أصول السرخسي فصل فِي بَيَان حكم الْوَاجِب بِالْأَمر
وَذَلِكَ نَوْعَانِ أَدَاء وَقَضَاء
فالأداء تَسْلِيم عين الْوَاجِب بِسَبَبِهِ إِلَى مُسْتَحقّه
قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا
الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أد
الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك وَالْقَضَاء
إِسْقَاط الْوَاجِب بِمثل من عِنْد الْمَأْمُور هُوَ حَقه
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام خَيركُمْ أحسنكم قَضَاء
وَقَالَ رحم الله امْرأ سهل البيع وَالشِّرَاء سهل الْقَضَاء
سهل الِاقْتِضَاء ويتبين هَذَا فِي الْمَغْصُوب رد الْغَاصِب
عينه تَسْلِيم نفس الْوَاجِب عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ ورد الْمثل
بعد هَلَاك الْعين إِسْقَاط الْوَاجِب بِمثل من عِنْده فيسمى
الأول أَدَاء وَالثَّانِي قَضَاء لحقه وَقد يدْخل النَّفْل فِي
قسم الْأَدَاء على قَول من يَقُول مُقْتَضى الْأَمر النّدب أَو
الْإِبَاحَة لِأَنَّهُ يسلم عين مَا ندب إِلَى تَسْلِيمه وَلَا
يدْخل فِي قسم الْقَضَاء لِأَنَّهُ إِسْقَاط الْوَاجِب بِمثل
من عِنْده وَلَا وجوب هُنَاكَ وَقد تسْتَعْمل عبارَة الْقَضَاء
فِي الْأَدَاء مجَازًا لما فِيهِ من إِسْقَاط الْوَاجِب قَالَ
الله تَعَالَى {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} وَقَالَ تَعَالَى
{فَإِذا قضيت الصَّلَاة} وَقد
(1/44)
تسْتَعْمل عبارَة الْأَدَاء فِي الْقَضَاء
مجَازًا لما فِيهِ من التَّسْلِيم إِلَّا أَن حَقِيقَة كل
عبارَة مَا فسرناها بِهِ فَفِي الْأَدَاء معنى الِاسْتِقْصَاء
وَشدَّة الرِّعَايَة فِي الْخُرُوج عَمَّا لزمَه وَذَلِكَ
بِتَسْلِيم عين الْوَاجِب وَلَيْسَ فِي الْقَضَاء من معنى
الِاسْتِقْصَاء وَشدَّة الرِّعَايَة شَيْء بل فِيهِ إِشَارَة
إِلَى معنى التَّقْصِير من الْمَأْمُور وَذَلِكَ بِإِقَامَة
مثل من عِنْده مقَام الْمَأْمُور بِهِ بعد فَوَاته
وَاخْتلف مَشَايِخنَا فِي أَن وجوب الْقَضَاء بِالسَّبَبِ
الَّذِي وَجب بِهِ الْأَدَاء أم بِدَلِيل آخر غير الْأَمر
الَّذِي بِهِ وَجب الْأَدَاء (فالعراقيون يَقُولُونَ وجوب
الْقَضَاء بِدَلِيل آخر غير الْأَمر الَّذِي بِهِ وَجب
الْأَدَاء) لِأَن الْوَاجِب بِالْأَمر أَدَاء الْعِبَادَة
وَلَا مدْخل للرأي فِي معرفَة الْعِبَادَة فَإِذا كَانَ نَص
الْأَمر مُقَيّدا بِوَقْت كَانَ عبَادَة فِي ذَلِك الْوَقْت
وَمعنى الْعِبَادَة إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي امْتِثَال الْأَمر
وَفِي الْمُقَيد بِالْوَقْتِ لَا تصور لذَلِك بعد فَوَات
الْوَقْت عرفنَا أَن الْوُجُوب بِدَلِيل مُبْتَدأ وَهُوَ
قَوْله تَعَالَى فِي الصَّوْم {فَعدَّة من أَيَّام أخر}
وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّلَاة من نَام عَن صَلَاة
أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا يُوضحهُ أَن الْأَدَاء
بِفعل من الْمَأْمُور وَالْفِعْل الَّذِي يُوجد مِنْهُ فِي
وَقت غير الْفِعْل الَّذِي يُوجد مِنْهُ فِي وَقت آخر فَإِذا
كَانَ الْأَمر مُقَيّدا بِوَقْت لَا يتَنَاوَل فعل الْأَدَاء
فِي وَقت آخر كمن اسْتَأْجر أَجِيرا فِي وَقت مَعْلُوم لعمل
فمضي ذَلِك الْوَقْت لَا يلْزمه تَسْلِيم النَّفس لإِقَامَة
الْعَمَل بِحكم ذَلِك العقد وَهَذَا لِأَن فِي التَّنْصِيص على
التَّوْقِيت إِظْهَار فَضِيلَة
(1/45)
الْوَقْت وَذَلِكَ لَا يحصل بِالْأَدَاءِ
بعد مُضِيّ الْوَقْت فَعرفنَا أَنه إِن فَاتَ بِمُضِيِّ
الْوَقْت فَإِنَّمَا يفوت على وَجه لَا يُمكن تَدَارُكه فَلَا
يجب الْقَضَاء إِلَّا بِدَلِيل آخر
وَأكْثر مَشَايِخنَا رَحِمهم الله على أَن الْقَضَاء يجب
بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ وَجب الْأَدَاء عِنْد فَوَاته وَهُوَ
الْأَصَح فَإِن الشَّرْع لما نَص على الْقَضَاء فِي الصَّلَاة
وَالصَّوْم كَانَ الْمَعْنى فِيهِ معقولا وَهُوَ أَن مثل
الْمَأْمُور بِهِ فِي الْوَقْت مَشْرُوع حَقًا للْمَأْمُور بعد
خُرُوج الْوَقْت وَخُرُوج الْوَقْت قبل الْأَدَاء لَا يكون
مسْقطًا لأَدَاء الْوَاجِب فِي الْوَقْت بِعَيْنِه بل
بِاعْتِبَار الْفَوات فيتقدر بِقدر مَا يتَحَقَّق فِيهِ
الْفَوات وَهُوَ فَضِيلَة الْوَقْت فَلَا يبْقى ذَلِك
مَضْمُونا عَلَيْهِ بعد مُضِيّ الْوَقْت إِلَّا فِي حق
الْإِثْم إِذا تعمد التفويت فَأَما فِي أصل الْعِبَادَة
التفويت لَا يتَحَقَّق بِمُضِيِّ الْوَقْت لكَون مثله
مَشْرُوعا فِيهِ للْعَبد مُتَصَوّر الْوُجُود مِنْهُ حَقِيقَة
وَحكما وَمَا يكون سُقُوطه للعجز بِسَبَب الْفَوات يتَقَدَّر
بِقدر مَا يتَحَقَّق فِيهِ الْفَوات فَيبقى هُوَ مطالبا
بِإِقَامَة الْمثل من عِنْده مقَام نفس الْوَاجِب بِالْأَمر
وَهُوَ الْأَدَاء فِي الْوَقْت وَإِذا عقل هَذَا الْمَعْنى فِي
الْمَنْصُوص عَلَيْهِ تعدى بِهِ الحكم إِلَى الْفَرْع وَهِي
الْوَاجِبَات بِالنذرِ الموقت من الصَّوْم وَالصَّلَاة
وَالِاعْتِكَاف وَهَذَا أشبه بأصول عُلَمَائِنَا رَحِمهم الله
فَإِنَّهُم قَالُوا لَو أَن قوما فَاتَتْهُمْ صَلَاة من صلوَات
اللَّيْل فقضوها بِالنَّهَارِ بِالْجَمَاعَة جهر إمَامهمْ
بِالْقِرَاءَةِ وَلَو فَاتَتْهُمْ صَلَاة من صلوَات النَّهَار
فقضوها بِاللَّيْلِ لم يجْهر إمَامهمْ بِالْقِرَاءَةِ وَمن
فَاتَتْهُ صَلَاة فِي السّفر فقضاها بعد الْإِقَامَة صلى
رَكْعَتَيْنِ وَلَو فَاتَتْهُ حِين كَانَ مُقيما فقضاها فِي
السّفر صلى أَرْبعا وَهَذَا لِأَن الْأَدَاء صَار مُسْتَحقّا
بِالْأَمر فِي الْوَقْت وَنحن نعلم أَنه لَيْسَ الْمَقْصُود
عين الْوَقْت فَمَعْنَى الْعِبَادَة فِي كَونه عملا بِخِلَاف
هوى النَّفس أَو فِي كَونه تَعْظِيمًا لله تَعَالَى وثناء
عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَوْقَات
وَبَعْدَمَا صَار مَضْمُون التَّسْلِيم لَا يسْقط ذَلِك عَنهُ
بترك الِامْتِثَال بل يَتَقَرَّر بِهِ حكم الضَّمَان إِلَّا
أَن بِقدر مَا يتَحَقَّق الْعَجز عَن أَدَائِهِ بِالْمثلِ
الَّذِي هُوَ قَائِم مقَامه يسْقط ضَرُورَة وَمَا وَرَاء ذَلِك
يبْقى وَلِهَذَا قُلْنَا من فَاتَتْهُ صَلَاة من أَيَّام
التَّكْبِير فقضاها بعد أَيَّام التَّكْبِير لم يكبر عقيبها
لِأَن الْجَهْر بِالتَّكْبِيرِ دبر الصَّلَاة غير مَشْرُوع
للْعَبد فِي غير أَيَّام التَّكْبِير بل هُوَ مَنْهِيّ عَنهُ
لكَونه بِدعَة فبمضي الْوَقْت يتَحَقَّق الْفَوات فِيهِ
فَيسْقط أصل الصَّلَاة مَشْرُوع لَهُ بعد أَيَّام التَّكْبِير
فَيبقى الْوَاجِب
(1/46)
بِاعْتِبَارِهِ وَكَذَلِكَ من فَاتَتْهُ
الْجُمُعَة لم يقضها بعد مُضِيّ الْوَقْت لِأَن إِقَامَة
الْخطْبَة مقَام رَكْعَتَيْنِ غير مَشْرُوع للْعَبد فِي غير
ذَلِك الْوَقْت فبمضي الْوَقْت يتَحَقَّق الْعَجز فِيهِ
وَتلْزَمهُ صَلَاة الظّهْر لِأَن مثله مَشْرُوع للْعَبد بعد
مُضِيّ الْوَقْت
وَمن نصر القَوْل الأول اسْتدلَّ بِمَا ذكره مُحَمَّد رَحمَه
الله فِي الْجَامِع أَن من نذر أَن يعْتَكف شهر رَمَضَان فصَام
وَلم يعْتَكف ثمَّ قضى اعْتِكَافه فِي الرمضان الثَّانِي لَا
يجْزِيه عَن الْمَنْذُور وَلَو كَانَ وجوب الْقَضَاء بِمَا
وَجب بِهِ الْأَدَاء وَهُوَ الْأَمر بِالْوَفَاءِ بِالنذرِ
لجَاز لِأَن الثَّانِي مثل الأول فِي كَون الصَّوْم مَشْرُوعا
فِيهِ مُسْتَحقّا عَلَيْهِ وَصِحَّة أَدَاء الِاعْتِكَاف بِهِ
فَعرفنَا أَنه إِنَّمَا لم يجز لِأَن وجوب الْقَضَاء بِدَلِيل
