أصول الفقه لابن مفلح مسألة في مستند
الراوي الصحابي
فإِذا قال: "قال - صلى الله عليه وسلم - كذا" حمل على سماعه
منه عند أصحابنا وأكثر العلماء؛ لأنه الظاهر.
وعند ابن (6) الباقلاني (7): لا يحمل؛ لاحتماله، وقاله (8) أبو
__________
(1) انظر: المسودة / 292.
(2) نهاية 60 ب من (ظ).
(3) انظر: البلبل/ 62.
(4) نهاية 79 ب من (ب).
(5) انظر: ص 542 وما بعدها من هذا الكتاب.
(6) في (ح): وعند أبي الخطاب.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 95، والمسودة/ 260، وشرح العضد
2/ 68.
(8) في (ح): وقاله ابن الباقلاني.
(2/580)
الخطاب (1)، وذكره قول الأشعرية، وأنه ظاهر
قول من نصر أن المرسل ليس بحجة، فظاهره كمرسل؛ لاحتمال سماعه
من تابعي.
والأشهر: ينبني (2) على عدالة الصحابة [لظهور سماعه منهم] (3).
مسألة
إِذا قال: "أمر - عليه السلام - بكذا أو نهى، أو أمرنا أو
نهانا" -ونحوه- فهو حجة عند أحمد (4) وعامة العلماء، خلافًا
لبعض المتكلمين.
ونقل (5) عن داود قولان (6).
ومن خالف في التي قبلها ففيها أولى.
لنا: أنه الظاهر من حاله؛ لأنه عدل عارف، ومعرفة حقيقة ذلك من
اللغة، وهم أهلها، ولا خلاف بينهم فيه، ولهذا ذكره (7) للحجة
ورجع إليه الصحابة.
مسألة
إِذا قال: "أمرنا أو نهينا" -ونحوه- فحجه عندنا وعند الأكثر
__________
(1) انظر: التمهيد/ 127 أ.
(2) نهاية 164 من (ح).
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) انظر: العدة/ 1000.
(5) في (ح): وحكي.
(6) انظر: الواضح 2/ 29 ب.
(7) في (ب): ذكر.
(2/581)
[منهم: (ش) (1)] (2)، وذكره بعض الشافعية
(3) عن أهل الحديث؛ لما سبق، خلافًا (4) للكرخي وأبي بكر
الرازي (5) وابن الباقلاني (6) والصيرفي (7) وغيرهم.
وقال بعض أصحابنا (8): إِن اقترن به [أن الأمر على عهده -عليه
السلام - لم يتوجه الخلاف] (9).
وقال (10) بعض أصحابنا (11): يحتمل أراد أمر الله بناء على
تأويل أخطأ فيه، فيخرج قبوله -إِذًا- على كون مذهبه حجة. كذا
قال. (12)
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 97.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 24.
(4) انظر: تيسير التحرير 3/ 69.
(5) انظر: أصول الجصاص/ 203 ب.
(6) انظر: المسودة/ 296.
(7) انظر: المرجع السابق.
(8) انظر: المرجع السابق/ 295.
(9) ما بين المعقوفتين من (ح). وقد ورد ذكره في (ب) و (ظ)
متأخرًا، وسأشير إِليه بعد قليل.
(10) في (ب) و (ظ): قال.
(11) انظر: البلبل/ 64.
(12) جاء -هنا- في (ب) و (ظ): أن الأمر على عهده - عليه السلام
- لم يتوجه الخلاف.
(2/582)
واحتج ابن عقيل (1) بأنه لو قال: "رُخص في
كذا" فحجة بلا خلاف. كذا قال.
مسألة
ومثلها: من (2) السنة.
واختار (3) أبو المعالي (4): لا تقتضي سنته عليه السلام.
مسألة
إِذا قال: "كنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نفعل
كذا" ونحو ذلك، فأطلق في التمهيد (5) والروضة (6): أنه حجة،
وذكره أبو الطيب (7) ظاهر مذهبهم؛ لأنه في معرض الحجة، فالظاهر
بلوغه وتقريره.
وخالف (8) الحنفية (9).
__________
(1) انظر: الواضح 2/ 31 ب، والمسودة/ 293.
(2) نهاية 80أمن (ب).
(3) في (ب): واختاره.
(4) انظر: البرهان/ 649.
(5) انظر: التمهيد/ 126 ب.
(6) انظر: روضة الناظر / 92.
(7) انظر: المسودة/ 297.
(8) في (ح): وعند الحنفية: ليس بحجة.
(9) الذي في تيسير التحرير 3/ 70، وفواتح الرحموت 2/ 162 موافق
للأول. ويظهر أن المؤلف تبع ما في المسودة/ 297.
(2/583)
وأطلق القاضي في الكفاية (1) احتمالين (2).
ويتوجه احتمال: ما يشيع (3) مثله فقط حجة، وقاله الشافعي (4).
ولم يذكر الأصوليون أنه حجة لتقرير الله له.
وذكره بعض أصحابنا (5) محتجًا بقول (6) جابر: "كنا نعزل،
والقرآن ينزل (7)، لو كان شيء (8) ينهى عنه لنهانا عنه
القرآن". متفق عليه.
مسألة
إِذا قال: "كانوا يفعلون كذا" (9) فحجة (وهـ) (10)، واختاره
الآمدي (11)
__________
(1) انظر: المسودة/ 297.
(2) جاء -هنا- في (ح) عبارة: (وذكر أبو الطيب الأول ظاهر مذهب
الشافعي) وهو مكرر مع قوله -فيما تقدم-: (وذكره أبو الطيب ظاهر
مذهبهم).
(3) قوله: (ما يشيع مثله فقط حجة) جاء -مكانه- في (ح): (إن كان
مما يشيع مثله فحجة، والإ فلا).
(4) انظر: المسودة/ 297.
(5) انظر: المرجع السابق/ 298.
(6) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 33 - دون قوله: لو كان ... -
ومسلم في صحيحه / 1065.
(7) نهاية 165 من (ح).
(8) في صحيح مسلم: شيئًا.
(9) نهاية 61 أمن (ظ).
(10) انظر: تيسير التحرير 3/ 69.
(11) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 99.
(2/584)
وغيره، وذكروه عن الأكثر، خلافا لقوم من
الشافعية وغيرهم، وجزم به بعض متأخري أصحابنا (1). كذا قال.
وفي شرح مقدمة (2) مسلم -عن جمهور المحدثين والفقهاء
والأصوليين-: موقوف، فالخلاف (3) في قول الصحابي، انتشر أوْ
لا.
وهو مراد (4) القاضي (5) وأبي الخطاب (6) أنه إِجماع؛ لأنه
ظاهر اللفظ في معرض الحجة، وجازت مخالفته لأن طريقه ظني كخبر
واحد.
واقتصر بعض أصحابنا على قوله: انصرف إِلى فعل الأكثرين. كذا
قال، وسَوَّى بين "كنا" و"كانوا"، وكذ اسَوَّى الآمدي (7)
وغيره، وهو متجه، واقتصار [بعض (8)] (9) أصحابنا على "كانوا"
لا يدل على التفرقة.
__________
(1) انظر: المسودة/ 296.
(2) قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 1/ 30 - 31: إِن لم يضفه
إِلى زمن الرسول، فإن أضافه فهو مرفوع.
(3) في (ب): فالخلال.
(4) قوله: (وهو مراد القاضي وأبي الخطاب أنه إِجماع) جاء
-مكانه- في (ب) و (ظ): (وذكره القاضي وأبو الخطاب إِجماعًا أو
حجة).
(5) انظر: العدة/ 998 - 999.
(6) انظر: التمهيد/ 127أ، والمسودة/ 296.
(7) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 99، وشرح العضد 2/ 69.
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح)
(9) انظر: المسودة/ 296.
(2/585)
مسألة
قول التابعي: "أمرنا [أو نهينا] (1) أو من السنة" كالصحابي عند
أصحابنا، وأومأ إِليه أحمد (2) في: "من السنة"، لكنه كالمرسل.
وقوله: "كانوا" كالصحابي، ذكره القاضي (3) وأبو الخطاب (4)
وابن عقيل (5).
ومال بعض أصحابنا (6) إِلى أنه ليس (7) بحجة؛ لأنه قد يعني من
أدركه، كقول إِبراهيم (8): "كانوا يفعلون" يريد: أصحاب عبد
الله (9)، وأشار إِلى أنه وجه لنا.
وذلك ممنوع.
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) انظر: العدة/ 992 - 993.
(3) انظر: المرجع السابق/ 998.
(4) انظر: التمهيد/ 127.
(5) في (ح): وغيرهما.
(6) انظر: المسودة/ 297.
(7) نهاية 80 ب من (ب).
(8) يعني: النخعي.
(9) يعني: عبد الله بن مسعود - الصحابي.
(2/586)
مسألة
ومستند غير الصحابي: قراءة الشيخ، أو القراءة عليه، أو إِجازته
له، أو مناولته له ما يرويه عنه، أو كتابته له بذلك.
فالأول: أعلاها، ذكره في الروضة (1) وغيرها، وقاله جمهور
المحدثين وغيرهم.
وعن أبي حنيفة (2) وغيره: القراءة عليه أعلى من (3) السماع من
لفظه، وذكره (4) بعضهم اتفاقًا.
وعن مالك (5): مثله، والأشهر عنه (6) سواء، وعليه أشياخه
وأصحابه وعلماء الكوفة والبخاري وغيرهم (7).
ثم: إِن قصد إِسماعه وحده -أو مع غيره- قال: "حدثنا"
و"أخبرنا"، و" قال"، و"سمعته".
وإن لم يقصد (8) قال: "حدَّث" و"أخبر"، و"قال"، و"سمعته".
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 120.
(2) انظر: أصول السرخسي 1/ 375، والكفاية/ 276.
(3) نهاية 166 من (ح).
(4) في (ب): ذ كره.
(5) انظر: الكفاية/ 276.
(6) انظر: المرجع السابق/ 269، 270.
(7) انظر: المرجع السابق، ومقدمة ابن الصلاح/ 64.
(8) انظر: المعتمد/ 664، والإحكام للآمدي 2/ 100، ومقدمة ابن
الصلاح/ 64،=
(2/587)
وله -إِذا سمع مع (1) غيره- قول: "حدثني"،
وإذا سمع -وحده- قول: "حدثنا" عند أحمد (2) والعلماء.
ونقل الفضل (3) بن زياد: إِذا سمع مع الناس يقول: حدثني؟ قال:
ما أدري، وأحب إِليّ أن يقول: حدثنا.
* * *
وقراءته أو قراءة غيره عليه تجوز الرواية به عند أحمد (4)
والعلماء، =خلافا لبعض العراقيين (5)، كعرض الحاكم والشاهد على
المقر (6).
__________
=وشرح العضد 2/ 69، ونهاية السول 2/ 320، ومناهج العقول 2/
318، وشرح نخبة الفكر/ 211، وشرح الورقات/ 194، وكشف الأسرار
3/ 39، وإرشاد الفحول/ 61، 62.
(1) في (ح): ومع.
(2) انظر: مسائل الإِمام أحمد - رواية أبي داود/ 283.
(3) هو: أبو العباس القطان البغدادي، من أصحاب أحمد المقدمين
عنده، وممن نقلوا عنه مسائل كثيرة.
انظر: طبقات الحنابلة 1/ 251.
(4) انظر: العدة/ 977 وما بعدها.
(5) انظر: المسودة/ 286.
(6) والمشهود عليه، كما إِذا قال الحاكم للمدعى عليه: هل عليك
الحق لفلان؟ فقال: نعم، جاز للحاكم أن يقول: أقر عندي فلان
بكذا. وكذا إِذا قال الشاهد للمشهود عليه: أأشهد عليك بما في
هذا الكتاب؟ -بعد قراءته عليه- فقال: نعم، جاز للشاهد أن يقول:
أشهدني فلان على نفسه بكذا. انظر: العدة/ 979.
(2/588)
وكرهه (1) ابن عُيَيْنَة (2) وغيره.
* * *
وسكوته عند القراءة عليه -بلا موجب من غفلة أو غيرها- الظاهر:
أنه كإِقراره، ذكره القاضي (3) وغيره، وذكره ابن عقيل عن
أصحابنا، وعليه جمهور الفقهاء والمحدثين.
* * *
ويقول: حدثنا (4) وأخبرنا قراءة عليه.
