أصول الفقه لابن مفلح والأصل لغة:
(1) ما يبنى (2) عليه الشيء، وقيل: ما احتاج إِليه. (3)
وأصول الفقه: ما تبنى (4)
عليه مسائل الفقه، وتعلم أحكامها به.
ذكره القاضي وأصحابه (5) وغيرهم.
فهي القواعد التي يتوصل بها إِلى استنباط الأحكام الشرعية
الفرعية.
وزيادة "عن [أو "من"] (6) أدلتها التفصيلية" ضائع؛ لأن المراد
بالأحكام الفقهيةُ، ولا تكون (7) إِلا كذلك. (8)
وذكر جماعة: العلم بالقواعد. فورد: أن منها خبر الواحد
والقياس، والعلم بوجوب العمل بمقتضاه لا يدل على العلم بنفسه.
أجيب: ليس كل (9) منهما بقاعدة، بل ما أفاده من الظن، فالظن
متعلق بما أفاده، والعلم متعلق بنفسه، ويلزم -من تصويب كل
مجتهد- من الظن العلم.
__________
(1) انظر: لسان العرب 13/ 16 - 17، وتاج العروس 7/ 206 (أصل).
(2) في (ح): ما ينبني. وفي هامش (ب): قوله: "ما يبنى عليه
الشيء" كأساس الحائط.
(3) في هامش (ب): وقيل: الأصل منشأ الشيء كأصل النخلة النواة.
(4) في (خ) و (ب): تنبني.
(5) انظر: العدة/ 70، والواضح 1/ 2 أ.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) في (ب): "ولا يكون".
(8) في هامش (ظ): أي لا تحصل إِلا عن دليل تفصيلي.
(9) في (ب) و (ح): كلا.
(1/15)
والأصولي:
من عرفها.
وفائدتها: معرفة أحكام الله
تعالى.
وأوجب (1) ابن البنا (2) وابن عقيل (3) وغيرهما تقدم معرفتها،
(4) وأوجب القاضي (5) وغيره تقدم معرفة الفروع، ليتمكن (6)
الأصولي بها. (7)
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 60 ب، والمسودة/ 571، وصفة الفتوى/ 14 -
15، وشرح الكوكب المنير 1/ 47، والتحرير/ 2 ب.
(2) هو: أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا البغدادي،
فقيه حنبلي من رجال الحديث، ولد سنة 396 هـ، وتوفي سنة 471 هـ.
من مؤلفاته: شرح مختصر الخرقي في فقه الإِمام أحمد بن حنبل،
وطبقات الفقهاء، وتجريد المذاهب، وأدب العالم والمتعلم. انظر:
طبقات الحنابلة 2/ 243، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 32،
والنجوم الزاهرة 5/ 107، والمنهج الأحمد 2/ 138.
(3) هو: أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي
الظفري، عالم العراف وشيخ الحنابلة ببغداد في وقته، كان قوي
الحجة، ولد سنة 431 هـ، وتوفي سنة 513 هـ.
من مؤلفاته: كتاب الفنون، والواضح في أصول الفقه، والفصول في
فقه الحنابلة، والرد على الأشاعرة وإثبات الحرف والصوت في كلام
الكبير المتعال، والجدل على طريقة الفقهاء. انظر: طبقات
الحنابلة 2/ 259، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي / 526، وذيل
طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 142، وغاية النهاية 1/ 556، ولسان
الميزان 4/ 243، والمنهج الأحمد 2/ 215، وشذرات الذهب 4/ 35.
(4) في هامش (ب): قوله: "تقدم معرفتها". أي الأصول.
(5) انظر العدة 1/ 70.
(6) في (ب) و (ح): لتمكن.
(7) نهاية 2 ب من (ب). وفي (ح): وأوجب القاضي وغيره تقدم معرفة
الفروع لتمكن الأصولي بها، وأوجب ابن البنا، وابن عقيل وغيرهما
تقدم معرفتها.
(1/16)
وأصول الفقه (1) فرض كفاية. وقيل: فرض عين،
حكاه ابن عقيل وغيره، والمراد: لاجتهاد، (2) وقاله بعض
أصحابنا، (3) وهي لفظية. (4)
وتستمد:
من أصول الدين؛ (5) لتوقف معرفة كون الأدلة الكلية حجة على
معرفة الله بصفاته، وصدق صلى الله عليه وسلم ويتوقف صدقه على
دلالة المعجزة (6) عليه.
ومن (7) العربية؛ لتوقف فهم ما يتعلق بأصول الفقه من الكتاب
والسنة وغيرهما عليها.
ومن تصور أحكام التكليف؛ لتوقف معرفة كيفية الاستنباط عليه،
دون
__________
(1) انظر: صفة الفتوى/ 14، والسودة/ 571، وشرح الكوكب المنير
1/ 47، والمحصول 1/ 1/ 227، والواضح 1/ 55 ب.
(2) في (ح): لاجتهاده. وفي شرح الكوكب المنير 1/ 47: " ...
وقيل: فرض عين، قال ابن مفلح في أصوله -لما حكى هذا القول-:
والمراد للاجتهاد".
(3) في هامش (ب): الذي قاله هو أبو العباس تقي الدين بن تيمية.
(4) في هامش (ب): قوله: "وهي لفظية" أي الأقوال في أنها هل هي
فرض كفاية أو فرض عين؟.
(5) نهاية 3 من (ح).
(6) المعجزة: أمر خارق للعادة داعية إِلى الخير والسعادة
مقرونة بدعوى النبوة، قصد به إِظهار صدق من ادعى أنه رسول من
الله. انظر التعريفات/ 96.
(7) في (ظ): "من" بدون الواو.
(1/17)
إِثبات الأحكام في آحاد المسائل؛ فإِنه من
الفقه، وهو (1) يتوقف على الأصول فيدور (2).
__________
(1) في هامش (ظ): أي الفقه.
(2) الدور: توقف الشيء على ما يتوقف عليه، ويسمى الدور المصرح،
كما يتوقف أعلى ب وبالعكس، أو بمراتب، ويسمى الدور المضمر كما
يتوقف أعلى ب، وب على ج، وج على أ. والفرق بين الدور وبين
تعريف الشيء بنفسه: هو أن في الدور يلزم تقدمه عليها بمرتبتين
إِن كان صريحًا، وفي تعريف الشيء بنفسه يلزم تقدمه على نفسه
بمرتبة واحدة. انظر التعريفات/ 47.
(1/18)
الدليل:
لغة: (1) المرشد إِلى
مطلوب، والمرشد: الناصب للدليل، والذاكر له، وما به الإِرشاد.
وشرعاً: (2) ما يمكن التوصل
بصحيح النظر فيه إِلى مطلوب خبري، عند أصحابنا وغيرهم، واحتجوا
بان أهل العربية لم يفرقوا. (3)
قال أحمد: "الدال: الله تعالى، والدليل: القرآن، والمبين:
الرسول صلى الله عليه وسلم والمستدل: أولو العلم، هذه قواعد
الإِسلام (4) ".
واحتج به أبو محمد البغدادي (5) على أن
الدليل -حقيقة- قول الله.
