أصول الفقه لابن مفلح المثبت:
المشكاة (1) هندية، وقسطاس (2) رومية، وإستبرق (3) وسجيل (4)
فارسية.
رد: بأنه مما اتفق فيه اللغتان، كالدواة والمنارة والصابون
والتنور.
رد (5): بأنه بعيد، والأصل عدمه. وفيه نظر.
النافي: بما سبق (6) في
الشرعية.
وبقوله: (أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) (7)، فنفى تنوعه.
__________
(1) في زاد المسير 6/ 40 - 41: "فأما المشكاة ففيها ثلاثة
أقوال: أحدها: أنها في موضع الفتيلة من القنديل الذي هو
كالأنبوب، والمصباح: الضوء. قاله ابن عباس.
والثاني: أنها القنديل، والمصباح: الفتيلة. قاله مجاهد.
والثالث: أنها الكوة التي لا منفذ لها، والمصباح: السراج. قاله
كعب. وكذلك قال الفراء: المشكاة: الكوة التي ليست بنافذة. وقال
ابن قتيبة: المشكاة: الكوة بلسان الحبشة. وقال الزجاج: هي من
كلام العرب. والمصباح: السراج".
(2) في زاد المسير 5/ 34: عن ابن دريد قال: القسطاس: الميزان
رومي معرب. وفي تفسير مجاهد/ 362: القسطاس هو: الميزان العدل
بالرومية.
(3) في زاد المسير 5/ 137 - 138: "قال ابن قتيبة: الإِستبرق:
ثخين الديباج. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال ...
والإِستبرق: غليظ الديباج فارسي معرب".
(4) في تفسير مجاهد/ 307: قال: سجيل هي بالفارسية، أولها حجر
وآخرها طين. وفيه -أيضًا-/ 782 - 783: عن عكرمة قال: هي
بالفارسية (سنك وكل) يعني حجراً وطينًا.
(5) انظر: البلبل/ 48.
(6) انظر: ص 98 من هذا الكتاب.
(7) سورة فصلت: آية 44: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرآنًا
أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فصِّلَتْ آيَاتُهُ
أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ).
(1/115)
رد: بمنع نفيه، فإِن المفهوم إِنكار كون
القرآن أعجميًا مع كون المخاطب عربياً لا يفهمه، وإِن كان
الأعجمي والعربي صفتا (1) الكلام لم يلزم نفيه مطلقًا، لجواز
كون بعضه أعجميًا يفهم.
قالوا: لا يتحداهم بغير لسانهم، كغيره.
رد: بالمتشابه. رد: (2) هو مجاز، لصرفه عن ظاهره، فهو عربي.
وبأنه إِنما تحداهم بلغتهم، وصار لها حكم العربية بتعريبها.
مسألة
المشتق: فرع وافق أصلاً
-وهو: (3) الاسم عند البصريين، وعند الكوفيين: الفعل- بحروفه
الأصول ومعناه، كـ "خفق" من الخفقان. فيخرج ما وافق بمعناه، كـ
"حبسٍ ومنعٍ"، وما وافق بحروفه، كـ "ذهبٍ وذهابٍ".
وشرط بعضهم (4) زيادة التغيير (5): بزيادة أو نقص حرف (6) أو
حركة أو هما، أو بزيادة أحدهما ونقصه أو نقص الآخر، أو
بزيادتهما أو نقصهما مع زيادة أحدهما أو نقصه، أو بزيادتهما
ونقصهما، نحو: كاذب، ونَصَر، وضارب، وخَفْ، وضَرْب -على مذهب
الكوفيين- وغلى (7)، ومسلمات،
__________
(1) كذا في النسخ. ولعل الصواب: "صفتي" بالنصب.
(2) في (ب) رده مجاز. وفي (ظ): رد: مجاز.
(3) انظر: الإِنصاف لابن الأنباري/ 235.
(4) نهاية 11 ب من (ظ).
(5) نهاية 15 أمن (ب).
(6) في (ح): "بحرف".
(7) من الغليان. وفي (ظ) و (ح): علا. والمثبت من (ب)، ولكنه
كتب هكذا: غلا.
(1/116)
وحَذِر، وعادٌ -من العدد- ونبت (1)، واضرب،
وخافَ، وعِدْ، وكالٍّ -من الكلال- وارْمِ. فذلك خمسة عشر
نوعًا.
ولا يرد على الأول مثل: "الجَلْب والجَلَب"، (2) ولو قلنا:
"كلمة" ورد. وكذا على الثاني إِلا (3) أن يراد بالتغيير: "معنى
ولفظاً"، لكن يرد مثل: "فُلْك" جمعًا ومفردًا، و "طَلب
طَلباً"، إِلا أن يراد بالتغيير: "تحقيقًا أو تقديرًا".
وقال بعض أصحابنا (4): إِذا قيل: "هذا مشتق من هذا" له (5)
معنيان:
أحدهما: أن بينهما تناسباً
لفظًا ومعنى، تكلم (6) أهل اللغة بهذا بعد هذا أو (7) قبله،
فكل منهما مشتق من الآخر، والفعل مشتق من المصدر،
__________
(1) في (ب): ثبت. والمثبت من (ح)، وهو من النبات، وانظر: نهاية
السول 1/ 198 - 201. ولم تنقط الكلمة في (ظ).
(2) في لسان العربِ 1/ 260: الجَلْب: سَوْق الشيء من موضع إِلى
آخر. جَلَبه يَجْلِبه ويَجْلُبه جَلْباً وجَلَباً ... الخ.
(3) في (ب): إِلى.
(4) انظر: مجموع الفتاوى 20/ 419 - 420.
(5) كذا في النسخ الثلاث. وأرى زيادة الفاء في جواب الشرط،
فيكون الكلام هكذا: فله معنيان.
(6) لفظ مجموع الفتاوى 20/ 419 - 420: من غير اعتبار كون
أحدهما أصلاً، والآخر فرعًا.
(7) في (ظ): وقبله. وفي (ب): "أو قبله"، وقد ضرب على الهمزة.
(1/117)
وعكسه. (1)
المعنى الثاني: كون أحدهما
أصلاً للآخر، فإِن عني به التكلم بأحدهما قبل الآخر لم يقم على
هذا دليل في أكثر المواضع، وإن عني به سبق أحدهما عقلاً -لكونه
مفرداً وهذا مركبًا- فالفعل مشتق من المصدر والله أعلم.
والاشتقاق الأصغر: اتفاق
القولين في الحروف وترتيبها.
والأوسط: في الحروف.
وذكر بعضهم (2) اشتقاقاً أكبر، وهو: اتفاق القولين في جنس
الحروف كاتفاقهما في حروف الحلق.
وقد يطرد (3) المشتق، كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة (4)
بهما. وقد يختص، كـ "القارورة" للزجاجة، و "الدَّبَران" (5)
إِحدى منازل القمر وهما من الاستقرار والدبور.
مسألة
إِطلاق (6) الاسم المشتق قبل وجود الصفة المشتق منها: مجاز،
ذكره
__________
(1) نهاية: 28 من (ح).
(2) انظر: الخصائص 2/ 133، والمزهر 1/ 347.
(3) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 212.
(4) في (ظ): المشبه.
(5) في لسان العرب 5/ 356 (دبر): والدَّبَران: نجم بين الثريا
والجوزاء. ويقال له: التابع، والتويبع، وهو من منازل القمر،
سمي دَبَرانا لأنه يدبر الثريا، أي: يتبعه.
(6) انظر: المسودة/ 570، والقواعد والفوائد الأصولية لابن
اللحام/ 126، وشرح الكوكب المنير 1/ 213.
(1/118)
جماعة إِجماعًا، ولعل المراد: إِذا أريد
الفعل، فإِن أريدت الصفة كقولهم: سيف قطوع، وخبز مشبع، وماء
مرو، (1) [وخمر مسكر] (2) فقال القاضي (3) وغيره: هو حقيقة؛
لعدم صحة النفي، وقيل: مجاز.
فأما أسماء الله وصفاته فقديمة، وهي حقيقة (4) عند الإِمام
أحمد وأصحابه وجمهور أهل السنة، ومذهب (5) (ع) حدوثهما، ومذهب
(ر) حدوث صفات الفعل.
وحال وجود الصفة: (6) حقيقة
إِجماعًا.
وبعد انقضاء الصفة: حقيقة
عند بعض أصحابنا وغيرهم، وذكره بعض أصحابنا عن الأكثر، واختاره
أبو الطيب الطبري (7)، لكن عقيب (8)
__________
(1) نهاية 15 ب من (ب).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من (ظ).
(3) حكاه في المسودة/ 570.
(4) انظر: المسودة/ 570، والقواعد والفوائد الأصولية لابن
اللحام/ 127.
(5) راجع: شرح المقاصد للتفتازاني 2/ 76.
(6) نهاية 12 أمن (ظ).
(7) هو: طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري، أبو الطيب، قاض من
أعيان الشافعية، ولد في آمل طبرستان سنة 348 هـ، واستوطن
بغداد، وولي القضاء بربع الكرخ، توفي ببغداد سنة 450 هـ.
من مؤلفاته: شرح مختصر المزني في الفقه.
انظر: وفيات الأعيان 2/ 512، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 12.
(8) في (ح): عقب.
(1/119)
الفعل، حكاه عنه القاضي (1).
وذكر القاضي (2) في مسألة الإِجماع: أنه مجاز (وهـ) (3)، وذكره
ابن عقيل (4) إجماعًا بينه وبين المعتزلة في أنه لا يعتبر
للأمر الإِرادة.
واختار (5) أبو الخطاب في مسألة خيار المجلس: إِن لم يمكن بقاء
(6) المعنى كالمصادر السيالة -كالبيع- فحقيقة؛ لوجود الفعل
وتعذر بقائه -وكذا قال (7) القاضي وغيره في التبايع: إِنه
حقيقة بعده- وإلا فلا.
فأما حال التبايع، فمجاز عندهم، وقاله (8) أبو الطيب الطبري
[(هـ) (9)] لعدم وجود الفعل.
قولهم: يتعذر، واللغة لم تبن على المضايقة، لصحة إِطلاق لفظ
"الحال" على زمان الفعل الحاضر.
رد: بما سبق، وبأن بعضهم اعتبر بقاء الجزء الأخير.
__________
(1) انظر المسودة/ 568.
(2) انظر العدة/ 160 أ.
(3) انظر فواتح الرحموت 1/ 193، والمسودة/ 567.
(4) انظر الواضح 1/ 224 أ.
(5) انظر: المسودة/ 567 - 568.
(6) نهاية 29 من (ح).
(7) انظر: المسودة/ 568.
(8) انظر: المرجع السابق.
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(1/120)
القائل بالحقيقة:
صح الإِطلاق، والأصل الحقيقة.
رد: بالمستقبل. ورد: إِذا كان الفاعل من ثبت له الفعل لم يلزم.
قالوا: صح "مؤمن" ونحوه لنائم وميت.
أجيب: مجاز، وقاله القاضي في مسألة الإِجماع. (1) قال بعض
أصحابنا (2) وغيرهم: هذا غلط (3)؛ لأن الإِيمان لا يفارقه
بالموت، والعصر الثاني محجوجون بالعصر الأول.
القائل بالمجاز: يصح نفيه،
فيصدق: ليس بضارب في الحال، والسلب المطلق جزء المقيد.
رد: إِن أريد سلب أخص فمعناه: "الضارب مطلقاً صدق سلبه في
الحال"، وهو محل النزاع، وإِن أريد سلب الأخص لم يصدق (4): ليس
بضارب مطلقًا؛ لأن الضارب في الحال أخص منه، ونفي الأخص لا
يستلزم نفي الأعم؛ لأن نقيضه أعم من نقيضه.
قالوا: لا يقال: "كافر" لكفر سبق.
رد: لمنعه شرعًا تعظيمًا للصحابة.
واحتج الآمدي (5) بأنه يلزم أن يطلق على القائم "قاعد"،
وبالعكس،
__________
(1) انظر: العدة/ 160 أ.
(2) انظر: المسودة/ 568.
(3) في (ح): خلط.
(4) نهاية 16 أمن (ب).
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 56.
(1/121)
وهو خلاف الإِجماع.
ولقائل أن يجيب بالمانع.
مسألة
لا يصدق المشتق بدون صدق المشتق منه، خلافًا للجبائية (1)،
لإِطلاقهم "العالِم" على الله، وإنكار حصول العلم له، مع أن
"العالِم" مشتق من العلم، فلا يوجد بلا أصله، وعللوا العالمية
فينا بالعلم. (2)
__________
(1) الجبائية هم: أصحاب أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي،
من معتزلة البصرة. أثبتوا إِرادة حادثة لا في محل يكون الباري
تعالى موصوفًا مريدًا بها، وفناء لا في محل إِذا أراد أن يفني
العالم، والله تعالى مشارك لهذين الوصفين في أخص صفاتهما، وهو
كونه لا في محل. وقالوا: الله تعالى متكلم بكلام يخلقه في محل.
وحكموا بأن الله تعالى لا يرى في الآخرة بالأبصار، وبأن العبد
خالق لفعله من الخير والشر، وبإثبات المنزلة بين المنزلتين،
وبأن أصحابها -بلا توبة- يخلدون في النار. ونفوا كرامات
الأولياء. وقالوا: يجب على الله تعالى اللطف والأصلح، وأن يكمل
عقول الخلق ويهيئ أسباب التكليف إِذا كلفهم، وبأن الأنبياء
معصومون. هذا كله مما اتفق عليه الجبائية والبهشمية.
وانفردت الجبائية بأن الله تعالى عالم لذاته من غير إِيجاب صفة
هي علم أو حال يوجب كونه عالماً. وقال أبو هاشم: معنى كونه
عالماً لذاته أنه ذو حالة هي صفة وراء كونه ذاتاً موجودًا،
وإينما تعلم تلك الصفة مع الذات لا بانفرادها. وأن معنى كون
الباري سميعًا بصيرًا أنه حي لا آفة به.
انظر: الفرق بين الفرق/ 183، والملل والنحل 1/ 103، والفرق
الإِسلامية/ 31.
(2) نهاية 30 من (ح).
(1/122)
مسألة
الاسم يشتق لمحله منه اسم فاعل لا لغيره منه، خلافاً للمعتزلة،
فسموا الله متكلمًا (1) بكلام خلقه في جسم، ولم يسموا الجسم
متكلمًا.
وفرض جماعة (2) المسألة: لا يشتق اسم الفاعل لشيء، والفعل قائم
بغيره [(ور) خلافا (ع)]. (3)
لنا: الاستقراء.
قالوا: ثبت "قاتل" (4) و "ضارب"، وهما أثران قاما بالمفعول.
رد: بأنهما: التأثير، وهو للفاعل، والتأثر للمفعول.
قالوا: التأثير الأثر، وإِلا فإِن كان حادثًا افتقر إِلى نسبة
أخرى وتسلسل، أو قديمًا، فيلزم قدم الأثر وتقدم النسبة على
المنتسبين.
رد: العلم بأنه غيره ضروري. ثم: لا دليل على وجوب الانتهاء
إِلى أثر آخر، بل إِلى مؤثر أول. ثم: بمنع التسلسل في الثاني،
وتقدم النسبة في محلها ممتنع دون المنسوب إِليه.
ولما قال الأشعري وأصحابه كالمعتزلة: الخلق: المخلوق -وقاله
(5) ابن
__________
(1) نهاية 12 ب من (ص).
(2) انظر: شرح العضد 1/ 181.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(4) في (ب): قايل.
(5) في (ح): وقال.
(1/123)
عقيل، وابن الزاغوني- أجابوا: بأنه ليس
فعلاً قائمًا بغيره، بل ذاته، أو لأنه للتعلق الذي بين المخلوق
والقدرة حال الإِيجاد، فلما نسب إِلى الله صح الاشتقاق، لقيامه
بالقدرة القائمة به.
والحنفية، وأكثر أصحابنا، والشافعية، وأهل الحديث، وحكوه عن
السلف: الخلق غير مخلوق.
مسألة
المشتق كـ "أبيض" و "ضارب" و "مضروب" يدل على ذات ما متصفة
بتلك الصفة، (1) لا على خصوصيتها (2)، وإِلا يلزم التكرار
بتفسيره بجسم أو غيره.
مسألة
تثبت اللغة قياسًا، عند أكثر أصحابنا.
ونفاه أبو الخطاب (3) وأكثر الحنفية (4)، واختاره الآمدي (5)
وذكره عن معظم أصحابهم، وحكاه القاضي (6) عن أكثر المتكلمين.
__________
(1) نهاية 16 ب من (ب).
(2) في (ب) و (ح) ونسخة في هامش (ظ): خصوصها. والمثبت من (ظ)
ونسخة في هامش (ب).
(3) انظر: التمهيد / 157 أ-158 ب.
(4) انظر: فواتح الرحموت 1/ 185 - 186.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 57.
(6) انظر: العدة/ 206 ب، وحكاه -أيضًا- أبو الخطاب في التمهيد/
157 أ.
(1/124)
وللشافعية (1) قولان، واختلفوا في الراجح.
وللنحاة قولان اجتهادًا، فلا حجة، قال المبرد (2) وغيره: "ما
قيس على كلامهم فمن كلامهم" وقال الأخفش (3) وغيره: الأسماء
تؤخذ توقيفًا (4).
والإِجماع على منعه في الأعلام والألقاب -ذكره جماعة، منهم:
ابن
__________
(1) انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 276.
(2) هو: أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن
حسان الثمالي الأزدي، المعروف بـ "المبرد" النحوي، ولد سنة 210
هـ بالكوفة، ونزل بغداد، وكان إِمامًا في النحو واللغة، أخذ
الأدب عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني، وأخذ عنه
نفطويه وغيره من الأئمة، وكان المبرد كثير الأمالي حسن
النوادر، توفي سنة 286 هـ، وقيل: غير ذلك. والمبرد: الأكثر
يفتح الراء، ومنهم من يكسرها.
من مؤلفاته: الكامل في الأدب، والمقتضب في النحو. انظر: طبقات
النحويين واللغويين/ 108، والفهرست/ 59، وتاريخ بغداد 3/ 380
ونزهة الألباء/ 279، ووفيات الأعيان 4/ 313، ولسان الميزان 5/
430، وبغية الوعاة/ 116.
(3) إِذا أطلق "الأخفش" فالمراد به "الأخفش الأوسط" وهو أبو
الحسن سعيد بن سعدة المجاشعي بالولاء، البلخي، ثم البصري،
المعروف بـ "الأخفش الأوسط"، نحوي عالم باللغة والأدب من أهل
(بلخ)، سكن البصرة، وأخذ العربية عن سيبويه. توفي سنة 215 هـ.
من مؤلفاته: تفسير معاني القرآن، وشرح أبيات المعاني.
انظر: نزهة الألباء/ 184، وإِنباه الرواة 2/ 36، ووفيات
الأعيان 2/ 380 ومرآة الجنان 2/ 61، وبغية الوعاة/ 258.
(4) انظر: العدة/ 208أ، والتمهيد/ 158 ب، ففيهما حكاية ذلك.
(1/125)
عقيل (1) لوضعها (2) لغير (3) معنى جامع،
والقياس فرعه. ومثل: "هذا سيبويه (4) زمننا" مجاز عن حافظ
كتابه.
والإِجماع على منعه في الصفات؛ لأن "العالم" لمن (5) قام به
العلم، فيجب طرده، فإِطلاقه بوضع اللغة، وكذا مثل "إِنسان" و
"رجل" ورفع الفاعل، فلا وجه لجعله دليلاً من أصحابنا وغيرهم.
وحل الخلاف: الاسم الموضوع
لمسمى مستلزم لمعنى في محله وجوداً وعدما، كالخمر للنبيذ
لتخمير العقل، والسارف للنَّبَّاش للأخذ (6) خفية، والزاني
للائط للوطء المحرم.
النافي: إِن كان وضع الخمر
لكل مسكر فالتعميم باللغة، أو لعصير العنب فقط فلا تعميم، أو
لم ينقل فيه شيء فلا لغة بالاحتمال.
واستدل بقوله: (وعلم آدم). (7)
رد: بعضها نصاً، وبعضها استنباطًا، ثم: هو نصاً، ونحن قياسًا،
ولا
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 216 أ.
(2) في شرح الكوكب المنير 1/ 224 - نقلاً عن أصول ابن مفلح:
لوضعهما.
(3) في (ب): لغيره.
(4) في (ح) زيادة: "في" هنا، وكانت موجودة في (ظ) و (ب)، ثم
ضرب عليها. وفي شرح الكوكب المنير 1/ 225 - نقلاً عن أصول ابن
مفلح: هذا سيجويه زمانه.
(5) في شرح الكوكب المنير 1/ 225 - نقلاً عن أصول ابن مفلح-:
من.
(6) نهاية 13 أمن (ظ).
(7) سورة البقرة: آية 31: (وعلم آدم الأسماء كلها).
(1/126)
يمتنع ثبوتهما -مع اختلافهما (1) - للشيء
(2).
قالوا: كونه دليلاً أظهر؛ لدوران الاسم مع الوصف.
رد: بأنه دار -أيضًا- مع كونه من عنب، ومال حي، وقُبُلاً.
ومنقوض بقولهم للطويل: "نخلة"، وللفرس الأسود: "أدهم"،
ونحوهما، ولم (3) يطرد.
رد: بأنهم جعلوا العلة فيه ذات وصفين: "الجنس، والصفة".
رد: بمثله في كل محل.
قالوا: ثبت شرعاً للمعنى، فهذا مثله.
رد: للإِجماع (4) -ولا إِجماع هنا- أو لدليل شرعي (5) أو عقلي.
قالوا: (فاعتبروا) (6).
__________
(1) في (ب): اختلافها.
(2) نهاية 31 من (ح).
(3) في (ظ): "لم يطرد" بدون الواو.
(4) انظر: البلبل/ 37.
(5) نهاية 17 أمن (ب).
(6) سورة الحشر: آية 2: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل
الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم
مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في
قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا
يا أولي الأبصار)
(1/127)
رد: ليس بعام [وهو محل النزاع]. (1) ثم:
محل النزاع غير مراد. [وعورض بقوله: (وعلم آدم)] (2)
...
الاسم: كلمة دلت بنفسها
دلالة أولية وضْعاً على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الأزمنة
الثلاثة.
فـ "صَبوح (3) أمس"، و "غَبوق غد"، و "ضارب أمس"، نحوه يدل (4)
بنفسه، وإِن لم يدل وضعاً، بل لعارض، كاللفظ بالاسم ومدلوله،
فإِنها (5) لازم كالمكان.
ونحو: "صه" دل على "اسكت"، وبواسطته على سكوت مقترن
بالاستقبال.
والمضارع إِن قيل: مشترك للحال والاستقبال، فوضعه لأحدهما
واللبس عند السامع.
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(3) في لسان العرب 3/ 336 - 337 (صبح): والصبوح: الغداء،
والغبوق: العشاء، وأصلهما في الشرب، ثم استعمل في الأكل. وفيه
-أيضًا- 3/ 334: الصبوح: ما شرب بالغداة. وفيه -أيضًا- 12/ 154
(غبق): الغبوق: الشرب بالعشي.
