أصول الفقه لابن مفلح

وأما العزيمة: فهي القصد (3) المؤكد لغة (4).
وشرعًا: ما لزم بإِلزام الله تعالى من غير مخالفة دليل شرعي.
* * *

والرخصة: التيسير. (5)
وشرعًا: ما شرع (6) لعذر مع قيام سبب تحريمه لولا العذر.
__________
=والتي حكموا عليها بالبطلان إِذا كانت مجمعًا عليها، أو الخلاف فيهما شاذاً، ثم وجدت بعض أصحابنا قال: الفاسد من النكاح ما يسوغ فيه الاجتهاد، والباطل ما كان مجمعاً على بطلانه.
(1) انظر: القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام/ 110، والتمهيد للأسنوي/ 55،، ونهاية السول 1/ 59، والفروق 2/ 42.
(2) يرى الحنفية أن الفاسد والباطل بمعنى واحد في العبادات. وإنما يفرقون بينهما في المعاملات، فالفاسد ما ذكر، والباطل ما لم يشرع بأصله ولا وصفه.
انظر: تيسير التحرير 2/ 236.
(3) انظر: لسان العرب 15/ 292 - 294، وتاج العروس 8/ 396 - 397 (عزم).
(4) كذا في النسخ. ولعل المناسب هكذا: فهي لغة: القصد المؤكد.
(5) هذا معناها في اللغة. انظر: لسان العرب 8/ 306، وتاج العروس 4/ 397 (رخص).
(6) نهاية 28 ب من (ظ).

(1/254)


فمنها: واجب كأكل الميتة للمضطر [على خلاف مشهور لنا وللعلماء]، (1) ومندوب كالقصر، ومباح كالفطر للمسافر والمريض [على خلاف (2) في ذلك لنا وللعلماء]، (3) ويجب إِن خافا تلفاً (وم) (4) على خلاف لنا.
وظاهر ذلك أن الرخصة ليست من خطاب الوضع، خلافاً لبعض أصحابنا (5).
* * *
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(2) انظر: نهاية السول 1/ 71، وشرح العضد 2/ 9، والشرح الكبير 3/ 16، والمبسوط 3/ 91، ومغني المحتاج 1/ 437، وحاشية الدسوقي 1/ 439، وكشف الأسرار 2/ 319.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح). وهناك احتمال أن الزيادة المذكورة في (ح) قبل قليل مقدمة، وأن محلها هنا.
(4) انظر: كشاف القناع 2/ 310، وحاشية الدسوقي 1/ 439.
(5) كابن حمدان. انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 482.

(1/255)


المحكوم فيه الأفعال
تكليف ما لا يطاق - وهو المستحيل- يقال على ما تعلق العلم والخبر والمشيئة بأنه لا يكون، وعلى فعل العبد -لأنه مخلودق لله موقوف على مشيئته- وعلى ما يشق فعله لا يتعذر.
وذلك واقع إِجماعًا.
وهل خلاف (1) المعلوم أو وفقه لا يطاق؟ فيه أقوال، ثالثها: الفرق.
وأما الممتنع في نفسه -كالجمع بين الضدين- أو عادة كصعود السماء: فممتنعان سمعاً، ذكره ابن الزاغوني وصاحب (2) المحرر من أصحابنا إِجماعًا.
وفي (3) جوازهما عقلاً أقوال. (4)
قال بعض أصحابنا: (5) فالخلاف عند التحقيق في الجواز العقلي أو (6) الاسم اللغوي، وأما (7) الشرع فلا (8) خلاف فيه.
__________
(1) و (2) انظر: المسودة/ 79.
(3) نهاية 35 ب من (ب).
(4) و (5) انظر: المرجع السابق.
(6) في (ظ): والاسم. والمثبت من (ح). وكان اللفظ في (ب) هكذا: "أو والاسم"، ثم ضرب على "أو".
(7) في نسخة في هامش (ب): "فأما".
(8) نهاية 71 من (ح).

(1/256)


وقال أبو بكر من أصحابنا: "الله تعالى يتعبد خلقه بما يطيقون وبما لا يطيقون"، فأطلق.
وقال أبو إِسحاق (1) من أصحابنا: إِن الله أراد تكليف عباده ما ليس (2) في طاقتهم ولا قدرتهم، واحتج بقوله: (ويدعون إِلى السجود فلا يستطيعون). (3)
وقال (4) ابن الجوزي: قال النقاش: (5) ليس هذأ تكليفاً لهم وهم عجزة، بل توبيخ بتركهم السجود.
__________
(1) هو ابن شاقْلا. انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 489.
(2) في (ظ): بما.
(3) سورة القلم: آية 42: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إِلى السجود فلا يستطيعون).
(4) انظر: زاد المسير 8/ 341 - 342.
(5) هو: أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون النقاش، عالم بالقرآن وتفسيره، أصله من الموصل، ولد سنة 266 هـ ببغداد، ونشأ بها، ورحل رحلة طويلة، وكان في أول أمره يشتغل بنقش السقوف والحيطان، فعرف بالنقاش، توفي سنة 351 هـ. من مؤلفاته: شفاء الصدور في التفسير، والإِشارة في غريب القرآن، والموضح في معاني القرآن، والمعجم الكبير في أسماء القراء وقراءاتهم، ومختصر هذا المعجم، وأخبار القصاص.
انظر: الفهرست/ 33، وتاريخ بغداد 2/ 201، ومعجم الأدباء 6/ 496، ووفيات الأعيان 4/ 298، وغاية النهاية 2/ 119، ومفتاح السعادة 1/ 416.

(1/257)


وكذا قال الآمدي (1): ليس تكليفاً، للإِجماع على أن الآخرة دار مجازاة. كذا قال.
وقال ابن حامد من أصحابنا: ذهبت طائفة من أصحابنا إِلى إِطلاق الاسم في جواز تكليف ما لا يطاق في زَمِن (2) وأعمى (3) وغيرهما، وهو مذهب جهم وبرغوث (4).
ولنا خلاف: هل القدرة لا تكون إِلا مع الفعل، أو قبله -بمعنى سلامة الآلات- كقول المعتزلة (5)؟.
قال ابن الزاغوني وغيره ما معناه (6): أن من قال: لا تكون إِلا معه كلف كل واحد (7) ما لا يطيقه.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 138.
(2) يعني: تكليفه بالمشي.
(3) يعني: تكليفه بالإِبصار.
(4) هو: محمد بن عيسى، من أتباع النجارية -من فرق المعتزلة- ويلقب ببرغوث، كان على مذهب النجار في أكثر مذاهبه، وخالفه في تسمية المكتسب فاعلاً، فامتنع عنه، وخالفه في المتولدات؛ فزعم أنها فعل لله تعالى بإِيجاب الطبع، وإِليه تنسب الفرقة البرغوثية.
انظر: الفرق بين الفرق/ 209، والتبصير في الدين/ 93.
(5) انظر: المعتمد للقاضي أبي يعلى/ 142.
(6) انظر: المرجع السابق/ 147.
(7) في (ح): أحد.

(1/258)


وقيل لأبي الخطاب -في وجوب الزكاة قبل إِمكان الأداء- هذا يفضي إِلى تكليف ما لا يطاق.
فقال: يجوز، وهي مشهورة في الأصول، ثم: لا نكلفه الفعل فيأثم، وإينما يثبت في ذمته، يفعله (1) عند القدرة.
وقال هو -وفي عيون المسائل (2)، في مسائل الامتحان-: إِذا قيل: ما شيء فعله محرم وتركه محرم؟ فصلاة السكران.
وذكر الآمدي (3): أن ميل الأشعري في أكثر أقواله إِلى جواز تكليف ما لا يطاق كالجمع (4) بين الضدين، وأنه لازم على أصله في وجوب مقارنة القدرة الحادثة للمقدور بها، وأنه مخلوق لله، وهو مذهب أكثر أصحابه، وأنهم اختلفوا في (5) وقوعه، ووافقه بعضهم على النفي، كقول أكثر
__________
(1) في (ب): بفعله.
(2) للحنابلة كتابان بهذا الاسم:
أحدهما: للقاضي أبي يعلى. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 205.
والآخر: لأبي علي بن شهاب العكبري، قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 172: أبو علي بن شهاب العكبري؛ صاحب كتاب عيون المسائل، متأخر، ونقل من كلام القاضي وأبي الخطاب ... ما وقفت له على ترجمة ...
ولم يظهر لي المراد هنا.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 133 - 134.
(4) نهاية 29 أمن (ظ).
(5) نهاية 72 من (ح).

(1/259)


المعتزلة (1).
واختار صاحب المحصول (2) وغيره وقوعه، وعكسه الآمدي (3) وغيره.
وجه الأول: قوله: (ولا (4) نكلف نفسًا إِلا وسعها). (5)
ولمسلم من حديث أبي هريرة: أنه لما نزل: (وإِن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه) الآية (6)، اشتد ذلك على الصحابة، وقالوا: لا نطيقها، وفيه: أن الله نسخها؛ فأنزل: (لا يكلف الله نفسًا) إِلى آخر السورة (7)، وفيه -عقب كل دعوة-: قال: (نعم). (8)
__________
(1) انظر: المعتمد للقاضي/ 146.
(2) انظر: المحصول 1/ 2/ 363.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 134.
(4) في (ظ): لا نكلف.
(5) سورة المؤمنون: آية 62.
(6) سورة البقرة: آية 284: (لله ما في السماوات وما في الأرض وأن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير).
(7) سورة البقرة: آية 286: (لا يكلف الله نفسًا إِلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إِن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إِصراً كما حلمته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).
(8) أخرجه مسلم في صحيحه/ 115 - 116، وأحمد في مسنده 2/ 412. وانظر: تفسير الطبري 3/ 95.