آخر وَهُوَ تَفْوِيت الْوَاجِب فِي الْوَقْت عِنْد مضيه على
وَجه هُوَ مَقْدُور فِيهِ وَهَذَا السَّبَب يُوجب الِاعْتِكَاف
دينا فِي ذمَّته فيلتحق باعتكاف يجب بِالنذرِ مُطلقًا عَن
الْوَقْت فَلَا يتَأَدَّى بالاعتكاف فِي رَمَضَان
وَلَكنَّا نقُول أصل النّذر أوجب عَلَيْهِ الِاعْتِكَاف ولوجوب
الِاعْتِكَاف أثر فِي وجوب الصَّوْم بِاعْتِبَار أَنه شَرط
فِيهِ وَشرط الشَّيْء تَابع لَهُ فموجب الأَصْل يكون مُوجبا
لتَبعه إِلَّا أَنه امْتنع وجوب الصَّوْم بِهِ لعَارض على شرف
الزَّوَال وَهُوَ اتِّصَاله بِوَقْت لَا يجوز أَن يجب الصَّوْم
فِيهِ بِإِيجَاب من العَبْد فبمضي الْوَقْت قبل أَن يعْتَكف
زَالَ هَذَا الِاتِّصَال وَتحقّق وجوب الصَّوْم لوُجُوب
الِاعْتِكَاف فِي ذمَّته ثمَّ الصَّوْم الْوَاجِب فِي
الذِّمَّة لَا يتَأَدَّى بِصَوْم رَمَضَان وَإِنَّمَا لم يجب
عَلَيْهِ الصَّوْم لاتصال حكم الْأَدَاء بِصَوْم رَمَضَان وَقد
انْقَطع ذَلِك حِين صَامَ فِي الرمضان الأول وَلم يعْتَكف
حَتَّى إِنَّه لَو لم يصم وَلم يعْتَكف ثمَّ اعْتكف فِي قَضَاء
الصَّوْم خرج عَن عُهْدَة الْمَنْذُور لبَقَاء الِاتِّصَال
حِين لم يصم فِي رَمَضَان وَإِن تحقق مُضِيّ الْوَقْت
وَبِهَذَا تبين فَسَاد مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لِأَن وجوب
الْقَضَاء لَو كَانَ بِدَلِيل آخر كَانَ سَببا آخر وَالنّذر
بالاعتكاف مَا كَانَ مُتَّصِلا بِهِ فَلَا يتَأَدَّى
بِاعْتِبَارِهِ كَمَا لَا يتَأَدَّى فِي الرمضان الثَّانِي
وَإِن صَامَهُ يقرره أَن امْتنَاع وجوب الصَّوْم عَلَيْهِ
بِالنذرِ لِمَعْنى شرف الْوَقْت الْمُضَاف إِلَيْهِ النّذر
وَقد بَينا أَن شرف الْوَقْت يفوت بمضيه على وَجه لَا يُمكن
تَدَارُكه فبفواته يَنْعَدِم مَا كَانَ مُتَعَلقا بِهِ وَهُوَ
امْتنَاع
(1/47)
وجوب الصَّوْم بِالنذرِ بالاعتكاف حَتَّى
قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله فِي رِوَايَة يبطل نَذره
لِأَنَّهُ يبْقى اعتكافا بِغَيْر صَوْم وَذَلِكَ لَا يكون
وَاجِبا
وَقُلْنَا يجب الصَّوْم لوُجُوب الِاعْتِكَاف لِأَن بانعدام
التبع لَا يَنْعَدِم الأَصْل وبوجوب الأَصْل يجب التبع عِنْد
زَوَال الْمَانِع
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَاعْلَم بِأَن الْأَدَاء فِي الْأَمر
الموقت يكون فِي الْوَقْت وَفِي غير الموقت يكون الْأَدَاء فِي
الْعُمر لِأَن جَمِيع الْعُمر فِيهِ بِمَنْزِلَة الْوَقْت
فِيمَا هُوَ موقت وَهُوَ أَنْوَاع ثَلَاثَة كَامِل وقاصر
وَأَدَاء يشبه الْقَضَاء حكما
فالكامل هُوَ الْأَدَاء الْمَشْرُوع بِصفتِهِ كَمَا أَمر بِهِ
والقاصر بِأَن يتَمَكَّن نُقْصَان فِي صفته وَذَلِكَ مثل
الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة بِالْجَمَاعَة فَهِيَ أَدَاء مَحْض
وَالْأَدَاء من الْمُنْفَرد يكون قاصرا لنُقْصَان فِي صفة
الْأَدَاء فَإِنَّهُ مَأْمُور بِالْأَدَاءِ بِالْجَمَاعَة
وَلِهَذَا لَا يكون الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ عَزِيمَة فِي حق
الْمُنْفَرد فِي صَلَاة اللَّيْل لِأَن ذَلِك من شبه الْأَدَاء
الْمَحْض وَمن اقْتدى بِالْإِمَامِ من أول الصَّلَاة وأداها
مَعَه كَانَ ذَلِك أَدَاء مَحْضا وَلَو اقْتدى بِهِ فِي
الْقعدَة الْأَخِيرَة ثمَّ قَامَ وَأدّى الصَّلَاة كَانَ ذَلِك
أَدَاء قاصرا لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهَا فِي الْوَقْت وَلكنه
مُنْفَرد فِيمَا يُؤَدِّي لِأَن اقتداءه بِالْإِمَامِ فِيمَا
فرغ الإِمَام من أَدَائِهِ لَا يتَحَقَّق فَكَانَ مُنْفَردا
فِي الْأَدَاء وَإِن كَانَ مقتديا فِي التَّحْرِيمَة لِأَنَّهُ
أدْركهَا مَعَ الإِمَام وَلِهَذَا لَا يَصح اقْتِدَاء الْغَيْر
بِهِ وَتلْزَمهُ الْقِرَاءَة وَسُجُود السَّهْو لَو سَهَا
لكَونه مُنْفَردا وَأَدَاء الْمُنْفَرد قَاصِر وَلِهَذَا لَا
يجْهر بِالْقِرَاءَةِ
وَلَو اقْتدى بِالْإِمَامِ فِي أول الصَّلَاة ثمَّ نَام خَلفه
حَتَّى فرغ الإِمَام أَو سبقه الْحَدث فَذهب وَتَوَضَّأ ثمَّ
جَاءَ بعد فرَاغ الإِمَام فَهُوَ مؤد يشبه أَدَاؤُهُ الْقَضَاء
فِي الحكم لِأَن بِاعْتِبَار بَقَاء الْوَقْت هُوَ مؤد
وَبِاعْتِبَار أَنه الْتزم أَدَاء الصَّلَاة مَعَ الإِمَام
حِين تحرم مَعَه كَانَ هُوَ قَاضِيا لما فَاتَهُ بفراغ
الإِمَام وَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ فِي حكم الْمُقْتَدِي حَتَّى
لَا تلْزمهُ الْقِرَاءَة وَلَو سَهَا لَا يلْزمه سُجُود
السَّهْو لِأَن الْقَضَاء بِصفة الْأَدَاء وَاجِب بِمَا وَجب
بِهِ الْأَدَاء فَإِن قيل هَذَا على الْعَكْس فَصَاحب الشَّرْع
جعل الْمَسْبُوق قَاضِيا بقوله عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا فاتكم
فاقضوا فَكيف يَسْتَقِيم جعل الْمَسْبُوق مُؤديا وَجعل
اللَّاحِق قَاضِيا حكما قُلْنَا قد بَينا أَن اسْتِعْمَال
(1/48)
إِحْدَى العبارتين مَكَان الْأُخْرَى
مجَازًا جَائِز وَإِنَّمَا سمي الْمَسْبُوق قَاضِيا مجَازًا
لما فِي فعله من إِسْقَاط الْوَاجِب أَو سَمَّاهُ قَاضِيا
بِاعْتِبَار حَال الإِمَام وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي قَوْله
وَمَا فاتكم فاقضوا وَنحن إِنَّمَا نجعله مُؤديا أَدَاء قاصرا
بِاعْتِبَار حَاله وعَلى هَذَا الأَصْل قُلْنَا لَو أَن
مُسَافِرًا اقْتدى بمسافر ونام خَلفه ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَنوى
الْإِقَامَة وَهُوَ فِي مَوضِع الْإِقَامَة أَو سبقه الْحَدث
فَرجع إِلَى مصره وَتَوَضَّأ فَإِن كَانَ ذَلِك قبل فرَاغ
الإِمَام من صلَاته صلى أَربع رَكْعَات وَإِن كَانَ بعد
فَرَاغه صلى رَكْعَتَيْنِ إِلَّا أَن يتَكَلَّم فَحِينَئِذٍ
يُصَلِّي أَرْبعا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة القَاضِي فِي
الْإِتْمَام حكما وَوُجُوب الْقَضَاء بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ
وَجب الْأَدَاء فَلَا يتَغَيَّر إِلَّا بِمَا يتَغَيَّر بِهِ
الأَصْل وَقبل فرَاغ الإِمَام نِيَّة الْإِقَامَة (وَدخُول
مَوضِع الْإِقَامَة) مغير للْفَرض فِي حق الأَصْل وَهُوَ
الإِمَام فَيكون مغيرا فِي حق من يقْضِي ذَلِك الأَصْل وَبعد
الْفَرَاغ نِيَّة الْإِقَامَة وَدخُول الْمصر غير مغير للْفَرض
فِي حق الأَصْل فَكَذَلِك لَا يُغير فِي حق من يقْضِي ذَلِك
الأَصْل إِلَّا أَن يتَكَلَّم فَحِينَئِذٍ يَنْعَدِم معنى
الْقَضَاء لِخُرُوجِهِ بالْكلَام من تحريمة الْمُشَاركَة
وَهُوَ الْمُؤَدِّي لبَقَاء الْوَقْت فيتغير فَرْضه بنية
الْإِقَامَة وَلَو كَانَ مَسْبُوقا صلى أَرْبعا فِي
الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مؤد إتْمَام صلَاته أَدَاء قاصرا
سَوَاء تكلم أَو لم يتَكَلَّم فرغ الإِمَام أَو لم يفرغ كَانَت
نِيَّة الْإِقَامَة مُغيرَة للْفَرض لكَونه مُؤديا بِاعْتِبَار
بَقَاء الْوَقْت
وَأما الْقَضَاء فَهُوَ نَوْعَانِ بِمثل مَعْقُول كَمَا بَينا
وبمثل غير مَعْقُول كالفدية فِي حق الشَّيْخ الفاني مَكَان
الصَّوْم وإحجاج الْغَيْر بِمَالِه عِنْد فَوَات الْأَدَاء
بِنَفسِهِ لعَجزه فَإِن ذَلِك ثَابت بِالنَّصِّ قَالَ الله
تَعَالَى {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} أَي
لَا يطيقُونَهُ هَكَذَا نقل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا وَفِي الْحَج حَدِيث الخثعمية حَيْثُ قَالَت يَا
رَسُول الله إِن فَرِيضَة الله تَعَالَى على عباده فِي الْحَج
أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يسْتَمْسك على
الرَّاحِلَة أفيجزىء أَن أحج عَنهُ فَقَالَ أَرَأَيْت لَو
كَانَ على أَبِيك دين فقضيته أَكَانَ يقبل مِنْك فَقَالَت نعم
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام الله أَحَق أَن يقبل ثمَّ لَا
مماثلة بَين الصَّوْم وَبَين الْفِدْيَة صُورَة وَلَا معنى
(1/49)
وَكَذَلِكَ لَا مماثلة بَين دفع المَال
إِلَى من ينْفق على نَفسه فِي طَرِيق الْحَج وَبَين مُبَاشرَة
أَدَاء الْحَج وَسُقُوط الْوَاجِب عَن الْمَأْمُور بِاعْتِبَار
ذَلِك فَأَما أصل الْأَعْمَال يكون من الْحَاج دون المحجوج
عَنهُ فَهُوَ قَضَاء بِمثل غير مَعْقُول وَمَا يكون بِهَذِهِ
الصّفة لَا يَتَأَتَّى تَعديَة الحكم فِيهِ إِلَى الْفُرُوع
فَيقْتَصر على مورد النَّص وَلِهَذَا قُلْنَا إِن النُّقْصَان
الَّذِي يتَمَكَّن فِي الصَّلَاة بترك الِاعْتِدَال فِي
الْأَركان لَا يضمن بِشَيْء سوى الْإِثْم لِأَنَّهُ لَيْسَ
لذَلِك الْوَصْف مُنْفَردا عَن الأَصْل مثل صُورَة وَلَا معنى
وَلذَلِك قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رحمهمَا الله
فِيمَن لَهُ مِائَتَا دِرْهَم جِيَاد فَأدى زَكَاتهَا خَمْسَة
زُيُوفًا لَا يلْزمه شَيْء آخر لِأَنَّهُ لَيْسَ لصفة
الْجَوْدَة الَّتِي تحقق فِيهَا الْفَوات مثل صُورَة وَلَا
معنى من حَيْثُ الْقيمَة فَإِنَّهَا لَا تتقوم شرعا عِنْد
الْمُقَابلَة بجنسها
وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله يلْزمه أَدَاء الْفضل
احْتِيَاطًا لِأَن سُقُوط قيمَة الْجَوْدَة فِي حكم الرِّبَا
للْحَاجة إِلَى جعل الْأَمْوَال أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَة قطعا
وَمعنى الرِّبَا لَا يتَحَقَّق فِيمَا وَجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ
لله تَعَالَى بِمثلِهِ فِي صفة الْمَالِيَّة حَقِيقَة وَيقوم
مقَامه فِي أَدَاء الْوَاجِب بِهِ احْتِيَاطًا وعَلى هَذَا
نقُول رمي الْجمار يسْقط بِمُضِيِّ الْوَقْت لِأَنَّهُ لَيْسَ
لَهُ مثل مَعْقُول صُورَة وَلَا معنى فَإِنَّهُ لم يشرع قربَة
للْعَبد فِي غير ذَلِك الْوَقْت
فَإِن قيل كَيفَ يَسْتَقِيم وَقد أوجبتم الدَّم عَلَيْهِ
بِاعْتِبَار ترك رمي الْجمار قُلْنَا إِيجَاب الدَّم عَلَيْهِ
لَا بطرِيق أَنه مثل للرمي قَائِم مقَامه بل لِأَنَّهُ جبر
لنُقْصَان تمكن فِي نُسكه بترك الرَّمْي وجبر نُقْصَان النّسك
بِالدَّمِ مَعْلُوم بِالنَّصِّ قَالَ الله تَعَالَى {ففدية من
صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك}
فَإِن قيل فقد جعلتم الْفِدْيَة مَشْرُوعَة مَكَان الصَّلَاة
بِالْقِيَاسِ على الصَّوْم وَلَو كَانَ ذَلِك غير مَعْقُول
الْمَعْنى لم يجز تَعديَة حكمه إِلَى الصَّلَاة بِالرَّأْيِ
قُلْنَا لَا نعدي ذَلِك الحكم
(1/50)
إِلَى الصَّلَاة بِالرَّأْيِ وَلَكِن
يحْتَمل أَن يكون فِيهِ معنى مَعْقُول وَإِن كُنَّا لَا نقف
عَلَيْهِ وَالصَّلَاة نَظِير الصَّوْم فِي الْقُوَّة أَو أهم
مِنْهُ وَيحْتَمل أَنه لَيْسَ فِيهِ معنى مَعْقُول فَإِن مَا
لَا نقف عَلَيْهِ لَا يكون علينا الْعَمَل بِهِ فلاحتمال
الْوَجْه الأول يفْدي مَكَان الصَّلَاة ولاحتمال الْوَجْه
الثَّانِي لَا يجب الْفِدَاء وَإِن فدى لم يكن بِهِ بَأْس
فأمرناه بذلك احْتِيَاطًا لِأَن التَّصَدُّق بِالطَّعَامِ لَا
يَنْفَكّ عَن معنى الْقرْبَة وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أتبع
السَّيئَة الْحَسَنَة تمحها وَلِهَذَا لَا نقُول فِي
الْفِدْيَة عَن الصَّلَاة إِنَّهَا جَائِزَة قطعا وَلَكنَّا
نرجو الْقبُول من الله فضلا
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الزِّيَادَات يجْزِيه ذَلِك إِن شَاءَ
الله وَكَذَلِكَ قَالَ فِي أَدَاء الْوَارِث عَن الْمُورث
بِغَيْر أمره فِي الصَّوْم يجْزِيه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وعَلى هَذَا الأَصْل حكم الْأُضْحِية فالتقرب بإراقة الدَّم
عرف بِنَصّ غير مَعْقُول الْمَعْنى فَيفوت بِمُضِيِّ الْوَقْت
لِأَن مثله غير مَشْرُوع قربَة للْعَبد فِي غير ذَلِك الْوَقْت
فَإِن قيل فعندكم يجب التَّصَدُّق بِالْقيمَةِ بعد مُضِيّ
أَيَّام النَّحْر وَمَا ذَاك إِلَّا بِاعْتِبَار إِقَامَة
الْقيمَة مقَام مَا يُضحي بِهِ وَقد أثبتم ذَلِك بِالرَّأْيِ
قُلْنَا لَا كَذَلِك وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون الْمَقْصُود
بِمَا هُوَ الْوَاجِب فِي الْوَقْت إِيصَال مَنْفَعَة اللَّحْم
إِلَى الْفُقَرَاء إِلَّا أَن الشَّرْع أمره بإراقة الدَّم لما
فِيهَا من تطييب اللَّحْم وَتَحْقِيق معنى الضِّيَافَة
فَالنَّاس أضياف الله تَعَالَى بلحوم الْأَضَاحِي فِي هَذِه
الْأَيَّام وَيحْتَمل أَن يكون الْمَقْصُود إِرَاقَة الدَّم
الَّذِي هُوَ نُقْصَان للمالية عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله
وتفويت للمالية عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله يتَبَيَّن ذَلِك
بِالشَّاة الْمَوْهُوبَة إِذا ضحى بهَا الْمَوْهُوب لَهُ فَإِن
الْوَاهِب لَا يرجع فِيهَا عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله وَله
أَن يرجع فِيهَا عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله لِأَنَّهَا
نُقْصَان مَحْض إِلَّا أَن الِاحْتِمَال سَاقِط الِاعْتِبَار
فِي مُقَابلَة النَّص فَفِي أَيَّام النَّحْر هُوَ قَادر على
أَدَاء الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِعَيْنِه فَلَا يُصَار إِلَى
الِاحْتِمَال بِإِقَامَة الْقيمَة مقَامه وَبعد مُضِيّ أَيَّام
النَّحْر قد تحقق الْعَجز عَن أَدَاء الْمَنْصُوص عَلَيْهِ
فجَاء أَوَان اعْتِبَار الِاحْتِمَال
(1/51)
وَاحْتِمَال الْوَجْه الأول يلْزمه
التَّصَدُّق بِالْقيمَةِ لِأَن ذَلِك قربَة مَشْرُوعَة لَهُ
فِي غير أَيَّام النَّحْر وَالْمعْنَى فِيهِ مَعْقُول
وَالْأَخْذ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَاب الْعِبَادَات أصل
فلاعتبار هَذَا الِاحْتِمَال ألزمناه التَّصَدُّق بِالْقيمَةِ
لَا ليقوم ذَلِك مقَام إِرَاقَة الدَّم وعَلى هَذَا الأَصْل
قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله من أدْرك الإِمَام فِي
الرُّكُوع فِي صَلَاة الْعِيد لَا يَأْتِي بالتكبيرات فِي
الرُّكُوع لِأَن محلهَا الْقيام وَقد فَاتَ وَمثل الْفَائِت
غير مَشْرُوع لَهُ فِي حَالَة الرُّكُوع ليقيمه مقَام مَا
عَلَيْهِ بطرِيق الْقَضَاء فَيتَحَقَّق الْفَوات فِيهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله حَال الرُّكُوع
مشبه بِحَالَة الْقيام لِاسْتِوَاء النّصْف الْأَسْفَل فِي
الرُّكُوع وَبِه يُفَارق الْقَائِم الْقَاعِد فباعتبار هَذَا
الشّبَه لَا يتَحَقَّق الْفَوات وتكبير الرُّكُوع مَحْسُوب من
تَكْبِيرَات الْعِيد وَهُوَ مؤدي فِي حَالَة الِانْتِقَال
فَإِذا كَانَت هَذِه الْحَالة محلا لبَعض تَكْبِيرَات الْعِيد
نَجْعَلهَا عِنْد الْحَاجة محلا لجَمِيع التَّكْبِيرَات
احْتِيَاطًا وعَلى هَذَا لَو ترك قِرَاءَة الْفَاتِحَة
وَالسورَة فِي الْأَوليين قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وجهر
لِأَن مَحل أَدَاء ركن الْقِرَاءَة الْقيام الَّذِي هُوَ ركن
الصَّلَاة إِلَّا أَنه تعين الْقيام فِي الْأَوليين لذَلِك
بِدَلِيل مُوجب للْعَمَل وَهُوَ خبر الْوَاحِد وَالْقِيَام فِي
الْأُخْرَيَيْنِ مثل الْقيام فِي الْأَوليين فِي كَونه ركن