في شرح الكوكب المنير 1/ 113 جاء الكلام هكذا: فصبوح، وغبوق،
وأمس، وغد ...
(4) في (ح): "لم يدل بنفسه، أو لم يدل وضعا". والمثبت من (ب) و
(ظ) وكانت "لم" موجودة فيهما ثم محيت. وفي شرح الكوكب المنير
1/ 113: يدل بنفسه على الزمان، لكن لم يدل وضعاً.
(5) كذا في النسخ. ولعل الصواب: فإِنه. وانظر: شرح الكوكب
المنير 1/ 113.
(1/128)
والفعل: ماض كـ "قام" -ويعرض له معنى
الاستقبال بقرينة الشرط، نحو: "إِن قام". ولم يضرب على العكس-
ومضارع كـ "يقوم"، وأمر للمستقبل كـ "قم".
وحد الفعل كالاسم، لكنه مقترن بأحد الأزمنة، فلا نقض باسم
الفاعل العامل؛ لأن الزمان عارض، لعدم لزومه مطلقًا.
وتجرد الفعل عن الزمان عارض للإنشاء، فقد يلزمه الإِنشاء، وهو:
(1) "عسى"، وقد لا، كـ "نِعْم" و "بِئْس". (2)
الحرف: قال بعضهم: لا يحتاج إِلى حد.
ورد: بأنه لتعريف حقيقة المحدود.
وسكت جماعة عن حده.
وحده آخرون: كلمة (3) دلت على معنى في غيرها. والمراد كما سبق.
قالوا: (4) ومعناه: أن ذكر متعلق الحرف شرط دلالته على معناه
الإِفرادي، فإِن "مِنْ" و "إِلى" لا يُفْهَم معنى الابتداء
والانتهاء إِلا بذكر متعلقهما، وهو المكان الخاص، بخلاف
"الابتداء" و "الانتهاء"، و "ابتدأ" و "انتهى".
واحترز بـ "الإِفرادي" عن الاسم
والفعل، فإِن ذكر متعلقهما -كالفاعل
__________
(1) لعل الأولى: كعسى. وانظر: شرح الكوكب المنير 1/ 112.
(2) نهاية 32 من (ح).
(3) انظر: العدة/ 186.
(4) انظر: شرح العضد 1/ 186، وشرح الكوكب المنير 1/ 226.
(1/129)
والخبر- شرط التركيب.
ولا يرد (1) نحو: (2) "ذو" و "فوق"، فإِنه (3) وإِن لم يفد
معناه الإِفرادي إِلا بذكر متعلقه، فليس لأنه شرط، بل لأن وضع
"ذو" للتوصل (4) إِلى وصف العلم باسم الجنس، و "فوق" إِلى علو
(5) خاص اقتضى ذلك.
لكن قال بعض النحاة: لا يطرد؛ لأن "غير" المستثنى بها،
والأسماء المؤكدة تدل على معنى في غيرها، ولا ينعكس، لدلالة
"ليت" بنفسها على التمني، و "إِلا" على الاستثناء، وليس ذكر
الجمل لتتم دلالة الحرف. ولقائل أن يجيب بما سبق. وفيه نظر.
والله أعلم.
مسألة
الواو لمطلق الجمع، أي:
للقدر المشترك بين الترتيب والمعية، عند أكثر طوائف الفقهاء
والنحاة والمتكلمين (و)، وذكره الفارسي (6) إِجماع نحاة
__________
(1) في (ظ): "لا يرد" بدون الواو.
(2) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 226.
(3) نهاية 13 ب من (ظ).
(4) في نسخة في هامش (ب): للمتوصل.
(5) نهاية 17 ب من (ب).
(6) هو: أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، الفارسي الأصل،
أحد الأئمة في علم العربية، ولد في "فسا" من أعمال فارس سنة
288 هـ، ودخل بغداد سنة 307 هـ، وتجول في كثير من البلدان،
وقدم حلب سنة 341 هـ ثم عاد إِلى فارس، ثم رحل إِلى بغداد،
فأقام بها إِلى أن توفي سنة 377 هـ، وكان متهماً بالاعتزال. =
(1/130)
البصرة والكوفة، (1) وهو الصحيح.
وكلام أصحابنا يدل أن الجمع المعية، وذكر في التمهيد (2) وغيره
ما يدل (3) أنه إِجماع أهل اللغة، لإِجماعهم أنها في الأسماء
المختلفة كـ "واو الجمع" و "يا التثنية" في المتماثلة (4)،
[واحتج به ابن عقيل (5) وغيره]، (6) وفيه نظر؛ لجواز ذلك مع
كونها للترتيب، مع اختلاف أصحابنا فيما يلزم من قال: "له عليّ
درهمان ودرهم إِلا درهمًا"، أو قال: (7) "خمسة إِلا درهمين
ودرهماً"، بناء على أن الواو جعلت الجمل كجملة -كما ذكروه (8)
في قوله لغير مدخول بها (9): "أنت طالق وطالق وطالق"- أوْ لا،
__________
=من مؤلفاته: الإيضاح في قواعد العربية، والحجة في علل
القراءات، وجواهر النحو، والمسائل الشيرازيات. وله شعر قليل.
انظر: تاريخ بغداد 7/ 275، ونزهة الألباء/ 387، وإنباه الرواة
1/ 273، ووفيات الأعيان 2/ 80.
(1) حكاه في المحصول 1/ 1/ 507، وانظر: الإيضاح العضدي 1/ 285.
(2) انظر: التمهيد/ 16 ب.
(3) نهاية 33 من (ح).
(4) في (ب): التماثلة.
(5) انظر: الواضح 2/ 70 أ.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) انظر: الفروع لابن مفلح 6/ 626.
(8) في (ظ): ذكره.
(9) انظر: الفروع لابن مفلح 5/ 405، والقواعد والفوائد
الأصولية لابن اللحام/ 133، والمغني 7/ 480.
(1/131)
وأن الاستثناء رفع جميع الجملة الأخيرة،
ولا نظير له. وكذا ذكروه في الاستثناء (1) في الطلاق، وكذا في
الخلع (2) في: أنت طالق وطالق وطالق بألف.
وقال (3) ابن أبي موسى عن أحمد في مسألة غير المدخول [بها] (4)
المذكورة: تبين بواحدة - (وهـ ش)، وللمالكية خلاف (5) -لأن
الواو عنده للترتيب. والأَوْلى: لأنه إِنشاء، وهو يترتب بترتب
(6) اللفظ، والكلام لم (7)، بخلاف: أنت طالق ثلاثًا، فإِنه
تتمة للأول وتفسير لقصده.
واختار الحلواني (8) من أصحابنا: أنها للترتيب،
__________
(1) انظر: الفروع لابن مفلح 5/ 408، والقواعد والفوائد
الأصولية لابن اللحام / 134، والمغني 7/ 420.
(2) انظر: الفروع لابن مفلح 5/ 353، والقواعد والفوائد
الأصولية لابن اللحام/ 135، والمغني 7/ 346.
(3) انظر: القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام / 131.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من (ح).
(5) انظر: تكملة المجموع شرح المهذب 17/ 130، وبدائع الصنائع
4/ 1877، وشرح العضد 1/ 189، وشرح الخرشي 4/ 49 - 50.
(6) في (ح): ترتب.
(7) في (ب): ثم.
(8) في القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام/ 131: "أبو محمد
الحلواني" وهو: عبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد الحلواني،
ابن أبي الفتح، ولد سنة 490 هـ، وتفقه على أبيه وأبي الخطاب،
وبرع في الفقه والأصول، وناظر وصنف، توفي سنة=
(1/132)
وقاله (1) ثعلب -وهو من أصحابنا- وغلامه
(2) أبو عمر (3) وقطرب (4)
__________
=من مؤلفاته: التبصرة في الفقه، والهداية في أصول الفقه،
وتعليقة في مسائل الخلاف، وتفسير القرآن.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 221، وشذرات الذهب 1/
144.
(1) انظر: المسودة / 355.
(2) هو: أبو عمر محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرز
الباوردي. ويعرف بـ "غلام ثعلب" لأنه صحب ثعلباً النحوي زمناً،
وهو أحد أئمة اللغة. ولد سنة 261 هـ، وتوفي ببغداد سنة 345 هـ.
من مؤلفاته: اليواقيت -وهي رسالة في غريب القرآن- والمداخل
-وهي رسالة في اللغة- وأخبار العرب.
انظر: تاريخ بغداد 2/ 356، وطبقات الحنابلة 2/ 67، ونزهة
الألباء/ 345، ومعجم الأدباء 7/ 26، ووفيات الأعيان 4/ 329،
وتذكرة الحفاظ 3/ 84، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 189، ولسان
الميزان 5/ 268.
(3) في (ح): أبو عمرو قطرب.
(4) هو: أبو علي محمد بن المستنير بن أحمد، الشهير بـ "قطرب"
وهو لقب دعاه به أستاذه سيبويه فلزمه، نحوي عالم باللغة والأدب
من أهل البصرة من الوالي، كان يرى رأي المعتزلة النظامية، وهو
أول من وضع "المثلث" في اللغة، توفي سنة 206 هـ.
من مؤلفاته: الأزمنة، والأضداد.
انظر: طبقات النحويين واللغويين / 106، والفهرست/ 52، وتاريخ
بغداد 3/ 298، ونزهة الألباء/ 119، ووفيات الأعيان 4/ 312،
وبغية الوعاة/ 104، وشذرات الذهب 2/ 15.
(1/133)
وعلي بن عيسى الرَّبَعي (1) وبعض الشافعية.
(2)
واختار أبو بكر من أصحابنا: إِن كان كل واحد من المعطوف
والمعطوف عليه شرطًا في صحة الآخر كآية الوضوء (3): فللترتيب،
وإِلا فلا. (4)
لنا: الإِجماع السابق.
وعطفه تعالى السابق على اللاحق، كأيوب ويونس على عيسى (5).
وحكايته عن قول منكري البعث: (نموت ونحيا) (6).
ولو كانت للترتيب، لزم التناقض في آيتي البقرة والأعراف: (7)
__________
(1) هو: أبو الحسن علي بن عيسى الربعي، عالم بالعربية، أصله من
شيراز، ولد سنة 328 هـ، واشتهر في بغداد، وتوفي بها سنة 420
هـ.
من مؤلفاته في النحو: البديع، وشرح مختصر الجرمي، وشرح
الإِيضاح لأبي علي الفارسي، والتنبيه على خطأ ابن جني في تفسبر
شعر المتنبي.
انظر: نزهة الألباء 4/ 41، ومعجم الأدباء 5/ 283، وإِنباه
الرواة 2/ 297، ووفيات الأعيان 3/ 336.
(2) انظر: المحصول 1/ 1/ 508، والتمهيد للأسنوي/ 202 - 203،
ونهاية المسول 1/ 297.
(3) وهي قوله تعالى في سورة المائدة: آية 6: (يا أيها الذين
آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إِلى
المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلى الكعبين).
(4) انظر: المسودة/ 355.
(5) قال تعالى في سورة النساء: آية 163: (وعيسى وأيوب ويونس).
(6) سورة المؤمنون: آية 37: (إِن هي إِلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما نحن بمبعوثين).
(7) نهاية 14 أمن (ظ).
(1/134)
(وادخلوا الباب سجدًا) (1)، ولما صح: تقاتل
أو اشترك زيد وعمرو، ولكان: (2) "جاء زيد وعمرو (3) بعده"
تكرارًا، و "قبله" تناقضًا، وعند رؤيتهما معاً كذبًا.
ولا اشتراك ولا مجاز؛ لأنها للقدر المشترك، [وقال بعض أصحابنا:
لأنهما (4) خلاف الأصل] (5)
واستدل: لو كانت للترتيب،
لما حسن الاستفسار عن المتقدم والمتأخر، وبأن الجمع معقول، فلا
بد من وضع لفظ له، ولصح دخولها في جواب الشرط.
أجيب عن الأول: لرفع الاحتمال.
وعن الثاني: كما خلا الترتيب المطلق المشترك بين "الفاء" و
"ثم" عن لفظ يطابقه.
وعن الثالث: فيه لنا وجه، ثم يبطل بـ "ثم"، والواو فيه غير
عاطفة.
__________
(1) سورة البقرة: آية 58: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا
منها حيث شئتم رغدًا وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة).
وسورة الأعراف: آية 161: (وإِذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية
وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدًا).
(2) نهاية 34 من (ح).
(3) في (ب): وعمرو وبعده.
(4) في (ظ): لأنها.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(1/135)
قالوا: (اركعوا واسجدوا) (1).
ولمسلم (2) عن جابر (3): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ:
(إِن الصفا والمروة) (4)، فقال: (أبدأ بما بدأ الله به). (5)
وللنسائي (6) وغيره بإِسناد جيد: (فابدءوا
__________
(1) سورة الحج: آية 77.
(2) هو: أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري
النيسابوري، حافظ من أئمة المحدثين، ولد بنيسابور سنة 204 هـ،
ورحل إِلى الحجاز ومصر والشام والعراق، وتوفي بظاهر نيسابور
سنة 261 هـ.
من مؤلفاته: صحيح مسلم، والعلل، والكنى، وأوهام المحدثين.
انظر: تاريخ بغداد 13/ 100، وطبقات الحنابلة 1/ 337، ووفيات
الأعيان 5/ 194، وتذكرة الحفاظ 2/ 150، والبداية والنهاية 11/
33، وتهذيب التهذيب 10/ 126.
(3) هو: الصحابي الجليل جابر بن عبد الله.
(4) سورة البقرة: آية 158.
(5) هذا جزء من حديث رواه جابر.
أخرجه مسلم في صحيحه/ 886 - 893، وأبو داود في سننه 2/ 455 -
464، بلفظ: (نبدأ بما بدأ الله به)، والترمذي في سننه 2/ 176،
4/ 278 بمثل لفظ أبي داود، وقال: "هذا حديث حسن صحيح "،
والنسائي في سننه 5/ 235، 239، 340 - 241، وابن ماجه في سننه/
1022.
(6) هو: أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن
بحر بن دينار النسائي، صاحب السنن، القاضي الحافظ شيخ الإِسلام
أصله من "نسا" بخراسان، ولد سنة 215 هـ، وجال في البلاد،
واستوطن مصر، ثم خرج إِلى فلسطين، توفي=
(1/136)
بما بدأ الله به) (1).
ولمسلم عن عدي بن حاتم: أنه عليه السلام قال: (بئس الخطيب أنت)
-للقائل: ومن يعصهما- (قل: ومن يعص الله ورسوله) (2).
رد: الترتيب مستفاد من غيره.
والبدأة بالصفا من الأمر، وإلا لما أمر.
ونهى الخطيب لتركه إِفراد اسم "الله" بالتعظيم؛ لأن معصيتهما
لا
__________
=سنة 303 هـ.
من مؤلفاته: السنن، والضعفاء والمتروكون.
انظر: وفيات الأعيان 1/ 77، وتذكرة الحفاظ 2/ 241، وطبقات
الشافعية للسبكي 3/ 140، والبداية والنهاية 11/ 123، وخلاصة
تذهيب تهذيب الكمال/ 7، وشذرات الذهب 2/ 239، والرسالة
المستطرفة/ 11.
(1) أخرج النسائي في سننه 5/ 236: أخبرنا علي بن حجر، قال:
حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف سبعًا، رمل ثلاثًا ومشى
أربعًا، ثم قرأ: (واتخذوا من مقام إِبراهيم مصلى)، فصلى
سجدتين، وجعل المقام بينه وبين الكعبة، ثم استلم الركن، ثم خرج
فقال: (إِن الصفا والمروة من شعائر الله)، (فابدءوا
بما بدأ الله به).
وأخرجه الدارقطني في سننه 2/ 254.
وقد صححه بلفظ الأمر النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 177.
(2) هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه/ 592، وأبو داود في سننه
1/ 660، 5/ 259، والنسائي في سننه 6/ 90.
وليس في سنن أبي داود ولا في سنن النسائي: (قل: ومن يعص الله
ورسوله).
(1/137)
ترتيب فيها، وليس الترتيب في اللفظ من
"الواو"، [بل (1)] لأن العرب تبدأ بالأهم؛ ولهذا لا ترتيب في:
"رأيت زيدًا ورأيت (2) عمرًا" إِجماعًا.
مسائل
الفاء للترتيب والتعقيب
(و)، قال بعضهم: عرفا.
وفي الواضح (3): لا تعقيب في: (كن فيكون) (4). قال بعضهم (5):
قوله (لا تفتروا على الله كذبًا (6) فيسحتكم) (7) مجاز.
وحكى بعض أصحابنا عن بعض الناس: لا تعقيب. وهو باطل بإِجماع
أهل اللغة، وبدخولها على الجزاء.
و"ثم": للترتيب بمهلة [(و)]. (8)
آية (9) "الحج" و "المؤمنون "في" النطفة" و "العلقة" قيل:
الفاء لآخر
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) في (ح): "رأيت" بدون الواو.
(3) انظر: الواضح 1/ 26 ب.
(4) سورة البقرة: آية 117: (وإذا قضى أمرًا فإِنما يقول له كن
فيكون).
(5) انظر: نهاية السول 1/ 218.
(6) نهاية 18 ب من (ب).
(7) سورة طه: آية 61.
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(9) سورة الحج: آية 5: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث
فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة
وغير مخلقة) وسورة المؤمنون=
(1/138)
"النطفة" (*) وأول "العلقة"، و "ثم"
لأولهما (1). وقيل: يتعاقبان. وقيل: قد يستقرب لعظم الأمر
فيؤتى بـ "الفاء"، وقد يستبعد لطول الزمان فيؤتى بـ "ثم".
وأما: (ثم الله شهيد) (2)، (ثم كان من الذين (3) آمنوا). (4)
فقيل: لترتيب الأخبار بعضها على بعض، نحو: "زيد عالم ثم كريم"،
لا المخبر عنه. وقيل: بمعنى "الواو".
و"حتى" العاطفة: للجمع أيضًا، قيل: للترتيب كـ "ثم" , وقيل:
بين "الفاء" و "ثم"، وقيل: لا ترتيب فيها.
ويشترط (5) كون معطوفها جزءًا من متبوعه، ليفيد (6) قوة أو
ضعفاً،
__________
=آية 12 - 14: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة
مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا).
(*) كذا في النسخ. ولعل الصواب: وآية الحج والمؤمنون "في
العلقة والمضغة"، "لآخر العلقة وأول المضغة" كما يتضح من قراءة
الآيتين.
(1) في (ظ): لأولها.
(2) سورة يونس: آية 46: (وإما نرينَّك بعض الذي نعدهم أو
نتوفينَّك فإِلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون).
(3) نهاية 35 من (ح).
(4) سورة البلد: آية 11 - 17 (فلا اقتحم العقبة .. إِلى قوله
.. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة).
(5) في (ب): ويشرط.
(6) في (ب): ليقيد.
(1/139)
لتحصل الغاية التي هي معناها. تقول: "مات
الناس حتى الملوك، وقدم (1) الحاج حتى المشاة" لا يجوز العكس.
ونحو: "أكلت السمكة حتى رأسُها" بالجر بـ "حتى" فإِنه باق،
وبالنصب أي: أكلته، وبالرفع أي مأكول.
مسائل
مِنْ: لابتداء الغاية حقيقة، عند أكثر النحاة وعندنا، وقيل:
حقيقة في التبعيض -وقاله ابن عقيل (2) في مسألة "الواو"- وقيل:
في التبيين.
و"إِلى": لانتهاء الغاية، قال [بعض] (3) أصحابنا (4): و [قد]
(5) تكون بمعنى "مع" كقول الكوفيين (6).
وابتداء الغاية داخل (و) (7)، لا ما بعد "إِلى" في الأصح عندنا
فيهما (وم ش).
وعند أبي بكر (8) من
أصحابنا: إِن كانت الغاية من جنس المحدود
__________
(1) نهاية 14 ب من (ظ).
(2) انظر: الواضح 2/ 71 أ.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) انظر: العدة/ 203، والتمهيد / 17 ب.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) انظر: الجنى الداني/ 308.
(7) هذا الرمز محي من (ظ).
(8) انظر: المسودة / 356 - 357.
(1/140)
كالمرافق دخلت، وإِلا فلا كـ "إِلى الليل"
و "إِلى الغد". وذكره القاضي عن أهل اللغة (1).
وعند الحنفية (2): إِن قامت الغاية بنفسها، لم تدخل (3) في
الحكم، كـ "بعتك من هنا إِلى هنا"، وإِن تناوله (4) صدر الكلام
فالغاية لإِخراج ما وراءه (5) كالمرافق، والغاية في الخيار.
ومنع (6) (هـ) دخول العاشر في: الإِقرار من درهم إِلى عشرة؛
لعدم التناول، وعند صاحبيه: (7) يدخل؛ لعدم القيام بنفسه. وكذا
في الطلاق عندهم. (8)
و"على": للاستعلاء، وهي للإِيجاب.
و"في": للظرف، قال بعض أصحابنا: (9) حتى في: (ولأصلبنكم في
(10)
__________
(1) انظر: المرجع السابق/ 357.
(2) انظر: فواتح الرحموت 1/ 244.
(3) في (ح): لم يدخل.
(4) كذا في النسخ، ولعل المناسب: وإن تناولها.
(5) كذا في النسخ، ولعل المناسب: ما وراءها.
(6) انظر: فواتح الرحموت 1/ 246.
(7) انظر: المرجع السابق 1/ 247.
(8) انظر: كشف الأسرار 2/ 180.
(9) انظر: كتاب إِملاء ما من به الرحمن 2/ 124.
(10) نهاية 19 أمن (ب).
(1/141)
جذوع) (1)، كقول البصريين. وأكثر أصحابنا:
(2) بمعنى "على" كقول الكوفيين.
قال بعض أصحابنا: وللتعليل نحو: (لمسَّكم فيما أخذتم) (3)
وللسببية نحو: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها). (4) وضعَّفه
بعضهم بعدم ذكره لغة.
وذكر [بعض] (5) أصحابنا والنحاة لـ "اللام" أقسامًا، وفي
التمهيد: (6) حقيقة في الملك، لا يعدل عنه إِلا بدليل (7).
مسألة
ليس بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية، عندنا (و) خلافاً لعباد
بن سليمان المعتزلي (8).
__________
(1) سورة طه: آية 71: (ولأصبلنكم في جذوع النخل).
(2) انظر: العدة/ 208، والتمهيد/ 18أ، والواضح 1/ 27 أ.
(3) سورة الأنفال: آية 68.
(4) هذا جزء من حديث ورد بألفاظ. أخرجه البخاري في صحيحه 4/
30، من حديث ابن عمر. وتتمته: (فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من
خشاش الأرض)، وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) نهاية 36 من (ح).
(7) انظر: التمهيد/ 17 ب.
(8) هو: عباد بن سليمان الصيمري، كان من أصحاب هشام بن عمرو
الفوطي، قال عنه=
(1/142)
لنا: ما سبق (1) من المشترك للشيء وضده
ونقيضه. (2)
ولاختلاف الاسم لاختلاف الأمم مع اتحاد المسمى، وإِنما اختص كل
لفظ بمعنى بإِرادة الفاعل المختار.