(1/260)


ولمسلم: نحوه من حديث ابن عباس، وفيه: قال: (قد فعلت) (1).
قال (2) بعض أصحابنا: قيل: المراد به ما يثقل ويشق، كقوله -عليه السلام- في المملوك: (لا يكلف من العمل ما لا يطيق). (3) رواه مسلم.
وكقوله: (لا تكلفوهم ما يغلبهم، فإِن كلفتموهم فأعينوهم عليه). متفق عليه (4).
واحتجت الأشعرية (5) بسؤال (6) رفعه على جواز التكليف بالمستحيل لغيره.
واحتج بعض أصحابنا (7) والآمدي (8) وغيرهما: بأنه لوصح
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه/ 116. وانظر: تفسير الطبري 3/ 95.
(2) نهاية 36 أمن (ب).
(3) هذا جزء من حديث رواه أبو هريرة -رضي الله عنه:
أخرجه مسلم في صحيحه 1284، ومالك في الموطأ/ 980، وأحمد في مسنده 2/ 247، 342.
(4) هذا جزء من حديث رواه أبو ذر -رضي الله عنه- أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 11, 3/ 149، 8/ 16، ومسلم في صحيحه/ 1282، 1283، وأبو داود في 5/ 360، والترمذي في سننه 3/ 224 - 225 وقال: "حسن صحيح"، وابن في سننه/ 1216 - 1217، وأحمد في مسنده 5/ 158، 161.
(5) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 135، 138، والمعتمد للقاضي/ 147.
(6) الواردة في آية 286 من سورة البقرة. وقد ذكر نصها في هامش الصفحة السابقة.
(7) انظر: البلبل/ 15.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 135.

(1/261)


التكليف بالمستحيل لكان مطلوب الحصول، لأنه معناه، وهو محال لعدم تصور وقوعه؛ لأنه يلزم تصور الشيء على خلاف ماهيته، واستدعاء حصوله فرع تصور وقوعه.
فإِن قيل: لو لم يتصور لم يحكم بكونه محالاً، لأن الحكم بصفة الشيء فرع تصوره.
رد: بأن الجمع المتصور المحكوم بنفيه عن الضدين هو جمع المختلفات التي ليست بمتضادة، ولا يلزم من تصوره منفياً عن الضدين تصوره ثابتًا لهما، لاستلزامه (1) التصور على خلاف الماهية.
واعترض على الدليل: بما علم الله أنه لا يقع، فإِنه لا يتصور وقوعه.
وعلى الجواب: بما سبق (2) في (3) تقسيم العلم: أن تصور النفي فرع تصور الإيجاب، لأن النفي المطلق غير معقول، ولهذا قيل: الإيجاب أبسط منه.
قالوا: لو لم يصح لم يقع، ثم ذكروا ما سبق (4): من تعلق (5) العلم والخبر والمشيئة بما لا يكون، وفعل العبد وقدرته.
ورد: بأن الخلاف في الممتنع لذاته، وهذا لغيره، وهو لا يمنع تصور
__________
(1) في (ب): لاستلزام.
(2) انظر ص 33 من هذا الكتاب.
(3) نهاية 73 من (ح)
(4) انظر: ص 256 من هذا الكتاب.
(5) في (ح): تعلم.

(1/262)


الوقوع منه، لجواز إِمكانها (*) منه بالذات.
وبأن ذلك مستلزم أن التكاليف تكليف بالمحال، وهو باطل إِجماعاً.
[ورد بعض أصحابنا (1) الأول، وانتساخ (2) الإِمكان الذاتي بالاستحالة بالغير العرضية (3).
وبالتزام الثاني، والمسألة (4) علمية، والإِجماع لا (5) يصلح (6) دليلاً فيها (7). كذا قال]. (8)
قالوا: (أنه لن يؤمن من قومك إِلا من قد آمن)، (9) وكلفوا بتصديقه مطلقًا، ومنه: تكليفهم تصديقه في عدم تصديقهم.
__________
(*) كذا في النسخ. ولعل الصواب: إِمكانه.
(1) انظر: البلبل/ 16
(2) كذا في النسختين. ولعل المناسب: لانتساخ. انظر: البلبل/ 16.
(3) في (ب): الغرضية.
(4) نهاية 29 ب من (ظ).
(5) في (ب): ملا.
(6) في (ظ): لا يصح.
(7) تتمة الكلام من البلبل/ 16: لظنيته، بدليل الخلاف في تكفير منكر حكمه.
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(9) سورة هود: آية 36: (وأوحي إِلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إِلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون)

(1/263)


وكلف أبو لهب (1) بتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - في إِخباره، ومنه: أنه (2) لا يصدقه، فقد كلف بتصديقه بعدم تصديقه.
ورد: كلفوا بتصديقه، وعلمُ الله بعدمه (3) وإِخباره به لا يمنع الإِمكان الذاتي، كما سبق. (4)
لكن لو كلفوا بتصديقه بعد علمهم بعدمه، لكان من باب (5) ما علم المكلف امتناع وقوعه، ومثله غير واقع، لانتفاء فائدة التكليف -وهي الابتلاء- لا لأنه محال.

مسألة
الكفار مخاطبون بالإِيمان إِجماعًا.
وكذا بغيره عند أحمد (6) وأكثر أصحابه (7) (وش ع ر)
__________
(1) هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي - صلى الله عليه وسلم - من أشد الناس عداوة للمسلمين، كان أحمر الوجه فلقب في الجاهلية بأبي لهب، مات سنة 2 هـ بعد وقعة بدر بأيام، ولم يشهدها.
انظر: الروض الأنف 1/ 265، 2/ 78 - 79، وتاريخ الإسلام للذهبي 1/ 84، 169.
(2) في (ظ) أن.
(3) في (ح): بعد موته.
(4) انظر: ص 262 - 263 من هذا الكتاب.
(5) نهاية 36 ب من (ب).
(6) انظر: العدة/ 835، والتمهيد/ 40أ، والواضح 1/ 305 ب.
(7) في (ب): وأصحابه.

(1/264)


والرازي (1) والكرخي (2) وغيرهما من الحنفية.
وعن أحمد (3): يخاطبون بالنهي لا الأمر، وقاله الجرجاني (4) الحنفي وأبو حامد (5) الإِسفراييني الشافعي (6).
وللمالكية كالقولين. (7)
وذكر بعض أصحابنا (8) رواية: لا يخاطبون بالفروع [وحكي عن (ع)]. (9)
__________
(1) انظر: أصول الجصاص/ 107 ب.
(2) حكاه الجصاص في أصوله/ 107 ب.
(3) انظر: العدة/ 359، والتمهيد/ 40أ، والواضح 1/ 306 أ.
(4) حكاه في التمهيد/ 40أ، والواضح 1/ 306 أ.
(5) هو: أحمد بن محمد بن أحمد الإِسفراييني، من أعلام الشافعية، ولد في إِسفرايين سنة 344 هـ، ورحل إِلى بغداد، فتفقه فيها وعظمت مكانته، وتوفي بها سنة 406 هـ. من مؤلفاته: أصول الفقه، والرونق في الفقه.
انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي/ 103، ووفيات الأعيان 1/ 72، وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 61، والبداية والنهاية 2112.
(6) حكاه في التمهيد/ 40أ، والواضح 1/ 306أ. والذي في الإِحكام للآمدي 1/ 144، والمحصول 1/ 2/ 399: أن أبا حامد الإِسفراييني يقول: لا يخاطبون مطلقًا.
(7) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 162.
(8) انظر: المسودة/ 46 - 47.
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(1/265)


وجه الأول: قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك يلق أثامًا) (1)، ولهذا يحد على الزنا، ومن أحكامنا: لا يحد على المباح.
وقوله: (ولله على الناس حج البيت) الآية (2).
وقوله: (لم يكن الذين (3) كفروا) إِلى قوله: (ويؤتوا الزكاة) (4).
وقوله: (لم نك من المصلين) إِلى قوله: (وكنا نكذب). (5)
واستدل: لو اشترط في التكليف بمشروط وجود شرطه، لم تجب صلاة على محدث، ولا قبل نيتها.
ورد: بأن الشرط تابع يجب بوجوب مشروطه.
__________
(1) سورة الفرقان: آية 68: (والذين لا يدعون مع الله إِلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إِلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا).
(2) سورة آل عمران: آية 97: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إِليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
(3) نهاية 74 من (ح).
(4) سورة البينة: الآيات 1 - 5: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلو صحفًا مطهرة * فيها كتب قيمة * وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إِلا من بعد ما جاءتهم البينة * وما أمروا إِلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة).
(5) سورة المدثر: الآيات 43 - 46: (قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين:* وكنا نكذب بيوم الدين).

(1/266)


واحتج في العدة (1) والتمهيد (2): بأنه مخاطب بالإيمان -وهو شرط العبادة- ومن خوطب بالشرط -كالطهارة- كان مخاطبًا بالصلاة.
[وكذا احتج ابن عقيل (3): بخطابه بصدق (4) الرسل، وهي (5) مشروطة بمعرفة الله، وهي (6) على النظر، وأن هذا -لقوته- مفسد لكل شبهة للخصم]. (7)
قالوا: لو كلف بالعبادة لصحت، ولأمكنه الامتثال، وفي الكفر لا يمكنه، وبإِسلامه تسقط.
رد: معنى التكليف: استحقاق العقاب، ويصح بشرطه، ويسلم ويفعلها كالمحدث.
ولا ملازمة بين التكليف والقضاء، بدليل الجمعة، مع أنه بأمر جديد، وفيه تنفير عن الإِيمان.
وأبطل في الواضح (8) بالمرتد؛ لا تصح منه وهو مخاطب (9).
__________
(1) انظر: العدة/ 364.
(2) انظر: التمهيد/ 41 أ.
(3) انظر: الواضح / 1/ 307 ب، 308 أ.
(4) كذا في النسختين. ولعل المناسب: بتصديق الرسل.
(5) كذا في النسختين. ولعل المناسب: وهو مشروط.
(6) يعني: متوقفة على النظر.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(8) انظر: المرجع السابق 1/ 310 ب، 311 أ.
(9) في (ظ) ونسخة في هامش (ب): مخالف.

