويقيسون غير المنقول والمسطور
على المنقول والمسطور في المذهب غير "مقتصرين"1 في ذلك على
القياس الجلي2، وقياس لا فارق، الذي هو نحو قياس الأمة على
العبد في إعتاق الشريك، وقياس المرأة على الرجل في رجوع البائع
إلى عين ماله عند تعذر الثمن.
وفيهم من جمعت فتاويه وأفردت بالتدوين، ولا يبلغ في التحاقها
بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه، ولا تقوى كقوتها3، والله
أعلم.
الحالة الرابعة4: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله5، وفهمه في واضحات
المسائل ومشكلاتها، غير أن عنده ضعفًا في تقرير أدلته وتحرير
أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات
مذهبه من منصوصات إمامه وتفريعات أصحابه6 المجتهدين في مذهبه
وتخريجاتهم، وأما ما لا يجده منقولا في مذهبه، فإن وجد في
المنقول ما هذا في معناه بحيث يدرك من غير فضل فكر وتأمل أنه
لا
__________
1 من ف وج وش وفي الأصل "المقتصرين".
2 قال الآمدي في الإحكام: 4/ 3 "القياس الجلي: ما كانت العلة
فيه منصوصة، أو غير منصوصة غير أن الفارق بين الأصل والفرع
مقطوع بنفي تأثيره.
فالأول: كإلحاق تحريم ضرب الوالدين بتحريم التأفيف بهما لعلة
كف الأذى عنهما.
والثاني: كإلحاق الأمة بالعبد في تقويم النصيب، حيث عرفنا أنه
لا فارق بينهما سوى الذكورة في الأصل، والأنوثة في الفرع،
وعلمنا عدم التفات الشارع إلى ذلك في أحكام العتق خاصة".
"وأما الخفي: فما كانت العلة فيه مستنبطة من حكم الأصل، كقياس
القتل بالمثقل على المحدد ونحوه".
3 نقل الإمام النووي عن ابن الصلاح هذه الفقرة بشيء من التصرف
"المجموع": 1/ 79, والسيوطي في الاجتهاد: 97.
4 اقتبس السيوطي في كتابه "الرد على من أخلد": 97 هذه الحالة
عن ابن الصلاح وسمى الكتاب "آداب الفتيا"، المجموع: 1/ 79، صفة
الفتوى: 23.
5 من ف وج وش، وكذا في الرد للسيوطي: 97، وفي الأصل: "في
نقله".
6 في ف وج "أصحاب".
(1/99)
فارق بينهما، كما في الأمة بالنسبة إلى
العبد المنصوص عليه في إعتاق الشريك، جاز له إلحاقه به والفتوى
به. وكذلك ما يعم اندراجه تحت ضابط منقول ممهد في المذهب، وما
لم يكن كذلك فعليه الإمساك عن الفتيا فيه.
ومثل هذا يقع نادرًا1 في حق2 مثل الفقيه المذكور، إذ يبعد كما
ذكر الإمام أبو المعالي ابن الجويني3: أن تقع واقعة لم ينص على
حكمها في المذهب، ولا هي في معنى شيء من4 المنصوص عليه فيه من
غير فرق، ولا هي مندرجة تحت شيء من5 ضوابط المذهب المحررة فيه،
ثم إن هذا الفقيه لا يكون إلا فقيه النفس، لأن تصوير المسائل
على وجهها، ثم نقل أحكامها بعد استتمام تصويرها جلياتها6
وخفياتها7 لا يقوم إلا فقيه النفس، ذو حظ من الفقه8.
قلت: وينبغي أن يكتفى في حفظ المذهب في هذه الحالة، وفي الحالة
التي قبلها، بأن يكون المعظم على مد9 ذهنه، ويكون لدربته
متمكنًا من الوقوف على الباقي بالمطالعة، أو ما يلتحق بها على
القرب كما اكتفينا في أقسام الاجتهاد الثلاثة الأول، بأن يكون
المعظم على ذهنه، "ويتمكن"10 من إدراك الباقي بالاجتهاد11 على
القرب12.
__________
1 في ف وج "ناديًا".
2 سقطت من ف وج.
3 انظر الغياثي: "423-424".
4 في ف وج "في".
5 في ش: "من المنصوص ضوابط".
6 في ف وج "جليانها".
7 في ف وج "خفيانها".
8 انظر الغياثي: 424.
9 سقطت من ف وج وش.
10 من ف وج وش وفي الأصل: "وتمكن".
11 في ش "الباقي على القرب الاجتهاد".
12 اقتبس الإمام النووي هذه الفقرة عن ابن الصلاح في المجموع:
1/ 79، صفة الفتوى: 23.