...
مبدأ اللغات: توقيف من الله
-بإِلهام، أو وحي، أو كلام- عند أبي الفرج المقدسي وصاحب
الروضة (3) وغيرهما، قال بعض أصحابنا (4): هو الظاهر عندنا (ور
ظ) وجماعة.
__________
=أبو الحسين الملطي: كان أحد المتكلمين، فملأ الأرض كتبًا
وخلافاً، وخرج عن حد الاعتزال إِلى الكفر والزندقة، لحدة نظره
وكثرة تفتيشه. وقد بلغ مبلغاً عظيمًا. توفي في حدود سنة 250
هـ.
من مؤلفاته: كتاب يسمى "الأبواب"، نقضه أبو هاشم. وله مجادلات
ومناظرات مع عبد الله بن كلاب.
انظر: التنبيه والرد/ 39، والفهرست / 180، والتبصير في الدين
مع هامشه/ 72، والمنية والأمل/ 83.
(1) انظر: ص 60، 62 من هذا الكتاب.
(2) النقيضان هما: المعلومان اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان،
كالوجود والعدم المضافين إِلى معين واحد. والضدان هما:
المعلومان اللذان لا يجتمعان ويرتفعان، لاختلاف الحقيقة،
كالسواد والبياض.
انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 68.
(3) انظر: الروضة/ 172.
(4) انظر البلبل/ 36، ومجموع الفتاوى 7/ 91، 12/ 447.
(1/143)
وقال أبو هاشم المعتزلي (1) وجماعة (2):
اصطلاحية، وضعها واحد أو جحاعة، وعرف الباقون بإِشارة وتكرار،
كالطفل والأخرس والجارح للاصطياد.
وقال (3) أبو إِسحاق الإِسفراييني (4): ما يحتاج إِليه توقيف
(5). قيل: وغيره ممكن، وقيل: اصطلاح.
وقال ابن الباقلاني (6) وأبو المعالي (7) وابن برهان (8)
وجماعة: الجميع ممكن. واختاره القاضي (9) وأبو الخطاب، (10) في
كلامه أيضًا: لا يجوز
__________
(1) هو: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، من أبناء
"أبان" مولى عثمان، عالم بالكلام، من كبار المعتزلة، له آراء
انفرد بها، وتبعته فرقة سميت "البهشمية" نسبة إِلى كنيته "أبو
هاشم"، وله مصنفات في الاعتزال كما لأبيه من قبله. مولده
ببغداد سنة 247 هـ، ووفاته بها سنة 321 هـ.
انظر: تاريخ بغداد 11/ 55، ووفيات الأعيان 3/ 183، وميزان
الاعتدال 2/ 618، والبداية والنهاية 11/ 176، وخطط المقريزي 2/
348.
(2) انظر: مجموع الفتاوى 7/ 91.
(3) انظر: الوصول لابن برهان/ 12 ب، والمسودة / 563.
(4) نهاية 15 أمن (ظ)
(5) في (ب) و (ظ): توقيفي.
(6) انظر: الوصول لابن برهان/ 12 ب، والمسودة/ 563.
(7) انظر: البرهان لأبي المعالي 1/ 170.
(8) انظر: الوصول لابن برهان/ 12 ب- 13 أ.
(9) انظر: العدة/ 190 - 191.
(10) انظر: التمهيد/ 12 أ-ب.
(1/144)
أن شيئًا منها توقيف. وحكي عن المعتزلة.
(1)
واختار ابن عقيل: (2) بعضها توقيف، وبعضها اصطلاح. وذكره عن
المحققين. وعنده: الاصطلاح بعد خطابه تعالى، وأبطل القول (3)
بسبقه له.
وقال بعض أصحابنا: قطع قوم بأحد ما ذكر عيناً، وظنه قوم، وتوقف
(4) الأكثر.
القائل بالتوقيف: (وعلم
آدم) (5).
قالوا: ألهمه أو (6) علمه بعضها، أو اصطلاحاً سابقًا، أو حقيقة
الشيء وصفته، لقوله: (ثم عرضهم).
رد: الأصل اتحاد (7) العلم، وعدم اصطلاح سابق (8)، وحقيقة
اللفظ، وقد أكده بـ (كلها)، وفي الصحيحين (9) في حديث الشفاعة:
(وعلمك
__________
(1) انظر: المسودة/ 563.
(2) انظر: الواضح 1/ 207 أوما بعدها.
(3) في (ب): "وأبطل القول القول"، بتكرار لفظ "القول".
(4) في (ب): وتوقيف.
(5) سورة البقرة: آية 31: (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على
الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إِن كنتم صادقين)
(6) في (ب): وعلمه.
(7) في (ح): إِيجاد.
(8) نهاية 19 ب من (ب).
(9) وهما: صحيح البخاري، وصحيح مسلم.
(1/145)
أسماء كل شيء) (1)، وفي الرابع (2): (3)
إِضافة الشيء إِلى نفسه في قوله: (بأسماء هؤلاء)، فالتعليم
للأسماء وضمير (عرضهم) للمسميات.
ولظاهر قوله: (ما فَرَّطْنا) (4)، وقوله (عَلَّم الإِنسان)
(5)، وقوله: (واختلاف ألسنتكم) (6)، وحمله على اللغة أبلغ من
الجارحة، وعلى اختلاف اللغات أولى من الإِقدار عليها، لقلة
الإِضمار.
القائل بالاصطلاح: (وما
أرسلنا من رسول إِلا بلسان قومه) (7)، فاللغة سابقة، لئلا يلزم
الدور.
__________
(1) حديث الشفاعة حديث طويل أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 17، 9/
121، من حديث أنس.
وأخرج مسلم أصل الحديث في صحيحه/ 180، وليس فيه: (وعلمك أسماء
كل شيء).
وأخرج أبو داود في سننه 5/ 78 - 79 حديث عمر في محاجة آدم
وموسى، وفيه: (وعلمك الأسماء كلها). وسكت عنه.
(2) وهو قولهم: "أو حقيقة الشيء وصفته". فيلزم منه إِضافة
الشيء إِلى نفسه ... الخ.
(3) نهاية 37 من (ح).
(4) سورة الأنعام: آية 38: (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
(5) سورة العلق: آية 5: (علم الإِنسان ما لم يعلم).
(6) سورة الروم: آية 22: (ومن آياته خلق السماوات والأرض
واختلاف ألسنتكم وألوانكم).
(7) سورة إِبراهيم: آية 4.
(1/146)
رد: لا ينحصر التوقيف في الرسالة، ويجوز
تعليم آدم قبل بعثته. (1)
قالوا: التوقيف يتوقف على معرفة أن ذلك اللفظ لذلك المعنى، ولا
يعرف إِلا بأمر خارج، فإِن كان توقيفًا: تسلسل، فتعين
الاصطلاح.
رد: بقطع التسلسل بخلق علم ضروري لمن سمع اللفظ أنه لذلك
المعنى، ويلزم مثله في الاصطلاح؛ لأن ما يتخاطب به إِن كان
باصطلاح: تسلسل، فتعين التوقيف. (2)
ويجوز (3) تسمية الشيء بغير التوقيف -ما لم يحظره الله- فيبقى
له اسمان: "توقيف، واصطلاح"، ذكره القاضي (4) [وغيره] (5)
وقاله ابن الباقلاني وغيره (ظ) وغيرهم (6).
...
طريق معرفة اللغة: التواتر
فيما لا يقبل تشكيكًا كـ "سماء" و "أرض"، والظن في غيره.
قال بعض أصحابنا وغيرهم: (7) والأدلة القولية تفيد اليقين، وأن
عند
__________
(1) في (ظ): بعثه.
(2) في (ظ): التوقف.
(3) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 287، والذخر الحرير/ 18.
(4) انظر: العدة/ 191.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) انظر: المسودة/ 563.
(7) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 292، والمسودة / 240، والذخر
الحرير/ 19.
(1/147)
السلف لا يعارض القرآن غيره بحال. وَحَدَثَ
ما قيلَ أمورٌ قطعية عقلية تخالف القرآن.
ومن النقل: استنباط العقل، كنقل دخول استثناء (1) في جمع معرف
وأنه (2) إِخراج، فيقال بأنه عام. والله أعلم.
...
__________
(1) نهاية 15 ب من (ظ).
(2) في (ظ): فإِنه.
(1/148)
فصل في مادة أصول
الفقه من تصور الأحكام الشرعية
لا حاكم إِلا الله: فالعقل لا يحسن ولا يقبح، ولا يوجب ولا
يحرم، عند أكثر أصحابنا -قاله أبو الخطاب (1) وغيره- منهم: ابن
عقيل (2) وذكره مذهب أحمد (3) [وأهل السنة والفقهاء] (4)،
والقاضي (5) وتعلّق بقول أحمد: "ليس في السنة قياس، ولا تضرب
(6) لها الأمثال، ولا تدرك بالعقل، وِإنما هو الاتباع" (7).
ورده أبو الخطاب (8): بأنه إِن صح عنه فالمراد به الأحكام
الشرعية (9).
__________
(1) انظر: التميهيد/ 195 أ.
(2) انظر: الواضح 1/ 6 ب.
(3) نهاية 20 أمن (ب).
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) انظر: العدة/ 422، 190أ، والمعتمد للقاضي/ 21.
(6) نهاية 38 من (ح).
(7) رواه عبدوس بن مالك العطار عن أحمد. انظر: العدة/ 190 أ-
ب، والتمهيد/ انظر: التمهيد/ 201 أ.
(8) انظر التمهيد/ 201 أ.
(9) التي سنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشرعها. انظر:
التمهيد/ 201 أ.
(1/149)
وهو قول الأشعرية وبعض الجهمية (1)، قال
الآمدي (2): وأكثر العقلاء، وأن عندهم يطلقان باعتبار موافقة
الغرض ومخالفته، وباعتبار (3) أمر الشارع بالثناء على فاعله
فيعمّ [فعل الله و] (4) الواجب والمندوب، أو ذمّه فيختص
الحرام، وباعتبار ما لفاعله -مع العلم والقدرة- فعله، بمعنى
نفي الحرج، فيعم المباح -زاد بعضهم: والمكروه- والقبيح ما
قابله، وهذه الاعتبارات إِضافية لا ذاتية، لاختلافها باختلاف
الأغراض، وأمر الشارع، وأحوال الفاعلين.
أما فعل الله فحسنٌ بعد الشرع بالاعتبار الثاني والثالث، وقبله
بالثالث، وفعل العاقل قبل الشرع حصن بالأول والثالث، وبعده
بالجميع.
وفعل الله بالاعتبار الأول مسألة (5) فعله وأمره لعلة وحكمة،
أو بهما (6): ينكره كثير من أصحابنا كالقاضي (7) وكثير من
المالكية (8)
__________
(1) انظر: المحصول 1/ 1/ 160، والتمهيد/ 201 أ.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 79.
(3) في (ظ): "باعتبار" بدون الواو.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(5) في هامش (ظ): هذه المسألة ليست بمسألة مبتدأة، وإينما
المعنى: وفعل الله تعالى باعتبار موافقة الغرض هو مسألة فعله
وأمره لعلة أو حكمة أو لهما. فقوله "فعله" مجرور بإضافة
"مسألة" إِليه.
(6) في (ظ) أولهما.
(7) انظر: العدة/ 421، والمعتمد للقاضي 1/ 107، 148.
(8) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 90.
(1/150)
والشافعية، وقاله الجهمية (1) والأشعرية
والظاهرية وغيرهم.
ويثبته آخرون من أصحابنا وغيرهم، وذكره بعضهم إِجماع السلف
والجمهور، وقاله (2) المعتزلة والكرامية والشيعة (3)، للنصوص،
ولئلا يكون أمر الشارع بأحد المتماثلين ترجيحًا بلا مرجح.
__________
(1) تقدم ذكر "الأشعرية" على ذكر "الجهمية" في (ظ).
(2) قوله: "وقاله المعتزلة والكرامية والشيعة" مثبت من (ب).
وقد جاء متأخرًا في (ح) و (ظ). وسأشير إِليه بعد قليل. ولعل
الصواب: ثبوته هنا. وقد كان مثبتًا -هنا- في (ح)، ثم ضرب عليه،
وأثبت متأخرًا.
(3) الشيعة: إِحدى الفرق المشهورة، وهم الذين شايعوا علياً
-رضي الله عنه- على الخصوص، وقالوا بإمامته نصاً ووصاية من
الرسول- عليه السلام- إِما جليًا، وإما خفياً، واعتقدوا أن
الإِمامة لا تخرج من أولاده، وإِن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو
بتقية منه ومن أولاده.
وإِنما سميت الشيعة شيعة لمشايعتهم علياً وأولاده، والمشايعة:
الوالاة والمناصرة، والشيعة: الأولياء والأنصار والأصحاب
والأحزاب ...
ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأئمة
-وجوبًا- عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبرؤ قولاً
وفعلاً وعقدًا لا في حال التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك.
وقد افترقوا إِلى فرق كثيرة، وأصولهم ثلاث فرق: غلاة، وزيدية،
وإمامية، وبعضهم يميل في الأصول إِلى الاعتزال، وبعضهم إِلى
السنة، وبعضهم إِلى التشبيه.
انظر: الفرق بين الفرق/ 29، والملل والنحل 1/ 234، والفرق
الإِسلامية/ 33، والحور العين/ 178.
(1/151)
وجوزت طائفة الأمرين.
وعند الأولين ترجح لمجرد المشيئة (1)، ويقولون: علل الشرع
أمارات محضة، وبعضهم يقول: بالمناسبة ثبت الحكم عندها لا بها،
وبعضهم كالغزالي -وقاله من أصحابنا أبو الخطاب وأبو (2) محمد
(3) بن المَنِّي وصاحب الروضة- يقول: (4) الشارع جعل الوصف
المناسب موجباً لحسن
__________
(1) جاء -هنا- في (ح) و (ظ): "قاله المعتزلة والكرامية
والشيعة".
وقد أثبت في (ب) متقدماً، كما أشرت إِلى ذلك قبل قليل. وقلت:
لعل ذكره هناك هو الصواب.
(2) نهاية 39 من (ح).
(3) كذا في النسخ. ولم أجد في أصحابنا: "أبو محمد بن المنِّي".
والموضوع بين أمرين:
1 - إضافة "غلام" بين "أبو محمد" و "ابن"، فيكون هكذا: و "أبو
محمد غلام ابن المني" وهو: الفخر إسماعيل".
2 - حذف "أبو محمد" أو إِبدالها بـ "أبو الفتح"، فيكون هكذا:
"وابن المنِّي" أو "وأبو الفتح بن المنِّي". والأمر الثاني هو
ما أميل إِليه استنادًا إِلى سياق هذا الكلام في شرح الكوكب
المنير 1/ 318.
وابن المنِّي هو: نصر بن فتيان بن مطر النهرواني ثم البغدادي،
أبو الفتح، المعروف بـ "ابن المني"، الفقيه الزاهد، فقيه
العراق، ولد سنة 501 هـ، وصرف همته طول عمره إِلى الفقه أصولاً
وفروعًا، وقام بعدة رحلات علمية، قرأ الفقه عليه خلق كثير في
الشام وبغداد وغيرهما، توفي سنة 583 هـ.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 358، وشذرات الذهب 4/ 276.
(4) في (ح): نقول.
(1/152)
الفعل وقبحه، لا أنه [كان] (1) حسناً
وقبيحًا قبله، كما يقوله (2) المثبتون.
ومن أهل السنة (3) من يسمي الحكمة "غرضًا" حتى من المفسرين
كالثعلبي (4) -كقول المعتزلة- ومنهم من لا يطلقه؛ لأنه يوهم
المقصود الفاسد.
وقال (5) أبو الحسن التميمي من أصحابنا: "العقل (6) يحسن
ويقبح، ويوجب ويحرم"، وقاله أبو الخطاب (7)، وقال: (8) "وهو
قول عامة العلماء من الفقهاء والمتكلمين وعامة الفلاسفة"،
وقاله الحنفية (9).
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) نهاية 20 ب من (ب).
(3) انظر: المعتمد للقاضي/ 107، 148، ومنهاج السنة 2/ 240.
(4) هو: أبو إِسحاق أحمد بن محمد بن إِبراهيم الثعلبي، مفسر من
أهل نيسابور، وله اشتغال بالتاريخ، توفي سنة 427 هـ.
من مؤلفاته: عرائس المجالس في قصص الأنبياء، والكشف والبيان في
تفسير القرآن، ويعرف بـ "تفسير الثعلبي".
انظر: اللباب 1/ 237، وإنباه الرواة 1/ 191، ووفيات الأعيان/
791، والبداية والنهاية 12/ 40.
(5) حكاه في العدة/ 190أ، وفي التمهيد/ 201 أ.
(6) نهاية 16 أمن (ظ).
(7) انظر: التمهيد/ 201 أ.
(8) انظر: المرجع السابق.
(9) في كشف الأسرار 4/ 231: والقول الصحيح هو قولنا: أن العقل
غير موجب=
(1/153)
وللمالكية (1) والشافعية (2) وأهل الحديث
قولان.
وذكر (3) أبو نصر السِّجْزي (4)، وأبو القاسم الزَّنْجاني (5):
أن الأول (6)
__________
=بنفسه، لا كما قال الفريق الأول -يعني المعتزلة- وغير مهدر
أيضًا، لا كما قال الفريق الثاني -يعني الأشاعرة- فإن من أنكر
معرفة الله تعالى بدلالات العقول وحدها فقد قصر، ومن ألزم
الاستدلال بلا وحي ولم يعذره بغلبة الهوى- مع أنه ثابت في أصل
الخلقة- فقد غلا ... الخ. وفي تيسير التحرير 2/ 150: قول
الحنفية عين قول المعتزلة.
وانظر: فواتح الرحموت 1/ 25. فالذي يظهر أن الحنفية عنهم قولان
في المسألة.
(1) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 88، وشرح العضد 1/ 199.
(2) انظر: المنخول 151، وغاية المرام/ 235.
(3) انظر: كتاب الرد على المنطقيين/ 421.
(4) هو عبيد الله -وقيل: عبد الله- بن سعيد بن حاتم السجزي
الوائلي البكري، من حفاظ الحديث، جاء ذكره في طبقات الأحناف،
أصله من سجستان، ونسبته إِليها على غير قياس، سكن مكة، وتوفي
بها سنة 444 هـ.
من مؤلفاته: الإبانة عن أصول الديانة في الحديث.
انظر: المنتظم 8/ 310، والجواهر المضية 1/ 338، وتذكرة الحفاظ
3/ 297، وتاج التراجم/ 39، والرسالة المستطرفة/ 39.
(5) في كتاب الرد على المنطقيين/ 421: سعد بن علي.
وهو: أبو القاسم سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين
الزنجاني، الحافظ الزاهد الورع، الشافعي، ولد في حدود سنة 380
هـ. سمع بمصر وبزنجان وبدمشق، وجاور بمكة، وصار شيخ حرمها،
وروى عنه كثيرون، توفي بمكة سنة 471 هـ.
والزنجاني: نسبة إِلى "زنجان" وهي بلدة على حد أذربيجان.
انظر: المنتظم 8/ 320، وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 383، والنجوم
الزاهرة 5/ 108، وشذرات الذهب 3/ 339.
(6) وهو نفي الحسن والقبح العقليين. انظر: الرد على المنطقيين/
421.
(1/154)
أحدثه الأشعري.
وقالت المعتزلة والكرامية والرافضة (1) بالثاني، فقدماء
المعتزلة: بغير صفة في الفعل بل لذاته، وقيل: بصفة لازمة، وقيل
به في القبيح، والجبائية: بصفة عارضة: فإِن كانت بالقياس إِلى
شيء آخر فهي اعتبار، لملاحظة العقل المحل المجاوز عنه إِلى
غيره، وإلا فهي وجه تشبيهاً بوجه الإِنسان؛ لامتيازه به.
__________
(1) من المحققين من يجعل "الرافضة" مرادفة لـ "الشيعة"،
فيقسمها إِلى أصناف الشيعة، وهي: غلاة، وزيدية، وإمامية.
واعترض على ذلك بأن الزيدية ليست من الرافضة؛ لأنهم أتباع زيد
بن علي الباقون على اتباعه، والرافضة هم الذين كانوا معه ثم
تركوه، لأنهم طلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين، فقال: لا. فرفضوه
وتفرقوا عنه. وجاء تعيينهم في الملل والنحل بأنهم شيعة الكوفة.
وجاء في الحور العين: وسميت الرافضة من الشيعة رافضة لرفضهم
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وتركهم الخروج معه
حين سألوه البراءة من أبي بكر وعمر فلم يجبهم إِلى ذلك.
وقال المعترض: وقد يطلق بعض الناس اسم الرافضي على كل من يتولى
أهل البيت، فتدخل الزيدية على هذا الأساس.
ومن المحققين من يجعل "الرافضة" مرادفة لـ "الإِمامية" التي هي
صنف من أصناف الشيعة، كما فعل الإمام أبو الحسن الأشعري، فقد
قسم الشيعة إِلى ثلاثة أقسام: غلاة، وإمامية "رافضة"، وزيدية.
وقال: الرافضة "الإِمامية" ... وإِنما سموا رافضة لرفضهم
إِمامة أبي بكر وعمر ... قال: وهم يدعون "الإِمامية" لقولهم
بالنص على إِمامة علي بن أبي طالب ... أهـ. وما ذكره حسن.
انظر: الفرق بين الفرق/ 21، والملل والنحل 1/ 251، والحور
العين/ 184، ومقالات الإِسلاميين 1/ 88 - 89.
(1/155)
وقال بعض أصحابنا (1): لم يقل أحد أن الحسن
والقبح لازم لذات الفعل، كما تظنه طائفة نقلت قولهم. وقال
أيضًا: كون الفعل سببًا للثواب والعقاب مما يلائم الفاعل
وينافره، وكل ملاءمة ومنافرة للإِنسان إِنما تعود إِلى
الملاءمة الطبيعية والمنافرة الطبيعية، لكن قد يكون الفعل
ملائمًا من وجه، منافرًا من وجه، وعقله يأمره بأنفعهما له، فمن
ادعى حسنًا أو قبحًا عقليًا أو شرعيًا -بغير ملاءمة ومنافرة-
فقد (2) قال ما لا يعرف، ولم يتصور ما يقول، ولا دليل لمن
نفاه، كما لا دليل لمن أثبته بغير ملاءمة الفاعل ومنافرته.
والله أعلم.
وجه الأول: قوله تعالى:
(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (3)، (لئلا يكون للناس على
الله حجة بعد الرسل) (4)، ويلزم من ترك (5) الواجب وفعل المحرم
عدم الأمن من العذاب، لعدم تحققهما دونه، واللازم منتف قبل
الشرع بالآية، فلا (6) ملزوم. اعتمد عليه الآمدي (7) وغيره.
__________
(1) انظر: كتاب الرد على المنطقيين/ 422.
(2) نهاية 40 من (ح).
(3) سورة الإسراء: آية 15.
(4) سورة النساء: آية 165: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون
للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزًا حكيمًا)
(5) في (ظ): يترك.
(6) نهاية 21 أمن (ب).