ويجوز الإِطلاق في رواية -اختارها الخلال (5) وصاحبه (6)
والقاضي (7) (8) وغيرهم، وقاله (هـ م) وعلماء الحجاز والكوفة
والبخاري
__________
(1) انظر: المسودة/ 286.
(2) هو: أبو محمَّد سفيان بن عيينة الكوفي ثم المكي، الهلالي
بالولاء، من تابعي التابعين، إِمام حافظ، توفي بمكة سنة 198
هـ. قال ابن حجر في التقريب: ثقة حافظ فقيه إِمام حجة، إِلا
أنه تغير حفظه باخَرَة، وكان ربما يدلس لكن عن الثقات.
انظر: حلية الأولياء 7/ 270، وتاريخ بغداد 9/ 174، ووفيات
الأعيان 2/ 129، وتذكرة الحفاظ/ 262، وتقريب التهذيب 1/ 312.
(3) انظر: العدة/ 980.
(4) في (ب): حديثًا.
(5) انظر: المسودة/ 283.
(6) هو: أبو بكر عبد العزيز، غلام الخلال.
(7) انظر: العدة/ 978.
(8) نهاية 61 ب من (ظ).
(2/589)
وغيرهم، وذكره القاضي (1) عن الشافعية-
لأنه معناه.
وعنه (2): لا. وقاله جماعة من المحدثين (3)؛ لأنه [كذب] (4)
كما لا يجوز "سمعت" عند الجمهور.
وعنه: يجوز "أخبرنا" لا "حدثنا"، وقاله (ش) وأصحابه وعلماء
المشرق (5).
وعنه: جوازهما -وعنه: أخبرنا- فيما أَقَرَّ به لفظًا لا حالاً.
* * *
وإِذا قال الشيخ: "أخبرنا" أو "حدثنا" لم يجز (6) للراوي
إِبدال إِحداهما بالأخرى في رواية (7)؛ لاحتمال أن الشيخ لا
يرى التسوية بينهما.
وعنه: يجوز، اختاره الخلال (8)، وبناه على الرواية بالمعنى.
* * *
__________
(1) انظر: العدة/ 977.
(2) انظر: المسودة / 285 - 286.
(3) نهاية 81 أمن (ب).
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(5) انظر: مقدمة ابن الصلاح / 65.
(6) نهاية 167 من (ح).
(7) انظر: العدة/ 680 - 981.
(8) انظر: المرجع السابق/ 981.
(2/590)
وظاهر ما سبق: أن منع الشيخ للراوي من
روايته عنه -ولم يسند ذلك إِلى خطأ أو شك- لا يؤثر، وقاله
بعضهم.
وظاهر ما سبق: أنه ليس له أن يروي إِلا ما سمعه من الشيخ، فلا
يستفهمه ممن (1) معه ثم يرويه، وقاله جماعة، خلافًا لآخرين.
ومن شك في سماع حديث لم تجز روايته مع الشك، ذكره الآمدي (2)
إِجماعًا.
ولو اشتبه بغيره لم يرو شيئًا، فإِن (3) ظن عمل به (4) عندنا
وعند الجمهور.
قيل لأحمد (5): الشيخ يدغم الحرف، يعرف أنه كذا وكذا، ولا يفهم
عنه، ترى أن يروى ذلك عنه؟ قال: أرجو أن لا يضيق هذا.
* * *
وتجوز الرواية بالإِجازة في الجملة عند أحمد (6) وأصحابه وعامة
العلماء -وذكره الباجي (7) المالكي إِجماعًا، كذا قال- خلافاً
لإِبراهيم (8) الحربي
__________
(1) في (ظ): من.
(2) انظر الإحكام للآمدي 2/ 101.
(3) في (ح): وإن.
(4) يعني: بالظن.
(5) انظر: المسودة/ 289، وتدريب الراوي 2/ 26.
(6) انظر: العدة/ 981.
(7) انظر: إِحكام الفصول/ 45 ب.
(8) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 72.
(2/591)
من أصحابنا وجماعة من المحدثين وجماعة من
الحنفية والشافعية، ونقله (1) الربيع (2) عن الشافعي؛ لأن
معناها: أجزت لك ما لا يجوز شرعًا؛ لأن الشرع لا يجيز رواية ما
لم يسمع، ولبطلان الرحلة (3)، وخلافًا لبعض الظاهرية.
ويجب (4) العمل به؛ لأنه كالمرسل.
وعند أبي حنيفة ومحمد (5): إِن علم المجيز (6) ما في الكتاب
-والمُحاز له ضابط- جازت، وإلا فلا، لما فيه من (7) صيانة
السنة وحفظها (8).
وأجازها (9) أبو يوسف، وذلك تخريج من كتاب القاضي إِلى مثله،
فإِنَّ عِلْمَ ما فيه شرط عندهما دونه.
__________
(1) انضر: مقدمة ابن الصلاح/ 72.
(2) هو: أبو محمَّد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي
المصري، صاحب الشافعي، الذي روى أكثر كتبه، توفي سنة 270 هـ.
انظر: وفيات الأعيان 2/ 52، وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 132.
(3) في (ب): الزحلة.
(4) في نسخة في هامش (ظ): لا وجوب العمل ...
(5) انظر: أصول السرخسي 1/ 377، وكشف الأسرار 3/ 43، 44،
وتيسير التحرير 3/ 94، وفواتح الرحموت 2/ 165.
(6) في (ب) و (ظ): المخبر.
(7) نهاية 168 من (ح).
(8) نهاية 81 ب من (ب).
(9) انظر: أصول السرخسي 1/ 377، وكشف الأسرار 3/ 43، 44،
وتيسير التحرير 3/ 94، وفواتح الرحموت 2/ 165.
(2/592)
وحكى السرخسي (1) عن أبي حنيفة وأبي يوسف:
المنع.
...
ثم: الإِجازة: معيَّن لمعيَّن، نحو: أجزت لك هذا الكتاب.
ومثلها -وإن كان دونه (2) -: غير معين -كجميع ما أرويه- لمعين.
وتجوز بمعين (3) وغيره للعموم، ذكره القاضي (4)، وقاله أبو بكر
(5) من أصحابنا في جميع ما يرويه لمن أراده، وقال (6) ابن
مَنْدَه (7) من أصحابنا: أجزت لمن قال: لا إِله إِلا الله،
وقاله جماعة من المالكية والشافعية، خلافًا لآخرين.
ولا تجوز لمعدوم تبعًا لموجود -كفلان ومن يولد له- في ظاهر
كلام جماعة (8) من أصحابنا، وقاله غيرهم؛ لأنها محادثة أو إِذن
في الرواية
__________
(1) وهو: أبو سفيان الحنفي. فانظر: العدة/ 983، والمسودة/ 287،
وانظر -أيضًا- أصول السرخسي 1/ 377.
(2) يعني: دون الأول.
(3) في (ظ): لمعين.
(4) و (5) انظر: العدة/ 985.
(6) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 73.
(7) هو: أبو عبد الله محمَّد بن إِسحاق بن محمَّد الأصْبَهاني
العَبْدي، حافظ ثقة، توفي سنة 395 هـ. من مؤلفاته: كتاب معرفة
الصحابة.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 167، وتذكرة الحفاظ 1/ 1031.
(8) نهاية 62 أمن (ظ).
(2/593)
بخلاف الوقف.
وأجازها (1) أبو بكر (2) بن أبي داود السِّجِسْتاني من
أصحابنا، وقاله غيره، كما تجوز لطفل لا سماع له في أصح قولي
العلماء؛ لأنها إِباحة للرواية، كما تجوز للغائب.
ولا تجوز لمعدوم أصلاً، نحو: "أجزت لمن يولد لفلان"، وقاله
الشافعية (3)، كالوقف عندنا وعندهم (4).
وأجازهما القاضي وبعض المالكية وغيرهم (5).
واختار صاحب المغني (6) جواز الوقف، فقد يتوجه منه احتمال
تخريج.
* * *
ويقول: أجاز لي فلان.
ويجوز: "حدثنا وأخبرنا إِجازة" عندنا وعند عامة العلماء، ومنعه
قوم
__________
(1) انظر: الكفاية/ 325، ومقدمة ابن الصلاح/ 76.
(2) هو: عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث، إمام ابن
إمام، من أكابر الحفاظ ببغداد، توفي سنة 316 هـ.
من مؤلفاته: السنن، والناسخ والمنسوخ.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 51، وتذكرة الحفاظ/ 767.
(3) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 76.
(4) انظر: الإِنصاف 7/ 23، ونهاية المحتاج 1/ 365.
(5) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 76.
(6) انظر: المغني 6/ 182.
(2/594)
في: "حدثنا"، وأجازه قوم مطلقًا.
* * *
والمناولة المقترنة بالإِجازة أو الإِذن في الرواية (1) مثلها،
وإِلا لم تجز عندنا وعند الجمهور.
وقال بعض أصحابنا (2): والمنصوص عن أحمد إِنما هو في مناولة ما
عرفه المحدِّث.
وجوز الزهري ومالك وغيرهما إِطلاق "حدثنا" و"أخبرنا" فيها؛
لأنها كالسماع عندهم، ولم ير (3) هذا أحمد (4) (وهـ ش)
والجمهور.
ويكفي اللفظ بلا مناولة.
* * *
والمكاتبة (5) المقترنة بالإِجازة [كمناولة] (6).
وإِن لم تقترن فظاهر كلام بعض أصحابنا مختلف، وظاهر ما نقل عن
أحمد (7):
__________
(1) نهاية 169 من (ح).
(2) انظر: المسودة/ 288.
(3) نهاية 82 أمن (ب).
(4) انظر: العدة/ 981.
(5) في (ح): وكذا المكاتبة.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) انظر: العدة/ 982.
(2/595)
يجوز؛ فإِن أبا مُسْهر (1) وأبا تَوْبة (2)
كتبا إِليه بأحاديث وحدَّث بها، وهو ظاهر ما ذكره الخلال (3)،
وهو أشهر للمحدثين -وللشافعية (4) خلاف- عملاً بالقرينة،
فإِنها تضمنت الإِجازة.
وتكفي معرفة خطه عندنا وعند الأكثر.
ولا يجوز إِطلاق: "حدثنا وأخبرنا"، خلافا لقوم.
* * *
وجه الرواية بما سبق: أنه تضمن إِخباره به؛ لأن الخبر لا يتوقف
على التصريح، بدليل القراءة عليه، فجاز كما تجوز ولا فرق.
وصح عنه - عليه السلام -: أنه كان يبعث كتبه مع الآحاد (5)،
ولم يعلموا ما فيها، ويعمل بها حاملها وغيره.
__________
(1) هو: عبد الأعلي بن مُسْهر الغساني الدمشقي، شيخ دمشق
ومحدثها، حافظ عالم ب"الجرح والتعديل" توفي ببغداد سنة 218 هـ.
انظر: تاريخ بغداد 11/ 72، وتذكرة الحفاظ/ 381.
(2) هو: الربيع بن نافع الحلبي الطرسوسي، حافظ حجة، توفي سنة
241 هـ.
انظر: طبقات الحنابلة 1/ 156، وتذكرة الحفاظ/ 472.
(3) انظر: العدة/ 983.
(4) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 83.
(5) فقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن جحش
في سرية، وكتب له كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين
ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره ... علقه البخاري في صحيحه 1/ 19،
وأخرجه الطبري في تفسيره 2/ 202، والخطيب في الكفاية/ 312.
وانظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/ 239، وزاد المعاد 2/ 214.
(2/596)
والشهادة (1) آكد إِن سُلِّمَتْ.
* * *
ومجرد قول الشيخ للطالب: "هذا سماعي أو روايتي" لا تجوز له
روايته عنه عندنا وعند غيرنا، لعدم إِذنه، لاحتمال خلل فيه،
خلافًا لبعض المالكية وبعض الشافعية وبعض الظاهرية (2).
وجوزه بعضهم ولو قال: لا تروه عني.
* * *
ولو وجد شيئًا بخط الشيخ لم تجز روايته عنه، لكن يقول: وجدت
(3) بخط فلان، وتسمى: الوِجادة.
وقال بعض أصحابنا: لا تجوز الرواية برؤية خط (4) الشيخ: "سمعت
كذا"، سواء قال: "هذا خطي" أو (5) لم يقل، وأن أبا الخطاب قال:
نص أحمد على جوازه. كذا قال.