(1/267)


فقيل له: لالتزامه (1) حكم الإِسلام.
فقال: وهذا ألزمه الشرع.
وذكر غيره فيه الخلاف.
قالوا: (2) المنهي عنه يصح تركه مع كفره، ويترتب عليه حكمه وهو الحد (3) والتعزير، وهو محرم كالكفر.
وأجاب ابن عقيل (4) وغيره: وهو (5) لا يصح منه إِلا على وجه مكابدة النفس، لاحترام الناهي.
والحد لالتزامه حكمنا عقوبة، ولنا (6) كفارة أو بلوى.
ونمنعه من المحرم لا الكفر.
وقال بعضهم: قولهم: "لا يكفي مجرد ترك وفعل" فيه (7) نظر.
وفائدة الخلاف عند الأصحاب: زيادة العقاب في الآخرة، قال في (8)
__________
(1) في نسخة في هامش (ب): لإِلزامه.
(2) في (ح): قال.
(3) نهاية 30 أمن (ظ).
(4) انظر الواضح 1/ 309 ب- 310 أ.
(5) ضرب في (ظ) على قوله: وهو.
(6) يعني: أهل الإسلام.
(7) في (ب): وفيه.
(8) نهاية 37 أمن (ب).

(1/268)


التمهيد (1): حسب.
وفي الانتصار -فيمن أسلم على أكثر من عشر (1/ 1) نسوة-: قولهم -يعني الحنفية-: "النهي عن الجمع قائم في حال الشرك" لا يصح؛ لأن -عندهم- الكفار غير مخاطبين، وهو رواية لنا.
[وفي الواضح (2) إِذا علم أنه مكلف كان أدعى له إِلى الاستجابة، وينتفع به إِذا آمن]. (3)
وقال ابن الصيرفي (4) الحراني من أصحابنا: "يتفرع عنه مسائل (5):
منها: ظهار الذمي يصح عندنا، لا عندهم؛ لتعقبه كفارة ليس من أهلها.
ومنها: أن الكفار لا يملكون أموالنا بالاستيلاء -في صحيح المذهب-
__________
(1) انظر: التمهيد / 40 أ. (1/ 1) كذا في النسخ. ولعله: أربع.
(2) انظر: الواضح 1/ 311أ.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) هو: أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع بن علي بن إِبراهيم، جمال الدين الحبيشي، فقيه حنبلي إِمام، ولد بحران سنة 583 هـ، وسافر إِلى الموصل وبغداد سنة 607 هـ، ثم استقر بدمشق، وكانت له حلقة بجامعها، وبها توفي سنة 678 هـ.
من مؤلفاته: نوادر المذهب، وانتهاز الفرص فيمن أفتى بالرخص.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 295، وشذرات الذهب 5/ 363.
(5) انظر: التمهيد للأسنوي/ 122، وتخريج الفروع على الأصول للزنجاني/ 98، 338، والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام/ 49.

(1/269)


لحرمة التناول، وعندهم: يملكونها؛ لأن حرمة التناول من فروع الإِسلام.
ومنها: وجوب الصلاة على المرتد، يعني: القضاء".

وكذا اختاره في المسألة الوسطى الطوفي (1) من أصحابنا، وهو متوجه، لكنه ليس (2) بصحيح المذهب. (3)
مسألة
يشترط كون المكلف به فعلاً.
ففي النهي: كف النفس عن الفعل، عند الأكثر.
__________
(1) هو: أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري، نجم الدين، فقيه حنبلي، ولد بقرية "طوف" أو "طوفا" من أعمال صرصر في العراق سنة 657 هـ، ودخل بغداد سنة 691 هـ ورحل إِلى دمشق سنة 704 هـ، وزار مصر، وجاور بالحرمين، وتوفي في بلد الخليل بفلسطين سنة 716 هـ.
من مؤلفاته: مختصر روضة الناظر -لابن قدامة- في أصول الفقه "البلبل"، وشرح هذا المختصر، ومختصر الجامع الصحيح للترمذي.
نسب إِلى الرفض، ويقال: إِنه تاب عنه، ونسب إِليه أنه قال عن نفسه:
حنبلي رافضي ظاهري ... أشعري إِنها إِحدى الكبر
انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 366، والدرر الكامنة 2/ 154، والأنس الجليل 2/ 257، وشذرات الذهب 6/ 39، وجلاء العينين/ 36.
(2) انظر: القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام/ 53.
(3) نهاية 75 من (ح).

(1/270)


وعند أبي هاشم (1) المعتزلي: نفي الفعل مع قطع النظر عن التلبس بضده.
وفي الروضة (2): المقتضى بالتكليف: فعل كالصلاة، وكف كترك الزنا. وقيل لا يقتضي الكف إِلا أن يتلبس بضده، فيثاب عليه لا على الترك.
وذكره بعض أصحابنا (3) قول الأشعري (4) والقدرية وابن أبي الفرج (5) المقدسي وغيرهم، قالوا في مسألة الإِيمان: الترك في الحقيقة فعل، لأنه ضد الحال التي هو عليها.
وفي الروضة (6) -أيضًا-: إِن قصد الكف -مع تمكنه- أثيب، وإِلا فلا ثواب ولا عقاب.
__________
(1) انظر: البلبل/ 17، وشرح العضد 2/ 13.
(2) انظر: الروضة/ 54.
(3) انظر: المسودة/ 80.
(4) في (ح): الأشعرية.
(5) هو: أبو القاسم عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي ثم الدمشقي، المعروف بابن الحنبلي، الفقيه الواعظ المفسر، شرف الإسلام، شيخ الحنابلة بالشام بعد والده، وهو واقف المدرسة الحنبلية بدمشق، تفقه وبرع وأفتى وناظر ودرس التفسير، توفي بدمشق سنة 536 هـ.
من مؤلفاته: البرهان في أصول الدين، والمنتخب في الفقه، والمفردات، ورسالة في الرد على الأشعرية. انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 92، والدارس 2/ 64، والمنهج الأحمد 2/ 249.
(6) انظر: الروضة/ 55.

(1/271)


وجه الأول: لو كلف بنفي الفعل لكان مستدعى حصوله منه، ولا يتصور؛ لأنه غير مقدور له؛ لأنه نفي محض.
ورد: بأنه مقدور، ولهذا يمدح بترك الزنا.
ورد: بأن عدم الفعل مستمر، فلم تؤثر القدرة فيه.
ورد: بأن المقارن منه للقدرة مقدور.

مسألة
لا يصح الأمر بالموجود عند أصحابنا والجمهور.
قال ابن عقيل (1): ينبني على أصل -بان بهذا أن أصحابنا ذهبوا إِليه- وهو: أن الأمر بالمستحيل لا يجوز، خلافاً للأشعري. مع قول ابن عقيل (2) -أيضًا-: يصح أن يقارن الأمر الفعل حال وجوده (3)، وبه قال عامة سلف الأمة (4) وعامة الفقهاء، خلافًا للمعتزلة (5)؛ فبعضهم جوزه (6) بوقت،
__________
(1) انظر: الواضح 2/ 19 أ.
(2) انظر: المرجع السابق 2/ 32 ب.
(3) ووقوعه من المكلف، وليس من شرط صحة الأمر تقدمه على الفعل ...
انظر: الواضح 2/ 32 ب.
(4) نهاية 30 ب من (ظ).
(5) فقد أحالوا مقارنة الأمر لوجود الفعل، وقالوا: لابد من تقدمه، ثم اختلفوا فيما يتقدم به ....
انظر: الواضح 2/ 32 ب.
(6) يعني: جوز تقدم الأمر على الفعل بوقت.

(1/272)


وأكثرهم: بأوقات، زاد بعضهم (1): للمصلحة.
وقال بعض أصحابنا (2): "الفعل حال حدوثه مأمور به، وقاله الأشعري وأصحابه، خلافاً للمعتزلة، وقولهم مقتضى قول ابن عقيل (3) في مسألة: "الأمر (4) بالموجود"؛ فإِنه التزم أن المؤمن ليس مأمورًا بالإِيمان عند وجوده (5)، وأنه لا يصح منه فعلُ موجودِ، كالقيام -لا يفعله (6) - لاستغنائه بوجوده عن موجد، والمؤمن لا يفعل الإِيمان إِلا في مستقبل الحال، وأن هذا خلاف المذهب".
وجه أنه غير مأمور به: أن إِيجاد الوجود محال.
رد: بأن جميع الفعل لم يوجد، ولهذا صح الابتلاء.
رد: فالأمر (7) لما لم يوجد منه، فالتكليف بالباقي.
رد: تعلق التكليف بالذات بالمجموع من حيث هو. وفيه نظر.
واحتج بعض الأشعرية: (8): بأنه مقدور حينئذ باتفاق، بناء على أن
__________
(1) يعني: بعض من جوز تقدم الأمر على الفعل بأوقات.
(2) انظر: المسودة/ 70.
(3) انظر: الواضح 2/ 19.
(4) نهاية 37 ب من (ب).
(5) نهاية 76 من (ح).
(6) يعني: لا يصح أن يفعله القائم.
(7) غيّر هذا اللفظ في (ظ) إِلى: بالأمر.
(8) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 148.

(1/273)


القدرة مع الفعل أو قبله.
ورد: بما سبق (1).
واحتج ابن عقيل (2) للمعتزلة: بأنه (3) ليس بمقدور حال وجوده وحال حدوثه، وإلا كان مقدوراً حال بقائه، لوجوده في الحالين (4).
وأجاب: بأنه حال حدوثه مفعول متعلق بفاعل، بخلافه حال بقائه، وكالإِرادة يصح تعلقها به حال حدوثه لا بقائه.
قال بعض أصحابنا: (5) هذا ضعيف، بل هو مقدور ومراد (6) في الحالين.
وألزم الآمدي (7) المعتزلة بألا يكون الفعل أول زمن حدوثه أثراً لقدرة قديمة أو حادثة على اختلاف المذهبين ولا موجدة (8) له؛ لما فيه من إِيجاد الموجود، وجوابهم في إِيجاد القدرة له جوابنا في تعلق الأمر به.
__________
(1) وهو: أنه يلزم منه الأمر بإِيجاد الموجود، وهو محال. انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 149.
(2) انظر الواضح 2/ 33أ.
(3) أي: الفعل.
(4) وهما: حال وجوده وحدوثه، وحال بقائه.
(5) انظر: المسودة/ 56.
(6) في (ح): "مراد" بدون الواو.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 149.
(8) في (ظ): ولا موجود.