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 92.
(1/156)
واعترض
بأن هذا فيما طريقه الشرع لا العقل بدليل أدلتنا، قاله أبو
الخطاب (1)، ولا يلزم من الوجوب والتحريم استحقاق العذاب، كما
سبق (2) من أنه الطلب الجازم فقط، ثم: لا يلزم من استحقاق
العذاب وقوعه، لجواز العفو، أو لأن السمع شرط فيه، وإِرسال
الرسل أقطع للعذر، ودلالتها مفهوم.
رد: بعموم الآية، وتأتي أدلتهم، واللازم يلزم المعتزلة (3) على
أصلهم.
وقال بعض أصحابنا: لا يستحق العذاب إِلا بإِرسال الرسل، فهم
(4) (5) شرط حصوله، فالأمن منه حاصل.
ولأنه لا تكليف قبل البلوغ. كذا قيل، وفيه نظر.
والاعتراض والجواب كما سبق، ومنعه أبو الخطاب (6) والمعتزلة
فيما يستفاد بالعقل إِذا (7) عقل الحسن والقبيح.
ولأنه (8) لو قبح الكذب لذاته أو صفة لازمة: اجتمع النقيضان في
__________
(1) انظر: التمهيد لأبي الخطاب 2021 ب.
(2) كذا في النسخ. ولعل الصواب: "كما سيأتي". فإِن الكلام على
ذلك سيأتي في بحث "الواجب". ولم يسبق فيه شيء.
(3) في (ظ): للمعتزلة.
(4) في (ظ): فيهم.
(5) نهاية 16 ب من (ظ).
(6) انظر: التمهيد/ 203 ب.
(7) في (ظ): إِن.
(8) في (ظ): "ولا لو". وفي نسخة في هامش (ب): "وإلا لو".
(1/157)
صدق من قال: "لأكذبن غداً"، وكذا في كذبه،
ولَمَا حَسُنَ إِذا تعيّن لنع معصومٍ من قتل.
ورد هذا: بمنع تعيينه، ثم (1) بمنع حسنه: روى ابن أبي الدنيا
(2) بإِسناد ضعيف عن عمران (3) مرفوعًا: (إِن في المعاريض
لمندوحة عن الكذب). (4)
__________
(1) من قوله: "ثم بمنع حسنه" إِلى قوله: "وثبت عن النخعي" أثبت
من (ب) و (ظ). وجاء في (ح) تعبير عن هذا الكلام بألفاظ أخر،
وهي: "اكتفاء بالتعريض، للخبر المرفوع والأثر، ثم بمنع حسنه".
ثم أثبت في هامشها ما هو مثبت في (ب) و (ظ). وأبقي ما فيها على
ما هو عليه.
(2) هو: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القرشي،
الأموي مولاهم، البغدادي، واعظ حافظ للحديث، مكثر من التصنيف،
ولد ببغداد سنة 208 هـ، وتوفي بها سنة 281 هـ.
من مؤلفاته: الفرج بعد الشدة، والشكر، والعقل وفضله، وذم
الدنيا.
انظر: الفهرست/ 185، وتاريخ بغداد 10/ 89، وطبقات الحنابلة 1/
192، وتذكرة الحفاظ 2/ 224، وفوات الوفيات 1/ 236، وتهذيب
التهذيب 6/ 12.
(3) هو الصحابي أبو نجيد عمران بن حصين.
(4) ترجم البخاري في صحيحه، في كتاب الأدب: باب المعاريض
مندوحة عن الكذب 8/ 46 - 47. ولم يذكره.
وفي الأدب المفرد للبخاري، باب المعاريض/ 305: حدثنا آدم قال:
حدثنا شعبة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: صحبت
عمران ابن حصين إِلى البصرة، فما أتى علينا يوم إِلا أنشدنا
فيه الشعر، وقال: إِن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب.=
(1/158)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. .
__________
=وفي المقاصد الحسنة للسخاوي/ 115، 116 - بعد أن ذكر ما جاء في
الأدب المفرد للبخاري-: وأخرجه الطبري في التهذيب، والبيهقي في
الشعب، والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وهو عند ابن السني
من طريق الفضل بن سهل حدثنا سعيد بن أوس حدثنا شعبة عن قتادة
به مرفوعًا، وكذا قال البيهقي: رواه داود بن الزبرقان عن سعيد
بن أبي عروبة عن قتادة، لكن عن زرارة بن أوفى عن عمران
مرفوعًا. قال: والموقوف هو الصحيح. وكذا وهّى المرفوع ابن عدي.
قال البيهقي: وروي من وجه آخر ضعيف مرفوعًا، يشير إِلى ما
أخرجه أيضًا من طريق أبي بكر بن كامل في فوائده من حديث علي
مرفوعًا. وكذا هو عند أبي نعيم من طريق الديلمي من جهة يعقوب
بن إِبراهيم بن سعد حدثنا أبو موسى عن عطاء بن السائب حدثنا
عبد الله بن الحارث عن علي رفعه: (إِن في المعاريض ما يكفي
الرجل العاقل عن الكذب).
وبالجملة فقد حسن العراقي هذا الحديث، وقال عن سند ابن السني:
"إِنه جيد"، ورد على الصغاني حكمه عليه بالوضع.
وللبخاري أيضًا في الأدب المفرد -باب المعاريض ص 305 -
والبيهقي في الشعب من طريق أبي عثمان النهدي عن عمر قال: أما
في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب؟ ورواه العسكري من حديث
محمد بن كثير عن ليث عن مجاهد قال، قال عمر بن الخطاب: إِن في
المعاريض لمندوحة للرجل المسلم الحر عن الكذب. وأشار إِلى أن
حكمه الرفع. وقال: المعاريض: ما حادت به عن الكذب، والمندوحة:
السعة. انتهى ما في المقاصد. وانظر -أيضًا-: كشف الخفاء 1/
270، 271.
وفي النهاية لابن الأثير، مادة "عرض" 3/ 212: وفيد: (إِن في
المعاريض لمندوحة عن الكذب). المعاريض: جمع معراض، من التعريض،
وهو: خلاف التصريح من القول.
يقال: عرفت ذلك في معراض كلامه ومعرض كلامه، بحذف الألف. أخرجه
أبو عبيد وغيره من حديث عمران بن حصين. وهو حديث مرفوع. ومنه
حديث عمر:=
(1/159)
وثبت عن النخعي (1)، وسُلِك لدفع ما هو
أقبح منه، وقاله أبو الخطاب أيضًا، وذكره ابن عقيل (2) عن قوم،
وبعَّده بأنه يلزمهم تحريم الميتة في الضرورة، وسلك لبقاء
النفس.
ولأن المقتضي لقبح الخبر الكاذب:
إِما نفس الخبر فيلزم قبحه مع صدقه، أو عدم الخبر عنه فيكون
العدم علة لأمر ثبوتي، أو هما (3) فجزء علته، أو خارج: فإِما
لازم للخبر، أو عدم المخبر عنه، أو هما، فيلزم ما لزم، أو لازم
لخارج: عاد التقسيم [في الخارج] (4) وتسلسل، أو غير لازم،
فيمكن مفارقته له، فلا يقبح الخبر الكاذب.
__________
="أما في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب؟ ".
وفي النهاية لابن الأثير، مادة "ندح" 5/ 35: فيه: (إِن في
المعاريض لمندوحة عن الكذب). أي: سعة وفسحة. يقال: ندحت الشيء,
إِذا وسعته. وإنك لفي ندحة ومندوحة من كذا. أي: سعة. يعني: أن
في التعريض بالقول من الاتساع ما يغني الرجل عن تعمد الكذب.
(1) هو: أبو عمران إِبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي،
من مذحج، من أكابر التابعين صلاحًا وصدق رواية وحفظًا للحديث،
من أهل الكوفة، ولد سنة 46 هـ، وتوفي مختفيًا من الحجاج سنة 96
هـ.
انظر: طبقات ابن سعد 6/ 188، وحلية الأولياء 4/ 219، ووفيات
الأعيان 1/ 25، وتاريخ الإِسلام 3/ 335، وغاية النهاية 1/ 29،
وتهذيب التهذيب 1/ 177.
(2) انظر: الواضح 1/ 29 أ.
(3) نهاية 41 من (ح).
(4) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(1/160)
ورد: بجواز كون عدم المخبر عنه شرطاً في
القبح، والشرط غير مؤثر.
ويأتي تعليل (1) أمر ثبوتي بعدم. (2)
واحتج الآمدي (3): لو كان ذاتيًا: لزم قيام العَرَض بالعَرَض؛
لأن الحسن (4) زائد على الفعل، وإِلا لزم تعقله بتعقله، والحسن
وجودي، لقيامه بالفعل، لأنه صفته، ولأن نقيضه: [لا] (5) حسن،
وهو عدمي لاتصاف العدم به، وإِلا استلزم محلاً وجوديًا، والعرض
لا يقوم إِلا بجوهر أو بما (6) يقوم به قطعًا للتسلسل.
ورد: بأن الاستدلال بصورة النفي على الوجود دور، فإِنه قد يكون
ثبوتيًا كـ "اللامعدوم" (7)، أو منقسمًا كـ "كاللا امتناع" (8)
يصدق على
__________
(1) في (ظ): تعلل.
(2) يأتي ذلك في القياس.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 84.
(4) نهاية 21 ب من (ب).
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(6) في (ب): "أو ما"، بدون الباء.
(7) قوله: "كاللامعدوم" مثبت من (ب) و (ح). وكانت هذه الكلمة
موجودة في (ظ) ثم محيت وبقي منها: "كالا". ثم كتب في هامشها:
لعله "كالانعدام". وفي شرح العضد 1/ 206: ثبوتياً كاللاامتناع.
(8) في (ب): "كالامتناع". والمثبت من (ح)، لكنه رسم هكذا:
"كاللامتناع" وكانت مرسومة في (ظ) كما في (ح)، ثم جعلت
"كالامتناع". وفي شرح العضد 1/ 207: أو منقسمًا ... كاللا
معلوم.
(1/161)
موجود ومعدوم ممكنين.
وبمنع أن العدم ليس صفة ذاتية للشيء، لاقتضاء (1) كل أمر
باتصافه بنقيض مباينه، فإِن الإِنسان يتصف بكونه لا فرسًا.
ولا نسلم امتناع قيام عرض بعرضٍ قائمٍ بجوهر.
وبانطباق الدليل على الإِمكان بأنه ثبوتي؛ لأن نقيضه: لا
إِمكان.
ورده الآمدي (2): بأن الإِمكان تقديري، فنقيضه: نفي التقدير،
والمقدر ليس عرضًا. فقيل له: فمثله (3) في الحسن. فقال: يخرج
عن كونه صفة ثابتة للذات وهو المطلوب.
واستدل: فعل العبد ليس اختياريًا، فلا يوصف بهما (4) لذاته
إِجماعاً؛ لأنه إِن لم يمكنه تركه فضروري (5)، وإن أمكنه: فإِن
افتقر إِلى مرجح عاد التقسيم وتسلسل، وإلا كان اتفاقيًا.
ورد: بالقطع بأنه اختياري (6)، للعلم بالفرق بين الضرورة
والاختيار، كحركة الإِنسان في أرض مستوية وإِلى أسفل، والتشكيك
في الضروري لا يستحق جواباً.
__________
(1) في (ب): "لاقتفا".
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 85.
(3) نهاية 17 أمن (ظ).
(4) في (ظ): بها.
(5) نهاية 42 من (ح).
(6) في (ب):اختاري.
(1/162)
وبلزوم الدليل في فعل الله، وأن لا يوصف
فعل العبد بحسن ولا قبح شرعًا لكونه غير مختار.
والحق أن المرجح هو الاختيار، ولزوم الفعل (1) به لا ينافي
القدرة عليه.
ولا وجه لمن ذكر هذا الدليل وضَعَّفه، (1/ 1) ثم يحتج فيقول:
لو حسن الفعل أو قبح لذاته أو لصفته (2) لم يكن الباري مختارًا
في الحكم، لأن الحكم بالمرجوح على خلاف المعقول فيلزم الآخر،
فلا اختيار. ولهذا لم يذكره الآمدي وغيره، لكن عندهم أن أفعاله
تعالى لا تعلل، والخصم يخالفهم.
وكذا لم يذكروا ما احتج (3) به هذا (3/ 1) على الجبائية
-لضعفه- (4) من: أن الفعل لو حسن أو قبح لغير الطلب، لم يكن
تعلق الطلب لنفس الفعل، بل لذلك الاعتبار، لتوقفه عليه،
والتعلق نسبة بينهما، وهي لا تقف إِلا عليهما (5).
ورد: بتعلق الطلب بالفعل بشرط حسنه، فالتعلق -الذي هو نسبة-
متوقف على هذا الشرط.
__________
(1) في (ب) و (ظ): العقل. (1/ 1) انظر: مختصر ابن الحاجب بشرح
العضد 1/ 203، 209.
(2) في (ب) و (ح): "أو صفته" بدون اللام.
(3) نهاية 22 أمن (ب). (3/ 1) انظر: مختصر ابن الحاجب بشرح
العضد 1/ 209.
(4) قوله: "لضعفه" ضرب عليه في (ظ). وفي (ب) ما يشير إلى سقوط
هذه الكلمة في بعض النسخ.
(5) في (ظ) إِلا عليها.
(1/163)
ووجه الثاني: أن حسن الإِيمان والصدق
النافع وقبح ضدهما معلوم ضرورة بإِجماع العقلاء.
ورد (1): إِنما علم بعرف أو شرع أو برهان، ولمخالفة أكثر
العقلاء أو كثير منهم فيه، ثم: لا يلزم كونه ذاتيًا إِلا أن
يتجرد عن أمر خارج وهو ممنوع.
رد الأول: بأن غير أهل الأديان كهم في هذا بل أكثر، فدل أن
طريقه العقل، ذكره في التمهيد (2)، والأصل عدم أمر خارج.
وأيضًا: (3) من استوى في غرضه الصدق والكذب يؤثر الصدق، وليس
إِلا لحسنه في ذاته.
رد: بمنع تساويهما لتنافيهما، ثم: بمنع إِيثاره، ثم: لا يلزم
في الغائب؛ لأنه يقبح منا التمكين من المعاصي، لا من الله.
وأيضًا (4): يلزم إِفحام الرسل؛ لأن المدعو يمتنع عن النظر في
المعجزة حتى (5) يعلم وجوبه، ولا وجوب قبل الشرع.
__________
(1) من قوله: "ورد" إِلى قوله: "عدم أمر خارج" أثبت من (ب) و
(ظ). وجاء الكلام في
(ح) هكذا: "قال أبو الخطاب وغيره: ومنهم من قال أعرفه بالنظر.
فهو مقر بالحسن والقبح، ومدع غير طريق الجماعة. فيقال: غير أهل
الأديان كهم في هذا بل أكثر. فدل أن طريقه العقل. ورد: إِنما
علم بعرف أو شرع أو برهان. ولمخالفة أكثر العقلاء فيه. ثم لا
يلزم كونه ذاتيًا إِلا أن يتجرد عن أمر خارج، وهو ممنوع".
(2) انظر: التمهيد/ 202 أ.
(3) في (ح): ولأن.
(4) في (ح): ولأنه.
(5) في (ب): يعتي.
(1/164)
ورد: يلزم مثله في النظر، فإِنه غير ضروري،
فيمتنع ما لم يجب، ولا يجب (1) ما لم ينظر، على أن النظر لا
يتوقف على وجوبه؛ لأنه قد (2) ينظر من لا يعلم وجوبه، تم: لو
توقف فوجوبه شرعي، نظر أو لم ينظر، ثبت عنده الشرع أوْ لا،
وغايته تكليف غافل عن وجوب المكلف به.
ورد [الجواب] (3) الأول: باقتضاء العقل وجوب النظر للأمن.
والثاني: بأن الأصل [عدمه] (4). وبمنع الثالث للعذر.
وأيضًا: لو كانا شرعيين جاز إِظهار المعجزة للكاذب، والنهي عن
الطاعة والأمر بالمعصية، ولم يقبح شيء من الكفر قبل السمع.
ورد الأول: بأنه لا يمتنع لذاته. بل عادة، والثاني: بأنه لا
يمتنع ورود (5) الشرع بخلافه، وبالتزام الثالث، كذا ذكره
الأشعرية.
وأما أصحابنا: فقال أبو الحسن التميمي: لا يجوز (6) أن يرد
الشرع بما يخالف حكم العقل إِلا بشرط منفعة تزيد في العقل
-أيضًا- على ذلك الحكم، كذبح الحيوان، والبط، والفصد، وقال
أيضًا: (7) لا يجوز أن يرد
__________
(1) في (ح) -هنا- زيادة "على". وعبارته: ولا يجب على ما لم
ينظر.
(2) نهاية 17 ب من (ظ).
(3) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) نهاية 22 ب من (ب).
(6) انظر: العدة/ 190أ، والتمهيد/ 200 أ.
(7) انظر: المرجعين السابقين.
(1/165)
بحظر موجبات العقل أو إِباحة محظوراته.
وقال القاضي والحلواني (1) وغيرهما: ما يعرف ببدائه العقول
وضروراتها -كالتوحيد وشكر المنعم وقبح الظلم- لا يجوز أدن يرد
الشرع بخلافه، وإِلا فلا يمتنع أن يرد. ومعناه قول أبي الخطاب
(2) قال (3): وقيل: يرد بما لا يقتضيه العقل إِذا كان العقل لا
يحيله.
قال القاضي وغيره (4) -فيما لا يجوز أدن يرد الشرع بخلاف
العقل-: لا يقع فيه الخلاف الآتي في مسألة الأعيان، بل هو على
صفة واحدة لا يتغير.
وطرد ابن عقيل قول الوقف فيها في الجميع (5) وأبطل قول الحظر
والإِباحة قبل السمع باتفاق العقلاء أنه لا يجوز وروده قبله
إِلا بما يجيزه
__________
(1) يوجد شخصان من الحنابلة بهذه النسبة:
أحدهما: أبو الفتح محمد بن علي بن محمد بن عثمان بن المراق،
الحلواني، الفقيه الحنبلي الزاهد، ولد سنة 439 هـ، وسمع
الحديث، ودرس الفقه أصولاً وفروعًا حتى برع فيه، وأفتى، توفي
سنة 505 هـ.
من مؤلفاته: كفاية المبتدي في الفقه، وكتاب في أصول الفقه،
ومختصر العبادات.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 257، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 106.
والآخر: ابنه عبد الرحمن. وقد تقدمت ترجمته ص 132 من -هذا
الكتاب. ولم يتبين لي المراد منهما -هنا- بهذه النسبة.
(2) انظر: التمهيد/ 200 أ.
(3) انظر: المرجع السابق.
(4) انظر: العدة/ 186أ، والمسودة 485.
(5) حكاه في المسودة/ 485.
(1/166)
العقل لا بما يخالفه، فلما ورد بإِباحة
بعضها وحظر بعض: علم بطلانه، والواقف المنتظر للشرع لا يلزمه
شيء، وهو يأتي بالعجائب مما لا يهتدي إِليه عقل (1)، كإِباحة
كلمة الكفر للإِكراه، ووجوب الثبات للموت في صف المشركين
لإِعلاء كلمة التوحيد. ويأتي كلام أبي الخطاب أول المسألة
بعدها.
مسألة
شكر المنعم
الإِيمان بالله (2) والشكر له: من قال: "العقل يحسن ويقبح"
أوجبه عقلاً، ومن نفاه أوجبه شرعًا، ذكره أبو الخطاب وغيره
(3)، ومعناه لابن عقيل وغيره.
واحتجوا: بأن الإِحسان "التبرع" يستهجن الشكر عليه، ومع وجوبه
لا يعد محسنًا بل تاجرًا، ولهذا لو طلبه المُحْسِن (4) عند
الحكام، وأُعْدِيَ عليه: استهجن عند العقلاء بحكم العقل والشرع
(5).
وقال أيضًا: لا يهتدي العقل إِلى شكر الله فضلاً عن إِيجابه،
ولو فرق بين شكره وشكر الوالد لساغ. كذا قال.
__________
(1) في (ب): عقله.
(2) في (ظ): "الإِيمان بالله الشكر له" بدون الواو. وقد أشير
في (ب) إِلى أن الواو قد زيدت من نسخة أخرى.
(3) انظر: المعتمد للقاضي/ 103، والتمهيد / 201أ، والمسودة/
455.
(4) نهاية 23 أمن (ب).
(5) نهاية 18 أمن (ظ).
(1/167)
وكذا بناها الآمدي (1).
وسبق آخر المسألة قبلها كلام القاضي وغيره، مع قوله أيضًا:
"معرفة الله (2) لا تجب قبل السمع مع القدرة عليها بالدليل"،
وذكر أنه المذهب، وتعلق بكلام أحمد "أن معرفة الله كسبية (3)
"، وأن قوماً من أصحابنا وغيرهم قالوا: تقع ضرورة، ولا يتوصل
إِليها بأدلة العقل. وقال بعض أصحابنا (4): أرادوا المعرفة
الفطرية كمعرفة إِبليس، لا المعرفة الإِيمانية. قال ابن عقيل:
قال (5) أهل التحقيق: لا يتأتى أنه مطيع في نظره؛ لأنه لا تصح
طاعة من لم يعرف، ولا معرفة لمن (6) لم ينظر.
وجزم صاحب المحرر (7) بوجوبه شرعاً عندنا وعند
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 87.
(2) انظر: المعتمد للقاضي/ 21، والمسودة/ 455، 456.
(3) انظر: المعتمد للقاضي/ 23، 30.
(4) انظر: المسودة/ 457.
(5) حكاه في المسودة/ 455، وقال: ذكره ابن عقيل في آخر كتابه.
(6) في (ظ): من.
(7) هو: مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد،
ابن تيمية الحراني، جد شيخ الإِسلام تقي الدين بن تيمية، فقيه
حنبلي، محدث مفسر، ولد بحران، ورحل إلى بغداد، فأقام بها ست
سنين، ثم عاد إِلى حران، وتوفي بها سنة 652 هـ، عن نحو 60
عامًا. من مؤلفاته: المنتقى من أحاديث الأحكام، والمحرر في
الفقه، والمسودة في أصول الفقه "وقد زاد عليها ابنه وحفيده من
بعده". انظر: فوات الوفيات 1/ 274، وذيل طبقات الحنابلة لابن
رجب 2/ 249، وغاية النهاية 1/ 385، وجلاء العينين/ 28.
وكتابه "المحرر" كتاب قيم في الفقه، طبع مع "النكت والفوائد
السنية على مشكل المحرر لابن تيمية" لابن مفلح.
(1/168)
أهل (1) الأثر (2)، مع أنه حكى [لنا] (3)
خلافاً في مسألة التحسين، (2) وكذا ذكره جماعة من الأشعرية عن
أصحابهم.
وذكر الآمدي (4) أنه ذكرها لبحث يخصها.
واحتجوا: بأنه لو وجب لوجب (5) لفائدة، وإلا كان عبثًا، وهو
قبيح عقلاً، ولا فائدة لله لتعاليه عنها -وذكره الآمدي (6) في
اعتبار المناسبة إِجماعًا- ولا للعبد في الدنيا، لأن الشكر
مشقة، ولاحظ له فيه، ولا في الآخرة لعدم استقلال العقل بمعرفة
الفائدة الأخروية.