* * *
__________
(1) هذا جواب عما احتج به المانع لذلك، فقد خرج المنع على
الشهادة في الصك إِذا لم يقرأ على المشهود عليه، بل قال: اشهد
علي بما فيه. فإِن القول بمنعه مشهور. انظر: شرح الكوكب المنير
2/ 504، وشرح العضد 2/ 70.
(2) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 84 - 85.
(3) في (ب): وجد.
(4) نهاية 170 من (ح).
(5) في (ب): ولم.
(2/597)
ويجب العمل بما ظن صحته من ذلك، فلا يتوقف
(1) على الرواية عند (2) أصحابنا والشافعية وغيرهم؛ لعمل
الصحابة -رضوان الله عليهم- على كتبه عليه السلام.
وذكر بعض المالكية (3): أن أكثر المحدثين والفقهاء (4) - (5)
من المالكية وغيرهم- لا يرون العمل به.
مسألة
من رأى سماعه ولم يذكره فله روايته والعمل به -إِذا عرف الخط-
عند أحمد (6) والشافعي وأبي يوسف ومحمد؛ لما سبق (هـ).
قال أكثر (7) أصحابنا وغيرهم: إِذا ظَنَّه، ونقلوه عن هؤلاء
-ولهذا قيل لأحمد (8): فإِن أعاره من لم يشق به، فقال: كل ذلك
أرجو (9)، فإِن الزيادة
__________
(1) نهاية 62 ب من (ظ).
(2) في (ظ): عندنا والشافعية وغيرهم. وفي (ح): على ما عليه
أصحابنا وغيرهم وقاله الشافعية وغيرهم.
(3) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 87.
(4) تكرر (والفقهاء) في (ب).
(5) نهاية 82 ب من (ب).
(6) انظر: العدة/ 974.
(7) في (ب): أكثره.
(8) انظر: العدة/ 975.
(9) يعني: أرجو أن لا يُحْدِث فيه. انظر: العدة / 975.
(2/598)
في الحديث لا تكاد تخفى- لأن الأخبار مبنية
على حسن الظن وغلبته. وقال بعضهم: إِذا تَحَقَّقَهُ.
مسألة
تجوز رواية الحديث بالمعنى للعارف عند أحمد (1) وأصحابه
والجمهور (وهـ ش)، قال أحمد: ما زال الحفاظ يحدثون بالمعنى.
وأطلق ابن حامد في أصوله (2) -في جوازه- روايتين عن أحمد.
فإِن جاز (3) فليس بكلام الله، وهو وحي، وإِلا فكلامه.
هذا إِن روى مطلقًا، وإِن بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن
الله أمر به أو نهى عنه فكالقرآن.
وقال حفيد القاضي: ما كان خبرًا عن الله أنه قاله فكالقرآن.
وقاله ابن أبي موسى وغيره من أصحابنا.
واختار (4) أحمد بن يحيى -ثعلب- من أصحابنا المنع، وقال: "ما
من لفظة في كلام العرب إِلا وبينها وبين صاحبتها فرق (5) "،
واختاره أبو
__________
(1) انظر: العدة/ 969.
(2) أصول الفقه -لابن حامد: من أوائل الكتب المصنفة في أصول
الفقه على مذهب الحنابلة. ولم أعثر عليه.
(3) انظر: شرح الكوكب المنير 2/ 533، وفواتح الرحموت 2/ 168.
(4) في (ح): واختاره.
(5) نقله عنه الخطابي على ما في المسودة/ 281.
(2/599)
بكر الرازي (1) وبعض الشافعية (2).
ونقل هذا عن ابن عمر والقاسم (3) وابن سيرين ورجاء بن حَيْوَة
(4) (5) ومالك وابن علَيَّة (6) وغيرهم (7).
__________
(1) انظر: أصول الجصاص/ 205 ب.
(2) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 105.
(3) هو: أبو محمَّد القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق، أحد
الفقهاء السبعة، ثقة كثير الحديث، توفي سنة 106 هـ.
انظر: تذكرة الحفاظ/ 96، وتهذيب التهذيب 7/ 333.
(4) هو: أبو المقدام -ويقال: أبو نصر- الكندي، أرسل عن معاذ،
روى عن عبد الله بن عمرو وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء
وغيرهم، وعنه ابن عجلان وثور بن يزيد والزهري وغيرهم، توفي سنة
112 هـ.
انظر: تهذيب التهذيب 3/ 265، وتقريب التهذيب 1/ 248.
(5) نهاية 171من (ح)
(6) هو: أبو بشر إِسماعيل بن إِبراهيم بن مِقْسَم الأسدي
البصري -وعُلَيَّة أمه- حافظ فقيه ثقة، توفي سنة 193هـ.
انظر: الفهرست/ 317، وتاريخ بغداد 6/ 229، وتذكرة الحفاظ/ 322،
وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 120، وشذرات الذهب 1/ 333.
(7) نقله عنهم الخطابي على ما في المسودة/ 281. وانظر: كتاب
شفاء الغلل للترمذي (المطبوع في آخر سننه 5/ 402، 406)،
والكفاية/ 206.
(2/600)
وفيه نظر (1)؛ فإِنه لم يصح عنهم سوى
مراعاة (2) اللفظ، فلعله استحباب (3) أو لغير عارف، فإِنه
إِجماع فيهما، ولهذا روى عبد الرزاق (4) عن مَعْمَر (5) عن
أيوب (6) عن ابن سيرين: "كنت أسمع الحديث من
__________
(1) في (ب) نظرة.
(2) (ب) و (ظ): مرعاة.
(3) في (ح): استحباباً.
(4) هو: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الحميري -بالولاء-
الصنعاني، حافظ محدث ثقة مصنف، توفي سنة 211 هـ. كان يتشيع،
وفي حديثه بعد أن كف بصره -بعد المائتين - مقال.
من مؤلفاته: المصنف.
انظر: ميزان الاعتدال 2/ 209، وتذكرة الحفاظ/ 364، وتهذيب
التهذيب 6/ 310، وتقريب التهذيب 1/ 505، والبداية والنهاية 10/
265.
(5) هو: أبو عروة معمر بن راشد الأزدي -بالولاء- البصري ثم
اليماني، توفي سنة 153 هـ. قال الذهبي: له أوهام معروفة احتملت
له في سعة ما أتقن. وقال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت فاضل،
إِلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئًا، وكذا
فيما حدث به بالبصرة.
انظر: ميزان الاعتدال 4/ 154، وتهذيب التهذيب 10/ 243، وتقريب
التهذيب 2/ 266.
(6) هو: أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كَيْسان السِّخْتِياني
البصري، إِمام فقيه ثقة ثبت في الحديث، توفي 31 اهـ.=
(2/601)
عشرة، المعنى واحد واللفظ مختلف" (1)، وقال
علي (2) بن مُسْهِر: ما أدركت (3) أحدًا من الفقهاء إِلا أنه
يغير كلامه إِذا أصاب (4) المعنى، فلا يبالي.
وجوزه بعضهم بلفظ مرادف.
ومنع أبو الخطاب (5) إِبداله بما هو أظهر منه معنى أو أخفى،
لجواز قصد الشارع التعريف بذلك.
وفي الواضح: بالظاهر أولى.
وذكر بعض أصحابنا: يجوز بأظهر اتفاقًا، لجوازه بعربية (6)، وهي
أتم
__________
=انظر: الكاشف 1/ 451، وتهذيب التهذيب 1/ 398، وتقريب التهذيب
1/ 89.
(1) أخرجه الترمذي في (شفاء الغلل شرح كتاب العلل) المطبوع في
آخر الجزء الخامس من سننه 5/ 402، والرامَهُرْمُزِي في المحدث
الفاصل/ 534، والخطيب في الكفاية / 206، وابن عبد البر في جامع
بيان العلم وفضله 1/ 95 من طريق عبد الرزاق.
(2) هو: أبو الحسن القرشي الكوفي، قاضي الموصل، روى عن يحيى بن
سعيد الأنصاري وهشام بن عروة والأعمش وغيرهم، وعنه أبو بكر
وعثمان -ابنا أبي شيبة- وخالد بن مخلد وغيرهم، توفي سنة 189
هـ. وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي وغيرهم.
انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 422، وتهذيب التهذيب 7/
383، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/ 277.
(3) في (ح): ما أدري.
(4) نهاية 83 أ. من (ب).
(5) انظر: التمهيد/ 124 أ.
(6) كذا في النسخ. ولعل الصواب: بغير عربية.
(2/602)
بيانًا.
ولعل (1) المراد بالخلاف غير الكتب المصنفة، لما فيه من تغيير
تصنيفه، وقاله بعضهم.
لنا: عمل (2) السلف من غير نكير زمنهم، فهو إِجماع.
ولأحمد بإِسناد حسن عن واثِلة (3): "إِذا حدثناكم بالحديث على
معناه فحسبكم". (4)
وروى أبو محمَّد الخَلال (5) هذا المعنى عن ابن مسعود
__________
(1) انظر: شرح الكوكب المنير 2/ 536، ومقدمة ابن الصلاح/ 68،
105، وشرح النووي على صحيح مسلم 1/ 361، وتدريب الراوي 2/ 22/
102.
(2) نهاية 63أمن (ظ).
(3) هو: الصحابي واثلة بن الأسقع.
(4) ورد هذا الأثر بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدًا. أخرجه
الدارمي في مقدمة سننه 1/ 79، والترمذي في شفاء الغلل (مطبوع
آخر سننه 5/ 402)، والخطيب في الكفاية / 204 من طرق، منها:
طريق عن أحمد، والرامهرمزي في المحدث الفاصل / 533، وابن عبد
البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 94، 95 - 96.
(5) هو: الحسن بن محمَّد بن الحسن، حافظ ثقة، ولد سنة 352 هـ،
وسمع من القَطِيعِي وابن مُظَفَّر وغيرهما، ومنه القاضي، أبو
يعلى والخطيب البغدادي، توفي ببغداد سنة 439 هـ.
انظر: المنتظم 8/ 132، والعبر 3/ 189، وتذكرة الحفاظ / 1109،
وطبقات الحفاظ/ 426، وشذرات الذهب 3/ 262.
(2/603)
مرفوعًا (1)، ورواه أبو بكر بن مردويه (2)
من غير حديثه، ورواه أبو بكر الخلال عن الحسن (3) مرسلاً.
وحدث ابن مسعود عنه - عليه السلام - حديثًا، فقال: "أو دون
ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبًا من ذلك" (4).
__________
(1) قال القاضي في العدة/ 969: حدثنا أبو محمَّد الخلال
-بإِسناده- عن ابن مسعود قال: سأل رجل النبي، فقال: يا رسول
الله، إِنك تحدثنا حديثًا لا نقدر أن نسوقه كما نسمعه. فقال:
(إِذا أصاب أحدكم المعنى فليحدث).
وأخرجه -أيضًا- الخطيب في الكفاية/ 200.
(2) هو: أحمد بن موسى بن مردويه الأصْبَهاني، حافظ محدث مؤرخ
مفسر، ولد سنة 323 هـ، وتوفي سنة 410 هـ.
من مؤلفاته: كتاب في التفسير، وكتاب في التاريخ.
انظر: تذكرة الحفاظ/ 1050، وشذرات الذهب 3/ 190.
(3) روي عن الحسن البصري -من عدة طرق- جواز نقل الحديث
بالمعنى. أخرج ذلك الدارمي في مقدمة سننه 1/ 79، والترمذي في
شفاء الغلل 5/ 402، والرامهرمزي في المحدث الفاصل/ 533، 535،
536، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 96، والخطيب
في الكفاية/ 207، 208.
(4) أخرجه ابن ماجه في سننه/ 10 - 11 وفي الزوائد: إِسناده
صحيح، احتج الشيخان بجميع رواته. وأخرج -نحوه- الحاكم في
المستدرك 1/ 110 - 111 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه،
ووافقه الذهبي في التلخيص، وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 72، 74،
والخطيب في الكفاية/ 205، والرامهرمزي في المحدث الفاصل/ 549.
(2/604)
وكان أنس إِذا حدث عنه - عليه السلام - قال
(1): "أو كما قال" (2).
إِسنادهما صحيح، رواهما ابن ماجه.
وكذلك (3) نقلت وقائع متحدة بألفاظ مختلفة.
ولأنه يجوز تفسيره بعجمية (4) إِجماعًا، فبعربية أولى.