الصَّلَاة ولهذه المشابهة لَا يتَحَقَّق الْفَوات وَيَقْضِي
الْقِرَاءَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ
وَلَو قَرَأَ الْفَاتِحَة فِي الْأَوليين وَلم يقْرَأ
السُّورَة قضى السُّورَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ لاعْتِبَار هَذَا
الشّبَه أَيْضا وَالْقِيَام فِي الْأُخْرَيَيْنِ غير مَحل
لقِرَاءَة السُّورَة أَدَاء وَهُوَ مَحل لقِرَاءَة السُّورَة
قَضَاء بِالْمَعْنَى الَّذِي بَينا
وَلَو قَرَأَ السُّورَة فِي الْأَوليين وَلم يقْرَأ
الْفَاتِحَة لم يقْض الْفَاتِحَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَن
الْقيام فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَحل للفاتحة أَدَاء فَلَو
قَرَأَهَا على وَجه الْقَضَاء كَانَ مغيرا بِهِ مَا هُوَ
مَشْرُوع فِي صلَاته مَعَ وجود حَقِيقَة الْأَدَاء وَذَلِكَ
لَيْسَ فِي ولَايَة العَبْد فَيتَحَقَّق فَوَات قِرَاءَة
الْفَاتِحَة بِتَرْكِهَا فِي الْأَوليين لَا إِلَى خلف فَلَا
بُد من القَوْل بسقوطها عَنهُ إِذْ لَا مثل لَهَا صُورَة أَو
معنى ليقام مقَامهَا
وَهَذِه الْأَقْسَام كلهَا تتَحَقَّق فِي حُقُوق الْعباد
أَيْضا
أما بَيَان الْأَدَاء الْمَحْض فَهُوَ فِي تَسْلِيم عين
الْمَغْصُوب إِلَى الْمَغْصُوب مِنْهُ على الْوَجْه الَّذِي
غصبه وَتَسْلِيم عين الْمَبِيع إِلَى المُشْتَرِي على الْوَجْه
الَّذِي اقْتَضَاهُ العقد وَيتَفَرَّع عَلَيْهِ مَا لَو بَاعَ
الْغَاصِب الْمَغْصُوب
(1/52)
من الْمَغْصُوب مِنْهُ أَو وهبه لَهُ
وَسلمهُ فَإِنَّهُ يكون أَدَاء الْعين الْمُسْتَحق بِسَبَبِهِ
وَيَلْغُو مَا صرح بِهِ وَكَذَلِكَ لَو أَن المُشْتَرِي شِرَاء
فَاسِدا بَاعَ الْمَبِيع من البَائِع بعد الْقَبْض أَو وهبه
وَسلمهُ يكون أَدَاء الْعين الْمُسْتَحق بِسَبَب فَسَاد البيع
وعَلى هَذَا قُلْنَا لَو أطْعم الْغَاصِب الْمَغْصُوب مِنْهُ
الطَّعَام الْمَغْصُوب أَو ألبسهُ الثَّوْب الْمَغْصُوب وَهُوَ
لَا يعلم بِهِ فَإِنَّهُ يكون ذَلِك أَدَاء للعين الْمُسْتَحق
بِالْغَصْبِ ويتأكد ذَلِك بِإِتْلَاف الْعين فَلَا يبْقى بعد
ذَلِك للْمَغْصُوب مِنْهُ عَلَيْهِ شَيْء
وَالشَّافِعِيّ أَبى ذَلِك فِي أحد قوليه لِأَن أَدَاء
الْمُسْتَحق مَأْمُور بِهِ شرعا وَالْمَوْجُود مِنْهُ غرور
فَلَا يَجْعَل ذَلِك أَدَاء للْمَأْمُور وَلَكِن يَجْعَل
اسْتِعْمَالا مِنْهُ للْمَغْصُوب مِنْهُ فِي التَّنَاوُل
فَكَأَنَّهُ تنَاول لنَفسِهِ فيتقرر عَلَيْهِ الضَّمَان
وَهَذَا ضَعِيف فالغرور فِي إخْبَاره أَنه طَعَامه وَأَدَاء
الْوَاجِب فِي وضع الطَّعَام بَين يَدَيْهِ وتمكينه مِنْهُ
وهما غيران وبالقول إِنَّمَا جَاءَ الْغرُور بِجَهْل
الْمَغْصُوب مِنْهُ لَا لنُقْصَان فِي تَمْكِينه فَلَا يخرج
بِهِ من أَن يكون فعله أَدَاء لما هُوَ الْمُسْتَحق كَمَا لَو
اشْترى عبدا ثمَّ قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي أعتق عَبدِي
هَذَا وَأَشَارَ إِلَى الْمَبِيع فَأعْتقهُ المُشْتَرِي وَهُوَ
لَا يعلم بِهِ فَإِنَّهُ يكون قَابِضا وَإِن كَانَ هُوَ مغرورا
بِمَا أخبرهُ البَائِع بِهِ وَلَكِن قَبضه بِالْإِعْتَاقِ
وَخبر البَائِع وَجَهل المُشْتَرِي غير مُؤثر فِي ذَلِك
فَبَقيَ إِعْتَاقه قبضا تَاما
وَمن الْأَدَاء التَّام تَسْلِيم الْمُسلم فِيهِ وَبدل الصّرْف
فَإِن ذَلِك أَدَاء الْمُسْتَحق بِسَبَبِهِ حكما بطرِيق أَن
الِاسْتِبْدَال مُتَعَذر فِيهِ شرعا قبل الْقَبْض فَيجْعَل
كَأَن الْمَقْبُوض عين مَا تنَاوله العقد حكما وَإِن كَانَ
غَيره فِي الْحَقِيقَة لِأَن العقد تنَاول الدّين والمقبوض عين
وَأما الْأَدَاء الْقَاصِر وَهُوَ رد الْمَغْصُوب مَشْغُولًا
بِالدّينِ أَو الْجِنَايَة بِسَبَب كَانَ مِنْهُ عِنْد
الْغَاصِب وَمعنى الْقُصُور فِيهِ أَنه أَدَّاهُ لَا على
الْوَصْف الَّذِي اسْتحق عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فلوجود أصل
الْأَدَاء قُلْنَا إِذا هلك فِي يَد الْمَالِك قبل الدّفع
إِلَى ولي الْجِنَايَة برىء الْغَاصِب ولقصور فِي الصّفة
قُلْنَا إِذا دفع إِلَى ولي الْجِنَايَة أَو بيع فِي الدّين
يرجع الْمَالِك على الْغَاصِب بِقِيمَتِه كَأَن الرَّد لم
يُوجد فَكَذَلِك البَائِع إِذا سلم الْمَبِيع وَهُوَ
(1/53)
مُبَاح الدَّم فَهَذَا أَدَاء قَاصِر
لِأَنَّهُ سلمه على غير الْوَصْف الَّذِي هُوَ مُقْتَضى العقد
فَإِن هلك فِي يَد المُشْتَرِي لزمَه الثّمن لوُجُود أصل
الْأَدَاء وَإِن قتل بِالسَّبَبِ الَّذِي صَار مُبَاح الدَّم
رَجَعَ بِجَمِيعِ الثّمن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن
الْأَدَاء كَانَ قاصرا فَإِذا تحقق الْفَوات بِسَبَب يُضَاف
إِلَى مَا بِهِ صَار الْأَدَاء قاصرا جعل كَأَن الْأَدَاء لم
يُوجد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله الْأَدَاء قَاصِر
لعيب فِي الْمحل فَإِن حل الدَّم فِي الْمَمْلُوك عيب وقصور
الْأَدَاء بِسَبَب الْعَيْب يعْتَبر مَا بَقِي الْمحل قَائِما
فَأَما إِذا فَاتَ بِسَبَب عيب حدث عِنْد المُشْتَرِي لم
ينْتَقض بِهِ أصل الْأَدَاء وَقد تلف هُنَا بقتل أحدثه
الْقَاتِل عِنْد المُشْتَرِي بِاخْتِيَارِهِ وَلَكِن أَبُو
حنيفَة رَحمَه الله قَالَ اسْتِحْقَاق هَذَا الْقَتْل كَانَ
بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ صَار الْأَدَاء قاصرا فيحال بالتلف
على أصل السَّبَب
وَمن الْأَدَاء الْقَاصِر إِيفَاء بدل الصّرْف أَو رَأس مَال
السّلم إِذا كَانَ زُيُوفًا فَإِنَّهُ قَاصِر بِاعْتِبَار أَنه
دون حَقه فِي الصّفة وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد
رحمهمَا الله لَهُ أَن يرد الْمَقْبُوض فِي الْمجْلس ويطالبه
بالجياد وَلَو هلك الْمَقْبُوض فِي يَده قبل أَن يردهُ لم يرجع
بِشَيْء لِأَن بِاعْتِبَار الأَصْل كَانَ فعله أَدَاء فَمَا لم
يَنْفَسِخ ذَلِك الْفِعْل لَا يَنْعَدِم معنى الْأَدَاء فِيهِ
وَبعد هَلَاكه تعذر فسخ الْأَدَاء فِي الْهَالِك وَلَا يُمكن
إِيجَاب مثله لِأَن الْمَقْبُوض ملك الْقَابِض فَلَا يكون
مَضْمُونا عَلَيْهِ وَصفَة الْجَوْدَة مُنْفَرِدَة عَن الأَصْل
لَيْسَ لَهَا مثل لَا صُورَة وَلَا معنى فِي أَمْوَال الرِّبَا
فَسقط حَقه
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله أستحسن أَن يرد مثل
الْمَقْبُوض (لِأَن حَقه فِي الصّفة مرعي وتتعذر رعايته
مُنْفَصِلا عَن الأَصْل فَيرد مثل الْمَقْبُوض) حَتَّى يُقَام
ذَلِك مقَام رد الْعين عِنْد تعذر رد الْعين وينعدم بِهِ أصل
الْأَدَاء فيطالبه بِالْأَدَاءِ الْمُسْتَحق بِسَبَبِهِ
قَالَ وَهَذَا بِخِلَاف الزَّكَاة فِيمَا قبض الْفَقِير
هُنَاكَ لَا يُمكن أَن يَجْعَل مَضْمُونا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ
فِي الحكم كَأَنَّهُ بِقَبْضِهِ كِفَايَة لَهُ من الله
تَعَالَى لَا من الْمُعْطِي وَبِدُون رد الْمثل يتَعَذَّر
اعْتِبَار الْجَوْدَة مُنْفَرِدَة عَن الأَصْل أَلا ترى أَن
الْمَقْبُوض وَإِن كَانَ قَائِما فِي يَده لَا يتَمَكَّن من
رده
(1/54)
وَمن الْأَدَاء الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَة
الْقَضَاء حكما أَن يتَزَوَّج امْرَأَة على عبد لغيره
بِعَيْنِه ثمَّ يَشْتَرِي ذَلِك العَبْد فيسلمه إِلَيْهَا
فَإِن ذَلِك يكون أَدَاء للعين الْمُسْتَحق بِسَبَبِهِ وَهُوَ
التَّسْمِيَة فِي العقد وَلِهَذَا لَا يكون لَهَا أَن تمْتَنع
من الْقبُول وَهَذَا لِأَن كَون الْمُسَمّى مَمْلُوكا لغير