واعترض: بأنه استد لال على إِبطال أمر ضروري.
وبمنع أن الوجوب لفائدة، ثم: الفائدة نفس الشكر كتحصيل المصلحة
ودفع المفسدة عن النفس "مطلوب لنفسه"، ثم: إِن كانت الفائدة
أمرًا خارجًا (7) فهي الأمن من احتمال العقاب بتركه، ولا يخلو
عاقل من خطور هذا الاحتمال بباله.
ورد: بمنع الأول، ثم: فيمن ينتفع (8) بالشكر.
__________
(1) نهاية 44 من (ح).
(2) انظر: المسودة/ 473.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(4) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 87.
(5) في (ح): وجب.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 87 - 88، 3/ 271.
(7) في (ح): خارجيًا.
(8) نهاية 23 ب من (ب).
(1/169)
وليس فعل الشكر الحكمة المطلوبة من إِيجاده
وإِلا لعم الأفعال، وهو خلاف الإجماع، وعدم خلو العاقل من
الخطور ممنوع، ثم: معارض باحتمال خطور العقاب على الشكر،
لتصرفه في نفسه -وهي ملك لله- بلا فائدة، أو (1) لأنه
كالاستهزاء كمن شكر ملكاً كريمًا على لقمة.
وأما الإِلزام بالدليل في الإِيجاب الشرعي فالشرع يعلم
الفائدة، وينبني على اعتبار الحكمة فيه.
قال بعض أصحابنا: لا دليل لمن نفى الحسن والقبح على أن الفاعل
المختار يفعل بلا داع، كما أنه لا دليل لمن أثبته على أنه يفعل
بداع لا يعود إِلا إِلى (2) غيره؛ ولهذا لما عاد معناه إِلى
هذا أثبتته (3) طائفة في فعل العبد، لا فعل الله، واختاره صاحب
المحصول في آخر عمره (4)، وهذا (5) مبني على أن مشيئة الله: هل
هي محبته ورضاه وسخطه وبغضه، أو بينهما فرق؟: فالمعتزلة
والقدرية والأشعري وأكثر أصحابه ومن وافقه من المالكية
والشافعية وأصحابنا: الجميع بمعنى واحد.
والسلف وعامة الفقهاء الحنفية وأئمة المالكية والشافعية
وأصحابنا وأهل الحديث وأئمة الصوفية (6) وابن كُلاَّب وأكثر
طوائف النظار من الكرامية
__________
(1) في (ظ): ولأنه.
(2) نهاية 18 ب من (ظ).
(3) في (ح) و (ب): أثبته.
(4) انظر: كتاب الرد على المنطقيين / 422.
(5) نهاية 45 من (ح)
(6) الصوفية: حركة بدأت زهداً وورعًا، ثم تطورت إِلى نظام شديد
في العبادة، ثم=
(1/170)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
__________
=استقرت اتجاهاً نفسيًا وعقليًا بعيدًا عن مجراها الأول وعن
الإِسلام في كثير من أوجهها المتطرفة.
وقد اختلف في اشتقاق كلمة "صوفية". قال الصوفية أنفسهم: إِنها
مشتقة من "الصفا" وأن الصوفي رجل صافاه الله، فهو رجل صُوْفِيّ
-فعل ماض مبني للمجهول- "فهو صوفيّ".
وقيل اشتقت من الصُّفَّة.
وقيل: هي تعريب لكلمة "صوفيا" اليونانية، بمعنى "الحكمة".
والمشهور: أنها مشتقة من (الصوف) فقد كان الصوف اللباس الغالب
على الزهاد والعباد.
وليس للصوفية تعريف واحد؛ فإن كل متصوف يضع للتصوف تعريفًا
يتفق مع الاتجاه الذي يتجهه هو ومع الدرجة التي وصل إِليها في
ذلك الاتجاه ...
وعن نشأة التصوف وتطوره نقول:
الزهد والورع قديمان في البشر، وجاء الإسلام فبرز عنصر الزهد
بروزًا واضحًا، وفي العصر الأموي شاع الترف واللهو، فأحدث ذلك
ردة فعل عنيفة عند آخرين، فأوغلوا في الزهد وكره الدنيا.
ومنذ مطلع العصر العباسي بدأ الزهد ينقلب تصوفاً واضحًا، وأخذ
الأمر يتدرج ... ولعل أبا يزيد طيفور بن عيسى البسطامي
-المتوفى بعيد سنة 261 هـ- أول من أخرج الزهد الديني إلى النظر
العقلي، ثم جاء عهد كثر فيه الرمز والشطح والشعوذة، كما عند
أبي المغيث الحسين بن منصور الحلاج المتوفى سنة 309 هـ، وممن
تأثر بالحلاج: محمد بن عبد الجبار النَّفْري المتوفى بعيد سنة
354 هـ.
ولعل من أسباب هذا الانحراف: تسرب عناصر أجنبية إِلى البيئة
الإِسلامية=
(1/171)
وغيرهم: يُحب ما أمر به فقط، وخلق كل شيء
بمشيئته لحكمة، فيحب تلك الحكمة وإن كان قد لا يحبه، فلم يفعل
قبيحًا مطلقًا.
مسألة
الأعيان المنتفع بها قبل السمع محرمة عند أبن حامد (1)
والحلواني وغيرهما وبعض الشافعية. (2)
فعلى هذا يباح ما يحتاج إِليه -ذكره بعضهم إِجماعًا- كالتنفس
وسد الرمق ونحوه، خلافًا (3) لبعض الناس، وبناه بعضهم على
المحال.
وعند أبي الحسن التميمي (4) وأبي الفرج المقدسي وأبي الخطاب
(5) والحنفية (6)
__________
=وهي عناصر يونانية وهندية وصينية ومسيحية ... " وبذلك دخل
الحلول والاتحاد ... إِلى هذه الحركة.
انظر: تاريخ الفكر العربي إِلى أيام ابن خلدون/ 377، وكتاب
تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة/ 24، وكتاب
الفكر الإِسلامي، منابعه وآثاره، تأليف:
M.M.Charif ترجمة
الدكتور/ أحمد شلبي/ 146.
(1) حكاه في العدة/ 185 ب، وفي التمهيد/ 195 أ.
(2) انظر: نهاية السول 1/ 124.
(3) في (ب): وخلافاً.
(4) حكاه في العدة/ 185 ب، وفي التمهيد/ 194 ب.
(5) انظر: التمهيد/ 194 ب.
(6) انظر: فواتح الرحموت 1/ 49.
(1/172)
والظاهرية (1) وابن سريج (2) وأبي حامد
المروزي (3) الشافعيين: مباحة، واختاره القاضي في مقدمة (4)
المجرد، واختار في العدة الأول (5)، وقال:
__________
(1) حكاه -أيضًا- في العدة/ 185 ب. وقال ابن حزم في الإِحكام/
47: وجميع أهل الظاهر يقولون: ليس لها حكم في العقل أصلاً لا
بحظر ولا بإِباحة، وأن ذلك موقوف على ما ترد به الشريعة، وهذا
هو الحق الذي لا يجوز غيره.
(2) هو: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، فقيه
الشافعية في عصره، ولد ببغداد سنة 249 هـ، وولي القضاء بشيراز،
ونشر المذهب الشافعي في الآفاق، توفي ببغداد سنة 306 هـ.
انظر: تاريخ بغداد 4/ 287، ووفيات الأعيان 1/ 66، وطبقات
الشافعية للسبكي 3/ 21، والبداية والنهاية 11/ 129.
(3) ويقال: المروروذي، نسبة إِلى: "مرو الروذ"، وهو: أحمد بن
عامر بن بشر -وقيل: أحمد بن بشر بن عامر- بن حامد، فقيه من
كبار الشافعية، ولد بمرو الروذ من مدن خراسان، وأخذ الفقه عن
أبي إِسحاق المروزي، ونزل البصرة ودرس بها، وتوفي ببلده سنة
362 هـ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية مع من توفي سنة
332 هـ.
من مؤلفاته: الجامع في المذهب، وشرح مختصر المزني، وكتاب في
أصول الفقه. انظر: الأنساب للسمعاني/ 523، وتهذيب الأسماء
واللغات 1/ 2/ 211، ووفيات الأعيان 1/ 69، والوافي بالوفيات 7/
10، ومرآة الجنان 2/ 375، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 12،
وطبقات الشافعية للأسنوي 2/ 377، والبداية والنهاية 11/ 209،
وطبقات الشافعية لابن هداية الله/ 86، وشذرات الذهب 3/ 40.
(4) وهي مقدمة في أصول الفقه ملحقة بكتاب "المجرد" في الفقه.
(5) انظر: العدة/ 185 ب.
(1/173)
أومأ أحمد إِليه (1): (2) " لا يخمس السلب،
ما سمعنا" (3)، وقال (4) في الحلي يوجد (5) لقطة: "إِنما جاء
الحديث في الدراهم والدنانير"، وأومأ إِلى الثاني (6) -وسئل عن
قطع النخل- قال: "لا بأس لم نسمع في قطعه شيئًا".
ونازعه (7) بعض أصحابنا فيهما.
واحتج أبو الخطاب (8) بالثاني لقوله (9) فيه.
وفي الروضة (10) ما يقتضي أنه عرف بالسمع إِباحتها قبله، وقاله
بعضهم كما في الآيات والأخبار.
قال القاضي (11): لا يمتنع أن نقول قبل ورود الشرع: إِن العقل
يحرم
__________
(1) في (ح): إِلى الأول.
(2) في رواية صالح ويوسف بن موسى. انظر: العدة/ 185 ب.
(3) نهاية 24 أمن (ب).
(4) نقله الأثرم وابن بدينا. انظر: العدة/ 185 ب.
(5) في (ب) و (ظ): يوخذ.
(6) وذلك في رواية أبي طالب. انظر: العدة/ 185 ب، والتمهيد/
194 ب.
(7) يعني: نازع القاضي. انظر: المسودة/ 478، 479.
(8) انظر: التمهيد/ 194 ب.
(9) قوله: "لقوله فيه" ضرب عليه في (ظ)، وفي (ب) إِشارة إِلى
سقوطه في بعض لنسخ.
(10) انظر: الروضة / 39.
(11) انظر: العدة / 187 ب.
(1/174)
ويبيح (1) إلى أن ورد الشرع، فمنع ذلك؛ إذ
ليس قبل ورود الشرع ما يمنعه، قال: وقد قيل: علمناه (2) من
طريق شرعي، وهو إِلهام (3) من الله لعباده بحظره وإِباحته، كما
ألهم أبا بكر، وعمر -رضي الله عنهما- أشياء (4). وكذلك قال
الحلواني (5) وغيره.
وضعفهما (6) بعض الأصحاب (7) على هذا الأصل.
وهل يرد الشرع بخلاف مقتضى العقل؟ سبق آخر مسألة التحسين.
وقال أبو الحسن (8) الخزري من أصحابنا: (9) لا حكم لها، قال
أبو الخطاب: (10) وأراه أقوى على أصل من يقول: العقل لا يحرم
ولا يبيح (11)،
__________
(1) في (ح) و (ظ): يقبح.
(2) نهاية 46 من (ح).
(3) الإِلهام هو: ما يحرك القلب بعلم، يطمئن به حتى يدعو إِلى
العمل به. انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 329، 330.
(4) انظر: المسودة/ 477، ومجموع الفتاوى 13/ 73.
(5) انظر: المسودة/ 477.
(6) في (ح): ومنعهما.
(7) يعني: ضعف الجوابين. انظر: المسودة/ 477.
(8) في (ظ): أبو الحسين.
(9) حكاه في العدة/ 186أ، وفي التمهيد/ 195 أ.
(10) انظر: التمهيد/ 195أ.
(11) في (ح) و (ظ): ولا يقبح.
(1/175)
وقال في الروضة (1): "هو اللائق بالمذهب"
وهو المذهب عند ابن عقيل، وغيره، [بناء منهم على عدم القول
بمسألة التحسين]، (2) حتى قال بعضهم: لا يجوز على المذهب (3)
غيره، زاد بعضهم: كما يقوله أكثر الناس.
وهذا قول الصيرفي (4) وأبي علي الطبري (5) الشافعيين والأشعرية
(6).
__________
(1) انظر: الروضة/ 39.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) نهاية 19 أمن (ظ).
(4) هو: أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي، فقيه شافعي، متكلم،
عالم بالأصول، من أهل بغداد، توفي سنة 330 هـ.
من مؤلفاته: البيان في دلائل الإعلام على أصول الأحكام في أصول
الفقه، وكتاب الفرائض.
انظر: وفيات الأعيان 4/ 199، والوافي بالوفيات 3/ 346، وطبقات
الشافعية للسبكي 3/ 186، ومفتاح السعادة 2/ 178.
(5) هو الحسين -وقيل: الحسن- بن القاسم، أبو علي الطبري، فقيه
شافعي، أحد الأئمة المحررين في الخلاف، ولد سنة 263 هـ، وسكن
بغداد، ودرس بها، وبها كانت وفاته سنة 350 هـ على الراجح.
من مؤلفاته: المحرر في الخلاف، والإِفصاح في الفقه، وكتاب في
الجدل، وكتاب في أصول الفقه.
انظر: تاريخ بغداد 8/ 87، والمنتظم 7/ 5، ووفيات الأعيان 2/
76، ومرآة الجنان 2/ 345، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 382،
والبداية والنهاية 11/ 238، وشذرات الذهب 3/ 3.
(6) انظر: العدة / 185ب- 186أ، والتمهيد/ 195 أ، والمحصول 1/
1/ 210، والتمهيد للأسنوي/ 106.
(1/176)
فعلى (1) هذا القول: لا إِثم بالتناول كفعل
البهيمة، ولا يفتى بالتناول، وفيه خلاف لنا.
وقال ابن عقيل (2) أيضًا: الأليق بمذهبه أن يقال: لا ندري ما
الحكم؟ واختاره بعضهم.
وفرض ابن عقيل المسألة في الأفعال والأقوال قبل السمع.
وعند المعتزلة (3): يباح ما يحتاج إِليه، وما حكم العقل فيه
بشيء: اتبع، فينقسم (4) إِلى الأقسام الخمسة (5)، بحسب ترجيح
فعله على تركه، وذم تاركه، وعدمه، وعكسه، واستوائه، وهذا معنى
كلام التميمي وغيره من أصحابنا، قالت المعتزلة: وما لم يحكم
العقل فيه بشيء فثالثها لهم: الوقف عن الحظر والإِباحة. وفيه
نظر لعدم الدليل.
القائل بالحظر: تصرف في ملك
غيره بلا إِذنه.
ورد: فيمن يلحقه ضرر.
ولأنه يحتمل الضرر.
رد: بأنه وهم لا أثر له.
__________
(1) في (ح): "وهل يفتى بالتناول؟ فيه خلاف لنا"، مكان قوله:
"ولا يفتى بالتناول، وفيه خلاف لنا".
(2) حكاه في المسودة/ 482.
(3) انضر: المعتمد للبصري / 868، وشرح المحلي على جمع الجوامع
1/ 65 - 69.
(4) في نسخة في هامش (ب): وينقسم.
(5) نهاية 24 ب من (ب).
(1/177)
القائل بالإِباحة: خلقه وخلق المنتفع به
لفائدة، وليست إِليه، فالحكمة تقتضي إِباحته (1)، وليس المراد
الاستدلال بطعمه على خالقه، لحصوله من نفسه، فالمراد غيره.
رد: خلقه ليصبر فيثاب.
وتعرف مما سبق أدلة المسألة.
أما فائدتها (2): فقال قوم: لا فائدة (3)، لأنه لم يخل وقت من
شرع؛ لأنه أول ما خلق آدم قال له: (اسكن) الآية (4)، أمرهما
ونهاهما.
وكذا قال [أبو] (5) الحسن الخرزي (6): لم تخل الأم من حجة،
واحتج بقوله: (أيحسب الإِنسان) (7)، وقوله: (ولقد بعثنا). (8)
قال القاضي (9): هذا ظاهر كلام أحمد.
__________
(1) في (ب) زيادة: "رد: خلقه ليصبر فيثاب". وهو تكرار لما
سيأتي ذكره بعد سطرين.
(2) نهاية 47 من (ح)
(3) انظر: العدة/ 188أ، والتمهيد/ 195 أ.
(4) سورة البقرة: آية 35: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة
وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من
الظالمين).
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(6) حكاه في العدة/ 188 أ.
(7) سورة القيامة: آية 36: (أيحسب الإِنسان أن يترك سدى).
(8) سورة النحل: آية 36: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن
اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)
(9) انظر: العدة/ 188أ، وكتاب الرد على الجهمية لأحمد/ 85.
(1/178)
قال (1): وتتصور (2) فيمن خلق ببرية، لم
يعرف شرعًا، وعنده فواكه.
وكذا قال أبو الخطاب (3).
وقال أيضًا: (4) لو قدَّرنا خلو شرع عن حكمها، ما حكمها؟.
قال القاضي (5): وتفيد (6) في الفقه: أن من حرم شيئًا أو
أباحه، فقال: بقيت على حكم العقل، هل يصح ذلك؟ وهل يلزم خصمه
احتجاجه بذلك؟. وهذا مما يحتاج إِليه الفقيه.
وكذا في التمهيد والروضة (7): يفيد أن من حرم شيئًا أو أباحه
بقي على حكم الأصل.
وكذا قال ابن عقيل (8): من شروط المفتي معرفة الأصل الذي ينبني
عليه استصحاب الحال، ليتمسك به عند عدم الأدلة.
وذكر بعض أصحابنا (9) في فائدتها أقوالاً:
__________
(1) انظر: المرجع السابق/ 186 أ.
(2) في (ح): ويتصور.
(3) انظر: التمهيد/ 195 أ.
(4) انظر: المرجع السابق، والعدة/ 188 أ.
(5) انظر: العدة/ 188 ب.
(6) في (ح): ويفيد.
(7) انظر: التمهيد/ 195أ، والروضة/ 140.
(8) حكاه في المسودة/ 486.
(9) انظر: المرجع السابق/ 480.
(1/179)
أحدها: قبل السمع. وبعده يقاس المسكوت على
المنصوص. قاله الخرزي (1) وغيره. (2).
والثاني: بعده، قاله ابن عقيل على عدم التحسين.
والثالث: يعمهما، قاله القاضي وغيره.
الحكم الشرعي
نص أحمد (3) -رحمه الله- أنه: "خطاب الشرع (4) وقوله"،
والمراد: ما وقع به الخطاب (5)، أي: مدلوله، وهو: الإِيجاب،
والتحريم، والإِحلال، وهو صفة للحاكم.
قال بعض أصحابنا وغيرهم: خطابه المتعلق بأفعال المكلفين.
وقيل: بأفعال العباد.
قيل: هو أولى؛ ليدخل إِتلاف غير المكلف.
وقيل: أريد وليّه.
فلم يطرد بمثل قوله: (والله خلقكم وما تعملون) (6)، (7) فزيد:
__________
(1) في (ظ): الجزري.
(2) نهاية 25 أمن (ب).
(3) انظر: المسودة/ 578.
(4) في (ظ): الشارع.
(5) نهاية 19 ب من (ظ).
(6) سورة الصافات: آية 96.
(7) نهاية 48 من (ح).
(1/180)
بالاقتضاء، أو التخيير.
واعترض: شرط الحد وجوده في كل فرد من المحدود، ليجمع ويمنع،
ولا يوجد هذا المعنى في التقسيم؛ لأنه وضع لمعرفة الكليات
بواسطة الجزئيات، وسمي استقراء، والتحديد وضع بالعكس، وسمي
برهاناً، فليسا باباً واحدًا.
[رد: الترديد في أقسام المحدود، لا في الحد، فلا يضر] (1)
وأورد: خطابه قديم، وحكمه حادث، لوصفه به.
رد: لا يلزم من يقول: يتكلم إِذا شاء، ثم: الحادث التعلق،
والحكم متعلق بفعل العبد لا صفته، كالقول (2) بمعدوم، والفعل
يعرّف الحكم، كالعالَم للصانع، ولهذا سمي عالَماً.
وهل يرد على العكس كون الشيء دليلاً كدلوك الشمس (3)، وسبباً
كالزنا للحد، وشرطا كالطهارة؟ سبق في تعليل الأفعال أول مسألة
التحسين.
فمن يقول به يقول: هي أحكام، فيزيد: "أو الوضع"، ومن لا: يقول:
أعلام (4) به، فإِن سميت حكماً فنزاع لفظي، الأفإِن أريد
بالسببية التأثير فالحادث لا يؤثر في القديم.
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) يعني: كالقول المتعلق بمعدوم.
(3) في (ح): للشمس.
(4) في (ظ): إِعلامه. ولعل العبارة: ومن لا يقول به يقول:
أعلام فإِن الخ.
(1/181)
وقيل: هي راجعة إِلى اقتضاء فعل وترك،
وإباحة انتفاع وتحريمه (1).
واختار الآمدي (2): الحكم: "خطابه بفائدة شرعية" مختصة به، أي:
لا تفهم إِلا منه، لأنه إِنشاء لا خارج له يفهم منه، ليخرج
مثل: (غلبت الروم) (3)، لجواز فهمه من خارج.
قال بعض أصحابنا: وهو دور، وتعريف (4) بالأخفى.
وقيل: الحكم: تعلق الخطاب بالأفعال.
قال بعض أصحابنا: يلزمه أنه عدمي؛ لأن التعلق أمر عدمي.
والخطاب: (5) قول يفهم منه من سمعه شيئًا مفيدًا (6).
وقيل (7): مع قصد إِفهامه.
زاد بعضهم (8): من هو متهيئ للفهم.
ويخرج على ذلك: هل يسمى الكلام [في] (9) الأزل خطاباً؟.
__________
(1) في (ظ): وتحريم.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 96.
(3) سورة الروم: آية 2.
(4) نهاية 25 ب من (ب).
(5) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 95، وشرح العضد مع حواشيه 1/ 221،
وشرح الكوكب المنير 1/ 339.
(6) في (ظ): مقيدا.
(7) و (8) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 95.
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(1/182)
ولقائل أن يقول: إِنما يصح هذا على قِدَم
الكلام الذي هو القول.
وعند المعتزلة: الحكم الشرعي صفة للفعل (1) المحكوم بأنه حلال
أو حرام أو واجب، وهو الوجوب والحرمة والحل، الذي هو موجَب
الإِيجاب والتحريم والإِحلال، ومقتضاه. (2).
فالحكم صفة ثابتة للفعل، والشرع كشفه، كما يقولون في الحكم
العقلي: إِن العقل كشفه، فعرف ما هو حسن في نفسه، وقبيح في
نفسه.
وقال بعض أصحابنا: الحكم الشرعي يتناول الخطاب وصفة الفعل،
قال: وهو قول السلف والجمهور، فيتناول صفة (3) المحكوم عليه،
وهو: الفعل، والعبد، والأعيان التي أمر بتعظيمها أو إِهانتها،
فوصف (4) الأعيان بأنها رجس، وإن كان فيها وصف قبح [قبل] (5)
التحريم، فالذي اتصفت به بالتحريم لم يكن ثابتًا قبل ذلك.