(1/100)
هذه1 أصناف المفتين وشروطهم، وهي خمسة، وما
من صنف منها إلا ويشترط فيه: حفظ المذهب، وفقه النفس وذلك فيما
عدا الصنف الأخير الذي هو2 بعض ما يشترط في هذا القبيل. فمن
انتصب في منصب الفتيا وتصدى لها وليس على صفة واحدة2 من هذه
الأصناف الخمسة، فقد باء بأمر عظيم، {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ
أَنَّهُمْ مَبْعُوثُون, لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} 4، ومن أراد التصدي
للفتيا ظانًّا كونه من أهلها فليتهم نفسه، وليتق ربه تبارك
وتعالى، ولا يخدعن عن الأخذ بالوثيقة لنفسه والنظر لها.
ولقد قطع الإمام أبو المعالي، وغيره: بأن الأصولي الماهر
المتصرف في الفقه لا تحل له الفتوى بمجرد ذلك5، ولو وقعت له في
نفسه واقعة لزمه أن يستفتي غيره فيها. ويلتحق به المتصرف
النظار البحاث في الفقه من أئمة الخلاف، وفحول المناظرين.
وهذا لأنه ليس أهلا لإدراك حكم الواقعة استقلالا لقصور آلته،
ولا من مذهب إمام متقدم لعدم حفظه له وعدم إطلاعه عليه على
الوجه المعتبر6، والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: قطع الإمام العلامة أبو عبد الله الحليمي7 إمام
الشافعيين بما وراء
__________
1 في ف وج "وهذه".
2 في النسخ كلمة غير مفهومة تقرب من "أخسها" أو "اجتنبها".
3 في ش "واحد".
4 سورة المطففين آية "5 و6".
5 انظر رأي إمام الحرمين في البرهان: "1/ 685-686" فقرات "632،
633"، وذكر الآمدي فيه خلافًا انظر الإحكام: 1/ 288.
6 المجموع: 1/ 79، صفة الفتوى: "24-25".
7 هو "الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن
حليم الحليمي. قال الحاكم: أوحد الشافعيين بما وراء النهر،
وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال، وأبي بكر الأودني. توفي
سنة ثلاث وأربعمائة"، ترجمته في البداية والنهاية: 11/ 349،
العبر: 3/ 84، طبقات الشافعية الكبرى: 4/ 333، المنتظم: 7/
264.
(1/101)
النهر، والقاضي أبو المحاسن1 الروياني،
صاحب "بحر المذهب"2، وغيرهما: بأنه لا يجوز للمقلد أن يفتي بما
هو مقلد فيه3.
وذكر الشيخ أبو محمد الجويني في "شرحه لرسالة الشافعي": عن
شيخه أبي بكر القفال المروزي4: أنه يجوز لمن حفظ5 مذهب صاحب
مذهب ونصوصه، أن يفتي به وإن لم يكن عارفًا بغوامضه وحقائقه.
وخالفه الشيخ أبو محمد، وقال: لا يجوز أن يفتي بمذهب غيره إذا6
لم يكن متبحرًا فيه، عالمًا بغوامضه وحقائقه، كما لا يجوز
للعامي الذي جمع فتاوى المفتين أن يفتي بها، وإذا كان متبحرًا
فيه جاز أن يفتي به.
__________
1 هو "الإمام الجليل أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن
أحمد بن محمد الروياني: بضم الراء وسكون الواو، والفقهاء
يهمزون الرياني، والمعروف أنه بغير همز، من قرى طبرستان. قال
فيه القاضي أبو محمد الجرجاني: نادرة العصر، إمام في الفقه،
توفي سنة اثنتين وخمسمائة". ترجمته في المنتظم: 9/ 160، معجم
البلدان: 2/ 873، البداية والنهاية: 12/ 170، طبقات الشافعية
الكبرى: 7/ 193، العبر: 4/ 4.
2 قال ابن كثير في البداية والنهاية: 12/ 170، وهو حافل كامل
شامل للغرائب وغيرها، وفي المثل: حدث عن البحر ولا حرج".
3 انظر المعتمد: "2/ 359-360"، الإبهاج في شرح المنهاج: 3/
268، صفة الفتوى لابن حمدان: 25، إعلام الموقعين: "1/ 46، 4/
194"، إرشاد الفحول: 296.