الزَّوْج لَا يمْنَع صِحَة التَّسْمِيَة وَثُبُوت
الِاسْتِحْقَاق بهَا على الزَّوْج أَلا ترى أَنه تلْزمهُ
الْقيمَة إِذا تعذر تَسْلِيم الْعين وَمَا ذَلِك إِلَّا
لاسْتِحْقَاق الأَصْل غير أَن هَذَا أَدَاء هُوَ فِي معنى
الْقَضَاء حكما فَإِن مَا اشْتَرَاهُ الزَّوْج قبل أَن يسلم
إِلَيْهَا مَمْلُوك لَهُ حَتَّى لَو تصرف فِيهِ بِالْإِعْتَاقِ
ينفذ تصرفه وَلَو أَعتَقته الْمَرْأَة قبل التَّسْلِيم
إِلَيْهَا لَا ينْفد عتقهَا وَلَو كَانَ أَبَاهَا لم يعْتق
عَلَيْهَا فَهَذَا التَّسْلِيم من الزَّوْج أَدَاء مَال من
عِنْده مَكَان مَا اسْتحق عَلَيْهِ فَمن هَذَا الْوَجْه يشبه
الْقَضَاء
وَلَو قضى القَاضِي لَهَا بِالْقيمَةِ قبل أَن يَتَمَلَّكهُ
الزَّوْج ثمَّ تملكه فسلمه إِلَيْهَا لم يكن ذَلِك أَدَاء
مُسْتَحقّا بِالتَّسْمِيَةِ وَلَكِن يكون مُبَادلَة
بِالْقيمَةِ الَّتِي تقرر حَقّهَا فِيهِ حَتَّى إِنَّهَا إِذا
لم ترض بذلك لَا يكون للزَّوْج أَن يجبرها على الْقبُول
بِخِلَاف مَا قبل الْقَضَاء لَهَا بِالْقيمَةِ
وَأما الْقَضَاء بِمثل مَعْقُول فبيانه فِي ضَمَان الغصوب
والمتلفات فَإِن الْغَاصِب يُؤَدِّي مَالا من عِنْده وَهُوَ
مثل لما كَانَ مُسْتَحقّا عَلَيْهِ بِسَبَب الْغَصْب وَهُوَ
نَوْعَانِ مثل صُورَة وَمعنى كَمَا فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون
وَمثل معنى لَا صُورَة وَالْمَقْصُود جبران حق الْمُتْلف
عَلَيْهِ وَفِي الْمثل صُورَة وَمعنى هَذَا الْمَقْصُود أتم
مِنْهُ فِي الْمثل معنى فَلَا يُصَار إِلَى الْمثل معنى لَا
صُورَة إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة كَمَا لَا يُصَار إِلَى
الْمثل إِلَّا عِنْد تعذر رد الْعين فَلَو أَرَادَ أَدَاء
الْقيمَة مَعَ وجود الْمثل فِي أَيدي النَّاس كَانَ
للْمَغْصُوب مِنْهُ أَن يمْتَنع من قبُوله وَإِذا انْقَطع
الْمثل من أَيدي النَّاس فَحِينَئِذٍ تتَحَقَّق الضَّرُورَة
فِي اعْتِبَار الْمثل فِي معنى الْمَالِيَّة وَسقط اعْتِبَار
الْمثل صُورَة لتحَقّق فَوَاته
ثمَّ قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تعْتَبر قِيمَته فِي آخر
أَوْقَات وجوده لِأَن الضَّرُورَة تتَحَقَّق عِنْد انْقِطَاعه
من أَيدي النَّاس
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تعْتَبر وَقت الْخُصُومَة
لِأَن الْمثل قَائِم بِالذِّمةِ حكما وَأَدَاء الْمثل بصورته
موهوم بِأَن يصبر إِلَى أَوَانه فَإِنَّمَا تتَحَقَّق
الضَّرُورَة
(1/55)
عِنْد الْمُطَالبَة وَذَلِكَ وَقت قَضَاء
القَاضِي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله بالانقطاع يتَحَقَّق
الْفَوات وَذَلِكَ غير مُوجب للضَّمَان إِنَّمَا الْمُوجب أصل
الْغَصْب فَتعْتَبر قِيمَته وَقت الْغَصْب وَهَذَا لِأَن
الْقيمَة خلف عَن رد الْعين وَلِهَذَا كَانَ قَضَاء وَالْخلف
إِنَّمَا يكون وَاجِبا بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ كَانَ الأَصْل
وَاجِبا وَفِيمَا لَيْسَ لَهُ مثل صُورَة يجب قِيمَته وَقت
الْغَصْب وَيكون ذَلِك قَضَاء بِالْمثلِ معنى لما تعذر
اعْتِبَار الْمثل صُورَة حَتَّى إِن فِيمَا يتَعَذَّر
اعْتِبَار الْمثل صُورَة وَمعنى بتحقق الْفَوات غير مُوجب
شَيْئا سوى الْإِثْم وَذَلِكَ بِأَن يغصب زَوْجَة إِنْسَان أَو
وَلَده فَإِن الْأَدَاء مُسْتَحقّ عَلَيْهِ وَلَو مَاتَ فِي
يَده لم يضمن شَيْئا لتحَقّق الْفَوات بانعدام الْمثل صُورَة
وَمعنى
وعَلى هَذَا الأَصْل قُلْنَا الْمَنَافِع لَا تضمن بِالْمَالِ
بطرِيق الْعدوان الْمَحْض لِأَن ضَمَان الْعدوان مُقَدّر
بِالْمثلِ نصا وَلَا مماثلة بَين الْعين وَالْمَنْفَعَة صُورَة
وَلَا معنى لِأَن من ضَرُورَة كَون الشَّيْء مثلا لغيره أَن
يكون ذَلِك الْغَيْر مثلا لَهُ ثمَّ الْعين لَا تضمن
بِالْمَنْفَعَةِ بطرِيق الْعدوان قطّ فَعرفنَا أَنه لَا مماثلة
بَينهمَا وَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَة لَا تضمن بِالْمَنْفَعَةِ
فَإِن الْحجر المبنية على تقطيع وَاحِد وتؤاجر بِأُجْرَة
وَاحِدَة لَا تكون مَنْفَعَة إِحْدَاهمَا مثلا لمَنْفَعَة
الْأُخْرَى فِي ضَمَان الْعدوان مَعَ وجود المشابهة صُورَة
وَمعنى فِي الظَّاهِر فَلِأَن لَا يضمن الْمَنْفَعَة بِالْعينِ
وَلَا مشابهة بَينهمَا صُورَة وَلَا معنى كَانَ أولى
وَانْتِفَاء المشابهة صُورَة لَا يخفى
وَأما الْمَعْنى فَلِأَن الْمَنَافِع أَعْرَاض لَا تبقى
وَقْتَيْنِ وَالْعين تبقى وَبَين مَا يبْقى وَبَين مَا لَا
يبْقى تفَاوت عَظِيم فِي الْمَعْنى وَبِهَذَا تبين أَنه لَا
مَالِيَّة فِي الْمَنْفَعَة حَقِيقَة لِأَن الْمَالِيَّة لَا
تسبق الْوُجُود وَبعد الْوُجُود تثبت بالإحراز والتمول
وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر فِيمَا لَا يبْقى وَقْتَيْنِ وَبِهَذَا
تبين أَيْضا أَن الْإِتْلَاف وَالْغَصْب لَا يتَحَقَّق فِي
الْمَنْفَعَة فَإِن الْمَعْدُوم لَيْسَ بِشَيْء فَلَا
يتَحَقَّق فِيهِ فعل هُوَ غصب أَو إِتْلَاف وكما يُوجد يتلاشى
وَفِي حَال تلاشيه لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْغَصْب والإتلاف
إِلَّا أَن الشَّرْع فِي حكم العقد جعل الْمَعْدُوم حَقِيقَة
من الْمَنْفَعَة كالموجود أَو أَقَامَ الْعين المنتفع بِهِ
مقَام الْمَنْفَعَة للْحَاجة إِلَى ذَلِك وَهَذِه الْحَاجة
إِنَّمَا تتَحَقَّق فِي العقد فَيثبت
(1/56)
هَذَا الحكم فِيمَا يَتَرَتَّب على العقد
من الضَّمَان جَائِزا كَانَ أَو فَاسِدا لِأَن الْفَاسِد لَا
يُمكن أَن يَجْعَل أصلا بِنَفسِهِ ليعرف حكمه من عينه فَلَا
بُد من أَن يرد حكمه إِلَى الْجَائِز ثمَّ ضَمَان العقد
فَاسِدا كَانَ أَو جَائِزا يبتنى على التَّرَاضِي لَا على
التَّسَاوِي نصا والتراضي يتَحَقَّق مَعَ انعدام الْمُمَاثلَة
فَلهَذَا كَانَ مَضْمُونا بِالْعقدِ فَاسِدا كَانَ أَو جَائِزا
وَوُجُوب الضَّمَان يلْزمه الْخُرُوج عَنهُ بِالْأَدَاءِ
فَيكون ذَلِك بِحَسب الْإِمْكَان يُوضحهُ أَن قوام الْأَعْرَاض
بالأعيان وَالْعين يقوم بِنَفسِهِ وَلَا مماثلة بَين مَا يقوم
بِنَفسِهِ وَبَين مَا يقوم بِغَيْرِهِ بل مَا يقوم بِنَفسِهِ
أَزِيد فِي الْمَعْنى لَا محَالة وَلَكِن هَذِه الزِّيَادَة
يسْقط اعْتِبَارهَا فِي ضَمَان العقد لوُجُود التَّرَاضِي
فَاسِدا كَانَ العقد أَو جَائِزا وَلَا وَجه لإِسْقَاط
اعْتِبَار هَذِه الزِّيَادَة فِي ضَمَان الْعدوان لِأَن بظُلْم
الْغَاصِب لَا تسْقط حُرْمَة مَاله فَلَو أَوجَبْنَا عَلَيْهِ
هَذِه الزِّيَادَة أهدرناها فِي حَقه وَلَو لم نوجب الضَّمَان
لم يهدر حق الْمَغْصُوب مِنْهُ بل يتَأَخَّر إِلَى الْآخِرَة
وضرر التَّأْخِير دون ضَرَر الإهدار وَإِذا ألزمناه أَدَاء
الزِّيَادَة كَانَ ذَلِك مُضَافا إِلَيْنَا وَإِذا لم نوجب
الضَّمَان لتعذر إِيجَاب الْمثل صُورَة وَمعنى لَا يكون سُقُوط
حق الْمَغْصُوب مِنْهُ فِي حق أَحْكَام الدُّنْيَا مُضَافا
إِلَيْنَا بِمَنْزِلَة من ضرب إنْسَانا ضربا لَا أثر لَهُ أَو
شَتمه شتيمة لَا عُقُوبَة بهَا فِي الدُّنْيَا
وعَلى هَذَا الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا قطع
يَد إِنْسَان عمدا ثمَّ قَتله عمدا قبل الْبُرْء يتَخَيَّر
الْوَلِيّ لِأَن الْقطع ثمَّ الْقَتْل مثل الأول صُورَة وَمعنى
وَالْقَتْل بِدُونِ الْقطع مثل معنى فَالرَّأْي إِلَى
الْوَلِيّ فِي ذَلِك
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله الْقَتْل بعد
الْقطع قبل الْبُرْء تَحْقِيق لموجب الْفِعْل الأول وَالْقَتْل
