أصول الفقه لابن مفلح

والمفرد: اسم، وفعل، وحرف معنى (3).
* * *

ودلالة المفرد [الوضعية (4)] اللفظية في كمال معناه دلالة مطابقة، وفي بعض معناه دلالة تضمن، كدلالة البيت على الجدار، وغير اللفظية دلالة التزام، كدلالته على الباني، وذكر بعض أصحابنا أنها عقلية.
وهي مساوية لدلالة المطابقة، وهما أعم من التضمن لجواز كون المدلول واللازم بسيطًا لا جزء له.
__________
=من مؤلفاته: مقالات الإِسلاميين، والإبانة عن أصول الديانة, ورسالة في الإيمان واستحسان الخوض في الكلام.
انظر: تبيين كذب المفتري، واللباب 1/ 64، ووفيات الأعيان 3/ 284، والجواهر المضية 1/ 353، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 347، والبداية والنهاية 11/ 187، وخطط المقريزي 9/ 253.
(1) نهاية 11 من (ح).
(2) في (ح): بهم.
(3) في هامش (ب): إِنما قال: "وحرف معنى" احترازًا من حرف الهجاء، فإِن الحرف ينقسم إِلى ثلاثة أقسام: حرف هجاء، وحرف معنى، وحرف مشترك بينهما. الأول: كالجيم والحاء. والثاني: كـ مِنْ وعَنْ. والثالث: كالباء والواو.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح). وانظر: شرح العضد 1/ 120.

(1/56)


ولم يشترط (1) الأصوليون في كون (2) اللازم ذهنيًا، واشترطه المنطقيون (3)، ليحصل الفهم.
ولا يشترط اللازم خارجاً، لحصول الفهم بدونه، كالعدم والملكة، كدلالة العمى على البصر.
وفي مقدمة الروضة (4): "لا يستعمل في نظر العقل دلالة الالتزام؛ لأن ذلك لا ينحصر في حد؛ إِذ السقف يلزم الحائط، والحائط الأس، والأس الأرض". وكذا قال بعضهم: هي مهجورة (5) في العلوم، لاختلاف كون اللازم بيناً باختلاف (6) الأشخاص؛ فلا ينضبط المدلول.
* * *
والاسم المفرد ومدلوله يتحد كل منهما، ويتعدد:
فإِن اتحدا: فإِن اشترك في مفهومه كثيرون -وقعت فيه الشركة بالفعل بين أشخاص تناهت أوْ لا، أو لم تقع، بحكم الاتفاق، أو لمانع لذاته أو لغيره, ذاتًا كان أو صفة- فهو الكلي.
__________
(1) نهاية 5 أمن (ظ).
(2) كذا في النسخ الثلاث. ولعل المناسب حذف "في"، أو أن تكون العبارة هكذا: في دلالة الالتزام كون اللازم ...
(3) انظر: إِيضاح المبهم/ 7.
(4) انظر: الروضة/ 14. ومقدمة الروضة مقدمة منطقية مذكورة في أولها.
(5) في (ح): هي مما يجوز.
(6) في (ح): لاختلاف.

(1/57)


فإِن تفاوتت الأفراد في مدلوله -بأولوية وعدمها، أو شدة وضعف، (1) أو تقدم وتأخر، كالوجود للخالق وللمخلوق- فمشكك لشك الناظر فيه: هل هو من المتواطئ أو المشترك؟ ذكره بعض أصحابنا (2) وغيرهم، تبعًا لمن قبلهم كالآمدي (3)، لكونه (4) حقيقة فيهما عند أصحابنا وغيرهم، وذكره (5) الآمدي إِجماعًا، وذكر أصحابنا (6) في كتب الفقه أنه حقيقة في الخالق، مجاز في المخلوق، وقاله (7) الناشئ المعتزلي (8)، وعن جهم (9) ومن تبعه عكس ذلك.
__________
(1) نهاية 7 أمن (ب).
(2) انظر: مجموع الفتاوى 20/ 442.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 17.
(4) في (ح) و (ظ): لكنه. وانظر: شرح الكوكب المنير 1/ 134.
(5) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 20.
(6) نهاية 12 من (ح).
(7) انظر: المسودة/ 565 - 566، ومجموع الفتاوى 20/ 441.
(8) هو: أبو العباس عبد الله بن محمد الناشئ، الشاعر المتكلم، وهو معروف بـ "ابن شرشير"، ويعرف -أيضًا- بـ "الناشئ الأكبر" من أهل الأنبار، نزل بغداد، وأقام بها مدة طويلة، وخرج في آخر عمره إِلى مصر، وأقام فيها بقية عمره، حيث توفي بها سنة 293 هـ، كان متبحرًا في عدة علوم، من جملتها: المنطق، وله كتب كثيرة نقض فيها كتب المنطق، وله قصيدة على روي واحد، وهي أربعة آلاف بيت.
انظر: تارخ بغداد 10/ 92، ووفيات الأعيان 3/ 61، والمنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل/ 98، وشذرات الذهب 2/ 421.
(9) هو: أبو محرز جهم بن صفوان السمرقندي، رأس الجهمية، ضال مبتدع، فتح باب=

(1/58)


وإن لم تتفاوت: فمتواطئ، لتوافقها فيه، فإِطلاق (1) لفظ "المبدأ" على النقطة أول خط، وعلى آن (2) أول زمان: متواطئ، وقيل: مشترك، والمراد إِن أضيفت إِلى الخط، وكذا لفظ الخمر على اللون (3) والعنب والدواء، لعموم النسبة إِلى الخمر: متواطئ، وباختلاف النسب: مشترك، ولفظ "أسود" لقار وزنجي: متواطئ، ولرجل مسمى بأسود وقار: مشترك.
وإن لم يشترك فيه كثيرون: فجزئي، ويسمى النوع (4) جزئيًا إِضافيًا، فكل جنس (5) ونوع عال أو وسط أو سافل: كلي لما تحته، جزئي لما فوقه.
وإن تعدد اللفظ والمعنى: فأسماء متباينة (6)، لتباينها.
__________
= شر عظيم، كان يقضي في عسكر الحارث بن سريج الخارج على أمراء خراسان، فقبض عليه نصر بن سيار، وأمر بقتله فقتل سنة 128 هـ.
انظر: الكامل لابن الأثير 5/ 342، وميزان الاعتدال 1/ 426، وخطط المقريزي 2/ 349، ولسان الميزان 2/ 142، والحور العين/ 255، وفيه: قتل بـ "مرو"، قتله سلم ابن أحور على شط نهر "بلخ".
(1) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 22.
(2) انظر: معنى "آن" في لسان العرب 16/ 183، وما بعدها.
(3) في هامش (ب): اللون هو: ضرب من التمر، وهو الدقل من النخل. وفي لسان العرب 17/ 279: واللون: الدقل، وهو ضرب من النخل. وفي الإِحكام للآمدي 1/ 23: قولنا: "خمري" للون الشبيه بلون الخمر ... الخ.
(4) في التعريفات/ 119: النوع: اسم دال على أشياء كثيرة مختلفة بالأشخاص.
(5) في التعريفات/ 35: الجنس: اسم دال على كثيرين مختلفين بالأنواع.
(6) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 137.

(1/59)


وإِن اتحد اللفظ وتعدد المعنى:
إِن كان اللفظ حقيقة للمتعدد: فمشترك - تباينت المسميات، كالعين، وكالشفق (1)، وكالجون للسواد والبياض، أوْ لا، كأسود على أسود علمًا (2) وصفة، فمدلوله علماً: الذات، ومشتقاً: الذات مع الصفة، فمدلوله علماً جزء مدلوله مشتقًا، ومدلوله مشتقًا صفة لمدلوله علماً- وإِلا: فحقيقة ومجاز.
وإِن اتحد المعنى وتعدد اللفظ: فمترادفة.
والأقسام: (3) مشتق -إِن دل على ذي صفة، كعالم- وغير مشتق، كالإِنسان: صفة، وغير صفة.

مسألة
المشترك (4) واقع عند أصحابنا (وهـ ش).
ومنع منه ابن الباقلاني (5)، وثعلب، (6) وجماعة.
__________
(1) في (ظ): والشفق.
(2) في هامش (ب): العلم هو: كل اسم عين المسمى، فإِن أشعر بـ "أب" أو "ابن" فهو الكنية، وإن أشعر بمدح أو ذم: فهو اللقب، وإِلا فهو الاسم، وينقسم إِلى قسمين: منقول، ومرتجل، وهو: إِما مفرد، وإِما مركب، والمركب ينقسم إِلى قسمين: مركب تركيب مزج، ومركب تركيب إضافة.
(3) أي: الأقسام السابقة. انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 138، وشرح العضد 1/ 128.
(4) في هامش (ب) المشترك: اللفظ الواحد لمعان مختلفة.
(5) في (ب): ابن الباقلاني.
(6) هو: أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار، إِمام الكوفيين في النحو واللغة،=

(1/60)


ومنع منه بعضهم في القرآن.
قال بعض أصحابنا: ولا يجب في اللغة، وقيل: بلى.

لنا:
لا يمتنع وضع لفظ (1) واحد لمعنيين مختلفين على البدل، من واضع أو (2) أكثر، ويشتهر الوضع.
ولفظة (3) "عرض" في القرآن مختلفة المعنى في قوله: (وجنة عرضها السموات) (4)، (وعرضنا جهنم يومئذ (5) للكافرين عرضًا) (6)،
__________
=ولد ببغدادسنة 200 هـ، وسمع ابن الأعرابي، والزبير بن بكار، وروى عنه الأخفش الأصغر، وأبو بكر بن الأنباري، وأبو عمر الزاهد، توفي ببغداد سنة 291 هـ.
من مؤلفاته: الفصيح، وقواعد الشعر، وشرح ديوان زهير، وشرح ديوان الأعشى، ومجالس ثعلب ...
انظر: مروج الذهب 2/ 387، وتاريخ بغداد 5/ 204، وطبقات الحنابلة 1/ 83، ونزهة الألباء/ 293، وإِنباه الرواة 1/ 138، ووفيات الأعيان 1/ 102، وتذكرة الحفاظ 2/ 214، وبغية الوعاة/ 172.
(1) نهاية 13 من (ح).
(2) في (ظ): وأكثر.
(3) نهاية 7 ب من (ب).
(4) سورة آل عمران: آية 133.
(5) لفظ "يومئذ" سقط من (ب) و (ح).
(6) سورة الكهف: آية 100.

(1/61)


والعرض (1) واحد العروض، و (عسعس) (2) لإقبال الليل وإِدباره، ذكره (3) الجوهري (4) والزجاج (5).
ولأن الموجود في القديم والحادث حقيقة، فإِن كان مدلول الموجود الذات: فهي مخالفة لما (6) سواها من الحوادث، وإلا لوجب الاشتراك في الوجوب، للتساوي في مفهوم الذات، وإن كان مدلوله صفة زائدة: فإِن اتحد
__________
(1) انظر: الصحاح/ 1082 (عرض) وفيه: "العرض: المتاع، وكل شيء فهو عرض سرى الدراهم والدنانير، فإِنهما عين، قال أبو عبيد: العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا يكون حيوانًا ولا عقارًا، نقول: اشتريت المتاع بعرض، أي: بمتاع مثله".
(2) قال تعالى: (والليل إِذا عسعس) سورة التكوير: آية 17.
(3) انظر: الصحاح/ 946 (عسس).
(4) هو: أبو نصر إِسماعيل بن حماد الجوهري، لغوي مشهور، أصله من "فاراب"، سافر إِلى العراق، ثم الحجاز، وعاد إِلى خراسان، ثم أقام في نيسابور، وتوفي بها سنة 393 هـ. من مؤلفاته: الصحاح، وكتاب في العروض، ومقدمة في النحو.
انظر: نزهة الألباء/ 418، ومعجم الأدباء 2/ 266، وإنباه الرواة 1/ 194، ولسان الميزان 1/ 400، والنجوم الزاهرة 4/ 207.
(5) هو: أبو إِسحاق إِبراهيم بن السري بن سهل -وفي وفيات الأعيان: إِبراهيم بن محمد- عالم بالنحو واللغة، ولد ببغداد سنة 241 هـ، وأخذ الأدب عن المبرد وثعلب، كان يخرط الزجاج، فنسب إِليه، ثم تركه واشتغل بالأدب، توفي ببغداد سنة 311 هـ.
من مؤلفاته: معاني القرآن، والاشتقاق، وخلق الإنسان، والأمالي.
انظر: تاريخ بغداد 6/ 89، ونزهة الألباء/ 308، والمنتظم 6/ 176، ومعجم الأدباء 1/ 47، وإِنباه الرواة 1/ 159، ووفيات الأعيان 1/ 49.
(6) نهاية 5 ب من (ظ).

(1/62)


المفهوم منها ومن اسم الموجود في الحادث: لزم منه كون مسمى الموجود في الحادث واجبًا لذاته، أو (1) وجود القديم ممكنًا، وإِن اختلف المفهومان وقع المشترك، احتج به الآمدي (2)، وهو معنى ما في أول العدة والتمهيد (3) وغيرهما، في بيان الكلام في "عالم" للقديم والحادث، لاختلاف معناهما.
ورد: بأن الوجوب والإِمكان لا يمنع التواطؤ، ودعوى لزوم التركيب مما به الاشتراك وما به الامتياز، إِنما هو في الذهن. وقال بعض أصحابنا (4): وضع (5) لما به الاشتراك فقط، وامتاز ما به الامتياز بقرينة تعريف أو إِضافة، ونحو ذلك، لا من نفس اللفظ المفرد، فهو حقيقة فيهما، كما قلنا في أسماء الله التي يمسمى بها غيره، وقال -أيضًا- الجمهور: إِنه متواطئ (6)، قال: فقيل بالتواطؤ المتساوي والأصح: المتفاضل، ونقل صاحب المحصول عن الأشعري، وأبي الحسين البصري: مشترك.