(1/274)


مسألة
لا تجزئ النيابة في تكليف بدني كصلاة وصوم [(و)]. (1)
وتجزئ في زكاة مطلقًا (و) وخلافاً (2) للمعتزلة.
وكذا حج فرض لعذر مأيوس منه (و) خلافاً للمعتزلة.
وهنا مسائل مشهورة في الفروع.
لنا: أن الغرض في البدنية: الابتلاء بقهر النفس، فلا يحصل بنائب (3)، وفي المالية: تنقيصه (4)، ودفع حاجة الفقير، فيحصل به كقضاء الدين إِجماعًا، وكذا الحج للعذر، ومع القدرة: قهر النفس، والنص في الحج للعذر.

مسألة
يشترط علم المكلف بالمأمور به ليقصده، وكونه من الله ليتصور منه امتثاله.
ولا يكفي مجرد الفعل، لقوله: (إِنما الأعمال بالنية). (5)
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) أشير في (ب) إِلى سقوط الواو في "وخلافاً" من بعض النسخ.
(3) نهاية 77 من (ح).
(4) في (ب): بنقيضه.
(5) هذا حديث مرفوع رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ورد هذا الحديث بلفظ: (إِنما الأعمال بالنية)، وبلفظ: (الأعمال بالنية)، وبلفظ:=

(1/275)


فلهذا قال بعضهم (1): من منع تكليف المحال لم يجوز تكليف غافل.
ونقض: (2) بوجوب المعرفة، ورد: باستثنائه، قال: وفيه نظر.
وسبق (3) في التحسين. (4)
* * *
__________
= (إِنما الأعمال بالنيات)، وبلفظ: (إِنما العمل بالنية).
أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 2، 3/ 145 - 146، 8/ 140، ومسلم في صحيحه/ 1515، وأبو داود في سننه 2/ 651 - 652، والترمذي في سننه 3/ 100 - وقال: حسن صحيح- والنسائي في سننه 1/ 58، وابن ماجه في سننه/ 25، 43. وانظر: نصب الراية 1/ 301، والتلخيص الحبير 1/ 54.
(1) انظر: نهاية السول 1/ 135 - 136.
(2) نهاية 31 أمن (ظ).
(3) انظر ص 165، 168 من هذا الكتاب.
(4) نهاية 38 أمن (ب).

(1/276)


المحكوم عليه
شرط التكليف العقل والفهم، ذكره الآمدي (1) اتفاق (2) العقلاء، وذكر غيره أن بعض من جوز المستحيل قال به؛ لعدم الابتلاء.
وأجاز (3) قوم تكليف مجنون وطفل.
وسبق (4) في تقسيم العبادة -في الحكم- حكم نائم وساهٍ.
لنا: لو صح لكان مطلوبًا حصوله منه على وجه الامتثال -كما سبق (5) في المستحيل- ولا يصح؛ لأن شرط الامتثال قصده، وإِنما يتصور بعد الفهم.
وكذا المميز (و)، وقطع (6) به ابن الباقلاني، وذكره إِجماعًا، قال أبو المعالي: لا قطع، والإِجماع لم يتحقق.
وعن أحمد: تكليفه (7)، لفهمه، وعنه: المراهق، واختار ذلك ابن
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 150.
(2) في (ظ): باتفاق.
(3) انظر: القواعد والفوائد الأصولية/ 15، والمسودة/ 35.
(4) انظر: ص 196 من هذا الكتاب.
(5) انظر: ص 261 - 262 من هذا الكتاب.
(6) انظر: المسودة/ 456.
(7) انظر: الروضة / 48، والقواعد والفوائد الأصولية/ 16.

(1/277)


عقيل في مناظراته (1)؛ لأن التكليف: الخطاب بما يثقل، وفيه الزكاة والعشر وأمر الشارع بأمره بالصلاة، فهو تكليف، لكن بلا وعيد كندب في حق المكلف.
وسبق (2) كلام أبي الخطاب في مسألة التحسين.
لنا: حديث عائشة: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر). رواه (3) أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
ولأحمد (4) وغيره -أيضًا-: (وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل). وهو حديث جيد الإِسناد.
ولأحمد وأبي داود -بإِسناد جيد- عن أبي الضحى (5) عن ابن عباس:
__________
(1) جاء ذكر مناظرات ابن عقيل -أيضًا- في: القواعد والفوائد الأصولية/ 16، والآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 144، والفروع 1/ 96، 292، 2/ 434، 5/ 150، 299، 625.
(2) انظر: ص 157 من هذا الكتاب.
(3) هذا الحديث روته عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا، أخرجه أبو داود في سننه 4/ 558، والنسائي في سننه 6/ 156، وابن ماجه في سننه / 658، وأحمد في مسنده 6/ 144، والحاكم في مستدركه 2/ 59، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
(4) أخرجه أحمد في مسنده 6/ 100 - 101 والدارمي في سننه 2/ 93.
(5) كذا في النسخ. ولعل الصواب: "عن أبي ظبيان"؛ فإِنه لم يرد ذكر لأبي الضحى=

(1/278)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
=في رواية هذا الحديث -حسب علمي- إِلا فيما يأتي من روايته له عن علي مرفوعًا.
والذي ورد -هنا- إِنما هو أبو ظبيان، وهو: حصين بن جندب بن الحارث بن وحشي ابن مالك الجنبي الكوفي، ثقة في الحديث، روى عن عمر وعلي وابن عباس وغيرهم، وروى عنه ابنه قابوس والأعمش وعطاء بن السائب، وفي سماعه من علي وعمر خلاف، توفي سنة 90 هـ.
انظر: ميزان الاعتدال 4/ 542، وتهذيب التهذيب 2/ 379 - 380، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/ 85.
وأبو الضحى هو: مسلم بن صبيح الهمداني بالولاء -وقيل: مولى آل سعيد بن العاص- الكوفي العطار، روى عن النعمان بن بشير وابن عباس وعلقمة، وأرسل عن علي بن أبي طالب، وروى عنه الأعمش ومنصور بن المعتمر وسعيد بن مسروق وعطاء بن السائب وغيرهم.
وثقه كثيرون، منهم: ابن معين وأبو زرعة وابن حبان وابن سعد والنسائي، توفي سنة 100 هـ في خلافة عمر بن عبد العزيز.
انظر: الكاشف للذهبي 3/ 141، وتهذيب التهذيب 10/ 132.
وهذا الخطأ تكرر -أيضًا- فيما يأتي من أن الدارقطني ذكر أن أبا الضحى لقي عمر وعلياً؛ فإِن كلام الدارقطني -الذي ذكره العلماء هنا- كان في شأن أبي ظبيان.
وهذا الذي ذكره المصنف "عن ابن عباس ... " أخرجه أبو داود في سننه -4/ 558 - 559: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسًا، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي طالب، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم. قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين،=

(1/279)


أن (1) عليا قاله لعمر، فصدّقه.
ولأبي داود (2) -أيضاً-: أو ما تذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره، فصدّقه.
__________
=أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى. قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء. قال: فأرسلْها. قال: فأرسلَها، قال: فجعل يكبّر.
وفي سنن أبي داود -أيضًا- حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا وكيع عن الأعمش: نحوه، وقال -أيضًا-: حتى يعقل، فقال: وعن المجنون حتى يفيق. قال: فجعل عمر يكبر. انتهى.
وأخرجه الحاكم في مستدركه 4/ 388 - 389، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
والذي وجدته في مسند أحمد حول رواية أبي ظبيان لهذا الحديث ما يأتي:
أ- فيه 1/ 154 - 155: ... عن أبي ظبيان: أن عمر بن الخطاب أتي بامرأة ... قال -أي: علي-: أما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (رفع القلم عن ثلاثة ...) قال: بلى ... الحديث.
2 - وفيه 1/ 158: ... عن أبي ظبيان: أن علياً قال لعمر: يا أمير المؤمنين، أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (رفع القلم عن ثلاثة ...).
ولم أجد ما ذكره المصنف " ... عن ابن عباس: أن علياً قاله لعمر". وفي صحيح البخاري 8/ 165: باب لا يرجم المجنون والمجنونة، وقال علي لعمر: أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ. وانظر -أيضًا- صحيح البخاري 7/ 46.
(1) في (ح) أنه.
(2) أخرج أبو داود في سننه 4/ 559: حدثنا ابن السرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني جرير ابن حازم عن سليمان بن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علىِ بن=

(1/280)


ورواه أيضًا- ولم يذكر ابن عباس. (1)
ورواه أيضًا -ورجاله ثقات- عن أبي الضحى عن علي مرفوعًا. (2)
ورواه (3) ابن ماجه عن القاسم بن يزيد (4) عن علي مرفوعًا، والقاسم فيه
__________
=أبي طالب ... بمعنى عثمان .. قال: أو ما تذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رفع القلم عن ثلاثة ...)؟ قال: صدقت. قال: فخلى عنها. انتهى.
وأخرجه الدارقطني في سننه 3/ 138 - 139، والحاكم في مستدركه 2/ 59، 1/ 258 - 259، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
(1) أخرج أبو داود في سننه 4/ 559 - 560: حدثنا هناد عن أبي الأحوص، وحدثنا عثمان ابن أبي شيبة، حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان -قال هناد: الجنبي- قال: أتي عمر بامرأة ... فجاء علي، فقال: يا أمير المؤمنين، لقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رفع القلم عن ثلاثة ...)، وأخرجه أحمد في مسنده 1/ 154/ 158.
(2) أخرج أبو داود في سننه 4/ 560: حدثنا موسى بن إِسماعيل، حدثنا وهيب عن خالد عن أبي الضحى عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (رفع القلم عن ثلاثة ...).
وهذا منقطع؛ فإِن أبا الضحى لم يدرك علي بن أبي طالب.
(3) أخرج ابن ماجه في سننه/ 659: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا ابن جريج، أنبأنا القاسم بن يزيد عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: (يرفع القلم عن الصغير، وعن المجنون، وعن النائم).
وذكره أبو داود في سننه معلقًا 4/ 560 - 561.
(4) روى عن علي، ولم يدركه، وعنه ابن جريج، وتفرد به.
انظر: الكاشف 2/ 395، وميزان الاعتدال 3/ 381، وتهذيب التهذيب 8/ 342.