بِهِ من الْوَلِيّ يكون مثلا كَامِلا فَلَا يُصَار إِلَى
الْقطع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هَذَا بِاعْتِبَار الْمَعْنى
فَأَما من حَيْثُ الصُّورَة الْمثل الأول هُوَ الْقطع ثمَّ
الْقَتْل وَالْقَتْل بعد الْقطع تَارَة يكون محققا لموجب
الْفِعْل الأول وَتارَة يكون ماحيا أثر الْفِعْل الأول حَتَّى
إِذا كَانَ الْقَاتِل غير الْقَاطِع كَانَ الْقصاص فِي النَّفس
على الثَّانِي خَاصَّة فَلَا يسْقط اعْتِبَار الْمُمَاثلَة
صُورَة بِهَذَا الْمَعْنى
فَأَما الْقَضَاء بِمثل غير مَعْقُول فَهُوَ ضَمَان
الْمُحْتَرَم الْمُتَقَوم الَّذِي لَيْسَ بِمَال بِمَا هُوَ
مَال
(1/57)
معنى ضَمَان النَّفس والأطراف بِالْمَالِ
فِي حَالَة الْخَطَأ فَإِنَّهُ ثَابت بِالنَّصِّ من غير أَن
يعقل فِيهِ الْمَعْنى لِأَنَّهُ لَا مماثلة بَين الْآدَمِيّ
وَالْمَال صُورَة وَلَا معنى فالآدمي مَالك لِلْمَالِ
وَالْمَال مَخْلُوق لإِقَامَة مصَالح الْآدَمِيّ بِهِ ثمَّ
الشَّرْع أوجب الدِّيَة فِي الْقَتْل خطأ فَمَا عقل من ذَلِك
إِلَّا معنى الْمِنَّة على الْقَاتِل بِتَسْلِيم نَفسه لَهُ
لعذر الْخَطَأ وَمعنى الْمِنَّة على الْمَقْتُول لصيانة دَمه
عَن الهدر وَإِيجَاب مَال يقْضِي بِهِ حَوَائِجه أَو حوائج
ورثته الَّذين يخلفونه وَلِهَذَا لَا يُوجِبهُ مَعَ إِمْكَانه
إِيجَاب الْمثل بِصفتِهِ وَهُوَ الْقصاص لِأَنَّهُ هُوَ الْمثل
صُورَة وَمعنى فَالْمَعْنى الْمَطْلُوب هُوَ الْحَيَاة وَفِي
الْقصاص حَيَاة لَا فِي المَال فَإِذا لم تكن هَذِه الْحَالة
فِي معنى الْمَنْصُوص عَلَيْهِ من كل وَجه يتَعَذَّر إلحاقها
بِهِ وَإِيجَاب المَال
وعَلى هَذَا الأَصْل لَو قتل من عَلَيْهِ الْقصاص إِنْسَان آخر
لَا يضمن لمن لَهُ الْقصاص شَيْئا لِأَن ملك الْقصاص الثَّابِت
لَهُ لَيْسَ بِمَال فَلَا يكون المَال مثلا لَهُ لَا صُورَة
وَلَا معنى وَكَذَلِكَ لَو قتل زَوْجَة إِنْسَان لَا يضمن
للزَّوْج شَيْئا بِاعْتِبَار مَا فَوت عَلَيْهِ من ملك
النِّكَاح لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِمَال فَلَا يكون المَال مثلا
لَهُ صُورَة وَمعنى وَهَذَا لِأَن ملك النِّكَاح مَشْرُوع
للسكن والنسل وَالْمَال بذلة لإِقَامَة الْمصَالح فَكيف يكون
بَينهمَا مماثلة وَإِذا تحقق انعدام الْمثل تحقق الْفَوات
وعَلى هَذَا الأَصْل قُلْنَا شُهُود الْعَفو عَن الْقصاص إِذا
رجعُوا لم يضمنوا شَيْئا وَكَذَلِكَ الْمُكْره للْوَلِيّ على
الْعَفو بِغَيْر حق لَا يضمن شَيْئا لِأَنَّهُ أتلف عَلَيْهِ
مَا لَيْسَ بِمَال مُتَقَوّم وَلَا وَجه لإِيجَاب الضَّمَان
هُنَا صِيَانة لملكه فِي الْقصاص فالعفو مَنْدُوب إِلَيْهِ
شرعا وإهدار مثله لَا يقبح
وَكَذَلِكَ قُلْنَا شُهُود الطَّلَاق بعد الدُّخُول إِذا
رجعُوا لم يضمنوا للزَّوْج شَيْئا وَالْمكْره على الطَّلَاق
بعد الدُّخُول كَذَلِك وَالْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت لَا تضمن
للزَّوْج شَيْئا وَلَو جَامعهَا ابْن الزَّوْج لَا يضمن
للزَّوْج شَيْئا لِأَنَّهُ أتلف عَلَيْهِ ملك النِّكَاح
وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَال مُتَقَوّم فَلَا يكون المَال مثلا لَهُ
صُورَة
(1/58)
وَلَا معنى والصيانة هُنَا للمحل
الْمَمْلُوك لَا للْملك الْوَارِد عَلَيْهِ أَلا ترى أَن
إِزَالَة هَذَا الْملك بِالطَّلَاق صَحِيح من غير شُهُود وَولي
وَعوض وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْبضْع لَا يتقوم عِنْد
الْخُرُوج من ملك الزَّوْج وَإِن كَانَ يتقوم عِنْد الدُّخُول
فِي ملكه لِأَن معنى الْخطر للمحل وَوقت التَّمَلُّك وَقت
الِاسْتِيلَاء على الْمحل بِإِثْبَات الْملك فَيكون مُتَقَوّما
لإِظْهَار خطره فَأَما وَقت الْخُرُوج فَهُوَ وَقت إِطْلَاق
الْمحل وَإِزَالَة الِاسْتِيلَاء عَنهُ فَلَا يظْهر حكم التقوم
فِيهِ وَلَا يدْخل على مَا قُلْنَا شُهُود الطَّلَاق قبل
الدُّخُول إِذا رجعُوا فَإِنَّهُم يضمنُون نصف الصَدَاق
للزَّوْج لأَنهم لَا يضمنُون شَيْئا من قيمَة مَا أتلفوا
وَهُوَ الْبضْع فَقيمته مهر الْمثل وَلَا يضمنُون شَيْئا
مِنْهُ وَلَكِن سُقُوط الْمُطَالبَة بِتَسْلِيم الْبضْع قبل
الدُّخُول يكون مسْقطًا للمطالبة بِالْعِوَضِ الْمُسَمّى إِذا
لم يكن ذَلِك بِسَبَب مُضَاف إِلَى الزَّوْج فهما
بِالْإِضَافَة إِلَى الزَّوْج بِشَهَادَتِهِمَا على الطَّلَاق
كالملزمين لَهُ نصف الصَدَاق حكما أَو كَأَنَّهُمَا فوتا
عَلَيْهِ يَده فِي ذَلِك النّصْف بعد فَوَات تَسْلِيم الْبضْع
فيكونان بِمَنْزِلَة الغاصبين فِي حَقه
وَمن الْقَضَاء الَّذِي هُوَ فِي حكم الْأَدَاء مَا إِذا تزوج
امْرَأَة على عبد بِغَيْر عينه فَأَتَاهَا بِالْقيمَةِ أجبرت
على الْقبُول وَكَانَ ذَلِك قَضَاء بِالْمثلِ الْمُسَمّى من
عِنْده وَهُوَ فِي معنى الْأَدَاء لِأَن العَبْد الْمُطلق
مَعْلُوم الْجِنْس مَجْهُول الْوَصْف فباعتبار كَونه مَعْلُوم
الْجِنْس يكون أَدَاء للمسمى بِتَسْلِيم العَبْد وَلِهَذَا لَو
أَتَاهَا بِهِ أجبرت على الْقبُول وَمن حَيْثُ إِنَّه مَجْهُول
الْوَصْف يتَعَذَّر عَلَيْهَا الْمُطَالبَة بِعَين الْمُسَمّى
فَيكون تَسْلِيم الْقيمَة قَضَاء فِي حكم الْأَدَاء فتجبر على
قبُولهَا بِخِلَاف العَبْد إِذا كَانَ بِعَيْنِه (أَو الْمكيل
أَو الْمَوْزُون إِذا كَانَ مَوْصُوفا أَو معينا لِأَن
الْمُسَمّى مَعْلُوم بِعَيْنِه) وَوَصفه فَتكون الْقيمَة
بمقابلته قَضَاء لَيْسَ فِي معنى الْأَدَاء فَلَا تجبر على
الْقبُول إِذا أَتَاهَا بِهِ إِلَّا عِنْد تحقق الْعَجز عَن
تَسْلِيم مَا هُوَ الْمُسْتَحق كَمَا فِي ضَمَان الْغَصْب على
مَا قَررنَا وَالله أعلم
(1/59)
فصل فِي بَيَان مُقْتَضى الْأَمر فِي صفة
الْحسن للْمَأْمُور بِهِ
قَالَ رَضِي الله عَنهُ اعْلَم أَن مُطلق مُقْتَضى الْأَمر
كَون الْمَأْمُور بِهِ حسنا شرعا وَهَذَا الْوَصْف غير ثَابت
للْمَأْمُور بِهِ بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ أحد تصاريف الْكَلَام
فَيتَحَقَّق فِي الْقَبِيح وَالْحسن جَمِيعًا لُغَة كَسَائِر
التصريفات وَلَا نقُول إِنَّه ثَابت عقلا كَمَا زعم بعض
مَشَايِخنَا رَحِمهم الله لِأَن الْعقل بِنَفسِهِ غير مُوجب
عندنَا
وَبَيَان كَونه ثَابتا شرعا أَن الله تَعَالَى لم يَأْمر
بالفحشاء كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي مُحكم تَنْزِيله وَالْأَمر
طلب إِيجَاد الْمَأْمُور بِهِ بأبلغ الْجِهَات وَلِهَذَا كَانَ
مُطلقَة مُوجبا شرعا والقبيح وَاجِب الإعدام شرعا فَمَا هُوَ
وَاجِب الإيجاد شرعا تعرف صفة الْحسن فِيهِ شرعا
ثمَّ هُوَ فِي صفة الْحسن نَوْعَانِ حسن لِمَعْنى فِي نَفسه
وَحسن لِمَعْنى فِي غَيره
وَالنَّوْع الأول قِسْمَانِ حسن لعَينه لَا يحْتَمل السُّقُوط
بِحَال وَحسن لعَينه قد يحْتَمل السُّقُوط فِي بعض الْأَحْوَال
وَالْقسم الثَّانِي نَوْعَانِ أَيْضا حسن لِمَعْنى فِي غَيره
وَذَلِكَ مَقْصُود فِي نَفسه لَا يحصل مِنْهُ مَا لأَجله كَانَ
حسنا وَحسن لِمَعْنى فِي غَيره يتَحَقَّق بِوُجُودِهِ مَا
لأَجله كَانَ حسنا
وَأما النَّوْع الأول من الْقسم الأول فَهُوَ الْإِيمَان
بِاللَّه تَعَالَى وَصِفَاته فَإِنَّهُ مَأْمُور بِهِ قَالَ
الله تَعَالَى {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} وَهُوَ حسن لعَينه
وركنه التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ
فالتصديق لَا يحْتَمل السُّقُوط بِحَال وَمَتى بدله بِغَيْرِهِ
فَهُوَ كفر مِنْهُ على أَي وَجه بدله وَالْإِقْرَار حسن لعَينه
وَهُوَ يحْتَمل السُّقُوط فِي بعض الْأَحْوَال
حَتَّى إِنَّه إِذا بدله بِغَيْرِهِ بِعُذْر الْإِكْرَاه لم
يكن ذَلِك كفرا مِنْهُ إِذا كَانَ مطمئن الْقلب بِالْإِيمَان
وَهَذَا لِأَن اللِّسَان لَيْسَ بمعدن التَّصْدِيق وَلَكِن
يعبر اللِّسَان عَمَّا فِي قلبه فَيكون دَلِيل التَّصْدِيق
وجودا وعدما فَإِذا بدله بِغَيْرِهِ فِي وَقت يكون مُتَمَكنًا
من إِظْهَاره يكون كَافِرًا وَإِذا زَالَ تمكنه من الْإِظْهَار
بِالْإِكْرَاهِ لم يصر كَافِرًا لِأَن سَبَب الْخَوْف على
نَفسه دَلِيل ظَاهر على بَقَاء التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وَأَن
الْحَامِل لَهُ على هَذَا التبديل حَاجته إِلَى دفع الْهَلَاك
عَن نَفسه لَا تَبْدِيل الِاعْتِقَاد
(1/60)
فَأَما فِي وَقت التَّمَكُّن تبديله دَلِيل
تبدل الِاعْتِقَاد فَكَانَ ركن الْإِيمَان وجودا وعدما وَإِن
كَانَ دون التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ لاحْتِمَاله السُّقُوط فِي
بعض الْأَحْوَال
وَمن هَذَا النَّوْع الصَّلَاة فَإِنَّهَا حَسَنَة لِأَنَّهَا
تَعْظِيم لله تَعَالَى قولا وفعلا بِجَمِيعِ الْجَوَارِح وَهِي
تحْتَمل السُّقُوط فِي بعض الْأَحْوَال فَكَانَت فِي صفة
الْحسن نَظِير الْإِقْرَار وَلكنهَا لَيست بِرُكْن الْإِيمَان
فِي جَمِيع الْأَحْوَال فالإقرار دَلِيل التَّصْدِيق وجودا
وعدما وَالصَّلَاة لَا تكون دَلِيل التَّصْدِيق وجودا وعدما
وَقد تدل على ذَلِك إِذا أَتَى بهَا على هَيْئَة مَخْصُوصَة
وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا صلى الْكَافِر بِجَمَاعَة الْمُسلمين
يحكم بِإِسْلَامِهِ
وَمِمَّا يشبه هَذَا النَّوْع معنى الزَّكَاة وَالصَّوْم
وَالْحج
فالزكاة حَسَنَة لما فِيهَا من إِيصَال الْكِفَايَة إِلَى
الْفَقِير الْمُحْتَاج بِأَمْر الله وَالصَّوْم حسن لما فِيهِ
من قهر النَّفس الأمارة بالسوء فِي منع شهوتها بِأَمْر الله
تَعَالَى وَالْحج حسن بِمَعْنى شرف الْبَيْت بِأَمْر الله
تَعَالَى غير أَن هَذِه الوسائط لَا تخرجها من أَن تكون
حَسَنَة لعينها فحاجة الْفَقِير كَانَ بِخلق الله تَعَالَى
إِيَّاهَا على هَذِه الصّفة لَا بصنع بَاشرهُ بِنَفسِهِ وَكَون
النَّفس أَمارَة بِخلق الله تَعَالَى إِيَّاهَا على هَذِه
الصّفة لَا لكَونهَا جانية بِنَفسِهَا وَشرف الْبَيْت بِجعْل
الله تَعَالَى إِيَّاه مشرفا بِهَذِهِ الصّفة فَعرفنَا
أَنَّهَا فِي الْمَعْنى من النَّوْع الَّذِي هُوَ حسن لعَينه
وَلِهَذَا جعلناها عبَادَة مَحْضَة وشرطنا للْوُجُوب فِيهَا
الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة وَحكم هَذَا الْقسم وَاحِد وَهُوَ
أَنه إِذا وَجب بِالْأَمر لَا يسْقط إِلَّا بِالْأَدَاءِ أَو
بِإِسْقَاط من الْآمِر فِيمَا يحْتَمل السُّقُوط
وَبَيَان الْقسم الثَّانِي فِي السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة
فَإِنَّهُ حسن لِمَعْنى فِي غَيره وَهُوَ أَنه يتَوَصَّل بِهِ
إِلَى أَدَاء الْجُمُعَة وَذَلِكَ الْمَعْنى مَقْصُود
بِنَفسِهِ لَا يصير مَوْجُودا بِمُجَرَّد وجود الْمَأْمُور
بِهِ من السَّعْي وَحكمه أَنه يسْقط بِالْأَدَاءِ إِذا حصل
الْمَقْصُود بِهِ وَلَا يسْقط إِذا لم يحصل الْمَقْصُود بِهِ
حَتَّى إِنَّه إِذا حمله إِنْسَان إِلَى مَوضِع مكْرها بعد
السَّعْي قبل أَدَاء الْجُمُعَة ثمَّ خلى عَنهُ كَانَ السَّعْي
وَاجِبا عَلَيْهِ وَإِذا حصل الْمَقْصُود بِدُونِ السَّعْي
بِأَن حمل مكْرها إِلَى الْجَامِع حَتَّى صلى الْجُمُعَة سقط
اعْتِبَار السَّعْي وَلَا يتَمَكَّن بانعدامه نُقْصَان فِيمَا
هُوَ الْمَقْصُود وَإِذا سقط عَنهُ الْجُمُعَة لمَرض أَو سفر
سقط عَنهُ السَّعْي
(1/61)
وَمن هَذَا النَّوْع الْوضُوء فَإِنَّهُ
حسن لِمَعْنى فِي غَيره وَهُوَ التَّمَكُّن من أَدَاء
الصَّلَاة وَمَا هُوَ الْمَقْصُود لَا يصير مؤدى بِعَيْنِه
وَلِهَذَا جَوَّزنَا الْوضُوء والاغتسال بِغَيْر النِّيَّة
وَمِمَّنْ لَيْسَ بِأَهْل لِلْعِبَادَةِ أَدَاء وَهُوَ
الْكَافِر وَلَا يُنكر معنى الْقرْبَة فِي الْوضُوء حَتَّى
إِذا قصد بِهِ التَّقَرُّب وَهُوَ من أَهله بِأَن تَوَضَّأ
وَهُوَ متوضىء كَانَ مثابا على ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا تَوَضَّأ
وَهُوَ مُحدث على قصد التَّقَرُّب فَإِنَّهُ تَطْهِير والتطهير
حسن شرعا كتطهير الْمَكَان وَالثيَاب قَالَ الله تَعَالَى {أَن
طهرا بَيْتِي للطائفين} وَقَالَ تَعَالَى {وثيابك فطهر} إِلَّا
أَن مَا هُوَ شَرط أَدَاء الصَّلَاة يتَحَقَّق بِدُونِ هَذَا
الْوَصْف وَهُوَ قصد التَّقَرُّب لِأَن شَرط أَدَاء الصَّلَاة
أَن يقوم إِلَيْهَا طَاهِرا عَن الْحَدث وَبِدُون هَذَا
الْوَصْف يَزُول الْحَدث وَهُوَ معنى قَوْلنَا إِنَّه
يتَمَكَّن من أَدَاء الصَّلَاة بِالْوضُوءِ وَإِن لم يُنَوّه
وَلكنه لَا يكون مثابا عَلَيْهِ ثمَّ حكمه حكم السَّعْي كَمَا
بَينا إِلَّا أَن مَعَ انعدام السَّعْي يتم أَدَاء الْجُمُعَة
وَبِدُون الْوضُوء لَا يجوز أَدَاء الصَّلَاة من الْمُحدث
لِأَن من شَرط الْجَوَاز الطَّهَارَة عَن الْحَدث
وَبَيَان النَّوْع الآخر فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت وقتال
الْمُشْركين وَإِقَامَة الْحُدُود
فَالصَّلَاة على الْمَيِّت حَسَنَة لإسلام الْمَيِّت وَذَلِكَ
معنى فِي غير الصَّلَاة مُضَاف إِلَى كسب وَاخْتِيَار كَانَ من
العَبْد قبل مَوته وَبِدُون هَذَا الْوَصْف يكون قبيحا
مَنْهِيّا عَنهُ يَعْنِي الصَّلَاة على الْكفَّار
وَالْمُنَافِقِينَ قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تصل على أحد
مِنْهُم مَاتَ أبدا} وَكَذَلِكَ الْقِتَال مَعَ الْمُشْركين
حسن لِمَعْنى فِي غَيره وَهُوَ كفر الْكَافِر أَو قَصده إِلَى
محاربة الْمُسلمين وَذَلِكَ مُضَاف إِلَى اخْتِيَاره
وَكَذَلِكَ الْقِتَال مَعَ أهل الْبَغي حسن لدفع فتنتهم
ومحاربتهم عَن أهل الْعدْل
وَكَذَا إِقَامَة الْحُدُود حسن لِمَعْنى الزّجر عَن الْمعاصِي
وَتلك الْمعاصِي تُضَاف إِلَى كسب وَاخْتِيَار مِمَّن تُقَام
عَلَيْهِ وَلَكِن لَا يتم إِلَّا بِحُصُول مَا لأَجله كَانَ
حسنا وَحكم هَذَا النَّوْع أَنه يسْقط بعد الْوُجُوب
بِالْأَدَاءِ وبانعدام الْمَعْنى الَّذِي لأَجله كَانَ يجب
حَتَّى إِذا تحقق الانزجار عَن ارْتِكَاب الْمعاصِي أَو تصور
إِسْلَام الْخلق عَن آخِرهم لَا تبقى فرضيته إِلَّا أَنه خلاف
للْخَبَر لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق انعدام هَذَا الْمَعْنى فِي
الظَّاهِر
وَكَذَلِكَ الصَّلَاة على الْمَيِّت تسْقط بِعَارِض مُضَاف
إِلَى اخْتِيَاره من بغي أَو غَيره وَإِذا قَامَ بِهِ
الْوَلِيّ مَعَ بعض النَّاس يسْقط عَن البَاقِينَ
وَكَذَلِكَ الْقِتَال إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن
البَاقِينَ لحُصُول الْمَقْصُود وَإِذا
(1/62)
تحقق صفة الْحسن للْمَأْمُور بِهِ قد ذهب
بعض مَشَايِخنَا إِلَى أَن عِنْد إِطْلَاق الْأَمر يثبت
النَّوْع الثَّانِي من الْحسن وَلَا يثبت النَّوْع الأول
إِلَّا بِدَلِيل يقْتَرن بِهِ لِأَن ثُبُوت هَذِه الصّفة
بطرِيق الِاقْتِضَاء وَإِنَّمَا ثَبت بِهَذَا الطَّرِيق
الْأَدْنَى على مَا نبينه فِي بَاب الِاقْتِضَاء والأدنى هُوَ
الْحسن لِمَعْنى فِي غَيره لَا لعَينه
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَالأَصَح عِنْدِي أَن بِمُطلق الْأَمر
