أصول الفقه لابن مفلح السنة
لغة (1): الطريقة والعادة.
وشرعًا: العبادات النافلة.
وقوله -عليه السلام- وفعله وتقريره.
* * *
وذلك متوقف على العصمة. (2)
أما قبل البعثة فامتناع المعصية عقلاً مبني على التقبيح (3)
العقلي، فيمن أثبته كالروافض منعها للتنفير، فينافي الحكمة
-وقاله المعتزلة في الكبائح- ومن نفاه لم (4) يمنعها.
__________
(1) انظر: لسان العرب 17/ 89 - 90، وتاج العروس 9/ 244 (سنن).
(2) في شرح الكوكب المنير 2/ 167 - 168: العصمة: سلب القدرة
على المعصية ... وقال التلمساني عن الأشعرية: إِن العصمة تهيؤ
العبد للموافقة مطلقًا، وذلك راجع إِلى خلق القدرة على كل
طاعة، فإِذاً العصمة توفيق عام. وقالت المعتزلة: العصمة خلق
ألطاف تقرب إِلى الطاعة، ولم يردوها إِلى القدرة، لأن القدرة
عندهم على الشيء صالحة لضده.
وانظر: فواتح الرحموت 2/ 97، وتيسير التحرير 3/ 20،
والتعريفات/ 65، وشرح الكوكب المنير 2/ 167.
(3) نهاية 88 من (ح).
(4) في (ب): ولم.
(1/322)
وأما بعد البعثة فيعصوم من تعمد ما يخل
بصدقه فيما دلت المعجزة على صدقه [فيه] (1) من رسالة وتبليغ.
وللعلماء في جوازه غلطاً ونسيانًا قولان، بناء على أن المعجزة
هل دلت على صدقه فيه؟، (2) واختلف فيه كلام ابن عقيل.
وجوزه القاضي وغيره، واختاره ابن الباقلاني (3) والآمدي (4)
وغيرهما، وذكره بعض أصحابنا (5) قول الجمهور، وأنه يدل عليه
القرآن.
وفي حديث أبي هريرة -حديث ذي اليدين-: لما سلم من ركعتين في
رباعية، فقال له، فقال: (لم أنس، ولم تقصر)، فقال: بلى قد نسيت
(6).
وفي حديث ابن مسعود: (إِنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإِذا
نسيت فذكروني). (7) متفق عليهما.
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) نهاية 43 أمن (ب).
(3) انظر: شرح العضد 2/ 22.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170.
(5) انظر: المسودة/ 190.
(6) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 99، 2/ 68، ومسلم في صحيحه/
403، وأبو داود في سننه 1/ 612، والترمذي في سننه 1/ 247 وقال:
"حسن صحيح"، والنسائي في سننه 3/ 20، وابن ماجه في سننه/ 383.
(7) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 85، ومسلم في صحيحه / 400، 401
- 402، وأبو داود في سننه 1/ 260، والنسائي فى سننه 3/ 28 -
29، 32 - 33، وابن ماجه في سننه/ 380، 382، وأحمد في مسنده 1/
379، 420، 424، 438، 448، 455.
(1/323)
وذكر القاضي عياض المالكي (1) وغيره الخلاف
في الأفعال، وأنه لا يجوز في الأقوال (2) البلاغية إِجماعًا،
ومعناه في إِرشاد (3) ابن عقيل (4).
__________
(1) هو: أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن اليحصبي
السبتي، عالم المغرب، وإمام أهل الحديث في وقته، كان من أعلم
الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم، ولد في "سبتة" سنة 476
هـ، وولي القضاء فيها، ثم ولي قضاء غرناطة، وتوفي بمراكش سنة
544 هـ.
من مؤلفاته: الشفاء بتعريف حقوق المصطفى، والغنية في ذكر
مشيخته، وترتيب المدارك وتقريب المساللث في معرفة أعلام مذهب
الإِمام مالك، وشرح صحيح مسلم، ومشارق الأنوار في الحديث.
انظر: قلائد العقيان/ 222، والصلة 2/ 453، وبغية الملتمس/ 425،
والمعجم لابن الأبار 394، ووفيات الأعيان 3/ 483، وتاريخ قضاة
الأندلس/ 101، والديباج المذهب/ 168، ومفتاح السعادة 2/ 19.
(2) انظر: كلام القاضي عياض عن هذا الموضوع في كتابه "الشفاء
بتعريف حقوق المصطفى" 2/ 115 - 169.
والأقوال البلاغية: هي التي تتعلق بالأحكام أو أخبار المعاد أو
تضاف إِلى وحي.
والأقوال غير البلاغية: هي التي لا مستند لها إِلى الأحكام ولا
أخبار المعاد، ولا تضاف إلى وحي، بل في أمور الدنيا وأحوال
نفسه.
انظر: الشفاء 2/ 128.
(3) هو كتاب الإِرشاد في أصول الدين، لأبي الوفاء بن عقيل.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 156.
(4) انظر: شرح الكوكب المنير 2/ 171.
(1/324)
ثم: لا يقر عليه إِجماعًا، فيعلم به: قال
الأكثر: على الفور، وقالت طائفة: مدة حياته، واختاره أبو
المعالي (1).
وأما ما لم يخل بصدقه فمعصوم من كبيرة إِجماعًا، ولا عبرة (2)
بالحشوية (3)
__________
(1) انظر: البرهان للجويني/ 486.
(2) في (ب): ولا غيره.
(3) جاء في الحور العين/ 204: وسميت الحشوية حشوية؛ لأنهم
يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أي: يدخلونها فيها وليست منها،
وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه.
وجاء في شفاء الغليل/ 105 - 106: حشوية بفتح الشين وسكونها،
قال ابن عبد السلام: المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، وهم
ضربان:
أحدهما: لا يتحاشى من إِظهار الحشو.
والثاني: يتسترون بمذهب السلف. أهـ.
قلت: ويستعمل الحشو بمعنى الجهل، والحشوية بمعنى الجهلة، ومن
مذهبهم أنه يجور أن يكون في الكتاب والسنة ما لا معنى له.
وقال ابن الصلاح: الحشوية بإسكان الشين، وفتحها غلط.
قال الأشموني: وليس كما قال، بل يجوز الإِسكان -على أنه نسبة
إِلى الحشو، لقولهم بوجوده في الكتاب والسنة- والفتح على أنه
نسبة إِلى الحشا، لما قيل: إِنهم سموا بذلك لقول الحسن البصري-
لما وجد كلامهم ساقطًا، وكانوا يجلسون في حلقته أمامه-: "ردوا
هؤلاء إِلى حشا الحلقة" أي: جانبها. أهـ.
وقال السبكي: الحشوية طائفة ضالة تجري الآيات على ظاهرها،
ويعتقدون أنه المراد، سموا بذلك؛ لأنهم كانوا في حلقة الحسن
البصري، فتكلموا بما لم يرضه،=
(1/325)
وبعض الخوارج (1).
__________
=فقال: "ردوهم إِلى حشا الحلقة"، وقيل: سموا بذلك؛ لأن منهم
المجسمة، أو هم، والجسم حشو، فعلى هذا القياس "حشوية" بسكون
الشين؛ إِذ النسبة إلى الحشو.
وقال أبو تمام: أرى الحشو والدهماء أضحوا كأنهم ... شعوب تلاقت
دوننا وقبائل
قال التبريزي في شرحه: أراد بالحشو العامة. انتهى ما في شفاء
الغليل.
وجاء في ضبط الأعلام/ 39: الحشوية طائفة من المبتدعة ...
وذكرهم الزركشي في "المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر"
في قسم التعريف بالرجال، ونقل عن أبي حاتم في كتاب "الزينة"
أنهم لقبوا بذلك لاحتمالهم كل حشو روي من الأحاديث المختلفة
المتناقضة، أو لأنهم عند من لقّبهم مجسمة، والمجسم محشو ... ثم
نقل عن بعضهم أن الزنادقة تطلق هذا الاسم على أهل الحديث
ليبطلوا بذلك مضمون الأحاديث، وأنها حشو لا فائدة فيها.
وانظر: مجموع الفتاوى 12/ 176، وشرح الكوكب المنير 2/ 147،
والحور العين / 147، 149، 150، 251، 256، 273.
(1) جاء في الحور العين/ 200: سموا بذلك لخروجهم على أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ومحاربتهم إِياه، ولهم أسماء أخرى،
منها: الحرورية، والشراة، والمحكمة، والمارقة. أهـ.
وأول من خرج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
جماعة ممن كان معه في حرب صفين.
وأشدهم خروجاً الأشعث بن قيس، ومسعر بن فدكي، وزيد بن حصن
الطائي.
وهذا مبدأ أمر الخوارج، ثم افترقوا بعد ذلك إلى عدة فرق،
أكبرها ست: "الأزارقة، والنجدات، والصفرية، والعجاردة،
والإباضية، والثعالبة"، والباقون فروعهم.
ويجمعهم القول بالتبرؤ من عثمان وعلي، ويقدمون ذلك على كل
طاعة، ولا يصححون المناكحات إِلا على ذلك. =
(1/326)
وهل مستند المنع السمع أو العقل؟ مبني على
التحسين.