(1/281)


جهالة، ولم يدرك علياً. (1)
ورواه الترمذي عن الحسن (2) عن علي مرفوعًا، وقال: حسن غريب، ولا نعرف للحسن سماعًا من علي، والعمل على هذا الحديث. (3)
وكذا قال (4) أئمة الحديث: لم يسمع منه. (5)
__________
(1) نهاية 78 من (5).
(2) في تحفة الأحوذي 2/ 317: هو الحسن البصري.
وهو: أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، مولى الأنصار، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، كان فصيحًا حافظًا مهيباً فقيهًا ثقة عابدًا، روى عن أبي موسى وأبي بكرة وعمران بن حصين وابن عمر وابن عباس وغيرهم، وروى عنه قتادة وحميد الطويل وعطاء ابن السائب وغيرهم، توفي سنة 110 هـ. وللعلماء كلام حول سماعه من بعض الرواة.
انظر: تهذيب التهذيب 2/ 263، وتذكرة الحفاظ 1/ 66، وميزان الاعتدال 1/ 527.
(3) أخرج الترمذي في سننه 2/ 438: حدثنا محمد بن يحيى القطعي، حدثنا بشر بن عمر، حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن علي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رفع القلم عن ثلاثة ...).
قال الترمذي: حديث علي حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن علي ... ، ولا نعرف للحسن سماعًا من علي، وقد روى هذا الحديث عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا الحديث، ورواه عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي موقوفًا ولم يرفعه، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم.
وأخرجه أيضًا -عن الحسن عن علي مرفوعًا- أحمد في مسنده 1/ 116، 118.
(4) في (ظ): "قاله".
(5) انظر: الكلام -على سماع الحسن من علي- في: تحفة الأحوذي 2/ 317 - 318، وتهذيب التهذيب 2/ 266، وما بعدها.

(1/282)


وذكر الدارقطني: أن أثبت (1) طرقه الأولى، وأن أبا الضحى (2) لقي عمر وعلياً (3) وذكر غيره: لا (4). والله أعلم.
ولأنه لم يكمل فهمه فيما يتعلق بالمقصود، فنصب الشرع البلوغ له
__________
(1) قال في نصب الراية 4/ 162 - 163: قال الدارقطني في كتاب العلل: "هذا حديث يرويه أبو ظبيان، واختلف عنه؛ فرواه سليمان الأعمش عنه، واختلف عليه؛ فرواه جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس، فرفعه إِلى - صلى الله عليه وسلم - عن علي وعمر، وتفرد به ابن وهب عن جرير بن حازم، وخالفه ابن فضيل ووكيع، فروياه عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي وعمر موقوفًا، ورواه عمار بن رزيق عن الأعمش عن أبي ظبيان موقوفاً، ولم يذكر ابن عباس، وكذلك رواه سعيد بن عبيدة عن أبي ظبيان موقوفًا، ولم يذكر ابن عباس، ورواه أبو حصين عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي وعمر موقوفًا، واختلف عنه؛ فقيل: عن أبي ظبيان عن علي موقوفًا -قاله أبو بكر ابن عياش وشريك عن أبي حصين- ورواه عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي وعمر مرفوعًا، حدث به عنه حماد بن سلمة وأبو الأحوص وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز بن عبد الصمد وغيرهم، وقول وكيع وابن فضيل أشبه بالصواب". انتهى.
(2) كذا في النسخ. ولعل الصواب: وأن أبا ظبيان. وانظر: هامش 5 ص 278 من هذا الكتاب.
(3) في نصب الراية 4/ 163: أن الدارقطني سئل في علله؛ هل لقي أبو ظبيان علياً وعمر؟ فقال: نعم.
وانظر: تهذيب التهذيب 2/ 380.
(4) انظر: تهذيب التهذيب 2/ 380.
وانظر الكلام -عن حديث: (رفع القلم عن ثلاثة ...) - في: نصب الراية 4/ 161 - 165، والدراية 2/ 198.

(1/283)


علامة ظاهرة، جعلها أمارة ظهور العقل وكماله.
وإنما وجبت الزكاة، ونفقة القريب، والضمان بالإِتلاف، لأنه من ربط الحكم بالسبب، لتعلقها بماله أو بذمته بالإِنسانية التي بها يستعد لقوة الفهم في (1) ثاني الحال، (2) بخلاف البهيمة.
قال في الروضة (3): والنطفة تملك مع عدم الحياة التي هي شرط الإِنسانية، لوجودها بالقوة.
وبما سبق يجاب عن طلاقه إِن صح، وهو أشهر عن أحمد، وأكثر أصحابه (ح) (4)، وظهر أن تخريج بعضهم (5) له على تكليفه ضعيف، ومثله نظائره.
* * *
فأما السكران: فيقضي العبادة إِذا عقل (و) (6) خلافاً لبعض متأخري أصحابنا (7) وأبي ثور. (8)
__________
(1) نهاية 31 ب من (ظ).
(2) نهاية 38 ب من (ب).
(3) انظر: الروضة/ 48.
(4) انظر: المغني 1/ 380 - 381، والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام / 26، وبدائع الصنائع/ 1790، وحاشية الدسوقي 2/ 325، ومغني المحتاج 3/ 279.
(5) أنظر: البلبل/ 12.
(6) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 507.
(7) وهو الشيخ تقي الدين. انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 507.
(8) هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي، الفقيه، صاحب الإمام الشافعي، عالم فاضل ورع، توفي ببغداد سنة 240 هـ. =

(1/284)


وتعتبر أقواله وأفعاله في الأشهر عن أحمد وأكثر أصحابه (و) (1)، إِلا ردته في رواية (وهـ) (2).
وقلم الإِثم غير مرفوع عنه عند أحمد (3)، وحكاه عن الشافعي، وقاله القاضي وجماعة (وهـ)، (4) لقوله: (لا تقربوا (5) الصلاة وأنتم سكارى) (6).
وتأويله بأن المراد مثل: "لا تمت وأنت ظالم"، أو مبدأ النشاط والطرب: خلاف الظاهر.
ولأن النص لم يذكره مع من رفع عنه القلم.
وقال علي: "إِذا سكر هذى، وإذا هذى افترى (7)، وعلى المفتري
__________
=من مؤلفاته: كتاب ذكر فيه اختلاف مالك والشافعي، وذكر مذهبه في ذلك، وهو أكثر ميلاً إِلى الشافعي في هذا الكتاب وفي كتبه كلها.
انظر: الانتقاء/ 107، وتاريخ بغداد 6/ 65، ووفيات الأعيان 1/ 26، وتذكرة الحفاظ 2/ 87، وميزان الاعتدال 1/ 29.
(1) انظر: المستصفى 1/ 84، والأم 5/ 253، وفواتح الرحموت 1/ 144، والتمهيد للأسنوي/ 109.
(2) انظر: فواتح الرحموت 1/ 145.
(3) انظر: المسودة/ 37.
(4) انظر: كشف الأسرار 4/ 353 - 354.
(5) في (ظ): ولا تقربوا.
(6) سورة النساء: آية 43: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبًا إِلا عابري سبيل حتى تغتسلوا).
(7) نهاية 79 من (ح).

(1/285)


ثمانون جلدة". إِسناده جيد، رواه مالك والدارقطني (1).
وجمع عمر الصحابة -رضي الله عنهم- فاستشارهم، فقال علي: "إِذا سكر افترى". رواه أحمد من رواية (2) أسامة بن زيد (3)، وفيه ضعف.
__________
(1) أخرج مالك في الوطأ/ 842: عن ثور بن زيد الديلي: أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إِذا شرب سكر، وإِذا سكر هذى، وإِذا هذى افترى -أو كما قال- فحد عمر في الخمر ثمانين.
وأخرجه الشافعي عن مالك عن ثور بن زيد. انظر: ترتيب المسند 2/ 90.
قال في التلخيص الحبير 4/ 75: وهو منقطع؛ لأن ثوراً لم يلحق عمر بلا خلاف. ا. هـ.
وله طريق آخر: عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس، أخرجه الدارقطني في سننه 3/ 166، والحاكم في مستدركه 4/ 375 - 376، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8/ 320 - 321.
(2) أبو زيد الليثي المدني، روى عن الزهري ونافع وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وعنه يحيى القطان وابن المبارك والثوري وغيرهم، توفي سنة 153 هـ.
قال ابن معين: ثقة. وقال ابن عدي: ليس به بأس. وقال أحمد: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وكان يحيى القطان يضعفه. قال ابن حجر في التقريب: صدوق يهم.
انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 22، وميزان الاعتدال 1/ 174، وتهذيب التهذيب 1/ 208، وتقريب التهذيب 1/ 53.
(3) ورد ذلك من طريق أسامة بن زيد عن الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أزهر ... أخرجه الدارقطني في سننه 3/ 157، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 320 وأبو داود في سننه 4/ 628، 629 ولم أجد كلام علي فيما رواه أحمد في مسنده 4/ 88.=

(1/286)


ورواه سعيد (1) -بإِسناد جيد- من حديث أبي سلمة (2)، فذكره، وفيه انقطاع.
__________
=قال في التلخيص الحبير 4/ 75: قال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عنه وأبا زرعة، فقالا: لم يسمعه الزهري من عبد الرحمن بن أزهر.
وقال أبو داود في سننه 4/ 629: أدخل عقيل بن خالد بين الزهري وبين ابن الأزهر -في هذا الحديث- عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر عن أبيه.
وورد ذلك -أيضًا- من طريق أسامة بن زيد عن الزهري، قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن عن ابن وبرة الكلبي ...
أخرجه الدارقطني في سننه3/ 157، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 320، والحاكم في مستدركه 4/ 374 - 375، وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه.
(1) هو أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المروزي ولد بـ "جوزجان"، ونشأ بـ "بلخ"، وطاف البلاد، وسكن مكة، وتوفي بها سنة 227 هـ.
روى عن مالك وحماد بن زيد وداود بن عبد الرحمن وابن عيينة وجماعة، وروى عنه مسلم وأبو داود وأبو حاتم وأبو بكر الأثرم وأحمد بن حنبل وأبو زرعة ومحمد بن علي بن زيد الصائغ وأحمد بن نجدة بن العريان، وهما راويا كتاب السنن عنه. أثنى عليه جمع من العلماء.
انظر: طبقات ابن سعد 5/ 367، وتهذيب التهذيب 4/ 89 - 90.
(2) لعله أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني "قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وقيل: اسمه كنيته" روى عن أبيه وعثمان بن عفان وأبي هريرة وعائشة، وخلق كثير من الصحابة والتابعين وروى عنه ابنه عمر والأعرج وعروة بن الزبير والزهري والشعبي.
قال: ابن سعد: كان ثقة فقيهاً كثير الحديث، توفي بالمدينة سنة 94 هـ في خلافة الوليد بن عبد الملك، وهو ابن 72 سنة، وهذا أثبت من قول من قال: إِنه توفي=

