أصول الفقه لابن مفلح

الأمر
وهو حقيقة في القول المخصوص (1) اتفاقًا، وهو (2) قسم من أقسام الكلام.
وعند الأشعرية (3): كما يطلق عليه يطلق على الكلام النفسي (4)، وهو المعنى القائم بالنفس الذي دل عليه اللفظ، والنفسي القديم وإِن كان واحداً بالذات فيسمى أمرًا ونهيًا وخبرًا وغيرها من أقسام الكلام باختلاف (5) تعلُّقه ومتعلَّقه، وإنما الخلاف في الفعل. كذا ذكره الأشعرية.
وعند أحمد وأصحابه والجمهور: الكلام الأصوات والحروف -والمعنى النفسي لا يسمى كلاما، أو يسمى مجازًا- لاستعمال الكتاب (6)
__________
(1) نهاية 66 ب من (ظ).
(2) يعني: الأمر.
(3) عدلت في (ب) و (ظ) إِلى: الأشعري.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 130 - 131.
(5) نهاية 183 من (ح).
(6) قال تعالى لزكريا: (آيتك ألا تُكلم الناس ثلاث ليال سَوِيًّا * فخرج على قومه من المحراب فأوحى إِليهم أن سبحوا بكرة وعَشِيًّا) سورة مريم: الآيتان 10، 11. فلم بسم إِشارته كلاما.

(2/643)


والسنة (1) وإجماع أهل اللغة (2)، ولو حلف "لا يتكلم" -فلم ينطق- لم يَحْنَثْ إِجماعًا، واتفاق أهل العرف أن من لم ينطق ليس متكلمًا.
واعترض: بنحو: (ويقولون في أنفسهم) (3)] (وأسِرُّوا قولكم) (4).
رد: أي يقول لعضهم لبعض، ثم: مجاز.
وفي فنون ابن عقيل: أَزْرَى رجل على من قال: "الكلام في النفس"، فقال حنبلي محقِّق -يقصد إِبانة الحق لا إِرضاء الخلق-: القرآن كلام الله قبل تلاوته علينا، وهو في الصدور ولم يخرج إِلى الصوت والحرف، فلا تُنكر ما لا تعلم.
* * *
واختلف كلام القاضي (5) وغيره في تسمية الكتابة كلاماً حقيقة.
* * *
__________
(1) أخرج البخاري في صحيحه 8/ 135، ومسلم في صحيحه/ 116 - واللفظ له- عن أبي هريرة مرفوعًا: (إِن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به).
(2) فقد اتفقوا على أن الكلام: اسم، وفعل، وحرف. انظر: الكتاب 1/ 2، والمقتضب 1/ 4، وروضة الناظر/ 189 - 190.
(3) سورة المجادلة: آية 8.
(4) سورة الملك: آية 13.
(5) انظر: العدة/ 224، والمسودة/ 14، والقواعد والفوائد الأصولية/ 162.

(2/644)


وعند أحمد وأصحابه والجمهور: الأمر مجاز في الفعل [(و)] (1). وفي الكفاية (2): "مشترك بينه وبين الشأن والطريقة ونحو ذلك"، قال بعض أصحابنا (3): هو الصحيح لمن أنصف، وقاله بعض المالكية وابن برهان وأبو الطيب وأبو الحسين البصري (4).
واختار الآمدي (5): متواطئ.
لنا: سَبْق القول إِلى الفهم عند الإِطلاق (6)، ولو كان متواطئا لم يفهم (7) منه الأخص؛ لأن الأعم لا يدل على الأخص.
وقول أهل اللغة (8).
واستدل: لو كان حقيقة في الفعل لزم الاشتراك (9)، ولاطَّرد؛ لأنه (10)
__________
(1) ما بين المعقوفتين من (ح).
(2) انظر: المسودة/ 16.
(3) انظر: المرجع السابق.
(4) انظر: المعتمد / 45.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 137.
(6) يعني: إِطلاق لفظ (أمر).
(7) نهاية 88 ب بن (ب).
(8) حيث حدوا الأمر بقول القائل: افعل ... إِلخ. انظر: العدة/ 222، 223.
(9) وهو خلاف الأصل، لكونه مخلا بالتفاهم. انظر: شرح العضد 2/ 76.
(10) يعني: لأن الاطراد. انظر: الإِحكام للآمدى 2/ 131.