__________
(1) انظر: لسان العرب 13/ 264 - 265، وتاج العروس 2/ 331
(دلل).
(2) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 9، واللمع/ 3، والحدود/ 39،
والإنصاف للباقلاني/ 15، وشرح العبادي على شرح الورقات / 47،
وشرح العضد 1/ 36، والتعريفات / 46، وشرح الكوكب المنير 1/ 51،
والتحرير للمرداوي/ 2 ب، والتمهيد/ 10أ، والعدة/ 131، والواضح
1/ 8 أ، وشرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 125، والمحصول 1/ 1/
106، وإرشاد الفحول/ 5، وفتح الرحمن/ 33، والمسودة/ 573،
والمعتمد للبصري/ 10.
(3) أي: لم يفرقوا بين ما يوجب العلم، وما يوجب غلبة الظن،
فسموا كل واحد منهما دليلاً.
(4) انظر العدة/ 134 - 135.
(5) ويلقب ب (الفخر إِسماعيل)، وقد ذكر المصنف هذا اللقب في
مواضع من هذا الكتاب، وهو: إِسماعيل بن علي بن حسين البغدادي
الأزجي المأموني، الفقيه=
(1/19)
وقيل: (1) يزاد في الحد "إِلى العلم
بالمطلوب". فيخرج ما أفاد الظن؛ فإِنه أمارة، وجزم به (2) في
الواضح (3)، وذكره الآمدي قول الأصوليين، وأن الأول قول
الفقهاء. (4)
قيل: قولان (5) عنهما قول آخر، وقيل: يستلزم لنفسه، فتخرج
__________
=الأصولي المناظر المتكلم، ويلقب بفخر الدين، ويعرف بابن
الوفاء، وبابن الماشطة، واشتهر تعريفه بغلام ابن المنّي، ولد
سنة 549 هـ، وسمع الحديث من شيخه أبي الفتح أبن المنّي وغيره،
وقرأ عليه الفقه والخلاف أيضاً، وصار فريد زمانه في علم الفقه
والخلاف والأصلين، والنظر والجدل. توفي سنة 610 هـ.
من مؤلفاته: التعليقة المشهورة، والمفردات، وجنة الناظر وجنة
المناظر في الجدل.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 66، والنجوم الزاهرة 6/
102، وشذرات الذهب 5/ 40.
(1) انظر: العدة/ 131، والتمهيد/ 10 أ.
(2) انظر: الواضح 1/ 8أ، 13 ب.
(3) الواضح: كتاب في أصول الفقه -في ثلاثة مجلدات مخطوطة- لأبي
الوفاء علي بن عقيل البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 513 هـ. يوجد
منه مجلدان في دار الكتب الظاهرية بدمشق، برقم 2872، 2873. قام
بتحقيق جزء منه الشيخ موسى القرني ثم قام الشيخ عطاء الله فيض
الله بتحقيق جزء، ثم الشيخ عبد الرحمن السديس، ونال كل منهم
بذلك درجة الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة أم القرى.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 9.
(5) وهو قول المنطقيين.
وفي هامش (ظ): القول، هو: القضية، وهو أيضًا المقدمة، وهو
التصديق.=
(1/20)
الأمارة، وقياس (1) المساواة، نحو: أمساو
ب، وب مساو لـ ج، فيلزم: أمساو لـ ج، بواسطة مقدمة أجنبية، وهو
(2): كل ما هو مساو لـ ب مساو لـ ج. وقيل: المراد بالقول تصور
المعنى.
__________
=قال ابن الحاجب: ويسمى كل تصديق قضية، ويسمى في البرهان
مقدمات. قال الأصفهاني: التصديق -أعني المركب الذي يحتمل الصدق
والكذب- يسمى قضية، ويرادفها القول الجازم والخبر، وتسمى
القضايا التي هي أجزاء القياس -أي البرهان- مقدمات؛ لأن
المقدمة قضية جعلت جزء قياس، فقولك: "الوضوء عبادة" قول،
وقولك: "وكل عبادة من شرطها النية" قول آخر، فهذان قولان، وهما
دليل على اشتراط النية للوضوء.
وفي هامش (ظ) أيضًا: قوله: "وقيل: قولان عنهما قول آخر"، كذا
هو في نسخ هذا الأصل، وقال ابن الحاجب: "وقيل قولان فصاعداً
يكون عنه قول آخر"، فزاد "فصاعداً"، وهكذا قاله القاضي علاء
الدين في أصوله، قال الأصفهاني: وقوله "فصاعدًا" يتناول القياس
البسيط والمركب.
(1) القياس قول مؤلف من قضايا إِذا سلمت لزم عنها لذاتها قول
آخر، كقولنا: "العالم متغير، وكل متغير حادث"، فإِنه قول مركب
من قضيتين، إذا سلمتا لزم عنهما لذاتهما: العالم حادث. هذا عند
المنطقيين ... وقياس المساواة، هو: الذي يكون متعلق محمول
صغراه موضوعًا في الكبرى؛ فإِن استلزامه لا بالذات بل بواسطة
مقدمة أجنبية، حيث تصدق يتحقق الاستلزام، كما في قولنا: "أمساو
لـ ب، وب مساو لـ ج، ف أمساو لـ ج"؛ إِذ المساوي للمساوي للشيء
مساو لذلك الشيء، وحيث لا تصدق لا يتحقق، كما في قولنا: "أنصف
لـ ب، وب نصف لـ ج، فلا يصدق: أنصف لـ ج"؛ لأن نصف النصف ليس
بنصف بل ربع.
انظر: التعريفات للجرجاني/ 78 - 79.
(2) كذا في النسخ. ولعلها: وهي.
(1/21)
ويخرج على الجميع المطلوب التصوري -وهو
الحد- والقضايا (1) المرتبة ترتيبًا صحيحًا على الأول، لا
الثالث.
وذكر ابن عقيل (2): ما أفاد الظن أمارة اصطلاحاً، قال في
الواضح: (3) قولنا: "إِنه طريق للظن، أو موصل، (4) أو مؤد
إِليه" مجاز، أي يقع الظن عنده مبتدأ، (5) لا أنه طريق، كالنظر
في الدليل الذي هو طريق للعمل بمدلوله (6).
قال بعض أصحابنا: (7) "موافق لمن صوب كل مجتهد، وأن الظنيات
ليست في نفسها على صفات توجب الظن كالعلميات، والجمهور خلافه،
وهي مسألة اعتقاد الرجحان، ورجحان الاعتقاد"، وأبطله في الروضة
(8) وغيرها بكثير من العقليات. (9)
__________
(1) في هامش ب: القضايا جمع قضية، وهو: ما يحتمل الصدق والكذب.
(2) انظر: الواضح 1/ 13 ب، والمسودة/ 506.
(3) انظر: الواضح 1/ 13 ب.
(4) نهاية 2 ب من (ظ).
(5) في (ح): "مبدا".
(6) نهاية 3 أمن (ب).
(7) انظر: المسودة/ 506.