(1/287)


وذكر ابن عقيل (1): أنه غير مكلف -كقول أكثر المتكلمين (2) - لعدم تحرزه من المضار وقصده الفعل (3) بلطف ومداراة، بخلاف طفل ومجنون وبهيمة، فهو أولى.
وقال (4): تحصل الغرامة والقضاء بالعقل بأمر مبتدأ.
كذا قال، فيلزمه: لا غُرْم لو لم يعقل.
وفي الروضة (5): غير مكلف، واختلف (6) كلامه في المغني (7).
وخرج بعض أصحابنا (8) في إِثمه روايتين.
وجزم الآمدي (9) وغيره بعدم تكليفه.
__________
= سنة 104 هـ. انظر: طبقات ابن سعد 5/ 115 - 117، وتهذيب التهذيب 12/ 115 - 118، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/ 451.
(1) انظر: الواضح 1/ 16 ب- 17أ، والبلبل/ 12.
(2) انظر: المسودة/ 35، 37.
(3) في (ظ): للفعل.
(4) انظر: الواضح 1/ 17أ.
(5) انظر: الروضة/ 48.
(6) انظر: المغني 1/ 391.
(7) المغني: كتاب مشهور في الفقه المقارن بين المذاهب، لابن قدامة المقدسي صاحب الروضة، وقد طبع الكتاب عدة مرات.
(8) انظر: المسودة/ 37.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 152.

(1/288)


والمعذور بالسكر كالمغمى عليه، فدل ذلك أن السكر لا يزيل العقل، لكنه يغطيه، كالنوم والإِغماء، وقاله (هـ) (1) وغيرهم، وفي كلام أصحابنا خلافه.

مسألة
المكره (2) المحمول كالآلة غير مكلف (هـ)، وهو مما لا يطاق.
__________
(1) انظر: كشف الأسرار 4/ 354.
(2) في هامش (ظ): دل كلام المصنف على أن المحمول كالآلة -مثل: الملقى من شاهق ونحوه، مما لا يقدر على الامتناع- مكلف عند أبي حنيفة، وذكر ابن قاضي الجبل في أصوله: أنه غير مكلف إِجماعاً.
ولذلك: البيضاوي الشافعي جزم بأن الإِكراه الملجئ يمنع التكليف لزوال القدرة.
قال الأسنوي: وهذا القسم لا خلاف فيه، كما قال ابن التلمساني. ثم قال: واختار الإِمام والآمدي وأتباعهما التفصيل بين الملجئ وغيره -كما اختاره المصنف- لكنهما لم يبينا محل الخلاف، وقد بينه ابن التلمساني كما تقدم.
قال الأسنوي: الإكراه قد ينتهي إِلى حد الإلجاء، وهو: الذي لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار، كالإلقاء من شاهق.
وقال الطوفي: الإِلجاء أن لا يصح منه الترك، كمن ألقي من شاهق على إِنسان أو مال، فأتلفه، أو صائم مكتوف ألقي في الماء، فدخل الماء حلقه.
وقال الآمدي: "اختلفوا في الملجأ إِلى الفعل بالإكراه بحيث لا يسعه تركه، في جواز تكليفه بذلك الفعل إِيجاداً وعدماً.
والحق: أنه إِذا خرج إِلى حد الاضطرار -وصار نسبة ما يصدر عنه من الفعل إِليه كنسبة حركة المرتعش إِليه- أن تكليفه به إِيجادًا وعدمًا غير جائز، إِلا على القول بتكليف=

(1/289)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
=ما لا يطاق، وإن كان ذلك جائزاً عقلاً، لكنه ممتنع الوقوع سمعاً، لقوله-: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) والمراد منه رفع المؤاخذة، وهو مستلزم لرفع التكليف، وأما ما يلزمه من الغرامات فقد سبق غير مرة.
وأما إِن لم ينته به إِلى حد الاضطرار فهو مختار، وتكليفه جائز عقلاً وشرعًا.
وأما الخاطئ فغير مكلف إِجماعًا فيما هو مخطئ فيه، لقوله -عليه السلام-: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) الحديث".
وفي هامش (ظ) -أيضًا-: قد فهم من كلام ابن قاضي الجبل، وابن التلمساني: أن المكره الذي بلغ حد الإِلجاء ليس مكلفاً إِجماعًا -على لفظ ابن قاضي الجبل- ولا خلاف فيه، على قول ابن التلمساني.
والظاهر: نفي الخلاف عند العلماء، لا عند أرباب مذهبه فقط؛ لأنه قال بعده: (وأما الثاني -وهو غير الملجئ- فلا يمنع التكليف، وهو مذهب أصحابنا). فدل أن الأول منفي عند أصحابهم وغيرهم.
وكلام الآمدي صريح أن الملجئ فيه خلاف.
والذي ظهر لي أن الذي ذكر الخلاف في تكليفه، مراده: جواز تكليفه وعدم جوازه، كما هو مفهوم من كلام الآمدي، ولا شك أن غايته: أنه تكليف بالمحال، فيجيء فيه الخلاف في التكليف بالمحال.
ومن حكى الإجماع ونفى الخلاف، مراده: أن تكليفه لم يقع، كما فهم من قول الآمدي: "لكنه ممتنع الوقوع".
لكن قول المصنف: "إِن المحمول كالآلة غير مكلف خلافاً لأبي حنيفة" حمله على الجواز دون الوقوع مشكل؛ لأنه ذكر أنه مكلف عند أبي حنيفة، فحمله على الجواز لا يمكن، لأن جواز تكليفه الخلاف فيه معروف عند أشياخ مذهبنا وغيرهم، كما هو مصرح به في=

(1/290)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
=تكليف المحال.
وحمله على الوقوع لا يمكن؛ لأن أبا حنيفة يقول بتكليفه على ما حكاه عنه، فيخالف ما حكي من الإجماع على عدم تكليفه.
ومما يدل على أن المراد بتكليفه الجواز وعدمه -لا نفس الوقوع- ما قاله ابن عقيل في الواضح، فإِنه قال: "والذي يدل على قصده ودخول فعله تحت التكليف منع الشرع من قتل البريء المكره على قتله، وإلحاق الوعيد به على إِيقاع القتل به، وبهذا النهي والوعيد والتأثيم قد بان أن الله تعالى يصح أن يكلفنا ترك كل ما يكره على فعله حسبما كلفنا ترك قتل البريء، وإنما رخص لنا قول كلمة الكفر تسهيلاً علينا منه ورفقاً بنا، وليس دخول الرفق -رخصة وسهولة- مما يمنع دخول التكليف، كما رخص لنا في المرض الإفطار، ولم يمنع ذلك تكليفه لنا الانزجار عن التداوي بما حرم علينا".
لكن كلام ابن عقيل يفهم منه أن المكره الذي فيه الخلاف هو الذي يوجد الفعل منه، وأن من لم يوجد ليس من هذا القبيل، فإنه قال: "واعلم أن المكره داخل تحت التكليف على أن فيه اختلافاً بين الناس؛ وذلك أن المكره لا يكون مكرهاً إِلا على كسبه وما هو قادر عليه، نحو: المكره على الطلاق والبيع وكلمة الكفر، وكل ذلك إِذا وقع فهو كسب لمن وقع منه وواقع مع علمه وقصده إِليه بصيغة، فيصح لذلك تكليفه، كتكليف ما لا إِكراه عليه فيه".
قلت: وهذا ظاهر؛ لأن الذي ألقي من شاهق لم يوجد منه فعل، وإينما الفعل ممن ألقاه، وإن كان الفعل قد ينسب إِلى الآلة، كقوله: "قطعتِ السكين"، فالفعل المنسوب إِلى المحمول "كالآلة" كالفعل المنسوب إِلى بقية الآلات، كالسكين ونحوها. انتهى ما في هامش (ظ).
وانظر مذهب الحنفية -في هذه المسألة- في: فواتح الرحموت 1/ 166، وتيسير التحرير 2/ 307، وكشف الأسرار 4/ 384، والتوضيح على التنقيح 3/ 226.

(1/291)


وذكر بعض أصحابنا قولاً -وبعضهم رواية- في اليمين: يحنث.
وبعضهم: كالحنفية. وهو سهو.
وبالتهديد مكلف عندنا وعند الشافعية (1)، لصحة الفعل منه وتركه، ونسبة الفعل إِليه حقيقة، ولهذا يأثم المكرَه بالقتل بلا خلاف، قاله في المغني (2)، مع أنه علل أحد القولين لنا وللشافعية -فيما إِذا علق طلاقاً بقدوم زيد، فقدم مكرَها: (3) لا يحنث- بزوال اختياره بالإِكراه. (4)
وهذه المسألة مختلفة الحكم (5) في الفروع (6) -في المذاهب- بالنسبة إِلى الأقوال والأفعال في حق الله وحق العبد، على ما لا يخفى.
والأشهر عندنا: نفيه في حق الله، وثبوته في حق العبد.
وعند المعتزلة: لا يجوز تكليفه بعبادة؛ لأن من أصلهم (7): وجوب إِثابة المكلف، والمحمول على الشيء لا يثاب عليه.
__________
(1) انظر: التمهيد للأسنوي/ 116، والمستصفى 1/ 90، ونهاية السول مع مناهج العقول 1/ 138 - 139.
(2) انظر: المغني 8/ 267.
(3) نهاية 39أمن (ب).
(4) انظر: المرجع السابق 7/ 475.
(5) نهاية 32 أمن (ظ).
(6) انظر: القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام/ 39، والتمهيد للأسنوي/ 116، والتوضيح على التنقيح 3/ 227، وكشف الأسرار 4/ 384.
(7) انظر: المعتمد للقاضي/ 120.