والله أعلم.
فعلى المذهب الأول: إِن كان الحكم الشرعي طلباً لفعل ينتهض
تركه في جميع وقته سبباً لاستحقاق العقاب: فإِيجاب -ومن يقول:
الكف فعل: يقول: لفعل (6) غير كف- وإِدن انتهض فعله خاصة
للثواب: فندب،
__________
(1) في (ظ): للقول.
(2) نهاية 20أمن (ظ).
(3) في (ب) و (ح): وصفه.
(4) نهاية 49 من (ح).
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) في (ظ): الفعل.
(1/183)
وإِن كان طلباً لترك ينتهض فعله سبباً
لاستحقاق العقاب (1): فتحريم، وإِن انتهض تركه خاصة للثواب:
فكراهة، وإن كان الحكم تخييراً: فإِباحة، وإِلا فوضعي.
وإن شئت قلت: الخطاب إِن اقتضى الوجود: فإِن منع النقيض
فإِيجاب، وإلا فندب، وإن اقتضى الترك: فإِن منع النقيض فتحريم،
وإِلا فكراهة، وإِن خير فإِباحة.
وزاد ابن عقيل، فقال (2): المشكوك (3):
قيل: ليس بحكم، (4) وهو الصحيح، والشاك لا مذهب له.
وقيل: حكم، كما قال أبو حنيفة وأحمد -في رواية في الحمار (5).
قال: والوقف:
قيل: مذهب، وهو أصح، لأنه يفتي به ويدعو إِليه.
وقيل: لا.
* * *
__________
(1) في (ح): العذاب.
(2) انظر: الواضح 1/ 7 ب.
(3) انظر: المسودة/ 575، والتحرير/ 9أ، وشرح الكوكب المنير 1/
344.
(4) نهاية 26 أمن (ب).
(5) يعني: في طهارة سؤر الحمار. انظر: بدائع الصنائع 1/ 225،
والإنصاف للمرداوي 1/ 342.
(1/184)
الواجب: ما سبق من أنه فعل ينتهض تركه
سبباً للعقاب.
وقيل (1): ما يعاقب تاركه.
ونقض عكسه بجواز العفو.
وقيل: (2) ما أوعد بالعقاب على تركه.
ونقض عكسه بصدق إِيعاد الله.
ورده بعض أصحابنا (3) وغيرهم: خلف الوعيد ليس خلفاً بخلاف
الوعد.
وقيل: ما يخاف العقاب بتركه.
ونقض طرده بما يشك في وجوبه.
وقال بعض أصحابنا: ما يذم تاركه شرعًا.
وزاد بعضهم -وقاله ابن الباقلاني (4) -: "بوجه ما"؛ ليدخل
الموسع والكفاية.
ونقض طرده بالناسي والنائم والمسافر، فإِنه يذم بتقدير ترك
الجميع.
فإِن قال: يسقط الوجوب بذلك.
قيل: ويسقط بفعل البعض، فلا حاجة إِليه.
فلو قيل: "ما ذم تاركه شرعًا قصدًا مطلقًا" صح.
__________
(1): (3) انظر: البلبل/ 19.
(4) انظر: المستصفى 1/ 66.
(1/185)
ولم يقل بعض (1) أصحابنا: (2) " قصداً".
وحده ابن عقيل (3) بأنه: "إِلزام الشرع"، وقال (4): "الثواب
والعقاب أحكامه ومتعلقاته، فحده به يأباه المحققون".
* * *
والواجب لغة (5): الساقط،
(6) والثابت.
والفرض لغة (7): التقدير،
والتأثير، قال ابن عقيل (8): والإِنزال، نحو: (إِن الذي فرض
عليك القرآن)، (9)، والإِباحة، نحو: (ما كان على النبي من حرج
فيما فرض الله له). (10)
فلهذا قال هو (11) وغيره: الواجب أكد، لاختصاصه، وتأثيره
أيضًا.
__________
(1) انظر: البلبل/ 19.
(2) نهاية 20 ب من (ظ).
(3) انظر: الواضح 1/ 7 أ.
(4) انظر: المرجع السابق 1/ 7.
(5) انظر: لسان العرب 2/ 292 - 294، وتاج العروس 1/ 500 (وجب).
(6) في (ظ): "الساقط الثابت" بدون الواو.
(7) انظر: لسان العرب 9/ 66 - 71، وتاج العروس 5/ 65 - 66
(فرض).
(8) انظر: الواضح 2/ 3 ب- 4 أ.
(9) سورة القصص: آية 85.
(10) سورة الأحزاب: آية 38.
(11) انظر: الواضح 2/ 4أ، 6أ- ب.
(1/186)
وخالف في الروضة (1) وغيرها.
وهما مترادفان شرعًا في رواية عن أحمد (2)، اختارها جماعة
منهم: ابن عقيل (3)، وقاله الشافعية (4).
وعن أحمد (5): الفرض آكد، اختارها جماعة، منهم (6): أبو إِسحاق
(7) بن شاقْلا (8)، والحلواني، وذكره ابن عقيل (9) عن أصحابنا،
واختلف اختيار القاضي (10)، وقاله الحنفية (11)، وابن
الباقلاني.
__________
(1) انظر: الروضة 27/.
(2) انظر: العدة/ 162.
(3) انظر: الواضح 1/ 27 ب، 2/ 2 ب.
(4) انظر: التمهيد للأسنوي/ 54، والمستصفى 1/ 66، ومناهج
العقول 1/ 43، والإِحكام للآمدي 1/ 98.
(5) انظر: العدة/ 162.
(6) تكرر هذا اللفظ في (ح).
(7) نهاية 50 من (ح).
(8) هو: إِبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقْلا، أبو
إِسحاق البزار، عالم حنبلي، جليل القدر، كثير الرواية، حسن
الكلام في الأصول والفروع، كانت له حلقتان: إِحداهما بجامع
المنصور، والأخرى بجامع القصر، توفي سنة 369 هـ عن 54 عاماً.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 128، والمنهج الأحمد 2/ 64، وشذرات
الذهب 3/ 68، والمدخل إِلى مذهب أحمد/ 206.
(9) انظر: الواضح 1/ 27 ب.
(10) انظر: العدة/ 162، 376، وانظر -أيضًا- المسودة / 50، فقد
نقل فيها كلام القاضي في هذه المسألة.
(11) انظر: كشف الأسرار 2/ 303، وأصول السرخسي 1/ 110، وفواتح
الرحموت 1/ 58، وتيسير التحرير 2/ 135.
(1/187)
قال الآمدي (1) والمسألة لفظية.
فقيل: (2) ما ثبت بدليل مقطوع به، [وذكره ابن عقيل (3) عن (4)
أحمد]. (5)
وقيل: (6) ما لا يسقط في عمد ولا سهو.
وعنه (7) رواية ثالثة: الفرض ما لزم بالقرآن، والواجب ما كان
بالسنة.
وعلى الثاني يجوز أن يقال: بعض الواجبات آكد (8) من بعض، ذكره
لقاضي وغيره (9)، وأن فائدته: أنه يثاب على أحدهما أكثر، وأن
طريق أحدهما مقطوع به، والآخر ظن.
وذكرهما ابن عقيل (10) على الأول.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 99.
(2) انظر: العدة/ 376.
(3) انظر: الواضح 1/ 28أ، 2/ 2 ب.
(4) نهاية 26 ب من (ب).
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) انظر: المسودة/ 50.
(7) انظر: المسودة/ 50.
(8) في (ح): أوجب.
(9) انظر: العدة/ 379، 404، والمسودة/ 58.
(10) انظر: الواضح 2/ 6 ب.
(1/188)
وهذا الثاني "أنه ينقسم إِلى مقطوع ومظنون"
(1) لا يقبل خلافاً؛ ولهذا قال في الروضة (2): لا خلاف فيه.
لكن قال (3) أصحاب القول الآخر: اختلاف طريق الشيء لا يوجب
اختلافه في نفسه من حيث هو.
وعلى الأول: ليس بعضها آكد، وقاله بعض المتكلمين، وقاله (4)
ابن
عقيل (5) أيضاً، ولعله أراد ما قال رادًا على من قال: "التفاضل
(6) في العقاب والثواب يعطي التفاضل في حقيقة الإِيجاب، الذي
هو الاستدعاء"؛ لأنه لو رفع (7) العقاب والثواب رأساً، لما
ارتفع صحة قوله: "أوجبت"، وصح أن يقوم الاستدعاء بنفسه حقيقة
معقولة، وكذا لا يدل التفاضل على قوة الاستدعاء.
وكذا قال (8): (9) إِن الاستدعاء لا يقبل التزايد، كجائز ولازم
وصادق
__________
(1) انظر: البلبل/ 19.
(2) انظر: الروضة/ 27.
(3) انظر: العدة/ 384.
(4) في (ح): واختاره.
(5) انظر: الواضح 2/ 21 أ- 22 ب.
(6) انظر: المرجع السابق 2/ 22 أ.
(7) انظر: المرجع السابق 2/ 22 ب.
(8) انظر: الواضح 2/ 21 أ.
(9) في (ب) و (ظ):" وكذا قال آخر: إِن". وقد أشير في (ب) إِلى
أن كلمة "آخر" قد زيدت من نسخة أخرى.
(1/189)
وكاذب وعالم، فلا يقال: أعلم وأصدق وأكذب،
لأنه انتظمه حد واحد، وهو حقيقة واحدة.
قال (1): وصرحوا (2) بأنهم أرادوا بقولهم تزايد العقاب والثواب
-ولا ننكره، فحصل الوفاق منهم- لا يتزايد في نفسه، فالخلاف (3)
لفظي.
وقال بعض (4) أصحابنا (5): "وهذا ضعيف، والصواب: أن جميع
الصفات المشروطة بالحياة تقبل التزايد.
وعن (6) أحمد -في المعرفة الحاصلة في القلب في الإِيمان: هل
تقبل التزايد والنقص؟ - روايتان، والصحيح في (7) مذهبنا ومذهب
جمهور أهل السنة: إِمكان الزيادة في جميع ذلك".
وقول ابن عقيل: "إِن الإِيجاب لا يستلزم العقاب" قاله -أيضًا-
ابن الباقلاني (8) وصاحب المحصول (9).
__________
(1) انظر: المرجع السابق.
(2) قوله: "وصرحوا بأنهم" كذا في النسخ، ثم أبدل في (ح) بقوله:
"وقالوا جواباً أنهم إن".
(3) في (ظ) و (ح): فإِطلاق.
(4) انظر: المسودة/ 10.
(5) نهاية 21 أمن (ظ).
(6) في المسودة/ 10: ولنا في معرفة ...
(7) نهاية 51 من (ح).
(8) انظر: المستصفى 1/ 66، والمسودة/ 44.
(9) انظر: المحصول 1/ 2/ 339.
(1/190)
وقال (1) أبو المعالي (2) والغزالي (3):
يستلزمه لعصيانه، فيستحق الوعيد بالنص.
وهو الأشهر، كما سبق. (4)
لكن قال بعض أصحابنا (5): جمهور أصحابنا: لا يستلزمه. كذا قال.
قال (6): ويوضح الفرق أن من أوجب شكر المنعم عقلاً، لا يلزمه
أن يعاقب عليه في الآخرة، للنصوص، وإِن كان تاركًا للواجب
وفاعلاً للمحرم.
وقال [له] (7) في التمهيد (8) من لم ير النهي عن شئ أمر بضده:
منهي عن قتل نفسه، وليس بمأمور بتركه، لعدم ثوابه.
فأجاب: بالمنع.
ثم: الثواب والعقاب غير مستحق على الأمر والنهي بالعقل (9)، بل
بالسمع، فنقول: مأمور بتركه ولا ثواب.
__________
(1) نهاية 27 أمن (ب).
(2) ذكر ذلك -أيضًا- في المسودة/ 44.
(3) انظر: المستصفى 1/ 66، والمسودة/ 44.
(4) انظر: ص 156، 183، 185 من هذا الكتاب.
(5) انظر: المسودة/ 61.
(6) انظر: المرجع السابق/ 62.
(7) هذه الكلمة لم ترد في (ظ). وقد ضرب عليها في (ب). وهي
مثبتة من (ح).
(8) انظر: التمهيد/ 48 أ.
(9) في (ظ): بالفعل.
(1/191)
وقال أيضًا: كان السلف لا يطلقون لفظ
"الحرام" إِلا فيما علم قطعًا، ولهذا ذكر القاضي وغيره في
إِطلاق لفظ "الحرام" على ما ثبت تحريمه بدليل ظني روايتين (1).
وهذا غريب، والله أعلم.
وقال أيضًا هو (2) وغيره: الوعيد نص في الوجوب، لا يقبل
تأويلاً؛ لأنه خاصة الواجب، ولا يوجد خاصة الشيء بدونه.
وذكر القاضي (3) وابن عقيل (4): إِطلاقه للوجوب، ويعدل عنه
لدليل.
وصيغة "الفرض" أو "الوجوب" نص فيه.
قال ابن عقيل (5): "أوجبت" صريحة في الإِيجاب بإِجماع الناس.
وعند طائفة من أصحابنا وغيرهم، منهم القاضي (6): ظاهرة، ويحتمل
(7) توكيد الاستحباب، وأنه يحسن (8) الاستفهام، فتقول: أوجبته
إِلزاما أو اختياراً؟ وذكره ابن عقيل (9) أيضًا.
وفي كلام أبي الفرج (10)،
__________
(1) انظر: العدة/ 384.
(2) انظر: المسودة/ 42.
(3) انظر: العدة/ 242.
(4) انظر: الواضح 1/ 247 ب، 250أ.
(5) انظر: الواضح 1/ 232 أ.
(6) انظر: العدة/ 242.
(7) في (ح): "يحتمل" بدون الواو.
(8) في (ب) و (ظ): "وحسن الاستفهام". والمثبت "وأنه يحسن
الاستفهام" من (ح)، وقد وضع فوقه -أيضًا-: "حسن".
(9) انظر: الواضح 1/ 347ب، 250 أ.
(10) وهو: أبو الفرج المقدسي. تقدمت ترجمته في ص 89 من هذا
الكتاب.
(1/192)
والتمهيد (1) الأمران [أيضًا]. (2)
* * *
العبادة: إِن (3) لم يكن
لها وقت معين لم توصف بأداء ولا إِعادة و [لا] (4) قضاء، وإلا
(5) فما وقتها غير محدود كالحج توصف بالأداء، ولنا وجه:
وبالقضاء.
وإطلاق القضاء في حج فاسد، لشبهه بالمقضي في استدراكه.
وما وقتها (6) محدود توصف بذلك.
فالأداء: ما فعل أولاً في
وقته المقدر له شرعًا.
والقضاء: ما فعل بعد وقت
الأداء استدراكًا لما سبق وجوبه، (7) بأن أخره عمدًا. (8)
__________
(1) انظر: التمهيد/ 22 أ- 23 ب.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) في (ح): "العبادة التي لا وقت لها معين لا توصف"، مكان
قوله: "العبادة إِن لم يكن لها وقت معين لم توصف"
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(5) في (ح): "والتي لها وقت معين غير محدود كالحج توصف"، مكان
قوله: "وإِلا فما وقتها غير محدود كالحج توصف".
(6) في (ح): وإِن كان وقتها محدودًا وصفت"، مكان قوله: "وما
وقتها محدود توصف بذلك".
(7) نهاية 27 ب عن (ب).
(8) نهاية 21 ب من (ظ).
(1/193)
فإِن أخره لعذر تمكن منه كمسافر ومريض، أوْ
لا، لمانع شرعي كصوم حائض: فهل هو قضاء؟. ينبني على وجوبه
عليه، وفيه أقوال لنا، وحكاه بعضهم روايات:
قيل: يجب (1)، جزم به جماعة، وذكر صاحب المحرر (2): أنه نص
أحمد، واختيار أصحابنا، قال ابن برهان: (3) هو قول الفقهاء
قاطبة:
لقول عائشة -رضي الله عنها-: (كنا نحيض على عهد رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم) متفق عليه. (4)
ولأنه تجب نية القضاء، ذكره في الروضة (5) إِجماعًا.
وكالصلاة على محدث، ودين على معسر.
__________
(1) انظر: العدة/ 315.
(2) انظر: المسودة/ 29.
(3) حكاه في المسودة/ 29.
(4) متفق عليه من حديث معاذة عن عائشة، لكن ليس في رواية
البخاري تعرض لقضاء الصوم.
أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 67، ومسلم في صحيحه/ 265، وأبو داود
في سننه 1/ 180 - 181، والنسائي في سننه 4/ 191 من حديث معاذة
عن عائشة وأخرجه الترمذي في سننه 2/ 141 - 142، وابن ماجه في
سننه/ 533 - 534 من حديث الأسود عن عائشة، وقال الترمذي: حديث
حسن.
وانظر: التلخيص الحبير 1/ 163 - 164، ونصب الراية 1/ 193.
(5) انظر: الروضة/ 59.
(1/194)
وقيل: لا يجب، وحكاه القاضي (1) [وابن
عقيل] (2) عن الحنفية؛ لأنه تكليف بالممتنع.
وقيل: يجب على مسافر ونحوه، لا حائض.
وحكى ابن عقيل (3) وغيره (4) عن الحنفية: على مسافر فقط، وعن
الأشعرية (5): أن المسافر يلزمه صوم شهر الأداء (6) وشهر
القضاء لا بعينه، وحكاه (7) ابن برهان قول أهل العراق (8).
__________
(1) انظر: العدة/ 315.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(3) انظر: الواضح 1/ 288 ب.
(4) في (ب) و (ظ): "وحكى ابن عقيل عنا وعن الحنفية"، مكان
قوله: "وحكى ابن عقيل وغيره عن الحنفية".
(5) انظر: المرجع السابق 1/ 288 ب- 289 أ.
(6) كذا في النسخ. ولعل المناسب: أو شهر القضاء.
(7) انظر: المسودة/ 30.
(8) أهل العراق: هم أصحاب الرأي، وهم أصحاب أبي حنيفة، ومنهم:
محمد بن الحسن وأبو يوسف وزفر بن هذيل والحسن بن زياد اللؤلؤي
وابن سماعة.
وإِنما سموا "أصحاب الرأي" لأن عنايتهم بتحصيل وجه من القياس
والمعنى المستنبط من الأحكام، وبناء الحوادث عليها، وربما
يقدمون القياس الجلي على آحاد الأخبار.
وقد قال أبو حنيفة: علمنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه،
فمن قدر على غير ذلك، فله ما رأى، ولنا ما رأيناه.=
(1/195)
فإِن وجب كان قضاء، وإِلا فلا.
وأطلق أصحابنا أنه قضاء، فيحتمل أنهم أرادوا قول بعض
الأصوليين: إِن ما سبق له وجوب مطلقًا -أي: بالنظر إِلى انعقاد
سبب الوجوب، لا بالنظر إِلى المستدرَك- يكون قضاء.
وهذا ظاهر الروضة (1)، ولهذا ذكر أنه (2) قضاء من ساهٍ ونائم،
مع عدم تكليفهما عنده (3).
وكذا ذكر ابن عقيل (4) عدم تكليفهما، وأنه قول أكثر المتكلمين،
وأنه نزاع (5) لفظي.
ولهذا قال جماعة: لا يأثم نائم ومغمى عليه، ولا يعتبر كلامهما
إِجماعًا.
وقال القاضي (6) أسقط أحمد القضاء عن المجنون، وجعل -العلة فيه
رفع القلم، فاقتضى أنه غير مرفوع عن المغمى عليه، وأسقط القضاء
عن الكافر
__________
=وأصحابه ربما يزيدون على اجتهاده اجتهادًا، ويخالفونه في
الحكم الاجتهادي.
انظر: الملل والنحل 1/ 365.
(1) انظر: الروضة/ 59.
(2) نهاية 53 من (ح).
(3) انظر: المرجع السابق/ 48.
(4) انظر: الواضح 1/ 16 أ- ب.
(5) في النسخ الثلاث: "نزاعي". والمثبت من نسخة في هامش (ب).
(6) انظر: العدة / 351.
(1/196)
والصبي، وجعل العلة عدم الإِيجاب، فاقتضى
هذا أن من وجب عليه القضاء قد كان واجباً عليه.
وذكره بعض أصحابنا (1) قول أكثر الفقهاء. (2)
وعن أحمد -رحمه الله- رواية ضعيفة: يقضي مجنون الصلاة [(خ (3)]
(4).
وعنه: يقضي الصوم (وم). (5)
وعنه: إِن أفاق فيه (وهـ). (6)
ويقضي المغمى عليه الصلاة عند أحمد (7)، كالصوم في الأصح عندنا
(و). (8)
ولنا قول: لا (وم ش). (9)
__________
(1) انظر: المسودة/ 37.
(2) نهاية 28 أمن (ب).
(3) انظر: المجموع 3/ 7 والإِنصاف 1/ 393.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) انظر: المغني 3/ 116، ومواهب الجليل 2/ 422.
(6) انظر: بدائع الصنائع/ 1003.
(7) انظر: الشرح الكبير 1/ 377.
(8) انظر: المغني 3/ 115، والمجموع 6/ 277، ومواهب الجليل 2/
422، وبدائع الصنائع/ 1003.
(9) انظر: مواهب الجليل 1/ 469، والمجموع 3/ 8.
(1/197)
وعند أبي حنيفة (1): يقضي خمس صلوات. والله
أعلم.
والإِعادة: ما فعل في وقته المقدر مرة أخرى، زاد (2) بعضهم
(3): لخلل، وبعضهم (4): لعذر.
مسألة
مقتضى الأمر لجماعة وجوبه على الأعيان، فلا يسقط عن بعضهم إِلا
بدليل (و).
وفرض الكفاية على الجميع (و).
قال أحمد: (5) "الغزو واجب على الناس كلهم، فإِذا غزا بعضهم
(6) أجزأ عنهم".
قال (7) أصحابنا وغيرهم: ومن ظن أن غيره لا يقوم به وجب عليه،
وإِن فعله الجميع معاً كان فرضًا إِجماعًا، ويسقط الطلب الجازم
بفعل بعضهم، كما يسقط الإِثم إِجماعًا.
__________
(1) انظر: بدائع الصنائع / 319.
(2) في (ح): "وزاد بعض الأصوليين"، مكان قوله: "زاد بعضهم".
(3) انظر: البلبل/ 33.
(4) في (ح): "وقال بعضهم"، مكان قوله: "وبعضهم".
(5) في رواية حنبل. انظر: المسودة/ 30.
(6) نهاية 22 أمن (ظ).
(7) انظر: المرجع السابق/ 30 - 31.
(1/198)
وذكر بعض أصحابنا (1): إِذا فعله بعضهم بعد
بعض: في (2) كون الثاني فرضًا وجهان.
وجزم في الواضح (3) بالفرض؛ لتناول الفرض للجميع، بخلاف تطويل
الواجب.
وذكر بعض أصحابنا وجهًا (4) في صلاة الجنازة إِذا تكررت: تكون
فرض كفاية بم فلا تجزئ بنية النافلة، لتعيينها بشروعه فيها.
وقاله (5) الشافعية (6)؛ لأنها شرعت لمصلحة، وهي قبول الشفاعة،
وتعلم.