(2/645)


من لوازمها (1)، ولا يقال للأكل (2): أمر، ولاشْتُقَّ له منه "آمر" ولا مانع (3)، ولاتَّحَدَ جمعاهما، ولَوُصِف بكونه مطاعا ومخالفا، ولَمَا صح نفيه.
ورد الأول: بمنع إِطلاقه عليه، بل على شأنه وقصته (4)، ومنه قوله.
ثم: مجاز، لدليلنا. وسبق (5) في تعارض المجاز والحقيقة.
والثاني: بالمنع، ثم: خُصَّ ببعض الأفعال، كالأمر بقول مخصوص.
والثالث: بأن الاشتقاق تابع للنقل والوضع (6)، وكما يتبع (7) الحقيقة يتبع بعض المسميات فلا يطرد (8) لعدم الاشتراك في ذلك المسمى.
وبه يجاب عن الرابع والخامس.
والسادس: بالمنع.
__________
(1) يعني: لوازم الحقيقة. انظر: المرجع السابق.
(2) في (ب) و (ح): للآكل آمر. وانظر: المرجع السابق.
(3) يعني: ولا مانع من ذلك في اللغة، ولم يشتق منه. انظر: المرجع السابق.
(4) كذا في النسخ. ولعلها: وصفته.
(5) انظر: ص 86 - 87 من هذا الكتاب.
(6) نهاية 184 من (ح).
(7) يعني: وكما يتبع الاشتقاق الحقيقة. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 135.
(8) يعني: فلا يطرد في غيره. انظر: المرجع السابق.

(2/646)


القائل "مشترك": إِطلاقه (1) وجمعه (2) -ولا علاقة- فكان حقيقة.
رد: بالمنع، والمراد (3) القول (4) أو شأنه وقصته (5).
و"حمار" (6) للبليد جمعه "حُمُر".
ثم: كل (7) واحد من الأمر والأمور يقع موقع الآخر، وليس جمعًا له.
القائل "متواطئ": لدفع المجاز والاشتراك (8)، فيجعل لقدر مشترك وهو الوجود والصفة.
رد: يلزم رفعهما أبدا كذلك، وأن (9) يدل الأعم على الأخص، وبأنه إِحداث قول ثالث.
* * *
__________
(1) يعني: إِطلاقه على الفعل. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 137.
(2) يعني: يجمع على (أمور).
(3) من قولهم -مثلاً-: أمر فلان.
(4) نهاية 67 أمن (ظ).
(5) كذا في النسخ. ولعلها: وصفته.
(6) يعني: لا نسلم أن الجمع دليل الحقيقة. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 136.
(7) يعني: إِن سلمنا أن الجمع يدل على الحقيقة فلا نسلم أن (أمور) جمع (أمر).
انظر: المرجع السابق.
(8) لأنهما محذوران. انظر: شرح العضد 2/ 76.
(9) يعني: ويلزم أن يدل ...

(2/647)


حد الأمر: اقتضاء فعل أو استدعاء فعل بقول من هو دونه، قاله في العدة (1) والواضح (2)، وقال: "استدعاء الأعلى" لتعود الهاء إِليه؛ لأنه لا يجوز في الحد إِضمار، فيجوز: استدعاء فعل بقول من الدُّون.
وفي التمهيد (3) والروضة (4): "استدعاء فعل بقول بجهة الاستعلاء"، وهو معنى حد الأشعرية (5).
وقال بعض أصحابنا (6): لو أُسقِط "بقول" أو زِيد "أو ما قام مقامه" استقام.
وبعضهم (7) -أيضًا-: قول يطلب به الأعلى من الأدنى فعلا أو غيره. كذا قالوا (8).
والأولى على أصلنا: قول مع اقتضاء بجهة الاستعلاء.
وقال ابن برهان (9): تعتبر إِرادة المتكلم بالصيغة بلا خلاف، حتى لا يرد
__________
(1) انظر: العدة 1/ 157.
(2) انظر: الواضح 1/ 24 أ.
(3) انظر: التمهيد/ 18 ب.
(4) انظر: روضة الناظر/ 189.
(5) انظر: المحصول 1/ 2/ 22، والإِحكام للآمدي 2/ 140.
(6) انظر: البلبل/ 84.
(7) انظر: المسودة/ 10.
(8) نهاية 89 أمن (ب).
(9) انظر: المسودة/ 4.

