أصول السرخسي

فصل فِي بَيَان المشروعات من الْعِبَادَات وأحكامها
قَالَ رَحمَه الله هَذِه المشروعات تَنْقَسِم على أَرْبَعَة أَقسَام فرض وواجب وَسنة وَنفل
فالفرض اسْم لمقدر شرعا لَا يحْتَمل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَهُوَ مَقْطُوع بِهِ لكَونه ثَابتا بِدَلِيل مُوجب للْعلم قطعا من الْكتاب أَو السّنة المتواترة أَو الْإِجْمَاع وَفِي الِاسْم مَا يدل على ذَلِك كُله فَإِن الْفَرْض لُغَة التَّقْدِير قَالَ الله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} أَي قدرتم بِالتَّسْمِيَةِ وَقَالَ تَعَالَى {سُورَة أنزلناها وفرضناها} أَي قَطعنَا الْأَحْكَام قطعا وَفِي هَذَا الِاسْم مَا ينبىء عَن شدَّة الرِّعَايَة فِي الْحِفْظ لِأَنَّهُ مَقْطُوع بِهِ وَمَا ينبىء عَن التَّخْفِيف لِأَنَّهُ مُقَدّر متناه كَيْلا يصعب علينا أَدَاؤُهُ وَيُسمى مَكْتُوبَة أَيْضا لِأَنَّهَا كتبت علينا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
وَبَيَان هَذَا الْقسم فِي الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج فَإِن التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ

(1/110)


وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ بعد الْمعرفَة فرض مَقْطُوع بِهِ إِلَّا أَن التَّصْدِيق مستدام فِي جَمِيع الْعُمر لَا يجوز تبديله بِغَيْرِهِ بِحَال وَالْإِقْرَار لَا يكون وَاجِبا فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَإِن كَانَ لَا يجوز تبديله بِغَيْرِهِ من غير عذر بِحَال والعبادات الَّتِي هِيَ أَرْكَان الدّين مقدرَة متناهية مَقْطُوع بهَا
وَحكم هَذَا الْقسم شرعا أَنه مُوجب للْعلم اعتقادا بِاعْتِبَار أَنه ثَابت بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ وَلِهَذَا يكفر جاحده وَمُوجب للْعَمَل بِالْبدنِ للُزُوم الْأَدَاء بدليله فَيكون الْمُؤَدِّي مُطيعًا لرَبه والتارك للْأَدَاء عَاصِيا لِأَنَّهُ بترك الْأَدَاء مبدل للْعَمَل لَا للاعتقاد وضد الطَّاعَة الْعِصْيَان وَلِهَذَا لَا يكفر بالامتناع عَن الْأَدَاء فِيمَا هُوَ من أَرْكَان الدّين لَا من أصل الدّين إِلَّا أَن يكون تَارِكًا على وَجه الاستخفاف فَإِن استخفاف أَمر الشَّارِع كفر فَأَما بِدُونِ الاستخفاف فَهُوَ عَاص بِالتّرْكِ من غير عذر فَاسق لِخُرُوجِهِ من طَاعَة ربه فالفسق هُوَ الْخُرُوج يُقَال فسقت الرّطبَة إِذا خرجت من قشرها وَسميت الْفَأْرَة فويسقة لخروجها من جحرها وَلِهَذَا كَانَ الْفَاسِق مُؤمنا لِأَنَّهُ غير خَارج من أصل الدّين وأركانه اعتقادا وَلكنه خَارج من الطَّاعَة عملا وَالْكَافِر رَأس الْفُسَّاق فِي الْحَقِيقَة إِلَّا أَنه اخْتصَّ باسم هُوَ أعظم فِي الذَّم فاسم الْفَاسِق عِنْد الْإِطْلَاق يتنازل الْمُؤمن العَاصِي بِاعْتِبَار أَعماله
فَأَما الْوَاجِب فَهُوَ مَا يكون لَازم الْأَدَاء شرعا ولازم التّرْك فِيمَا يرجع إِلَى الْحل وَالْحُرْمَة وَالِاسْم مَأْخُوذ من الْوُجُوب وَهُوَ السُّقُوط قَالَ الله تَعَالَى {فَإِذا وَجَبت جنوبها} أَي سَقَطت على الأَرْض فَمَا يكون سَاقِطا على الْمَرْء عملا بلزومه إِيَّاه من غير أَن يكون دَلِيله مُوجبا للْعلم قطعا يُسمى وَاجِبا أَو هُوَ سَاقِط فِي حق الِاعْتِقَاد قطعا وَإِن كَانَ ثَابتا فِي حق لُزُوم الْأَدَاء عملا وَالْفَرْض وَالْوَاجِب كل وَاحِد مِنْهُمَا لَازم إِلَّا أَن تَأْثِير الْفَرْضِيَّة أَكثر وَمِنْه سمي الحز فِي الْخَشَبَة فرضا لبَقَاء أَثَره على كل حَال وَيُسمى السُّقُوط على الأَرْض وجوبا لِأَنَّهُ قد لَا يبْقى أَثَره فِي الْبَاقِي فَمَا كَانَ ثَابتا بِدَلِيل مُوجب للْعَمَل وَالْعلم قطعا يُسمى فرضا لبَقَاء أَثَره وَهُوَ الْعلم بِهِ أدّى أَو لم يؤد وَمَا كَانَ ثَابتا بِدَلِيل مُوجب للْعَمَل غير مُوجب للْعلم يَقِينا بِاعْتِبَار شُبْهَة فِي طَرِيقه يُسمى وَاجِبا وَقيل الِاسْم مُشْتَقّ من الوجبة وَهِي الِاضْطِرَاب قَالَ الْقَائِل

(1/111)


وللفؤاد وجيب تَحت أبهره لدم الْغُلَام وَرَاء الْغَيْب بِالْحجرِ أَي اضْطِرَاب فلنوع شُبْهَة فِي دَلِيله يتَمَكَّن فِيهِ اضْطِرَاب فَسُمي وَاجِبا وَهَذَا نَحْو تعْيين قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة وتعديل الْأَركان وَالطَّهَارَة فِي الطّواف وَالسَّعْي فِي الْحَج وأصل الْعمرَة وَالْوتر
وَالشَّافِعِيّ يُنكر هَذَا الْقسم ويلحقه بِالْفَرْضِ فَإِن كَانَ إِنْكَاره ذَلِك للاسم فقد بَينا معنى الِاسْم وَإِن كَانَ للْحكم فَهُوَ إِنْكَار فَاسد لِأَن ثُبُوت الحكم بِحَسب الدَّلِيل وَلَا خلاف بَيْننَا وَبَينه أَن هَذَا التَّفَاوُت يتَحَقَّق فِي الدَّلِيل فَإِن خبر الْوَاحِد لَا يُوجب علم الْيَقِين لاحْتِمَال الْغَلَط من الرَّاوِي وَهُوَ دَلِيل مُوجب للْعَمَل بِحسن الظَّن بالراوي وترجح جَانب الصدْق بِظُهُور عَدَالَته فَيثبت حكم هَذَا الْقسم بِحَسب دَلِيله وَهُوَ أَنه لَا يكفر جاحده لِأَن دَلِيله لَا يُوجب علم الْيَقِين وَيجب الْعَمَل بِهِ لِأَن دَلِيله مُوجب للْعَمَل ويضلل جاحده إِذا لم يكن متأولا بل كَانَ رادا لخَبر الْوَاحِد فَإِن كَانَ متأولا فِي ذَلِك مَعَ القَوْل بِوُجُوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد فَحِينَئِذٍ لَا يضلل ولوجوب الْعَمَل بِهِ يكون الْمُؤَدِّي مُطيعًا والتارك من غير تَأْوِيل عَاصِيا معاقبا وَهَذَا لِأَن الدّلَالَة قَامَت لنا على أَن الزِّيَادَة على النَّص نسخ فَلَا يثبت إِلَّا بِمَا يثبت النّسخ بِهِ والنسخ لَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد فَكَذَلِك لَا نثبت الزِّيَادَة فَلَا يكون مُوجبا للْعلم بِهَذَا الْمَعْنى وَلَكِن يجب الْعَمَل بِهِ لِأَن فِي الْعَمَل تَقْرِير الثَّابِت بِالنَّصِّ لَا نسخ لَهُ إِلَّا أَن هَذَا يشكل على بعض النَّاس قبل التَّأَمُّل على مَا حُكيَ عَن يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي رَحمَه الله قدمت على أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلته عَن الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة كم هِيَ فَقَالَ خمس فَسَأَلته عَن الْوتر فَقَالَ وَاجِب فَقلت لقلَّة تأملي كفرت فَتَبَسَّمَ فِي وَجْهي ثمَّ تَأَمَّلت فَعرفت أَن بَين الْوَاجِب وَالْفَرِيضَة فرق كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فيرحم الله أَبَا حنيفَة ويجازيه خيرا على مَا هَدَانِي إِلَيْهِ
وَبَيَان هَذَا أَن فَرضِيَّة الْقِرَاءَة فِي الصَّلَوَات ثَابِتَة بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فاقرؤوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} وَتَعْيِين الْفَاتِحَة ثَابت بِخَبَر الْوَاحِد