ورد: يكفي الظن، بدليل سقوط الإِثم.
وقال بعض الأصوليين: فرض الكفاية يلزم طائفة مبهمة.
لنا: إِثم الجميع بتركه إِجماعًا.
وإثم واحد مبهم (7) لا يعقل (8)؛ لأنه لا يمكن عقابه.
__________
(1) انظر: المرجع السابق/ 31.
(2) لعل الصواب: ففي كون.
(3) انظر: الواضح 2/ 25 أ.
(4) نهاية 54 من (ح).
(5) انظر: التمهيد للأسنوي/ 73.
(6) في (ظ): الشفاعية.
(7) في (ظ): منهم.
(8) انظر: البلبل/ 91.
(1/199)
وسقوط الإِثم بفعل بعضهم ليس مانعًا.
وأما (1) قوله: (فلولا نفر) (2) الآية، فالمراد بالطائفة
المسقطة للواجب.
مسألة
الأمر بواحد من أشياء -كخصال الكفارة- (3) الواجبُ واحد لا
بعينه (4)، قاله في الروضة (5) وغيرها، وذكره أبو محمد التميمي
(6) عن أحمد، وأن أصحابه اختلفوا، وقاله (7) عامة الفقهاء (8)
والأشعرية.
__________
(1) انظر: البلبل/ 91.
(2) سورة التوبة: آية 122: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا
قومهم إِذا رجعوا إِليهم لعلهم يحذرون).
(3) الواردة في قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إِطعام عشرة
مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة).
سورة المائدة: آية 89.
(4) في (ب): لا يعينه.
(5) انظر: الروضة/ 27.
(6) هو: رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن
أسد التميمي، البغدادي، المقرئ المحدث الفقيه الواعظ، شيخ أهل
العراق في زمانه، أحد الحنابلة المشهورين. ولد سنة 400 هـ
وقيل: سنة 401 هـ، وتوفي سنة 488 هـ.
من مؤلفاته: شرح الإرشاد لشيخه ابن أبي موسى، والخصال،
والأقسام.
انظر: البداية والنهاية 12/ 150، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 77،
والمنهج الأحمد 2/ 164.
(7) في (ح): وهو قول.
(8) نهاية 28 ب من (ب).
(1/200)
واختار القاضي (1): أن الواجب واحد، ويتعين
بالفعل، وقاله ابن عقيل (2)، وذكره (3) عن الفقهاء والأشعرية.
واختار أبو الخطاب: (4) أن الواجب واحد معيّن عند الله، قد علم
أن المكلف لا يختار إِلا ما وجب عليه.
وعن المعتزلة (5): كالقاضي، وبعضهم (6): معيّن يسقط به وبغيره.
وعن (7) الجبائي (8) وابنه أبي هاشمم: جميعها (9) واجب على
التخيير؛ بمعنى: أن كل واحد منها (10) مراد.
__________
(1) انظر: العدة/ 302.
(2) و (3) انظر: الواضح 1/ 289 ب.
(4) انظر: التمهيد/ 44 ب.
(5): (7) انظر: البلبل/ 20، والمعتمد/ 87.
(8) هو: أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي، من أئمة
المعتزلة، ورئيس علماء الكلام في عصره، وإِليه نسبة الطائفة
"الجبائية"، له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب، ورد عليه
الأشعري. نسبته إِلى "جبّى" من قرى البصرة. ولد سنة 235 هـ،
واشتهر في البصرة، وتوفي سنة 303 هـ، ودفن ب، "جبى".
من مولفاته: تفسير حافل مطول.
انظر: اللباب 1/ 255، ووفيات الأعيان 4/ 267، والبداية
والنهاية 11/ 125، وخطط المقريزي 2/ 348، ومفتاح السعادة 2/
35.
(9) في (ظ): جميعًا.
(10) في (ظ) منهما.
(1/201)
فلهذا قيل: الخلاف معنوي.
وقيل: لفظي.
ولا يجوز ترك جميعها، ولا يجب الجمع بين اثنين منها إِجماعًا.
وِإن كفّر بها مترتبة (1)، فالواجب الأول إِجماعًا، ومعاً -إِن
أمكن- لا يثاب ثواب الواجب على كل واحد إِجماعًا، بل على
أعلاها.
وإِن ترك الجميع لم يأثم على كل واحد إِجماعًا، [بل] (2) قال
القاضي (3) وغيره: يأثم بقدر عقاب أدناها، لا أنه نفس عقاب
أدناها.
وفي التمهيد (4) وغيره: "يثاب على واحد، ويأثم بواحد"، ومعناه
في في الواضح (5). (6)
لنا: جوازه عقلاً، كتكليف السيد عبده بفعل هذا الشيء أو ذاك،
على أن يثيبه على أيهما فعل، ويعاقبه بترك الجميع، ولو أطلق لم
يفهم وجوبهما (7).
__________
(1) في (ظ): مرتبة.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(3) انظر: العدة/ 306.
(4) انظر: التمهيد/ 44 ب- 45 أ.
(5) انظر: الواضح 1/ 290أ.
(6) نهاية 55 من (ح).
(7) في (ظ): وجوبها.
(1/202)
والنص دل عليه؛ لأنه لم يرد الجميع، ولا
واحدًا بعينه؛ لأنه خيّره.
ولو أوجب التخيير الجميع، لوجب عتق الجميع إِذا وكّله في
إِعتاق أحد عبديه، (1) وتزويج موليته بالخاطبين إِذا وكلته
بأحدهما.
قالوا: غير المعين مجهول، فلا يشعر به، ويستحيل وقوعه، فلا
يكلف به.
ورد: بتعيينه من حيث هو واجب، وهو واحد من الثلاثة، فينتفي
تعيينه الشخصي، فصح إِطلاقهما عليه باعتبارين.
قالوا: لو لم يجب الجميع لوجب واحد، فإِن تعين فلا تخيير، أو
وقع التخيير بين واجب وغيره، وإن لم يتعين فواحد غير واجب،
فإِن تعددا (2) لزم التخيير بين واجب وغيره، وإِن اتحدا اجتمع
الوجوب وعدمه.
رد: يلزم في الإِعتاق والتزويج.
ثم (3): الواجب لم يخير (4) فيه لإِبهامه، والمخير فيه لم يجب
لتعيينه، وهي الأفراد الثلاثة.
ولأنه يتعدد الوجوب والتخيير، فيتعدد متعلقاهما "الواجب والخير
فيه"، كما لو حرم الشارع واحدًا وأوجب واحدًا.
__________
(1) نهاية 22 ب من (ظ).
(2) ضرب في (ظ) و (ب) على الألف في "تعددا".
(3) نهاية 29 أمن (ب).
(4) في (ب): لم يخبر.
(1/203)
وسبق جواب قولهم:"يعم ويسقط بفعل بعضها،
كفرض الكفاية".
قالوا: يجب أن يعلم الآمر ما أوجبه، لاستحالة طلب غير متصور.
رد: يعلمه حسبما أوجبه، وإذا أوجبه غير معين، علمه كذلك.
قالوا: علم ما يفعله المكلف، فكان الواجب؛ لأنه يمتنع إِيجابه
ما علم عدم وقوعه.
رد: بمنعه.
ثم: لم يجب (1) بخصوصه، للقطع بتساوي الناس في الواجب (2)
[(ع)] (3).
مسألة
إِذا علق وجوب العبادة بوقت موسع -كالصلاة- تعلق بجميعه موسعاً
أداء عندنا، وقاله المالكية والشافعية والجمهور.
وأوجب أكثر أصحابنا (4) والمالكية (5) العزم بدل الفعل أول
الوقت، ويتعين الفعل آخره، وذكره (6) صاحب المحصول (7) عن أكثر
المتكلمين، ولم
__________
(1) في (ح): "ثم المفعول ليس بواجب بخصوصه" مكان قوله "ثم لم
يجب بخصّوصه".
(2) نهاية 56 من (ح).
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) انظر: البلبل/ 21.
(5) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 152.
(6) في (ظ): وذكر.
(7) انظر: المحصول 1/ 2/ 292.
(1/204)
يوجبه صاحب التمهيد (1) والمحرر (2)
وغيرهما، وللشافعية (3) والمعتزلة (4) قولان.
وقال قوم (5): وقته أوله، فإِن أخّره فقضاء.
وقال الحنفية (6): يتعلق بآخره -زاد الكرخي (7): أو بالدخول
فيها- فإِن قدَّمه فنفل يسقط الفرض.
وأكثرهم: إِن بقي مكلفاً فما قدمه واجب.
وعندهم: إِن طرأ ما يمنع الوجوب فلا وجوب.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 32 ب-34 أ.
(2) انظر: المسودة/ 28.
(3) انظر: المحصول 1/ 2/ 291.
(4) انظر: المعتمد للبصري/ 135.
(5) انظر: المرجع السابق.
(6) في هذه النسبة نظر؛ فقد ذكر في كشف الأسرار أن مذهب
جمهورهم كقول الجمهور، وأن هذا قول لبعض الحنفية العراقيين.
انظر: كشف الأسرار 1/ 219، وفواتح الرحموت 1/ 74، وأصول
السرخسي 1/ 31، وتيسير التحرير 2/ 189، والتوضيح على التنقيح
2/ 205.
(7) هو: أبو الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي، فقيه حنفي،
انتهت إِليه رئاسة الحنفية بالعراق، ولد في الكرخ سنة 260 هـ،
وتوفي ببغداد سنة 340 هـ.
من مؤلفاته: رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية،
وشرح الجامع الكبير، وشرح الجامع الصغير.
انظر: الجواهر المضية 1/ 337، والفوائد البهية/ 108.
(1/205)
وعن بعض المتكلمين: يتعلق الوجوب بوقت غير
معين، كخصال الكفارة، ويتأدى فيهما (1) بالمعين، وذكره في
الواضح (2) عن الكرخي، واختاره (3) -أيضًا- في مسألة الواجب
الخير (4)، واختاره صاحب المحرر، (5) قال: ويجب حمل مراد
أصحابنا عليه. كذا قال.
وصرح القاضي (6) وابن عقيل (7) وغيرهما بالفرق لظاهر النص،
والكفارة هي الدليل، لوجوبها بالحنث، فما أداه سبق وجوبه، كذا
هنا.
وقال (8) ابن عقيل (9): التعميم يزيل معنى توسعة التخيير في
التكفير، وتوسعة قيام شخص مقام آخر في الكفاية بالبعض، وهنا
(10) لم تزل الرخصة، وفيه فائدة، هي: تعلق المأثم بالترك في كل
الوقت، لا يختص بالأخير.
__________
(1) في (ح): فيها.
(2) انظر: الواضح 1/ 280 أ.
(3) ضمير الفاعل يعود إِلى الكرخي.
(4) انظر: المرجع السابق.
(5) انظر: المسودة/ 29.
(6) انظر: العدة/ 311، 315.
(7) انظر: الواضح 1/ 283 ب، 279أ.
(8) نهاية 23 أمن (ظ).
(9) انظر: الواضح 1/ 282أ.
(10) يعني: إِذا علقنا الوجوب على جميع الوقت.
(1/206)
لنا: أن قوله: (أقم الصلاة) (1) -الآية-
قيد بجميع وقتها. وصلى (2) - عليه السلام- أوله وآخره، وقال:
(الوقت بينهما) (3) (4) له جبريل- عليه السلام- أيضًا.
__________
(1) سورة الإِسراء: آية 78: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) إِلى غسق
الليل وقرآن الفجر إِن قرآن الفجر كان مشهودًا)
(2) في (ب): وصل.
(3) جاء ذلك في حديث بريدة الأسلمي: أخرجه مسلم في صحيحه/ 428
- 429، والترمذي في سننه 1/ 102، وقال: "هذا حديث حسن غريب
صحيح"، والنسائي في سننه 1/ 582، وابن ماجه في سننه / 219،
وأحمد في مسنده 5/ 349، والدارقطني في سننه 1/ 262، والبيهقي
في السنن الكبرى 1/ 371.
وجاء ذلك -أيضًا- في حديث أبي موسى الأشعري: أخرجه مسلم في
صحيحه / 429 - 430، وأبو داود في سننه 1/ 279 - 280، والنسائي
في سننه 1/ 260، وأحمد في مسنده 4/ 416، والدارقطني في سننه 1/
263، والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 366 - 367، 370 - 371.
وجاء ذلك -أيضًا- في حديث أنس: أخرجه النسائي في سننه 1/ 270،
والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 377 - 378.
وجاء ذلك -أيضًا- في حديث جابر: أخرجه الدارقطني في سننه 1/
257، والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 382.
وجاء ذلك -أيضًا- في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أخرجه
البيهقي في السنن الكبرى 1/ 369.
(4) قال له ذلك حين أَمَّه أول الوقت وآخره.
وحديث إِمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - رواه من
الصحابه: أخرجه أبو داواد في سنته=
(1/207)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
__________
= 1/ 274 من حديث ابن عباس، وأخرجه الترمذي في سننه 1/ 100 -
101 من حديث ابن عباس، وقال: حديث حسن صحيح، ومن حديث جابر،
وقال: حسن غريب، ثم قال: وقال محمد -يعني البخاري-: أصح شيء في
المواقيت حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة، وبريدة، وأبي موسى،
وأبي مسعود الأنصاري، وأبي سعيد، وجابر، وعمرو بن حزم،
والبراء، وأنس.
وأخرجه النسائي في سننه1/ 249 - 250 من حديث أبي هريرة، ومن
حديث جابر، وأخرجه الشافعي (انظر: بدائع المنن 1/ 46 - 48) من
حديث ابن عباس.
وأخرجه الدارقطني في سننه 1/ 256 - 257 من حديث جابر، 1/ 258 -
259 من حديث ابن عباس، 1/ 259 من حديث ابن عمر، 1/ 261 من حديث
أبي هريرة.
وأخرجه الحاكم في مستدركه 1/ 192 - 193 من حديث ابن عباس،
وقال: صحيح، ولم يخرجاه، 1/ 195 - 196 من حديث جابر، وقال:
صحيح مشهور من حديث عبد الله بن المبارك، ولم يخرجاه لقلة حديث
الحسين بن علي الأصغر -ووافقه في التلخيص- وذكر له شاهدين مثل
ألفاظه عن جابر.
وأخرجه أحمد في مسند 1/ 333 من حديث ابن عباس، 3/ 30 من حديث
أبي سعيد الخدري.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/ 364 من حديث ابن عباس، قال:
وروينا عن جابر بن عبد الله، وأبي مسعود الأنصاري، وعبد الله
بن عمرو، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري في قصة إِمامة جبريل
-عليه السلام- النبي - صلى الله عليه وسلم - 1/ 365 من حديث
أبي مسعود الأنصاري، 1/ 368 - 369 من حديث جابر.
وانظر: التلخيص الحبير 1/ 173، ونصب الراية 1/ 221.
(1/208)
ولأنه لو تعين جزء لم يصج قبله، وبعده
قضاء، فيعصي، وهو خلاف الإِجماع.
ولأن (1) وجوب العزم والتخيير بينه وبين الفعل وتعيين وقت
تحكّم لا دليل عليه.
القائل بالعزم: كخصال
الكفارة.
رد: بأنه ممتثل؛ لأنه مصلٍّ، لا لأحد الأمرين.
وبأنه يلزم سقوط المبدَل إِذا أتى بالبدل، كسائر الأبدال، وأن
يعم العزم جميع الوقت كمبدَله.
وبأن في (2) وجوبه في جزء ثان يقتضي تعدده، والمبدل واحد.
وبِأن وجوب العزم لا يدل على التخيير، لوجوبه في كل أمر ديني
إِجماعًا.
وبأنه يجب قبل دخول (3) وقت المبدل.
وبعضهم منع هذا، وبعضهم أوجب العبادة قبل وقتها.
وقوله في الروضة (4): "لا يترك العزم على الفعل إِلا عازمًا
على الترك
__________
(1) في (ح): "ولأن التخيير بين الفعل والعزم" مكان قوله: "ولأن
وجوب العزم والتخيير بينه وبين الفعل".
(2) لعل المناسب حذف كلمة (في)، أو إِضافة كلمة (ما) قبل
(يقتضي)، فيكون الكلام هكذا: وبأن في وجوبه في جزء ثان ما
يقتضي تعدده.
(3) نهاية 57 من (ح).
(4) انظر: الروضة/ 32.
(1/209)
مطلقًا" ممنوع، فلهذا إِثمه بالتردد مبني
على وجوب العزم.
وإِنما لم يعص بتأخيره أول الوقت؛ لأنه كقضاء رمضان، وخصال
الكفارة.
مسألة
من أخر الواجب الموسع مع ظن مانع -موت أو غيره- أثم إِجماعًا.
وذكر بعض أصحابنا: يأثم مع عدم ظن البقاء إِجماعًا، وفي الروضة
(1): "لا يؤخر إِلا إِلى وقت يظن بقاءه إِليه".
ثم: إِن بقي ففعله في وقته فأداء.
وعند ابن الباقلاني: (2) قضاء، لضيق وقته بظنه.
وألزمه بعضهم أن يوجب نية القضاء، وأن يأثم بالتأخير من اعتقد
قبل الوقت انقضاءه.
وقال بعض أصحابنا: (3) له التزامه لعدوله عن (4) مناط التعبد،
وهو ما ظنه حقاً. كذا قال.
ومن له التأخير فمات لم يأثم [(و)] (5)، وحكاه (6) بعض أصحابنا
__________
(1) انظر: الروضة/ 33.
(2) انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 192.
(3) انظر: البلبل/ 23.
(4) نهاية 30 أمن (ب).
(5) ما بين المعقوفتين زيادة من (ب).
(6) في (ظ) و (ح): "حكاه" بدون الواو.
(1/210)
إِجماعًا.
واعتبار (1) سلامة العاقبة ممنوع.
ولنا وجه: يأثم، كبعض الشافعية (2).
ويأثم من له تأخير الحج فمات قبل فعله (و) (3)، لتأخيره عن
وقته وهو العمر.
وقيل: لعدم ظن البقاء سنة، فيلزم قضاء رمضان.
وحكى بعضهم (4) عن الشافعي في الحج: يأثم الشيخ، لا الشاب
الصحيح.
وفي الواضح (5) في مسألة "الأمر للفور" -عن بعض (6) من قال:
للتراخي-: "لا يأثم بموته لئلا تبطل رخصة التأخير"، ثم ألزم
بالموسع.
م مسألة
ما لا يتم الوجوب إِلا به ليس بواجب إِجماعًا، قدر عليه المكلف
__________
(1) في (ح): رسم اللفظ هكذا: واعا.
(2) انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 193، والمستصفى 1/
70.
(3) انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 193، والمستصفى 1/
71، وفواتح الرحموت 1/ 88، وشرح العضد 1/ 243، وتيسير التحرير
2/ 210 - 211.
(4) انظر: المحصول 1/ 2/ 306.
(5) انظر: الواضح 1/ 278أ.
(6) نهاية 23 ب من (ظ).
(1/211)
كاكتساب المال في الحج والكفارة -قال ابن
عقيل (1) وغيره: وإِرغاب العبد سيده في كتابته بمال كثير- أوْ
لا، كاليد في الكتابة، وحضور الإِمام والعدد في الجمعة.
وذكره (2) بعض أصحابنا (3) وغيرهم [من باب]: (4) ما لا يتم
الواجب إِلا به لا يجب إِلا على تكليف المحال. كذا قالوا.
وأما ما لا يتم الواجب إِلا به -كالطهارة، وقطع المسافة إِلى
العبادة، وغسل بعض الرأس- فواجب، ذكره أصحابنا والشافعية (5)
وأكثر الفقهاء، وحكاه الآمدي (6) عن المعتزلة.
وحكى بعض أصحابنا (7) عن أكثر المعتزلة: ليس بواجب.
وحكى (8) ابن الجوزي (9): لا يجب إِمساك جزء من الليل في الصوم
في أصح الوجهين.
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 259 أ.
(2) في (ح): وذكر.
(3) انظر: البلبل/ 23 - 24.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) انظر: نهاية السول/ 1/ 95.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 111.
(7) انظر: المسودة/ 60.
(8) انظر نحو ذلك في زاد المسير 1/ 193.
(9) هو: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي
البغدادي الحنبلي،=
(1/212)
وأوجب بعض أصحابنا (1) ما كان شرطاً شرعيًا
كالطهارة، (2) لا غيره، وقاله ابن برهان (3) وأبو المعالي (4)
وغيرهما.
وظاهر من أوجب: يعاقب بتركه كغيره، وقاله الآمدي (5) وغيره
(6)، وقاله القاضي في الحج عن ميت من ميقات، كما يثاب.
__________
=علامة عصره في التاريخ والحديث، ولد في بغداد سنة 508 هـ،
وتوفي بها سنة 597 هـ، ونسبته إِلى "مشرعة الجوز" من محالّها.
من مؤلفاته: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، والضعفاء
والمتروكون، والناسخ والمنسوخ، وزاد المسير في علم التفسير،
وجامع المسانيد والألقاب، وشرح مشكل الصحيحين.
انظر: وفيات الأعيان 3/ 140، والبداية والنهاية 13/ 28، وذيل
طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 399، ومفتاح السعادة 1/ 207.
(1) انظر: البلبل/ 24.
(2) نهاية 58 من (ح).
(3) حكاه في المسودة/ 60.
(4) انظر: البرهان لأبي المعالي/ 257.
(5) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 112.
(6) كان النص في (ح) هكذا: "وقاله الآمدي وغيره كما يثاب وفي
الروضة لا يعاقب" ثم استدرك في الهامش ما سقط بين قوله:
"وغيره" وقوله: "كما يثاب"، وهو قوله: "وقاله القاضي في الحج
عن ميت من ميقات" لكن جعلت إِشارة الاستدراك في النص قبل كلمة:
غيره" وكرر في الهامش بعض ما هو في النص، حيث كتب في الهامش:
"وقاله القاضي في الحج عن ميت من ميقات كما يثاب، وفي الروضة
لا يعاقب"، فجاء النص متصلاً هكذا: "وقاله الآمدي، وقاله
القاضي في الحج عن ميت من ميقات كما يثاب، وفي الروضة لا يعاقب
وغيره، وفي الروضة لا يعاقب".
(1/213)
وفي الروضة: (1) لا يعاقب، وقاله بعض
أصحابنا، قال (2): إِلا أن يقال: قد تكون عقوبة من كثرت
واجباته أكثر.
وقال (3) -أيضًا-: وجوبه عقلاً وعادة لا ينكر، والوجوب العقابي
لا يقوله فقيه، والوجوب الطلبي محل النزاع، وفيه نظر.
قال (4): وإِذا نسخ الأمر بالملزوم أو تبين عدم وجوبه، استدل
به على اللوازم، فعند أصحابنا: اللوازم كالأجزاء، وصرحوا بأنه
كالعموم إِذا خص منه صورة، وأن الكلام في قوة (5) أمرين، وأن
اللازم مأمور به أمراً مطلقًا. ويشبهها (6) الأمر بهيئة أو
صفةٍ لفعل، يحتج به على وجوبه، ذكره أصحابنا، ونص عليه أحمد
رحمه الله؛ (7) لتمسكه لوجوب (8) الاستنشاق بالأمر (9)
بالمبالغة (10)، (هـ) (11) وهو يشبه: نسخ اللفظ نسخ
__________
(1) انظر: الروضة/ 33 - 34.