(8) الروضة: كتاب في أصول الفقه لموفق الدين أبي محمد عبد الله
بن أحمد بن محمد ابن قدامة القدسي، المتوفى سنة 620 هـ. طبع
الكتاب عدة مرات.
(9) في هامش (ظ): قال في الروضة -في آخر مسألة: (الحق في قول
واحد). قبل فصل (إِذا تعارض عند المجتهد دليلان) بأسطر-:
قولهم: إِن الأدلة الظنية ليست أدلة=
(1/22)
وفي العدة والواضح والتمهيد (1): المستدل:
الطالب للدليل، يقع على السائل والمسؤول.
قال القاضي: (2) " والاستدلال:
طلب الدليل"، زاد ابن عقيل: (3) "فهو: استخراج لمعنى بسؤال
عنه، أو بإِظهار ما يقتضيه".
ودلالة - بفتح الدال
وكسرها-: فعل الدليل، لانها مصدر "دل".
والمستدل عليه: الحكم.
والمستدل له: الخصم، وقيل:
الحكم.
والنظر - هنا- (4): الفكر
والتأمل لمعرفة مطلوب من تصور وتصديق. (5)
__________
=لأعيانها، بدليل اختلاف الإضافات. قلنا: هذا باطل، فإِنا قد
بينا أن في كل مسألة دليلاً، وذكرنا وجه دلالته، ولو لم يكن
فيها دليل لاستوى المجتهد والعامي، ولجاز للعامي الحكم بظنه
لمساواته المجتهد في عدم الدليل، وهل الفرق بينهما إِلا معرفة
الأدلة، ونظره في صحيحها وسقيمها؟. ونبوة بعض الطباع عن قبول
الدليل لا يخرجه عن دلالته؛ فإِن كثيرًا من العقليات يختلف
فيها الناس، مع اعتقادهم أنها قاطعة. وجوابه هذا عن قولهم:
الظنيات لا دليل فيها؛ فإِن الأمارات الظنية ليست أدلة
لأعيانها، بل تختلف بالإِضافات من دليل يفيد الظن لزيد ولا
يفيده عمراً، مع إِحاطته به، ومما يفيد الظن لشخص واحد في حالة
دون حالة، بل قد يقوم في حق شخص واحد دليلان متعارضان. ولا
يتصور في القطعية تعارض. وهذا الكلام مذكور في أول المسألة في
الروضة. وانظر: الروضة/ 361، 372.
(1) انظر: العدة/ 132، والواضح 1/ 104أ، والتمهيد/ 10 ب.
(2) انظر: العدة/ 132.
(3) انظر: الواضح 1/ 102 ب، 104 أ-ب.
(4) في هامش (ظ): أي ليس المراد -هنا- النظر بالبصر.
(5) نهاية 4 من (ح).
(1/23)
والعلم
يحد عند أصحابنا (وع ر). (1)
فقال في العدة والتمهيد: (2) "معرفة المعلوم (3) (4) -وقاله
(5) ابن الباقلاني (6) - وَزَيَّفا ثمانية حدود (7)، كذا قالا،
والشيء متى عرف بما يعرف هو به: بقي كل منهما مجهولا، مع أن
المعرفة اسم لعلم مستحدث، أو هي انكشاف شيء بعد لبس.
__________
(1) انظر: فتح الرحمن/ 41، وشرح الكوكب المنير 1/ 60،
والإِحكام للآمدي 1/ 11، والمستصفى 1/ 24، والمحصول 1/ 1 /
102، وشرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 156، والتحرير للمرداوي/
2 ب، والتمهيد/ 6 ب، والعدة/ 76، والواضح 1/ 2 ب، وشرح العضد
1/ 46، وإرشاد الفحول/ 3، والمعتمد للبصري/ 10، وشرح العبادي
على شرح الورقات/ 34، واللمع/ 2، والمسودة/ 575، والحدود/ 24،
والتعريفات/ 67، ومفردات الراغب/ 348، والبرهان للجويني/ 115.
(2) انظر: العدة/ 76 - 77، والتمهيد/ 6 ب.
(3) في هامش (ب) وقال بعضهم: معرفة المعلوم على ما هو عليه،
وقال آخرون: معرفة المعلوم صحيحًا.
(4) في (ح) -هنا-: "كذا قالا". وهذه الجملة ستأتي في السطر
اللاحق. فقد تكرر ذكرها في (ح) متقدمًا.
(5) انظر: التمهيد للباقلاني/ 6، وفيه "فإِن قال قائل: ما حد
العلم عندكم؟. قلنا: إِنه معرفة المعلوم على ما هو به". وانظر:
الإِنصاف للباقلاني أيضًا/ 13.
(6) هو: أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، قاض من كبار
علماء الكلام، انتهت إِليه الرئاسة في مذهب الأشاعرة، ولد في
البصرة سنة 338 هـ، وتوفي فيها سنة 403 هـ، كان جيد الاستنباط،
سريع الجواب. من مؤلفاته: التقريب والإِرشاد في أصول الفقه،
وإعجاز القرآن، والإِنصاف، ومناقب الأئمة، وتمهيد الدلائل،
والبيان عن الفرق بين المعجزة والكرامة. انظر: تاريخ بغداد 5/
379، وتبيين كذب المفتري/ 217، ووفيات الأعيان 4/ 269، والوافي
بالوفيات 3/ 177، وتاريخ قضاة الأندلس/ 37، والديباج المذهب/
267.
(7) انظر: العدة / 77، وما بعدها، والتمهيد 6/ ب وما بعدها.
(1/24)
ولا يوصف (1) الله تعالى بأنه عارف، ذكره
بعضهم إِجماعًا، ووصفه الكرامية (2)؛ لاتحاد العلم والمعرفة.
(3)
__________
(1) انظر: إِرشاد الفحول/ 4، وشرح الكوكب المنير 1/ 65.
(2) الكرامية هم: أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، من
المثبتين للصفات، إِلا أن إِثباتهم ينتهي إِلى التجسيم
والتشبيه، ولذلك عدت الكرامية من المشبهة، قال ابن كرام: إِن
الله تعالى مستو على العرش، مماس له من الصفحة العليا، واختلفت
الكرامية في تفسير الاستواء اختلافات كثيرة.
واتفقوا على جواز حلول الحوادث بذاته تعالى، وزعموا أنه إِنما
يقدر على الحوادث الحادثة في ذاته، دون الخارجة عن ذاته.
وجوزوا وجود إِمامين في عصر واحد، وحكموا بأن علياً ومعاوية
كانا إِمامين في عصر واحد، غير أن إِمامة علي على وفق السنة،
وإِمامة معاوية على خلاف السنة، ومع ذلك أوجبوا طاعة رعيته له.
وزعموا أن الإِيمان هو الإِقرار الذي وجد في الذر، حين قال
تعالى: (ألست بربكم قالوا بلى ... الآية) الأعراف - آية 172.
فقولهم حال كونهم ذرا هو الإِيمان، وأن ذلك الإِيمان باق في
جميع الخلائق على السوية غير المرتدين، وأن إِيمان المنافقين
مع كفرهم كإِيمان الأنبياء، لاستواء الجميع في ذلك، وأن
الإِتيان بالشهادتين ليس بإِيمان، إِلا إِذا أتى بهما بعد
الردة.