(1/112)


فَمن جعل ذَلِك فرضا كَانَ زَائِدا على النَّص وَمن قَالَ يجب الْعَمَل بِهِ من غير أَن يكون فرضا كَانَ مقررا للثابت بِالنَّصِّ على حَاله وعاملا بِالدَّلِيلِ الآخر بِحَسب مُوجبه وَفِي القَوْل بفرضية مَا ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد رفع للدليل الَّذِي فِيهِ شُبْهَة عَن دَرَجَته أَو حط للدليل الَّذِي لَا شُبْهَة فِيهِ عَن دَرَجَته وكل وَاحِد مِنْهُمَا تَقْصِير لَا يجوز الْمصير إِلَيْهِ بعد الْوُقُوف عَلَيْهِ بِالتَّأَمُّلِ
وَكَذَلِكَ أصل الرُّكُوع وَالسُّجُود ثَابت بِالنَّصِّ وتعديل الْأَركان ثَابت بِخَبَر الْوَاحِد فَلَو أفسدنا الصَّلَاة بترك التَّعْدِيل كَمَا نفسدها بترك الْفَرِيضَة كُنَّا رفعنَا خبر الْوَاحِد عَمَّا هُوَ دَرَجَته فِي الْحجَّة وَلَو لم ندخل نُقْصَانا فِي الصَّلَاة بترك التَّعْدِيل كُنَّا حططناه عَن دَرَجَته من حَيْثُ إِنَّه مُوجب للْعَمَل
وَكَذَلِكَ الْوتر فَإِنَّهُ ثَابت بِخَبَر الْوَاحِد فَلَو لم نثبت صفة الْوُجُوب فِيهِ عملا كَانَ فِيهِ إِخْرَاج خبر الْوَاحِد من أَن يكون مُوجبا للْعَمَل وَلَو جَعَلْنَاهُ فرضا كُنَّا قد ألحقنا خبر الْوَاحِد بِالنَّصِّ الَّذِي هُوَ مَقْطُوع بِهِ
وَكَذَلِكَ شَرط الطَّهَارَة فِي الطّواف فَإِن فَرضِيَّة الطّواف بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ وَاشْتِرَاط الطَّهَارَة فِيهِ بِخَبَر الْوَاحِد حَيْثُ شبهه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ فَالْقَوْل بِفساد أصل الطّواف عِنْد ترك الطَّهَارَة يكون إِلْحَاقًا لدليله بِالنَّصِّ الْمَقْطُوع بِهِ وَالْقَوْل بِأَنَّهُ يتَمَكَّن نُقْصَان فِي الطّواف حَتَّى يُعِيد مَا دَامَ بِمَكَّة وَإِذا رَجَعَ إِلَى أَهله يجْبر النُّقْصَان بِالدَّمِ يكون عملا بدليله كَمَا هُوَ مُوجبه
وَكَذَلِكَ ترك الطّواف بِالْحَطِيمِ فَإِن كَون الْحطيم من الْبَيْت ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد
وَكَذَلِكَ السَّعْي فَإِن ثُبُوته بِخَبَر الْوَاحِد لِأَن الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْكتاب {فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} وَهَذَا لَا يُوجب الْفَرْضِيَّة
وَكَذَلِكَ الْعمرَة ثُبُوتهَا بِخَبَر الْوَاحِد فَأَما الثَّابِت بِالنَّصِّ {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} وَهَذَا لَا يُوجب نَوْعَيْنِ من الزِّيَارَة قطعا وَالْأُضْحِيَّة وَصدقَة الْفطر على هَذَا أَيْضا تخرج
وَأما السّنة فَهِيَ الطَّرِيقَة المسلوكة فِي الدّين مَأْخُوذَة من سنَن الطَّرِيق وَمن قَول الْقَائِل سنّ المَاء إِذا صبه حَتَّى جرى فِي طَرِيقه وَهُوَ اشتقاق مَعْرُوف وَالْمرَاد بِهِ شرعا مَا سنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة بعده عندنَا

(1/113)


وَقَالَ الشَّافِعِي مُطلق السّنة يتَنَاوَل سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَط وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يرى تَقْلِيد الصَّحَابِيّ وَيَقُول الْقيَاس مقدم على قَول الصَّحَابِيّ فَإِنَّمَا يتبع حجَّته لَا فعله وَقَوله بِمَنْزِلَة من بعد الصَّحَابَة فَإِنَّهُ يتبع حجتهم لَا مُجَرّد فعلهم وَقَوْلهمْ إِذا لم يبلغُوا حد الْإِجْمَاع وَلِهَذَا قَالَ فِي قَول سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ إِن الْمَرْأَة تعاقل الرجل إِلَى ثلث الدِّيَة السّنة تَنْصَرِف إِلَى سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ قَوْله فِي اسْتِحْقَاق الْفرْقَة بِسَبَب الْعَجز عَن النَّفَقَة السّنة أَنَّهَا تَنْصَرِف إِلَى طَريقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَكَذَلِكَ قَوْله فِي أَن الْحر لَا يقتل بِالْعَبدِ السّنة تَنْصَرِف إِلَى سنة رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام) فَأَما عندنَا إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ لَا يُوجب الِاخْتِصَاص بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمن سنّ سنة سَيِّئَة فَعَلَيهِ وزرها ووزر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّلَف كَانُوا يطلقون اسْم السّنة على طَريقَة أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانُوا يَأْخُذُونَ الْبيعَة على سنة العمرين وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول حكم السّنة هُوَ الِاتِّبَاع فقد ثَبت بِالدَّلِيلِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتبع فِيمَا سلك من طَرِيق الدّين قولا وفعلا وَكَذَلِكَ الصَّحَابَة بعده وَهَذَا الِاتِّبَاع الثَّابِت بِمُطلق السّنة خَال عَن صفة الْفَرْضِيَّة وَالْوُجُوب إِلَّا أَن يكون من أَعْلَام الدّين فَإِن ذَلِك بِمَنْزِلَة الْوَاجِب فِي حكم الْعَمَل على مَا قَالَ مَكْحُول رَحمَه الله السّنة سنتَانِ سنة أَخذهَا هدى وَتركهَا ضَلَالَة وَسنة أَخذهَا حسن وَتركهَا لَا بَأْس بِهِ فَالْأول نَحْو صَلَاة الْعِيد وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة وَالصَّلَاة بِالْجَمَاعَة وَلِهَذَا لَو تَركهَا قوم استوجبوا اللوم والعتاب وَلَو تَركهَا أهل بَلْدَة وأصروا على ذَلِك قوتلوا عَلَيْهَا ليأتوا بهَا وَالثَّانِي نَحْو مَا نقل من طَريقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قِيَامه وقعوده ولباسه وركوبه وسننه فِي الْعِبَادَات متبوعة أَيْضا فَمِنْهَا مَا يكره تَركهَا وَمِنْهَا مَا يكون التارك مسيئا وَمِنْهَا مَا يكون

(1/114)


