أصول الشاشي بحث تَقْسِيم النَّهْي إِلَى قسمَيْنِ
الْفَصْل الْحَادِي عشر فصل فِي النَّهْي
وَالنَّهْي نَوْعَانِ نهي عَن الْأَفْعَال الحسية كَالزِّنَا
وَشرب الْخمر وَالْكذب وَالظُّلم
وَنهي عَن التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة كالنهي عَن الصَّوْم
فِي يَوْم النَّحْر والصلوة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة
وَبيع الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ
وَحكم النَّوْع الأول أَن يكون المنهى عَنهُ هُوَ عين مَا ورد
عَلَيْهِ النَّهْي فَيكون عينه قبيحا فَلَا يكون مَشْرُوعا
أصلا
وَحكم النَّوْع الثَّانِي أَن يكون المنهى عَنهُ غير مَا أضيف
إِلَيْهِ النَّهْي فَيكون هُوَ حسنا بِنَفسِهِ قبيحا لغيره
وَيكون الْمُبَاشر مرتكبا لِلْحَرَامِ لغيره لَا لنَفسِهِ
وعَلى هَذَا
قَالَ أَصْحَابنَا النَّهْي عَن التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة
يَقْتَضِي تقريرها
وَيُرَاد بذلك أَن التَّصَرُّف بعد النَّهْي يبْقى مَشْرُوعا
كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَو لم يبْق مَشْرُوعا كَانَ العَبْد
عَاجِزا عَن تَحْصِيل الْمَشْرُوع وَحِينَئِذٍ كَانَ ذَلِك
نهيا للعاجز وَذَلِكَ من الشَّارِع محَال
(1/165)
بحث النَّهْي عَن الْأَفْعَال الحسية
والشرعية
وَبِه فَارق الْأَفْعَال الحسية لانه لَو كَانَ عينهَا قبيحا
لَا يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى نهي الْعَاجِز لانه بِهَذَا الْوَصْف
لَا يعجز يَوْم النَّحْر وَجَمِيع صور التَّصَرُّفَات
الشَّرْعِيَّة مَعَ وُرُود النَّهْي عَنْهَا
وَيتَفَرَّع من هَذَا حكم البيع الْفَاسِد وَالْإِجَارَة
الْفَاسِدَة وَالنّذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر وَجَمِيع صور
التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة مَعَ وُرُود النَّهْي عَنْهَا
فَقُلْنَا البيع الْفَاسِد يُفِيد الْملك عِنْد الْقَبْض
بِاعْتِبَار أَنه بيع وَيجب نقضه بِاعْتِبَار كَونه حَرَامًا
لغيره
وَهَذَا بِخِلَاف نِكَاح المشركات ومنكوحة الْأَب ومعتدة
الْغَيْر ومنكوحته وَنِكَاح الْمَحَارِم وَالنِّكَاح بِغَيْر
شُهُود
لِأَن مُوجب النِّكَاح حل التَّصَرُّف
وَمُوجب النَّهْي حُرْمَة التَّصَرُّف فاستحال الْجمع بَينهمَا
فَيحمل النَّهْي على النَّفْي
فَأَما مُوجب البيع ثُبُوت الْملك وَمُوجب النَّهْي حُرْمَة
التَّصَرُّف وَقد أمكن الْجمع بَينهمَا بَان يثبت الْملك
وَيحرم التَّصَرُّف
أَلَيْسَ أَنه لَو تخمر الْعصير فِي ملك الْمُسلم يبْقى ملكه
فِيهَا وَيحرم التَّصَرُّف
(1/168)
وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِذا نذر
بِصَوْم يَوْم النَّحْر أَيَّام التَّشْرِيق يَصح نَذره
لِأَنَّهُ نذر بِصَوْم مَشْرُوع وَكَذَلِكَ لَو نذر بالصلوة
فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة يَصح لِأَنَّهُ نذر بِعبَادة
مَشْرُوعَة لما ذكرنَا أَن النَّهْي
يُوجب بَقَاء التَّصَرُّف مَشْرُوعا وَلِهَذَا قُلْنَا لَو شرع
فِي النَّقْل فِي هَذِه الْأَوْقَات لزمَه بِالشُّرُوعِ
وارتكاب الْحَرَام لَيْسَ بِلَازِم للُزُوم الاتمام فانه لَو
صَبر حَتَّى حلت الصلوة بارتفاع الشَّمْس وغروبها ودلوكها
أمكنه اتمام بِدُونِ الْكَرَاهَة
وَبِه فَارق صَوْم يَوْم الْعِيد فانه لَو شرع فِيهِ لَا
يلْزمه عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَان الاتمام لَا يَنْفَكّ
عَن ارْتِكَاب الْحَرَام
وَمن هَذَا النَّوْع وَطْء الْحَائِض فان النَّهْي عَن قربانها
بِاعْتِبَار الْأَذَى لقَوْله تَعَالَى {ويسألونك عَن
الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض
وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن}
وَلِهَذَا قُلْنَا يَتَرَتَّب الْأَحْكَام على هَذَا الْوَطْء
فَيثبت بِهِ إِحْصَان الْوَاطِئ وَتحل الْمَرْأَة للزَّوْج
الأول وَيثبت بِهِ حكم الْمهْر وَالْعدة وَالنَّفقَة
وَلَو امْتنعت عَن التَّمْكِين لأجل الصَدَاق كَانَت نَاشِزَة
عِنْدهمَا فَلَا تسْتَحقّ النَّفَقَة
وَحُرْمَة الْفِعْل لَا تنَافِي ترَتّب الْأَحْكَام كَطَلَاق
الْحَائِض وَالْوُضُوء بالمياه الْمَغْصُوبَة والإصطياد بقوس
مَغْصُوبَة وَالذّبْح بسكين مَغْصُوبَة والصلوة فِي الأَرْض
الْمَغْصُوبَة وَالْبيع فِي وَقت النداء فانه يَتَرَتَّب الحكم
على هَذِه التَّصَرُّفَات مَعَ اشتمالها على الْحُرْمَة
وَبِاعْتِبَار هَذَا الأَصْل قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى
{وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا}
(1/169)
|