(2/648)


نحو: نائم وساه (1).
وأخرج أصحابنا ذلك والتهديد وغيره (2) بالاستدعاء بجهة الاستعلاء، وإن عدلنا فلقرينة.
[ثم] (3) قال ابن عقيل (4) وغيره: اتفقنا أن إِرادة النطق معتبرة، وإِلا فليس طلبًا واقتضاء واستدعاء، واختلف الناس: هل هو كلام؟ فنفاه المحققون: فقدم لقيام الكلام بالنفس (5)، وقوم لعدمِ إِرادة، وعندنا: لأنه مدفوع إِليه، كخروج حروف (6) عن غلبة عطاس ونحوه.
[(7) والكتابة ليست كلاما حقيقة، قال ابن عقيل (8): عند أحد] (9).
__________
(1) جاء -هنا- في (ب) و (ظ): (والكتابة ليست كلاما حقيقة، قال ابن عقيل: عند أحد). وسيرد هذا الكلام في السطر الثامن من هذه الصفحة.
(2) في (ب) و (ظ): وغيره وحد أصحابنا وجود اللفظ بالاستدعاء.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) انظر: الواضح 1/ 238 ب.
(5) وهذا لم يعبر عما في النفس.
(6) في (ب) و (ظ): حرف.
(7) ما بين المعقوفتين -هنا- من (ح). وقد ورد في (ب) و (ظ) متقدمًا، وسبقت الإِشارة إِليه في هامش 1.
(8) انظر: الواضح 1/ 236 أ.
(9) جاء -بعد هذا- في (ح): (وفي التمهيد والروضة: استدعاء فعل بقول بجهة الاستعلاء، وقال بعض أصحابنا: قول يطلب به الأعلى من الأدنى فعلا أو غيره). وهو مكرر مع ما تقدم في ص 648.

(2/649)


وحد أكثر المعتزلة (1) الأمر بقول القائل لمن دونه: "افعل" أو ما يقوم مقامه من غير العربية.
ونُقِضَ طرده: بالتهديد والإِباحة والتكوين والإِرشاد، والحاكي، وبصدوره من الأعلى خضوعًا، وعكسه: بصدوره من الأدنى استعلاء.
وبعضهم: صيغة "افعل" مجردة عن القرائن الصارفة عن الأمر.
وفيه: تعريف الأمر بالأمر.
وإن أسقط قيد القرائن بقي: "صيغة افعل مجردة"، فيرد التهديد وغيره.
وبعضهم: صيغة "افعل" باقتران إِرادات ثلاث: إِرادة (2) وجود اللفظ (3)، وإرادة دلالتها على الأمر، وإرادة الامتثال.
فالأول: عن النائم، والثاني: عن التهديد وغيره، والثالث: عن الحاكي والمبلِّغ.
وهو فاسد؛ فإِن الأمر الذي هو المدلول إِن كان الصيغة فسد، فإِنها لم تُرَد (4) دلالتها على اللفظ، وإن كان المعنى (5) لم يكن الأمر الصيغة، وقد قال: إِنه هي.
__________
(1) انظر: المحصول 1/ 2/ 19، والإحكام للآمدي 2/ 137.
(2) نهاية 185 بن (ح).
(3) كذا في النسخ. والمناسب: اللفظة.
(4) في (ح): لم يرد.
(5) عدلت في (ب) و (ظ) إِلى: الأمر.

(2/650)


فإِن (1) قيل: الأمر الأول اللفظ مفسر بالصيغة، والأمر الثاني المعنى وهو الطلب (2)، أي: الأمر: الصيغة المراد بها دلالتها على الطلب.
رد: فيه استعمال المشترك في التعريف بلا قرينة.
واعتبر الجبائي (3) وابنه: إِرادة الدلالة.
وبعضهم (4): إِرادة الفعل.
ونقض عكسه: بصدوره بلا إِرادة، بأن توعد سلطان على ضرب زيدٍ عبدَه بلا جرم، فادعى مخالفة أمره، وأراد تمهيد عذره بمشاهدته، فإِنه يأمره ولا يريد امتثاله.
وهذا -أيضًا- يلزم من حد الأمر بالطلب (5) وهو الاقتضاء.
ورده -أيضًا- أصحابنا وغيرهم: بأنه كان يجب وجود كل أوامر الله؛ فإِن إِرادة الفعل تخصيصه بوقت حدوثه، فإِذا لم يوجد لم يتخصص، فلم تتعلق (6) به.
__________
(1) نهاية 67 ب من (ظ).
(2) نهاية 89 ب من (ب).
(3) انظر: المحصول 1/ 2/ 43، ونهاية السول 2/ 11.
(4) يعني: عرف بعضهم الأمر بأنه: إِرادة الفعل.
(5) لأن السيد -في هذه الصورة- آمر لعبده مع علمنا بأنه يستحيل منه طلب الفعل من عبده، لما فيه من تحقيق عقابه وكذبه، والعاقل لا يطلب ما فيه مضرته وإظهار كذبه.
انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 139.
(6) في (ب): فلم يتعلق.