ولحصول المقصود وهو المعنى، ولهذا لا يجب تلاوة اللفظ ولا
ترتيبه بخلاف القرآن والأذان ونحوه.
واحتج أصحابنا بجوازه في (5) كلام غيره عليه السلام، لتحريم
الكذب فيها.
رد: بالخلاف فيه (6)، ثم: بالفرق.
قالوا: (نَضَّر الله امْرَءًا)، وسبق (7) في شروط الراوي.
رد: لا وعيد، ثم: أداه كما سمعه بدليل ترجمته، أو لغير عارف.
__________
(1) في (ظ): فقال.
(2) أخرجه ابن ماجه في سننه/ 11، والدارمي في سننه 1/ 73،
والخطيب في الكفاية / 206، والرامهرمزي في المحدث الفاصل/ 550.
(3) في (ح): ولذلك.
(4) في (ظ): بعجمته.
(5) نهاية 172 من (ح).
(6) يعني: في كلام غير النبي.
(7) انظر: ص 542 من هذا الكتاب.
(2/605)
قالوا: يؤدي إِلى اختلال المعنى لتفاوت
الأفهام، ولهذا: لما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - للبَراء
بن عازِب عند النوم: (آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك (1) الذي
أرسلت)، قال: "ورسولك"، قال: (2) (لا، ونبيك)، متفق عليه (3).
رد: إِنما يجوز لمن علم المعنى.
وابدال لفظ (النبوة) بـ (الرسالة) وعكسه ينبني على المسألة.
والخبر للاستحباب، أو لأنه ذكر ودعاء، أو لوحي بذلك، أو لجمع
النبوة والرسالة وعدم التكرار (4).
وأجاب أحمد (5): بأن الرسالة طرأت على النبوة -ولم يكن رسولاً-
وأرسل كشئعَيْب.
مسألة
إِذا أنكر الأصل رواية الفرع بأن كَذَّبه لم يعمل به إِجماعًا
(6) -وذكره جماعة- لكذب أحدهما.
__________
(1) في (ح): ونبيك.
(2) نهاية 83 ب من (ب).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 54 - 55، ومسلم في صحيحه / 2081
- 2082.
(4) فلو قال: (ورسولك الذي أرسلت) لحصل التكرار.
(5) انظر: العدة/ 973، والتمهيد/ 124 ب.
(6) في حكايته هذا الإجماع نظر، فقد نقل عن بعضهم: أنه يعمل
به، منهم: السمعاني وابن السبكي، وعزاه الشاشي للشافعي. انظر:
شرح المحلى على جمع الجوامع 2/ 138، وتدريب الراوي 1/ 334.
(2/606)
وهما على عدالتهما، لا تبطل بالشك.
وإِن لم يكذبه عمل به في أصح الروايتين عن أحمد (1)، وعليها
أصحابنا والجمهور (وم ش) ومحمد (2).
والثانية (3): لا يعمل به (وهـ) وأبي يوسف والكرخي (4).
وقال بعض أصحابنا (5): عموم (6) كلام أحمد يقتضي: ولو جحد
__________
(1) انظر: العدة/ 959 وما بعدها، والتمهيد/ 119 ب.
(2) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 369، وشرح العضد 2/ 71، والمستصفى
1/ 167، والإحكام للآمدي 2/ 106، ونهاية السول 2/ 310، وشرح
المحلى على جمع الجوامع 2/ 140، وأصول السرخسي 2/ 3، وكشف
الأسرار 3/ 60، وتيسير التحرير 3/ 107، وفواتح الرحموت 2/ 170.
(3) انظر: العدة/ 960، والتمهيد/ 119 ب.
(4) انظر: وأصول السرخسي 2/ 3، وكشف الأسرار 3/ 60، وتيسير
التحرير 3/ 107، وفواتح الرحموت 2/ 170.
(5) انظر: المسودة/ 279.
(6) جاء في العدة / 160 - 161: قال أحمد في رواية الأثرم فيما
ذكره في كتاب العلل: قلت لأبي عبد الله: يضعف الحديث عندك بمثل
هذا: إِن حدث الرجل الثقة بالحديث عن الرجل، فيسأل عنه فينكره
ولا يعرفه؟ فقال: لا، ما يضعف عندي بهذا ... وكذلك نقل
الميموني عنه قال: كان ابن عيينة يحدث بأشياء ثم قال: "ليس من
حديثي ولا أعرفه" قد يحدث الرجل ثم ينسى ... وكذلك نقل حرب
عنه: أنه سئل عن حديث الولي، فقال: لا يصح؟ لأن الزهري سئل عنه
فأنكره.
وجاء في المسودة/ 279: قال شيخنا: قلت: وضع المسألة يقتضي أنه
لا=
(2/607)
المروي عنه؛ لأن الإِنكار يشمل القسمين،
وقول ابن غيَيْنَة (1): "ليس من حديثي" نفي، وعلله (2) القاضي
(3) بأن المروي عنه غير عالم (4) ببطلان روايته، وهذا القيد
اعتبره أصحابنا فيما إِذا سَبَّح به اثنان (5) وفي الحاكم.
وقال ابن الباقلاني (6): "إِن كَذَّبه أو غَلَّطه لم يعمل به"،
وحكاه عن الشافعي.
وقال أبو المعالي (7): إِن قطع بكذبه (8) وغلطه تعارضا، ووقف
الأمر على مرجح كخبرين.
لنا: عدل جازم غير مكذَّب، كموت الأصل أو جنونه.
__________
=يشمل إِذا جحد المروي عنه، وعموم كلامه يقتضي العموم لهذه
الصورة؛ لأن الإِنكار ... ، وعلله القاضي بأن المروي عنه غير
عالم ببطلان روايته، والراوي عنه ثقة، فالمروي عنه كسائر
الناس.
(1) انظر: العدة/ 960.
(2) يعي: علل العمل به.
(3) انظر: المرجع السابق/ 962.
(4) نهاية 173 من (ح).
(5) في المسودة: إِنسان.
(6) انظر: البرهان/ 650 - 651.
(7) انظر: البرهان/ 655.
(8) نهاية 63 ب من (ظ).
(2/608)
وروى سعيد عن الدَّرَاوَرْدِي (1) عن ربيعة
(2) عن سهيل (3) بن أبي صالح عن أبيه (4) عن أبي هريرة: "أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد" (5)،
ونسيه سهيل، وقال: حدثني ربيعة عني.
ورواه الشافعي عن الدَّرَاوَرْدِي قال: فذكرت ذلك لسهيل، فقال:
__________
(1) هو: أبو محمَّد عبد العزيز بن محمَّد بن عبيد المدني، أصله
من (دراورد) قرية من خراسان، ولد بالمدينة ونشأ بها. توفي سنة
187 هـ. وهو ثقة فقيه كثير الحديث.
انظر: المعارف / 515، واللباب 1/ 496، وتذكرة الحفاظ / 269،
وشذرات الذهب 1/ 163.
(2) هو: أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فَرُّوخ القرشي
التميمي -بالولاء- المدني، شيخ مالك، ويقال له: (ربيعة الرأي)
لأنه كان يعرف بالرأي والقياس، تابعي فقيه حافظ ثقة ثبت، توفي
بالمدينة سنة 36 اهـ.
انظر: الفهرست/ 285، وتاريخ بغداد 8/ 420، ووفيات الأعيان 2/
50، وتذكرة الحفاظ/ 157، وميزان الاعتدال 2/ 44.
(3) هو: أبو يزيد سهيل بن أبي صالح ذَكْوان السمان، محدث، توفي
سنة 140 هـ. قال ابن حجر في التقريب: صدوق تغير حفظه بأخرة،
روى له البخاري مقرونًا وتعليقًا.
انظر: المعارف/ 478، ومشاهير علماء الأمصار/ 137، وميزان
الاعتدال 2/ 243، وتذكرة الحفاظ / 137، وتقريب التهذيب 1/ 338.
(4) هو: أبو صالح ذكوان السمان المدني، تابعي ثقة ثبت، توفي
سنة 101 هـ.
انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 158، وميزان الاعتدال 4/
539، وتقريب التهذيب 1/ 238، وطبقات الحفاظ/ 33.
(5) حديث أبي هريرة: أخرجه أبو داود في سننه 4/ 34، والترمذي
في سننه=
(2/609)
"أخبرني ربيعة -وهو عندي ثقة- أني حدثته
إِياه، ولا أحفظه"، فكان سهيل (1) يحدثه بعد عن ربيعة عنه عن
أبيه (2).
ورواه أبو داود (3)، وإسناده (4) جيد (5).
ولم ينكَر ذلك.
فإِن قيل: فأين العمل به؟
قيل: مذكور في معرض الحجة، ثم: فلا فائدة فيه فيجب تركه
وإِنكاره (6) كتكذيبه، ثم: يوهم الحجة، ففيه تلبيس.
قالوا: كالشهادة لو نسي شاهد الأصل.
رد: بأنها أضيق.
قالوا: كما لا يعمل حاكم بحكمه لو شهد به شاهدان ونسي.
__________
=2/ 399، وابن ماجه في سننه/ 793، والشافعي (انظر: بدائع المنن
2/ 235)، والخطيب في الكفاية/ 381.
وقد أخرجه هذا الحديث -من رواية جابر- الترمذي في سننه 2/ 400،
وابن ماجه في سننه / 793، وأحمد في مسنده 3/ 305.
(1) في (ح): سهل.
(2) انظر: بدائع المنن 2/ 235.
(3) انظر: سنن أبي داود 4/ 34.
(4) وانظر: الكفاية/ 222 - 223، 380 - 381، والمحدث الفاصل/
516.
(5) نهاية 84 أمن (ب).
(6) يعني: ويجب إِنكاره كما لو كذبه.
(2/610)
رد: يعمل به (وم) (1)، وعند ابن عقيل: لا
(2) (وش) (3)؛ لأنه أضيق، ويجب على غيره من الحكام.
مسألة
إِذا انفرد الثقة الضابط بزيادة في حديث (4) -لفظًا أو معنى-
قبِلَت إِن تعدد المجلس إِجماعًا.
فإِن اتحد -وكان غيره جماعة لا يتصور غفلتهم عادة- لم تقبل،
ذكره بعضهم إِجماعًا، واختاره في التمهيد (5).
وذكر عن أصحابنا: تقبل، وهو ظاهر ما ذكره القاضي (6) وجماعة،
وذكروه عن أحمد وجماعة [من] (7) الفقهاء والمتكلمين.
وإن تصورت غفلتهم قُبِلَتْ، وقاله الجمهور.
وقال أبو الخطاب (8): إِن استوى العدد قدِّمَ بزيادة حفظ وضبط
وثقة،
__________
(1) انظر: شرح العضد 2/ 71.
(2) يعني: لا يجب عليه.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 108.
(4) نهاية 174 من (ح).
(5) انظر: التمهيد/ 122 ب.
(6) انظر: العدة/ 1004.
(7) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(8) انظر: التمهيد/ 122 ب-123 أ.
(2/611)
فإِن استويا فذكر شيخنا (1) روايتين، ثم
ضَعَّف مأخذ رواية عدم القبول.
وأطلق في العدة (2): أن زيادة ثقة في حديث تقبل، وأن أحمد نص
على الأخذ بالزائد في مواضع.
وردها جماعة من المحدثين، وعن أحمد (3) نحوه.
وإِنما ذكر كلام أحمد في وقائع، إِلا رواية ابن القاسم (4) في
فوات الحج: فيه زيادة دم (5)، قال أحمد (6): والزائد أولى أن
يؤخذ به، قال: وهذا مذهبنا في الأحاديث، إِذا كانت الزيادة في
أحدهما أخذنا (7) بالزيادة.
وكذا أطلقه الخطيب (8) البغدادي عن جمهور الفقهاء وأهل الحديث،
__________
(1) يعني: القاضي أبا يعلى.
(2) انظر: العدة/ 1004.
(3) انظر: المرجع السابق / 1007.
(4) هو: أحمد بن القاسم، صاحب أبي عبيد القاسم بن سَلام، حدث
عنه وعن إِمامنا بمسائل كثيرة.
انظر: طبقات الحنابلة 1/ 55، والمنهج الأحمد 1/ 290.