4 هو "الإمام الزاهد أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله،
يعرف بالقفال الصغير المروزي. قال السبكي: شيخ الخراسانيين،
وليس هو القفال الكبير، هذا أكثر ذكرًا في الكتب، أي كتب
الفقه، لا يذكر غالبًا إلا مطلقًا، وذاك إذا أطلق قيد بالشاشي،
وقال ابن ناصر العمري: لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه
منه، ولا يكون بعده مثله، وكنا نقول: إنه ملك في صورة إنسان،
توفي سنة سبع عشرة وأربعمائة"، ترجمته في المختصر في أخبار
البشر: 2/ 163، العبر: 3/ 124، طبقات الشافعية الكبرى: 5/ 53.
5 نقل الإمام ابن القيم هذه الفقرة عن ابن الصلاح في إعلام
الموقعين: 4/ 195 وجاء فيها "لمن حفظ كلام صاحب مذهب".
6 في ف وج "إذ".
(1/102)
قلت1: قول من قال: لا يجوز أن يفتي بذلك،
معناه أنه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه
ويحكيه عن إمامه الذي قلده، فعلى هذا من عددناه في أصناف
المفتين من المقلدين ليسوا2 على الحقيقة من المفتين، ولكنهم
قاموا مقام المفتين وأدوا3 عنهم فعدوا معهم، وسبيلهم في ذلك أن
يقولوا4 مثلا: مذهب الشافعي كذا وكذا، ومقتضى مذهبه كذا وكذا،
وما أشبه ذلك، ومن ترك منهم5 إضافة ذلك إلى إمامه إن كان ذلك
"منه"6 اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح بالمقال فلا بأس7.
وذكر الماوردي في كتابه "الحاوي": في العامي إذا عرف حكم حادثة
بناء على دليلها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجوز أن يفتي به، ويجوز تقليده فيه، لأنه قد وصل
إلى العلم به، مثل وصول العالم إليه.
والثاني: يجوز ذلك إن كان دليلها من الكتاب أو8 السنة.
والثالث: وهو أصحها أنه لا يجوز ذلك مطلقًا9.
__________
1 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه: قول ... ".
2 في الأصل: "من ليسوا".
3 في إعلام الموقعين: 4/ 195 "وادعوا".
4 في ف وج: "يقول".
5 سقطت من ف وج.
6 من ف وج وش وفي الأصل "منهم". وفي إعلام الموقعين: 4/ 195
"كان ذلك اكتفاء منه".
7 نقل الإمام ابن قيم الجوزية كلام ابن الصلاح هذا بنصه في
"إعلام الموقعين" "4/ 195-196". وقال: "قلت: ما ذكره أبو عمرو
حسن إلا أن صاحب هذه المرتبة يحرم عليه أن يقول: "مذهب
الشافعي" لما لا يعلم أنه نصه الذي أفتى به، أو يكون شهرته بين
أهل المذهب شهرة لا يحتاج معها إلى الوقوف على نصه، كشهرة
مذهبه في الجهر بالبسملة ... وأما قول الشيخ أبي عمرو: إن لهذا
المفتي أن يقول: هذا مقتضى مذهب الشافعي مثلا، فلعمر الله لا
يقبل ذلك من كل من نصب نفسه للفتيا حتى يكون عالمًا بمأخذ صاحب
المذهب ومداركه وقواعده جمعًا وفرقًا ... ".
8 في ف وج "والسنة".
9 المجموع: 1/ 80.
(1/103)
قلت1: وليس فيما ذكره حكاية خلاف في جواز
فتيا المقلد وتقليده، لأن فيما ذكره من توجيه وجه الجواز
تشبيهًا2 بأن العامي لا يبقى مقلدًا في حكم تلك الحادثة، والله
أعلم.
الثاني: إن قلت: من تفقه وقرأ كتابًا من كتب المذهب، أو أكثر3،
وهو مع ذلك قاصر لم يتصف بصفة أحد من "أصناف"4 المفتين الذين
سبق ذكرهم، فإذا لم يجد العامي في بلده غيره فرجوعه إليه أولى
من أن يبقى في واقعته مرتبكًا في حيرته.
قلت: إن كان في غيره بلده مفت يجد السبيل إلى استفتائه فعليه
التوصل إلى استفتائه بحسب إمكانه، على أن بعض أصحابنا، ذكر أنه
إذا شغرت البلدة عن المفتين فلا يحل المقام فيها، وإن تعذر ذلك
عليه ذكر مسألته للقاصر المذكور، فإن وجد مسألته بعينها مسطورة
في كتاب موثوق بصحته، وهو ممن يقبل خبره، نقل له حكمها بنصه،
وكان العامي في ذلك مقلدًا لصاحب المذهب5، وهذا وجدته في ضمن
كلام بعضهم، والدليل يعضده، ثم لا يعد هذا القاصر بأمثال ذلك
من المفتين، ولا من الأصناف المذكورة المستعار لهم سمة
المفتين، وإن لم يجد مسألته بعينها ونصها مسطورة فلا سبيل له
إلى القول فياه قياسًا على ما عنده من المسطورة، وإن اعتقده من
قبيل قياس لا فارق الذي هو نحو قياس الأمة على العبد في سراية
العتق، لأن القاصر معرض لأن يعتقد ما ليس من هذا القبيل داخلا
في هذا القبيل، وإنما استتب إلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق
في حق من عرف مصادر الشرع وموارده في أحكام العتق بحيث استبان
له أنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، والله أعلم.