وجوز القاضي وقوعها سهوًا، وقاله الأكثر، واختلف كلام ابن
عقيل.
وقال ابن أبي موسى من أصحابنا: لا يجوز، قال: وتجوز الهمّة بها
(1) لا الفعل، وذكر لنا خلافاً في جواز صغيرة لا فعلها عمدًا.
وذكر القاضي وابن عقيل وابن الزاغوني جواز صغيرة (2) عمدًا (وع
ر). (3)
والمنع منها سهوًا قول الشيعة (4).
وجزم بعض أصحابنا بأن ما أسقط العدالة لا يجوز.
ولعله مراد غيره، وهو معنى ما جزم به الآمدي (5) ومن تبعه: أن
ما
__________
= ويكفرون أصحاب الكبائر.
ويرون الخروج على الإِمام إِذا خالف السنة حقًا واجبًا.
انظر: الفرق بين الفرق/ 72، والملل والنحل 1/ 170، والفرق
الإسلامية/ 62.
(1) في (ب): بما الفعل.
(2) نهاية 89 من (ح).
(3) انظر: كشف الأسرار 3/ 199، وفواتح الرحموت 2/ 99، وشرح
العضد 2/ 22، وتيسير التحرير 3/ 21، وشرح المحلي على جمع
الجوامع 2/ 99، والمستصفى 2/ 213، والإِرشاد للجويني/ 356،
والمسودة/ 188، وإرشاد الفحول/ 34، والمنخول/ 223.
(4) انظر: فواتح الرحموت 2/ 99.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 171.
(1/327)
أوجب خسة وإسقاط مروءة فكالكبيرة.
وعند الحنفية (1): معصوم من معصية، (2) وهي مقصودة، لا زلة وهو
فعل لم يقصد جَرّ إِليه مباح.
مسألة
ما كان من أفعاله -عليه السلام- من مقتضى طبع الإِنسان وجبلته
-كقيام وقعود- فمباح له ولنا اتفاقًا.
وما (3) اختص (4) به -كتخييره (5) نساءه (6) بينه وبين الدنيا،
__________
(1) انظر: كشف الأسرار 3/ 199 - 200، وفواتح الرحموت 2/ 100.
(2) نهاية 43 ب من (ب).
(3) انظر: الخصائص الكبرى للسيوطي، والبرهان للجويني/ 495.
(4) نهاية 35 ب من (ظ).
(5) في (ظ): كتخيير.
(6) ورد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتخيير نسائه في
الآيتين 28، 29 من سورة الأحزاب: (يا أيها النبي قل لأزواجك
إِن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن
سراحًا جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإِن
الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا).
وجاء خبر التخيير في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها.
أخرجه البخاري في صحيحه 16/ 17، 7/ 43، ومسلم في صحيحه/ 1103،
وأبو داود في سننه 2/ 653 - 657، والترمذي في سننه 3/ 424، 5/
30 وقال: "حسن صحيح"، والنسائي في سننه 6/ 55، 160، وابن ماجه
في سننه/ 661 - 662، وأحمد في مسنده 16/ 103، 163، 248. وانظر:
تفسير الطبري 21/ 100 - 101، والخصائص الكبرى للسيوطي 3/ 259.
(1/328)
وزيادته (1) منهن على أربع، ووصاله (2)
الصوم- فمختص به اتفاقاً.
وما كان بياناً بقول، نحو: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (3)، أو
بفعل عند الحاجة، كالقطع من الكوع (4)، وغسل اليد
__________
(1) انظر: الخصائص الكبرى للسيوطي 3/ 298.
(2) حديث الوصال رواه جمع من الصحابة رضي الله عنهم.
أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 29، من حديث ابن عمر، 3/ 37، من
حديث أنس وأبي سعيد وعائشة، 3/ 37 - 38، من حديث أبي هريرة، 3/
38، من حديث أبي سعيد الخدري، 9/ 85 - 86، من حديث أنس وأبي
هريرة، 9/ 97، من حديث أبي هريرة. وأخرجه مسلم في صحيحه 774 -
776، من حديث ابن عمر وأبي هريرة وأنس وعائشة.
وانظر: الخصائص الكبرى للسيوطي 3/ 284.
(3) هذا جزء من حديث رواه مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 124 - 125، 8/ 9، 9/ 86/ 87، ومسلم
في صحيحه/ 465 - 466، والدارمي في سننه 1/ 229، وأحمد في مسنده
5/ 53، والشافعي (انظر: بدائع المنن 1/ 128 - 129).
(4) أخرج الدارقطني في سننه 3/ 204 - 205: ... عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال: كان صفوان بن أمية بن خلف نائمًا في السجد
وثيابه تحت رأسه، فجاء سارق فأخذها، فأتي به النبي - صلى الله
عليه وسلم - فأقر السارق ... ثم أمر -يعني: النبي - صلى الله
عليه وسلم - بقطعه من المفصل.
في إِسناده: أبو نعيم عبد الرحمن بن هانئ النخعي، ومحمد بن
عبيد الله العرزمي. قال في نصب الراية 3/ 270: وضعفه ابن
القطان في كتابه؛ فقال: العرزمي=
(1/329)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
__________
=متروك، وأبو نعيم عبد الرحمن بن هانئ النخعي لا يتابع على ما
له من حديث. وفي ميزان الاعتدال 3/ 635: محمد بن عبيد الله بن
ميسرة العرزمي الكوفي: قال أحمد ابن حنبل: ترك الناس حديثه.
وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال الفلاس: متروك. وفي ميزان
الاعتدال 2/ 595: عبد الرحمن بن هانئ، أبو نعيم النخعي: قال
أحمد: ليس بشيء. ورماه يحيى بالكذب. وقال ابن عدي: عامة ما
يرويه لا يتابع عليه.
وأخرج البيهقي في السن الكبرى 8/ 270 - 271: ... عن عدي أن
النبي - صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق من المفصل.
وأخرج البيهقي -أيضًا-: عن عبد الله بن عمرو قال: قطع النبي -
صلى الله عليه وسلم - سارقًا من المفصل.
وقال في نصب الراية 3/ 370: حديث آخر رواه ابن عدي في الكامل:
حدثنا أحمد ابن عيسى الوشاء التنيسي، حدثنا عبد الرحمن بن سلمة
عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني عن مالك بن مغول عن ليث بن
أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: قطع النبي - صلى
الله عليه وسلم - سارقًا من المفصل. انتهى.
قال ابن القطان في كتابه: وخالد ثقة، وعبد الرحمن بن سلمة لا
أعرف له حالاً.
وانظر: ميزان الاعتدال 1/ 633، 2/ 56.
وقال في نصب الراية -أيضًا- 3/ 370: حديث آخر رواه ابن أبي
شيبة في مصنفه: حدثنا وكيع عن سبرة بن معبد الليثي قال: سمعت
عدي بن عدي يحدث عن رجاء بن حيوة: أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قطع رجلاً من المفصل. انتهى. وهو مرسل.
وقال في التلخيص الحبير 4/ 71: وفي كتاب الحدود لأبي الشيخ من
طريق نافع عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا
بكر وعمر وعثمان كانوا يقطعون السارق من المفصل.
وانظر: سبل السلام 4/ 39.
(1/330)
مع الرفق (1)، فإِنه بيان
__________
(1) أخرج مسلم في صحيحه/ 216: ... عن نعيم بن عبد الله المجمر
قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل
يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في
العضد ... ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يتوضأ.
وأخرج الدارقطني في سننه 1/ 83: ... عن حمران مولى عثمان بن
عفان أنه سمع عثمان بن عفان قال: هلموا أتوضأ لكم وضوء رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، فغسل وجهه ويديه إِلى المرفقين
حتى مس أطراف العضدين، ثم مسح برأسه .... قال ابن حجر في فتح
الباري 1/ 304: إِسناده حسن.
وفي نيل الأوطار 1/ 180: في إسناده ابن إِسحاق -محمد بن
إِسحاق- وقد عنعن.
وأخرج الدارقطني في سننه 1/ 83: ... عن جابر بن عبد الله قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذا توضأ أدار الماء
على مرفقيه.
في إِسناده: القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل الهاشمي، قال
الدارقطني في سننه 1/ 83: ليس بقوي. وفي ميزان الاعتدال 3/
379: قال أبو حاتم: متروك. وقال أحمد: ليس بشيء. وقال أبو
زرعة: أحاديثه منكرة.
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 1/ 56: ... عن جابر قال: رأيت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدير الماء على المرفق.
وأخرج البيهقي -أيضًا-: ... عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه.
وفي الجوهر النقي 1/ 56: ذكر -يعني: البيهقي- حديث جابر من
طريقين، في كل منهما ثلاثة متكلم فيهم:
أما الطريق الأول ففيه: سويد بن سعيد حدثنا القاسم بن محمد
العقيلي عن=
(1/331)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
__________
= عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر:
أما سويد -وإِن أخرج عنه مسلم- فقد قال ابن معين: هو حلال
الدم. وقال ابن المديني: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق. وكان كثير التدليس، وقيل: إِنه عمي في
آخر عمره، فربما لقن ما ليس في حديثه، فمن سمع منه وهو بصير
فحديثه عنه حسن. (وانظر: ميزان الاعتدال 2/ 248).