انظر: الفرق بين الفرق/ 215، والملل والنحل 1/ 159، والفرق
الإِسلامية/ 93.
(3) في هامش (ب) و (ظ): قال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى:
(ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ... الآية) معناه:
عرفتم أعيانهم. وقيل: علمتم أحكامهم. والفرق بينهما: أن
المعرفة متوجهة إِلى ذات المسمى، والعلم متوجه إِلى أحوال
السمى، فإِذا قلت: "عرفت زيدًا" فالمراد شخصه، وإذا قلت: "علمت
زيدًا"=
(1/25)
والأولى
- ما أراده بعض أصحابنا-: صفة توجب للمتصف بها أن يميز تمييزًا
لا يحتمل النقيض.
قيل: فلا يدخل إِدراك الحواس؛ فإِنها تميز بين المحَسَّات -وفي
لغة قليلة: المحسوسات- الجزئية، لا الأمور الكلية، والتصديق
متعلق بالنسبة.
وذكر الآمدي (1) ومن تبعه أنه يدخل إِدراك الحواس (ور) إِلا أن
يزاد عليه: "في المعاني الكلية"، وفيه نظر؛ لأن المراد بالعلم
المعنى الأخص الذي هو قسم من التصديق؛ وإلا لورد ما يحتمل
النقيض، كالظن والتصورات الساذجة؛ فإِنه لا يعتبر فيها مطابقة.
وقد قيل: الحد لا ينعكس؛ لأن العلوم العادية تستلزم جواز
النقيض عقلاً.
ورد: بإِمكانه لذاته، وامتناعه خارجًا لغيره عادة، وقيل: ليست
(2) علمًا.
وزيف ابن عقيل حدوده (3)، وكذا قال أبو المعالي: (4) "لا يحد
__________
=فالمراد به العلم بأحواله: من فضل، ونقص، فعلى الأول يتعدى
الفعل إِلى مفعول واحد، وهو قول سيبويه: علمتم بمعنى عرفتم،
وعلى الثاني إِلى مفعولين، وحكى الأخفش: ولقد علمت زيدًا، ولم
أكن أعلمه، وفي التنزيل: (لا تعلمونهم الله يعلمهم ... الآية)
كل هذا بمعنى المعرفة.
(1) انظر: الإِحكام 1/ 11.
(2) في هامش (ظ): أي العلوم العادية.
(3) انظر: الواضح 1/ 2 ب- 3 ب.
(4) هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني،
إِمام الحرمين، أصولي، متكلم على مذهب الأشاعرة، فقيه شافعي،
ولد في (جوين) من نواحي نيسابور سنة 419 هـ، ورحل إِلى بغداد
فمكة، وذهب إِلى المدينة، ثم عاد إِلى نيسابور.=
(1/26)
لعسره" (1) -لكن مراده بحد حقيقي- (2)،
وقال: "يميز ببحث (3) وتقسيم (4) ومثال" (5)، كقول
__________
=توفي سنة 478 هـ.
من مؤلفاته: الشامل في أصول الدين على مذهب الأشاعرة،
والإِرشاد في أصول الدين، وغياث الأمم، والعقيدة النظامية في
الأركان الإِسلامية، والبرهان، والورقات، وكلاهما في أصول
الفقه.
انظر: تبيين كذب المفتري/ 278، ووفيات الأعيان 3/ 167، وطبقات
الشافعية للسبكي 5/ 165، ومفتاح السعادة 1/ 44، 2/ 188.
(1) انظر: البرهان للجويني 1/ 115.
(2) نهاية 3 ب من (ب).
(3) قال أبو المعالي: "الرأي السديد عندنا أن نتوصل إِلى درك
حقيقة العلم بمباحثة نبغي بها ميز مطلوبنا مما ليس منه، فإِذا
انتفضت الحواشي، وضاق موضع النظر حاولنا مصادفة المقصد جهدنا
... ". انظر: البرهان/ 119 - 120.
(4) التقسيم هو: تمييز الشيء عما يلتبس به. انظر: المستصفى 1/
25.
(5) المثال: كأن يقال: العلم إِدراك البصيرة المشابه لإدراك
الباصرة، أو يقال: هو كاعتقادنا أن الواحد نصف الاثنين. انظر:
المستصفى 1/ 26.
وفي هامش (ب) و (ظ) على قوله: "يميز ببحث وتقسيم": وذلك مثل أن
يقول: ليس بشك، ولا ظن؛ لانتفاء الجزم عنهما دون العلم، ولا
بجهل؛ لكونه غير مطابق لما في نفس الأمر، والعلم مطابق له، ولا
باعتقاد المقلد المصيب؛ لكونه غير ثابت لتغيره بالتشكيك، بخلاف
العلم. وبعد هذا التمييز يكون -وفي هامش (ظ): يكاد يكون- العلم
مرتسمًا في النفس، فإِن ساعدت عبارة صحيحة عرف بها، وإن لم
تساعد اكتفي بدركه، ولم يضر تقاعد العبارات؛ إِذ ليس كل من
يدرك شيئًا تنتظم له عبارة=
(1/27)
الغزالي (1)، وقال صاحب (2)
__________
=تعرفه إِياه، فلو فرضنا رفض اللغات، ودروس العبارات لاستقلت
العقول بدرك المعقولات، قال الآمدي: "قولهما: (طريق معرفته
القسمة) " غير سديد، لأنها إِن لم تكن مفيدة لتمييزه عما سواه
فليست معرفة له، وإن كانت مميزة له عما سواه فلا معنى للتحديد
بالرسم سوى هذا، وهما قد نفياه عنه". وهذا غير سديد؛ لأن ما
نفياه عنه هو التعريف الحقيقي، غير ما ألزمهما به، وهو التعريف
الرسمي، هذا مقارب لما ذكره العلامة في شرحه. وانظر: المستصفى
1/ 25، والمنخول 40/.
(1) هو: أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي
الشافعي، الأصولي الفيلسوف الفقيه المتكلم الأشعري، ولد
بالطابران (قصبة طوس بخراسان) سنة 450 هـ، ورحل إِلى نيسابور
ثم بغداد فالحجاز فالشام فمصر، وعاد إِلى بلدته الطابران،
فتوفي بها سنة 505 هـ.
من مؤلفاته: إِحياء علوم الدين، وتهافت الفلاسفة، والوقف
والابتداء في التفسير، والمستصفى، والمنخول، وشفاء الغليل
-وهذه الثلاثة الأخيرة في أصول الفقه- والبسيط في الفقه،
والوجيز في فروع الشافعية.
والغزالي: قيل: بتشديد الزاي نسبة إِلى صناعة الغزل، وقيل:
بتخفيفها نسبة إِلى (غزالة) من قرى طوس. انظر: تبيين كذب
المفتري/ 291، واللباب في تهذيب الأنساب 2/ 379. ووفيات
الأعيان 4/ 216، والوافي بالوفيات 1/ 274، وطبقات الشافعية
للسبكي 6/ 191، ومفتاح السعادة 2/ 191، وشذرات الذهب 4/ 10.