المتبع لَهَا محسنا وَلَا يكون التارك مسيئا وعَلى هَذَا تخرج الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة فِي بَاب الْأَذَان من قَوْله يكره وَقد أَسَاءَ وَلَا بَأْس بِهِ وَحَيْثُ قيل يُعِيد فَهُوَ دَلِيل الْوُجُوب وعَلى هَذَا الْخلاف قَول الصَّحَابِيّ أمرنَا بِكَذَا ونهينا عَن كَذَا عندنَا لَا يَقْتَضِي مطلقه أَن يكون الْآمِر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعند الشَّافِعِي مطلقه يَقْتَضِي ذَلِك وَقد كَانُوا يطلقون لفظ الْأَمر على مَا أَمر بِهِ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَمَا كَانُوا يطلقون لفظ السّنة على سنة العمرين وَتَمام بَيَان هَذَا يَتَأَتَّى فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما النَّافِلَة فَهِيَ الزِّيَادَة وَمِنْه تسمى الْغَنِيمَة نفلا لِأَنَّهُ زِيَادَة على مَا هُوَ الْمَقْصُود بِالْجِهَادِ شرعا وَمِنْه سمي ولد الْوَلَد نَافِلَة لِأَنَّهُ زِيَادَة على مَا حصل للمرء بِكَسْبِهِ فالنوافل من الْعِبَادَات زَوَائِد مَشْرُوعَة لنا لَا علينا والتطوعات كَذَلِك فَإِن التَّطَوُّع اسْم لما يتَبَرَّع بِهِ الْمَرْء من عِنْده وَيكون محسنا فِي ذَلِك وَلَا يكون ملوما على تَركه فَهُوَ وَالنَّفْل سَوَاء وَحكمه شرعا أَنه يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركه وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الشفع الثَّانِي من ذَوَات الْأَرْبَع فِي حق الْمُسَافِر نفل لِأَنَّهُ يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركه وَلِهَذَا جَوَّزنَا صَلَاة النَّفْل قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وراكبا مَعَ الْقُدْرَة على النُّزُول بِالْإِيمَاءِ فِي حق الرَّاكِب وَإِن لم يكن مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة لِأَنَّهُ مَشْرُوع زِيَادَة لنا وَهُوَ مستدام غير مُقَيّد بِوَقْت وَفِي مُرَاعَاة تَمام الْأَركان والشرائط فِي جَمِيع الْأَوْقَات حرج ظَاهر فلدفع الْحَرج جَوَّزنَا الْأَدَاء على أَي وصف يشرع فِيهِ لتحقيق كَونه زِيَادَة لنا
وَقَالَ الشَّافِعِي آخِره من جنس أَوله نفل فَكَمَا أَنه مُخَيّر فِي الِابْتِدَاء بَين أَن يشرع وَبَين أَن لَا يشرع لكَونه نفلا فَكَذَلِك يكون مُخَيّرا فِي الِانْتِهَاء وَإِذا ترك الْإِتْمَام فَإِنَّمَا ترك أَدَاء النَّفْل وَذَلِكَ لَا يلْزمه شَيْئا كَمَا فِي المظنون
وَقُلْنَا نَحن الْمُؤَدِّي مَوْصُوف بِأَنَّهُ لله تَعَالَى وَقد صَار مُسلما بِالْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَو مَاتَ كَانَ مثابا على ذَلِك فَيجب التَّحَرُّز عَن إِبْطَاله مُرَاعَاة لحق صَاحب الْحق وَهَذَا التَّحَرُّز

(1/115)


لَا يتَحَقَّق إِلَّا بالإتمام فِيمَا لَا يحْتَمل الْوَصْف بالتجزي عبَادَة فَيجب الْإِتْمَام لهَذَا وَإِن كَانَ فِي نَفسه نفلا وَيجب الْقَضَاء إِذا أفْسدهُ لوُجُود التَّعَدِّي فِيمَا هُوَ حق الْغَيْر بِمَنْزِلَة الْمَنْذُور فالمنذور فِي الأَصْل مَشْرُوع نفلا وَلِهَذَا يكون مستداما كالنوافل إِلَّا أَن لمراعاة التَّسْمِيَة بِالنذرِ يلْزمه أَدَاء الْمَشْرُوع نفلا فَإِذا وَجب الِابْتِدَاء لمراعاة التَّسْمِيَة فَلِأَن يجب الْإِتْمَام لمراعاة مَا وجد مِنْهُ الِابْتِدَاء ابْتِدَاء كَانَ أولى وَهُوَ نَظِير الْحَج فَإِن الْمَشْرُوع مِنْهُ نفلا يصير وَاجِب الْأَدَاء لمراعاة التَّسْمِيَة حَقًا للشَّرْع فَكَذَلِك الْإِتْمَام بعد الشُّرُوع فِي الْأَدَاء يجب حَقًا للشَّرْع وَهَذَا هُوَ الطَّرِيق فِي بَيَان الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة
وَمِمَّا هُوَ ثَابت بِخَبَر الْوَاحِد أَيْضا تَأْخِير الْمغرب للْحَاج إِلَى أَن يجمع بَينه وَبَين الْعشَاء فِي وَقت الْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّهُ ثَابت بقوله عَلَيْهِ السَّلَام لأسامة بن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا الصَّلَاة أمامك وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله لَو صلى الْمغرب فِي الطَّرِيق فِي وَقت الْمغرب يلْزمه الْإِعَادَة بِالْمُزْدَلِفَةِ مَا لم يطلع الْفجْر فَإِذا طلع الْفجْر يسْقط عَنهُ الْإِعَادَة لِأَن الْوُجُوب بِدَلِيل مُوجب للْعَمَل وَذَلِكَ الدَّلِيل يُوجب الْجمع بَينهمَا فِي وَقت الْعشَاء وَقد تحقق فَوَات هَذَا الْعَمَل بِطُلُوع الْفجْر فَلَو ألزمناه الْقَضَاء مُطلقًا كُنَّا قد أفسدنا مَا أَدَّاهُ أصلا وَذَلِكَ حكم ترك الْفَرِيضَة فَكَذَلِك التَّرْتِيب بَين الْفَوَائِت وَفرض الْوَقْت ثَابت بِخَبَر الْوَاحِد فَيكون مُوجبا للْعَمَل مَا لم يتضيق الْوَقْت لِأَن عِنْد التضيق تتَحَقَّق الْمُعَارضَة بتعين هَذَا الْوَقْت لأَدَاء فرض الْوَقْت وَكَذَلِكَ عِنْد كَثْرَة الْفَوَائِت لِأَن الثَّابِت بِخَبَر الْوَاحِد التَّرْتِيب عملا وَبعد التّكْرَار فِي الْفَوَائِت يتَحَقَّق فَوَات ذَلِك وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا ترك صَلَاة ثمَّ صلى شهرا وَهُوَ ذَاكر لَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا قَضَاء الْفَائِتَة لِأَن فَسَاد الْخمس بعْدهَا لم يكن بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ ليجب قَضَاؤُهَا مُطلقًا وَإِنَّمَا كَانَ لوُجُوب التَّرْتِيب بِخَبَر الْوَاحِد وَقد سقط وجوب التَّرْتِيب عملا عِنْد كَثْرَة الصَّلَوَات فَلَا يلْزمه إِلَّا قَضَاء المتروكة وَالله أعلم

(1/116)


فصل فِي بَيَان الْعَزِيمَة والرخصة
قَالَ رَحمَه الله الْعَزِيمَة فِي أَحْكَام الشَّرْع مَا هُوَ مَشْرُوع مِنْهَا ابْتِدَاء من غير أَن يكون مُتَّصِلا بِعَارِض
سميت عَزِيمَة لِأَنَّهَا من حَيْثُ كَونهَا أصلا مَشْرُوعا فِي نِهَايَة من الوكادة وَالْقُوَّة حَقًا لله تَعَالَى علينا بِحكم أَنه إلهنا وَنحن عبيده وَله الْأَمر يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد وعلينا الْإِسْلَام والانقياد
والرخصة مَا كَانَ بِنَاء على عذر يكون للعباد وَهُوَ مَا استبيح للْعُذْر مَعَ بَقَاء الدَّلِيل الْمحرم وللتفاوت فِيمَا هُوَ أعذار الْعباد يتَفَاوَت حكم مَا هُوَ رخصَة
والاسمان من حَيْثُ اللُّغَة يدلان على مَا ذكرنَا لِأَن الْعَزْم فِي اللُّغَة هُوَ الْقَصْد الْمُؤَكّد قَالَ الله تَعَالَى {فنسي وَلم نجد لَهُ عزما} أَي قصدا متأكدا فِي الْعِصْيَان وَقَالَ تَعَالَى {فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل} وَمِنْه جعل الْعَزْم يَمِينا حَتَّى إِذا قَالَ الْقَائِل أعزم كَانَ حَالفا لِأَن الْعباد إِنَّمَا يؤكدون قصدهم بِالْيَمِينِ
والرخصة فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْيُسْر والسهولة يُقَال رخص السّعر إِذا تيسرت الْإِصَابَة لِكَثْرَة وجود الأشكال وَقلة الرغائب فِيهَا وَفِي عرف اللِّسَان تسْتَعْمل الرُّخْصَة فِي الْإِبَاحَة على طَرِيق التَّيْسِير يَقُول الرجل لغيره رخصت لَك فِي كَذَا أَي أبحته لَك تيسيرا عَلَيْك وَقد بَينا مَا هُوَ الْعَزِيمَة فِي الْفَصْل الْمُتَقَدّم فَإِن النَّوَافِل لكَونهَا مَشْرُوعَة ابْتِدَاء عَزِيمَة وَلِهَذَا لَا تحْتَمل التَّغْيِير بِعُذْر يكون للعباد حَتَّى لَا تصير مَشْرُوعَة
وَزعم بعض أَصْحَابنَا أَنَّهَا لَيست بعزيمة لِأَنَّهَا شرعت جبرا للنقصان فِي أَدَاء مَا هُوَ عَزِيمَة من الْفَرَائِض أَو قطعا لطمع الشَّيْطَان فِي منع الْعباد من أَدَاء الْفَرَائِض من حَيْثُ إِنَّهُم لما رَغِبُوا فِي أَدَاء النَّوَافِل مَعَ أَنَّهَا لَيست عَلَيْهِم فَذَلِك دَلِيل رغبتهم فِي أَدَاء الْفَرَائِض بطرِيق الأولى وَالْأول أوجه فَهَذَا الَّذِي قَالُوا مَقْصُود الْأَدَاء فَأَما النَّوَافِل فمشروع ابْتِدَاء مستدام لَا يحْتَمل التَّغَيُّر بِعَارِض يكون من الْعباد
وَأما الرُّخْصَة قِسْمَانِ أَحدهمَا حَقِيقَة وَالْآخر مجَاز فالحقيقة نَوْعَانِ أَحدهمَا أَحَق من الآخر وَالْمجَاز نَوْعَانِ أَيْضا أَحدهمَا أتم من الآخر فِي كَونه مجَازًا