(5) وقد أخرج هذه الزيادة -من حديث عمر موقوفًا- مالك في
الموطأ/ 383، والشافعي في الأم 2/ 166 - 169، وفيها كلام
للشافعي عن الزيادة في الحديث (وانظر: بدائع المنن 2/ 74 -
76)، والبيهقي في سننه 5/ 174 - 175. وانظر: نصب الراية 3/ 145
- 146.
(6) انظر: العدة/ 1005.
(7) في (ب) و (ح): أخذ بالزيادة.
(8) انظر: الكفاية/ 424.
(2/612)
وذكره بعض الشافعية (1) مذهب (2) (ش).
وللمالكية (3) وجهان (4).
وخص بعضهم (5) رواية عدم قبولها عن أحمد (6) بمخالفتها (7)
ظاهر المزيد عليه، وبعضهم بمخالفة رواية الجمهور.
وفي الواضح (8): أنها إِن خالفت المزيد عليه رُدَّت، وليس
مسألة الخلاف.
وإِن جهل حال المجلس فكما لو اتحد في ظاهر كلام القاضي (9)
وغيره، وقاله بعض أصحابنا.
وظاهر الروضة (10) وغيرها: تقبل (11)، وهو أولى.
__________
(1) انظر: مقدمة ابن الصلاح/ 37، والمنخول/ 284.
(2) في (ظ): في مذهب.
(3) في (ح): وعن المالكية.
(4) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 382.
(5) انظر: المسودة/ 299.
(6) نهاية 84 ب من (ب).
(7) في (ظ): لمخالفتها.
(8) نهاية 64 أمن (ظ).
(9) انظر: العدة/ 1004.
(10) انظر: روضة الناظر/ 124.
(11) نهاية 175 من (ح).
(2/613)
وقال بعض أصحابنا (1): كلام أحمد وغيره
يختلف في الوقائع، وأهل الحديث أعلم به.
لنا: عدل جازم، ولا نسلم مانعًا، والأصل عدمه.
ومن تركها يحتمل أنه لشاغل أو سهو أو نسيان.
وقاس أصحابنا (2) على الشهادة: لو شهد ألف أنه أقر بألف،
واثنان بألفين: ثبتت الزيادة.
قالوا: ظاهر الغلط لتفرده، مع احتمال ما سبق فيه.
رد: قولنا أرجح، بدليل انفراده بخبر (3) وبالشهادة (4).
والسهو فيما سمعه أكثر منه فيما لم يسمعه.
* * *
وإِن خالفت الزيادة للمزيد عليه تعارضا، فيرجح، ذكره القاضي
(5) وغيره.
وأطلق آخرون من أصحابنا وغيرهم (6).
__________
(1) انظر: المسودة 3/ 30.
(2) انظر: العدة/ 1010، والمسودة/ 304.
(3) فيعمل به مع انفراده. انظر: العدة/ 1007، 1011.
(4) يعني: الشهادة على الإقرار، فلو انفرد بعضهم بزيادة عمل
بها. انظر: العدة/ 1011.
(5) انظر: العدة/ 1009.
(6) يعني: أطلقوا تقديم الزيادة، وبعضهم أطلق الرد. انظر: شرح
الكوكب المنير 2/ 544 - 545.
(2/614)
وعند أبي الحسين (1): إِن غيرت المعنى لا
الإِعراب قُبِلَتْ، وإِلا فلا.
* * *
ولو رواها العدل مرة وتركها مرة فكتعدد الرواة.
* * *
ولو أسند وأرسله غيره، أو وصله وقطعه، أو رفعه ووقفه:
فكالزيادة، ذكره (2) في العدة (3) وغيرها؛ لأنه زيادة.
وذكر الخطيب (4) عن أهل الحديث: الحكم لمن أرسله. كذا قال.
وجزم في التمهيد (5) وغيره بقوله.
وذكروه (6) -أيضًا- في الراوي الواحد، وحكاه بعض أصحابنا (7)
عن الشافعية خلافًا لبعض المحدثين.
وقال بعضهم: إِن أرسل ثم أسند قُبِلَ. وقيل: لا؛ لدلالة
إِهماله على الضعف.
__________
(1) انظر: المعتمد/ 610 - 611.
(2) في (ح): لأنه زيادة، ذكره في العدة وغيرها.
(3) انظر: العدة/ 1004.
(4) انظر: الكفاية/ 411.
(5) انظر: التمهيد/ 121 ب.
(6) يعني: ذكروا القبول. انظر: المسودة/ 251.
(7) انظر: المسودة / 251.
(2/615)
مسألة
يستحب نقل الحديث بكماله.
فإِن ترك بعضه: فإِن لم يتعلق بعضه (1) ببعض جاز عند أحمد (2)
ومالك والشافعي وجمهور (3) العلماء، كأخبار متعددة، وإلا لم
يجز إِجماعًا، لبطلان المقصود به، [نحو] (4): (حتى تزهي (5))،
و (إِلا سواء بسواء) (6).
مسألة
خبر الواحد فيما تعم به البلوى كمس الذكر (7) ورفع
__________
(1) نهاية 85 أمن (ب).
(2) انظر: العدة/ 1015.
(3) نهاية 176 من (ح).
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(5) أخرج البخاري في صحيحه 3/ 77، ومسلم في صحيحه/ 1190 عن
أنس: أن رسول الله نهى عن بيع الثمار حتى تزهي.
(6) أخرج البخاري في صحيحه 3/ 74، 75، ومسلم في صحيحه/ 1213 عن
أبي بكرة قال: نهى رسول الله عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب
إِلا سواء بسواء.
(7) الوضوء من مس الذكر: ورد في حديث أبي هريرة مرفوعاً، أخرجه
أحمد في المسند (انظر: الفتح الرباني 2/ 85 - 86)، والشافعي
(انظر: بدائع المنن 1/ 34)، والدارقطني في سننه 1/ 147،
والبيهقي في سننه 1/ 130 - 131، والحاكم في المستدرك 1/ 138
وقال حديث صحيح، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن=
(2/616)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
__________
=/ 77 - 78)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 74.
وورد في حديث بُسْرة مرفوعًا، أخرجه أبو داود في سننه 1/ 125 -
126، والترمذي في سننه 1/ 55 - 56 وقال: حديث صحيح، قال محمَّد
-يعني البخاري-: وأصح شيء في هذا الباب حديث بسرة. قال
الترمذي: وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى
ابنة أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو. ا. هـ
وأخرجه النسائي في سننه 1/ 100 - 101، وابن ماجه في سننه/ 161،
وأحمد في مسنده (انظر: الفتح الرباني 2/ 86 - 88)، والحاكم في
المستدرك 1/ 136 - ثم تكلم عنه، ثم قال: فدلنا ذلك على صحة
الحديث وثبوته على شرط الشيخين- والشافعي (انظر: بدائع المنن
1/ 34)، والدارمي في سننه 1/ 150، وابن حبان في صحيحه (انظر:
موارد الظمآن/ 78)، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/
57)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 71 - 73.
وورد الوضوء من مس الذكر في حديث غيرهما، فانظر: سنن ابن ماجه
162، وشرح معاني الآثار 1/ 73، والفتح الرباني 2/ 84، والسنن
الكبرى للبيهقي 1/ 128 وما بعدها، وسنن الدارقطني 1/ 146.
ترك الوضوء من مس الذكر: ورد في حديث طلق مرفوعًا، أخرجه أبو
داود في سننه 1/ 127 - 128، والترمذي في سننه 1/ 56 - 57 -
وقال فيه: هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب. قال: وفي
الباب عن أبي أمامة- والنسائي في سننه 1/ 101، وابن ماجه في
سننه/ 163، والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 134، والطيالسي في
مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 57)، وأحمد في مسنده (انظر:
الفتح الرباني 2/ 88 - 89)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/
75 - 76، والدارقطني في سننه 1/ 149 - 150، وابن حبان في صحيحه
(انظر: موارد الظمآن/ 77).=
(2/617)
اليدين (1) في الصلاة (2) - مقبول عندنا
وعند عامة الفقهاء والمتكلمين، خلافًا للحنفية.
لنا: ما سبق في خبر الواحد (3)، وقبول (4) الزيادة، وقبولهم
للقياس
__________
=وورد في حديث أبي أمامة مرفوعًا، أخرجه ابن ماجه في سننه/
163، وفي إِسناده مقال.
وانظر: نصب الراية 1/ 54 - 70، والتلخيص الحبير 1/ 122 - 127.
(1) أخرج البخاري في صحيحه 1/ 144، ومسلم في صحيحه/ 292 عن ابن
عمر قال: رأيت رسول الله إِذا قام في الصلاة رفع يديه حتى
يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك
إِذا رفع رأسه من الركوع، ويقول: سمع الله لمن حمده، ولا يفعل
ذلك في السجود.
وأخرجاه -أيضًا- من حديث مالك بن الحويرث، فانظر: صحيح البخاري
1/ 144، وصحيح مسلم/ 293.
(2) تبع المؤلف ابن الحاجب وغيره في كون رفع اليدين ورد من
طريق الآحاد. قال الزركشي في المعتبر/ 41 أ- ب: ظن بعضهم أن
مراد المصنف -يعني ابن الحاجب- الافتتاح، ثم أنكر على المصنف
كونه من أخبار الآحاد، ثم قال: "اللهم إلا أن يراد برفع اليدين
فيما عدا تكبيرة الإِحرام، فإِن الدليل على ذلك أخبار آحاد"،
وفي دعوى أن أحاديث الرفع فيما عدا التحريم لم تبلغ مرتبة
التواتر نظر، وكلام البخاري في كتاب "رفع اليدين" مصرح ببلوغها
ذلك، وقال البيهقي: "سمعت الحاكم يقول: لا نعلم سنة اتفق على
روايتها عن النبي الخلفاء الأربعة ثم العشرة فمن بعدهم من
أكابر الصحابة على تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة.
قال البيهقي: وهو كما قال".
(3) انظر: ص 503 وما بعدها من هذا الكتاب.
(4) انظر: ص 614 من هذا الكتاب.
(2/618)
فيه وهو دونه.
قالوا: البلوى به تستلزم شِيَاعه؛ لتوفر الدواعي على نقله،
والعادة تقضي (1) بتواتره.
رد: بالمنع (2).
ويلزمهم وجوب الوِتْر (3)
__________
(1) في (ظ): تقتضي.
(2) يعني: منع قضاء العادة بتواتره.
(3) القائل بوجوب الوتر استدل بحديث: (إِن الله زادكم صلاة،
ألا وهي الوتر، فصلُّوها ما بين العشاء إِلى طلوع الفجر).
انظر: الهداية 1/ 65.
وقد ورد من حديث خارجة بن حُذافة قال: قال الرسول: (إِن الله
أمدكم بصلاة هي خير لكم من حُمْر النَّعَم، وهي الوتر، فجعلها
لكم فيما بين العشاء إِلى طلوع الفجر).
أخرجه أبو داود في سننه 2/ 128 - 129، والترمذي في سننه 1/
281، وقال: غريب، وابن ماجه في سننه/ 369، والحاكم في المستدرك
1/ 306 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في
التلخيص.
وورد من حديث عمرو بن العاص وعقبة، أخرجه إِسحاق بن راهويه في
مسنده والطبراني في معجمه بلفظ: (إِن الِله عَزَّ وَجَلَّ
زادكم صلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر ...) فانظر: نصب
الراية 1/ 109، ومجمع الزوائد 2/ 240.
وورد من حديث ابن عباس، أخرجه الدارقطني في سننه، والطبراني في
معجمه بلفظ: (إِن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)، فانظر: سنن
الدارقطني 2/ 30، ونصب الراية 1/ 110.
وورد من حديث أبي بَصْرة الغفاري، أخرجه الحاكم في المستدرك 3/
593=
(2/619)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
__________
=تعليقًا، وأحمد في مسنده 6/ 397، والطبراني في معجمه (انظر:
مجمع الزوائد 2/ 239) بلفظ: (إِن الله زادكم صلاة، وهي الوتر،
فصلوها فيما بين صلاة العشاء إِلى صلاة الصبح).
وورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: (إِن الله
قد زادكم صلاة)، فأمرنا بالوتر. أخرجه الدارقطني في سننه 2/
31، وأحمد في مسنده 2/ 180، 206، 208.
وورد من حديث ابن عمر، أخرجه الدارقطني في غرائب مالك. فانظر:
نصب الراية 1/ 100 - 111.