(2) و (3) انظر: المسودة/ 61.
(4) انظر: المرجع السابق/ 62.
(5) في (ظ)، ونسخة في هامش (ب): وقوع.
(6) انظر: المرجع السابق/ 59، 62.
(7) نهاية 30 ب من (ب).
(8) في (ظ): بوجوب.
(9) في (ظ)، ونسخة في هامش (ب): وبالمبالغة.
(10) أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمبالغة بالاستنشاق
ورد في حديث لقيط بن صبرة.
أخرجه أبو داود في سننه 1/ 97 - 100، 2/ 769، والترمذي في سننه
2/ 142 - وقال: حديث حسن صحيح - والنسائي في سننه 1/ 66، وابن
ماجه في سننه/ 142، وأحمد في مسنده 4/ 32 - 33. وانظر: نصب
الراية 1/ 16.
(11) في (ظ) و (ب): (و). والمثبت من (ح) ونسخة في هامش (ب).
(1/214)
لفحواه، قال: وقول المخالف متوجه، وسرها:
هل هو كأمرين، أو أمر بفعلين، أو بفعل ولوازمه ضرورة. هذا
كلامه (1).
وذكر أصحابنا: أن من سقط عنه النطق في الصلاة لعذر لم يلزمه
تحريك لسانه، خلافاً للقاضي وأكثر الشافعية (2)؛ لوجوبه ضرورة،
كجزء الليل في الصوم، وشروط الصلاة، (3) ويتوجه الخلاف.
وقال بعض أصحابنا: يستحب في قول من استحب (4) موضع القطع في
الطهارة، وكذا إِمرار الموسى (5) فيمن لا شعر له. كذا قال.
وفي عمد (6) الأدلة لابن عقيل: (7) يمر الموسى ولا يجب، ذكره
شيخنا (8)، وأما كلام أحمد فخارج مخرج الأمر، لكنه حمله شيخنا
على الندب.
__________
(1) انظر: المسودة/ 59.
(2) انظر: المجموع شرح المهذب 3/ 361.
(3) نهاية 24 أمن (ظ).
(4) في شرح الكوكب المنير 1/ 361 نقلاً عن كلام ابن مفلح: من
استحب غسل موضع القطع.
(5) انظر: المغني 3/ 388.
(6) ويسمى -أيضًا- "عمدة الأدلة"، وهو ذو قيمة علمية، فقد ذكره
تقي الدين بن تيمية في جملة الكتب الكبار التي يذكر فيها مسائل
الخلاف، ويذكر فيها الراجح. انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 156،
وقواعد ابن رجب/ 66، والإِنصاف للمرداوي 1/ 18، والفتاوى
الكبرى 2/ 235.
(7) في (ح): وفي عمد الأدلة لا يمر الموسى.
(8) يعني به: القاضي أبا يعلى.
(1/215)
وفي تعليق (1) القاضي -وغيره- في وطء
المظاهر: أن الأمر بالصلاة متضمن للأمر بالطهارة، وأن التابع
يسقط بفوات المتبوع، كالطهارة بالصلاة.
لنا: ما اعتمد عليه في التمهيد (2) وغيره: (3) أن الأمر بالشيء
مطلقًا يستلزم وجوبه في كل أحواله الممكنة، فيقتضي وجوب لازمه،
وإِلا كان واجبًا حال عدمه وهو محال، وتقييده بوقت وجود لازمه
خلاف ظاهر الأمر؛ لأنه مطلق، واللازم لا ينفيه اللفظ لعدم
دلالته عليه، فلا مخالفة لظاهره. (4)
وقال ابن عقيل: ما عرف من اطراد العادة كالملفوظ.
ولأنه لو لم يجب الشرط لم يكن شرطًا، لجواز تركه.
واستدل: لو لم يجب لصح
الفعل دونه، وإِلا لزم تكليف المحال بتقدير عدمه، ولما وجب
التوصل إِلى الواجب.
ورد: إِن أريد بالصحة والوجوب "ما لا بد منه" فمسلم، ولا يلزم
(5) أنه مأمور به، وإِن أريد: "مأمور به" فأين دليله؟ وإِن سلم
أن (6) التوصل واجب ففي الأسباب المستلزمة لمسبباتها، لا لنفس
الأمر بالفعل.
__________
(1) وهو: كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة
للقاضي أبي يعلى، يوجد منه المجلد الرابع في دار الكتب المصرية
برقم 140 فقه حنبلي، يبتدئ بكتاب الحج، وينتهي في أثناء كتاب
البيع.
(2) انظر: التمهيد/ 43 أ.
(3) نهاية 59 من (ح).
(4) في (ح): لظاهر.
(5) في (ظ) والا يلزم.
(6) في (ب): إِلى.
(1/216)
قالوا: لو وجب لزم تعقل الموجب له، ولم يكن
تعلق الوجوب لنفسه، لتوقف تعلقه على تعلقه بملزومه، والطلب لا
يتعلق بغير المطلوب، ولامتنع التصريح بغير وجوبه، ولأثم بتركه،
ولانتفى المباح، ولوجبت نيته.
ورد (1) الأول: يلزم لو وجب أصلا لا تبعًا.
ثم: ينتقض بالشرط.
والثاني: بأنه إِن أراد التعلق بالأصالة منع انتفاء التالي؛
فإِن تعلق الوجوب باللازم (2) قرع تعلقه بملزومه، وإِلا فتعلق
الوجوب الناشئ من وجوب الأول يتعلق باللازم لذاته.
ثم: ينتقض بالشرط.
والثالث: بمنع الملازمة في القادر على غسل الوجه دون غسل جزء
من الرأس، ونفي التالي (3) في العاجز.
وبه يجاب عن الرابع.
ثم: تركه يوجب ترك الواجب أصلاً.
ثم: ينتقض بالشرط.
والخامس: يلزم نفي المباح لو تعيّن ترك الحرام به.
والسادس: يلزم لو وجب أصلاً لا تبعًا، والله أعلم.
__________
(1) في (ظ): "رد" بد ون الواو.
(2) نهاية 31 أمن (ب).
(3) في (ظ): الثاني.
(1/217)
وتسقط الوسيلة تبعًا. (1)
مسألة (2)
إِذا كنى الشارع عن العبادة ببعض فيها، نحو: (وقرآن الفجر) (3)
(4) و (محلقين رؤوسكم) (5)، دل على فرضه -لم يذكر القاضي (6)
وابن عقيل (7) خلافاً- لأن العرب لا تكني إِلا بالأخص بالشيء.
مسألة
إِذا نهى عن أشياء بلفظ التخيير فهو منع من أحدها (8) لا
بعينه، [وله
__________
(1) نهاية 60 من (ح).
(2) هذه المسألة لم ترد في (ح).
(3) نهاية 24 ب من (ظ).
(4) سورة الإِسراء: آية 78 (أقم الصلاة لدلوك الشمس إِلى غسق
الليل وقرآن الفجر إِن قرآن الفجر كان مشهودًا)
(5) سورة الفتح: آية 27 (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق
لتدخلن المسجد الحرام إِن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم
ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحًا
قريبًا).
(6) انظر: العدة/ 418.
(7) انظر: الواضح 2/ 12 ب.
(8) في (ح) و (ظ): أحدهما.
(1/218)
فعل أحدها (1)] (2) عند أصحابنا والشافعية
(3)، وحكاه ابن برهان (4) قول الفقهاء والمتكلمين، كالواجب
الخير، [ولأنه اليقين والأصل.
واحتج بعضهم بقول الطبيب: "لا تأكل سمكاً أو لبناً"، وفيه نظر.
وكذا دليل أبي الخطاب (5): قوله لعبده: لا تأكل هذا أو هذا].
(6)
وذكره القاضي (7) ظاهر كلام أحمد: كل ما (8) في كتاب الله "أو"
فللتخيير.
واختار (9) أبو البقاء من أصحابنا في إِعرابه (10) في (ولا تطع
منهم
__________
(1) في (ظ): أحدهما.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) انظر: التمهيد للأسنوي/ 77، وشرح المحلي على جمع الجوامع
1/ 183، والإِحكام للآمدي 1/ 114.
(4) انظر: كتاب الوصول إِلى الأصول لابن برهان/ 23أ، وقد حكى
في المسودة/ 18 حكاية ابن برهان هذه.
(5) انظر: التمهيد/ 48 ب.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) انظر: العدة/ 429.
(8) في (ظ): "كما في". والمثبت من (ب) و (ح)، ولكن اللفظ رسم
فيهما هكذا: "كلما".
(9) انظر: كتاب إِملاء ما من به الرحمن 2/ 277.
(10) وهو: كتاب إِملاء ما من به الرحمن من وجوه الإِعراب
والقراءات في جميع القرآن. والكتاب مطبوع.
(1/219)
آثمًا أو كفورًا) (1): أنه منع من الجميع،
وأنه نهي عن كلام أحدهما، فمن كلّمه فهو أحدهما، وقاله
المعتزلة (2) والجرجاني (3) الحنفي؛ للآية. (4)
رد: بأن الآثم والكفور يأمران بالمعصية، فلا طاعة.
قالوا: "لا تطع زيدًا أو عمراً" للجميع بإِجماع أهل اللغة.
رد: بالمنع.
قالوا: لتساويهما في القبح.
رد: مبني على أصلهم في اعتبار الأصلح.
ثم: إِنما خيّره لعلمه بتركه القبيح وفعله الحسن.
قالوا: فيه احتياط.
__________
(1) سورة الإِنسان: آية 24.
(2) انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 183، والتمهيد
للأسنوي/ 77، والوصول لابن برهان/ 23 أ.
(3) في المسودة/ 81، والواضح 2/ 38 أ:" أبو عبد الله
الجرجاني". وهو: محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني، فقيه من أعلام
الحنفية من أهل جرجان، سكن بغداد، وكان يدرس فيها، وتفقه عليه
أبو الحسين القدوري، وغيره، توفي سنة 398 هـ.
من مؤلفاته: ترجيح مذهب أبي حنيفة.
انظر: الجواهر المضية 2/ 143، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة/
72، والفوائد البهية/ 202، وإيضاح الكنون 2/ 225، وهدية
العارفين 2/ 57.
(4) حكاه في الواضح 2/ 38أ.
(1/220)
فألزمهم القاضي (1) بالواجب المخير.
وقال ابن عقيل (2): إِنما نمنع من اعتقاد ذلك، ولا احتياط فيه.
كذا قال.
مسألة
في الشخص الواحد ثواب
وعقاب، كنوع الآدمي (3)، خلافاً للمعتزلة في تخليد أهل
الكبائر.
والفعل الواحد [بالنوع] منه
(4) واجب وحرام، كالسجود لله وللصنم، لتغايرهما بالشخصية، فلا
استلزام بينهما خلافاً لبعض المعتزلة (5)؛ لأن السجود مأمور به
لله، فلو حرم للصنم لاجتمع أمر ونهي في نوع واحد، والمنهي قصد
تعظيمه.
رد: بأن المأمور به السجود المقيد بقصد تعظيم الله، ولهذا قال:
(لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله) (6)، والمنهي عنه هنا
هو المأمور به.
__________
(1) انظر: العدة/ 430.
(2) انظر: الواضح 2/ 40 أ.
(3) في (ب) ما يشير إِلى سقوط قوله: "كنوع الآدمي" من بعض
النسخ.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) انظر: البرهان للجويني/ 304.
(6) سورة فصلت: آية 37.
(1/221)
والفعل الواحد
بالشخص - له جهة واحدة- يستحيل كونه
واجباً حراماً، لتنافيهما، إِلا عند من قال بتكليف المحال
عقلاً وشرعًا.
وأما الصلاة في الدار المغصوبة:
فمذهب أحمد وأكثر أصحابه: لا تصح، وقاله الظاهرية والزيدية (1)
والجبائية، وحكاه بعضهم (2) عن أكثر المتكلمين، فوهم.
فعلى هذا (3): لا يسقط الطلب [بها] (4)، وكذا عندها خلافاً
لابن
__________
(1) الزيدية: إِحدى فرق الشيعة، وهم أتباع زيد بن علي بن
الحسين بن علي، وقد ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة، ولم يجوزوا
ثبوت إِمامة في غيرهم، إِلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي -عالم
زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة- إِمامًا واجب الطاعة، سواء أكان
من أولاد الحسن أم من أولاد الحسين.
وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال، ويكون كل
واحد منهما واجب الطاعة
ولما كان زيد بن علي يذهب هذا المذهب أراد أن يحصل الأصول
والفروع حتى يتحلى بالعلم، فتتلمذ في الأصول على واصل بن عطاء
الغزال رأس المعتزلة، فاقتبس منه الاعتزال، وصارت أصحابه كلها
معتزلة.
وكان من مذهبه جواز إِمامة المفضول مع قيام الأفضل.
وكان لا يتبرأ من الشيخين.
ولما عرفت شيعة الكوفة أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه، فسميت
رافضة.
انظر: الفرق بين الفرق/ 29، والملل والنحل 1/ 249، والفرق
الإسلامية/ 57.
(2) انظر: مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2/ 2.
(3) انظر: المحصول 1/ 2/ 485.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب) و (ح).
(1/222)
الباقلاني، وادعاه إِجماعًا.
وهي دعوى لا دليل (1) عليها، ولا إِجماع، ثم: لا وجه (2) لسقوط
العبادة عند (3) فعل باطل، ومع أنه لا يعرف عن أحد قبله، لا
يبعد أنه خلاف الإِجماع.
وعن أحمد: تصح مع التحريم، اختارها الخلال (4) وابن عقيل في
فنونه وغيرهما (وم ش).
وعنه: إِن علم التحريم [لم تصح] (5) وإلا صحت.
وحكى بعض أصحابنا قولاً: تصح مع الكراهة (وهـ). (6)
لنا: تعلق الوجوب والحرمة بفعل المكلف، وهما متلازمان في هذه
الصلاة، فالواجب متوقف على الحرام، وما لا يتم الواجب إِلا به
واجب،
__________
(1) نهاية 25 أمن (ظ).
(2) نهاية 61 من (ح).
(3) نهاية 31 ب من (ب).
(4) هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، مفسر عالم
باللغة والحديث، من كبار الحنابلة من أهل بغداد، وهو جامع علم
أحمد ومرتبه، توفي سنة 311 هـ.
من مؤلفاته: تفسير الغريب، وطبقات أصحاب ابن حنبل، والسنة،
والعلل، والجامع لعلوم الإِمام أحمد.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 12، ومناقب الإِمام أحمد/ 512، وتذكرة
الحفاظ 3/ 7، والبداية والنهاية 11/ 148.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) انظر: التوضيح على التنقيح 2/ 228، وكشف الأسرار 1/ 278.
(1/223)
فالحرام واجب، وهو تكليف بالمحال.
ولأن شغل الحيز حرام، وهو داخل في مفهومي الحركة والسكون
الداخلين في مفهومها، فدخل في مفهومها؛ لأنه جزؤها، فالصلاة
التي جزؤها حرام غير واجبة، لوجوب الجزء الحرام إِن استلزم
وجوبها وجوب أجزائها، وإِلا كان الواجب بعض أجزاء الصلاة لا
نفسها لتغاير الكل والجزء.
واعترض الآمدي (1) وغيره: بأن العبد إِذا أمر بخياطة ثوب، ونهي
عن مكان مخصوص، فجمع بينهما كان طائعًا عاصيًا للجهتين
إِجماعًا، وما سبق جار فيه، [فالجواب واحد]. (2)
ولقائل أن يقول: صورة الإِلزام لازمة في الصلاة في المكان
النجس، والجواب واحد.
ثم: في كلام أصحابنا ما يقتضي الفرق؛ فقال في الروضة (3) بعد
أن احتج للصحة بالأمر بالخياطة، قال (4): ومن منع الصحة قال:
متى أخل مرتكب النهي بشرط العبادة أفسدها، ونية التقرب بالصلاة
شرط، والتقرب بالمعصية محال.
وهذا معنى قول أبي الخطاب (5): من شرط الصلاة الطاعة، ونيته
بها
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 117.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) انظر: الروضة/ 43.
(4) لعل المناسب حذف كلمة: قال.
(5) انظر: الانتصار لأبي الخطاب 1/ 255 أ.
(1/224)
أداء الواجب، وحركته معصية، ونية أداء
الواجب بما يعلمه غير واجب -بل معصية- محال.
وقال (1) أيضًا -ومعناه كلام القاضي (2) وغيره-: من شرط (3)
العبادة إِباحة الموضع، وهو محرم، فهو كالنجس.
ولأن الأمر بالصلاة لم يتناول هذه للنهي عنها، وهي غصب، لشغل
ملك غيره بغير حق، فلا يجوز كونها واجبة من جهة أخرى.
[قالوا: الغصب للدار، والصلاة غيرها.
رد: بما سبق.
وقال ابن عقيل (4): لا يملك الآدمي عين شيء عند الفقهاء أجمع،
بل التصرف، فالمصلي غاصب بصلاته، والله يملك العين، وعند
المعتزلة: لا (5)؛ لأن الملك: القدرة، ولا تقع (6) على موجود].
(7)
وأما (8) صوم العيد، فيحرم إِجماعًا. (9)
__________
(1) نهاية 62 من (ح).
(2) انظر: العدة/ 443.
(3) انظر: الانتصار لأبي الخطاب 1/ 256 ب.
(4) انظر: الواضح 2/ 47 ب.
(5) قالوا: بأن الأعيان لا يملكها مالك، لا القديم ولا غيره.
انظر: الواضح 2/ 47 ب.
(6) أي: القدرة.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(8) نهاية 25 ب من (ظ).
(9) انظر: الشرح الكبير 3/ 110 - 111، والبحر الرائق 2/ 277،
وبداية المجتهد 1/ 317.
(1/225)
ولا يصح عند أحمد (وم ش). (1)
وعن أحمد: يصح (2) فرضًا. (3)
وعنه: عن (4) نذره المعين (وهـ)، (5) وزاد أبو حنيفة: (6)
ونفلاً (7).
فنقول: لو صحت بالجهتين لصح بهما.
وفرّق بأن صومه لا ينفك عن الصوم بوجه، فلا جهتان.
وبأن اعتبار تعدد الجهة في نهي التحريم بدليل، وهو الأمر
بالصلاة، والنهي عن الغصب (8).
رد الأول: بأن هذه الصلاة إِن تناولها الأءمر فهي محرمة.
والثاني: بأنه الأمر بالصوم، والنهي عن صوم العيد.
* * *
__________
(1) انظر: المجموع 6/ 488، والمدونة 1/ 214، 215، 216 وحاشية
العدوي 1/ 397، والشرح الكبير 11/ 345.
(2) انظر: الإنصاف 3/ 35، والشرح الكبير 11/ 345.
(3) نهاية 32 أمن (ب).
(4) انظر: المرجعين السابقين.
(5) انظر: الهداية 1/ 131، والبحر الرائق 2/ 316، وكشف الأسرار
1/ 270.
(6) انظر: المبسوط 3/ 81، 95.
(7) في (ظ): ونقلاً.
(8) في (ظ): الغضب.
(1/226)
وأما من خرج من الغصب تائبًا فتصح توبته
فيها، ولم يعص بحركة خروجه عند ابن عقيل وغيره (وش ر).
وقال ابن عقيل (1): لم يختلفوا (2) لا يعد واطئًا -بنزعه- في
الإِثم، بل في التكفير، وكإِزالة محرم طيباً بيده، وكأثر فعله
بعلة عدم القدرة، ولعدم غصبه بعدم نيته، والمالك في الحقيقة
الله، والآدمي مستخلف، وغرضه الضمان، وهو باق بصورة الفعل.
قال ابن برهان (3): "قاله الفقهاء والمتكلمون كافة"، خلافًا
لأبي الخطاب في الانتصار (4)؛ قال: "لكن يفعله ندفع أكبر
المعصيتين بأقلهما (5)؛ ولهذا: الكذب معصية يجوز فعله لدفع قتل
مؤمن ظلماً كذلك (6) "، وقاله أبو شمر (7) المرجئ وأبو هاشم
المعتزلي. (8)
__________
(1) انظر: المسودة/ 86.
(2) لعل المناسب زيادة "أنه" هنا، فيكون الكلام: لم يختلفوا
أنه لا يعد.
(3) انظر: المسودة/ 85، والوصول لابن برهان/ 22 ب.
(4) انظر: الانتصار 1/ 255 ب.
(5) في (ظ): بأقلها.
(6) في (ب): لذلك.
(7) هو: ممن جمع بين الإِرجاء في الإِيمان، ونفي القول بالقدر
-يعني: قال بالقدر على مذهب القدرية المعتزلة- وهو من تلاميذ
النظام إِبراهيم بن سيار المتوفى سنة 231 هـ، فهو من رجال
منتصف القرن الثالث الهجري.
انظر: الفرق بين الفرق/ 202، والتبصير في الدين/ 90، الملل
والنحل 1/ 34.
(8) انظر: المسودة/ 85، 87، والمستصفى 1/ 89، والوصول لابن
برهان/ 22 ب.
(1/227)
وضعّف: بأنه تكليف بالمحال، لتعلق الأمر
والنهي بالخروج.
واستصحب أبو المعالي حكم المعصية مع الخروج مع أنه غير منهي
عنه. كذا قيل (1) عنه.
وقيل (2) عنه: إِنه طاعة -لأخذه في ترك الغصب- معصية؛ لأنه في
ملك غيره، مستند إِلى فعل متعدٍّ (3)، كالصلاة (4).
وضعّف: بأنه لا جهتين لخروجه، لتعذر امتثاله به لو كان منهياً
عنه، (5) ولو كان له جهتان لم يتعذر.
وقال بعض أصحابنا (6): نظير المسألة توبة المبتدع الداعي إِلى
بدعته، (7) وفيها روايتان، أصحهما الجواز، والأخرى اختيار ابن
شاقلا: [لا] (8) لإضلال غيره.
وقال بعضهم (9): من قال لزوجته: "إِذا وطئتك فظانت طالق
ثلاثًا"، أو:
__________
(1) انظر: مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 4/ 2.
(2) انظر: المسودة/ 85، وهذا هو الذي ذكره في البرهان/ 301.
(3) لعل المناسب زيادة "فيه"، فيكون الكلام: إِلى فعل متعد
فيه.
(4) يعني: كالصلاة في الدار المغصوبة.
(5) نهاية 63 من (ح).
(6) انظر: المسودة/ 87.
(7) في (ح): بدعة.
(8) ما بين المعقوفتين لها يرد في (ح).
(9) انظر: المرجع السابق/ 85 - 86.
(1/228)
"إِذا وطئتك فأنت علي كظهر أمي"، فروايتان في إِقدامه، فإِن
حلّ وجب على قياسه أن الخارج من الغصب ممتثل، وإِن حرم توجّه
لنا كقول أبي هاشم (1) وأبي المعالي.
كذا قال، وهذا تكليف بممكن بخلاف ذلك (2) (3). |