(1/117)


فَأَما النَّوْع الأول فَهُوَ مَا استبيح مَعَ قيام السَّبَب الْمحرم وَقيام حكمه فَفِي ذَلِك الرُّخْصَة الْكَامِلَة بِالْإِبَاحَةِ لعذر العَبْد مَعَ قيام سَبَب الْحُرْمَة وَحكمهَا وَذَلِكَ نَحْو إِجْرَاء كلمة الشّرك على اللِّسَان بِعُذْر الْإِكْرَاه فَإِن حُرْمَة الشّرك باتة لَا ينكسف عَنهُ لضَرُورَة وجوب حق الله تَعَالَى فِي الْإِيمَان بِهِ قَائِم أَيْضا وَمَعَ هَذَا أُبِيح لمن خَافَ التّلف على نَفسه عِنْد الْإِكْرَاه إِجْرَاء الْكَلِمَة رخصَة لَهُ لِأَن فِي الِامْتِنَاع حَتَّى يقتل تلف نَفسه صُورَة وَمعنى وبإجراء الْكَلِمَة لَا يفوت مَا هُوَ الْوَاجِب معنى فَإِن التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ بَاقٍ وَالْإِقْرَار الَّذِي سبق مِنْهُ مَعَ التَّصْدِيق صَحَّ إيمَانه واستدامة الْإِقْرَار فِي كل وَقت لَيْسَ بِرُكْن إِلَّا أَن فِي إِجْرَاء كلمة الشّرك هتك حُرْمَة حق الله تَعَالَى صُورَة وَفِي الِامْتِنَاع مُرَاعَاة حَقه صُورَة وَمعنى فَكَانَ الِامْتِنَاع عَزِيمَة لِأَن الْمُمْتَنع مُطِيع ربه مظهر للصلابة فِي الدّين وَمَا يَنْقَطِع عَنهُ طمع الْمُشْركين وَهُوَ جِهَاد فَيكون أفضل والمترخص بإجراء الْكَلِمَة يعْمل لنَفسِهِ من حَيْثُ السَّعْي فِي دفع سَبَب الْهَلَاك عَنْهَا فَهَذِهِ رخصَة لَهُ إِن أقدم عَلَيْهَا لم يَأْثَم وَالْأول عَزِيمَة حَتَّى إِذا صَبر حَتَّى قتل كَانَ مأجورا وعَلى هَذَا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر عِنْد خوف الْهَلَاك فَإِن السَّبَب الْمُوجب لذَلِك وَحكم السَّبَب وَهُوَ الْوُجُوب حَقًا لله تَعَالَى قَائِم وَلَكِن يرخص لَهُ فِي التّرْك وَالتَّأْخِير بِعُذْر كَانَ من جِهَته وَهُوَ خوف الْهَلَاك وعجزه عَن شدّ المعاضد عَنهُ وَلِهَذَا لَو أقدم على الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يقتل كَانَ مأجورا لِأَنَّهُ مُطِيع ربه فِيمَا صنع وَفِي هَذَا الْفَصْل يُبَاح لَهُ الْإِقْدَام عَلَيْهِ وَإِن كَانَ يعلم أَنه لَا يتَمَكَّن من مَنعهم عَن الْمُنكر بِخِلَاف مَا إِذا أَرَادَ الْمُسلم أَن يحمل على جمَاعَة من الْمُشْركين وَهُوَ يعلم أَنه لَا ينْكَأ فيهم حَتَّى يقتل فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ الْإِقْدَام لِأَن الفسقة معتقدون لما يَأْمُرهُم بِهِ وَإِن كَانُوا يعْملُونَ بِخِلَافِهِ فَفعله يكون مؤثرا فِي باطنهم لَا محَالة وَإِن لم يكن مؤثرا فِي ظَاهِرهمْ ويتفرق جمعهم عِنْد إقدامه على الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَإِن قَتَلُوهُ وَالْمَقْصُود تَفْرِيق جمعهم وَأما الْمُشْركُونَ غير معتقدين لما يَأْمُرهُم بِهِ الْمُسلم فَلَا يتفرق جمعهم بصنيعه فَإِذا كَانَ فعله لَا ينْكَأ فيهم كَانَ مضيعا نَفسه فِي الحملة عَلَيْهِم ملقيا بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة لَا أَن يكون عَاملا لرَبه فِي إعزاز الدّين
وَكَذَلِكَ تنَاول مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه للْمُضْطَر عِنْد خوف الْهَلَاك فَإِنَّهُ رخصَة مَعَ قيام سَبَب الْحُرْمَة وَحكمهَا وَهُوَ حق الْمَالِك وَلِهَذَا وَجب الضَّمَان حَقًا

(1/118)


لَهُ وَكَذَلِكَ إِبَاحَة إِتْلَاف مَال الْغَيْر عِنْد تحقق الْإِكْرَاه فَإِنَّهُ رخصَة مَعَ قيام سَبَب الْحُرْمَة وَحكمهَا وَكَذَلِكَ إِبَاحَة الْإِفْطَار فِي رَمَضَان للمكره وَإِبَاحَة الْإِقْدَام على الْجِنَايَة على الصَّيْد للْمحرمِ
وَلِهَذَا النَّوْع أَمْثِلَة كَثِيرَة وَالْحكم فِي الْكل وَاحِد لَهُ أَن يرخص بالإقدام على مَا فِيهِ رفع الْهَلَاك عَن نَفسه فَذَلِك وَاسع لَهُ تيسيرا من الشَّرْع عَلَيْهِ وَإِن امْتنع فَهُوَ أفضل لَهُ وَلم يكن فِي الِامْتِنَاع عَاملا فِي إِتْلَاف نَفسه بل يكون متمسكا بِمَا هُوَ الْعَزِيمَة
وَالنَّوْع الثَّانِي مَا استبيح مَعَ قيام السَّبَب الْمحرم مُوجبا لحكمه إِلَّا أَن الحكم متراخ عَن السَّبَب (فلكون السَّبَب الْقَائِم مُوجبا للْحكم كَانَت الاستباحة ترخصا للمعذور وَلكَون الحكم متراخيا عَن السَّبَب) كَانَ هَذَا النَّوْع دون الأول فَإِن كَمَال الرُّخْصَة يبتنى على كَمَال الْعَزِيمَة فَإِذا كَانَ الحكم ثَابتا فِي السَّبَب فَذَلِك فِي الْعَزِيمَة أقوى مِنْهُ إِذا كَانَ الحكم متراخيا عَن السَّبَب بِمَنْزِلَة البيع بِشَرْط الْخِيَار مَعَ البيع البات وَالْبيع بِثمن مُؤَجل مَعَ البيع بِثمن حَال فَالْحكم وَهُوَ الْملك فِي الْمَبِيع والمطالبة بِالثّمن ثَابت فِي البات الْمُطلق متراخ عَن السَّبَب فِي المقرون بِشَرْط الْخِيَار أَو الْأَجَل وَبَيَان هَذَا النَّوْع فِي الصَّوْم فِي شهر رَمَضَان للْمُسَافِر وَالْمَرِيض فَإِن السَّبَب الْمُوجب شرعا وَهُوَ شُهُود الشَّهْر قَائِم وَلِهَذَا لَو أديا كَانَ الْمُؤَدى فرضا وَلَكِن الحكم متراخ إِلَى إِدْرَاك عدَّة من أَيَّام أخر وَلِهَذَا لَو مَاتَا قبل الْإِدْرَاك لم يلْزمهُمَا شَيْء وَلَو كَانَ الْوُجُوب ثَابتا للزمهما الْأَمر بالفدية عَنْهُمَا لِأَن ترك الْوَاجِب بِعُذْر يرفع الْإِثْم وَلَكِن لَا يسْقط الْخلف وَهُوَ الْقَضَاء أَو الْفِدْيَة والتعجيل بعد تَمام السَّبَب مَعَ تراخي الحكم صَحِيح كتعجيل الدّين الْمُؤَجل
ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لما كَانَ حكم الْوُجُوب مُتَأَخِّرًا إِلَى إِدْرَاك عدَّة من أَيَّام أخر كَانَ الْفطر أفضل ليَكُون إقدامه على الْأَدَاء متراخيا بعد ثُبُوت الحكم بِإِدْرَاك عدَّة من أَيَّام أخر وَقُلْنَا نَحن الصَّوْم أفضل لِأَن مَعَ إِبَاحَة التَّرَخُّص بِالْفطرِ للْمَشَقَّة الَّتِي تلْحقهُ بِالصَّوْمِ فِي الْمَرَض أَو السّفر السَّبَب الْمُوجب قَائِم فَكَانَ الْمُؤَدى للصَّوْم عَاملا لله تَعَالَى فِي إِدْرَاك الْفَرَائِض والمترخص بِالْفطرِ عَاملا لنَفسِهِ فِيمَا يرجع إِلَى الترفة فَالْأول عَزِيمَة والتمسك بالعزيمة أفضل مَعَ أَن