__________
1 في ش: "قال المصنف رضي الله عنه".
2 في ف وج كأنها "تشبثًا" أو "تشبيهًا".
3 في ف: "أكبر".
4 من ف وج وش.
5 انظر "المحصول": "2/ 3/ 99-100", و"شرح عقود رسم المفتي"
لابن عابدين: 13, المجموع: 1/ 80.
(1/104)
الثالث: إذا لم يجد صاحب الواقعة مفتيًا
ولا أحدًا ينقل له حكم واقعته، لا في بلده ولا في غيره فماذا
يصنع؟ قلت: هذه مسألة فترة الشريعة الأصولية1، والسبيل في ذلك
كالسبيل فيما قبل ورود الشرائع، والصحيح في كل2 ذلك القول
بانتفاء التكليف عن العبد، فإنه3 لا يثبت في حقه حكم، لا
إيجاب، ولا تحريم، ولا غير ذلك، فلا يؤاخذ إذن صاحب الواقعة
بأي شيء صنعه فيها، وهذا مع تقرره4 بالدليل المعنوي الأصولي،
يشهد له حديث حذيفة5 بن "اليمان"6 رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال:
"يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام، ولا
صلاة، ولا نسك، ولا صدقة، ويسرى على كتاب الله تعالى في ليلة,
فلا7 يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس، الشيخ
الكبير، والعجوز الكبيرة، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه
الكلمة لا إله إلا الله8، فنحن نقولها". فقال صلة بن زفر9،
لحذيفة: "فما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما
صلاة، ولا
__________
1 انظر البرهان: "ص1348-1350"، الغياثي: "ص429"، الإحكام
للآمدي: 4/ 312، مختصر ابن الحاجب: 2/ 307، التحرير لابن
الهمام: 4/ 240، جمع الجوامع لابن السبكي: 2/ 398، مسلم
الثبوت: 2/ 399 فصول البدائع: 2/ 430، إعلام الموقعين: "4/
219-220"، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لعبد القادر بن بدران:
386.
2 سقطت من ف وج.
3 في ف وج "وأنه".
4 في ش "تقريره".
5 هو "حذيفة بن اليمان، واسم اليمان: حسيل مصغرًا، ويقال: حسل:
بكسر ثم سكون, العبسي بالموحدة، حليف الأنصار، صحابي جليل من
السابقين، صح في مسلم عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعلمه بما كان، وما يكون إلى أن تقوم الساعة، وأبوه صحابي
أيضًا، استشهد بأحد، ومات حذيفة في أول خلافة علي سنة ست
وثلاثين"، التقريب: 1/ 156.
6 في الأصل: "اليان"، وفي ف "اليماني".
7 في ف وج "لا يبقى".
8 في ش "إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة فنحن نقولها".
9 "صلة: بكسر أوله وفتح اللام الخفيفة، ابن زفر: بضم الزاي،
وفتح الفاء، العبسي، بالموحدة، أبو العلاء، وأبو بكر الكوفي،
تابعي كبير, ثقة جليل، مات في حدود السبعين". التقريب: 1/ 370،
تهذيب التهذيب: 4/ 437.
(1/105)
صيام ولا نسك، ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة،
فردها1 عليه ثلاثًا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في
الثالثة، فقال: يا صلة! تنجيهم من النار، تنجيهم من النار"2،
رواه أبو عبد الله ابن ماجه في "سننه".
والحاكم أبو عبد الله الحافظ في "صحيحه". وقال: هذا حديث صحيح
على شرط مسلم ولم يخرجاه3. والله أعلم4.
__________
1 في ش "فردها".
2 رواه ابن ماجه: "2/ 1344-1345" في الفتن، باب ذهاب القرآن
والعلم، حديث رقم: "4049"، وفي الزوائد: "إسناده صحيح، رجاله
ثقات" سنن ابن ماجه: 2/ 1345. وأخرجه الحاكم في المستدرك: 4/
473.
3 وسكت عنه الذهبي.
4 سقطت من ج.
(1/106)
|