(1/292)


وأطلق جماعة عنهم: لا يكلف.
وألزمهم (1) ابن الباقلاني الإِكراه على القتل.
قال (2) أبو المعالي: وهي هفوة (3) عظيمة؛ لأنهم لم يمنعوا النهي عن الشيء مع الإِكراه، بل الاضطرار إِلى فعل شيء مع الأمر به. (4)
__________
(1) في هامش (ظ): وجه إِلزامهم الإِكراه على القتل: أن المكره على القتل يحرم عليه فعل القتل بالإِجماع، فهو منهي، والنهي تكليف.
(2) انظر: البرهان لأبي المعالي/ 107.
(3) نهاية 80 من (ح).
(4) في هامش (ظ): فإِذا أكره على فعل الصلاة، واضطر إلى فعله، لم تكن تلك الصلاة التي اضطر إِلى فعلها بالإِكراه مأمورًا، لأنه إِنما أمر أن يصلي بصلاة يفعلها بأمر الشارع، فإِذا أكره عليها، وفعلها لأجل الاضطرار بالإِكراه، فليست هي المأمور بها، وما ليس مأموراً به ليس داخلاً تحت التكليف بالمأمور.
هذا معنى قوله: "بل الاضطرار إِلى فعل شيء مع الأمر به" أي: أنه لما صار مفعولاً بالإكراه خرج عن كونه مأمورًا به.
وهذا المعنى يوضحه كلام ابن التلمساني كما نقله الأسنوي في شرح المنهاج.
وفي هامش (ظ) -أيضًا- قال ابن التلمساني: وفيما قاله أبو المعالي نظر؛ لأن القاضي إِنما أورده عليهم من جهة أخرى، وذلك لأنهم منعوا أن المكره قادر على غير الفعل المكره عليه، فبين القاضي أنه قادر؛ وذلك لأنهم كلفوه بالضد، وعندهم: أن الله تعالى لا يكلف العبد إِلا بعد خلق القدرة له، والقدرة عندهم على الشيء قدرة على ضده، فإذا كان قادراً على القتل كان قادراً على ترك القتل. قال ذلك الأسنوي في شرح المنهاج.

(1/293)


وذكر ابن عقيل وغيره: أنه لا يجب (1) عليه شيء عقلاً ولا شرعًا.
ومعنى كلام جماعة (2) من أصحابنا: يجب شرعاً بفضله وكرمه؛ ولهذا أوجبوا إِخراج الموحدين من النار بوعده، وقال (3) ابن الجوزي -في قوله: (وكان حقًا علينا نصر المؤمنين) - (4): "أي: واجباً أوجبه هو"، وذكره (5) بعض الشافعية عن أهل السنة.
وقال بعض أصحابنا (6): أكثر الناس يثبت استحقاقاً زائداً على مجرد الوعد، لهذه الآية، ولحديث معاذ: (أتدري ما حق الله على العباد). (7)
__________
(1) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 515، والمستصفى 1/ 87، والمسودة/ 63 - 65، الإِرشاد للجويني/ 287، وغاية المرام/ 224، 228، ونهاية الإِقدام/ 404، والتحرير/ 14 ب، والذخر الحرير/ 39.
(2) انظر: المعتمد للقاضي/ 120.
(3) انظر: زاد المسير 6/ 308.
(4) سورة الروم: آية 47.
(5) في (ح): "وذكر بعض الشافعية أنه قول أهل السنة"، مكان قوله "وذكره بعض الشافعية عن أهل السنة".
(6) وهو الشيخ تقي الدين. انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 516.
(7) أخرج البخاري في صحيحه 7/ 170: ... عن معاذ قال: بينما أنا رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - ... قال: (هل تدري ما حق الله على عباده؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)، ثم سار ساعة ... فقال: (هل تدري ما حق العباد على الله إِذا فعلوه؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق العباد على الله ألا يعذبهم=

(1/294)


وفي الانتصار -في قول البينة "عمدنا قتله"-: لا يقال: لو كان الوعيد إِكراها لكنا مكرهين على العبادات، فلا ثواب؛ لأن أصحابنا قالوا: يجوز أن يقال: إِننا مكرهون عليها، والثواب بفضله لا مستحقاً عليه عندنا، ثم العبادات تفعل للرغبة.
ويبيح الإِكراه ما قبح ابتداء، خلافاً للمعتزلة، بناء منهم على التحسين.
وسبق (1) فيه أبي الخطاب.
لنا: إِباحة كلمة الكفر به بالآية (2)، والإِجماع.
والمكرَه بحق مكلف (و).

مسألة
يجوز تكليف المعدوم بمعنى: أن الخطاب يعمه إِذا وُجد أهلاً، ولا يحتاج خطاباً آخر عند أصحابنا، وحكي (3) عن (ر) وبعض الشافعية،
__________
=وأخرجه البخاري -أيضًا- في صحيحه 8/ 60، 8/ 105، 9/ 114.
وأخرجه مسلم في صحيحه 58 - 59، والترمذي في سننه 4/ 135 - 136 وقال: "حسن صحيح"، وابن ماجه في سننه/ 1435 - 1436، وأحمد في مسنده 5/ 228، 230، 234، 236، 238، 242.
(1) انظر: ص 164، 167 من هذا الكتاب.
(2) سورة النحل: الآيات 105 - 106: (إِنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون * من كفر بالله من بعد إِيمانه إِلا من أكره وقلبه مطمئن بالإِيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم).
(3) حكاه في التمهيد/ 46 ب.

(1/295)


وحكاه الآمدي (1) عن طائفة من السلف والفقهاء.
فليس الخلاف لفظياً، كما قاله (2) الجرجاني الحنفي، وإِنما قول الأشعرية: "يجوز تكليف المعدوم" بمعنى: تعلق الطلب القديم بالفعل من المعدوم حال وجوده وفهمه، وذكره (3) بعض أصحابنا عن أبي الخطاب.
والمعتزلة قالوا هم وأكثر الشافعية: (4) ولا يعمه الحكم إِلا بدليل: نص، أو إِجماع، أو قياس.
فلهذا قال الجرجاني: الخلاف لفظي.
وللحنفية (5) في عموم الحكم له بغير دليل قولان. (6)
قال (7) أحمد: لم يزل الله يأمر بما يشاء ويحكم، وقال (8) -أيضاً-: لم يزل متكلماً إِذا شاء، وقال القاضي: إِذا أراد أن يسمعنا.
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 274.
(2) انظر: العدة/ 392.
(3) قوله: "وذكره بعض أصحابنا عن أبي الخطاب" مثبت -هنا- من (ح). وقد جاء ذكره في (ب) و (ظ) متأخرًا، وذلك بعد قوله: "وأكثر الشافعية". ولعل الصواب إِثباته هنا. انظر: التمهيد/ 46 ب.
(4) جاء هنا في (ب) و (ظ): "وذكره بعض أصحابنا عن أبي الخطاب" وقد أشرت قبل قليل إِلى ما رأيته صوابًا في محل إِثباته.
(5) انظر: فواتح الرحموت 1/ 146، وتيسير التحرير 2/ 238، وأصول السرخسي 2/ 334.
(6) نهاية 39 ب من (ب)، وهي نهاية 81 من (ح).
(7) و (8) انظر: العدة/ 386.

(1/296)


وقال الآمدي (1): يجوز تكليف المعدوم عندنا، خلافاً لباقي الطوائف.
وحكى (2) غيره (3) المنع عن (4) (هـ ع).
وفي كلام القاضي (5)، وغيره: أن المعدوم مأمور.
وكذا ترجم (6) ابن برهان المسألة: بأن المعدوم مأمور منهي.
وزيَّفه (7) أبو المعالي، وقال: بل حقيقة المسألة: هل يتصور أمر ولا مأمور؟.
وذهب بعضهم (8) إِلى تكليفه تبعاً لموجود.
وبعضهم (9) إِلى أنه أمر إِعلام.
لنا: قوله: (لأنذركم به ومن بلغ) (10)، وقوله: (فاتبعوه) (11).
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 153.
(2) في (ح): وحكاه.
(3) انظر: المسودة/ 44.
(4) نهاية 32 ب من (ظ).
(5) انظر: العدة/ 386.
(6) انظر: المسودة/ 45. وقال ابن برهان في كتابه الوصول/ 20 أ: مسألة: المعدوم يجوز أن يكون مأموراً بشرط الوجود ...
(7) انظر: المسودة/ 45، والبرهان للجويني / 274.
(8) و (9) انظر: العدة/ 387، والتمهيد/ 46 ب.
(10) سورة الأنعام: آية 19: (وأوحي إِليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ).
(11) سورة الأنعام: آية 153: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه).

(1/297)


وكالأمر بالوصية لمعدوم متأهل، وخيفة الموصي الفوت لا أثر له.
ولحسن لوم المأمور في الجملة بإِجماع العقلاء على تأخره عن الفعل مع قدرته وتقدم أمره.
ولأنه أزلي، وتعلقه بغيره جزء من حقيقته، والكل ينتفي بانتفاء الجزء، وكلام (1) القديم صفته، وإِنما تطلب الفائدة في (2) سماع الخاطب به إِذا وجد.
ولأن التابعين والأئمة لم يزالوا يحتجون بالأدلة، وهو دليل التعميم، والأصل عدم اعتبار غيره، ولو كان لنقل. (3)
قالوا: تكليف ولا مكلف محال.
رد: مبني على التقبيح العقلي.
ثم: بالمنع في المستقبل، كالكاتب يخاطب من يكاتبه بشرط وصوله، ويناديه، وأمر الموصي والواقف، وليس مجازا، لأنه لا يحسن نفيه.
قال ابن عقيل (4): ولا أقرب إِلى ذلك من أسماء الله المشتقة. (5)
__________
(1) من قوله: "وكلام" إلى قوله: "إِذا وجد" مثبت من (ب) و (ح)، وقد أثبت في هامش (ظ) من إِحدى النسخ، وقال مثبته: "ذُكر بعدُ" يعني: في (ظ)، وستأتي الإِشارة إليه بعد قوله: "أسماء الله المشتقة".
(2) في (ح): "بسماع".
(3) جاء -هنا- في (ظ): "قالوا لا يقال للمعدوم: تأس. رد: يقال بشرط وجوده أهلاً".
وسيأتي ذلك في (ب) و (ح) بعد قوله: "أسماء الله المشتقة".
(4) انظر: الواضح 2/ 12 ب.
(5) جاء -هنا- في (ظ): "وكلام القديم صفته، وإِنما تطلب الفائدة في سماع المخاطب به إِذا وجد". وقد أشرت إِلى هذا قبل قليل.