(1/119)


فِي معنى الرُّخْصَة يشْتَرك الصَّوْم وَالْفطر فَمن وَجه الصَّوْم مَعَ الْجَمَاعَة فِي شهر رَمَضَان يكون أيسر من التفرد بِهِ بعد مُضِيّ الشَّهْر وَإِن كَانَ أشق على بدنه وَمن وَجه التَّرَخُّص بِالْفطرِ مَعَ أَدَاء الصَّوْم بعد الْإِقَامَة أيسر عَلَيْهِ لكيلا تَجْتَمِع عَلَيْهِ مشقتان فِي وَقت وَاحِد مشقة السّفر ومشقة أَدَاء الصَّوْم وَإِذا كَانَ فِي كل جَانب نوع ترفه يُخَيّر بَينهمَا للتيسير عَلَيْهِ وَبعد تحقق الْمُعَارضَة بَينهمَا يتَرَجَّح جَانب أَدَاء الصَّوْم لكَونه مُطيعًا فِيهِ عَاملا لله تَعَالَى إِلَّا أَن يخَاف الْهَلَاك على نَفسه إِن صَامَ فَحِينَئِذٍ يلْزمه أَن يفْطر لِأَنَّهُ إِن صَامَ فَمَاتَ كَانَ قَتِيل الصَّوْم وَهُوَ الْمُبَاشر لفعل الصَّوْم فَيكون قَاتلا نَفسه وعَلى الْمَرْء أَن يتحرز عَن قتل نَفسه بِخِلَاف مَا إِذا أكرهه ظَالِم على الْفطر فَلم يفْطر حَتَّى قَتله لِأَن الْقَتْل هُنَا مُضَاف إِلَى فعل الظَّالِم فَأَما هُوَ فِي الِامْتِنَاع عَن الْفطر عِنْد الْإِكْرَاه مستديم لِلْعِبَادَةِ مظهر للطاعة عَن نَفسه فِي الْعَمَل لله تَعَالَى وَذَلِكَ عمل الْمُجَاهدين
وَبَيَان النَّوْع الثَّالِث فِي الإصر والأغلال الَّتِي كَانَت على من قبلنَا وَقد وَضعهَا الله تَعَالَى عَنَّا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} وَقَالَ تَعَالَى {رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا} الْآيَة فَهَذَا النَّوْع غير مَشْرُوع فِي حَقنا أصلا لَا بِنَاء على عذر مَوْجُود فِي حَقنا بل تيسيرا وتخفيفا علينا فَكَانَت رخصَة من حَيْثُ الِاسْم مجَازًا وَإِن لم تكن رخصَة حَقِيقَة لِانْعِدَامِ السَّبَب الْمُوجب للْحُرْمَة مَعَ الحكم بِالرَّفْع والنسخ أصلا فِي حَقنا فَإِن حَقِيقَة الرُّخْصَة فِي الاستباحة مَعَ قيام السَّبَب الْمحرم وَلَكِن لما كَانَ الرّفْع للتَّخْفِيف علينا والتسهيل سميت رخصَة مجَازًا
وَأما بَيَان النَّوْع الرَّابِع فَمَا يستباح تيسيرا لخُرُوج السَّبَب من أَن يكون مُوجبا للْحكم مَعَ بَقَائِهِ مَشْرُوعا فِي الْجُمْلَة فَإِنَّهُ من حَيْثُ انعدام السَّبَب الْمُوجب للْحكم يشبه هَذَا النَّوْع الثَّالِث فَكَانَ مجَازًا وَمن حَيْثُ إِنَّه بَقِي السَّبَب مَشْرُوعا فِي الْجُمْلَة يشبه

(1/120)


النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ أَن التَّرَخُّص بِاعْتِبَار عذر للعباد فَكَانَ معنى الرُّخْصَة فِيهِ حَقِيقَة من وَجه دون وَجه
وَبَيَان هَذَا النَّوْع فِي فُصُول مِنْهَا السّلم فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان وَرخّص فِي السّلم وَالسّلم نوع بيع وَاشْتِرَاط العينية فِي الْمَبِيع الْمَشْرُوع قَائِم فِي الْجُمْلَة ثمَّ سقط هَذَا الشَّرْط فِي السّلم أصلا حَتَّى كَانَت العينية فِي الْمُسلم فِيهِ مفْسدَة للْعقد لَا مصححة وَكَانَ سُقُوط هَذَا الشَّرْط للتيسير على المحتاجين حَتَّى يتوصلوا إِلَى مقصودهم من الْأَثْمَان قبل إِدْرَاك غلاتهم ويتوصل صَاحب الدَّرَاهِم إِلَى مَقْصُوده من الرِّبْح فَكَانَت رخصَة من حَيْثُ إِخْرَاج السَّبَب من أَن يكون مُوجبا اعْتِبَار العينية فِيهِ مَعَ بَقَاء هَذَا النَّوْع من السَّبَب مُوجبا لَهُ فِي الْجُمْلَة
وَكَذَلِكَ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ رخصَة مَشْرُوعَة لليسر على معنى أَن استتار الْقدَم بالخف يمْنَع سرَايَة الْحَدث إِلَى الْقدَم لَا على معنى أَن الْوَاجِب من غسل الرجل يتَأَدَّى بِالْمَسْحِ وَلِهَذَا يشْتَرط أَن يكون اللّبْس على طَهَارَة فِي الرجلَيْن وَأَن يكون أول الْحَدث بعد اللّبْس طارئا على طَهَارَة كَامِلَة وَلَو نزع الْخُف بعد الْمسْح يلْزمه غسل رجلَيْهِ فَعرفنَا أَن التَّيْسِير من حَيْثُ إِخْرَاج السَّبَب الْمُوجب للْحَدَث من أَن يكون عَاملا فِي الرجل مَا دَامَ مستترا بالخف وَتقدم الْخُف على الرجل فِي قبُول حكم الْحَدث مَا لم يخلعهما مَعَ بَقَاء أصل السَّبَب فِي الْجُمْلَة
وَكَذَلِكَ الزِّيَادَة فِي مُدَّة الْمسْح للْمُسَافِر فَإِنَّهُ رخصَة من حَيْثُ إِن السَّبَب لم يبْق فِي حَقه مُوجبا غسل الرجل بعد مُضِيّ يَوْم وَلَيْلَة مَا لم ينْزع الْخُف وعَلى هَذَا مَا ذكر فِي كتاب الْإِكْرَاه أَن من اضْطر إِلَى تنَاول الْميتَة أَو شرب الْخمر لخوف الْهَلَاك على نَفسه من الْجُوع أَو الْعَطش أَو للإكراه فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ الِامْتِنَاع من ذَلِك وَلَو امْتنع حَتَّى مَاتَ كَانَ آثِما لِأَن السَّبَب غير مُوجب للْحكم عِنْد الضَّرُورَة للاستثناء الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ} فالمستثنى لَا يتَنَاوَلهُ الْكَلَام مُوجبا لحكمه وَلَكِن السَّبَب بِهَذَا الِاسْتِثْنَاء لم يَنْعَدِم أصلا فَكَانَت الرُّخْصَة ثَابِتَة بِاعْتِبَار عذر العَبْد خرج بِهِ السَّبَب من أَن يكون مُوجبا للْحكم فِي حَقه ويلتحق الْحَرَام فِي هَذِه الْحَالة فِي حَقه بالحلال لما انْعَدم سَبَب الْحُرْمَة فِي حَقه وَمن امْتنع من تنَاول الْحَلَال حَتَّى يتْلف نَفسه يكون آثِما يُوضحهُ أَن سَبَب الْحُرْمَة