وأما القاسم العقيلي فقال أحمد: ليس بشيء. وقال أبو حاتم:
متروك الحديث. وعن أبي زرعة: أحاديثه منكرة. وهو ضعيف الحديث.
وأما ابن عقيل -وهو جد القاسم المتقدم- فسكت عنه البيهقي هنا،
وقال في باب "لا يتطهر بالماء المستعمل": لم يكن بالحافظ، وأهل
العلم يختلفون في الاحتجاج بروايته. (وانظر: ميزان الاعتدال 2/
484).
والطريق الثاني فيه: عباد بن يعقوب حدثنا القاسم بن محمد عن
جده: أما القاسم وجده فقد تقدما.
وأما عباد بن يعقوب -هو الزواجني- فقد روى عنه البخاري مقرونًا
بآخر، لكن ابن حبان قال فيه: هو رافضي داعية، ويروي المناكير
عن مشاهير، فاستحق الترك. (وانظر: ميزان الاعتدال 2/ 379).
وفي كشف الأستار عن زوائد البزار 1/ 140 - 142: حدثنا إِبراهيم
بن سعيد الجوهري، حدثنا محمد بن حجر، حدثنا سعيد بن عبد الجبار
بن وائل بن حجر عن أبيه عن أمه عن وائل بن حجر، فذكر حديثًا
بهذا، ثم قال: وبإِسناده قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم
- أتي بإِناء فيه ماء ... ثم أدخل يمينه في الإِناء فغسل بها
ذراعه اليمنى حتى جاوز المرفق ثلاثًا، ثم غسل يساره بيمينه حتى
جاوز المرفق ثلاثًا ... قال البزار: لا نعلمه بهذا اللفظ إِلا
بهذا الإِسناد عن وائل.=
(1/332)
لآيتي (1) القطع (2) والوضوء (3) اتفاقًا.
وما (4) لم يكن كذلك: فما علمت صفته -من وجوب، أو ندب، أو
إِباحة- فالأشهر عندنا: الاقتداء به فيه على تلك الصفة، وقاله
عامة الفقهاء والمتكلمين: الحنفية (5) والمالكية والشافعية.
وقال بعض أصحابنا (6): من الممكن يجب علينا وإن لم يجب عليه،
كما تجب متابعة الإِمام فيما لا يجب عليه، ونبه عليه القرآن
بقوله: (ما كان لأهل المدينة) الآية (7)، فأوجب ولو لم يتعين
ذلك الغزو.
__________
=وفي مجمع الزوائد 1/ 232: رواه الطبراني في الكبير والبزار،
وفيه: سعيد بن عبد الجبار، قال النسائي: ليس بالقوي. وذكره ابن
حبان في الثقات. وفي مسند البزار والطبراني: محمد بن حجر، وهو
ضعيف.
(1) في (ظ): لا نهي.
(2) سورة المائدة: آية 38: (والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما).
(3) سورة المائدة: آية 6: (يا أيها الذين آمنوا إِذا قمتم إِلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إِلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم إِلى الكعبين).
(4) في (ظ): وأما لم يكن.
(5) في (ظ): والحنفية.
(6) انظر: المسودة/ 192.
(7) سورة التوبة: آية 120: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من
الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه
ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا
يطؤون موطئًا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إِلا كتب
لهم به عمل صالح إِن الله لا يضيع أجر المحسنين).
(1/333)
وقال (1): وقد يقال هذا فيما صدر منه
اتفاقًا، كما كان ابن عمر يفعل في المشي (2) في طريق مكة، وكما
في تفضيل (3) إِخراج التمر، وطريقة أحمد تقتضيه؛ فإِنه تسرى
(4)، واختفى (5) ثلاثًا؛ لأجل المتابعة، وقال: "ما بلغني حديث
إِلا عملت به"، حتى أعطى الحجام دينارًا (6).
وقال (7) القاضي في الكفاية: (8) "ما تعبدنا بالتأسي به إِلا
في
__________
(1) في (ب) و (ظ): "قال" بدون الواو.
(2) أخرج أبو نعيم في الحلية 1/ 310: ... عن نافع عن ابن عمر -
رضي الله عنه -: أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته
-يثنيها- ويقول: "لعل خفاً يقع على خف" يعني: خف راحلة النبي -
صلى الله عليه وسلم -
وانظر: طرفاً من أخبار ابن عمر -وتتبعه لآثار الرسول - صلى
الله عليه وسلم - في: حيلة الأولياء 1/ 292 - 314.
(3) تفضيل ابن عمر إِخراج التمر في زكاة الفطر رواه نافع.
أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 131 - 132، وأبو داود في سننه 2/
267، ومالك في الموطأ/ 284 والحاكم في مستدركه 1/ 409 - 410،
والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 160 - 161، وابن خزيمة في صحيحه
4/ 81 - 82.
(4) انظر: مناقب الإِمام أحمد لابن الجوزي 1/ 77، 301 - 302.
(5) فقد اختفى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي بكر في
الغار ثلاثة أيام، وذلك عند الهجرة.
أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 58 - 59، 7/ 145 - 146، وأحمد في
مسنده 6/ 198 من حديث عائشة.
(6) انظر: مناقب الإِمام أحمد/ 179.
(7) انظر: المسودة/ 66.
(8) نهاية 90 من (ح).
(1/334)
العبادات"، وقاله بعض الشافعية. (1)
وقال أحمد -في رواية ابن إِبراهيم (2) -: الأمر (3) من النبي -
صلى الله عليه وسلم - (4) سوى الفعل؛ لأنه يفعل الشيء لجهة
الفضل، ويفعله وهو خاص له، وإِذا أمر بالشيء فهو للمسلمين.
قال بعض أصحابنا (5): ظاهره الوقف في تعديته إِلى أمته -وإِن
عُلمت صفته- لتعليله باحتمال تخصيصه.
وذكر بعض أصحابنا أنه أقيس، وقاله بعض الأصوليين.
وبعضهم ذكر قولاً: أنه كما لم تعلم صفته.
ويأتي (6) في خطابه الخاص هل يعمنا؟.
وجه الأول: الآيات الدالة على التأسي، وأنه إِجماع الصحابة.
والتأسي: أن نفعل مثل فعله على وجهه لأجل فعله، وكذلك الترك.
__________
(1) انظر: المحصول / 3/ 373.
(2) هو: أبو يعقوب إسحاق بن إِبراهيم بن هانئ النيسابوري، ولد
سنة 218 هـ، وخدم الإِمام أحمد وهو ابن تسع سنين، وكان صاحب
دين وورع، توفي ببغداد سنة 275 هـ.
من مؤلفاته: مسائل الإِمام أحمد. انظر طبقات الحنابلة 1/ 108.
(3) انظر: مسائل الإِمام أحمد لابن هانئ النيسابوري 1/ 9.
(4) نهاية 44 أمن (ب).
(5) انظر: المسودة/ 67.
(6) انظر: ص 859 من هذا الكتاب.
(1/335)
والمتابعة: كالتأسي.
والموافقة: مشاركته في أمر وإِن لم يكن لأجله.
قال في التمهيد (1): وجوبه علينا -وإن علمنا أنه فعله للندب أو
الإِباحة- الإِجماع ودليل وجوب التأسي يمنعان منه.
وما (2) لم تعلم صفته:
فذكر القاضي (3) وغيره في وجوبه عليه وعلينا روايتين، واختلف
كلامه في اختياره وأن الوجوب قول جماعة من أصحابنا وقول
المالكية، وأن الندب قول التميمي (4) والظاهرية، وأن السرخسي
(5) الحنفي ذكره عن أصحابهم، واختاره -أيضًا- الفخر إِسماعيل
من أصحابنا، حكاه (6) بعضهم (7)، والذي في جدله (8) الإِباحة.
واختار الوجوب [جماعة] (9)، منهم ابن حامد (10)، وجزم (11) به
ابن
__________
(1) انظر: التمهيد/ 90 ب، وانظر: المعتمد/ 381.
(2) في (ظ): ولما لم.
(3) انظر: العدة/ 735، والواضح 2/ 195 أ.
(4) هو: أبو الحسن التميمي. انظر: المسودة/ 187.
(5) هو: أبو سفيان السرخسي. لم أعثر له على ترجمة.
(6) نهاية 36 أمن (ظ).
(7) انظر: المسودة/ 187.
(8) المسمّى: جَنَّة الناظر وجُنَّة الناظر: انظر: ذيل طبقات
الحنابلة 2/ 66.
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب)، (ح).
(10) تكرر هذا اللفظ في (ب).
(11) انظر: المسودة/ 72.
(1/336)
أبي موسى، واختاره في الواضح (1)، [وذكره
عن أصحابنا] (2) (3).