ومن أحاديث الباب التي ذكرها من قال بوجوب الوتر: حديث أبي
أيوب: قال - عليه السلام -: (الوتر حق على كل مسلم). أخرجه أبو
داود في سننه 2/ 132، والنسائي في سننه 3/ 238، وابن ماجه في
سننه/ 376، والحاكم في المستدرك 3/ 301، والطبراني في الأوسط
والكبير بلفظ: (الوتر واجب على كل مسلم). (انظر: مجمع الزوائد
2/ 240).
وحديث بريدة: قال - عليه السلام -: (الوتر حق، فمن لم يوتر
فليس منا). أخرجه أبو داود في سننه 2/ 129، والحاكم في
المستدرك 1/ 305 - 306 وصححه.
وحديث أبي سعيد: قال - عليه السلام -: (أوتروا قبل أن تصبحوا).
أخرجه مسلم في صحيحه/ 519 - 520.
وحديث معاذ: سمعت رسول الله يقول: (زادني ربي صلاة هي الوتر،
ووقتها ما بين العشاء إِلى طلوع الفجر). انظر: مسند أحمد 5/
242.
وحديث ابن مسعود: (الوتر واجب على كل مسلم). أخرجه البزار في
مسنده (انظر: كشف الأستار 1/ 352).=
(2/620)
ونقض الطهارة بخاسة من غير السبيل (1)
__________
=وراجع الكلام عن هذه الأحاديث وبيان درجتها في: نصب الراية 2/
108 - 113، والدراية 1/ 188 - 190، ومجمع الزوائد 2/ 239، وسنن
البيهقي 2/ 468 - 470.
(1) كالنقض بالقيء والرُّعاف: ورد من حديث عائشة مرفوعًا،
أخرجه ابن ماجه في سننه/ 385 - 386 قال - عليه السلام -: (من
أصابه قيء أو رعاف ... فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن علي صلاته وهو
في ذلك لا يتكلم). في الزوائد: في إِسناده إِسماعيل بن عياش،
وقد روى عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة. وأخرجه الدارقطني
في سننه 1/ 153 - 155 وتكلم فيه، والبيهقي في سننه 1/ 142 -
143 وتكلم فيه.
وورد النقض -أيضًا- من حديث أبي سعيد مرفوعًا: (من رعف في
صلاته فليرجع فليتوضأ وليس علي صلاته). أخرجه الدارقطني في
سننه 1/ 157 وقال: فيه أبو بكر الداهرى عبد الله بن حكيم متروك
الحديث.
وأخرج أحمد في مسنده 6/ 449، والترمذي في سننه 1/ 59 عن أبي
الدرداء: أن رسول الله قاء فأفطر فتوضأ. قال الترمذي: وقد جود
حسين المُعَلِّم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب.
وأخرج الدارقطني في سننه 1/ 156 عن سلمان قال: رآني النبي وقد
سال من أنفي دم، فقال: (أحدث وضوءًا). وأخرجه البزار في مسنده
وسكت عنه على ما في نصب الراية، وفي إِسناد الحديث مقال.
فانظر: نصب الراية 1/ 41.
وأخرج الدارقطني في سننه 1/ 156 - 157 عن ابن عباس قال: كان
رسول الله إِذا رعف في صلاته توضأ ثم بني على ما مضى من صلاته.
في إِسناده: عمر بن رِيَاح، متروك.=
(2/621)
وتثنية الإِقامة (1) والمشي خلف الجنازة
(2).
__________
=وأخرج الدارقطني في سننه 1/ 152 - 153 عن ابن عباس قال: قال
رسول الله: (إِذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم
ثم ليعد وضوءه ويستقبل صلاته). فيه سليمان بن أرقم، متروك.
(1) تثنية الإِقامة: وردت من حديث معاذ مرفوعًا، أخرجه أبو
داود في سننه 1/ 347 - 348، وأحمد في مسنده 5/ 246، والبيهقي
في سننه 1/ 420 - 421.
ووردت من حديث عبد الله بن زيد مرفوعاً، أخرجه الترمذي في سننه
1/ 125 ... عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد.
قال الترمذي: وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن
زيد.
ووردت من حديث أبي محذورة مرفوعًا، أخرجه أبو داود في سننه 1/
341 - 342، والنسائي في سننه 2/ 4، وابن ماجه في سننه/ 235.
وانظر الكلام عن أحاديث تثنية الإِقامة في: نصب الراية 1/ 266
- 271.
(2) المشي خلف الجنازة: ورد من حديث ابن مسعود مرفوعاً، أخرجه
أبو داود في سننه 3/ 525، والترمذي في سننه 2/ 239، وابن ماجه
في سننه/ 476، وفي إِسناده: يحيى المجبر، قال أبو داود: ضعيف.
وفيه: أبو ماجدة، قال أبو داود والترمذي: مجهول. وقال الترمذي:
هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن مسعود إِلا من هذا الوجه، وسمعت
محمَّد بن إِسماعيل يضعف حديث أبي ماجدة هذا.
وورد من حديث أبي هريرة مرفوعًا، أخرجه أبو داود في سننه 3/
517 - 518، وأحمد في مسنده 2/ 528 وفي إِسناده رجلان مجهولان.
فانظر: نصب الراية 2/ 290.
وورد من حديث أبي أمامة مرفوعًا، أخرجه الحاكم في مستدركه 4/
40 وسكت عنه.
وورد من حديث سهل بن سعد مرفوعًا، أخرجه ابن عدي في الكامل
-على ما في نصب الراية 2/ 291 - والطبراني في الكبير على ما في
مجمع الزوائد 3/ 31.=
(2/622)
مسألة
خبر الواحد فيما يوجب الحد مقبول عندنا وعند (1) العلماء
خلافًا للكرخي (2) وأبي عبد الله البصري (3)، لما سبق (4).
قالوا: الحد يُدْرأ بالشبهة.
رد: لا شبهة كما لا شبهة مع البينة والقياس.
مسألة
يجب العمل بحمل الصحابي ما رواه على أحد محمليه عندنا وعند
عامة العلماء؛ عملاً بالظاهر.
__________
=وقد تكلم في سنده.
وورد من حديث علي مرفوعًا، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/ 447 -
449، وقد أعله ابن عدي في الكامل. فانظر: نصب الراية 2/ 291.
وورد من حديث ابن عمر، أخرجه ابن عدي في الكامل وضعفه. فانظر:
نصب الراية 2/ 292.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه 3/ 445 ... عن طاوس: ما مشى رسول
الله -حتى مات- إِلا خلف الجنازة. وهو مرسل.
(1) نهاية 64 ب من (ظ).
(2) انظر: أصول السرخسي 1/ 333، وفواتح الرحموت 1/ 372.
(3) انظر: المعتمد/ 570 - 571.
(4) في قبول خبر الواحد. انظر: ص 503 من هذا الكتاب.
(2/623)
وقال الآمدي (1): لا يبعد أن لا يجب، فيعمل
باجتهاده، فإِن لم يظهر شيء وجب.
وحكى السرخسي (2) عن أبي بكر الرازي: لا يعمل به، كتفسير ابن
عمر تفرق المتبايعين (3) بفعله (4).
قال بعض أصحابنا (5): هذه المسألة فرع على أن قوله ليس بحجة،
أو (6) اختلفوا فيها (7).
وللمالكية خلاف (8).
* * *
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 115.
(2) أبو سفيان. فانظر: العدة/ 591.
(3) الوارد في قوله - عليه السلام -: (البيعان بالخيار ما لم
يتفرقا). أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 64، ومسلم في صحيحه/ 1163
من حديث ابن عمر.
(4) وهو: أنه كان إِذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله قام فمشى
ثم رجع إِليه. أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 65، ومسلم في صحيحه/
1164.
(5) انظر: المسودة/ 129، والآداب الشرعية 2/ 301.
(6) في (ح) و (ظ): واختلفوا.
(7) في المسودة: أو كان ذلك في مسألة فيها خلاف بين الصحابة.
(8) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 72، وشرح تنقيح الفصول/ 371.
(2/624)
وفي وجوب الرجوع إِلى التابعي (1) روايتان
عن أحمد، ذكرهما أبو الخطاب وغيره (2).
وتَأوَّل (3) القا ضي (4) رواية الوجوب (5).
واختار ابن عقيل: لا يجب (6).
* * *
وإِن حمله الصحابي- بتفسيره أو عمله- على غير ظاهره عُمِل
بالظاهر في رواية، واختارها القاضي (7) (8) وغيره -ولو قلنا:
قوله حجة- وأكثر
__________
(1) نهاية 177 من (ح).
(2) انظر: التمهيد/ 128أ، والواضح 2/ 171أ.
(3) في (ظ): وتأويل.
(4) نقل القاضي في العدة/ 582 عن أحمد -في رواية المروذي-:
يوجد العلم بما كان عن النبي، فإِن لم يكن فعن أصحابه، فإِن لم
يكن فعن التابعين. قال القاضي: وإِنما قال هذا لأن غالب
أقوالهم لا تنفك عن أثر.
(5) قال ابن عقيل في الواضح 2/ 171أ: قال شيخنا -يعني القاضي-:
يحمل على إِجماعهم.
(6) انظر: المسودة/ 177. أقول: وظاهر صنيع ابن عقيل في الواضح
2/ 171أ: أنه اختار الوجوب؛ لأنه ضَعَّف تأويل القاضي لرواية
الوجوب.
(7) انظر: العدة/ 589.
(8) نهاية 85 ب من (ب).
(2/625)
الفقهاء، منهم: الشافعي وأكثر الحنفية (1).
وفي رواية: يُعْمل بقوله، وقاله بعض الحنفية (2) وغيرهم.
وللمالكية خلاف (3).
واختار عبد الجبار (4) وأبو الحسين والآمدي (5): يُعْمل
بالظاهر (6)، إِلا أن يُعْلَم مأخذه ويكون صالحًا، واختاره ابن
عقيل، ولعله مراد من أطلق.
* * *
وإِن كان الظاهر عمومًا فيأتي في التخصيص (7).
* * *
وإِن كان الخبر نصا لا يحتمل تأويلا -وخالفه- فالخلاف عندنا لا
يُرَدّ به الخبر ولا ينسخ (وش) (8)؛ لاحتمال نسيانه، ثم: لو
عرف ناسخه
__________
(1) انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 146، والإحكام للآمدي
2/ 115، وغاية الوصول/ 99، وتيسير التحرير 3/ 71.
(2) انظر: تيسير التحرير 3/ 72، وفواتح الرحموت 2/ 163.
(3) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 73، والمسودة/ 129.
(4) انظر: المعتمد/ 670.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 115 - 116.
(6) في (ب) و (ظ): بالظاهر، واختاره ابن عقيل، ولعله مراد من
طلق، إِلا أن يعلم مأخذه ويكون صالحًا.
(7) انظر: ص 970 من هذا الكتاب.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 116.
(2/626)
لذَكَره ورواه ولو مرة؛ لئلا يكون كاتما
للعلم.
وعن أحمد (1) لا يعمل به (وهـ) (2).
وقال الآمدي (3): يتعين ظهور ناسخ عنده، وقد لا يكون ناسخًا
عند غيره، فلا يترك النص باحتمال (4).
وبعض (5) من تبع الآمدي خالفه، وقال: في العمل بالنص نظر.
* * *
وإن عمل بخلاف خبرٍ أكثرُ الأمة لم يُرَدّ إِجماعًا.
واستثنى بعضهم (6) إِجماع المدينة بناء على أنه إِجماع.
مسألة
خبر الواحد المخالف للقياس -من كل وجه- مقدم عليه عند أحمد (7)
والشافعي (8) وأصحابهما والكرخي (9) والأكثر.
__________
(1) انظر: العدة/ 590.
(2) انظر: أصول السرخسي 2/ 6، وتيسير التحرير 3/ 72، وفواتح
الرحموت 2/ 163.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 116.
(4) في (ح): بالاحتمال.
(5) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 72.
(6) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 72.
(7) انظر: العدة/ 888.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 118.
(9) انظر: كشف الأسرار 2/ 378.
(2/627)
وعند المالكية (1): القياس، وقاله (هـ) إِن
خالف (2) الأصول أو معنى (3) الأصول لا قياس الأصول، وأجازوا
الوضوء بالنبيذ (4) سفرًا، وأبطلوا الوضوء بالقهقهة (5) داخل
الصلاة فقط.
__________
(1) للمالكية قولان. فانظر: شرح تنقيح الفصول/ 387.