يثبت حسن الْمَأْمُور بِهِ لعَينه شرعا فَإِن الْأَمر لطلب
الإيجاد وبمطلقه يثبت أقوى أَنْوَاع الطّلب وَهُوَ الْإِيجَاب
فَيثبت أَيْضا أَعلَى صِفَات الْحسن لِأَنَّهُ استعباد فَإِن
قَوْله {أقِيمُوا الصَّلَاة} و {اعبدوني} هما فِي الْمَعْنى
سَوَاء وَالْعِبَادَة لله تَعَالَى حَسَنَة لعينها وَلِأَن مَا
يكون حسنا لِمَعْنى فِي غَيره فَهَذِهِ الصّفة لَهُ شبه
الْمجَاز لِأَنَّهُ ثَابت من وَجه دون وَجه وَمَا يكون حسنا
لعَينه فَهَذِهِ الصّفة لَهُ حَقِيقَة وبالمطلق تثبت
الْحَقِيقَة دون الْمجَاز وَإِذا ثَبت هَذَا قُلْنَا اتّفق
الْفُقَهَاء على ثُبُوت صفة الْجَوَاز مُطلقًا للْمَأْمُور
بِهِ كَمَا قَررنَا أَن مُقْتَضى الْأَمر حسن الْمَأْمُور بِهِ
حَقِيقَة وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بعد جَوَازه شرعا وَلِأَن
مُقْتَضى مطلقه الْإِيجَاب وَلَا يجوز أَن يكون وَاجِب
الْأَدَاء شرعا إِلَّا بعد أَن يكون جَائِزا شرعا وعَلى قَول
بعض الْمُتَكَلِّمين بِمُطلق الْأَمر لَا يثبت جَوَاز
الْأَدَاء حَتَّى يقْتَرن بِهِ دَلِيل
وَاسْتَدَلُّوا على هَذَا بالظان عِنْد تضايق الْوَقْت أَنه
على طَهَارَة فَإِنَّهُ مَأْمُور بأَدَاء الصَّلَاة شرعا لَا
يكون جَائِزا إِذا أَدَّاهَا على هَذِه الصّفة وَمن أفسد حجه
فَهُوَ مَأْمُور بِالْأَدَاءِ شرعا وَلَا يكون الْمُؤَدى
جَائِزا إِذا أَدَّاهُ وَهَذَا سَهْو مِنْهُم فَإِن عندنَا من
كَانَ عِنْده أَنه على طَهَارَة فصلى جَازَت صلَاته نَص
عَلَيْهِ فِي كتاب التَّحَرِّي فِيمَا إِذا تَوَضَّأ بِمَاء
نجس فَقَالَ صلَاته جَائِزَة مَا لم يعلم فَإِذا علم أَعَادَهُ
فَإِن قيل فَإِذا جَازَت صلَاته كَيفَ تلْزمهُ الْإِعَادَة
وَالْأَمر لَا يَقْتَضِي التّكْرَار قُلْنَا الْمُؤَدى جَائِز
حَتَّى لَو مَاتَ قبل أَن يعلم لَقِي الله وَلَا شَيْء
عَلَيْهِ فَأَما إِذا علم فقد تبدل حَاله وَوُجُوب الْأَدَاء
بعد تبدل الْحَال لَا يكون تَكْرَارا وتحقيقه أَن الْأَمر
يتَوَجَّه بِحَسب التَّوَسُّع قَالَ الله تَعَالَى {لَا يُكَلف
الله نفسا إِلَّا وسعهَا} فَإِذا كَانَ عِنْده أَنه على
طَهَارَة يثبت الْأَمر فِي حَقه على حسب مَا يَلِيق بِحَالهِ
وَمن ضَرُورَته
(1/63)
الْجَوَاز على تِلْكَ الْحَالة وَإِذا تبدل
حَاله بِالْعلمِ ثَبت الْأَمر بِالْأَدَاءِ كَمَا يَلِيق
بِحَالهِ وَلَكِن لما كَانَ لَهُ طَرِيق يتَوَصَّل بِهِ إِلَى
هَذِه الْحَالة إِذا تحرز وَأحسن النّظر لم يسْقط الْوَاجِب
فِي هَذِه الْحَالة بِالْأَدَاءِ الأول وَإِن كَانَ مَعْذُورًا
فِيهِ لدفع الْحَرج عَنهُ وَالْحج بمعزل مِمَّا قُلْنَا
فالثابت بِالْأَمر وجوب أَدَاء الْأَعْمَال بِصفة الصِّحَّة
وَأما بعد الْإِفْسَاد فالثابت وجوب التَّحَلُّل عَن
الْإِحْرَام بطريقه وَهَذَا أَمر آخر سوى الأول والمأمور بِهِ
فِي هَذَا الْأَمر مجزى فَإِن التَّحَلُّل بأَدَاء الْأَعْمَال
بعد الْإِفْسَاد جَائِز شرعا
ويحكى عَن أبي بكر الرَّازِيّ رَحمَه الله أَنه كَانَ يَقُول
صفة الْجَوَاز وَإِن كَانَت تثبت بِمُطلق الْأَمر شرعا فقد
تتَنَاوَل الْأَمر على مَا هُوَ مَكْرُوه شرعا أَيْضا
وَاسْتدلَّ على ذَلِك بأَدَاء عصر يَوْمه بعد تغير الشَّمْس
فَإِنَّهُ جَائِز مَأْمُور بِهِ شرعا وَهُوَ مَكْرُوه أَيْضا
وَكَذَلِكَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وليطوفوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} يتَنَاوَل طواف الْمُحدث عندنَا حَتَّى
يكون طَوَافه ركن الْحَج وَذَلِكَ جَائِز مَأْمُور بِهِ شرعا
وَيكون مَكْرُوها
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَالأَصَح عِنْدِي أَن بِمُطلق الْأَمر
كَمَا تثبت صفة الْجَوَاز وَالْحسن شرعا يثبت انْتِفَاء صفة
الْكَرَاهَة لِأَن الْأَمر استعباد وَلَا كَرَاهَة فِي عبَادَة
العَبْد لرَبه وَانْتِفَاء الْكَرَاهَة تثبت بِالْإِذْنِ شرعا
وَمَعْلُوم أَن الْإِذْن دون الْأَمر فِي طلب إِيجَاد
الْمَأْمُور بِهِ فَلِأَن يثبت انْتِفَاء الْكَرَاهَة
بِالْأَمر أولى فَأَما الصَّلَاة بعد تغير الشَّمْس
وَالْكَرَاهَة لَيست للصَّلَاة وَلَكِن للتشبه بِمن يعبد
الشَّمْس والمأمور بِهِ هُوَ الصَّلَاة وَكَذَلِكَ الطّواف
الْكَرَاهَة لَيست فِي الطّواف الَّذِي فِيهِ تَعْظِيم
الْبَيْت بل لوصف فِي الطّواف وَهُوَ الْحَدث وَذَلِكَ لَيْسَ
من الطّواف فِي شَيْء
ثمَّ تكلم مَشَايِخنَا رَحِمهم الله فِيمَا إِذا انْعَدم صفة
الْوُجُوب للْمَأْمُور بِهِ لقِيَام الدَّلِيل هَل تبقى صفة
الْجَوَاز أم لَا فالعراقيون من مَشَايِخنَا يَقُولُونَ هُوَ
على هَذَا الْخلاف عندنَا لَا تبقى وعَلى قَول الشَّافِعِي
تبقى فيثبتون هَذَا الْخلاف فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من
حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر يَمِينه
ثمَّ ليأت بِالَّذِي هُوَ خير فَإِن صِيغَة الْأَمر بِهَذِهِ
الصّفة توجب التَّكْفِير سَابِقًا على الْحِنْث وَقد انْعَدم
هَذَا الْوُجُوب بِدَلِيل
(1/64)
الْإِجْمَاع فَبَقيَ الْجَوَاز عِنْده وَلم يبْق عندنَا وحجته
فِي ذَلِك أَن من ضَرُورَة وجوب الْأَدَاء جَوَاز الْأَدَاء
وَالثَّابِت بضرورة النَّص كالمنصوص وَلَيْسَ من ضَرُورَة
انْتِفَاء الْوُجُوب انْتِفَاء الْجَوَاز فَيبقى حكم الْجَوَاز
بَعْدَمَا انْتَفَى الْوُجُوب بِالدَّلِيلِ وَاسْتدلَّ
عَلَيْهِ بِصَوْم عَاشُورَاء فبانتساخ وجوب الْأَدَاء فِيهِ لم
ينتسخ جَوَاز الْأَدَاء وَلَكنَّا نقُول مُوجب الْأَمر أَدَاء
هُوَ مُتَعَيّن على وَجه لَا يتَخَيَّر العَبْد بَين
الْإِقْدَام عَلَيْهِ وَبَين تَركه شرعا وَالْجَوَاز فِيمَا
يكون العَبْد مُخَيّرا فِيهِ وَبَينهمَا مُغَايرَة على سَبِيل
الْمُنَافَاة فَإِذا قَامَ الدَّلِيل على انتساخ مُوجب الْأَمر
لَا يجوز إبْقَاء غير مُوجب الْأَمر مُضَافا إِلَى الْأَمر
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَالأَصَح عِنْدِي أَن بِانْتِفَاء حكم
الْوُجُوب لقِيَام الدَّلِيل ينتسخ الْأَمر وَيخرج من أَن يكون
أمرا شرعا والمصير إِلَى بَيَان مُوجبه ابْتِدَاء وَبَقَاء فِي
حَال مَا يكون أمرا شرعا فَأَما بعد خُرُوجه من أَن يكون أمرا
شرعا فَلَا معنى للاشتغال بِهَذَا التَّكْلِيف وَبَعْدَمَا
انتسخ الْأَمر بِصَوْم عَاشُورَاء لَا نقُول جَوَاز الصَّوْم
فِي ذَلِك الْيَوْم مُوجب ذَلِك الْأَمر بل هُوَ مُوجب كَون
الصَّوْم مَشْرُوعا فِيهِ للْعَبد كَمَا فِي سَائِر الْأَيَّام
وَقد كَانَ ذَلِك ثَابتا قبل إِيجَاب الصَّوْم فِيهِ بِالْأَمر
شرعا فَبَقيَ على مَا كَانَ حَتَّى إِذا بَقِي الْأَمر يبْقى
حكم الْجَوَاز عندنَا وَلِهَذَا قُلْنَا الصَّحِيح الْمُقِيم
إِذا صلى الظّهْر فِي بَيته يَوْم الْجُمُعَة جَازَت صلَاته
وَالْوَاجِب عَلَيْهِ فِي الْمصر أَدَاء الْجُمُعَة بَعْدَمَا
شرعت الْجُمُعَة وَلَكِن بَقِي أصل أَمر أَدَاء الظّهْر
وَلِهَذَا يلْزمه بعد مُضِيّ الْوَقْت قَضَاء الظّهْر وَلَو
شهد الْجُمُعَة بعد الظّهْر كَانَ مُؤديا فرض الْوَقْت فبه
تبين أَن الْوَاجِب أَدَاء الْجُمُعَة دون أَدَاء الظّهْر إِذْ
الْوَاجِب إِسْقَاط فرض الْوَقْت بأَدَاء الْجُمُعَة فَكَذَلِك
يجب نقض الظّهْر الْمُؤَدِّي بأَدَاء الْجُمُعَة وَلِهَذَا
سوينا بذلك بَين الْمَعْذُور وَغير الْمَعْذُور لِأَن جَوَاز
ترك أَدَاء الْجُمُعَة للمعذور رخصَة فَلَا يتَغَيَّر بِهِ حكم
مَا هُوَ عَزِيمَة وَالله أعلم |