وعن أحمد: الوقف، واختاره (4) أبو الخطاب (5)، [وذكره] (6) قول
التميمي (7) وأكثر المتكلمين، وذكره غيره (8) عن (ع ر)، وقاله
الكرخي (9) الحنفي.
وللشافعية (10) كالمذاهب. (11)
واختار الجصاص (12) الحنفي (13) وصاحب (14) المحصول
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 127أ، 2/ 195 أ.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) نهاية 44 ب من (ب).
(4) في (ب) و (ح): "اختاره" بدون الواو.
(5) انظر: التمهيد/ 90 أ.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(7) هو: أبو الحسن التميمي. انظر: التمهيد/ 90 أ.
(8) انظر: العدة/ 738، والواضح 2/ 195 أ.
(9) انظر: أصول الجصاص/ 206 أ.
(10) في (ب) و (ظ): والشافعية.
(11) وهي: الوجوب، والندب، والوقف.
(12) في (ظ): الخصاص.
(13) انظر: أصول الجصاص/ 206 أ- 209أ، 210 ب.
(14) ذكر فخر الدين الرازي ما في المحصول 1/ 3/ 346: أن
المختار التوقف. ووجدت فخر الإِسلام البزدوي قد اختار في أصوله
الإباحة. انظر: كشف الأسرار 3/ 201=
(1/337)
الإِباحة، (1) وذكره الآمدي (2) مذهب (م).
وقال بعض أصحابنا (3): هل يحمل (4) على الإِباحة، أو الندب، أو
الوجوب، أو يتوقف في تعيين أحدها؟ هذا يحسن فيه الخلاف، وأن
رواية ابن إِبراهيم السابقة (5) أن فعله للندب إِن كان قربة،
أو الإِباحة إِن لم يكن؛ لأنه ذكر في مواضع كثيرة ما يدل على
نحو ذلك. هذا كلامه.
ومراد أحمد والأصحاب: ما فيه قصد قربة، وإِلا فلا وجه للوجوب
في غيره، والندب فيه محتمل.
وكذا ذكر بعض (6) أصحابنا (7) الخلاف لنا وللناس مع قصد
القربة، وإِلا فللإِباحة، وأنه (8) قول الجمهور، وأن قوماً
قالوا بالوجوب، وذكره بعضهم عن ابن سريج.
قال أبو المعالي (9): قدره أجل من هذا.
__________
=202، وتيسير التحرير 3/ 122. فيظهر أن المؤلف رأى هذا القول
منسوبًا للفخر، فظنه الفخر الرازي. والله أعلم.
(1) نهاية 91 من (ح).
(2) انظر: الأحكام 1/ 174.
(3) انظر: المسودة/ 68.
(4) في (ظ): هل يحمل الأمر على.
(5) انظر: ص335 من هذا الكتاب.
(6) انظر: المسودة 71/، 189.
(7) تكررت هذه الكلمة في (ب).
(8) في (ب): وأن.
(9) انظر: البرهان لأبي المعالي/ 493.
(1/338)
وقال جماعة بالندب هنا احتياطًا.
وذكر الشيرازي (1) عن أحمد -فيه-: الوجوب والندب.
وذكر الآمدي (2) عن أصحابنا وغيرهم الوجوب، قال: غير أن الوجوب
والندب فيه أبعد.
واختار الآمدي (3): أنه مشترك بين الوجوب والندب فيما فيه قصد
القربة، وإِلا بينهما وبين المباح، وما اختص به أحدها (4)
فمشكوك فيه.
القائل بالوجوب:
قوله: (واتبعوه (5)) (6).
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره) (7)، والفعل (8) [أمر] (9) كما
__________
(1) لعله: أبو الفرج المقدسي الشيرازي.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 1/ 174.
(3) انظر: المرجع السابق 1/ 174 - 175.
(4) في (ح) و (ظ): أحدهما.
(5) في (ظ): فاتبعوه.
(6) سورة الأعراف: آية 158: (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي
الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون)
(7) سورة النور: آية 63.
(8) نهاية 45 أمن (ب).
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(1/339)
يأتي (1).
(وما آتاكم الرسول فخذوه) (2).
(لقد كان لكم في (3) رسول الله أسوة حسنة) (4)، أي: تأسوا به.
(قل إِن كنتم تحبون الله فاتبعوني) (5)، ومحبته واجبة، فيجب
لازمها وهو اتباعه.
وقوله: (فلما قضى زيد) (6)، فلولا الوجوب لما رفع تزويجه الحرج
عن المؤمنين في أزواج أدعيائهم.
ولما خلع [رسول الله] (7) - صلى الله عليه وسلم - نعله في
الصلاة (8) (9) خلعوا،
__________
(1) يأتي في الأمر.
(2) سورة الحشر: آية 7.
(3) في (ب) لكم رسول.
(4) سورة الأحزاب: آية 21.
(5) سورة آل عمران: آية 31: (قل إِن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).
(6) سورة الأحزاب: آية 37: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه
وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله
مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً
زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إِذا
قضوا منهن وطرأ وكان أمر الله مفعولاً).
(7) ما بين المعقوفتين زيادة من (ح).
(8) في (ب): الصلة.
(9) نهاية 92 من (ح).
(1/340)
رواه (1) أحمد وأبو داود، من حديث أبي
سعيد، وصححه (2) ابن (3) خزيمة وابن حبان (4) والحاكم، وروي
مرسلاً (5).
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 3/ 20، 92، وأبو داود في سننه 1/ 426
- 427، والدارمي في سننه 1/ 260، والبيهقي في سننه 2/ 402 -
403 وذكر له عدة طرق.
(2) انظر: صحيح ابن خزيمة 1/ 384، وصحيح ابن حبان 3/ 469،
والمستدرك للحاكم 1/ 260 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي في التلخيص.
(3) هو: أبو بكر محمَّد بن إِسحاق بن خزيمة السلمي، إِمام
نيسابور في عصره، فقيه مجتهد عالم بالحديث، ولد في نيسابور سنة
223 هـ، ورحل إِلى العراق والشام ومصر، وتوفي بنيسابور سنة 311
هـ.
من مؤلفاته: صحيح ابن خزيمة، والتوحيد وإثبات صفات الرب.
انظر: الوافي بالوفيات 2/ 196، ومرآة الجنان 2/ 264، وطبقات
الشافعية للسبكي 3/ 109، والبداية والنهاية 11/ 149، وطبقات
الحفاظ اللسيوطي/ 310، وشذرات الذهب 2/ 262.
(4) هو: أبو حاتم محمَّد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن
معبد التميمي البستي الشافعي، محدث حافظ مؤرخ فقيه لغوي واعظ
مشارك في علم الطب والنجوم وغيرهما، ولد في "بست" من بلاد
سجستان سنة 270 هـ، وسمع خلائق بخراسان والعراق والحجاز والشام
ومصر وغيرها، وفقه الناس بسمرقند وولي قضاءها، وقدم نيسابور،
ثم خرج إِلى وطنه سجستان، وتوفي بمدينة "بست" سنة 354 هـ.
من مؤلفاته: صحيح ابن حبان، وروضة العقلاء في الأدب، والأنواع
والتقاسيم، ومعرفة المجروحين من المحدثين، والثقات.
انظر: اللباب 1/ 151، وتذكرة الحفاظ 3/ 125، وميزان الاعتدال
3/ 506، ومرآة الجنان 2/ 357، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 131،
ولسان الميزان 5/ 112، وشذرات الذهب 3/ 16.
(5) في التلخيص الحبير 1/ 278: ... واختلف في وصله وإرساله،
ورجح أبو حاتم في "العلل" الموصول.
(1/341)
ولما أمرهم بالتحلل في صلح الحديبية -رواه
(1) البخاري- تمسكوا بفعله.
وسأله - عليه السلام - رجل عن الغسل بلا إِنزال، فأجاب بفعله.
رواه (2) مسلم.
ولأنه أحوط، كنسيان تعيين صلاة (3) ومطلَّقة.
ولأنه كقوله في بيان مجمل، وتخصيص، وتقييد، فكان مطلقه للوجوب.
__________
(1) جاء ذلك في حديث طويل عن قصة الحديبية، رواه المسور بن
مخرمة، ومروان بن الحكم.
أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 193 - 198. وفيه 3/ 196 - : ...
فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -:
(قوموا فانحروا ثم احلقوا)، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى
قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة،
فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب
ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو
حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه
ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم
يحلق بعضًا.
وأخرجه أحمد في مسنده 4/ 323 - 326، 328، 331.
(2) أخرج مسلم في صحيحه/ 272: عن عائشة زوج النبي -صلى الله
عليه وسلم - قالت: إِن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه
وسلم - عن الرجل يجامع ثم يكسل، هل عليهما الغسل؟ -وعائشة
جالسة- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (إِني لأفعل ذلك
أنا وهذه ثم نغتسل).
وأخرجه الدارقطني في سننه 1/ 112، "والبيهقي في سننه 1/ 164.
(3) نهاية 36 ب من (ظ).
(1/342)
ولأن في مخالفته تنفيرًا وتركًا للحق؛ لأن
فعله حق. (1)
ورد الأول: بأنه كالتأسي، وهو غير معلوم، ذكره في التمهيد (2)
وغيره.