(2/651)


ولا تشترط الإِرادة لغة إِجماعًا.
وحده بعض الشافعية (1) بأنه: خبر عن الثواب على الفعل والعقاب على الترك.
وفيه: لزومهما.
فقيل: باستحقاقهما (2).
فرد: باستلزام الخبر للصدق أو الكذب، والأمر لا يحتمله.
وحده ابن الباقلاني (3) وأبو المعالي (4) والغزالي (5) -قال الآمدي (6): وأكثرهم-: بالقول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به.
ورد: بأن المأمور مشتق من الأمر، وبأن الطاعة موافقة الأمر، وهما دور.
واختار الآمدي (7) -على قاعدة أصحابه في كلام النفس-: طلب فعل على جهة (8) الاستعلاء. فالفعل: عن النهي، والباقي: عن الدعاء
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 139.
(2) يعني: قيل: هو خبر عن استحقاق الثواب والعقاب. انظر: المرجع السابق.
(3) انظر: المحصول 1/ 2/ 19، والإِحكام للآمدي 2/ 140.
(4) انظر: البرهان/ 203.
(5) انظر: المستصفى 1/ 411.
(6) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 140.
(7) انظر: المرجع السابق.
(8) نهاية 186 من (ح).

(2/652)


والالتماس.
وقَيَّد بعضهم (1) الفعل بـ "غير كف"، ليخرج النهي، فإِنه فعل كف.
وأورد: "اترك" و"كُف" أمران، وهما اقتضاء فعل هو كف، و"لا تترك" و"لا تكف" نهي، وهما اقتضاء فعل غير كف بجهة الاستعلاء.
ولم يشترط بعض الأشعرية (2) الرتبة، [وهو غريب ضعيف] (3)، وحكي عن المعتزلة، لقول فرعون: (فماذا (4) تأمرون) (5).
وحكى بعضهم (6) اعتبار (7) العلو، وأبي (8) الحسين (9) الاستعلاء، وأبطلهما بـ (فماذا (10) تأمرون).
رد: من قول الملأ، ثم (11): هو استشارة؛ لأن من أمر سيده أحمق
__________
(1) انظرة مختصر ابن الحاجب 2/ 77.
(2) انظر: المحصول 1/ 2/ 45، ونهاية السول 2/ 3.
(3) ما بين المعقوفتين من (ح).
(4) في النسخ: ماذا.
(5) سورة الأعراف: آية 110.
(6) انظر: المحصول 1/ 2/ 45، ونهاية السول 2/ 4.
(7) يعني: حكى بعضهم عن المعتزلة اعتبار العلو.
(8) يعني: وحكى عن أبي الحسين الاستعلاء.
(9) انظر: المعتمد / 49.
(10) في النسخ: ماذا.
(11) نهاية 90 أمن (ب).

(2/653)


إِجماعا.
قال في الواضح (1): لا خلاف أنه من العبد لله ليس أمرًا لدنو الرتبة، وأجمعوا على اعتبار الرتبة في الحد.
وهو من المماثل: سؤال.
وقال بعض المعتزلة: اقتضاء وطلب. وفي الواضح (2): هو قول حسن.
* * *
وعند أحمد (3) وأصحابه والجمهور: للأمر صيغة تدل بمجردها عليه لغة.
ومنع ابن عقيل (4) أن يقال: "للأمر صيغة"، أو أن يقال: "هي دالة عليه"، بل الصيغة نفسها هي الأمر، والشيء لا يدل على نفسه، وإِنما يصح (5) عند المعتزلة "الأمر (6) الإِرادة"، والأشعرية (7) "معنى (8) في النفس".
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 235 ب.
(2) انظر: الواضح 1/ 232 أ- ب.
(3) انظر: العدة/ 214.
(4) انظر: الواضح 2/ 134 - ب، والمسودة/ 9.
(5) نهاية 68 أمن (ظ).
(6) يعني: المعتزلة الذين يقولون: الأمر الإرادة.
(7) في (ب) و (ح): أو الأشعرية.
(8) يعني: الأشعرية الذين يقولون: معنى في النفس.