(2) هو: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن التيمي
البكري الرازي، فخر الدين، الإِمام المفسر الفقيه الشافعي، ولد
في الري سنة 544 هـ، ونسبته إِليها، ويقال له: ابن خطيب الري،
رحل إِلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان، وتوفي في هراة سنة
606هـ.
(1/28)
المحصول: (1) لأنه ضروري (2) من وجهين:
أحدهما: لو لم يكن: امتنع
تصوره؛ لأن غيره لا يعلم إِلا به، فلو علم العلم بغيره: كان
دوراً.
ورد: [بأنه] (3) لا دور، وجهة التوقف مختلفة؛ فتصور غير العلم
يقف على حصول العلم بغيره، وحصول العلم لا يقف على العلم
بغيره، بل تصور العلم على تصور غيره.
ورده الآمدي (4): بأن توقف غيرالعلم [على العلم] (5) من جهة
كونه إِدراكًا له، وتوقف العلم على غيره؛ لأن العلم مميز له.
__________
=من مؤلفاته: مفاتيح الغيب في التفسير، ولوامع البينات في شرح
أسماء الله تعالى والصفات، ومعالم أصول الدين، والمحصول في علم
أصول الفقه، ولباب الإِشارات.
انظر: ذيل الروضتين/ 68، ووفيات الأعيان 4/ 248، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 127، وطبقات الشافعية للسبكي 8/ 81، والبداية
والنهاية 13/ 55، ولسان الميزان 4/ 426، ومفتاح السعادة 1/
445.
(1) وهو: كتاب المحصول في علم أصول الفقه، كتاب قيم نافع حققه
الدكتور/ طه بن جابر العلواني، وطبع في ستة مجلدات.
(2) انظر: المحصول 1/ 1/ 102، والمحصل/ 69، والمباحث المشرقية
1/ 331 - 332، وشرح العضد 1/ 48، والإِحكام للآمدي 1/ 11.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 11.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ)، (ب).
(1/29)
وعرف جماعة (1) "غير" بـ "اللام" (2)
والمعروف لزوم إِضافتها، وكذا الأشهر في "كل" و "بعض" (3)،
ذكره (4) أبو البقاء (5) في: (كل (6) له قانتون). (7)
__________
(1) انظر: المرجع السابق.
(2) نهاية 5 من (ح).
(3) انظر: في مسألة دخول "ال" على هذه الألفاظ الثلاثة-: كتاب
سيبويه 1/ 377، 2/ 135، والمقتضب للمبرد 1/ 44، 3/ 243، وعبث
الوليد لأبي العلاء المعري/ 430 - 431.
(4) انظر: كتاب إِملاء ما من به الرحمن 1/ 59 - 60.
(5) هو: عبد الله بن أبي عبد الله الحسين بن أبي البقاء عبد
الله بن الحسين، العكبري الأصل، البغدادي المولد والدار،
الفقيه الحنبلي، الحاسب الفرضي، النحوي الضرير، الملقب "محب
الدين"، والعكبري: نسبة إِلى (عكبرا)، وهي بليدة على دجلة فوق
بغداد بعشرة فراسخ، خرج منها جماعة من العلماء، ولد أبو البقاء
سنة 538 هـ، وتوفي سنة 616 هـ.
من مؤلفاته: إِعراب القرآن، وإِعراب الحديث، واللباب في علل
النحو، وشرح ديوان المتنبي، وشرح المفصل للزمخشري.
انظر: ذيل الروضتين/ 119، ووفيات الأعيان 3/ 100، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 138، ونكت الهميان / 178، وذيل طبقات الحنابلة لابن
رجب 2/ 109، وبغية الوعاة/ 281.
(6) في النسخ الثلاث: وكل.
(7) سورة البقرة: آية 116.
(1/30)
الثاني:
أن كل أحد يعلم وجوده ضرورة -وهو علم خاص- فالمطلق أولى (1)؛
لأنه أحد تصورات هذا التصديق.
ورده الآمدي (2): بأنه مبني على أن تصورات القضية الضرورية
ضرورية، ولا كذلك؛ لأن القضية الضرورية يصدق العقل بها بعد
تصور مفرداتها، ضرورية كانت تصوراتها أو نظرية.
ورده غيره: بأنه لا يلزم من حصول العلم تصوره حال حصوله ولا
قبيله. وقال بعضهم: لو كان ضروريًا لكان بسيطًا؛ لأن الضروري:
ما لا يتوقف تصوره على تصور غيره، لانتفاء التركيب في متعلقه
كالوجود؛ وإِلا لتوقف تصوره على تصور جزئه، وهو غيره، ولو كان
بسيطًا لكان (3) كل معنى علماً؛ وإِلا كان المعنى أعم منه،
فيتركب العلم من المعنى المشترك ومن أمر اختص به، والفرض: أنه
بسيط.
ورد: بأنه لا يلزم تركيبه، لجواز كون المعنى عرضًا عامًا
للعلم، وبأنه يلزم ألا يتوقف تصور البسيط على تصور متقدم عليه،
وفيه نظر؛ لجواز توقف تصور البسيط على تصور (4) لازم خارج عن
حقيقته.
وبأن الضروري -عند الجمهور-: ما لا يتوقف حصوله على طلب وفكر،
فيجوز تركيبه، لجواز كون أجزائه ضرورية، وتصوره موقوف على
__________
(1) نهاية 3 أمن (ظ).
(2) انظر: الإِحكام 1/ 11.
(3) في (ح): كان.
(4) في (ظ): على تصور لأنه خارج.
(1/31)
تصورها، وهي غيره، والتصور المطلوب بخلاف
(1) التصور الضروري، لأن تصور الشيء قد يكون ضعيفًا، فتطلب
حقيقته ليتميز عن غيره.
* * *
وعلم الله (2) تعالى قديم
(و)، ليس (3) ضروريًا (4)، ولا نظرياً (و)
وعلم المخلوق (5) محدث (و):
ضروري، ونظري (و).
فالضروري: ما علم من غير
نظر، والمطلوب: بخلافه،
ذكره في العدة (6) والتمهيد. (7)
وعند الجمهور: الضروري: ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه، وإِن
كان طرفاه أو أحدهما بالكسب،
والمطلوب: بخلافه، أي: يطلب بالدليل.
__________
(1) نهاية 4 أمن (ب).
(2) انظر: اللمع/ 2، والتحرير للمرداوي/ 2 ب.
(3) في (ظ): وليس.
(4) نهاية 6 من (ح).
(5) انظر: اللمع/ 2، وفتح الرحمن / 42، والحدود/ 25، وشرح
الكوكب المنير 1/ 66.
(6) جاء في العدة/ 80 - 82: " ... فأما
الضروري فحده: كل علم محدث،
لا يجوز ورود الشك عليه، ويلزم نفس المخلوق، أو ما لا يمكنه
معه الخروج عنه والانفصال منه ... وأما المكتسب فحده: كل علم
يجوز ورود الشك عليه، وقد قيل: ما وقع عن نظر واستدلال ... ".
(7) انظر: التمهيد/ 8 أ.
(1/32)
وأورد هنا: ما سبق في التصور المطلوب.