وقال الآمدي (3): في أقواله، للإِجماع أن المتابعة في الفعل
إِنما تحب بوجوبه، ومطلق الفعل غير معلوم.
ورد الثاني: بأن المراد أمر الله.
ثم: المراد به القول؛ لأنه حقيقة فيه، ولذكر (4) الدعاء قبله.
[ثم]: (5) التحذير من مخالفة فعله يستدعي وجوبه، فلو استفيد
وجوبه من التحذير كان دورًا.
وكذا جواب الثالث: لا يجب الأخذ حتى يجب الفعل، فلو وجب من
الآية دار، ثم: المراد: ما أمركم، لمقابلة: (وما نهاكم) (6).
وجواب الرابع والخامس: ما سبق (7) في التأسي والإِتباع.
وفي السادس مساواة حكمنا لحكمه، ولا يلزم وصف أفعاله كلها
__________
(1) في (ح) -هنا- زيادة: وكما لا يجب ترك ما تركه.
(2) انظر: التمهيد/ 91 أ -ب.
(3) انظر: الأحكام للآمدي 1/ 179.
(4) في (ظ): وكذكر.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب) و (ظ).
(6) سورة الحشر: آية 7: (وما نهاكم عنه فانتهوا).
(7) انظر ص 335 - 336 من هذا الكتاب.
(1/343)
بالوجوب ليجب (1) فعلنا.
وليس في الخلع وجوب، ثم: لدليل: إِما (صلوا كما رأيتموني
أصلي)، أو غيره.
والتحلل وجب بالأمر، لكن رجوا نسخه، فلما تحلل أيسوا، أو
بقوله: (خذوا عني مناسككم) (2)، رواه مسلم.
والغسل بلا إِنزال إِنما وجب بالقول (3)؛ ففي مسلم عن أبي موسى
(4): أنهم ذكروا ما يوجب الغسل، فسأل أبو موسى عائشة: ما يوجب
الغسل؟ فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِذا
جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل). (5)
__________
(1) نهاية 45 ب من (ب).
(2) هذا جزء من حديث رواه جابر- رضي الله عنه - مرفوعًا.
وقد ورد بلفظ: (لتأخذوا مناسككم)، وبلفظ: (فخذوا مناسككم)،
وبلفظ: (خذوا مناسككم)، وبلفظ: (لتأخذ أمتي مناسكها).
أخرجه مسلم في صحيحه/ 943 - 944، وأبو داود في سننه 2/ 495 -
496، والنسائي في سننه 5/ 270 وأحمد في مسنده 3/ 301، 318،
332، 337، 366، 367، 378.
ولم أجده بهذا اللفظ (خذوا عني مناسككم) إِلا في جامع الأصول
4/ 99، وفي الفتح الكبير للسيوطي 1/ 387، ونحوهما من كتب
التخريج.
(3) نهاية 93 من (ح).
(4) هو: الصحابي الجليل عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى
الأشعري.
(5) أخرجه مسلم في صحيحه/ 271 - 272، وأحمد في مسنده 6/ 97.=
(1/344)
أو بفعل هو (1) بيان لقوله: (وإِن كنتم
جنبًا). (2)
والاحتياط فيما ثبت وجوبه، كصلاة فائتة من يوم وليلة، أو الأصل
ثبوته، كالثلاثين من رمضان، فأما ما احتمل الوجوب وغيره فلا.
ولا يلزم من كون الفعل بياناً أن يوجب ما يوجب القول.
ويمنع التنفير، ولحصول المفارقة في أشياء، ولا يلزم من كونه
حقًا وجوبه.
فإِن قيل: فعله كتركه.
رد: لا يجب ترك ما ترك الأمر به، ويجب بالأمر.
وقال ابن عقيل (3): إِن فعل وترك مغايرًا بين شخصين أو مكانين
أو زمانين وجب الترك وإلا فلا، على أن بيانه علة تركه أكل (4)
الضب (5)،
__________
=وأحاديث الغسل من مس الختان الختان وردت بألفاظ متقاربة.
انظر: صحيح البخاري 1/ 62 وصحيح مسلم/ 271 - 272، وسنن أبي
داود 1/ 481، وسنن الترمذي 1/ 72 - 73، وسنن النسائي 1/ 110 -
111، وسنن ابن ماجه/ 199 - 200، ومسند أحمد 6/ 47، 112.
(1) في (ظ): وهو.
(2) سورة المائدة: آية 6 (وإن كنتم جنبًا فاطّهّروا).
(3) انظر الواضح 2/ 199 أ- ب.
(4) في (ب) و (ظ): وأكل.
(5) ورد ذلك في قصة الضب الذي قدم للرسول - صلى الله عليه وسلم
-، فلم يأكل منه حين أعلم أنه ضب، وقد جاءت تلك القصة من حديث
خالد بن الوليد.
أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 71، وفيه: .... فقال خالد بن
الوليد: أحرام=
(1/345)
وفسخ الحج (1) يعطي: أن تركه يجب الاقتداء
به، ولأنه لا يفسر ولا يخص، ولم يجعله القائل بالندب ندبًا.
كذا قال.
القائل بالندب: لأنه اليقين
وغالب فعله.
رد: بالمنع، وبما (2) سبق (3).
القائل بالإباحية: لأنها
متيقنة.
رد: بما سبق.
القائل بالوقف: (4)
لاحتماله الجميع، ولا صيغة له ولا ترجيح.
رد: بما سبق. (5)
وبأن الغالب: لا اختصاص، ولا عمل بالنادر.
وقال ابن عقيل (6): المتَّبَع لا يجوز إِمساكه عن بيان ما يخصه
لا سيما إِن
__________
=الضب يا رسول الله؟ قال: (لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني
أعافه).
وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1543 - 1544.
(1) وهي: سوق الهدي.
وقد ورد ذلك في حديث حفصة وجابر بن عبد الله، أخرجهما البخاري
في صحيحه 2/ 143، وأخرج مسلم في صحيحه / 884 - 885 حديث جابر.
(2) في (ب) و (ظ): بما.
(3) في (ب): سبع.
(4) نهاية 37 أمن (ظ).
(5) نهاية 46 أمن (ب).
(6) انظر: الواضح 2/ 200 أ.
(1/346)
ضر غيره؛ لأنه (1) غرور، ولو في طريق أو
أكل أو (2) شرب إِد عَلِم أنه قد يُتَّبَع، فكيف بعلمه
باتباعه؟
وقول (3) التميمي (4) وغيره بتجويز سهو أو غيره -حتى قيل:
يتوقف في دلالته على حكم حقه- ضعيف لما سبق، ولأنه لا يقر
عليه.
وقد قال القاضي (5): لا يفعل المكروه ليبين به الجواز؛ (6)
لأنه يحصل [فيه] (7) التأسي.
ومراده: "ولا معارض له"، وإلا فقد يفعل -غالبًا- شيئًا ثم يفعل
خلافه لبيان الجواز، وهو كثير عندنا وعند المذاهب، كقولهم -في
تركه (8)
__________
(1) في (ح): "بأن غروره لو".
(2) في (ب) و (ح): وشرب.
(3) انظر: المسودة/ 191.
(4) لعله أبو الحسن التميمي.
(5) انظر: المسودة/ 189.
(6) في (ب): أنه.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(8) هنا ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوضوء -مع
جنابة- لنوم: أخرجه أبو داود في سننه 1/ 154 - 155: حدثنا
محمَّد بن كثير، أخبرنا سفيان عن أبي إِسحاق عن الأسود عن
عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو
جنب من غير أن يمس ماء.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن
هارون يقول: هذا الحديث وهم. يعني حديث أبي إسحاق.=
(1/347)
الوضوء مع جنابة لنوم أو أكل أو معاودة
وطء-: تركه لبيان الجواز،
__________
=وأخرج الترمذي في سننه 1/ 78: حدثنا هناد، حدثنا أبو بكر بن
عياش عن الأعمش عن أبي إِسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب ولا يمس ماء.
حدثنا هناد، حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إِسحاق: نحوه.
قال الترمذي: وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي -
صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يتوضأ قبل أن ينام. وهذا أصح من
حديث أبي إِسحاق عن الأسود، وقد روى عن أبي إِسحاق هذا الحديث
شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إِسحاق.
وأخرج ابن ماجه في سننه/ 192: حدثنا محمَّد بن الصباح، حدثنا
أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إِسحاق عن الأسود عن عائشة
قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجنب ثم ينام ولا
يمس ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص عن أبي إِسحاق عن
الأسود عن عائشة قالت: إِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
إِن كانت له إِلى أهله حاجة قضاها ثم ينام كهيئته لا يمس ماء.
حدثنا علي بن محمَّد، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن أبي إِسحاق
عن الأسود عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان
يجنب ثم ينام كهيئته لا يمس ماء.
قال سفيان: فذكرت الحديث يومًا، فقال لي إِسماعيل: يا فتى! يشد
هذا الحديث بشيء.