واستدل: المعاني لا تتناهى، واللفظ متناه، فإِذا وزعِّ لزم الاشتراك.
رد: بالمنع، ثم: المقصود بالوضع متناه. (7)
__________
(1) في (ب): أو جود.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 20 - 21.
(3) انظر: العدة/ 77، 80، والتمهيد/ 7 ب، 12أ.
(4) انظر: المسودة/ 566.
(5) في (ب)، و (ح): ما وضع.
(6) انظر: مجموع الفتاوى 20/ 442.
(7) نهاية 14 من (ح).

(1/63)


وأما إِطلاق "القرء" على الطهر والحيض، فلم يقل أهل اللغة: "إِنه مشترك"، بل قال من منع: إِنه موضوع للانتقال، (1) وقال ثعلب: للوقت. وفي انتصار (2) أبي الخطاب: (3) مجاز في الطهر، لمجاورته للحيض؛ لأنه يصح نفيه.
قولهم: الاشتراك يخل بمقصود (4) الوضع، وهو الفهم.
أجيب: الوضع تابع لقصد الواضع، والتعريف الإِجمالي مقصود، كأسماء الأجناس.
__________
(1) انظر: المسودة/ 566، ولسان العرب 1/ 125.
(2) وهو كتاب الانتصار في المسائل الكبار على مذهب الإِمام أحمد ابن حنبل، لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، المتوفى سنة 510 هـ. يذكر فيه مؤلفه أمهات المسائل في مختلف أبواب الفقه، والخلاف فيها، وأدلة الأقوال مفصلة، ثم يذكر القول الراجح.
ويبدو أنه جعل الكتاب في أربعة أقسام، منها: ربع في العبادات، يوجد منه 18 مجلدة، في 344 ورقة، تنتهي في أثناء الزكاة. وهذه المجلدات موجودة في دار الكتب الظاهرية بدمشق، برقم (2743). وقد طبع هذا الموجود بتحقيق الدكتور سليمان العمير وآخرين، ونشرته مكتبة العبيكان بالرياض سنة 1413 هـ.
(3) هو: محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، إِمام الحنابلة في عصره. أصله من (كلواذي) من ضواحي بغداد، ولد ببغداد سنة 432 هـ وتوفي بها سنة 510 هـ.
من مؤلفاته: التمهيد في أصول الفقه، والانتصار في المسائل الكبار، والهداية، وعقيدة أهل الأثر، وهي منظومة صغيرة. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 258، واللباب 3/ 107، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 116، والنجوم الزاهرة 5/ 212، والمنهج الأحمد 2/ 198.
(4) نهاية 8 أمن (ب).

(1/64)


قولهم: إِن بيَّنه طال بلا فائدة، وإِلا فلا فائدة.
أجيب: فائدته الاستعداد للامتثال إِذا بُيِّن، فيثاب على العزم والاجتهاد.

مسألة
المترادف (1) واقع عند أصحابنا (وهـ ش)، خلافاً لبعضهم لأنه لا يمتنع ذلك من واضع، ولا من واضعين لا (2) يشعر أحدهما بالآخر، ويشتهر ذلك.
وكأسد وسبع وليث: للحيوان المعروف، وصَلْهَب (3) وسَلْهَب: للطويل، وبُحْتُر وحَبْتَر (4) وبُهْتُر: (5) للقصير.
فأما مُهنَّد -نسبة إِلى الهند- وصارم: فمترادفان على الذات كسيف، ومتباينان صفة. وناطق وفصيح: مترادفان على موصوفيهما من لسان أو إِنسان، متباينان معنى.
قولهم: لا فائدة فيه.
أجيب: فائدته توسعة تكثير طرق موصلة إِلى الغرض، وتيسير نثر ونظم
__________
(1) في هامش (ب): المترادف: اللفظ المتعدد لمعنى واحد.
(2) في (ظ): ولا.
(3) انظر: لسان العرب 2/ 19.
(4) انظر: المصدر السابق 5/ 120.
(5) انظر: المصدر السابق 5/ 152.

(1/65)


للزنة والروي -وهو الحرف آخر القافية، وهي الكلمة آخر البيت- وتيسير تجنيس، وهو تشابه لفظين، ومطابقة، وهي جمع بين ضدين، والمراد هنا (1): بحيث يوازن أحدهما الآخر.
قولهم: (2) تعريف للمعرف.
أجيب: علامة ثانية، ويجوز الوضع معاً.

مسألة
الحد (3) والحدود، ونحو: "عطشانَ نَطْشانَ" غير مترادفين -وحكي قول- لأن الحد يدل على المفردات. (4)
__________
(1) هذا اللفظ "هنا". ضرب عليه في (ظ).
(2) نهاية 15 من (ح).
(3) في هامش (ظ): مثال الحد والمحدود؛ الحيوان الناطق والإنسان ذكره الأصفهاني. فالحد: قولنا: الحيوان الناطق. والمحدود هو: الإِنسان. وقال القرافي: "الحد هو المحدود إِن أريد معناه، وغيره إن أريد لفظه" ذكره في التنقيح في أوله. وعبارته: وهو -أي الحد- شرح ما دل عليه اللفظ بطريق الإجمال، وهو غير المحدود إِن أريد اللفظ، ونفسه إِن أريد المعنى.
(4) في هامش (ظ): ليس المراد من المفردات أفراد الإنسان، كزيد أو عمرو أو بكر، بل المراد الأجزاء التي تركبت منها ماهية الإِنسان، كالحيوانية والنطقية، فإِن ماهية الإِنسان حاصلة منهما، فالحد -وهو الحيوان الناطق- يدل على هذه الأجزاء بالمطابقة، كدلالة البيت على جميع أجزائه، وأما دلالة الإنسان عليها فإِنها بالتضمن، كدلالة البيت على السقف؛ لأن السقف جزء من البيت.
قال ابن مطهر: الحد يدل بالتفصيل على ما يدل عليه الاسم بالإجمال، فله دلالة على=

(1/66)


قال الجوهري وغيره: "نطشان" إِتباع له، لا يفرد (1)، ومثله: "حَسَنٌ" بَسَنٌ" (2)
ويقال: "شَذَرَ مَذَرَ" (3) إِذا تفرقوا كل وجه، وكذا "شَغَرَ بَغَرَ" (4) قال (5) الجوهري: هما اسمان جعلا واحداً وبنيا على الفتح.
__________
=المفردات، كقولنا في تحديد الإِنسان: إِنه الحيوان الناطق، فإِنه دال على المفردات بالمطابقة، وأما الإِنسان فإِنه يدل عليها بالتضمن، وكيف لا يكون كذلك؟ والحد يدل على الأجزاء التي هي علل المحدود، والمحدود يدل على الماهية الحاصلة عقيب الأجزاء.
(1) انظر: الصحاح/ 1012 (عطش)،/ 1021 (نطش).
(2) انظر: الصحاح/ 2078 (بسن) / 2099 (حسن)، وفيه: ويقال: "رجل حسن بسن"، و "بسن" إِتباع له.
وفي هامش (ظ): "نطشان" بمعنى "عطشان"، لكن لا يستعمل "نطشان" إِلا تبعًا لـ "عطشان"، ولا يفرد وحده، و "حسن": ما حسن من كل شيء، و "بسن" بمعناه، لكن لا يستعمل إلا تبعًا لـ "حسن"، فلما كان "عطشان" و "حسن" يستعمل كل واحد منهما وحده، و "نطشان" و "بسن" لا يستعمل كل واحد منهما وحده، لم يكن "نطشان" مرادفاً لـ "عطشان"، ولا "بسن" مرادفاً لـ "حسن".
(3) قال في الصحاح / 695 (شذر): وتفرقوا شَذَرَ مَذَرَ، وشِذَرَ مِذَرَ، إِذا ذهبوا في كلِّ وجه. وقال فيه/ 813 (مذر): يقال: تفرقت إِبله شَذَرَ مَذَرَ، وشِذَرَ مِذَرَ، إِذا تفرقت في كل وجه، و "مذر" إِتباع له.
(4) قال في الصحاح/ 700 (شغر): وتفرقوا شغر بغر. أي: في كل وجه، وهما اسمان جعلا واحداً وبنيا على الفتح. وقال فيه/ 594 (بغر): ويقال: تفرقت إِبله شغر بغر، إِذا تفرقت في كل وجه.
(5) نهاية 6 أمن (ظ).

(1/67)


قال بعض أصحابنا وغيرهم متابعة لمن قبلهم كالآمدي (1): المرادف لا يزيد مرادفه إِيضاحاً، ولا يجب تقديم أحدهما، ولا يرادف بنفسه، والمؤكد خلافه، والتابع اللفظي خلافهما، لكونه على زنته، وقد لا يفيد (2) معنى.

مسألة
يقوم كل مرادف مقام الآخر في التركيب، لأنه بمعناه، ولا مانع.
قولهم: لو صح، لصح "خُداي (3) أكبر".
أجيب: نلتزمه، ثم: بالفرق باختلاط اللغتين، وقاله بعض أصحابنا، قال: لأنه قد يختص أحدهما بصحة ضمه إِلى غيره. رد: خلاف الظاهر. (4)
قال: وقد يكون أحدهما أجلى، فيكون شرحاً.
والترادف خلاف الأصل.
وأنكرت الملاحدة التأكيد (5)، لعدم فائدته.
رد: جوازه ضروري، ومعلوم (6) وقوعه وإفادته قوة مدلول ما سبق.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 25.
(2) نهاية 8 ب من (ب).
(3) في هامش (ظ) "خداي" في لسان العجم "الله"، وهو بضم الخاء المعجمة، بعدها دال مهملة مفتوحة -كذا سمعنا جماعة يقولونها بالدال المهملة، والذي كنت أسمعه من بعض مشايخي: بالذال المعجمة. ثم سألت بعض العجم عن ذلك، فقال: بعضهم يقولها بالمهملة كأهل شيراز، وبعضهم يقولها بالمعجمة كأهل خراسان. والله أعلم- وبعد الألف ياء مثناة من تحت مخففة مفتوحة.
(4) في هامش (ظ): في نسخة: الأصل.
(5) انظر: المحصول 1/ 1/ 356، والتمهيد للأسنوي/ 161.
(6) في (ح): معلوم. وقد أشير في (ب) إِلى أن "الواو" قد زيدت من نسخة أخرى.

(1/68)


مسألة
الحقيقة: فعيلة من الحق بمعنى فاعل كعليم، فالتاء للتأنيث، أي: الثابتة، أو بمعنى مفعول كجريح، فالتاء لنقل اللفظ من الوصفية إِلى الاسمية، أي: المُثْبَتة، ثم نقلت إِلى الاعتقاد المطابق لكونه ثابتًا أو مُثْبَتاً، ثم منه إِلى القول المطابق، ثم منه إِلى المراد هنا، وهي اللفظ المستعمل (1) فيما وضع له أولاً في الاصطلاح الذي به التخاطب. ومعناه في الروضة (2) وغيرها.
وقال بعض أصحابنا وغيرهم: استعمال اللفظ. ومعناه في الواضح (3)، ثم فسر الاسم عرفاً بغلبة الاستعمال، لا يجوز غيره. كذا قال. (4)
وحدّها في العدة -في موضع- (5) باللفظ (6) المستعمل في موضوعه، و-في موضع- (7) باللفظ الباقي على موضوعه. وذكره في التمهيد (8)
__________
(1) في (ح): استعمال اللفظ.
(2) انظر: الروضة/ 173.
(3) انظر: الواضح 1/ 28 أ.
(4) انظر: المصدر السابق 1/ 219 ب.
(5) انظر: العدة/ 188.
(6) نهاية 16 من (ح).
(7) انظر: العدة/ 172.
(8) انظر: التمهيد/ 12 ب، 79 ب- 80 أ.

(1/69)


وأن أبا عبد الله البصري (1) وعبد الجبار (2) المعتزلين قالا: "ما أفيد بها ما وضعت له"، (3) وأن أبا الحسين (4) زاد: "في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب فيه"، (5) وأن قولهما أقوى؛ لأن عند أبي الحسين: لو قال الواضع (6) "سميت هذا حائطًا، أو قال: سمّوا هذا حائطًا "، لا يكون قوله في تلك الحال حقيقة ولا مجازًا؛ لأنه لم يتقدم ذلك مواضعة واصطلاح، وهذا خطأ؛ لأن (7) الكلام -إِذا خلا عن حقيقة ومجاز- مهمل، وهذا كلام مفهوم غير مهمل.
__________
(1) هو: الحسين بن علي، الملقب بـ "الجعل"، فقيه حنفي، من شيوخ المعتزلة. ولد في البصرة سنة 293 هـ، وسكن بغداد، وتوفي بها سنة 369 هـ.
من مؤلفاته على مذهب المعتزلة: الإِيمان، والمعرفة.
انظر: الفهرست/ 174، وطبقات الفقهاء للشيرازي 1/ 121، وتاريخ بغداد 8/ 73، والمنتظم 7/ 101، والجواهر المضية 1/ 216، وشذرات الذهب 3/ 68.
(2) هو: أبو الحسين عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني، قاض أصولي، كان شيخ المعتزلة في عصره، ولي القضاء بالري، ومات بها سنة 415 هـ.
من مؤلفاته: تنزيه القرآن عن المطاعن، والأمالي.
انظر: تاريخ بغداد 11/ 113، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 97، ولسان الميزان 3/ 386، والرسالة المستطرفة/ 160.
(3) انظر: المعتمد للبصري/ 17
(4) وهو: أبو الحسين البصري، صاحب المعتمد في أصول الفقه.
(5) انظر: المعتمد للبصري/ 16.
(6) انظر: المصدر السابق/ 16 - 17.
(7) نهاية 9 أمن (ب).