(2/654)


وكذا قال أبو المعالي (1): صيغة الأمر كقولك: ذات الشيء ونفسه.
وقال بعض أصحابنا (2): "للأمر صيغة "صحيح؛ لأن الأمر: اللفظ والمعنى، فاللفظ دل على التركيب، وليس هو عين المدلول، ولأن اللفظ دل على صفته (3) التي هي الأمرية (4)، كما يقال (5): يدل على كونه أمرًا. ولم يُقَل: على الأمر.
وقد قال القاضي (6): "الأمر يدل على طلب الفعل واستدعائه". فجعله مدلول الأمر لا عين الأمر.
وقال القاضي (7) في كتاب الروايتين (8) -عن قول أحمد في رواية
__________
(1) انظر: البرهان/ 212.
(2) انظر: المسودة/ 9.
(3) في المسودة: صيغته.
(4) في (ب) و (ظ): الأمر به.
(5) في (ظ): كما يقول.
(6) انظر: العدة/ 246، والمسودة/ 8.
(7) انظر: الروايتين والوجهين/ 233 ب.
(8) كتاب الروايتين والوجهين: كتاب في الفقه الحنبلي، يذكر فيه مؤلفه المسائل ذات الروايتين عن أحمد أو الوجهين في المذهب، وفي آخره مسائل من أصول الفقه وأصول الدين وعلوم القرآن والقراءات. وقد حقق المسائل الفقهية منه الدكتور عبد الكريم اللاحم -لنيل درجة الدكتوراه- ثم حقق المسائل الأصولية منه.

(2/655)


الجُوزجاني (1): "من تأول القرآن على ظاهره بلا أدلة من الرسول ولا أحد من الصحابة فهو تأويل أهل البدع؛ لأن الآية قد تكون عامة قصدت لشيء بعينه، والشعبي - صلى الله عليه وسلم - (2) هو المعبر عن كتاب الله"-: ظاهره: لا صيغة له، بل الوقف حتى يتبين (3) المراد من وجوب وندب.
قال بعض أصحابنا (4): نص أحمد في العموم (5)، واعتبر القاضي جنس الظواهر (6)، وهو اعتبار جيد، فيبقى قد حكى رواية بمنع التمسك بالظواهر المجردة حتى يعلم ما يفسرها، وهو الوقف المطلق وقوفًا شرعيًا، لمجيء التفسير والبيان (7) كثيراً مع ظهوره (8) لغة (9)، ومن أصحابنا من يفسر
__________
(1) هو: أبو عبد الرحيم محمَّد بن أحمد بن الجراح، أحد أصحاب الإِمام أحمد الذين نقلوا عنه.
انظر: طبقات الحنابلة 1/ 262، واللباب 1/ 308.
(2) نهاية 187 من (ح).
(3) في (ح): يبين.
(4) انظر: المسودة/ 12 - 13.
(5) يعني: لا في الأمر. انظر المسودة/ 12.
(6) من الأمر والعموم وغيرهما. انظر: المرجع السابق.
(7) يعني: بخلاف الظهور اللغوي. انظر: المسودة/ 13.
(8) يعني: كثيراً ما يأتي التفسير والبيان مع وجود الظهور اللغوي. انظر: المرجع السابق.
(9) نهاية 90 ب من (ب).

(2/656)


هذه الرواية بما يوافق كلامه (1): إِما الرواية المشهورة: يقف حتى يبحث عن المعارض فإِذا لم يوجد عمل به، وإِما منع الاكتفاء بها مع مخالفة سنة كطريقة (2) كثير من أهل الكلام والرأي، ولهذا صنف الرسالة (3) في الرد على من اتبع الظاهر وإن خالف (4) السنة.
وعند أكثر القائلين (5) بكلام النفس: للأمر صيغة.
وعند (6) الأشعري (7) ومن تبعه: لا صيغة له، فقيل: مشتركة. وقيل: لا ندري.
وقال أبو المعالي (8) والغزالي (9): لا خلاف في "أمرتك" و"أنت مأمور" و"أوجبت" و"ندبت"، إِنما الخلاف في صيغة "افعلْ" لترددها؛ فإِنها تستعمل في: الوجوب (أقم الصلاة) (10)، والندب (فكاتبوهم) (11)،
__________
(1) يعني: كلام أحمد.
(2) في (ظ): طريقة.
(3) المسماة: طاعة الرسول. انظر: إِعلام الموقعين 2/ 290.
(4) يعني: وإن خالف الظاهر السنة.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 141.
(6) في (ب): عند.
(7) انظر: البرهان/ 212، والإِحكام للآمدي 2/ 141.
(8) انظر: البرهان 1/ 214.
(9) انظر: المستصفى 1/ 417.
(10) سورة الإسراء: آية 78.
(11) سورة النور: آية 33.