وفي مسند أبي حنيفة/ 40: عن أبي إِسحاق عن الأسود عن عائشة
قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصيب أهله أول
الليل ولا يصيب ماء، فإذا استيقظ من آخر الليل عاد واغتسل.
وقد أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 124 وما بعدها، من
طرق عن أبي إِسحاق عن الأسود عن عائشة، وبألفاظ، وذكر أن بعض
العلماء قالوا:=
(1/348)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
__________
=هذا الحديث غلط؛ لأنه حديث مختصر اختصره أبو إِسحاق من حديث
طويل فأخطأ في اختصاره إِياه؛ قال: وذلك أن فهداً حدثنا، قال:
حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو إِسحاق، قال:
أتيت الأسود بن يزيد -وكان لي أخًا وصديقًا- فقلت: يا أبا
عمرو، حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين عن صلاة رسول - صلى
الله عليه وسلم - فقال: قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إِن كانت له حاجة قضى
حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماء، فإِذا كان عند النداء الأول
وثب -وما قالت: "قام" -فأفاض عليه الماء- وما قالت: "اغتسل"
وأنا أعلم ما تريد- وإن كان جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة.
فهذا الأسود بن يزيد قد أبان في حديثه لما ذكرناه بطوله أنه
كان إِذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوء الرجل للصلاة، وأما
قولها: "فإِن كانت له حاجة قضاها، ثم ينام قبل أن يمس ماء"
فيحتمل أن يكون قدر ذلك على الماء الذي يغتسل به لا على
الوضوء.
وقد بين ذلك غير أبي إِسحاق عن الأسود عن عائشة أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ وضوءه للصلاة ...
ثم قال: فثبت -بما ذكرنا- فساد ما روي عن أبي إِسحاق عن الأسود
... ثم قال: وقد يحتمل -أيضًا- أن يكون ما أراد أبو إِسحاق في
قوله: "ولا يمس ماء" يعني الغسل.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/ 201 - 202 ... كما سبق في
شرح معاني الآثار" ثم قال: إِن الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة
"ولا يمس ماء"، وتوهموها مأخوذة عن غير الأسود، وأن أبا إِسحاق
ربما دلس فرأوها من تدليساته ... قال الشيخ: وحديث أبي إِسحاق
السبيعي صحيح من جهة الرواية؛ وذلك أن أبا إِسحاق بيّن سماعه=
(1/349)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
__________
=من الأسود في رواية زهير بن معاوية عنه، والمدلس إِذا بيّن
سماعه ممن روى عنه -وكان ثقة- فلا وجه لرده.
وذكر النووي في شرح صحيح مسلم 3/ 218 كلام العلماء في هذا
الحديث، ثم قال -ما معناه-: فبان بما ذكرناه ضعف الحديث، ولو
صح فهناك موقفان منه: أحدهما: ما ذكره أبو العباس بن سريج وأبو
بكر البيهقي: أن المراد لا يمس ماء للغسل. والثاني -قال: وهو
عندي حسن-: أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلاً
لبيان الجواز؛ إِذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه. والله أعلم.
المسألة الثانية: ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوضوء
-مع جنابة- لأكل:
ورد في الحديث اقتصار الرسول - صلى الله عليه وسلم - على غسل
يديه -مع جنابة- لأكل، روته عائشة رضي الله عنها.
أخرجه أبو داود في سننه 1/ 150 - 151 والنسائي في سننه 1/ 139،
وابن ماجه في سننه/ 195، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 60،
والدارقطني في سننه 1/ 125 - 126، والطحاوي في شرح معاني
الآثار 1/ 128، والبيهقي في سننه 1/ 203.
المسألة الثالثة: ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوضوء
-مع جنابة- لمعاودة الوطء:
أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 127: حدثنا ابن مرزوق،
قال: حدثنا معاذ ابن فضالة، قال: حدثنا يحيى بن أيوب عن أبي
حنيفة وموسى بن عقبة عن أبي إِسحاق الهمداني عن أبي الأسود بن
يزيد عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- يجامع ثم يعود ولا يتوضأ، وينام ولا يغتسل.
(1/350)
وفعله (1) غالبًا للفضيلة.
وتشبيكه في حديث ذي (2) اليدين في المسجد (3) لا ينفي (4)
__________
(1) هنا ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: وضوء الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنوم،
وهو جنب: جاء ذلك في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها.
أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 61، ومسلم في صحيحه/ 248 - 249،
وأبو داود في سننه 1/ 150 - 152، والترمذي في سننه 1/ 78،
والنسائي في سننه 1/ 138، 139، وابن ماجه في سننه/ 193.
المسألة الثانية: وضوء الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأكل،
وهو جنب: جاء ذلك في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها.
أخرجه مسلم في صحيحه/ 248، وأبو داود في سننه 1/ 151 - 152،
والنسائي في سننه 1/ 138، وابن ماجه في سننه/ 194.
المسألة الثالثة: وضوء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاودة
الوطء وهو جنب:
لم أجد نقلاً يفيد فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لذلك،
وإنما الذي وجدته قول الرسول في هذا الموضوع؛ وذلك في الحديث
الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
أخرجه مسلم في صحيحه/ 249: ... عن أبي سعيد الخدري قال: قال
رسول الله: (إِذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ).
وأخرجه أبو داود في سننه 1/ 149 - 150، والترمذي في سننه 1/ 94
وقال: "حسن صحيح"، والنسائي في سننه 1/ 142، وابن ماجه في
سننه/ 193.
(2) نهاية 94 من (ح)
(3) انظر ص 323 من هذا الكتاب.
(4) في (ب): لا تبقي.
(1/351)
الكراهة؛ لأنه نادر.
وحمل (1) الحنفية (2) وضوءه (3) بسؤر الهرة على بيان الجواز مع
__________
(1) في (ب): وحمله.
(2) انظر: بدائع الصنائع/ 224 - 225.
(3) وضوء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسؤر الهرة:
أ- أخرج أبو داود في سننه 1/ 61: ... أن عائشة قالت: ... وقد
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بفضلها. تعني
الهرة، وأخرجه الدارقطني في سننه 1/ 70.
ب- أخرج ابن ماجه في سننه 1/ 13: ... عن عائشة قالت: كنت أتوضأ
أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إِناء واحد قد أصابت
منه الهرة قبل ذلك.
وأخرجه الدارقطني في سننه 1/ 69، وأخرجه الدارقطني -أيضًا-
والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 19، بلفظ: كنت أغتسل ...
وفي إِسناد هذا الحديث: حارثة بن أبي الرجال، وقد جاء في ميزان
الاعتدال 1/ 445 - 446: "ضعفه أحمد وابن معين. وقال النسائي:
متروك. وقال البخاري: منكر الحديث لم يعتد به أحد. وعن ابن
المديني قال: لم يزل أصحابنا يضعفونه. وقال ابن عدي: عامة ما
يرويه منكر".
وفي نصب الراية للزيلعي 1/ 134: قال الدارقطني: وحارثة لا بأس
به.
ج- أخرج الدارقطني في سننه 1/ 66 - 67: ... عن عائشة أنها
قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر به الهر فيصغي
لها الإِناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها.
في إِسناده: عبد الله بن سعيد المقبري، وهو ضعيف. انظر: ميزان
الاعتدال 2/ 429.
وأخرجه الدارقطني -أيضًا- في سننه 1/ 70، من طريق آخر ...
وفي إِسناده محمَّد بن عمر الواقدي، وهو ضعيف الحديث. انظر:
ميزان الاعتدال 3/ 662 - 666.=
(1/352)
الكراهة.
ثم: التأسي والوجوب (1) بالسمع لا بالعقل (2) خلافاً لبعض
__________
=وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 19، من طريق آخر ...
د- أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 19: عن كعب بن عبد
الرحمن عن جده أبي قتادة قال: رأيته يتوضأ، فجاء الهر، فأصغى
له حتى شرب من الإِناء، قلت: يا أبتا! لم تفعل هذا؟ فقال: كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله، أو قال: "هي من الطوافين
عليكم".
هـ - أخرج الطبراني في معجمه الصغير 1/ 227 - 228: حدثنا عبد
الله بن محمَّد ابن الحسن بن أسيد الأصبهاني، حدثنا جعفر بن
عنبسة الكوفي، حدثنا عمر بن حفص المكي عن جعفر بن محمَّد عن
أبيه عن جده علي بن الحسين عن أنس بن مالك قال: خرج رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - إِلى أرض بالمدينة يقال لها (بطحان)
فقال: (يا أنس، اسكب لي وضوءًا)، فسكبت له، فلما قضى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - حاجته أقبل إِلى الإِناء وقد أتى هو
فولغ في الإِناء، فوقف له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وقفة حتى شرب الهر، ثم توضأ، فذكرت لرسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أمر الهر، فقال: (يا أنس، إِن الهر من متاع البيت لن
يقذر شيئًا ولن ينجسه).
لم يروه عن جعفر إِلا عمر بن حفص، ولا روى عن علي بن الحسين عن
أنس حديثًا غير هذا. أهـ.