(1/121)


وجوب صِيَانة عقله عَن الِاخْتِلَاط أَو الْفساد بِشرب الْخمر وصيانة بدنه عَن ضَرَر تنَاول الْميتَة وصيانة الْبَعْض لَا يتَحَقَّق فِي إِتْلَاف الْكل فَكَانَ الِامْتِنَاع فِي هَذِه الْحَالة إتلافا للنَّفس من غير أَن يكون فِيهِ تَحْصِيل مَا هُوَ الْمَقْصُود بِالْحُرْمَةِ فَلَا يكون مُطيعًا لرَبه بل يكون متلفا نَفسه بترك التَّرَخُّص فَيكون آثِما
وَمن هَذَا النَّوْع مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله إِنَّه لَا يجوز للْمُسَافِر أَن يُصَلِّي الظّهْر أَرْبعا فِي سَفَره وَإِن ذَلِك بِمَنْزِلَة مَا لَو صلى الْمُقِيم الْفجْر أَرْبعا لِأَن السَّبَب لم يبْق فِي حَقه مُوجبا إِلَّا رَكْعَتَيْنِ فَكَانَت الأخريان نفلا فِي حَقه وَلِهَذَا يُبَاح لَهُ تَركهمَا لَا إِلَى بدل وخلط النَّفْل بِالْفَرْضِ قصدا لَا يحل وَأَدَاء النَّفْل قبل إِكْمَال الْفَرْض يكون مُفْسِدا للْفَرض فَإِذا لم يقْعد الْقعدَة الأولى فَسدتْ صلَاته
وَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله يَقُول السَّبَب الْمُوجب لِلظهْرِ أَربع رَكْعَات إِلَّا أَنه رخص لَهُ فِي الِاكْتِفَاء بالركعتين لدفع مشقة السّفر فَإِن أكمل الصَّلَاة كَانَ مُؤديا للْفَرض بعد وجود سَببه فيستوي هُوَ والمقيم فِي ذَلِك كَمَا إِذا صَامَ الْمُسَافِر فِي شهر رَمَضَان وَجعل معنى الرُّخْصَة فِي تخييره بَين أَن يُؤَدِّي فرض الْوَقْت بِأَرْبَع رَكْعَات وَبَين أَن يُؤَدِّي رَكْعَتَيْنِ بِمَنْزِلَة العَبْد يَأْذَن لَهُ مَوْلَاهُ فِي أَدَاء الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بَين أَن يُؤَدِّي فرض الْوَقْت بِالْجمعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَين أَن يُؤَدِّي بِالظّهْرِ أَرْبعا
وَهَذَا غلط مِنْهُ يتَبَيَّن عِنْد التَّأَمُّل فِي مورد الشَّرْع على مَا رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ يَا رَسُول الله مَا بالنا نصلي فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَنحن آمنون فَقَالَ هَذِه صَدَقَة تصدق الله عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته وَنحن نعلم أَن المُرَاد التَّصَدُّق بالإسقاط عَنَّا وَمَا يكون وَاجِبا فِي الذِّمَّة فالتصدق مِمَّن لَهُ الْحق بإسقاطه يكون كالتصدق بِالدّينِ على من عَلَيْهِ الدّين وَمثل هَذَا الْإِسْقَاط إِذا لم يتَضَمَّن معنى التَّمْلِيك لَا يرْتَد بِالرَّدِّ كالعفو عَن الْقصاص وَكَذَلِكَ إِذا لم يكن فِيهِ معنى الْمَالِيَّة لَا يرْتَد بِالرَّدِّ وَلَا يتَوَقَّف على الْقبُول كَالطَّلَاقِ وَإِسْقَاط الشُّفْعَة فَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن السَّبَب لم يبْق مُوجبا للزِّيَادَة على الرَّكْعَتَيْنِ بعد هَذَا التَّصَدُّق فَإِن معنى التَّرَخُّص فِي إِخْرَاج السَّبَب من أَن يكون مُوجبا للزِّيَادَة على الرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقه لَا فِي التَّخْيِير فَإِن التَّخْيِير عبارَة عَن تَفْوِيض الْمَشِيئَة إِلَى الْمُخَير وتمليكه مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يتَحَقَّق هُنَا فالعبادات إِنَّمَا تلزمنا بطرِيق الِابْتِلَاء قَالَ الله تَعَالَى {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} وتفويض الْمَشِيئَة إِلَى العَبْد بِهَذِهِ الصّفة فِي أصل الْوُجُوب أَو فِي مِقْدَار الْوَاجِب يعْدم معنى

(1/122)


الِابْتِلَاء وَبِهَذَا تبين أَن المُرَاد من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاقبلوا صدقته بِالْوُقُوفِ على أَدَاء الْوَاجِب من غير خلط النَّفْل بِهِ وَهَكَذَا نقُول فِي الصَّوْم إِلَّا أَن الرُّخْصَة هُنَاكَ فِي تَأْخِير الحكم عَن السَّبَب وَلَيْسَ للعباد اخْتِيَار فِي رد ذَلِك إِلَّا أَن أصل السَّبَب مُوجب فِي حَقه وَلِهَذَا يلْزمه الْقَضَاء إِذا أدْرك عدَّة من أَيَّام أخر
وَبَيَان هَذَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله وضع الْمُسَافِر شطر الصَّلَاة وَأَدَاء الصَّوْم يُحَقّق مَا ذكرنَا أَن الْمَشِيئَة التَّامَّة وَالِاخْتِيَار الْكَامِل لَا يثبت للْعَبد أصلا فَإِن ذَلِك بربوبته وَذَلِكَ معنى قَوْله تَعَالَى {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار} أَي يتعالى أَن يكون لَهُ رَفِيق فِيمَا يخْتَار ويتعالى أَن يكون لَهُ اخْتِيَار لدفع ضَرَر عَنهُ وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَار الْكَامِل فَأَما الِاخْتِيَار للْعَبد لَا يَنْفَكّ عَن معنى الرِّفْق بِهِ وَذَلِكَ فِي أَن يجر إِلَى نَفسه مَنْفَعَة بِاخْتِيَارِهِ أَو يدْفع عَن نَفسه ضَرَرا
أَلا ترى أَن الله تَعَالَى خير الْحَالِف بَين الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فِي الْكَفَّارَة ليحصل للمكفر الرِّفْق لنَفسِهِ بِاخْتِيَارِهِ الْأَيْسَر عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يتَحَقَّق فِي التَّخْيِير بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِي الْجِنْس الْوَاحِد بِوَجْه وَسَوَاء صلى رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا فَهُوَ ظهر وببداهة الْعُقُول يعلم أَن الرِّفْق مُتَعَيّن فِي أَدَاء الرَّكْعَتَيْنِ فَمن قَالَ بِأَنَّهُ يتَخَيَّر بَين الْأَقَل وَالْأَكْثَر من غير رفق لَهُ فِي ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يثبت لَهُ خيارا يَلِيق بالعبودية وَالْعجز وَخطأ هَذَا غير مُشكل وَمن يَقُول بِأَن للْعَبد أَن يرد مَا أسقط الله تَعَالَى عَنهُ بطرِيق التَّصَدُّق عَلَيْهِ فخطؤه لَا يشكل أَيْضا لِأَن عَفْو الله تَعَالَى عَن الْعباد فِي الْآخِرَة لَا يَقُول فِيهِ أحد من الْعُقَلَاء إِنَّه يرْتَد برد العَبْد وَإنَّهُ تَخْيِير للْعَبد وَهَذَا بِخِلَاف العَبْد الْمَأْذُون فِي أَدَاء الْجُمُعَة لِأَن الْجُمُعَة غير الظّهْر وَلِهَذَا لَا يجوز بِنَاء أَحدهمَا على الآخر وَعند الْمُغَايرَة لَا يتَعَيَّن الرِّفْق فِي الْأَقَل عددا فَأَما ظهر الْمُقِيم وَظهر الْمُسَافِر فواحد فِي الحكم فبالتخيير بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِيهِ لَا يتَحَقَّق شَيْء من معنى الرِّفْق فِيهِ
وَنَظِير هَذَا العَبْد الْجَانِي إِذا جنى جِنَايَة يُخَيّر الْمولى بَين الدّفع وَالْفِدَاء فَإِن أعْتقهُ الْمولى وَهُوَ لَا يعلم بِالْجِنَايَةِ أَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا تكون على الْمولى قِيمَته وَلَا خِيَار لَهُ فِي ذَلِك لِأَن الْجِنْس لما كَانَ وَاحِدًا فالرفق كُله مُتَعَيّن فِي الْأَقَل
وَكَذَلِكَ من اشْترى شَيْئا لم يره يثبت لَهُ خِيَار الرُّؤْيَة لتحقيق معنى الرِّفْق باسترداد الثّمن عِنْد فسخ