(2/657)


والإِرشاد (فاستشهدوا) (1)، والإِباحة (فاصطادوا) (2)، والتأديب "كل مما يليك (3) "، والامتنان (كلوا مما رزقكم الله) (4)، والإكرام (ادخلوها بسلام) (5)، والتهديد (اعملوا ما شئتم) (6)، والتسخير (كونوا قردة) (7)، والتعجيز (كونوا (8) حجارة) (9)، والإِهانة والاحتقار (ذق إِنك أنت العزيز) (10)، (ألقوا (11) ما أنتم ملقون) (12)، والتسوية (فاصبروا (13) أو
__________
(1) كذا في النسخ. وهي آية 15 من سورة النساء (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم)، ولكنها للوجوب، فلعل المراد قوله تعالى: (واشتهدوا شهيدين من رجالكم) سورة البقرة: آية 282.
(2) سورة المائدة: آية 2.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 68، ومسلم في صحيحه/ 1599 من حديث عمر ابن أبي سلمة مرفوعاً.
(4) سورة الأنعام: آية 142.
(5) سورة الحجر: آية 46.
(6) سورة فصلت: آية 40.
(7) سورة البقرة: آية 65.
(8) في (ب): كونوه.
(9) سورة الإِسراء: آية 50.
(10) سورة الدخان: آية 49.
(11) في النسخ: بل ألقوا.
(12) سورة يونس: آية 80.
(13) نهاية 188 من (ح).

(2/658)


لا تصبروا) (1)، والدعاء (اغفر لي) (2)، والتمني:
ألا أيها (3) الليل الطويل ألا انجلي (4)
وكمال القدرة والتكوين (كن فيكون) (5)، والخبر "أَسْمِعْ بهم) (6) أي: سمعوا يوم القيامة ما أسمعهم حين لم ينفعهم (7).
رد: الصيغة لغة للاستدعاء حقيقة، ولغيره بقرينة، بدليل السبق إِلى الفهم والأصل عدم عرف طارئ (8).
وفي الواضح (9): هذا (10) عند قوم، وإلا فهي موضوعة في كل محل
__________
(1) سورة الطور: آية 16
(2) سورة الأعراف: آية 151.
(3) نهاية 68 ب من (ظ).
(4) هذا صدر بيت من معلقة امرئ القيس المشهورة، وعجزه:
بصبح وما الإِصباح فيك بأمثل
انظر: ديوان امرئ القيس/ 18.
(5) سورة البقرة: آية 117.
(6) سورة مريم: آية 38.
(7) في زاد المسير 5/ 233: فالمعنى: ما أسمعهم يوم القيامة سمعوا حين لم ينفعهم ذلك.
(8) في (ب): طاهر.
(9) انظر: الواضح 1/ 231 ب- 232 أ.
(10) يعني: كونها للاستدعاء حقيقة ولغيره بقرينة.

(2/659)


حقيقة، وأن الصيغة للتهديد وغيره، شابهت الأمر وليست أمرًا صُرِفت (1) إِلى غير الأمر بقرينة، وأن هذا سماعه من أئمة الأصول وأهل اللغة والعربية.
وقال: إِذا سمعت (2) الصيغة من وراء حجاب فهي لطلب الفعل في أصل الوضع (3)، كقول القائل: "يا عفيف يا كريم" موضوع (4) (5) للمدح، وفي الخصومة للذم، ولا يحسن استفهام السامع.

مسألة.
الأمر المطلق المجرد عن قرينة مجاز في غير الوجوب والندب والإِباحة والتهديد اتفاقًا، قاله الآمدي (6) وغيره.
وعند أحمد (7) وأصحابه وعامة المالكية (8) والشافعية (9) والفقهاء
__________
(1) في (ظ): اصرفت.
(2) في (ح): عرفت.
(3) فإِن كان مهددًا فهي للتهديد. انظر: الواضح 1/ 232 أ.
(4) يعني: فإِنه موضوع للمدح.
(5) نهاية 91 أمن (ب).
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 143.
(7) انظر: العدة/ 224.
(8) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 66، ومختصره 2/ 79، وشرح تنقيح الفصول / 127، ومفتاح الوصول/ 16.
(9) انظر: البرهان 216، والإِحكام للآمدي 2/ 144.