في لسان الميزان 2/ 120: جعفر بن عنبسة الكوفي: قال ابن
القطان: لا يعرف. وقال البيهقي في الدلائل -في إِسناد هو فيه-:
إِسناد مجهول. قلت: وذكره الطوسي في رجال الشيعة، وقال: ثقة.
وفي ميزان الاعتدال 3/ 190: عمر بن حفص المكي: لا يدرى من ذا؟
(1) انظر: العدة/ 745، 749، والمسودة/ 186، 189، وشرح الكوكب
المنير 2/ 179.
(2) في (ب) و (ظ): لا بالفعل.
(1/353)
الأصوليين.
وسبق (1) دليل [ذلك] (2) وجوابه.
مسألة
إِذا سكت - عليه السلام - عن إِنكار فعل أو قول بحضرته أو زمنه
قادرًا عالمًا به، فإِن كان معتقدًا لكافر كمضيّه إِلى كنيسة
فلا أثر لسكوته اتفاقًا، وإِلا دل على جوازه -وإِن سبق تحريمه
فنسخ- لئلا يكون سكوته محرمًا، ولأن فيه تأخير البيان عن وقت
الحاجة لإِيهام الجواز والنسخ، لا سيما إِن استبشر به، ولذلك
احتج (3) الشافعي وأحمد في إِثبات النسب بالقيافة بحديث عائشة:
أن (4) مُجَزِّزًا (5) المدلجي رأى زيد بن حارثة وابنه أسامة،
فقال: "إِن هذه الأقدام بعضها من بعض"، فسر النبي - صلى الله
عليه وسلم - وأعجبه. متفق عليه. (6)
__________
(1) انظر: ص 285، 288 من هذا الكتاب.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) انظر: البرهان للجويني/ 499، والشرح الكبير 6/ 403.
(4) نهاية 46 ب من (ب).
(5) في (ب): محرز. وفي (ظ): مجزز.
(6) أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 189، 8/ 157، ومسلم في صحيحه/
1081 - 1082، وأبو داود في سننه 2/ 698، والترمذي في سننه 3/
298 وقال: "حسن صحيح"، والنسائي في سننه 6/ 184، وابن ماجه في
سننه/ 787، وأحمد في مسنده 6/ 82، 226.
(1/354)
وضعف
(1) ابن الباقلاني وأبو المعالي هذه الحجة؛ لأن ترك إِنكاره
لموافقة الحق.
وسرَّ لإِلزام من طعن في نسب أسامة بما يلزمه على اعتقاده في
إِثبات النسب بالقافة.
ورد: بأن موافقة الحق لا تجوّز تركَ إِنكار طريقٍ منكر؛ لئلا
يتوهم أنها حق.
ولا يرتفع إِلزامه بالإِنكار؛ لأنه أُلزم باعتقاده وإن أنكره
مُلزِمه.
مسألة
فعلاه - عليه السلام - إِن [تماثلا] (2) كالظهر مثلاً في
وقتين، أو اختلفا وأمكن اجتماعهما كصوم وصلاة، أوْ لا لكنه لا
يتناقض حكماهما: فلا تعارض، (3) لإِمكان الجمع.
وكذا إِن تناقض كصومه في وقت (4) بعينه (5) وأكله في مثله،
لإِمكان كونه واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا، وفي الوقت الآخر
بخلافه من غير أن يكون أحدهما رافعًا أو مبطلاً لحكم (6)
الآخر؛ إِذ (7) لا عموم لفعل، لكن إِن دل
__________
(1) انظر: البرهان للجويني/ 499.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(3) نهاية 37 ب من (ظ)
(4) نهاية 95 من (ح).
(5) في (ب): بعيبه.
(6) في (ب): الحكم.
(7) في (ب): إِذا.
(1/355)
دليل على وجوب تكرر صومه عليه، أو وجوب
التأسي به في مثل ذلك الوقت، فتلبس بضده كالأكل مع قدرته على
الصوم دل أكله على نسخ دليل تكرار الصوم في حقه، لا نسخ حكم
الصوم السابق لعدم اقتضائه للتكرار، ورفعُ حكم وُجِد محال، أو
أقر من أكل في مثله من الأمة فنسخ لدليل (1) تعميم الصوم على
الأمة في حق ذلك الشخص أو تخصيصه.
وقد يطلق النسخ والتخصيص على الفعل بمعنى زوال التعبد به (2)
مجازًا.
وذكر بعض أصحابنا (3): "أن كثيراً من العلماء [قال] (4) في
فعليه المختلفين: الثاني ناسخ للأول وإلا تعارضا، ومال الشافعي
إِليه لتقديمه (5) حديث سهل (6) على حديث ابن عمر في صلاة
الخوف (7)،
__________
(1) في (ب): كدليل.
(2) نهاية 47 أمن (ب).
(3) انظر: المسودة/ 69.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(5) في (ب) و (ح): كتقديمه.
(6) هو: الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن سهل بن أبي حثمة بن
ساعدة.
(7) قال الشافعي في الرسالة/ 244 - 245: والذي أخذنا به في
صلاة الخوف: أن مالكاً أخبرنا عن يزيد بن رومان عن صالح بن
خوات عمن صلى مع رسول الله صلاة الخوف يوم ذات الرقاع: أن
طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى الذين معه ركعة ثم ثبت
قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، فصفوا وجاه العدو، وجاءت
الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم تبت
جالسًا، وأتموا لأنفسهم، ثم=
(1/356)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. .
__________
=سلم بهم.
قال -أعني الشافعي-: أخبرنا من سمع عبد الله بن عمر بن حفص
يخبر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمَّد عن صالح بن
خوات بن جبير عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثله.
قال -أعني الشافعي-: وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
صلى صلاة الخوف على غير ما حكى مالك، وإنما أخذنا بهذا دونه
لأنه كان أشبه بالقرآن وأقوى في مكايدة العدو.
وانظر: الأم 1/ 210 - 211 وما بعدها.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 114، ومسلم في صحيحه/
575 - 576، وأبو داود في سننه 2/ 30 - 31، والترمذي في سننه 2/
40 - 41 وقال: "حسن صحيح"، والنسائي في سننه 3/ 171، والشافعي
(انظر: بدائع السنن 1/ 202، وترتيب مسند الشافعي 1/ 177،
والرسالة/ 182، 244، والأم 1/ 210، واختلاف الحديث -المطبوع
آخر الأم- 8/ 526).
وقوله في الحديث: "عمن صلى مع رسول الله صلاة الخوف" قال في
فتح الباري 8/ 426: قيل: اسم هذا المبهم سهل بن أبي حثمة، ولكن
الراجح أنه أبوه خوات ابن جبير ...
أقول: وهذا الذي رجحه هو ما صرح به الشافعي في الرسالة/ 263،
وفي اختلاف الحديث -المطبوعِ آخر الأم-8/ 526.
وجاء في كتاب اختلاف الحديث -المطبوع آخر الأم- 8/ 526 بعد
إِيراده الحديث السابق: قال الشافعي: وأخذنا بهذا في صلاة
الخوف إِذا كان العدو في غير جهة القبلة أو جهتها غير مأمونين،
لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وموافقته للقرآن، قال:
وروى ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف
شيئًا يخالف فيه هذه الصلاة؛ روى: أن طائفة صفت مع=
(1/357)
واختيار (1) ابن الباقلاني وأبو المعالي
(2): أنه يفيد جواز الأمرين ما لم يتضمن أحدهما حظراً (3)،
وأنه ظاهر كلام أحمد في مسائل كثيره, لكن آخر الفعل أولى
الفضيلة".
مسألة
إِذا تعارض فعله وقوله:
فإِن لم يدل دليل على تكرره في حقه، ولا على التأسي به، والقول
__________
=النبي - صلى الله عليه وسلم -، وطائفة وجاه العدو، فصلى
بالطائفة التي معه ركعة، ثم استأخروا ولم يتموا الصلاة، فوقفوا
بإِزاء العدو، وجاءت الطائفة التي كانت بإِزاء العدو، فصلوا
معه الركعة التي بقيت عليه، ثم انصرفت، وقامت الطائفتان معاً،
فأتموا لأنفسهم.
أقول: حديث ابن عمر في صلاة الخوف أخرجه البخاري في صحيحه 2/
14، 5/ 114، ومسلم في صحيحه/ 574، وأبو داود في سننه 2/ 35،
والترمذي في سننه 2/ 39 - 40 وقال: "حسن صحيح"، والنسائي في
سننه 3/ 171، والدارمي في سننه 1/ 295 - 296، وأحمد في مسنده
2/ 147 - 148، والبيهقي في سننه 3/ 260. وجاء في كتاب اختلاف
الحديث -المطبوع في آخر الأم- 8/ 526: قال الشافعي: فإن قال
قائل: كيف أخذت بحديث خوات بن جبير دون حديث ابن عمر؟ قيل:
لمعنيين ...
وانضر: الرسالة/ 182 وما بعدها، 244 - 245، 259 - 267، والأم
1/ 210 وما بعدها، وكتاب اختلاف الحديث -المطبوع في آخر الأم-
8/ 526.
(1) في (ظ): واختاره.
(2) انظر: البرهان لأبي المعالي/ 497.
(3) في (ح) و (ب): خطرًا.
(1/358)
خاص [به] (1)، وتأخر -كفعله فعلاً في وقت،
ثم يقول: "لا يجوز لي مثله في مثله"- فلا تعارض، لإِمكان
الجمع، لعدم تكرار (2) الفعل، فلم يكن رافعًا لحكم (3) في
الماضي ولا المستقبل.
وإِن تقدم القول -كقوله: "يجب علي كذا وقت كذا"، وتلبس بضده
فيه- (4) فالفعل ناسخ لحكمه عند من جوز النسخ قبل التمكن من
الفعل، كالأشهر عندنا، ومن لم يجوزه -كالمعتزلة- منعه، وقال:
لا يتصور تعمده إِن قيل بالعصمة، وإِلا فمعصية.
وإِن جهل (5) فالثلاثة (6) في (7) التكرار والتأسي والقول خاص
به.
وإِن اختص القول بنا فلا تعارض، تقدم أو تأخر؛ لا نه لم يتحد
محلهما.
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(2) في (ب): تكرام.
(3) في (ح): لحكمه.
(4) نهاية 96 من (ح).
(5) يعني: المتقدم منهما.
(6) وهي: تقديم القول، وتقديم الفعل، والتوقف.
(7) يعني: الآتية فيما إِذا دل دليل على تكرره في حقه، وعلى
التأسي به، والقول خاص به، وجهل المتقدم.
(1/359)
وإِن عم، وتقدم الفعل فلا تعارض في حقه لما
سبق (1)، ولا في حقنا؛ لأن فعله لم يتعلق بنا.
وإن تقدم القول فالحكم في حقه كما سبق (2) في القول الخاص به،
ولا تعارض في حقنا؛ لأنهما لم يتواردا علينا.
فإِن كان العام ظاهرًا فيه (3) فالفعل تخصيص كما يأتي. (4)
* * *
وإِن دل على تكرره في حقه، وعلى التأسي به، والقول خاص به
فالمتأخر (5) ناسخ في حقه، لكن الفعل ينسخ (6) القول المتقدم
بعد التمكن من الامتثال، وقبله فيه الخلاف، وموجب الفعل (7)
علينا.
وإن جهل فلا تعارض في حقنا؛ لأن القول لم يعمنا، وفي حقه: قيل:
يجب العمل بالقول، وقيل: بالفعل، وقيل: بالوقف للتحكم.
وفي التمهيد (8) -فيما يرد به الخبر-: إِن ورد خبر يخالف فعله:
إِن لم
__________
(1) من عدم وجوب تكرر الفعل.
(2) فالفعل ناسخ.
(3) يعني: في النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(4) من أن الأخص يخصص الأعم إِذا تخالفا، تقدم العام أو تأخر؛
لأن التخصيص أهون من النسخ. انظر: شرح العضد 2/ 27. وانظر: ص
950، 966 من هذا الكتاب.
(5) نهاية 47 ب من (ب).
(6) نهاية 38 أمن (ظ).
(7) في (ب): الوجب.
(8) انظر: التمهيد/ 122 ب.
(1/360)
يعمه (1) فلا تعارض، وإلا تعارضا، فالتخصيص
ثم المتواتر ثم الترجيح ثم التوقف. والله أعلم.
وإِن اختص القول بنا فلا معارضة فيه، والمتأخر ناسخ في حقنا.
فإِن جهل فالثلاثة.
واختار جماعة (2) العمل بالقول هنا؛ لأنه يدل بنفسه، ويقبل
التأكيد بالقول، ويعبر به عن معقول ومحسوس، والعمل به -هنا-
ينسخ مقتضى الفعل عنا دونه، والفعل يدل بواسطة أنه لا يفعل
محرمًالأولا يقبل تأكيدًا، ويختص بمحسوس، والعمل به يبطل
القول، والجمع بوجه أولى.
واعترض: بأن (3) الفعل مبيِّن للقول كبيان الصلاة والحج به،
فهو آكد، ولهذا: من بالغ في تفهيم أكد قوله بإِشارة ونحوها.
رد: القول مبيِّن لأكثر الأحكام، ويبين الفعل في بيان وجه
وقوعه، ولو تساويا ترجح القول بما سبق.
وكذا اختار (4) في التمهيد (5): إِذا تعارض قوله وفعله من كل
وجه
__________
(1) يعني: إِن لم يعم فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(2) انظر: شرح العضد 2/ 27.
(3) نهاية 97 من (ح).
(4) في (ظ): اختاره.
(5) انظر: التمهيد/ 92 أ-ب.
(1/361)
فالمتأخر ناسخ فيه وفينا، فإِن جهل عمل
بالقول. والله أعلم.
وإِن عم القول فالمتأخر ناسخ في حقه وحقنا، والمراد: إِن اقتضى
القول التكرار فالفعل ناسخ للتكرار، وإِلا فلا معارضة، وذكره
(1) بعضهم.
وإِن جهل فالثلاثة.
* * *
وِإن دل على تكرره في حقه، لا تأس، واختص القول بنا فلا
معارضة، لعدم المزاحمة، أو به أو عَمَّ فلا معارضة في حقنا،
لعدم دليل التأسي (2)، وفي حقه (3): المتأخر ناسخ، فإِن جهل
فالثلاثة.
* * *
وإِن دل على تأس، لا [على] (4) تكرره في حقه، واختص القول به،
وتأخر فلا معارضة فيه وفينا، لعدم تكرر (5) الفعل وتواردهما في
محل واحد.
وإِن تقدم فالفعل ناسخ في حقه.
فإِن جهل فالثلاثة.
__________
(1) نهاية 48 أمن (ب).
(2) في (ب): الناسخ.
(3) في (ب): في حق.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة من (ظ).
(5) في (ب): تكور.
(1/362)
وإِن اختص بنا فلا معارضة فيه، لعدم
المزاحمة، وفينا: المتأخر ناسخ، فإِن جهل فالثلاثة.
وإن عم، وتقدم الفعل فلا معارضة فيه، وفينا: القول ناسخ.
وإن تقدم القول فالفعل ناسخ، وبعد التمكن من العمل بمقتضى
القول لا معارضة فيه وفينا، إِلا أن يقتضي القول التكرار،
فالفعل ناسخ للتكرار.
فإِن جهل فالثلاثة.
مسألة
قال بعض أصحابنا: فعل الصحابي: هل هو (1) مذهب (2) له؟ فيه
وجهان (3)، وفي الاحتجاج به نظر.
واحتج القاضي في الجامع الكبير (4) -في قضاء المغمى عليه
الصلاة- بفعل (5)
__________
(1) انظر: التحرير/ 117، وشرح الكوكب المنير 2/ 208.
(2) نهاية 98 من (ح).
(3) أحدهما: أنه مذهب له، وهو أصح الوجهين.
والثاني: أن فعل الصحابي إذا خرج مخرج القربة يقتضي الوجوب
قياسًا على فعله - صلى الله عليه وسلم -.
انظر: شرح الكوكب المنير 2/ 208.
(4) وهو كتاب في الفروع - للقاضي أبي يعلى.
انظر: طبقات الحنابلة 5/ 205.
(5) أخرج الدارقطني في سننه 2/ 81: ... عن السدي عن يزيد مولى
عمار: أن عمار ابن ياسر أغمي عليه في الظهر والعصر والمغرب
والعشاء، فأفاق نصف الليل، فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
(1/363)
عمار (1) وغيره، وقال: فعل الصحابة إِذا
خرج مخرج القربة يقتضي الوجوب، كفعله عليه السلام.
وقد قال قوم: لو تصور اتفاق أهل الإِجماع على عمل لا قول منهم
فيه كان كفعل الرسول؛ لثبوت العصمة، واختاره أبو المعالي (2)
خلافاً لابن الباقلاني.
قال بعض أصحابنا (3): الأول قول الجمهور حتى أحالوا الخطأ منهم
فيه إِذا (4) لم (5) يشترطوا انقراض العصر.
__________
=وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1/ 388 بالسند المذكور.
وفي التعليق المغني على سنن الدارقطني 2/ 81 - 82: قوله: "عن
السدي" هو إِسماعيل بن عبد الرحمن السدي، كان يحيى بن معين
يضعفه، وكان يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي لا يريان به
بأسًا، ولم يحتج به البخاري (انظر: ميزان الاعتدال 1/ 236)،
وشيخه -يزيد مولى عمار- مجهول، والحديث رواه البيهقي في
المعرفة، وقال: قال الشافعي: هذا ليس بثابت عن عمار، ولو ثبت
فمحمول على الاستحباب. والله أعلم.
وفي الجوهر النقي على سنن البيهقي 1/ 387: قلت: سكت عنه، وسنده
ضعيف.
(1) هو: الصحابي الجليل عمار بن ياسر.
(2) انظر: البرهان لأبي المعالي/ 715.
(3) انظر: المسودة/ 334.
(4) كذا في النسخ. ولعل الأقرب: "إِذ".
(5) نهاية 48 ب من (ب).
(1/364)
الجزء الثاني
(2/364)
|