وأجيب: بأنه يتصور النسبة، ولا يلزم من تصور شيء حصوله؛ وإلا
لزم من تصور (1) نفيٍ وإِثباتٍ اجتماعُ النقيضين؛ لأن تصور
النفي فرع تصور الإِيجاب، وإِضافة النفي إِليه؛ لأنه لا تميُّز
ولا اختصاص للنفي المطلق.
وعن أبي العالي: "والمرتضى: العلوم كلها ضرورية". (2)
* * *
وقد قسم المنطقيون (3) العلم إِلى: (4) علم بمفرد، يسمى
تصورًا، (5) كالعلم بمعنى الإِنسان والكاتب، وعلم بنسبة، يسمى
تصديقًا، وهي: إِسناد شيء إِلى شيء بالنفي أو الإِثبات، بمعنى
إِيقاعها أو انتزاعها، وهو الحكم، كالحكم بأن الإِنسان كاتب،
أو لا، وأما بمعنى حصول صورة النسبة في العقل فإِنه من التصور.
ولم يذكر أصحابنا هذا التقسيم، واعترض بعض أصحابنا وغيرهم
__________
(1) في (ب): تصوم.
(2) انظر: البرهان لأبي المعالي الجويني/ 126.
(3) في مفتاح السعادة 1/ 243: علم المنطق: علم يتعرف منه كيفية
اكتساب المجهولات التصورية أو التصديقية من معلوماتها. وفي
كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 46: هو علم بقوانين تفيد معرفة طرق
الانتقال من المعلومات إِلى المجهولات وشرائطها، بحيث لا يعرض
الغلط في الفكر.
(4) انظر: إِيضاح المبهم/ 6 - 7.
(5) في التعريفات/ 26: التصور: إِدراك الماهية من غير أن يحكم
عليها بنفي أو إِثبات.
(1/33)
عليه: بأن العلم من مقولة "أن ينفعل"،
والحكم -وهو الإِيقاع أو الانتزاع- من مقولة "أن يفعل"، فكيف
يصح تقسيم العلم إِلى التصور وإِلى (1) التصديق؟.
وأجيب: لا محيص عنه إِلا بتقسيمه إِلى التصور الساذج، وإِلى
التصور مع التصديق، كما فعله (2) في الإِشارات (3)، أو المراد
بالعلم أعم من الإِدراك، وهو الأمر المشترك بين الإِدراك
والهيئة اللاحقة به المحتملة للصدق والكذب، (4) وهو المعنى
الذهني المقيد بعدم غيرهما، فيصح تقسيمه (5) إِلى الإِدراك (6)
الذي هو (7) التصور، وإِلى الهيئة المذكورة التي هي التصديق
كذا قيل، وفيه نظر. (8)
* * *
والذكر الحكمي: هو الكلام
الخبري، تخيّله، أو لفظ به.
وما عنه الذكر الحكمي -وهو مفهوم الكلام الخبري-: إما أن يحتمل
__________
(1) في (ظ): أو إِلى التصديق.
(2) انظر: الإِشارات والتنبيهات 1/ 182.
(3) هو كتاب: الإشارات والتنبيهات في المنطق والحكمة للشيخ
الرئيس أبي علي الحسين ابن عبد الله، الشهير بـ (ابن سيناء)،
المتوفى سنة 428 هـ. والكتاب مطبوع.
(4) نهاية 3 ب من (ظ).
(5) نهاية 4 ب من (ب).
(6) نهاية 7 من (ح).
(7) في (ب) و (ظ): هي.
(8) في (ح) -هنا-: "وعن أبي المعالي: والمرتضى العلوم كلها
ضرورية" وهذا الكلام قد ذكر في الصفحة السابقة. فمجيئه هنا
تكرار.
(1/34)
متعلقه -وهو النسبة الواقعة بين طرفي الخبر
في الذهن؛ فإِن الحكم وهو التصديق، يتعلق بها- النقيض بوجه،
أوْ لا، والثاني: العلم، والأول: إِما أن يحتمله عند الذاكر لو
قدّره، أوْ لا، والثاني: الاعتقاد، فإِن طابق فصحيح، وإلا
ففاسد، والأول: إِما أن يحتمل النقيض وهو راجح، أوْ لا،
فالراجح: الظن، والمرجوح: الوهم، والمساوي: الشك. (1)
فيقال في حد كل منها: ما عنه ذكر حكمي، ثم يذكر ما امتاز به:
من احتمال النقيض، وعدمه.
ولم يجعل الحكم مورد القسمة، لئلا يخرج الوهم والشك عنها عند
من يمنع مقارنتها (2) للحكم.
والحكم غير المطابق: جهل مركب، والبسيط: عدم معرفة الممكن
بالفعل لا بالقوة. (3)
* * *
العقل: بعض العلوم الضرورية، عند أصحابنا والجمهور.
__________
(1) في هامش (ب): اليقين هو: الاعتقاد الجازم، والظن: رجحان
أحد النقيضين، والوهم: المرجوح منهما، والشك: المستوى بينهما.
(2) كذا في النسخ الثلاث. ولعل الصواب: مقارنتهما، أي: الوهم
والشك. وانظر: شرح الكوكب المنير 1/ 73.
(3) جاء في التعريفات للجرجاني / 36: الجهل: اعتقاد الشيء على
خلاف ما هو عليه، والجهل البسيط: عدم العلم عما من شأنه أن
يكون عالماً، والجهل المركب: عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق
للواقع.
(1/35)
قال أحمد: "العقل غريزة"، (1) قال القاضي
(2): "يعني: غير مكتسب"، وقال أبو محمد البربهاري (3) من
أصحابنا: "ليس بجوهر (4)، ولا
__________
(1) جاء في العدة 85/ - 86: "وقال أحمد فيما رواه أبو الحسن
التميمي في كتاب العقل عن محمد بن أحمد بن مخزوم عن إبراهيم
الحربي عن أحمد أنه قال: العقل غريزة، والحكمة فطنة، والعلم
سماع، والرغبة في الدنيا هوى، والزهد فيها عفاف.
قال الدكتور/ أحمد بن سير المباركي في تعليقه على العدة: "كيف
تصح نسبة هذا النقل إلى الإِمام أحمد، مع أن في سنده -كما ترى-
أبا الحسن التميمي، وهو وضاع، ومحمد بن أحمد بن مخزوم، وهو
كذاب، ومن لا يتورع عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم، لا يتورع عن الكذب على غيره". انظر: العدة 86/ - الهامش.
(2) قال القاضي في العدة/ 86: ومعنى قوله: "غريزة": أنه خلق
الله ابتداء، وليس باكتساب للعبد، خلافًا لما حكي عن بعض
الفلاسفة أنه اكتساب.
(3) هو الحسن بن علي بن خلف البربهاري، شيخ الحنابلة في وقته،
من أهل بغداد، ولد سنة 233 هـ، وتوفي سنة 329 هـ، كان شديد
الإِنكار على أهل البدع بيده ولسانه. من مؤلفاته: شرح كتاب
السنة. والبربهاري: نسبة إلى البربهار، وهي أدوية كانت تجلب من
الهند، ويقال لجالبها: البربهاري.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 18، ومناقب أحمد لابن الجوزي/ 512،
والمنتظم 6/ 323، والمنهج الأحمد 2/ 21، وشذرات الذهب 2/ 319.