(1/123)


البيع وَفِي السّلم لَا يثبت خِيَار الرُّؤْيَة لِأَن برد الْمَقْبُوض لَا يتَوَصَّل إِلَى الرِّفْق باسترداد الثّمن وَلكنه يرجع بِمثل الْمَقْبُوض فَلَا يظْهر فِيهِ معنى الرِّفْق
فَإِن قيل معنى الرِّفْق هُنَا يتَحَقَّق من حَيْثُ إِن ثَوَابه فِي أَدَاء الْأَرْبَع أَكثر وَأَدَاء الرَّكْعَتَيْنِ على بدنه أيسر فالتخيير لهَذَا الْمَعْنى
قُلْنَا أَحْكَام الدُّنْيَا لَا تبنى على مَا هُوَ من أَحْكَام الْآخِرَة وَهُوَ نيل الثَّوَاب مَعَ أَن الثَّوَاب كُله فِي امْتِثَال الْأَمر بأَدَاء الْوَاجِب لَا فِي عدد الرَّكْعَات فَإِن جُمُعَة الْحر فِي الثَّوَاب لَا يكون دون ظهر العَبْد وفجر الْمُقِيم فِي الثَّوَاب لَا يكون دون ظَهره فَعرفنَا أَن هَذَا الْمَعْنى لَا يتَحَقَّق فِي ثَوَاب الصَّلَاة أَيْضا وَإِنَّمَا يتَحَقَّق معنى الرِّفْق فِي الصَّوْم من الْوَجْه الَّذِي قَررنَا أَن فِي الْفطر نوع رفق لَهُ وَفِي الصَّوْم نوع رفق آخر فَكَانَ التَّخْيِير بَينهمَا مُسْتَقِيمًا
وَيخرج على هَذَا من نذر صَوْم سنة إِن فعل كَذَا فَفعل وَهُوَ مُعسر فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بَين صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وَبَين صَوْم سنة على قَول مُحَمَّد رَحمَه الله وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه رَجَعَ إِلَيْهِ قبل مَوته بأيام لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ حكما فَفِي صَوْم سنة وَفَاء بالمنذور وَأَدَاء مَا هُوَ قربَة ابْتِدَاء وَصَوْم ثَلَاثَة أَيَّام كَفَّارَة لما لحقه بخلف الْوَعْد الْمُؤَكّد بِالْيَمِينِ وَقد بَينا أَن التَّخْيِير عِنْد الْمُغَايرَة يتَحَقَّق فِيهِ معنى الرِّفْق وَلَا يدْخل على مَا ذكرنَا التَّخْيِير الْمَذْكُور فِي حق مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه فِيمَا الْتَزمهُ من الصَدَاق بَين الْأَقَل وَالْأَكْثَر فِي جنس وَاحِد كَمَا قَالَ تَعَالَى {على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك} لِأَن الزِّيَادَة على الثماني كَانَ فضلا من عِنْده مُتَبَرعا بِهِ فَأَما الْوَاجِب من الصَدَاق وَهُوَ الْأَقَل عندنَا
هَكَذَا فِي مَسْأَلَة الْخلاف فالفرض رَكْعَتَانِ عندنَا وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ نفل مَشْرُوع للْعَبد يتَبَرَّع بِهِ من عِنْده وَلَكِن الِاشْتِغَال بأَدَاء النَّفْل قبل إِكْمَال الْفَرْض مُفسد للْفَرض وَالله أعلم
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب أَسمَاء صِيغَة الْخطاب فِي تنَاوله المسميات وأحكامها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ رَضِي الله عَنهُ اعْلَم بِأَن هَذِه الْأَسْمَاء أَرْبَعَة الْخَاص وَالْعَام والمشترك والمؤول
فالخاص كل لفظ مَوْضُوع لِمَعْنى مَعْلُوم على الِانْفِرَاد وكل اسْم لمسمى مَعْلُوم

(1/124)


على الِانْفِرَاد وَمِنْه يُقَال اخْتصَّ فلَان بِملك كَذَا أَي انْفَرد بِهِ وَلَا شركَة للْغَيْر مَعَه وخصني فلَان بِكَذَا أَي أفرده لي وَفُلَان خَاص فلَان وَمِنْه سميت الْخَصَاصَة للانفراد عَن المَال وَعَن نيل أَسبَاب المَال مَعَ الْحَاجة وَمعنى الْخُصُوص فِي الْحَاصِل الِانْفِرَاد وَقطع الِاشْتِرَاك فَإِذا أُرِيد بِهِ خُصُوص الْجِنْس قيل إِنْسَان وَإِذا أُرِيد بِهِ خُصُوص النَّوْع قيل رجل وَإِذا أُرِيد بِهِ خُصُوص الْعين قيل زيد
وَأما الْعَام كل لفظ يَنْتَظِم جمعا من الْأَسْمَاء لفظا أَو معنى ونعني بالأسماء هُنَا المسميات وَقَوْلنَا لفظا أَو معنى تَفْسِير للانتظام أَي يَنْتَظِم جمعا من الْأَسْمَاء لفظا مرّة كَقَوْلِنَا زيدون وَمعنى تَارَة كَقَوْلِنَا من وَمَا وَمَا أشبههما
وَمعنى الْعُمُوم لُغَة الشُّمُول تَقول الْعَرَب عمهم الصّلاح وَالْعدْل أَي شملهم وَعم الخصب أَي شَمل الْبلدَانِ أَو الْأَعْيَان وَمِنْه سميت النَّخْلَة الطَّوِيلَة عميمة والقرابة إِذا اتسعت انْتَهَت إِلَى العمومة فَكل لفظ يَنْتَظِم جمعا من الْأَسْمَاء سمي عَاما لِمَعْنى الشُّمُول وَذَلِكَ نَحْو اسْم الشَّيْء فَإِنَّهُ يعم الموجودات كلهَا عندنَا
وَذكر أَبُو بكر الْجَصَّاص رَحمَه الله أَن الْعَام مَا يَنْتَظِم جمعا من الْأَسَامِي أَو الْمعَانِي وَهَذَا غلط مِنْهُ فَإِن تعدد الْمعَانِي لَا يكون إِلَّا بعد التغاير وَالِاخْتِلَاف وَعند ذَلِك اللَّفْظ الْوَاحِد لَا ينتظمهما وَإِنَّمَا يحْتَمل أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مرَادا بِاللَّفْظِ وَهَذَا يكون مُشْتَركا لَا عَاما وَلَا عُمُوم للمشترك عندنَا وَقد نَص الْجَصَّاص فِي كِتَابه على أَن الْمَذْهَب فِي الْمُشْتَرك أَنه لَا عُمُوم لَهُ فَعرفنَا أَن هَذَا سَهْو مِنْهُ فِي الْعبارَة أَو هُوَ مؤول وَمرَاده أَن الْمَعْنى الْوَاحِد بِاعْتِبَار أَنه يعم الْمحَال يُسمى مَعَاني مجَازًا فَإِنَّهُ يُقَال مطر عَام لِأَنَّهُ عَم الْأَمْكِنَة وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة معنى وَاحِد وَلَكِن لتَعَدد الْمحَال الَّذِي تنَاوله سَمَّاهُ مَعَاني وَلَكِن هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا قَالَ مَا يَنْتَظِم جمعا من الْأَسَامِي والمعاني
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي بعض النّسخ من كِتَابه فَأَما قَوْله أَو الْمعَانِي فَهُوَ سَهْو مِنْهُ وَذكر أَن إِطْلَاق لفظ الْعُمُوم حَقِيقَة فِي الْمعَانِي وَالْأَحْكَام كَمَا هُوَ فِي الْأَسْمَاء والألفاظ
وَيُقَال عمهم الْخَوْف وعمهم الخصب بِاعْتِبَار الْمَعْنى من غير أَن يكون هُنَاكَ لفظ وَهَذَا غلط أَيْضا فَإِن الْمَذْهَب أَنه لَا عُمُوم للمعاني حَقِيقَة وَإِن كَانَ

(1/125)