(1/70)


فإن قيل: فيلزمكم أن من استعمل السماء في الأرض قد تَجَوَّز به؛ (1) لأنه أفاد به غير ما وضع له.
قيل: كذا نقول، ومن سَلَّم قال: الأرض لا تعقل من اسم السماء، بخلاف الأسد في الشجاع. كذا قال (2)

والحقيقة قد تصير مجازًا، وبالعكس. ذكره أصحابنا وغيرهم.
وهي: لغوية كالأسد، والأصل بقاؤها، وعرفية كالدابة، وشرعية كالصلاة. مع أنه قال: ما لم يطرد مجاز، كتسميتهم الرجل الطويل نخلة، ولم يُسَمَّ كل طويل بها. (3)
ولفظ "المجاز" حقيقة عرفاً -قاله بعض أصحابنا وغيرهم- مجاز لغة، لأنه (4) "مَفْعَل" للمصدر أو للمكان، من الجواز بمعنى العبور، ثم نقل إِلى المراد هنا، فهو مجاز في الدرجة الأولى؛ لأن العبور انتقال الجسم، و "مفعل"
__________
(1) نهاية 6 ب من (ظ)
(2) انظر: التمهيد 12 ب، 79 ب- 80 أ.
(3) قوله: "مع أنه قال: ما لم يطرد مجاز، كتسميتهم الرجل الطويل نخلة، ولم يسم كل طويل بها". كذا هو في النسخ الثلاث، ولكن أحد الذين قرؤوا نسخة (ب) وضع خطًا متقطعًا باللون الأحمر فوق هذا الكلام، وقد وضع خطًا مماثلاً لهذا الخط فوق كلام ملغى في صفحة أخرى من هذه النسخة. وانظر: التمهيد/ 14أ، 83أ- ب.
(4) كذا في (ب) و (ح). وكذا كان اللفظ في (ظ) أيضًا، ثم ضرب عليه وزيدت الواو، فصار: ومفعل.

(1/71)


هنا بمعنى فاعل؛ لأن اللفظ ينتقل، فيكون مجازًا.
وحد المجاز بخلاف [حد (1)]، الحقيقة على الخلاف السابق. (2)
وزاد في حده في الروضة وغيرها: "على وجه يصح" (3). وظاهر كلامهم أنه غير العلاقة، فيكون قصد العلاقة، لا غلطاً. وفسره (4) جماعة بالعلاقة بين المفهوم الحقيقي والمجازي. وسبق (5) ما في التمهيد. وذكر بعضهم اعتبارها إِجماعاً؛ وإِلا يكون (6) الوضع بالنسبة إِلى المعنى الثاني أول، فيكون حقيقة فيهما.
ولا يعتبر اللزوم الذهني بين المعنيين خلافاً لقوم (7).
والعلاقة: المشابهة: إِما في الشكل، كإِنسان للصورة المنقوشة، أو صفة ظاهرة (8) كأسد للشجاع، لا خفية كالبخر (9)، أو لما كان كعبد على
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(2) في هامش (ب): فهو اللفظ المستعمل في غير وضع أول، أو في غير موضوعه.
(3) انظر: الروضة 1/ 75، وشرح العضد 1/ 138، والبلبل/ 39.
(4) نهاية 17 من (ح).
(5) انظر: ص 71 من هذا الكتاب.
(6) أي: لأنه لو لم تكن علاقة بين المعنيين، لكان الوضع بالنسبة إِلى المعنى الثاني أول.
وانظر: شرح الكوكب المنير 1/ 154 - 155. ورفع "يكون" هنا ضعيف لغة.
(7) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 155.
(8) انظر: البلبل/ 39.
(9) في (ب) و (ظ): كالبحر. والبخر -بفتحتين- هو: تغير رائحة الفم. انظر: لسان العرب 5/ 110.

(1/72)


عتيق، أو لما يكون كخمر على عصير، أو للمجاورة كـ "جرى النهر والميزاب". قال الآمدي: وجميع (1) جهات التجوز لا تخرج عن هذا. (2)
قال القاضي -في مسألة ثبوت الأسماء قياسًا-: (3) "أهل اللغة أجروا اسم الشيء على الشيء لوجود بعض معناه فيه، كالشجاع سبعًا، ولَمَّا لم يوجد كل معانيه كان مجازًا، وأما (4) النبيذ فتوجد فيه معاني الخمر كلها، وكذا النَبَّاش؛ فلهذا كان حقيقة".
قال بعض أصحابنا (5): "هذا تصريح بثبوت (6) الأسماء -حقائقها ومجازاتها- قياسًا، لكن فيه قياس المجاز بالحقيقة. وقياس المجاز بالمجاز مقتضى كلامه: إِن وجد فيه معاني المجاز المقاس عليه (7) كلها: جاز، كما أن الحقيقة إِذا وجد فيه (8) معنى الحقيقة كلها: جاز".
__________
(1) في (ب) و (ظ): كل جهات.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 29.
(3) انظر: العدة/ 206 ب.
(4) نهاية 9 ب من (ب).
(5) انظر: المسودة/ 174.
(6) في (ظ): بعض الأسماء. وانظر: المسودة/ 174.
(7) في (ظ): عليها. وفي المسودة: عليها. وفي بعض نسخها: "عليه".
انظر: المسودة/ 174.
(8) كذا في النسخ الثلاث، وفي المسودة/ 174. ثم جرى تصحيحها من نسخة أخرى في هامش (ب) هكذا: فيها.

(1/73)


وقال أيضًا في العدة (1): (2) قد قيل في المجاز: لا يقاس (3) عليه؛ لأنه غير موضوع ما تناوله في أصل اللغة؛ لأنه لا يصح: "وسَلِ الثوب"، "فبما كسبت أرجلكم (4) "، "فتحرير صدر" قياسًا ولم يذكر (5) غيره.
وذكر (6) ابن عقيل أن المجاز نص (7) على وضعه، لا يقاس عليه، [فلا (8)]، يقال: "سَلِ البساط والسرير"؛ لأنه مستعار من حقيقة، فلو قيس عليه كان استعارة منه، فيتسلسل؛ ولهذا منعوا من تصغير المصغَّر. قال (9): "ويظهر أن المجاز قياس منهم". وقال في مسألة العموم (10): يحسن تأكيد العدد المفصل بالجملة، فكذا عكسه، فإِذا حسن: "عشرة وثلاثون، أربعون" حسن: "عشرة، ثمانية واثنان" قياسًا كان، فنحن نقول به، واللغة تثبت قياسًا أو استقراء. وقال في المتشابه: (11) "لا يستعار الشيء إِلا من أصل يقاربه".
__________
(1) انظر: العدة/ 702.
(2) في (ظ) وقد قيل. وانظر: العدة/ 702.
(3) نهاية 7 أمن (ظ).
(4) في هامش (ظ): في نسخة: أرضكم.
(5) في (ب): ولم يذكره غيره.
(6) انظر: الواضح 1/ 215 ب، 2/ 167 ب.
(7) في الواضح: "مقصور على وضعه".
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(9) انظر: الواضح 1/ 216 ب.
(10) انظر: المصدر السابق 2/ 82 ب.
(11) انظر: المصدر السابق 2/ 156 أ.

(1/74)


وقال أبو بكر الطرطوشي (1) المالكي: "أجمع العلماء أن (2) المجاز لا يقاس عليه في موضع القياس". (3)
وكذا قال الآمدي: (4) "نسخت الكتاب" لا يشبه الإِزالة، فهو من النقل، فهو حقيقة في النقل؛ لأن المجاز لا يتجوز به في غيره بإِجماع أهل اللغة مع أنه ذكر هنا قولين: (5) هل يعتبر في إِطلاق الاسم على مسماه المجازي نقله عن العرب - كما قال بعض أصحابنا: لابد في المجاز من سمع أو تكفي العلاقة؟ واختاره بعض أصحابنا (6). وحكى (7) ابن الزاغوني (8)
__________
(1) هو: محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي، ويقال له: ابن أبي رندقة، أديب من فقهاء المالكية الحفاظ من أهل (طرطوشة) بشرق الأندلس، ولد سنة 451 هـ، وتفقه ببلاده، ورحل إِلى المشرق سنة 476 هـ، فحج، وزار العراق ومصر والشام، وأقام مدة فيها، وسكن الاسكندرية، فتولى التدريس، واستمر فيها إِلى أن توفي سنة 520 هـ.
من مؤلفاته: سراج الملوك، والحوادث والبدع، ومختصر تفسير الثعلبي.
انظر: بغية الملتمس / 125، ووفيات الأعيان 4/ 262، والديباج المذهب/ 276.
(2) نهاية 18 من (ح).
(3) حكاه في المسودة/ 174، قال: ذكره في مسألة الترتيب في خلافه.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 103.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 52.
(6) انظر: البلبل/ 40.
(7) حكى في المسودة/ 173 حكاية ابن الزاغوني هذه.
(8) هو: أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن السري، مؤرخ فقيه من أعيان الحنابلة=

(1/75)


فيه خلافًا عن بعض الأصحاب بناء على ثبوت اللغة قياسًا. (1)
احتج من أجازه: بعدم توقف أهل العربية.
وبأنه لو كان نقليًا لما احتيج إِلى نظر في علاقة.
أجيب: ينظر (2) الواضع، وإِن نظر المستعمل فلتَعَرُّفِ الحكمة.
قول المانع: يلزم جواز "نخلة" لطويل غير إِنسان، و "شبكة" للصيد، (3) و "ابن" للأب، وبالعكس.
أجيب: لوجود مانع هنا، هي دعوى (4) بلا دليل. وما سبق (5) من كلام القاضي يقتضي جوازه. سبق (6) ما في التمهيد.
__________
=من أهل بغداد، كان متفنناً في علوم شتى من الأصول والفروع والحديث والوعظ وصنف في ذلك كله، ولد سنة 455 هـ، وتوفي سنة 527 هـ.
من مؤلفاته: غرر البيان في أصول الفقه، والإيضاح في أصول الدين، وكتاب في التاريخ على السنين، والإقناع والواضح والخلاف الكبير والمفردات، وكلها في الفقه.
انظر: اللباب 2/ 53، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 180، والمنهج الأحمد 2/ 238، وشذرات الذهب 4/ 80.
(1) نهاية 10 أمن (ب).
(2) في (ب): بنظر.
(3) في (ح): لصيد.
(4) في (ح): "وهذا لا يتوجه ولا دليل عليه". مكان قوله "هي دعوى بلا دليل"
(5) انظر: ص 73 من هذا الكتاب.
(6) انظر: ص 71 من هذا الكتاب.

(1/76)


قولهم: (1) لو جاز لكان قياسًا لغة -وفيه خلاف- أو اختراعاً وليس بلغة.
أجيب: بأن العلاقة مصححة كرفع الفاعل. وسبق كلام أصحابنا. والله أعلم.

قال الأصوليون: يُعرف المجاز بصحة النفي في نفس الأمر. وقيل: دور؛ لأنه يلزم سبق العلم بالمجاز، وإنما يلزم الدور إِن أريد نفي المستعمل لا نفي الواضع. وقيل: هو حكم.
وبعدم تبادر مدلوله إِلى الفهم من غير قرينة وعلم به غالبًا. (2) وأورد: المشترك. وأجاب الآمدي: بأنه عام أو حقيقة في واحد على البدل، فيتبادر، ولا يتبادر المعيَّن، فليس حقيقة فيه، وفيه دقة. كذا قال. (3)
قال بعض أصحابنا (4) وغيرهم: إِذا عرف أن الواضع استعمل الكلام في معنى لا يجوز حمله على غيره، ونقول: أراد القياس، كفعل أهل البدع.
[و (5)]، قال بعض أصحابنا وغيرهم: لا يجوز وضع لفظ مشهور بين الناس لمعنى خفي مراد، إِن منعنا تكليف ما لا يطاق وتأخير البيان عن وقت (6) الحاجة، وإِلا جاز.
__________
(1) في (ح) قالوا.
(2) نهاية 7 ب من (ظ).
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 30 - 31.
(4) انظر: مجموع الفتاوى 7/ 115.
(5) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(6) نهاية 19 من (ح).