(2/660)


وأبي الحسين (1) وغيره من المعتزلة: حقيقة في الوجوب.
وعن أحمد (2): ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهل مما نهى عنه.
قال جماعة (3): لعله أراد: لأن جماعة (4) قالوا: "الأمر للندب ولا تكرار، والنهي للتحريم والدوام)؛ لئلا (5) يخالف نصوصه.
وأخذ أبو الخطاب (6) منه: أنه للندب، وقاله أبو هاشم (7) ومن تبعه وبعض الشافعية (8).
وقيل: للطلب المشترك بينهما.
وقيل: بالاشتراك (9) اللفظي.
الأشعري (10) وابن الباقلاني وغيرهما: بالوقف فيهما، أي: في
__________
(1) انظر: المعتمد/ 57، والإِحكام للآمدي 2/ 144.
(2) انظر: العدة/ 228.
(3) انظر: المرجع السابق/ 229، والمسودة/ 5.
(4) في (ظ): الجماعة.
(5) يعني: لا يحمل على أنه عنده للندب؛ لئلا يخالف منصوصاته الكثيرة. انظر: المسودة/ 5.
(6) انظر: التمهيد/ 21 أ.
(7) انظر: المعتمد/ 57 - 58، والمحصول 1/ 2/ 66، والإِحكام للآمدي 2/ 144.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 144.
(9) في (ظ): للاشتراك.
(10) انظر: البرهان/ 216 - 218.

(2/661)


الاشتراك والانفراد.
وقيل: مشترك فيهما وفي الإباحة.
وقيل: في الإِذن المشترك فيها (1).
وعند الشيعة (2): مشترك (3) فيها (4) وفي التهديد.
وقيل: في الإباحة (5).
لنا -على الوجوب-: أن الذم يستلزمه، وقد ذم بالاتفاق بقوله: (ما منعك ألا تسجد إِذ أَمَرْتُك) (6)، وأراد قوله: (اسجدوا (7)) (8)، (وإِذا قيل لهم اركعوا) (9).
__________
(1) يعني: في الثلاثة. انظر: شرح العضد 2/ 80.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 144.
(3) في (ح): مشتركة.
(4) يعني: في الثلاثة. انظر: شرح العضد 2/ 80.
(5) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 143.
(6) سورة الأعراف: آية 12.
(7) سورة الأعراف: آية 11.
(8) في (ظ) و (ب): اسجد وإذا قيل.
(9) سورة المرسلات: آية 48.

(2/662)


وأيضًا (1): (أَفَعَصَيْتَ أمري) (2)، (لا يعصون (3) الله ما أمرهم) (4).
والتهديد يستلزمه، وقد قال: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) (5).
واعترض: يدل على وجوب أمر هدد فيه أو حذر على مخالفته أو سمي به عاصيًا لا مطلقًا، وإِلا لزم الندب (6).
ثم: (يخالفون عن أمره) مطلق (7).
ثم: يلزم الندب.
ثم: المخالفة اعتقاد غير موجَبه (8) (9) من وجوب أو ندب (10).
__________
(1) يعني: تارك الأمور به عاص بدليل الآية، وكل عاص متوعد، وهو دليل الوحوب.
انظر: شرح العضد 2/ 80
(2) سورة طه: آية 93.
(3) نهاية 189 من (ح).
(4) سورة التحريم: آية 6.
(5) سورة النور: آية 63.
(6) لأنه مأمور به.
(7) فلا يعم. النظر: شرح العضد 2/ 80.
(8) في (ح): موجوبه.
(9) نهاية 69 أمن (ظ).
(10) وليست المخالفة ترك المأمور به. انظر: شرح العضد 2/ 80.

(2/663)


رد هذا (1): بأنه خلاف الظاهر (2).
وأمره عام (3).
ولا يلزم الندب، لقرينة فيه (4).
وقوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة) الآية (5).
وقال - عليه السلام - لبَريرة عن زوجها (6): (لو راجعتيه، فإِنه أبو ولدك)، قالت: تأمرني؟ قال: (لا، إِنما أشفع)، قالت: فلا حاجه لي فيه. رواه (7) البخاري. فهمت الوجوب من الأمر، وأقرها، وقبول شفاعته مستحب.
__________
(1) يعني: قولهم: المخالفة اعتقاد ... إِلخ.
(2) فالظاهر المتبادر إِلى الفهم -إِذا قيل: خالف أمره-: أنه ترك المأمور به، فلا يصرف عنه إِلا بدليل. انظر: المرجع السابق.
(3) فلا نسلم أنه مطلق، والمصدر إِذا أضيف كان عاما مثل: ضرب زيد، وأكل عمرو.
انظر: المرجع السابق.
(4) تدل على جواز الترك.
(5) سورة الأحزاب: آية 36: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إِذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخِيَرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا). فالمراد من (قضى): ألزم، ومن (أمرا): مأمورا، وما لا خيرة فيه من المأمورات لا يكون إِلا واجبًا.
انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 147.
(6) نهاية 91 ب من (ب).
(7) تقدم الحديث في ص 232.