(2) تبع المؤلف القاضي في نقل مذهب الحنفية. فانظر: العدة/
889. وقد جاء في تيسير التحرير 3/ 116 عن أبي حنيفة: أنه يقول
بتقديم خبر الآحاد على القياس مطلقًا. وراجع مذهب الحنفية في
المسألة في: أصول السرخسي 1/ 339، وكشف الأسرار 2/ 377، وفواتح
الرحموت 2/ 177.
(3) نهاية 178 من (ح).
(4) الوضوء بالنبيذ: ورد من حديث ابن مسعود -في قصة ليلة الجن-
مرفوعاً: (تمرة طيبة وماء طهور)، وأن النبي توضأ به. أخرجه أبو
داود في سننه 1/ 66، والترمذي في سننه 1/ 59 - 60، وابن ماجه
في سننه/ 135 - 136، وأحمد في مسنده 1/ 449، والدارقطني في
سننه 1/ 76 - 78، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 94 - 96.
وقد ضعف هذا الحديث جمع من المحدثين، فانظر: سنن الترمذي 1/
60، وسنن ابن ماجه/ 135 - 136، والفتح الرباني 1/ 205، ونصب
الراية 1/ 137 - 147، والدراية 1/ 63 - 66، وشرح معاني الآثار
1/ 95 - 96، وسنن الدارقطني 1/ 76 - 78، والمعتبر/ 87 ب.
وورد من حديث ابن عباس مرفوعًا: (إِذا لم يجد أحدكم ماء ووجد
النبيذ فليتوضأ به). أخرجه الدارقطني في سننه 1/ 76، وأخرج
-نحوه- من طريق آخر 1/ 75. وفيهما ضعف، فانظر: سننه، ونصب
الراية 1/ 147 - 148.
(5) تقدم خبر نقض الوضوء بالقهقة داخل الصلاة في ص 575.
(2/628)
وتوقف ابن الباقلاني (1).
وعند (2) أبي الحسين (3): إِن كانت العلة بنص قطعي فالقياس
كالنص (4) على حكمها، وإن كان الأصل مقطوعًا به فقط فالاجتهاد
والترجيح.
وعند صاحب المحصول: يقدم (5) الخبر ما لم توجب الضرورة تركه
كخبر المُصَرَّاة (6)، لمعارضته للإِجماع في ضمان المِثْل أو
(7) القيمة.
وعند الآمدي (8) ومن وافقه: إِن ثبتت العلة بنص راجح على الخبر
-وهي قطعية في الفرع (9) - فالقياس، أو ظنية فالوقف، وإلا
فالخبر.
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 118، ونهاية السول 2/ 312.
(2) نهاية 65أمن (ظ).
(3) انظر: المعتمد/ 654.
(4) يعني: لأن النص على العلة كالنص على حكمها.
(5) هذا الرأي قاله فخر الإسلام البزدوي في أصوله (انظر: كشف
الأسرار 2/ 377)، فلعل المؤلف قد رآه منسوباً للفخر، فظنه فخر
الدين الرازي، فقال: قال صاحب المحصول. وانظر: مذهب الرازي في
كتابه المحصول 2/ 1/ 619.
(6) أخرج البخاري في صحيحه 3/ 70 - 71، ومسلم في صحيحه/ 1155
عن أبي هريرة مرفوعًا: إلا تصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها
بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإِن رضيها أمسكها،
وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر).
(7) في (ظ): والقيمة.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 118 - 119.
(9) نهاية 86 أمن (ب).
(2/629)
ومعنى كلام جماعة من أصحابنا يقتضيه، وهو
متجه.
لنا: ما سبق في خبر الواحد من قول (1) عمر: "لولا هذا لقضينا
فيه برأينا (2) "، ورجوعه إِلى توريث المرأة من دية زوجها (3)،
وعمل جماعة من الصحابة.
وقال أحمد: أكثرهم ينهى الرجل عن الوضوء بفضل وضوء المرأة (4).
والقرعة في عتق (5) جماعة في مرض موته، وغير ذلك، وشاع ولم
ينكر.
__________
(1) انظر: ص 504 من هذا الكتاب.
(2) أخرجه الشافعي في الأم 6/ 107، والرسالة/ 427، وانظر:
بدائع المنن 2/ 268.
(3) انظر: ص 506 من هذا الكتاب.
(4) ورد النهي عن وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة في حديث رسول
الله، من رواية الحكم ابن عمرو (الأقرع) مرفوعًا. أخرجه أبو
داود في سننه 1/ 63، والترمذي في سننه 1/ 44، وقال: حديث حسن،
والنسائي في سننه 1/ 179، وابن ماجه في سننه / 132، والطيالسي
في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 42)، وأحمد في مسنده 5/ 66،
وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 80).
(5) وردت هذه القرعة في حديث رسول الله، فقد أخرج مسلم في
صحيحه/ 1288 عن عمران بن حصين: أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له
عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله، فجزأهم
أثلاثًا، ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة، وقال له قولاً
شديدًا. وأخرجه أبو داود في سننه 4/ 266 - 270، والترمذي في
سننه 2/ 409 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 4/ 64 وابن ماجه
في سننه/ 786.
قال الخطابي في معالم السنن -المطبوعة في هامش سنن أبي داود 4/
267 - :
(2/630)
واعترض: بمثل قول ابن عباس لأبي هريرة -وقد
روى عنه عليه السلام: (توضؤوا مما مَسَّت النار (1) - فقال:
أنتوضأ من الحميم؟ أي: الماء الحار،
__________
=وقد اعترض على هذا قوم، فقالوا: في هذا ظلم للعبيد؛ لأن السيد
إِنما قصد إِيقاع العتق عليهم جميعًا، فلما منع حق الورثة من
استغراقهم وجب أن يقع الجائز منه شائعًا فيهم، لينال كل واحد
منهم حصته منه، كما لو وهبهم ولا مال له غيرهم، وكما لو كان
أوصى بهم فإِن الهبة والوصية قد تصح في الجزء في كل واحد منهم.
قلت: هذا قياس ترده السنة، وإذا قال صاحب الشريعة قولاً وحكم
بحكم لم يجز الاعتراض عليه برأي ولا مقابلة بأصل آخر، ويجب
تقريره على حاله واتخاذه أصلاً في بابه ... ا. هـ.
(1) هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه/ 272 - 273 من حديث أبي
هريرة وعائشة باللفظ المذكور، ومن حديث زيد بن ثابت بلفظ:
(الوضوء مما مست النار). وأخرجه أبو داود في سننه 1/ 134 من
حديث أبي هريرة بلفظ: (الوضوء مما أنضجت النار). ومن حديث أم
حبيبة بلفظ: (توضؤوا مما غيرت النار أو مما مست النار). وأخرجه
الترمذي في سننه 1/ 52 من حديث أبي هريرة بلفظ: (الوضوء مما
مست النار). قال: وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت
وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي موسى. وأخرجه النسائي في سننه 1/ 105
- 106 من حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة وأم حبيبة بلفظ: (توضؤوا
مما مست النار)، ومن حديث أبي أيوب وأبي طلحة بلفظ: (توضؤوا
مما غيرت النار). وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 163 من حديث أبي
هريرة بلفظ (توضؤوا مما غيرت النار)، ومن حديث عائشة وأنس
بلفظ: (توضؤوا مما مست النار). وأخرجه الطيالسي في مسنده
(انظر: منحة العبود 1/ 58) من حديث أبي هريرة بلفظ: (الوضوء
مما مست النار)، ومن حديث أم حبيبة بلفظ: (الوضوء مما غيرت
النار أو مما مست النار).
(2/631)
فقال أبو هريرة: يابن أخي، إِذا سمعتَ
حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا تضرب له مثلاً.
رواه الترمذي وابن ماجه (1).
رد بأن ذلك استبعاد لمخالفة الظاهر (2).
وفي الصحيحين (3): عن ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - أكل كتف شاة وصلى (4) ولم يتوضأ".
وأيضًا: خبر معاذ، سبق (5) في أن الإِجماع حجة.
ولأن الخبر أقوى في غلبة الظن؛ لأنه يجتهد فيه في العدالة
والدلالة، ويجتهد في القياس في: ثبوت حكم الأصل، وكونه معللاً،
وصلاحية الوصف للتعليل، ووجوده في الفرع، ونفي المعارض في
الأصل والفرع.
واعترض: باحتمال كذب الراوي، وفسقه، وكفره، وخطئه، والإِجمال
في الدلالة، والتجوز والإِضمار والنسخ، مما لا يحتمله القياس.
رد: بأنه بعيد، وبتطرقه إِلى أصل ثبت بخبر الواحد، وبتقديم
ظاهر الكتاب والسنة المتواترة مع التطرق في الدلالة.
قالوا: ظنُّه في الخبر من جهة غيره، وفي القياس من نفسه، وهو
بها
__________
(1) انظر: سنن الترمذي 1/ 52، وسنن ابن ماجه/ 163.
(2) يعني: لم يخالفه للقياس، بل لاستبعاده له لظهور خلافه.
انظر: شرح العضد 2/ 73.
(3) انظر: صحيح البخاري 1/ 48، وصحيح مسلم / 273.
(4) نهاية 179 من (ح).
(5) انظر: ص 393 من هذا الكتاب.
(2/632)
أوثق.
رد: بأن الخطأ إِليه أقرب من (1) الخبر، والخبر مستند إِلى
المعصوم، ويصير ضروريًا بضم أخبار إِليه، ولا يفتقر إِلى قياس.
ولا (2) إِجماع في لبن المصراة (3)، وهو أصل بنفسه، أو مستثنى
للمصلحة وقطع النزاع لاختلاطه.
* * *
فأما إِن كان أحدهما أعم خص بالآخر على خلاف يأتي (4).
مسألة (5)
المرسَل: قول غير الصحابي في سائر الأعصار: قال النبي - صلى
الله عليه وسلم -، عند أصحابنا -قال القاضي (6) وابن عقيل (7):
هو ظاهر كلام أحمد "ربما كان المنقطع أقوى إِسنادًا"- وقاله
الكرخي والجرجاني وجماعة من الشافعية
__________
(1) نهاية 86 ب من (ب).
(2) هذا رد على ما نقله عن صاحب المحصول.
(3) يعني: لا إِجماع على أن الضمان يكون بالمثل أو القيمة.
(4) انظر: ص 980، 1629 من هذا الكتاب.
(5) نهاية 65 ب من (ظ).
(6) انظر: العدة/ 906 - 907، 917.
(7) انظر: المسودة/ 251.
(2/633)
وغيرهم (1) وبعض المحدثين (2).
وقد قال يحيى القَطَّان (3): مرسلات (4) ابن عُيَيْنَة تشبه
الريح، ثم قال: إِيْ والله، وسفيان بن سعيد (5)، قال ابن
المديني: قلت: فمرسلات مالك؟ قال: هي أَحَبُّ إِليَّ.
وقال بعض أصحابنا (6): ليس هذا (7) مذهب أحمد، فإِنه لم يحتج
__________
(1) نهاية 180 من (ح).
(2) انظر: العدة / 918، والمسودة/ 251، وأصول الجصاص / 193 ب،
وتيسير التحرير 3/ 102، وفواتح الرحموت 2/ 174، والكفاية/ 20،
والمستصفى 1/ 169، والإحكام للآمدي 2/ 123، ونهاية السول 2/
324، وشرح العضد 2/ 74، وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 168.
(3) هو: أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فَرُّوخ، التميمي -بالولاء-
البصري، من تابعي التابعين، محدث حافظ إِمام في "الجرح
والتعديل" توفي سنة 198 هـ.
انظر: تاريخ بغداد 14/ 135، ومشاهير علماء الأمصار/ 161،
وتذكرة الحفاظ/ 298، وميزان الاعتدال 4/ 380، والمنهج الأحمد
1/ 57.
(4) انظر: الكفاية/ 386 - 387.
(5) هو: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثورى الكوفي
إِمام حافظ محدث فقيه، توفي بالبصرة سنة 161 هـ. قال ابن حجر
في التقريب: ثقة حجة ... وكان ربما دلس.
انظر: حلية الأولياء 6/ 356، وصفة الصفوة 3/ 147، ووفيات
الأعيان 2/ 127، وتذكرة الحفاظ/ 203، وتقريب التهذيب 1/ 311.
(6) انظر: المسودة/ 251.