(1/77)


قال بعض أصحابنا وغيرهم: لا يجوز أن يرد في الكتاب والسنة ما يعنى به غير ظاهره بلا دليل، وقاله صاحب المحصول وغيره؛ لأنه مما لا يطاق، ولأنه بالنسبة إِلى غير ظاهره مهمل، ولرفع الوثوق، خلافًا للمرجئة. (1)
[وقال صاحب (2)] المحصول (3): لا يجوز القول بأن الله [قد (4)] (5) يعني بكلامه خلاف ظاهره، ولا يدل عليه، خلافًا للمرجئة. (6)
__________
(1) المرجئة من كبار الفرق المشهورة.
والإِرجاء يطلق على معنيين: أحدهما: التأخير. والثاني: إِعطاء الرجاء. وتسميتهم بالمرجئة: إِما للمعنى الأول؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن رتبته وعن النية والعقد، وإما للمعنى الثاني؛ لأنهم كانوا يقولون: لا يضر مع الإِيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وقال في الحور العين/ 203: سموا مرجئة؛ أنهم يرجئون ون أمر أهل الكبائر من أمة محمد إِلى الله، ولا يقطعون على العفو عنهم، ولا على تعذيبهم.
والمرجئة ثلاثة أصناف: صنف قالوا بالإِرجاء في الإِيمان، وبالقدر على مذهب القدرية المعتزلة كأبي شمر، وهؤلاء داخلون في مضمون الخبر الوارد في لعن القدرية، وصنف قالوا بالإِرجاء في الإِيمان، وبالجبر في الأعمال على مذهب جهم بن صفوان، فهم إِذًا من جملة الجهمية، والمصنف الثالث خارجون عن الجبرية والقدرية.
والمرجئة فرق عديدة، تختلف فيما بينها في الأصول والقواعد.
انظر: الفرق بين الفرق/ 202، والملل والنحل 1/ 222، والفرق الإِسلامية/ 81.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب)، (ظ).
(3) انظر: المحصول 1/ 1/ 545.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(5) نهاية 10 ب من (ب).
(6) في (ظ) ضرب على قوله: "المحصول: لا يجوز القول بأن الله يعني بكلامه خلاف=

(1/78)


ويعرف المجاز أيضًا بعدم اطراده. ولا عكس؛ لأنه المجاز قد يطرد، كإِطلاق اسم الكل على الجزء.
ويرد: "السخي" و "الفاضل" لغير الله تعالى، ولا يطلقان على الله. و "القارورة" للزجاجة، ولا تطرد.
فإِن أجيب بمانع شرعي أو لغوي، فدور، لسبق العلم بالمجاز.
وبجمعه [على (1)] خلاف جمع الحقيقة، كأمور جمع "أمر" للفعل، وامتناع أوامر جمع "الأمر (2) " للقول. ولا عكس؛ لأنه يقال: "أُسْد" للشجعان كالضراغم، واختلاف المسمى لا يؤثر في اختلاف الجمع؛ لأن الجمع للاسم.
وذكر بعضهم أن المجاز لا يجمع. وأبطله الآمدي (3) بأن لفظ "الحمار" للبليد يثنى ويجمع إِجماعًا.
وبالتزام تقييده (4)، كـ "جناح الذل" و "نار الحرب".
وبتوقفه على مقابله، كفهم مسمى المكر بالنسبة إِلى الله متوقف على فهمه بالنسبة إِلينا لا على إِطلاقه، كقوله: (أفأمنوا مكر الله) (5)، خلافًا
__________
=ظاهره، ولا يدل عليه، خلافًا للمرجئة". وجاء في هامشها: المضروب عليه أصل في غالب النسخ.
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) كذا في (ح) و (ب). وكذلك كانت في (ظ) ثم جعلت: الأول.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 32.
(4) أي: ويعرف المجاز أيضًا بالتزام تقييده.
(5) سورة الأعراف: آية 99.

(1/79)


لما ذكره بعض أصحابنا (1) وغيرهم.
وبعدم الاشتقاق منه بلا منع، كالأمر للفعل.
وبإِضافته إِلى غير قابل، نحو: (واسأل القرية) (2).
وفي الفنون: (3) المجاز لا يؤكد. (4)

مسألة (5)
وكل لفظ مستعمل حقيقة أو مجاز.
وقبل استعماله لا واحد منهما (6)، ذكره جماعة منهم الآمدي (7)، ومن تبعهم، منهم (8) بعض أصحابنا (9)؛ لأن الاستعمال جزء من مفهوم كل منهما، وينتفي الكل بنفي الجزء. وزاد بعض أصحابنا: إِن قلنا: اللغة اصطلاح كأسماء الأعلام والصفات. وقاله أيضًا بعض أصحابنا؛ (10) "إِنما
__________
(1) انظر: مجموع الفتاوى 7/ 111، 20/ 471.
(2) سورة يوسف: آية 82.
(3) الفنون: كتاب مشهور لأبي الوفاء علي بن عقيل البغدادي الحنبلي، المتوفي سنة 513 هـ. وهو كتاب كبير جداً، عثر على بعضه، وطبع في مجلدين.
(4) انظر: المزهر 1/ 363، وشرح الكوكب المنير 1/ 183.
(5) لفظ "مسألة" ورد في (ب) فقط. وقد ضرب عليه أحد قراء النسخة.
(6) في (ح): ليس حقيقة ولا مجازا.
(7) انظر: الإِحكام 1/ 34.
(8) نهاية 8 أمن (ظ).
(9) انظر: البلبل/ 40
(10) انظر: مجموع الفتاوى 7/ 90 - 11.

(1/80)


يصح إِن كانت اللغة اصطلاحية، وأن المعروف بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني، فإِن ادعى مدع أنه يعلم وضعاً يتقدم ذلك، (1) فهو مبطل، فإِنه لم ينقله أحد [من الناس (2)] ".
وسبق (3) في الحد ما في التمهيد. وفيه (4) أيضًا: (5) أسماء الألقاب لا يدخلها الحقيقة (6) والمجاز؛ لأنها لم تقع على مسمياتها المعينة بوضع لغوي أو (7) شرعي، فلم يقل: إِن مستعملها اتبع حقيقتهما أو (8) مجازهما.
وفي الواضح (9): "أسماء الأعلام حقيقة لا مجاز فيها، وضعت للفرق بين الأشخاص، لا في الصفات وأفادة معنى في المسمى، حتى إِذا جرى على من ليست له تلك الصفة: قيل: مجاز. وقد يجوز في موضع أن يتجوز بالاسم لمعناه وخصيصته، نحو -للنحوي-: هذا سيبويه زمانه، وللجواد:
__________
(1) نهاية 20 من (ح).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(3) انظر: ص 70 من هذا الكتاب.
(4) انظر: التمهيد/ 12 ب، 79 ب، 83 ب.
(5) نهاية 11 أمن (ب).
(6) في (ب) و (ظ): "حقيقة ومجاز" مكان قوله "الحقيقة والمجاز".
(7) في (ح): ولا.
(8) في (ح): حقيقتها أو مجازها. وفي (ظ) حقيقتها ومجازها.
(9) انظر: الواضح 1/ 215 أ-ب.

(1/81)


هذا حاتم، وللشجاع: هذا علي. وهذا قياس على الوضع اللغوي بالمعنى (1) الذي سلكه أهل اللغة".
وقال بعض أصحابنا وغيرهم: العلم لا علاقة بين أصله ومسماه، وهي شرط للمجاز. قال: ولا مجاز بالذات إِلا في اسم جنس؛ لأن الحرف لا يفيد؛ فإِن (2) ضم إِلى ما ينبغي فحقيقة، وِإلا مجاز في المركب. والفعل والاسم (3) تابعان في المجاز للمصدر والمشتق منه.
وقال الآمدي (4): أسماء الألقاب قد تصير حقيقة ومجازًا. قال بعض أصحابنا: وهو غريب بعيد.

مسألة (5)
الحقيقة لا تستلزم المجاز (و)، خلافًا لما حكاه (6) ابن الباقلاني عن بعض القدرية: (7) أنها
__________
(1) في (ظ): وبالمعنى.
(2) في (ح): وإِن.
(3) تقدم ذكر الاسم على الفعل في (ظ) فجاء الكلام هكذا: والاسم والفعل.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 34.
(5) لفظ "مسألة" ورد في (ب) فقط. وضرب عليه أحد قراء النسخة.
(6) حكيت هذه الحكاية في المسودة/ 564.
(7) القدرية هم نفاة القدر، المكذبين به، الذين يقولون: "إِن الله لم يقدر ولم يشأ أفعال العباد"، بل منهم من أنكر أن يكون العلم سابقاً على ما به العباد عاملون، وما هم إِليه صائرون.=

(1/82)


تستلزمه، وأن ما (1) لا مجاز له، لا يقال له: حقيقة.
قال (2) في التمهيد والروضة والواضح: والمجاز يستلزم الحقيقة؛ لأنه ما تُجُوِّز به عن موضوعه، فاحتجوا بمجرد الوضع، ولئلا يعرى الوضع عن فائدة.
ورد: فائدته التجوز، وقد يستعمل بعد المجاز.
وقال بعض أصحابنا: المجاز في معنى لا بد (3) كونه حقيقة في غيره، إِن
__________
=وقد حدث القول بالقدر -في زمان المتأخرين من الصحابة- من معبد الجهني المتوفى سنة 80 هـ، وغيلان الدمشقي، والجعد بن درهم.
وقد تبرأ منهم المتأخرون من الصحابة: كعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وأقرانهم، وأوصوا أخلافهم بألا يسلموا على القدرية، ولا يصلوا على جنائزهم، ولا يعودوا مرضاهم.
والقدرية على أصناف تتفاوت في شدة المقالة ونكيرها.
انظر: التنبيه والرد/ 157، والفرق بين الفرق/ 18، والقاموس المحيط 2/ 118. ويرى صاحب الحور العين أن القدرية هم المحتجون بالقدر، قال في ص 204: "وسميت القدرية قدرية، لكثرة ذكرهم القدر وقولهم في كل ما يفعلونه: قدره الله عليهم، والقدرية يسمون العدلية بهذا الاسم، والصحيح ما قلناه؛ لأن من أكثر من ذكر شيء نسب إِليه. مثل: من أكثر من رواية النحو نسب إِليه، فقيل: نحوي، ومن أكثر من رواية اللغة نسب إِليها، فقيل: لغوي، وكذلك من أكثر من ذكر القدر وقال في كل فعل يفعله: "قدره الله عليه": قيل: قدري، والقياس في ذلك مطرد".
(1) في (ظ): من.
(2) انظر: التمهيد/ 14أ، 83 ب، ونزهة الخاطر 2/ 20، والواضح 1/ 28ب، 214 ب.
(3) كذا في النسخ. والأولى: لابد من كونه.

(1/83)


استعمل فيه.
وللحنفية والشافعية في استلزامه خلاف (1).
وذكر بعضهم عدمه عن (2) المحققين، واختاره الآمدي، (3) لئلا يكون لنحو: "قامت الحرب على ساق" و" شابت لمَّة الليل" حقيقة.
ورد: مشترك الالتزام، للزوم (4) الوضع لهما.
وبأنه لا مجاز في التركيب، وأن قول الجرجاني (5) -في نحو: أحياني اكتحالي بطلعتك-: "إِن المجاز في الإِسناد" (6) بعيد، لاتحاد جهته، لأنه لم يوضع لمعنى ثم نقل لعلاقة.
__________
(1) انظر: فواتح الرحموت 1/ 208، وشرح المحلي 1/ 310، وشرح العضد 1/ 153، والإِحكام للآمدي 1/ 34.
(2) نهاية 8 ب من (ظ).
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 34.
(4) نهاية 11 ب من (ب).
(5) هو: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، واضع أصول البلاغة، كان من أئمة اللغة، من أهل جرجان بين طبرستان وخراسان، توفي سنة 471 هـ، وكان شافعي المذهب أشعري الأصول.
من مؤلفاته: أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز، والجمل، والتتمة -وهما في النحو- وإعجاز القرآن، والعوامل المائة. انظر: نزهة الألباء/ 434، وإنباه الرواة 2/ 188، وفوات الوفيات 1/ 297، ومرآة الجنان 3/ 101، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 149، وبغية الوعاة/ 310، ومفتاح السعادة 1/ 143.
(6) انظر: أسرار البلاغة للجرجاني/ 418.

(1/84)


ورد: بمنع اتحاده، وظهور المجاز في "طلعت الشمس" و "مات زيد"، لاستعمال مفرديه فيما وضعا له. وقاله بعض (1) أصحابنا "أن المجاز في الفرد والمركب، نحو:
أشاب الصغير وأفنى الكبيـ ... ـر كَرُّ الغداة ومَرُّ العشي (2)
وفيهما".
قال: والمجاز (3) في التركيب عقلي (4)، نحو: (وأخرجت (5) الأرض أثقالها). (6)
__________
(1) في (ب) و (ظ): "وقاله غير واحد من أصحابنا". مكان قوله: وقاله بعض أصحابنا.
(2) البيت للصَّلَتان العبدي. وهو قُثَم بن خَبِيئَة -ويقال: خَبِيَّة- وهو أحد بني محارب ابن عمرو بن وديعة بن عبد القيس، وينسب إِليه، فيقال: العبدي. قال الآمدي في المؤتلف والمختلف: "شاعر مشهور خبيث". توفي نحو سنة 80 هـ.
والبيت من قصيدة يوصي بها ابنه، وهي حسنة، كثيرة الأمثال، وفيها يقول:
أشار الصغير وأفنى الكبيـ ... ـر كر الغداة ومر العشي
إِذا هرمت ليلة يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتي
نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي
انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 500 - 502، وخزانة الأدب للبغدادي 1/ 308، ومعجم الشعراء للمرزباني / 229 - 230، والمؤتلف والمختلف للآمدي/ 145، والأعلام للزركلي 6/ 29.
(3) في (ب) و (ح): أو المجاز.
(4) انظر: المحصول 1/ 1/ 458.
(5) في النسخ الثلاث: "أخرجت" بدون الواو.
(6) سورة الزلزلة: آية 2.

(1/85)


أسند (1) الإِخراج إِلى الأرض، وهو في حكم العقل مسند إِلى الله، فالنقل عن ذلك نقل لحكم عقلي.
وقيل: بل لفظي؛ لأن "أخرج" موضوع لصدور الخروج عن قادر، فاستعماله في الأرض مجاز.
قيل: أمثلة الفعل لا تدل على مؤثر خاص، وإِلا لكان "أخرج" خبرًا تاماً، و "أخرجه القادر" تكرارًا، ثم: لا تدل على تعيين القادر، وإلا لزم (2) الاشتراك بين كل قادر.

مسألة
إِذا دار اللفظ بين المجاز والاشتراك، فالمجاز أولى، ذكره بعض أصحابنا وغيرهم، لأن الاشتراك مُخِلّ (3) بالتفاهم، ولحاجته إِلى قرينتين بحسب معنييه، والمجاز أغلب وقوعًا -قال ابن جني (4): أكثر اللغة مجاز (5) -
__________
(1) في (ح): "لأن إِسناد الإِخراج إِلى الأرض بحكم عقلي" مكان قوله "أسند الإِخراج إِلى الأرض، وهو في حكم العقل مسند إِلى الله، فالنقل عن ذلك نقل لحكم عقلي".
(2) في (ب) وللإِلزام.
(3) في (ظ)، ونسخة في هامش (ب): يخل.
(4) هو: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، من أئمة الأدب والنحو، وله شعر، ولد بالموصل، وقرأ الأدب على أبي علي الفارسي، وتوفي ببغداد عن نحو 65 عامًا، سنة 392 هـ.
من مؤلفاته: المبهج، والخصائص، والتصريف الملوكي.
انظر: نزهة الألباء/ 406، ومعجم الأدباء 5/ 15، ووفيات الأعيان 3/ 246، ومفتاح السعادة 1/ 114، وشذرات الذهب 3/ 140.
(5) انظر: الخصائص 2/ 447.

(1/86)


وأبلغ، أي: البلاغة وما يتبعها نحو: "زيد أسد أو بحر"، وأوجز، وأوفق للطباع، ويتوصل به إِلى السجع -وهو: رعاية الوزن- والمقابلة، وهي: جمع بين ضدين فأكثر، تشرط (1) هنا ضد ما شرطت هناك، كقوله: (فأما من أعطى) الآيتان (2)، وما سبق (3) في الترادف.
وعورض: بأن المشترك حقيقة، فيطرد، ويشتق منه، ويتجوز من مفهوميه، فتكثر الفائدة، ويستغني عن العلاقة، وعن الحقيقة، وعن مخالفة ظاهر، وعن الغلط عند عدم القرينة، لوجوب التوقف. وفي المجاز يحمل على الحقيقة، وقد لا تكون مرادة (4)، فيغلط. وما ذكر من فوائد المجاز فمشتركة. لكن كون المجاز (5) أغلب لا يقابله شيء. (6).

مسألة
الحقيقة الشرعية واقعة منقولة عندنا (و)، وفي الواضح (7): كلام
__________
(في (ح) و (ظ): تشترط.
(2) كذا في النسخ الثلاث. ولعل الصواب: "الآيات"، فإِن المقابلة لا تتحقق إِلا بذكر الآيات، من آية 5 إِلى آية 10 من سورة الليل، وهي قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى).
(3) انظر: ص 65 - 66 من هذا الكتاب.
(4) في (ح) "مرادَهُ". وفي (ظ): "مراده" بدون شكل.
(5) نهاية 12 أمن (ب).
(6) نهاية 9 أمن (ظ).
(7) انظر: الواضح 1/ 222 ب.

(1/87)


أحمد وأصحابه يعطي ذلك، وذكره الآمدي عن الفقهاء، (1) واختياره الوقف. (2)
ثم ما تعلق بالأصول (3): دينية.
وقال صاحب المحصول ومن تبعه: إِن أجري الاسم الشرعي على فعل شرعي كصلاة وزكاة وصوم وحج، سميت غير دينية، وإن أجري على مشتق من فاعل كمؤمن وفاسق وكافر، سميت دينية. كذا قال. (4)
ومذهب (ع): الأسماء الدينية (5) موضوعات مبتدأة، لم تنقل من الحقيقة اللغوية.
وفي التمهيد (6) وغيره: تارة يسمي -عليه السلام- أسماء (7) لمعانٍ لا تعرفها العرب (8)، وتارة لشبه من معنى الاسم لغة.
وعند القاصي (9)
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 35.
(2) انظر: المصدر السابق 1/ 44.
(3) في (ح): بأصول.
(4) قال ذلك نقلا عن المعتزلة. انظر: المحصول 1/ 1/ 414 - 415.
(5) انظر: فواتح الرحموت 1/ 223.
(6) انظر: التمهيد/ 15ب.
(7) في (ح): اسما.
(8) نهاية 22 من (ح).
(9) انظر: العدة/ 189 - 190.

(1/88)


وأبي الفرج المقدسي (1): لم تنقل، وزيد عليها أحكام، وهي: حقيقة لغوية مجاز شرعي، وقاله (2) ابن الباقلاني، وحكاه في التمهيد عن الأشعرية، وأن للشافعي قولين: كهذا والأول (3).
قال القاضي في الجامع (4): الإِيمان لغة: التصديق، وأقره الشرع، وزاد عليه الطاعات الظاهرة، كصلاة وغيرها، ونقل (5) ابن منصور (6): "كان
__________
(1) هو: عبد الواحد بن محمد -وقيل: بن أحمد- بن علي الشيرازي، ثم المقدسي، ثم الدمشقي، الأنصاري السعدي العبادي الخزرجي، شيخ الشام في وقته، من أعيان الحنابلة، أصله من شيراز، وتفقه ببغداد، وسكن بيت المقدس، واستقر في دمشق فنشر مذهب الإِمام أحمد، توفي بدمشق سنة 486 هـ. من مؤلفاته: المنتخب في الفقه، والمبهج، والإِيضاح، والتبصرة في أصول الدين. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 248، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 68، والدارس 2/ 65، والأنس الجليل 1/ 297، والمنهج الأحمد 2/ 160.
(2) انظر: البرهان للجويني/ 174، وشرح تنقيح الفصول/ 43، والوصول لابن برهان / 10أ، وانظر: التمهيد للباقلاني/ 346 - 347.
(3) انظر: التمهيد/ 14 ب، 180.
(4) للقاضي كتابان بهذا الاسم، أحدهما: الجامع الكبير، والآخر: الجامع الصغير -وهما في الفروع- وكلام القاضي هذا ورد بصورة مقاربة في كتابه "الإِيمان" 1/ 64 أ-ب، 80 ب-81أ، وانظر -أيضاً- المعتمد للقاضي/ 186.
(5) أي: نقل عن الإِمام أحمد.
(6) في كتاب الإِيمان للقاضي أبي يعلى 1/ 80 ب صرح باسمه: "إِسحاق" وهو: أبو يعقوب إِسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، المروزي، العالم الحنبلي الفقيه، ولد بمرو، ورحل إِلى العراق والحجاز والشام، فسمع من بعض العلماء، وورد بغداد، وحدث بها، وروى عنه جماعة، واستوطن نيسابور، وبها كانت وفاته سنة 251 هـ.
من مؤلفاته: المسائل، دونها عن الإمام أحمد.
انظر: طبقات الحنابلة 1/ 113.

(1/89)


بدء الإِيمان ناقصًا، فجعل يزيد"، وظاهره: أنه زيد عليه، ولم ينقل عنه. قال: ويفيد هذا: إِن ثبت نقله زال الاسم بوجود ضده، وهو المعاصي، وإِن لم ينقل لم يزل الاسم؛ لأنه لم يوجد ضده، بل ينقل اسم الكمال.
وذكر (1) محمد بن نصر المروزي (2) في الخبر المشهور (لا يزني الزاني وهو مؤمن) (3): أنه يخرج منه إِلى الإِسلام، ثم (4): في تسميته كافراً كفراً لا ينقل عن الملة مذهبان عن أحمد وأهل (5) الحديث.
__________
(/) انظر: المسند للمروزي/ 113 - 120.
(2) هو: أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي، إِمام في الفقه والحديث، كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، ولد ببغداد سنة 202 هـ، ونشأ بنيسابور، ورحل رحلة طويلة، استوطن بعدها سمرقند، وتوفي بها سنة 294 هـ.
من مؤلفاته: المسند في الحديث، وكتاب "ما خالف به أبو حنيفة علياً وابن مسعود", والقسامة في الفقه. انظر: تاريخ بغداد 3/ 315، والمنتظم 6/ 63، وتذكرة الحفاظ 2/ 201، وتهذيب التهذيب 9/ 489، والنجوم الزاهرة 3/ 161، ومفتاح السعادة 2/ 171.
(3) هذا جزء من حديث رواه جمع من الصحابة.
أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 136, 8/ 157 / 8/ 164 من حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة. وأخرجه مسلم في صحيحه/ 77 من حديث أبي هريرة.
(4) في (ح): وفي.
(5) ويطلق عليهم: أهل الأثر، وأهل الحجاز، وهم: أصحاب مالك، والشافعي، وسفيان الثوري، وأحمد، وداود الظاهري، وسموا بذلك لأن عنايتهم كانت بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص، ولا يرجعون إِلى القياس ما وجدوا خبراً أو أثرًا، بل منهم: من لم يجوز القياس. انظر: الملل والنحل 1/ 358 ,361.

(1/90)


وقال ابن عقيل: (1) الفاسق لا يُسْلَب اسم الإِيمان في أصح الروايتين، لكن يسلب الكمال، ولا يكفر بغير الصلاة عند أصحابنا، وبعض المتأخرين يجري المذهب على الكل، قال: وليس يصح عن صاحب المقالة، بل الصحيح تخصيصه (2) الصلاة.
وقال في فنونه: إِن الشارع سمى الأعمال والعبادات إِيمانًا، لكونها شواهد، لا أنها حقيقة الإِيمان، كما سمى كثيرًا من المعاصي كفرًا.
وقال ابن حامد (3): كلام أحمد في الإِسلام يحتمل روايتين، إِحداهما: أنه كالإِيمان (4) قول وعمل، والصحيح أن المذهب فيه رواية واحدة (5)، والثانية: قول (6). قال: ومراده أنه لا يجب فيه العمل كالإِيمان، لأن النص
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 222ب- 223أ.
(2) نهاية 12 ب من (ب).
(3) هو: أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي، إِمام الحنابلة في زمانه ومدرسهم ومفتيهم، من أهل بغداد، كان ينسخ الكتب ويقتات من أجرها متعففاً عن هدايا الخلفاء، عالش طويلاً، وتوفي راجعًا من الحج بقرب "واقصة" سنة 403 هـ.
من مؤلفاته: شرح أصول الدين، وتهذيب الأجوبة، والجامع في فقه ابن حنبل.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 171، والمنتظم 7/ 263، والنجوم الزاهرة 4/ 232، والمنهج الأحمد 2/ 82.
(4) نهاية 9 ب من (ظ).
(5) قال القاضي في المعتمد/ 193: وقد أطلق أحمد القول بأن الإِسلام غير الإِيمان، ومعناه ليس هو جملة الإيمان، وإنما هو من خصاله وطاعاته.
(6) جاء في المسودة/ 532 - 533: الروايات المطلقة نصوص للإِمام أحمد، وكذا قولنا: وعنه.=

(1/91)


عنه: لا يكفر بترك الصلاة.
__________
=وأما التنبيهات بلفظه فقولنا: أومأ إِليه أحمد، أو أشار إِليه، أو دل كلامه عليه، أو توقف فيه.
وأما الأوجه فأقوال الأصحاب وتخريجهم إِن كانت مأخوذة من قواعد الإِمام أحمد أو إِيمائه أو دليله أو تعليله أو سياق كلامه وقوته، وإن كانت مأخوذة من نصوص الإِمام أو مخرجة منها، فهي روايات مخرجة له أو منقولة من نصوصه إِلى ما يشبهها من المسائل إِن قلنا: "ما قيس على كلامه مذهب له"،وإن قلنا: "لا" فهي أوجه لمن خرجها وقاسها، فإِن خرج من نص ونقل إِلى مسألة فيها نص يخالف ما خرج فيها صار فيها رواية منصوصة ورواية مخرجة منقولة من نصه إِذا قلنا: "المخرج من نصه مذهبه"، وإن قلنا: "لا" ففيها رواية لأحمد ووجه لمن خرجه، وإن لم يكن فيها نص يخالف القول المخرج فيها من نصه في غيرها فهو وجه لمن خرجه، فإِن خالفه غيره من الأصحاب في الحكم دون طريق التخريج ففيها لهم وجهان، ويمكن جعلهما مذهباً لأحمد بالتخريج دون النقل؛ لعدم أخذهما من نصه، وإن جهلنا مستندهما، فليس أحدهما قولاً مخرجًا للإِمام ولا مذهباً له بحال، فمن قال من الأصحاب هنا: "هذه المسألة رواية واحدة" أراد نصه، ومن قال: "فيها روايتان" فإِحداهما بنص، والأخرى بإِيماء أو تخريج من نص آخر له أو بنص جهله منكره، ومن قال: "فيها وجهان" أراد عدم نصه عليهما، سواء جهل مستنده أم لا، ولم يجعله مذهبًا لأحمد، فلا يعمل إِلا بأصح الوجهين وأرجحهما، سواء وقعا معاً أوْ لا، من شخص واحد أو أكثر، وسواء علم التاريخ أو جهل.
وأما القولان هنا فقد يكون الإِمام نص عليهما، كما ذكره أبو بكر عبد العزيز في زاد المسافر، أو نص على أحدهما وأومأ إِلى الآخر، وقد يكون مع أحدهما وجه أو تخريج أو احتمال بخلافه.=

(1/92)


ونصر (1) الأشعري أن الإِيمان لغة وشرعًا: التصديق -وتبعه أكثر أصحابه- وأن الأفعال من شرائعه، لا من نفسه، ونصر مع ذلك أنه يستثنى فيه، ولا تدخل (2) أعمال القلوب عندهم في الإِيمان.
وقال (3) حماد بن أبي سليمان، (4) وأبو حنيفة (5)، (6) والمرجئة،
__________
=وأما الاحتمال فقد يكون لدليل مرجوح بالنسبة إِلى ما خالفه، أو لدليل مساو له.
وأما التخريج فهو نقل حكم مسألة إِلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه.
وأما الوقف فهو ترك الأخذ بالأول والثاني والنفي والإِثبات، إِن لم يكن فيها قول؛ لتعارض الأدلة وتعادلها عنده، فله حكم ما قبل الشرع من حظر أو إِباحة أو وقف.
وانظر: الإِنصاف للمرداوي 1/ 6، 12/ 256، 266، وصفة الفتوى/ 113، والمدخل إِلى مذهب أحمد/ 55.
(1) انظر: مسألة الإِيمان للأشعري، ومجموع الفتاوى 7/ 120، 509، والمعتمد للقاضي أبي يعلى/ 187.
(2) في (ح) و (ظ) ولا يدخل.
(3) انظر: مجموع الفتاوى 7/ 119، 508.
(4) هو: مولى إِبراهيم بن أبي موسى الأشعري، فقيه كوفي، كان قاضيًا، وروى عن جماعة، وعنه أخذ أبو حنيفة وغيره الفقه والحديث، وقيل عنه: إِنه مرجئ. توفي سنة 120 هـ.
انظر: الفهرست/ 202، وتهذيب التهذيب 3/ 16، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/ 92.
(5) انظر: شرح الفقه الأكبر/ 85.
(6) نهاية 23 من (ح).

(1/93)


وابن كلاب: تصديق بالقلب، وعمل باللسان. ويد خل أكثر فرق المرجئة أعمال القلوب في الإِيمان، حكاه الأشعري. (1)
قال بعض المرجئة: "وكما لا ينفع مع الكفر طاعة لا يضر مع الإِيمان معصية"، ورواه الحاكم (2) في تاريخه (3) عن أبي حنيفة (4)
__________
(1) انظر: مجموع الفتاوى 7/ 543. وانظر كلام الأشعري -على أقوال المرجئة في الإيمان- في كتابه مقالات الإِسلاميين 1/ 213.
(2) هو: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم ابن الحكم الضبي، الطهماني، النيسابوري، الحاكم الشافعي الأشعري، المعروف بـ "ابن البَيِّع". محدث حافظ مؤرخ، ولد بنيسابور سنة 321 هـ، ورحل في طلب الحديث، وقرأ القراءات على جماعة، وتفقه على ابن أبي هريرة وغيره، وأخذ عنه أبو بكر البيهقي، توفي بنيسابور سنة 405 هـ.
من مؤلفاته: تاريخ نيسابور، والمستدرك على الصحيحين، والمدخل، وتسمية من أخرجهم البخاري ومسلم، ومعرفة علوم الحديث.
انظر: تاريخ بغداد 5/ 473، وتبيين كذب المفتري/ 227، ووفيات الأعيان 4/ 280، وميزان الاعتدال 3/ 680، والوافي بالوفيات 3/ 320، وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 155، وغاية النهاية 2/ 184، ولسان الميزان 5/ 232، والرسالة المستطرفة/ 21.
(3) وهو المسمى بـ "تاريخ نيسابور"، قال في كشف الظنون/ 308: أثنى عليه ابن السبكي حيث قال: هو التاريخ الذي لم ترعيني تاريخاً أجل منه، وهو عندي سيد الكتب الموضوعة للبلاد. ذكر فيه أيضًا تراجم من ورد خراسان ومن استوطنها، واستقصى أخبارهم.
(4) الذي في الفقه الأكبر لأبي حنيفة: "ولا نقول: إن المؤمن لا تضره الذنوب، وإِنه لا يدخل النار، ولا إِنه يخلد فيها, وإن كان فاسقًا، بعد أن يخرج من الدنيا مؤمنًا.=

(1/94)


وأبي يوسف (1)، وقال بعضهم: لا يضر معه صغيرة.
وقال ابن المبارك (2): المرجئة تقول: حسناتنا متقبلة، وسيئاتنا مغفورة.
__________
=ولا نقول: إِن حسناتنا مقبولة، وسيئاتنا مغفورة، كقول المرجئة". انظر: شرح الفقه الأكبر/ 76 - 77.
(1) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، صاحب أبي حنيفة وتلميذه، وهو أول من عمل على نشر مذهبه، كان فقيهًا علامة من حفاظ الحديث، ولد بالكوفة سنة 113 هـ، وتفقه بالحديث والرواية، ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي، توفي سنة 182 هـ. من مؤلفاته: الخراج، والآثار.
انظر: الفهرست/ 203، والانتقاء/ 172، وتاريخ بغداد 14/ 242، ووفيات الأعيان 6/ 378، والجواهر المضية 2/ 220، ومرآة الجنان 1/ 382، والبداية والنهاية 10/ 180، والنجوم الزاهرة 2/ 107، ومفتاح السعادة 2/ 100، وشذرات الذهب 1/ 298.
(2) هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء التميمي المروزي، الحافظ شيخ الإسلام المجاهد، ولد سنة 118 هـ، وتفقه على سفيان الثوري، ومالك ابن أنس، وروى عنه الموطأ جمع الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء، كان من سكان خراسان، ومات بـ "هيت" على الفرات منصرفًا من غزو الروم سنة 181 هـ.
من مؤلفاته: كتاب في الجهاد، والرقائق.
انظر: حلية الأولياء 8/ 162، وتاريخ بغداد 10/ 521، ووفيات الأعيان 3/ 23، وتذكرة الحفاظ 1/ 253، ومفتاح السعادة 2/ 112، وشذرات الذهب 1/ 295، والرسالة المستطرفة/ 48.

(1/95)


وقال الجهمية (1): المعرفة، (2) وذكره بعض أصحابنا (3) عن الأشعري وأكثر أصحابه، وبعضهم فرق بينهما. وفيه نظر.
وقالت الكرامية (4): قول باللسان فقط، لتناوله المنافقين في أحكام الدنيا.
وعند الجهمية والمرجئة والكرامية: إِيمان الناس كلهم سواء، ولا استثناء فيه.
والكلام على هذا في أصول الدين.
وقال بعض أصحابنا (5): لم تنقل، ولم يزد فيها، بل الشارع إِنما
__________
(1) الجهمية هم: أتباع جهم بن صفوان الذي فتح باب شر عظيم، وقد ظهرت بدعته بـ (ترمذ)، ثم انتشرت بعد ذلك، وقد قتل جهم في آخر ملك بني أمية سنة 128 هـ.
والجهمية تقول: لا قدرة للإنسان على الفعل أصلاً، بل هو مجبور بما يخلقه الله من الأفعال فيه على حسب ما يخلقه في سائر الجمادات، فهم إِذًا من الجبرية الخالصة، والجبر هو: نفي الفعل عن العبد حقيقة، وإِضافته إِلى الرب تعالى، وتقول: الله تعالى لا يعلم الشيء قبل وقوعه، وأن علومه حادثة لا في محل، وأنه يمتنع أن يتصف الرب تعالى بما يصلح أن يوصف به غيره؛ لأن ذلك مما يوجب التشبيه، وذلك ككونه حياً وعالمًا ويصح أن يتصف بما لا يشاركه فيه غيره، ككونه خالقًا وفاعلاً.
وزعموا أن الجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما، ويفنى ما فيهما.
ووافقوا المعتزلة في نفي الرؤية، وإثبات خلق الكلام، وإِيجاب المعرفة بالعقل قبل ورود الشرع.
انظر: الفرق بين الفرق/ 211، والملل والنحل 1/ 113، والفرق الإسلامية/ 89.
(2) انظر: المعتمد للقاضي/ 186 - 187، ومجموع الفتاوى 7/ 307، 308.
(3) انظر: مجموع الفتاوى 7/ 120.
(4) انظر: المعتمد للقاضي/ 187، ومجموع الفتاوى 7/ 140، 509.
(5) انظر: محموع الفتاوى 7/ 298.

(1/96)


استعملها على وجه يختص بمراده، لا مطلقًا.
لنا: أنه لا يمتنع وضع الشارع اسماً (1) لمعنى؛ لأن دلالته ليست ذاتية، ولا يجب اسم لمسمى، لجواز إِبداله أول الوضع، وانتفائه قبل التسمية. (2)
والقطع: أن الصلاة لغة: الدعاء والاتباع، والزكاة: النماء، والصوم: إِمساك مطلق، والحج: قصد مطلق. وشرعًا: لأمور معروفة.
قولهم: باقية، والزيادات شروط.
رد: بصلاة أخرس منفرد، فإِنه غير داع ولا متبع.
وفيه نظر؛ لأن إِشارة الأخرس كالنطق.
قولهم: مجازات، فإِن الدعاء جزء الصلاة، والزكاة سبب النماء.
رد: إِن أريد استعمال الشارع لها وغلبته فهو المراد، وإن أريد أهل اللغة فهم لم يعرفوها، والاستعمال فرع تعقل المعنى.
ولأنها تفهم بلا قرينة، والمجاز يتوقف عليها.
قالوا: لو وضعها الشارع لزمه تعريفها؛ (3) لئلا يلزم ما لا يطاق، ولو عرفها لنقل تواتراً؛ (4) لأن الآحاد لا تفيد، ولا تواتر.
أجيب: بيّنه عاماً، ونُقل خاصاً، كالأذان.
__________
(1) في (ظ) أسماء.
(2) نهاية 13 أمن (ب).
(3) نهاية 10أمن (ظ).
(4) نهاية 24 من (ح).

(1/97)


وبأن التعريف بالقرائن، كتعليم الأطفال.
قالوا: يلزم كون هذه الأسماء غير عربية، لعدم وضعها لغة، فيلزم كون القرآن غير عربي.
أجيب: عربية بوضع الشارع.
وبأن ضمير (أنزلناه) (1) للسورة، وبعض القرآن قرآن، لاشتراكهما في المعنى، كبعض الماء وبعض اللحم، بخلاف نحو: مائة ورغيف.
ثم يطلق العربي على الغالب، كشعر عربي فيه فارسية.
قالت المعتزلة: الإِيمان لغة: التصديق، وشرعًا: فعل الواجبات، لأنها الدين، لقوله: (وما أمروا) (2)، والدين: الإِسلام، لقوله (إِن الدين) الآية (3)، والإِسلام: الإِيمان، لقبول الإِيمان من مبتغيه، وإلا لم يقبل، لقوله (ومن يبتغ) (4)، ولصحة (5) استثناء المسلم من المؤمن في قوله: (فما وجدنا فيها) الآية. (6)
__________
(1) سورة يوسف: آية 2: (إِنا أنزلناه قرآناً عربيًا لعلكم تعقلون).
(2) سورة البينة: آية 5: (وما أمروا إِلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة).
(3) سورة آل عمران: آية 19: (إِن الدين عند الله الإِسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إِلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بين هم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب).
(4) سورة آل عمران: آية 85: (ومن يبتغ غير الإِسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
(5) في (ب): والصحة.
(6) سورة الذاريات: آية 35 - 36: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا=

(1/98)


أجيب: بالمعارضة بسلب الإِيمان وإثبات الإِسلام في قوله: (قل لم (1) تؤمنوا) الآية، (2) وقيل: كانوا منافقين.
والإِسلام والدين: الانقياد (3) والعمل الظاهر، والإِيمان شرعًا: تصديق خاص.
وبأن (وذلك (4) دين القيمة) (5) لا يعود إِلى (6) ما سبق؛ لأنه مذكر وما سبق كثير مؤنث. والذي في التفسير (7): (وذلك): الذي أمروا به أو الدين.
وبأنه لا يلزم من صدق المؤمن على المسلم أن الإِسلام الإِيمان.
وإِنما صح الاستثناء؛ لأن البيت -وهو لوط وابنتاه- كانوا مؤمنين
__________
=فيها غير بيت من المسلمين).
(1) في النسخ الئلاث: قل لن.
(2) سورة الحجرات: آية 14: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإِيمان في قلوبكم) وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئًا إن الله غفور رحيم).
(3) في (ظ): والانقياد. بزيادة الواو.
(4) في النسخ الثلاث: ذلك. بدون الواو.
(5) سورة البينة: آية 5: (وما أمروا إِلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة).
(6) نهاية 13 ب من (ب).
(7) انظر: تفسير الطبري 30/ 170، وتفسير القرطبي 20/ 144.

(1/99)


مسلمين.
قالوا: من دخل النار مخزى، لقوله: (فقد أخزيته) (1)، والمؤمن لا يخزى لقوله: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا). (2)
رد: الخزي للمخلد، ثم: عدمه للصحابة، أو مستأنف.

مسألة
المجاز واقع (و) خلافًا (3) لأبي إِسحاق الإِسفراييني (4) الشافعي، ومن تبعه.
واختاره بعض أصحابنا، وقال (5): المشهور أن الحقيقة والمجاز من
__________
(1) سورة آل عمران: آية 192: (ربنا إِنك من تدخل النار ففد أخزيته وما للظالمين من أنصار).
(2) سورة التحريم: آية 8.
(3) انظر: المحصول 1/ 1/ 744، والوصول لابن برهان/ 9 ب.
(4) هو: إِبراهيم بن محمد بن إِبراهيم بن مهران، عالم بالفقه والأصول، يلقب بـ "ركن الدين"، نشأ في إِسفرايين بين نيسابور وجرجان، ثم خرج إِلى نيسابور، وبنيت له فيها مدرسة عظيمة، فدرّس بها, ورحل إِلى خراسان وبعض أنحاء العراق، فاشتهر، توفي في نيسابور سنة 418 هـ، ودفن في إِسفرايين.
من مولفاته: الجامع في أصول الدين، ورسالة في أصول الفقه.
انظر: تبيين كذب المفتري / 243، ووفيات الأعيان 1/ 28، وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 256، وشذرات الذهب 3/ 209.
(5) انظر: مجموع الفتاوى 7/ 88 - 90، 20/ 400 - 499، ومختصر الصواعق المرسلة 2/ 2 وما بعدها.

(1/100)


عوارض الألفاظ، وهذا التقسيم اصطلاح حادث بعد (1) انقضاء القرون الثلاثة، وأول من عرف أنه تكلم بلفظ "المجاز" أبو عبيدة (2)، ولم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة، وإِنما عني بـ "مجاز الآية" ما يعبر به عنها، ولم يتكلم الشافعي ومحمد بن الحسن (3) بلفظ "الحقيقة" و "المجاز".
__________
(1) نهاية 25 من (ح).
(2) هو: معمر بن المثنى، التيمي بالولاء، البصري، النحوي، من أئمة العلم بالأدب واللغة، كان إِباضياً شعوبيًا، ولد بالبصرة سنة 110 هـ، وتوفي بها سنة 209 هـ.
من مؤلفاته: نقائض جرير والفرزدق، ومجاز القرآن، والعققة والبررة، وطبقات الشعراء، والمحاضرات والمحاورات، والخيل.
انظر: أخبار النحويين البصريين/ 67، وطبقات النحويين واللغويين/ 192، وتاريخ بغداد 13/ 252، ونزهة الألباء/ 137، ومعجم الأدباء 7/ 164، وإِنباه الرواة 3/ 276، ووفيات الأعيان 5/ 235، وتذكرة الحفاظ 1/ 338، وميزان الاعتدال 4/ 155، وتهذيب التهذيب 10/ 246، وبغية الوعاة/ 395، ومفتاح السعادة 1/ 93.
(3) هو: أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، إِمام في الفقه والأصول، صاحب اليد الطولى في نشر علم أبي حنيفة بعد أبي يوسف، ولد بواسط سنة 131 هـ، ونشأ بالكوفة، فسمع من أبي حنيفة، وغلب عليه مذهبه، وعرف به، وانتقل إِلى بغداد، مات بالري سنة 189 هـ.
من مؤلفاته: المبسوط في الفقه، والزيادات، والجامع الكبير، والجامع الصغير، والآثار، والموطأ، والأمالي، والمخارج في الحيل، والأصل.
انظر: الفهرست/ 203، والانتقاء/ 174، وتاريخ بغداد 2/ 172، ووفيات الأعيان 4/ 184، والجواهر المضية 2/ 42، والبداية والنهاية 1/ 202، ولسان الميزان 5/ 121، والنجوم الزاهرة 2/ 130، ومفتاح السعادة 2/ 107، والفوائد البهية / 163.

(1/101)


احتج من أثبته (1) بـ "الأسد" للشجاع، و "الحمار" للبليد، و "قامت الحرب على ساق"، وغير ذلك، قال في التمهيد (2) وغيره: "كتب اللغة مملوءة بهما"، قال الآمدي: (3) لم تزل أهل الأعصار تنقل عن أهل الوضع تسمية هذا حقيقة وهذا مجازاً.
قولهم: هذه حقائق.
رد: يلزم الاشتراك، ولو كانت مشتركة، لم يسبق منها ما يسبق عند إِطلاقها ضرورة التساوي.
قولهم: هي مع القرينة حقيقة.
رد: فالنزاع لفظي.
زاد الآمدي (4) وبعض أصحابنا: كيف؟ والحقيقة والمجاز صفتا اللفظ دون القرائن المعنوية، فلا تكون الحقيقة صفة للمجموع.
قولهم: فيه عدول عن الحقيقة بلا حاجة.
رد: لفوائد في علم البيان، سبق (5) منها في ترجيحه على الاشتراك.
قولهم: "يخل (6) بالتفاهم" ممنوع، ثم: استبعاد، لوقوعه.
__________
(1) نهاية 10 ب من (ظ).
(2) انظر: التمهيد/ 12 ب، 82 ب.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 45.
(4) انظر: المرجع السابق 10/ 46.
(5) انظر: ص 86 - 87 من هذا الكتاب.
(6) نهاية 14 أمن (ب).

(1/102)


مسألة
في القرآن مجاز (و).
قال القاضي (1) وجماعة: نص (2) عليه في قوله: (إِنا) و (نعلم) و (منتقمون): (3) "هذا من مجاز اللغة، يقول الرجل: إِنا سنجري عليك رزقك". وقال بعض أصحابنا: (4) "مقصوده يجوز في اللغة".
ومنع منه ابن حامد (5)، وحكاه أبو الفضل التميمي (6) -ابن أبي الحسن- عن أصحابنا (7)، وحكاه الفخر إِسماعيل رواية عن
__________
(1) انظر: العدة/ 695، والتمهيد/ 13أ، 82 ب، والواضح 1/ 212ب- 213أ.
وانظر: كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد/ 101.
(2) أي: نص عليه الإِمام أحمد.
(3) قال تعالى: (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) سورة يس: آية 76.
وقال تعالى: (يوم نبطش البطشة الكبرى إِنا منتقمون). سورة الدخان: آية 16.
(4) انظر: المسودة/ 164 - 165، ومجموع الفتاوى 7/ 89.
(5) في المسودة/ 165: قال ابن حامد في أصول الدين: ليس في القرآن مجاز. وانظر: تهذيب الأجوبة لابن حامد/ 79 ب.
(6) هو: عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد، من علماء الحنابلة، له عناية بعلوم كثيرة، أملى الحديث بجامع المنصور، وحدث عن أبي بكر النجاد وأحمد بن كامل، وكانت له حلقة في جامع المدينة للوعظ والفتوى، توفي سخة 410 هـ.
من مؤلفاته: الاعتقاد المروي عن أحمد بن حنبل.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 179، والمنهج الأحمد 2/ 86.
(7) جاء في العدة/ 697: ورأيت في كتاب أصول الفقه في كتب أبي الفضل التميمي =

(1/103)


أحمد (1)، وقاله بعض (2) الظاهرية -وحكاه (3) ابن برهان (4) عنهم- ومحمد بن خويز منداد (5)، وغيره من المالكية، والإِمامية (6).
__________
= قوله: والقرآن ليس فيه مجاز عند أصحابنا ...
(1) انظر: المسودة/ 165.
(2) نهاية 26 من (ح).
(3) انظر: كتاب الوصول إِلى الأصول لابن برهان/ 10 أ.
(4) هو: أبو الفتح أحمد بن علي بن محمَّد، الوكيل، الحنبلي ثم الشافعي، المعروف بـ "ابن بَرْهان"، فقيه أصولي، ولد ببغداد سنة 479 هـ، وولي التدريس بالنظامية، توفي ببغداد سنة 518 هـ، وقيل: سنة 520 هـ.
من مؤلفاته: البسيط، والوسيط، والوجيز، والوصول إِلى الأصول. وكلها في أصول الفقه. انظر: وفيات الأعيان 1/ 99، والواقي بالوفيات 7/ 207، ومرآة الجنان 3/ 225، وطبقات الشافعية للسبكي 6/ 30، والبداية والنهاية 12/ 196، وشذرات الذهب 4/ 61.
(5) في (ح): خويز بنذاد. وفي (ظ): خويز منذاد. وفي (ب): خويز بنداد. والمثبت من نسخة في هامش (ب). وهو: محمَّد بن أحمد بن عبد الله بن خويز منداد، أصولي فقيه، من كبار المالكية العراقيين، تفقه على الأبهري، وعنده شواذ عن مالك، وله اختيارات، كان يجانب الكلام وينافر أهله، توفي سنة 390 هـ تقريبًا.
من مؤلفاته: الخلاف، وأصول الفقه، وأحكام القرآن.
انظر: الوافي بالوفيات 2/ 52، والديباج الذهب/ 268.
(6) الإِمامية: من فرق الشيعة، وهم الذين قالوا بالتنصيص على علي تعيينأوتصريحاً، وكفَّروا الصحابة بترك بيعته، وتعرضوا للوقيعة فيهم بسبب ذلك، واتفقدا على سوق الإِمامة إِلى جعفر الصادق، واختلفوا في المنصوص عليه بعد ذلك، والذي استقر عليه رأيهم: أن الإِمام بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو علي بن أبي طالب، ثم ولده: الحسن، ثم أخوه: الحسين، ثم ابنه: علي، ثم ابنه: محمَّد الباقر، ثم ابنه: جعفر الصادق، ثم أخوه: موسى الكاظم، ثم ابنه: علي الرضا، ثم ابنه: محمَّد المتقي، ثم ابنه: محمَّد النقي، ثم ابنه: الحسن الزكي، ثم ابنه: محمَّد، وهو القائم المنتظر. =

(1/104)


وحكى ابن أبي موسى (1) خلافاً لنا، واختار الأول، وهو ظاهر اختيار أبي بكر (2) في: (وأشربوا في قلوبهم العجل) (3)، أي: حبه (4)، واختار الخرزي (5)
__________
=وقد سميت الإِمامية بهذا الاسم لقولهم بالنص على إِمامة علي بن أبي طالب، وكان الإِمامية في الأول على مذهب أئمتهم، ثم تشعبوا حتى صار بعضهم معتزلة -إِما وعيدية، وإِما تفضيلية- وبعضهم أخبارية، إِما مشبهة، وِإما سلفية. انظر: مقالات الإسلاميين 1/ 88، والفرق بين الفرق/ 53، والملل والنحل 1/ 265، والفرق الإِسلامية/ 61.
(1) إِذا أطلق "ابن أبي موسى" في كتب الحنابلة، فالمراد به: صاحب الإرشاد، وهو: محمد ابن أحمد بن أبي موسى، أبو علي، الهاشمي القاضي، ولد سنة 345 هـ، وسمع الحديث من جماعة، وكانت حلقته بجامع المنصور، يفتي بها، توفي سنة 428 هـ ببغداد.
من مؤلفاته: الإِرشاد في المذهب، وشرح كتاب الخرقي.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 182.
(2) هو: عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداذ بن معروف البغوي، غلام الخلال، مفسر ثقة في الحديث، من أعيان الحنابلة من أهل بغداد، ولد سنة 285 هـ، وكان تلميذًا لأبي بكر الخلال، فلقب بـ غلام الخلال، توفي سنة 363 هـ.
من مؤلفاته: الشافعي، والمقنع -وكلاهما في الفقه- وتفسير القرآن، والخلاف مع الشافعي، وزاد المسافر، والتنبيه، ومختصر السنة.
انظر: تاريخ بغداد 10/ 459، وطبفات الحنابلة 2/ 119، والبداية والنهاية 11/ 278، والنجوم الزاهرة 4/ 106، والمنهج الأحمد 2/ 56.
(3) سورة البقرة: آية 93.
(4) انظر: العدة/ 699، والمسودة/ 166.
(5) تردد في كتب الحنابلة ذكر كنية هذا العالم ونسبته دون ذكر اسمه:=

(1/105)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
=ففي طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى 2/ 167: أبو الحسن الجزري البغدادي، كان له قدم في المناظرة ومعرفة الأصول والفروع، صحب جماعة من شيوخنا، وتخصص بصحبة أبي علي النجاد، وكانت له حلقة بجامع القصر، وأحد تلامذته: أبو طاهر بن الغباري، ومن جملة اختياراته: أنه لا مجاز في القرآن، وأنه يجوز تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس، وأن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر، وأن المني نجس، وغير ذلك. وانظر: طبقات الحنابلة 2/ 140، 188.
وفي آخر كتاب المقصد الأرشد لبرهان الدين بن مفلح توجد مجموعة من التراجم تحت عنوان: "ذكر من اشتهر بكنيته ولم يذكر له اسم"، وذكر فيه: أبو الحسين الخرزي البغدادي، كان له قدم في المناظرة ... وهذا في نسخة دار الكتب الظاهرية ص 187 - 188، وفي نسخة دار الكتب المصرية -من الكتاب نفسه- جاء ذكره هكذا: أبو الحسين الجزري، وذلك في ص 339، وذكره في المقصد الأرشد جاء تبعًا لذكره في طبقات الحنابلة.
وفي نسخ هذا الكتاب -أصول الفقه لابن مفلح- وردت النسبة هكذا: "الخرزي" و "الجزري" ووردت الكنية هكذا: "أبو الحسن" و "أبو الحسين".
وفي نزهة الخاطر العاطر لابن بدران 1/ 182 - 183: وحكى برهان الدين إِبراهيم بن مفلح في طبقاته: أن أبا الحسين الخرزي البغدادي الحنبلي له اختيارات، منها: أنه لا مجاز في القرآن، وأنه يجوز تخصيص الكتاب والسنة بالقياس. ثم قال ابن بدران: وحكى شيخ الإِسلام -ابن تيمية- في كتاب الإِيمان أن أبا الحسن هذا .... أ. هـ فذكر أن كنيته: أبو الحسن، وهو قد ذكر قبله أن كنيته: أبو الحسين.
والذي يظهر أن هذه المعلومات الواردة في هذه الكتب السابقة تتعلق بعالم واحد. وأمامنا في ترجمة هذا العالم ثلاثة أمور:
1 - كنيته: أهو أبو الحسن أم أبو الحسين؟ الذي ورد في أكثر الكتب: أبو الحسن.=

(1/106)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
=
2 - نسبته: أهو الخرزي أم الجزري؟ المشهور الذي جاءت به أكثر الكتب: الخرزي. وقد أدت تلك النسبة إِلى وقوع بعض المحققين في وهم، يأتي ذكره قريبًا.
3 - ما اسم هذا العالم؟ لم تشر الكتب إِلى ذلك، وتبدو صعوبة معرفة اسمه إِذا علمنا أن برهان الدين بن مفلح ذكره مع من اشتهر بكنيته ولم يذكر له اسم، وأن ابن القاضي أبي يعلى لم يذكر له اسماً، مع ذكره أسماء من ترجم لهم.
وقد جاء في كتاب الأنساب 5/ 87 - 88 ذكر عالم يحمل هذه النسبة "الخرزي"، وهو: أبو الحسن عبد العزيز بن أحمد الخرزي، من أهل بغداد، ولي القضاء بالجانب الشرقي بها، وكان فاضلاً فقيه النفس، حسن النظر، جيد الكلام، ينتحل مذهب داود ابن علي الظاهري، وكان أبو بكر الخوارزمي يقول: ما رأيت الخرزي كلّم خصمًا له وناظره قط فانقطع، ومات في جمادى الآخرة سنة 391 هـ. انتهى ما في الأنساب.
فهل هذه العالم صاحبنا المذكور؟ ذهب بعض المحققين إِلى ذلك، وقال بعضهم: ليس هذا صاحبنا، ونقض قول القائلين بأنه هو.
وأسوق -فيما يلي- ما كتبه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في تعليقه على كتاب الأنساب، حول هذا الموضوع، قال: عبد العزيز بن أحمد هذا:
1 - كنيته: أبو الحسن. 2 - بغدادي. 3 - كان قاضيًا. 4 - مبرز في النظر. 5 - توفي في أواخر القرن الرابع. 6 - يعرف بهذه النسبة (الخرزي). وفي علماء الحنابلة رجل يوافق هذا في الصفات الخمس الأولى، ففي ترجمته من طبقات ابن أبي يعلى رقم 631 ما يبين تلك الصفات ما عدا القضاء، وفي النقل عنه في كتاب لم يذكر بـ "القاضي"، وتقع نسبته تارة هكذا (الخرزي) وتارة (الجزري)، ولم يذكر اسمه واسم أبيه في الطبقات ولا في غيرها من كتبهم، وقد بحث عنه صديقنا البحاثة المدقق -الشيخ سليمان الصنيع- طويلاً، ثم جنح إِلى أنه هو عبد العزيز بن أحمد عينه.=

(1/107)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
=أما أنا فعندي وقفة في ذلك؛ لأن الذين ترجموا لعبد العزيز -كالخطيب في التاريخ، وابن السمعاني هنا، وابن الجوزي الحنبلي في المنتظم وغيرهم- ذكروا أنه كان على مذهب داود الظاهري، ولم يشر أحد منهم إِلى علقة له بالحنابلة، والذين ترجموا لذلك الحنبلي -أو ذكروه- بنوا على أنه حنبلي صحب شيوخهم واختص بصحبة بعضهم وصحبه بعضهم، ولم يشر أحد منهم إِلى علقة له بمذهب داود، بل ذكر عنه ابن أبي يعلى أنه كان يرى جواز تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس، وهذا ينفي داوديته البتة؛ لأن خاصة مذهب داود إِلغاء القياس البتة. وابن أبي يعلى كثير النقل عن تاريخ بغداد، ولا بد أن يكون قد تصفحه متقصيًا لأسماء الحنابلة المذكورين فيه، فلو كان عنده أن الذي ترجمه بكنيته فقط هو عبد العزيز هذا: فلماذا لم يشر إِلى ذلك؟. انتهى كلام العلمي.
وقد جاء في تاريخ بغداد 5/ 184، واللباب في تهذيب الأنساب 1/ 432، والأنساب للسمعاني 5/ 87 ذكر عالم آخر يحمل نفس النسبة "الخرزي"، وهو: أبو الحسن أحمد ابن نصر بن محمد الزهري الخرزي "هذه النسبة إِلى الخرز وبيعها" البغدادي، نزل نيسابور، وسمع من أبي عبد الله المحاملي، روى عنه الحاكم أبو عبد الله، وتوفي في رمضان سنة 380 هـ. أهـ.
فهل هو صاحبنا المذكور؟. يذهب بعض المحققين المحدثين إِلى أنه هو (انظر مثلاً: شرح الكوكب المنير 1/ 323)، وأصحاب هذا المذهب يعضدون رأيهم بأوجه الاتفاق الحاصلة بين العالمين، ولكن ما ذكره المعلمي في آخر كلامه السابق يضعف هذا الرأي، أضف إِلى ذلك: أن برهان الدين بن مفلح قد ذكره مع من اشتهر بكنيته ولم يذكر له اسم وبهذا يترجح لدي أنه ليس بواحد من هذين العالمين المذكورين سابقاً، وأنه عالم آخر اشتهر ذكره هكذا (أبو الحسن الخرزي) ولم يذكر له اسم. والله أعلم.

(1/108)


فيه نفسه (1)، وللتابعين قولان (2).
وذكر بعضهم (3) عن ابن داود (4) منعه في الحديث أيضًا.
احتج من أثبته بقوله: (تجري من تحتها الأنهار) (5)، (الحج أشهر) (6)، (واخفض لهما جناح الذل) (7)، (واشتعل الرأس شيبًا) (8)، (وجزاء سيئة سيئة مثلها) (9)، (الله يستهزئ بهم) (10)، وغير
__________
(1) انظر: العدة/ 697، والمسودة/ 165 - 166.
(2) انظر: تفسير الطبري 1/ 335.
(3) انظر: المحصول 1/ 1/ 462.
(4) هو: أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري، أحد الأذكياء، أديب، مناظر، شاعر، أصله من أصبهان، ولد ببغداد سنة 255 هـ، وعاش بها، وتوفي بها مقتولاً سنة 297 هـ.
من مؤلفاته: الزهرة في الأدب، والوصول إِلى معرفة الأصول، واختلاف مسائل الصحابة.
انظر: تاريخ بغداد 5/ 256، والمنتظم 6/ 93، ووفيات الأعيان 4/ 259، والوافي بالوفيات 3/ 58، والنجوم الزاهرة 3/ 171.
(5) سورة البقرة: آية 25.
(6) سورة البقرة: آية 197.
(7) سورة الإسراء: آية 24.
(8) سورة مريم: آية 4.
(9) سورة الشورى: آية 40.
(10) سورة البقرة: آية 15.

(1/109)


ذلك.
وأما: (واسأل القرية) (1)، (يريد أن ينقض) (2)، فقيل: القرية مجمع الناس، ثم: إِنطاق الجدار وخلق الإِرادة فيه ممكن.
رد: بأن القرية مكان الاجتماع، لا نفس المجتمعين، وعن الثاني: بأنه معجزة يستلزم التحدي. وفيه نظر.
وقوله: (ليس كمثله شيء) (3)، احتج به -أيضًا- جماعة من أصحابنا وغيرهم (4)، لزيادة (5) "الكاف"؛ لأن (6) وضعه لنفي مثل مثله، فيلزم محال (7)؛ لأنه مثل لمثله.
وقيل: حقيقة؛ لأنه يلزم من نفي مثل مثله نفي مثله؛ لأنه مثل لمثله، والتقدير: انتفاء مثل مثله.
وقيل: "مثل" زائدة، أي: ليس كهو، قال أبو البقاء: وهو بعيد. (8)
__________
(1) سورة يوسف: آية 82.
(2) سورة الكهف: آية 77.
(3) سورة الشورى: آية 11.
(4) انظر: العدة/ 172 - 173، 696، والواضح 2/ 161أ.
(5) في (ح): بزيادة.
(6) في (ح): لأنه وصف.
(7) نهاية 11 أمن (ظ).
(8) انظر: كتاب إِملاء ما من به الرحمن 2/ 224.

(1/110)


واحتج ابن عقيل على [من (1)] منعه منا: بقدمه عندهم، وفيه عن الأنبياء: قالوا، وفعلوا، ونودوا، وأوذوا، وقيل لهم. (2)
قالوا (3): المجاز كذب لصدق نفيه، ركيك يصار (4) إِليه للعجز عن الحقيقة.
رد: بالمنع لما سبق، وإِنما يكذب لو أثبت حقيقة.
قال ابن عقيل: (5) [و (6)] لم يعد المتجوز كذاباً، ولم يفسقه أحد.
قالوا: فيه إِلباس.
رد: لا مع قرينة.
قالوا: (7) يلزم تسميته متجوزاً.
رد: أسماؤه توقيفية، ولهذا لم يسم "مُحَقِّق (8) "، ويوهم التسمح في القبيح. والتزمه بعض أصحابنا. (9)
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ح).
(2) انظر: الواضح 2/ 67أ.
(3) في (ح): قولهم.
(4) نهاية 14 ب من (ب).
(5) انظر: الواضح 1/ 214 ب، 2/ 164 أ-ب.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) انظر: التمهيد/ 83 أ.
(8) كذا في النسخ. ولعل الصواب: "محققاً" بالنصب.
(9) انظر: البلبل/ 47.

(1/111)


مسألة
ليس في القرآن إِلا عربي، ذكره أبو بكر (1) وأبو الخطاب (2) وابن عقيل (3) والقاضي (4) وذكراه (5) قول عامة الفقهاء والمتكلمين. (6)
وعن ابن عباس ومجاهد (7) وسعيد بن جبير (8) (9)
__________
(1) حكاه في العدة/ 707.
(2) انظر: التمهيد/ 84 أ.
(3) انظر: الواضح 1/ 220 أ.
(4) انظر: العدة/ 707.
(5) في (ح): وحكاه.
(6) انظر: العدة/ 707، والواضح 2/ 168 ب.
(7) هو: أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي، مولى بني مخزوم، تابعي مفسر من أهل مكة، ولد سنة 21 هـ، وأخذ التفسير عن ابن عباس، وتنقل في الأسفار، واستقر في الكوفة، توفي سنة 104 هـ.
من مؤلفاته: كتاب في التفسير.
انظر: حلية الأولياء 3/ 279، وطبقات الفقهاء للشيرازي/ 45، والجمع بين رجال الصحيحين/ 510، وصفة الصفوة 2/ 117، ومعجم الأدباء 6/ 242، وميزان الاعتدال 3/ 439، وغاية النهاية 2/ 41.
(8) في (ب): بن جبر.
(9) هو: أبو عبد الله -وقيل: أبو محمد- سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي، تابعي جليل، ولد سنة 45 هـ، وأخذ العلم عن ابن عباس وابن عمر، وروى عنه القراءة عرضًا المنهال بن عمر وأبو عمرو بن العلاء، وكان سعيد في أول أمره كاتبًا لعبد الله=

(1/112)


وعكرمة (1) وعطاء (2) وغيرهم: فيه ألفاظ بغير العربية (3)، وذكره أبو عبيد (4) قول أهل العلم من الفقهاء، وأن الأول قول أهل العربية، وجمع
__________
=ابن عتبة بن مسعود، ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قتله الحجاج بواسط سنة 95 هـ. انظر: طبقات ابن سعد 6/ 178، وحلية الأولياء 4/ 272، ووفيات الأعيان 2/ 371، وتهذيب التهذيب 4/ 11.
(1) هو: أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله البربري المدني، مولى عبد الله بن عباس، أحد فقهاء مكة وتابعيها، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي، ولد سنة 25 هـ، وحدث عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري والحسن بن علي وعائشة، وروى عنه زهاء ثلاثمائة رجل، منهم أكثر من سبعين تابعياً، منهم: الزهري وعمرو بن دينار والشعبي، ذهب إِلى نجدة الحروري، فأقام عنده ستة أشهر، ثم كان يحدث برأي نجدة، وخرج إِلى بلاد المغرب، فأخذ عنه أهلها راي الصفرية، وعاد إِلى المدينة، فطلبه أميرها، فتغيب عنه حتى مات، وكانت وفاته بالمدينة سنة 105 هـ.
انظر: المعارف لابن قتيبة / 201، وحلية الأولياء 3/ 326، ووفيات الأعيان 3/ 265، وميزان الاعتدال 3/ 93، وتهذيب التهذيب 7/ 263.
(2) هو: عطاء بن أبي رباح أسلم بن صفوان، تابعي من أجلاء الفقهاء، ولد في (جند) باليمن سنة 27 هـ، ونشأ بمكة، فكان مفتي أهلها ومحدثهم، وتوفي بها سنة 114 هـ.
انظر: حلية الأولياء 3/ 310، وصفة الصفوة 2/ 119، ووفيات الأعيان 3/ 261، وتذكرة الحفاظ 1/ 92، ونكت الهميان/ 199، وتهذيب التهذيب 7/ 199.
(3) انظر: تفسير الطبري 1/ 6، وتفسير مجاهد/ 307، 362، 782 - 783.
(4) هو: القاسم بن سلام الهروي الأزدي الخزاعي بالولاء الخراساني البغدادي، من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه من أهل (هراة)، ولد بها سنة 157 هـ، وتعلم بها، ورحل إِلى بغداد، وولي القضاء بطرسوس ثمانية عشر عامًا، ورحل إِلى مصر سنة=

(1/113)


بينهما بتعريب لها فصارت عربية (1)، وقاله (2) ابن الزاغوني (3) وصاحب (4) الروضة (5) ونصره ابن برهان وجماعة (6).
__________
=213 هـ، وحج فتوفي بمكة سنة 224 هـ.
من مؤلفاته: الغريب المصنف في غريب الحديث، والطهور في الحديث، والأجناس من كلام العرب، والأمثال، والأموال.
انظر: طبقات النحويين واللغويين/ 217، والانتقاء/ 107، وتاريخ بغداد 12/ 403، وطبقات الحنابلة 1/ 259، ونزهة الألباء/ 188، ووفيات الأعيان 4/ 60، وتذكرة الحفاظ 2/ 5، وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 153، وغاية النهاية 2/ 17، وتهذيب التهذيب 7/ 315، ومفتاح السعادة 2/ 167.
(1) انظر: الصاحبي / 28 - 29، والمعرب للجواليقي/ 5، والإِتقان 2/ 108، والمزهر 1/ 268 - 269، ومعترك الأقران 1/ 198 - 199.
(2) نهاية 27 من (ح).
(3) حكاه في المسودة/ 174.
(4) هو: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي ثم الدمشقي الصالحي، الفقيه، موفق الدين، ولد سنة 541 هـ، وقدم دمشق مع أهله وله عشر سنين، فقرأ القرآن، وحفظ مختصر الخرقي، ورحل إلى بغداد سنة 561 هـ، وسمع بها، وسمع -أيضًا- بمكة وبالموصل، ولازم أبا الفتح بن المني، ثم عاد إِلى دمشق، فتوفي بها سنة 620 هـ.
من مؤلفاته: المغني، والمقنع، والكافي، والعمدة -وكلها في الفقه- والروضة في أصول الفقه. انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 133 - 149، وشذرات الذهب 5/ 88، وفوات الوفيات 1/ 433.
(5) انظر: الروضة/ 65.
(6) انظر: المسودة/ 174، والوصول لابن برهان/ 12 أ-ب.

(1/114)