(4) في التعريفات/ 35: الجوهر: ماهية إِذا وجدت في الأعيان
كانت لا في موضوع ... وفي كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 302:
والجوهر عند المتكلمين هو الحادث المتحيز بالذات، والمتحيز
بالذات هو القابل للإشارة الحسية بالذات بأنه هنا أو هناك.
ويقابله العرض.
(1/36)
عرض، (1) ولا اكتساب، وإِنما هو فضل من (2)
الله". (3)
قال بعض أصحابنا: هذا يقتضي أنه القوة المدركة، كما دل عليه
كلام أحمد، ليس هو نفس الإِدراك. (4)
وقال (5) أبو الحسن التميمي: (6) ليس بجسم، (7) ولا عرض،
وإِنما هو نور في القلب، فهو كالعلم. (8)
__________
(1) في التعريفات/ 64: العرض: الموجود الذي يحتاج في وجوده
إِلى موضع -أي محل- يقرم به، كاللون المحتاج في وجوده إِلى جسم
يحله ويقوم به، والأعراض على نوعين: قارّ الذات، وهو الذي
يجتمع أجزاؤه في الوجود، كالبياض والسواد، وغير قارّ الذات،
وهو الذي لا يجتمع أجزاؤه في الوجود، كالحركة والسكون.
(2) في (ب): وإِنما هو من فضل الله.
(3) جاء في العدة/ 84: وقال أبو محمد البربهاري: وليس العقل
باكتساب، وإِنما هو فضل من الله، ذكره في شرح السنة في جزء وقع
إِلي. وانظر: التمهيد/ 8 أ.
(4) انظر: المسودة / 558. وهذا الموضع هو نهاية 5 أمن (ب).
(5) في (ظ): "فقال".
(6) هو: عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث، أبو الحسن
التميمي، فقيه حنبلي، له اطلاع على مسائل الخلاف، ولد سنة 317،
وتوفي سنة 371 هـ، صنف كتباً في الأصول والفرائض. انظر: تاريخ
بغداد 10/ 461، وطبقات الحنابلة 2/ 139، والمنتظم 7/ 110،
والمنهج الأحمد 2/ 66.
(7) الجسم: جوهر قابل للأبعاد الثلاثة. وقيل الجسم هو المركب
المؤلف من الجوهر. انظر: التعريفات/ 34.
(8) جاء في العدة / 84: وقال أبو الحسن التميمي عبد العزيز بن
الحارث من أصحابنا في كتاب العقل: العقل ليس بجسم، ولا صورة،
ولا جوهر، وإنما هو نور، فهو كالعلم. وانظر: التمهيد/ 8 أ.
(1/37)
وذهب (1) بعض الناس إِلى أنه اكتساب (2)،
وبعضهم [إِلى (3)] أنه كل العلوم الضرورية، وبعضهم: أنه جوهر
بسيط، (4) وبعضهم: أنه مادة وطبيعة. (5)
قال القاضي وأصحابه: "قال أصحابنا: العقل يختلف، فعقل بعض
الناس أكثر من بعض (ع ر) " (6) -ووافقهم (7) ابن عقيل- لحديث
أبي سعيد: (8) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: (أليست
(9) شهادة إِحداكن مثل
__________
(1) نهاية 8 من (ح).
(2) وهم بعض الفلاسفة. انظر: العدة/ 86.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(4) قال في التعريفات/ 36: ... واعلم أن الجوهر ينقسم إِلى
بسيط روحاني كالعقول والنفوس المجردة، وإِلى بسيط جسماني
كالعناصر، وإِلى مركب في العقل دون الخارج، كالماهيات الجوهرية
المركبة من الجنس والفصل، وإِلى مركب منهما، كالمولدات الثلاث.
(5) في التعريفات/ 61: "الطبيعة: عبارة عن القوة السارية في
الأجسام بها يصل الجسم إِلى كماله الطبيعي.
وانظر هذه الأقوال الأخيرة في: العدة/ 86 - 87، والمعتمد
للقاضي/ 101 - 102.
(6) قال القاضي في العدة/ 94: وذكر أصحابنا أنه يصح أن يكون
عقل أكمل من عقل، وأرجح ... خلافاً للمتكلمين من المعتزلة
والأشعرية في قولهم: لا يصح أن يكون عقل أكمل من عقل، وأرجح.
وانظر: التمهيد/ 9أ، والمسودة/ 560.
(7) أي: وافق المخالفين، فقال: لا تتفاوت العقول. انظر: الواضح
1/ 6 ب.
(8) الخدري.
(9) في (ح): أليس.
(1/38)
نصف شهادة الرجل؟) قلن: بلى، قال: (فذلكن
من نقصان عقلها).
متفق عليه. (1)
ولأنه إِجماع؛ لأن الناس يقولون: عقل فلان أكثر.
وذكر بعض أصحابنا (2): أن مراد أصحابنا غير الضروري (3)، بل
الغريزي (4)، والتجربي. (5)
__________
(1) ورد هذا الحديث بألفاظ متعددة، وطرق مختلفة: أخرجه البخاري
في صحيحه 1/ 64، 3/ 35، من حديث أبي سعيد. وأخرجه مسلم في
صحيحه/ 86 - 87، من حديث ابن عمر، ومن حديث أبي سعيد، ومن حديث
أبي هريرة.
(2) انظر: المسودة/ 559.
(3) في هامش (ظ): الضروري مثل: استحالة اجتماع الضدين وكون
الجسم الواحد في مكانين، فالعقلاء في هذا متساوون. قال في
التمهيد: ولعمري أن العقلاء في هذا متساوون، لكن من عقله كثير
يتدبر دقائق العلوم، ويتفكر في الأشياء، وليس كل الأجسام تظهر،
ولا كل ضدين يعرف، وإِنما الكثير العقل يتدبر ذلك بقوى عقله.
ذكره في أول الكتاب، في باب الحدود.
(4) قال في المسودة في بيان استعمالات لفظ "العقل" ... الثاني:
أنه غريزة تقذف في القلب، وهو معنى رسم المحاسبي والإمام أحمد
فيما حكاه عنه الحربي، وهذا هو الذي يستعد به الإِنسان لقبول
العلوم النظرية وتدبر الأمور الخفية، وهذا المعنى هو محل الفكر
وأصله، وهو في القلب كالنور، وضوؤه مشرق إِلى الدماغ، ويكون
ضعيفًا في مبتدأ العمر، فلا يزال يربي حتى تتم الأربعون، ثم
ينتهي نماؤه، فمن الناس من يكثر ذلك النور في قلبه، ومنهم من
يقل، وبهذا كان بعض الناس بليدًا، وبعضهم ذكيًا، بحسب ذلك.
انظر: المسودة/ 558 - 559.
(5) قال في المسودة -في بيان إِطلاقات العقل-/ 559: الرابع:
شيء يستفاد من التجارب يسمى عقلاً.
(1/39)
وسلّم القاضي: أن ما يدرك بالحواس لا
يختلف، ولا يختلف الإِحساس، بخلاف العقل، فإِنه يختلف ما يدرك
به، وهو التمييز والفكر، فلهذا اختلف. (1) قال بعض أصحابنا:
(2) "يلزم منه أن العلم الحسي ليس من العقل"، قال: (3) "ولنا
في المعرفة الإِيمانية في القلب، هل تزيد (4) وتنقص؟ روايتان،
فإِذا قيل: إِن النظري لا يختلف: فالضروري أولى [و] (5) هذه
المسألة من جنس مسألة الإِيمان، وأن الأصوب: أن القوى التي هي
الإحساس (6) وسائر العلوم والقوى تختلف".
وقاس (7) ابن عقيل على النظري، وعلى حياة، وإِرادة، وعلم،
وأمر.
ومحل العمل القلب عندصحابنا
(وش)، وذكروه عن الأطباء، (8)
__________
(1) انظر: العدة/ 100.
(2) و (3) انظر: المسودة/ 558.
(4) في (ب) و (ح): يزيد وينقص. وانظر: المسودة/ 558.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب)، (ظ). وانظر المسودة/
558.
(6) في المسودة/ 558: الإحساسات.
(7) انظر: الواضح 1/ 6 ب.
(8) في التمهيد/ 9 ب: قال أصحابنا: إِن العقل في القلب ... وبه
قال جماعة من الفلاسفة، وروى ابن شاهين عن أحمد أنه قال: محله
الرأس، وبه قال جماعة الأطباء. وفي مجموع الفتاوى 9/ 303: "
... ولهذا قيل: إِن العقل في الدماغ، كما يقوله كثير من
الأطباء". وهذا مخالف لما ذكره المؤلف من قول الأطباء وقول
الفلاسفة. وفي شرح الكوكب المنير/ 83 موافقة لما ذكره المؤلف.
(1/40)
حتى قال ابن الأعرابي (1) وغيره: العقل
القلب، والقلب العقل. (2)
وعند أحمد: قال بعض أصحابنا: (3) في الأشهر عنه، (4) هو في
الدماغ (وهـ) , (5) وحكوه عن
__________
(1) هو: أبو عبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي،
راوية، ناسب، علامة باللغة، من أهل الكوفة، ولد سنة 150 هـ،
وتوفي بسامراء سنة 231 هـ.
من مؤلفاته: أسماء الخيل وفرسانها، والنوادر في الأدب، وشعر
الأخطل، ورسالة "البئر"، والفاضل في الأدب، وأبيات المعاني.
انظر: طبقات النحويين واللغويين/ 213، والفهرست/ 69، وتاريخ
بغداد 5/ 282، ونزهة الألباء/ 207، ومعجم الأدباء 7/ 5، ووفيات
الأعيان 4/ 306, والوفيات 3/ 79.
(2) انظر: تاج العروس 8/ 27.
(3) قال في العدة/ 89: ... ومن الناس من قال: هو في الدماغ،
وقد نص أحمد -رحمه الله- على مثل هذا القول فيما ذكره أبو حفص
بن شاهين في الجزء الثاني من أخبار أحمد بإِسناده عن فضل بن
زياد، وقد سأله رجل عن العقل: أين منتهاه من البدن؟ فقال: سمعت
أحمد بن حنبل يقول: العقل في الرأس، أما سمعت إِلى قولهم: وافر
الدماغ والعقل؟. وانظر: التمهيد/ 9 ب، والمسودة/ 559 - 560.
(4) نهاية 4 أمن (ظ).
(5) انظر: الحدود/ 34. وفيه: وتتعلق به -أي بالخلاف في محل
العقل- مسألة من الفقه؛ وذلك أن من شج رجلاً موضحة فذهب عقله،
لزمه عند مالك دية العقل وأرش الموضحة؛ لأنه إِنما تلف عليه
منفعة ليست في عضو الشجة، فتكون الشجة تبعًا لها، وقال أبو
حنيفة: إِنما عليه دية العقل فقط؛ لأنه لما شج رأسه وأتلف عليه
العقل الذي هو منفعة في العضو المشجوج دخل أرش الشجة في
الدية.=
(1/41)
الفلاسفة (1)، لتغير الفهم بسببه. رد:
وبغيره.
__________
=وانظر: الكليات/ 250، وفتح الرحمن/ 22.
(1) لفظ "فلسفة" مشتق من اليونانية. وأصله (فيلا - صوفيا)
ومعناه: محبة الحكمة، ويطلق على العلم بحقائق الأشياء والعلم
بما هو أصلح.
وكانت الفلسفة عند القدماء مشتملة على جميع العلوم، وهي قسمان:
نظري، وعملي. أما النظري، فينقسم إِلى: العلم الإِلهي، وهو
العلم الأعلى، والعلم الرياضي، وهو العلم الأوسط، والعلم
الطبيعي، وهو العلم الأسفل. وأما العملي، فينقسم إِلى ثلاثة
أقسام أيضًا، أولها: سياسة الرجل نفسه، ويسمى بعلم الأخلاق،
والثاني: سياسة الرجل أهله، ويسمى بتدبير المنزل، والثالث:
سياسة المدينة والأمة والملك.
ومع أن العلوم قد استقلت عن الفلسفة واحداً بعد واحد، فإِن بعض
الفلاسفة ظل يطلق الفلسفة على جميع المعارف الإِنسانية.
والصفات التي تتميز بها الفلسفة، هي الشمول والوحدة، والتعمق
في التفسير والتعليل، والبحث عن الأسباب القصوى والمبادئ
الأولى؛ لذلك عرفها أرسطو بقوله: إِنها العلم بالأسباب القصوى،
أو علم الموجود بما هو موجود. وعرفها ابن سيناء بقوله: إِنها
الوقوف على حقائق الأشياء كلها على قدر ما يمكن الإِنسان أن
يقف عليه. وعرفها بعضهم، بأنها: معرفة الإِنسان نفسه. وعرفها
الرواقيون بأنها: معرفة الأمور الإِلهية والإِنسانية. وقيل: هي
التشبه بأفعال الله بقدر طاقة الإِنسان. أرادوا: أن يكون
الإِنسان كامل الفضيلة.
وكان المفهوم من إِطلاق لفظ "الفلسفة" عند علماء المسلمين في
القرن الثالث الهجري، هي الفلسفة الطبيعية. وكان البحث فيها
يدور على الإِنسان، من حيث هو عالم أصغر ينطوي فيه العالم
وعناصره ...
أما في العصور الحديثة، فإِن لفظ الفلسفة يطلق على دراسة
المبادئ الأولى التي تفسر المعرفة تفسيرًا عقليًا، كفلسفة
العلوم، وفلسفة الأخلاق، وفلسفة التاريخ ... الخ.=
(1/42)
وجهَّل ابن عقيل القائل بأن "العقل" مشتق من "عقال البعير"، و
"الحكمة" من "حكمة الدابة"؛ لعلمه أنهما عُلِما بقرائح العقول.
(1)
* * * |