يُوصف بِهِ مجَازًا وسيأتيك بَيَان هَذَا الْفَصْل فِي بَاب بَيَان إبِْطَال القَوْل بتخصيص الْعِلَل الشَّرْعِيَّة
وَأما الْمُشْتَرك فَكل لفظ يشْتَرك فِيهِ معَان أَو أسام لَا على سَبِيل الانتظام بل على احْتِمَال أَن يكون كل وَاحِد هُوَ المُرَاد بِهِ على الِانْفِرَاد وَإِذا تعين الْوَاحِد مرَادا بِهِ انْتَفَى الآخر مثل اسْم الْعين فَإِنَّهُ للنَّاظِر ولعين المَاء وللشمس وللميزان وللنقد من المَال وللشيء الْمعِين لَا على أَن جَمِيع ذَلِك مُرَاد بِمُطلق اللَّفْظ وَلَكِن على احْتِمَال كَون كل وَاحِد مرَادا بِانْفِرَادِهِ عِنْد الْإِطْلَاق وَهَذَا لِأَن الِاسْم يتَنَاوَل كل وَاحِد من هَذِه الْأَشْيَاء بِاعْتِبَار معنى غير الْمَعْنى الآخر وَقد بَينا أَن لفظ الْوَاحِد لَا يَنْتَظِم الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة
وَبَيَان هَذَا فِي لفظ الْبَيْنُونَة فَإِنَّهُ يحْتَمل معنى الْإِبَانَة وَمعنى الْبَين وَمعنى الْبَيَان يَقُول الرجل بَان فلَان عني أَي هجرني وَبَان الْعُضْو من الْجِسْم أَي انْفَصل وَبَان لي كَذَا أَي ظهر فَيعلم أَن مُطلق اللَّفْظ لَا يَنْتَظِم هَذِه الْمعَانِي وَلَكِن يحْتَمل كل وَاحِد مِنْهَا أَن يكون مرَادا وَلِهَذَا سميناه مُشْتَركا فالاشتراك عبارَة عَن الْمُسَاوَاة وَفِي الِاحْتِمَال وجدت الْمُسَاوَاة بَينهمَا فَبَقيَ المُرَاد بِهِ مَجْهُولا لَا يُمكن الْعَمَل بمطلقه فِي الِابْتِدَاء بِمَنْزِلَة الْمُجْمل إِلَّا أَن الْفرق بَين الْمُشْتَرك والمجمل أَنه قد يتَوَصَّل إِلَى الْعَمَل بالمشترك عِنْد التَّأَمُّل فِي صِيغَة اللَّفْظ فيرجح بعض المحتملات وَيعرف أَنه هُوَ المُرَاد بِدَلِيل فِي اللَّفْظ من غير بَيَان آخر والمجمل مَا لَا يسْتَدرك بِهِ المُرَاد بِمُجَرَّد التَّأَمُّل فِي صِيغَة اللَّفْظ مَا لم يرجع فِي بَيَانه إِلَى الْمُجْمل ليصير المُرَاد بذلك الْبَيَان مَعْلُوما لَا بِدَلِيل فِي لفظ الْمُجْمل
وَبَيَان الْمُشْتَرك فِي لفظ الْقُرْء فَبين الْعلمَاء اتِّفَاق أَنه يحْتَمل الْأَطْهَار وَيحْتَمل الْحيض وَأَنه غير مُنْتَظم لَهما بل إِذا حملناه على الْحيض لدَلِيل فِي اللَّفْظ وَهُوَ أَن الْمَرْأَة لَا تسمى ذَات الْقُرْء إِلَّا بِاعْتِبَار الْحيض فَيَنْتَفِي كَون الْأَطْهَار مرَادا عندنَا وَإِذا حمله الْخصم على الْأَطْهَار لدَلِيل فِي اللَّفْظ وَهُوَ الِاجْتِمَاع أخرج الْحيض من أَن يكون مرَادا بِاللَّفْظِ
وعَلى هَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله لَو أوصى بِثلث مَاله لمواليه وَله موَالٍ أعتقوه وموال أعتقهم لَا تصح الْوَصِيَّة لِأَن الِاسْم مُشْتَرك يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ هُوَ الْمولى الْأَعْلَى وَيحْتَمل الْأَسْفَل وَفِي

(1/126)


الْمَعْنى تغاير فَالْوَصِيَّة للأعلى بِمَعْنى المجازاة وشكرا للنعم وللأسفل للزِّيَادَة فِي الإنعام والترحم عَلَيْهِ وَلَا يَنْتَظِم اللَّفْظ الْمَعْنيين جَمِيعًا للمغايرة بَينهمَا فَبَقيَ الْمُوصى لَهُ مَجْهُولا
وَلَو حلف لَا يكلم موَالِيه يتَنَاوَل يَمِينه الْأَعْلَى والأسفل جَمِيعًا بِاعْتِبَار أَن الْمَعْنى الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْيَمين غير مُخْتَلف فِي الْأَعْلَى والأسفل فلإيجاد الْمَعْنى لَا يتَحَقَّق فِيهِ الِاشْتِرَاك بل اللَّفْظ فِي هَذَا الحكم بِمَنْزِلَة الْعَام فَإِن اسْم الشَّيْء يتَنَاوَل الموجودات كلهَا بِاعْتِبَار معنى وَاحِد وَهُوَ صفة الْوُجُود فَكَانَ منتظما للْكُلّ والمشترك احْتِمَاله الْجمع من الْأَشْيَاء بِاعْتِبَار معَان مُخْتَلفَة فَعرفنَا بِهِ أَن المُرَاد وَاحِد مِنْهَا فاسم الْمولى إِذا اسْتَعْملهُ فِيمَا يخْتَلف فِيهِ الْمَعْنى وَالْمَقْصُود كَانَ مُشْتَركا وَفِيمَا لَا يخْتَلف فِيهِ الْمَعْنى كَانَ بِمَنْزِلَة الْعَام
وَأما المؤول فَهُوَ تبين بعض مَا يحْتَمل الْمُشْتَرك بغالب الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد وَمن قَوْلك آل يؤول أَي رَجَعَ وأوليته بِكَذَا إِذا رجعته وصرفته إِلَيْهِ ومآل هَذَا الْأَمر كَذَا أَي تصير عاقبته إِلَيْهِ فالمؤول مَا تصير إِلَيْهِ عَاقِبَة المُرَاد بالمشترك بِوَاسِطَة الْأَمر قَالَ تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا تَأْوِيله} أَي عاقبته وَمَا يؤول إِلَيْهِ الْأَمر وَهُوَ خلاف الْمُجْمل فَالْمُرَاد بالمجمل إِنَّمَا يعرف بِبَيَان من الْمُجْمل وَذَلِكَ الْبَيَان يكون تَفْسِيرا يعلم بِهِ المُرَاد بِلَا شُبْهَة مَأْخُوذ من قَوْلك أَسْفر الصُّبْح إِذا أَضَاء وَظهر ظهورا منتشرا وأسفرت الْمَرْأَة عَن وَجههَا أَي كشفت وَجههَا وَهَذَا اللَّفْظ مقلوب من التَّفْسِير فَالْمَعْنى فيهمَا وَاحِد وَهُوَ الانكشاف والظهور على وَجه لَا شُبْهَة فِيهِ وَمِنْه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فسر الْقُرْآن بِرَأْيهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار يَعْنِي قطع القَوْل بِأَن المُرَاد هَذَا بِرَأْيهِ فَإِن من فعل ذَلِك فَكَأَنَّهُ نصب نَفسه صَاحب الْوَحْي فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَبِهَذَا تبين خطأ الْمُعْتَزلَة أَن كل مُجْتَهد مُصِيب لما هُوَ الْحق حَقِيقَة فالاجتهاد عبارَة عَن غَالب الرَّأْي فَمن يَقُول إِنَّه يسْتَدرك بِهِ الْحق قطعا بِلَا شُبْهَة فَإِنَّهُ دَاخل فِي جملَة من تناولهم هَذَا الحَدِيث
وَصَارَ الْحَاصِل أَن الْعَام أَكثر انتظاما للمسميات من الْخَاص وَالْخَاص فِي معرفَة المُرَاد بِهِ أثبت من الْمُشْتَرك فَفِي الْمُشْتَرك احْتِمَال غير المُرَاد وَمَعَ الِاحْتِمَال لَا يتَحَقَّق الثُّبُوت والمشترك فِي إِمْكَان معرفَة المُرَاد عِنْد

(1/127)


التَّأَمُّل فِي لَفظه أقوى من الْمُجْمل فَلَيْسَ فِي الْمُجْمل إِمْكَان ذَلِك بِدُونِ الْبَيَان على مَا نذكرهُ فِي بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى