أصول الشاشي الْفَصْل الثَّانِي عشر فصل فِي تَعْرِيف
طَرِيق المُرَاد بالنصوص
ان الْفَاسِق من أهل الشَّهَادَة فَينْعَقد النِّكَاح
بِشَهَادَة الْفُسَّاق لَان النَّهْي عَن قبُول الشَّهَادَة
بِدُونِ الشَّهَادَة محَال وانما لم تقبل شَهَادَتهم لفساد فِي
الْأَدَاء لَا لعدم الشَّهَادَة أصلا
وعَلى هَذَا لَا يجب عَلَيْهِم اللّعان لَان ذَلِك أَدَاء
الشَّهَادَة وَلَا أَدَاء مَعَ الْفَاسِق
بحث طَرِيق معرفَة المُرَاد بالنصوص
اعْلَم ان لمعْرِفَة المُرَاد بالنصوص طرقا مِنْهَا
1 - ان اللَّفْظ اذا كَانَ حَقِيقَة لِمَعْنى ومجازا لآخر
فالحقيقة أولى مِثَاله مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْبِنْت
المخلوقة من مَاء الزِّنَا يحرم على الزَّانِي نِكَاحهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي رح يحل
وَالصَّحِيح مَا قُلْنَا لِأَنَّهَا بنته حَقِيقَة فَتدخل تَحت
قَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم}
وَيتَفَرَّع مِنْهُ الْأَحْكَام على المذهبين من حل الْوَطْء
وَوُجُوب الْمهْر وَلُزُوم النَّفَقَة وجريان التَّوَارُث
وَولَايَة الْمَنْع عَن الْخُرُوج والبروز
2 - وَمِنْهَا أَن أحد المحملين إِذا أوجب تَخْصِيصًا فِي
النَّص دون الآخر فالحمل على مَا لَا يسْتَلْزم التَّخْصِيص
أولى
مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} فالملامسة
لَو حملت على الوقاع
(1/175)
كَانَ النَّص مَعْمُولا بِهِ فِي جَمِيع
صور وجوده
وَلَو حملت على الْمس بِالْيَدِ كَانَ النَّص مَخْصُوصًا بِهِ
فِي كثير من الصُّور فان مس الْمَحَارِم والطفلة الصَّغِيرَة
جدا غير نَاقض للْوُضُوء فِي أصح قولي الشَّافِعِي
وَيتَفَرَّع مِنْهُ الْأَحْكَام على المذهبين من إِبَاحَة
الصلوة وَمَسّ الْمُصحف وَدخُول الْمَسْجِد وَصِحَّة الامامة
وَلُزُوم التَّيَمُّم عِنْد عدم المَاء وتذكر الْمس فِي
أثْنَاء الصلوة
3 - وَمِنْهَا أَن النَّص إِذا قرئَ بقراءتين أَو رُوِيَ
بروايتين كَانَ الْعَمَل بِهِ على وَجه يكون عملا
بِالْوَجْهَيْنِ أولى
مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {وأرجلكم} قرئَ بِالنّصب عطفا على
المغسول وبالخفض عطفا على الْمَمْسُوح
فَحملت قِرَاءَة الْخَفْض على حَالَة التخفف وَقِرَاءَة النصب
على حَالَة عدم التخفف وَبِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى قَالَ
الْبَعْض جَوَاز الْمسْح ثَبت بِالْكتاب
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يطهرن} قرئَ
بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف
فَيعْمل بِقِرَاءَة التَّخْفِيف فِيمَا إِذا كَانَ أَيَّامهَا
عشرَة
وبقراءة التَّشْدِيد فِيمَا إِذا كَانَ أَيَّامهَا دون
الْعشْرَة
وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا اذا انْقَطع دم الْحيض لأَقل من
عشرَة
(1/176)
أَيَّام لم يجز وَطْء الْحَائِض حَتَّى
تَغْتَسِل لِأَن كَمَال الطَّهَارَة يثبت بالإغتسال
وَلَو انْقَطع دَمهَا لعشرة أَيَّام جَازَ وَطئهَا قبل الْغسْل
لِأَن مُطلق الطَّهَارَة ثَبت بِانْقِطَاع الدَّم
وَلِهَذَا قُلْنَا اذا انْقَطع دم الْحيض لعشرة أَيَّام فِي
آخر وَقت الصلوة تلزمها فَرِيضَة الْوَقْت وان لم يبْق من
الْوَقْت مِقْدَار مَا تَغْتَسِل بِهِ
وَلَو انْقَطع دَمهَا لأَقل من عشرَة ايام فِي آخر وَقت الصلوة
إِن بَقِي من الْوَقْت مِقْدَار مَا تَغْتَسِل فِيهِ وَتحرم
للصلوة لزمتها الْفَرِيضَة وَإِلَّا فَلَا
ثمَّ نذْكر طرقا من التمسكات الضعيفة ليَكُون ذَلِك تَنْبِيها
على مَوضِع الْخلَل فِي هَذَا النَّوْع مِنْهَا
ان التَّمَسُّك بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
(أَنه قاء فَلم يتَوَضَّأ) لاثبات أَن الْقَيْء غير نَاقض
ضَعِيف
لَان الْأَثر يدل على ان الْقَيْء لَا يُوجب الْوضُوء فِي
الْحَال وَلَا خلاف فِيهِ وانما الْخلاف فِي كَونه ناقضا
وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم
الْميتَة} لاثبات فَسَاد المَاء بِمَوْت الذُّبَاب ضَعِيف لَان
النَّص يثبت حُرْمَة الْميتَة وَلَا خلاف فِيهِ وانما الْخلاف
فِي فَسَاد المَاء
وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام
(حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ) لاثبات أَن الْخلّ
لَا يزِيل النَّجس ضَعِيف لِأَن الْخَبَر يَقْتَضِي وجوب غسل
الدَّم بِالْمَاءِ فيتقيد بِحَال وجود الدَّم على الْمحل وَلَا
خلاف فِيهِ وانما الْخلاف فِي طَهَارَة الْمحل بعد زَوَال
الدَّم بالخل
(1/177)
وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله عَلَيْهِ
السَّلَام
(فِي اربعين شَاة شَاة) لاثبات عدم جَوَاز دفع الْقيمَة ضَعِيف
لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وجوب الشَّاة وَلَا خلاف فِيهِ وانما
الْخلاف فِي سُقُوط الْوَاجِب بأَدَاء الْقيمَة
(1/178)
بحث التمسكات الضعيفة الْفَاسِدَة
وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج
وَالْعمْرَة لله} لإِثْبَات وجوب الْعمرَة ابْتِدَاء ضَعِيف
لِأَن النَّص يَقْتَضِي وجوب الْإِتْمَام وَذَلِكَ إِنَّمَا
يكون بعد الشُّرُوع وَلَا خلاف فِيهِ وَإِنَّمَا الْخلاف فِي
وُجُوبهَا ابْتِدَاء
وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام
(لاتبيعوا الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاع
بالصاعين) لإِثْبَات أَن البيع الْفَاسِد لَا يُفِيد الْملك
ضَعِيف لِأَن النَّص يَقْتَضِي تَحْرِيم البيع الْفَاسِد وَلَا
خلاف فِيهِ وَإِنَّمَا الْخلاف فِي ثُبُوت الْملك وَعَدَمه
وَكَذَلِكَ التَّمَسُّك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام
(أَلا لَا تَصُومُوا فِي هَذِه الْأَيَّام فَإِنَّهَا أَيَّام
أكل وَشرب وبعال) لإِثْبَات أَن النّذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر
لَا يَصح ضَعِيف لِأَن النَّص يَقْتَضِي حُرْمَة الْفِعْل
وَلَا خلاف فِي كَونه حَرَامًا وَإِنَّمَا الْخلاف فِي
إِفَادَة الْأَحْكَام مَعَ كَونه حَرَامًا وَحُرْمَة الْفِعْل
لَا تنَافِي ترَتّب الْأَحْكَام فَإِن الْأَب لَو استولد
جَارِيَة ابْنه يكون حَرَامًا وَيثبت بِهِ الْملك للْأَب
وَلَو ذبح شَاة بسكين مَغْصُوبَة يكون حَرَامًا وَيحل
الْمَذْبُوح
وَلَو غسل الثَّوْب النَّجس بِمَاء مَغْصُوب يكون حَرَامًا
ويطهر بِهِ الثَّوْب
(1/185)
وَلَو وطىء امْرَأَة فِي حَالَة الْحيض
يكون حَرَامًا وَيثبت بِهِ إِحْصَان الواطىء وَيثبت الْحل
للزَّوْج الأول
(1/186)
|