(1/298)


قلوا: (1) لا يقال للمعدوم: ناس (2).
رد: يقال بشرط وجوده أهلاً.
قالوا: العاجز غير مكلف، فهذا (3) أولى.
رد: بالمنع عند كل قائل بقولنا، بل مكلف بشرط قدرته وبلوغه وعقله، وإنما رفع عنه القلم في الحال، [أو] (4) قلم الإثم، بدليل النائم.
قالوا: لو كان لمدح وذم.
ورده أصحابنا بوجهين: المنع، لأن الله مدح (5) وذم، ثم: لعدم الامتثال والتفريط. (6)
قالوا: من شرط القدرة وجود المقدور.
رد: بالمنع؛ فإِن القدرة صفة لله ولا مقدور.
قالوا: يلزم التعدد في القديم.
__________
(1) من قوله: "قالوا: لا يقال للمعدوم" إِلى قوله: "يقال بشرط وجوده أهلاً" مثبت من (ب) و (ح)، وقد أشرت قبل قليل إِلى مكان وروده في (ظ).
(2) في (ظ): تأس.
(3) في (ب) و (ح): فهنا.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) في التمهيد / 47 أ: مدح الأنبياء والصالحين، وذم إِبليس في كلامه، وهو القرآن، وذلك قبل خلق الجميع.
(6) أي: عدم إِمكان الفعل أو الترك؛ لأنه ليس بإِيجاب مضيق. انظر: العدة/ 390.

(1/299)


ولم يقل به أكثر الأشعرية، فأجابوا: بأن التعدد بحسب الوجود غير واقع في الأزل، فكلامه واحد بحسب الذات، وإنما تعدد باعتبار (1) متعلقاته، وهو لا يوجب تعدداً وجوديًا. كذا قالوا.

مسألة
يجوز التكليف بما يعلم الله أن المكلف لا يمكَّن منه مع بلوغه حالة التمكن، عند القاضي (2) وابن عقيل (3) وأبي الخطاب (4) وقال: إِنه يقتضيه مذهب أصحابنا، فلهذا يعلم المكلف بالتكليف قبل وقت الفعل (ور) وغيرهم، وذكره (5) بعض أصحابنا (6) إِجماع الفقهاء.
قال في الروضة (7) وغيرها: " [مسألة جواز التكليف] (8) تنبني (9) على النسخ قبل (10) التمكن"، قال بعضهم (11):
__________
(1) نهاية 82 من (ح).
(2) انظر: العدة/ 392.
(3) انظر: الواضح 2/ 14 ب وما بعدها.
(4) انظر: التمهيد/ 36أ.
(5) في (ظ): وذكر.
(6) انظر: المسودة / 53.
(7) انظر: الروضة / 214، والبلبل/ 94.
(8) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(9) في (ب) و (ظ): ينبني.
(10) نهاية 33أمن (ظ).
(11) انظر: المسودة/ 53.

(1/300)


"تشبهها؛ (1) لأن ذلك رفع للحكم بخطاب، وهذا بتعجيز، ونبَّه ابن عقيل عليه".
ونفى ذلك (2) (ع) (3) وأبو المعالي.
وزعم (4) غلاة القدرية -منهم ومن غيرهم- كمعبد الجهني (5) وعمرو (6) بن عبيد: أنه لم يعلم أفعال العباد حتى فعلوها.
__________
(1) نهاية 40 أمن (ب).
(2) يعني جواز التكليف.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 155، وشرح العضد 2/ 16، وشرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 221، والبرهان للجويني/ 282، والمسودة/ 53 - 54.
(4) انظر: المسودة/ 54، والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام/ 189.
(5) هو معبد بن عبد الله الجهني البصري، أول من قال بالقدر في البصرة، سمع الحديث من ابن عباس وعمران بن حصين وغيرهما، وحضر يوم التحكيم، وانتقل من البصرة إِلى المدينة، فنشر فيها مذهبه، قتله الحجاج لخروجه مع ابن الأشعث، وقيل: قتله عبد الملك ابن مروان بدمشق بعد صلبه، لقوله بالقدر، وكانت وفاته سنة 80 هـ.
انظر: كتاب الضعفاء الصغير للبخاري/ 327، وميزان الاعتدال 4/ 141، والبداية والنهاية 9/ 34، وتهذيب التهذيب 10/ 225، وشذرات الذهب 1/ 88.
(6) في (ظ): وعمر. وهو: أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب البصري، شيخ المعتزلة في عصره ومفتيها، ولد سنة 80 هـ وتوفي بمران قرب مكة سنة 144 هـ.
له: كتب، ورسائل، وخطب.
انظر: مروج الذهب 2/ 192، وتاريخ بغداد 12/ 166، ووفيات الأعيان 3/ 460، وميزان الاعتدال 3/ 273، والبداية والنهاية 10/ 78، ومفتاح السعادة 2/ 35.

(1/301)


ويصح (1) مع جهل الآمر اتفاقًا، كأمر السيد عبده بشيء.
وجه الأول: لو لم يجز لم يعص أحد؛ لأن شرط الفعل إِرادة قديمة أو حادثة، فإِذا تركه علم الله (2) أنه لا يريده، وأن العاصي لا يريده.
وأيضًا: (3) لم يعلم تكليف، لعدم العلم ببقاء المكلف قبله -وهو شرط- ولا معه، ولا بعده، لانقطاع التكليف فيهما، فإِن فرض زمانه موسعًا كالواجب الموسع -بحيث يعلم التمكن (4) - نقلنا الكلام إِلى أجزاء ذلك، كالضيق، والتكليف معلوم.
وأيضًا: (5) لم يعلم إِبراهيم -عليه السلام- وجوب الذبح.
واحضج الأصحاب وابن الباقلاني (6): بالإِجماع على تحقق الوجوب والتحريم قبل التمكن.
ورده أبو العالي (7): بناء على ظن البقاء.
ورد: بأنه لا تكليف مع الشك، وبأن احتمال الخطأ قائم في الظن، وهو
__________
(1) في (ب): وتصح.
(2) أقول: لعل صحة العبارة هكذا: "فإِذا تركه علم أن الله لا يريده ... ". والمثبت وارد في جميع النسخ.
(3) يعني: وأيضًا: لو لم يجز لم يعلم تكليف.
(4) في (ظ): التمكن.
(5) يعني: وأيضًا: لو لم يجز لم يعلم إِبراهيم ...
(6) انظر: شرح العضد 2/ 17.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 156 - 157، وشرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 221.

(1/302)


ممتنع في الإِجماع.
قالوا: لو جاز لم يكن إِمكان المكلف به شرطًا في التكليف؛ لأن هذا الفعل لا يمكن.
رد: بأن الإِمكان (1) المشروط تأَتِّي الفعل عادة عند اجتماع شرائطه في وقته، وهو حاصل، والذي هو شرط وقوع الفعل محل النزاع.
على أنه يلزم في جهل الآمر، لجواز (2) امتناع الفعل لانتفاء شرطه.
قالوا: لو جاز (3) لجاز مع [علم] (4) المأمور اعتبارًا بالآمر، والجامع عدم الحصول.
رد: بأن هذا يمتنع امتثاله، فلا يعزم، فلا يطيع ولا يعصي، ولا ابتلاء، بخلاف مسألتنا.
على أن بعض أصحابنا (5) قال: "ينبغي أن نجوزه، كما نجوز توبة مجبوب من زنا، وأقطع من سرقة، وفائدته: العزم بتقدير القدرة".
فمن جامع (6) صحيحًا -ثم مرض أو جن أو حاضت أو نفست- لم
__________
(1) نهاية 83 من (ح).
(2) في (ظ): بجواز.
(3) يعني: لو جاز التكليف مع علم الآمر ... كما في أول المسألة.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة من (ظ) ونسخة في هامش (ب).
(5) انظر: المسودة/ 53.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 157.

(1/303)


تسقط الكفارة عند (1) أحمد (2) (هـ ق (3))، لأمره -عليه السلام- الأعرابي بالكفارة، ولم يسأله (4)، وكما لو سافر (و).
قال أصحابنا: لا يقال: تبينا أن الصوم غير مستحق؛ لأن الصادق لو أخبره أنه سيمرض أو يموت لم يجز الفطر، والصوم لا تتجزأ صحته، بل لزومه.
وفي الانتصار [وجه]: (5) تسقط بحيض ونفاس، لمنعهما الصحة، ومثلهما موت، وكذا جنون إِن منع طرآنه (6) الصحة.
__________
(1) انظر: المغني 3/ 139.
(2) انظر: المجموع 6/ 389، وبدائع الصنائع / 1031 - 1032، والمبسوط 3/ 75.
(3) استخدم المصنف هذا الرمز (ق)، وهو لم يذكره مع الرموز التي بين المراد بها في أول هذا الكتاب، وقد استخدم المصنف هذا الرمز في كتابه "الفروع"، وبيّن مراده به فقال: ... وعلامة خلاف أبي حنيفة (هـ)، ومالك (م)، فإِن كان لأحدهما روايتان فبعد علامته (ر)، وللشافعي (ش)، ولقوليه (ق). انظر: الفروع 1/ 64.
وقارن ما ذكره -هنا- في هذه المسألة بما ذكره في الفروع 3/ 80 - 81.
(4) جاء ذلك في قصة الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان، وقد روى هذا الحديث أبو هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 32 - 33، 160، 7/ 66، 8/ 144 - 145، ومسلم في صحيحه/ 781 - 782، وأبو داود في سننه 2/ 783 - 786، والترمذي في سننه 2/ 113 - 114، وقال: "حسن صحيح"، وابن ماجه في سننه/ 534، والدارمي في سننه1/ 343 - 344، وأحمد في مسنده 2/ 241، 281، 516.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(6) في (ظ): طريانه. وكانت في (ب) "طرآنه" ثم غيرت إِلى: طريانه. وانظر: المصباح المنير 2/ 19.

(1/304)


وص علق طلاقاً بشروعه في صوم أو صلاة واجبين، فشرع، ومات فيه: طلقت (ع) (1).
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 157.

(1/305)