(7) يعني: كون مرسل كل عصر مقبولاً.
(2/634)
بمراسيل وقته، لكن هذا إِذا قاله محدِّث
عارف أو احتج به فنَعَمْ كتعليق البخاري المجزوم به، قال:
وبحثُ القاضي يدل على أنه أراد بالمرسل في عصرنا ما أرسله عن
واحد، وهذا قريب.
وفي التمهيد (1) -أيضًا-: يقبل إِن أرسل في وقت لم تكن
الأحاديث مضبوطة، وإلا فلا.
وعند أكثر المحدثين: إِن قاله تابع التابعي فهو مُعْضَل.
وبعضهم -أيضًا-: إِن قاله تابعي صغير فليس بمرسل.
* * *
ثم: هو حجة في الأصح عن أحمد، وعليه أصحابه (وهـ م ع)، وحكاه
بعضهم عن الأكثر.
قال ابن جرير (2) وأبو الوليد الباجي (3): إِنكار كونه حجة
بدعة حَدَثَتْ بعد المائتين (4).
__________
(1) انظر: التمهيد / 121 ب.
(2) انظر: التمهيد لابن عبد البر 1/ 4.
(3) انظر: إِحكام الفصول/ 39 أ.
(4) التوقف في قبول المرسل والتحري في شأنه بدأ في عصر مبكر،
ففي مقدمة صحيح مسلم/ 12 - 13، 15: أن ابن عباس لم يقبل مرسل
بعض التابعين مع كون ذلك التابعي ثقة حجة، وأن ابن سيرين قال:
لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا
لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إِلى أهل
البدع فلا يؤخذ حديثهم.
(2/635)
فعلى هذا فهم بعض أصحابنا (1) من قول ابن
إِبراهيم لأحمد (2): مرسَل برجال ثبت أَحَبُّ (3) إِليك أو
حديث عن الصحابة؟ قال: عن الصحابة، أعجب إِليَّ تقديم قول
الصحابي.
وقال (4) القاضي (5): لو كان حجة لم يقدم عليه قول الصحابي
(6)؛ لأن من جَعَلَه حجة قدَّمه عليه.
وعن أحمد (7): ليس بحجة، وحكاه مسلم (8) عن أهل العلم
بالأخبار، وابن عبد البر (9) عن أهل الحديث.
فعلى هذا: هل يُرَجَّح به؟
قال فيه في العدة (10): لا يجوز الترجيح بما لا يثبت به حكم.
__________
(1) قال في المسودة/ 250: وهذا عندي يدل على خلاف ما قاله
القاضي؛ لأن الترجيح بينهما عند التعارض دليل الاكتفاء بكل
واحد منهما عند الإِنفراد.
(2) انظر: مسائل الإٍ مام أحمد لابن هانئ النيسابورى 2/ 165،
والعدة/ 909.
(3) في (ب): أحب.
(4) نهاية 87 أمن (ب).
(5) انظر: العدة/ 909.
(6) في (ب): الصحابة.
(7) انظر: العدة/ 908.
(8) انظر: صحيح مسلم/ 30.
(9) انظر: التمهيد لابن عبد البر 1/ 5.
(10) انظر: العدة/ 915.
(2/636)
وخالف أبو الطيب وغيره من الشافعية (1).
وسبق (2) مثله في الحديث الضعيف.
وقال السرخسي (3): حجة في القرون الثلاثة؛ لأنه - عليه السلام
- أثنى عليهم (*).
وقال عيسى بن أَبَان (4): ومن أئمة النقل أيضًا (5).
وقال (ش) (6): إِن أسنده غيره (7)، أو أرسله -وشيوخهما مختلفة-
__________
(1) انظر: المسودة/ 250، 252.
(2) انظر: ص 558، 565 من هذا الكتاب.
(3) أبو سفيان. فانظر: العدة/ 918.
(4) هو: أبو موسى عيسى بن أبان بن صدقة، فقيه حنفي مشهور، كان
من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي، توفي بالبصرة سنة 221 هـ.
من مؤلفاته: إِثبات القياس، وخبر الواحد.
انظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه/ 141، والجواهر المضية 1/ 401،
والفوائد البهية/ 151، وتاريخ بغداد 11/ 175، والفهرست/ 289.
(5) انظر: أصول الجصاص/ 193 ب.
(6) انظر: الرسالة/ 461، والإِحكام للآمدي 2/ 123، والمجموع 1/
61، ونهاية السول 2/ 324، وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 169.
(7) في (ح): غيرهما وأرسله.
(*) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 171، ومسلم في صحيحه/ 1962 -
1965 من حديث جمع من الصحابة مرفوعاً.
(2/637)
أو عضده قول صحابي أو أكثر العلماء أو عرف
أنه لا يُرْسِل إِلا عن عدل: قُبِلَ، وإلا فلا.
وأُخِذَ عليه: بأن العمل بالمسند (1).
وبأن ضم باطل إِلى مثله لا يفيد.
رد الأول: بأن المرسل صار حجة، والمسند قوي به، فيرجح على مسند
عارضه.
وبأن (2) الانضمام يحصل به (3) الظن أو يقوى.
وذكر الآمدي (4): أنه وافق الشافعي على ذلك أكثر أصحابه وابن
الباقلاني وجماعة.
واختار بعض أصحابنا (5) [بناء] (6) المسألة على الخلاف في قبول
المجهول. كذا قال.
وبعض أصحابنا (7): ما سبق (8) في (9) رواية العدل عن غيره.
__________
(1) نهاية 181 من (ح).
(2) في (ح) و (ظ): وبأن بالانضمام.
(3) نهاية 66 أمن (ظ).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 123.
(5) انظر: البلبل/ 69.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(7) يعني: اختار بعض أصحابنا ما سبق -في رواية العدل عن غيره-
من التفصيل بين من عادته أن لا يروي إِلا عن ثقة ... إِلخ.
فانظر: المسودة/ 253.
(8) انظر: ص 557 من هذا الكتاب.
(9) في (ظ): من.
(2/638)
ويتوجه أنه مذهب أحمد؛ فإِنه فرق بين مرسل
من يُعرف أنه لا يروي [إِلا] (1) عن ثقة وبين غيره، فإِنه قال
(2): مرسلات سعيد بن المسيب (3) أصحها، ومرسلات إِبراهيم (4)
لا بأس بها، وأضعفها: مرسلات الحسن وعطاء (5)؛ كانا يأخذان عن
كلٍّ، ومرسلات ابن سِيرين صحاح، ومرسلات عمرو بن دينار (6) أحب
إلى من مرسلات إِسماعيل بن أبي خالد (7)؛
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح) و (ب).
(2) انظر: العدة/ 907، 920 - 924، والكفاية/ 386.
(3) هو: أبو محمَّد سعيد بن المسيب بن حَزْن المخزومي، تابعي
محدث مفسر فقيه، توفي سنة 93 هـ.
انظر: حلية الأولياء 2/ 161، ووفيات الأعيان 2/ 117، ومشاهير
علماء الأمصار/ 63، وتذكرة الحفاظ/ 54، وشذرات الذهب 1/ 102.
(4) يعني: النخعي.
(5) هو: عطاء بن أبي رباح.
(6) هو: أبو محمَّد الجُمَحي -بالولاء- المكي، تابعي ثقة ثبت،
روى عن جابر وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم، وعنه شعبة والسفيانان
وقتادة وغيرهم، توفي سنة 126 هـ.
انظر: المعارف/ 468، وتذكرة الحفاظ/ 113، وتهذيب الأسماء
واللغات 1/ 2/ 27، وتقريب التهذيب 2/ 69.
(7) هو: أبو عبد الله البَجَلي الأحْمَسي -بالولاء- الكوفي،
حافظ ثقة ثبت، سمع من ابن أبي أوفى وطارق بن شهاب وآخرين، وحدث
عنه شعبة والسفيانان ويحيى القطان وغيرهم، توفي سنة 146 هـ.
انظر: العبر 1/ 203، وتذكرة الحفاظ/ 153، وتهذيب التهذيب 1/
291، وطبقات الحفاظ/ 66.
(2/639)
إِسماعيل لا يبالي عمن حدَّث (1)، وعمرو لا
يروي إِلا عن ثقة، ولا يعجبني مرسل يحيى بن أبي كثير (2)؛ لأنه
روى عن ضعاف.
وقيل له: لم كرهتَ مرسلات الأعمش؟ قال: لا يبالي عمن حدَّث.
وقيل له عن مرسلات سفيان (3). فقال (4): لا يبالي عمن روى.
ونقل مهنا (5): أن مرسل الحسن صحيح. وقاله ابن المديني (6).
ومثل ذلك كثير في كلام الأئمة.
احتج الأولون: بقبول مراسيل الأئمة من غير نكير.
وبأن الظاهر منهم: لا يطلقون إِلا بعد ثبوته، لإِلزام الناس
بحكم.
وذلك (7) ممنوع؛ لما سبق من التفرقة (8).
__________
(1) نهاية 87 ب من (ب).
(2) هو: أبو النضر يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي
-بالولاء- اليماني، روى عن أنس وجابر وأبي أمامة مرسلاً، توفي
سنة 129 هـ.
قال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت، لكنه يدلس ويرسل.
انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 652، ومشاهير علماء
الأمصار/ 191، وتذكرة الحفاظ/ 127، وتقريب التهذيب 2/ 356.
(3) هو: سفيان الثوري.
(4) في (ح): قال.
(5) انظر: العدة/ 924.
(6) انظر: تهذيب التهذيب 2/ 266.
(7) يعني: كون الظاهر ما ذكر.
(8) بين مرسل ومرسل.
(2/640)
واحتج الثاني: بأن فيه جهلاً بعين الراوي
وصفته.
رد: من عادته التحري فإِرساله دليلُ تعديلِه.
قالوا: كالشهادة (1) في (2) العدالة (3)، وإرسال شهادة الفرع
(4).
ولا يبقى للإِسناد فائدة.
رد: الشهادة أضيق.
وفائدته: عند التعارض ورفع الخلاف (5)، وقد يعين الراوي
المرويَّ عنه لعدم معرفته به، أو ليبحث المجتهد عنه بنفسه (6)،
فظنه أقوى من غيره.
* * *
أما مرسل الصحابة فحجة عندنا وعند الجمهور؛ عملا بالظاهر،
خلافا لبعض الشافعية.
وزعم (7) الصَّيْمَرِي (8) الحنفي (9): أن الصحابي إِذا قال:
"هذا كتاب
__________
(1) يعني: الخبر كالشهادة.
(2) نهاية 182 من (ح).
(3) يعني: في اشتراط العدالة.
(4) وهو غير مقبول.
(5) حيث اختلف في المرسل، ولم يختلف في المسند.
(6) في (ح): نفسه.
(7) انظر: المسودة/ 260.
(8) في (ح): الصميري.
(9) هو: أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمَّد، إِمام الحنفية
ببغداد، ثقة صاحب حديث، توفي سنة 436 هـ.=
(2/641)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه مرسل
حتى يقول: "حدثني بما فيه"؛ لأنه يحتمل: "هذا كتابه دَفَعه
إِليَّ، وقال: اعمل بما فيه أو اروِه عني"، وهو مرسل، لا يختلف
أهل الأصول في ذلك. كذا قال.
وذكر بعض أصحابنا (1) خلافه إِجماعًا.
وسبقت المناولة (2).
* * *
وإِن انقطع في الإِسناد رجل -كرواية تابع تابعي عن صحابي-
فمرسل، ذكره القاضي (3) وطوائف من الفقهاء وغيرهم.
والأشهر عند المحدثين: يسمى منقطعًا.
* * *
ومن روى عمن لم (4) يلقَه -ووقَفَه عليه- فمرسل أو منقطع يسمى
موقوفاً.
وسبق (5) في التعديل: هل يُعمل بالضعيف؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
__________
=من مؤلفاته: مسائل الخلاف في أصول الفقه، وأخبار أبي حنيفة
وأصحابه.
انظر: تاريخ بغداد 8/ 78، وتذكرة الحفاظ/ 1109، والجواهر
المضية 1/ 214، والفوائد البهية/ 67، وتاج التراجم/ 26.
(1) انظر: المسودة/ 260.
(2) انظر: ص 595 من هذا الكتاب.
(3) انظر: العدة / 906.
(4) نهاية 88 أمن (ب).
(5) انظر: ص 559 من هذا الكتاب.
(2/642)
|