(2/664)


ودعا - عليه السلام - أبا سعيد بن المُعَلَّى (1) وهو يصلي فلم يجبه، فاحتج عليه بقوله: (استجيبوا لله وللرسول إِذا دعاكم) (2). رواه البخاري (3).
ولأن الصحابة والأئمة استدلوا بمطلقها على الوجوب من غير بيان قرينة من غير نكير، كما عملوا بالأخبار.
واعترض: بأنه ظن (4).
رد: بالمنع (5)، ثم: يكفي (6) في مدلول اللفظ، وإِلا تعذر العمل بأكثر الظواهر (7).
ولأن السيد لو أمر عبده بشيء أمراً مطلقًا -فخالفه- عد قطعا عاصيا، ولهذا يقال -لغة وعرفًا-: أمره فعصاه، وأمرتك فعصيتني.
واستدل: الإِيجاب معنى مطلوب، فلا بد من لفظ صريح يخصه.
ولأنه مقابل للنهي، وهو للتحريم، فيكون للوجوب.
__________
(1) هو: الصحابي الحارث بن نُفَيْع بن المعلى الأنصاري الزُّرَقي.
(2) سورة الأنفال: آية 24.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 61، وأبو داود في سننه 2/ 150، والنسائي في سننه 2/ 139 من حديث أبي سعيد بن المعلى.
(4) يعني: بأنه ظن في الأصول فلا يجزئ. انظر: شرح العضد 2/ 80.
(5) يعني: فليس بظن. انظر: المرجع السابق.
(6) يعني: يكفي الظن. انظر: المرجع السابق.
(7) لأن المقدور فيها هو تحصيل الظن بها. انظر: المرجع السابق.

(2/665)


وبأنه أحوط.
رد الأول: بالندب (1).
والثاني: بالمنع (2)، ثم: قياس في اللغة.
والثالث: باحتمال الندب، فيكون (3) جهلاً، ونية (4) الوجوب قبيحة، ثم: معارض بالإِضرار.
القائل بالندب: قوله - عليه السلام -: (إِذا أمرتكم بأمر فَأْتُوا منه (5) ما استطعتم) (6)، فرده إِلى استطاعتنا.
ولأنه اليقين.
ولأن المندوب مأمور به [حقيقة] (7).
رد الأول: بأن كل واجب كذلك.
والثاني: بأن الإِباحة أولى؛ لتيقن نفي الحرج عن الفعل،
__________
(1) فإِنه معنى مطلوب، فلا بد ... إِلخ. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 153.
(2) يعني: منع أن مطلق النهي يقتضي المنع من الفعل إِلا أن يدل عليه دليل. انظر الإِحكام للآمدي 2/ 153.
(3) يعني: فيكون اعتقاد كونه واجبًا جهلاً. انظر: المحصول 1/ 2/ 153.
(4) يعني: وتكون نية الوجوب قبيحة. انظر: المرجع السابق.
(5) نهاية 190 من (ح).
(6) تقدم الحديث في ص 242 - 243.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(2/666)


بخلاف رجحان (1) جانبه (2).
والثالث: سبق (3) في التكليف.
القائل بمطلق الطلب: ثبت الرجحان، ولا دليل يقيد، فكان للمشترك دفعا للاشتراك.
رد: ثبت الدليل.
ورد -أيضًا-: بأن فيه إِثبات اللغة بلازم (4) الماهِيَّة، وهو خطأ؛ لأن كل شيئين مشتركان في لازم، فيلزم رفع المشترك، (5) ولأنه (6) (7) طريق عقلي (8).
رد: لا يلزم لنص الواضع عليه، ويجوز أن معه مقدمة نقلية، فليس عقليًا (9) صرفا.
__________
(1) وهو معنى المندوب. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 154.
(2) فإِنه غير متيقن. انظر: المرجع السابق.
(3) انظر: ص 229 من هذا الكتاب.
(4) حيث جعلتم الرجحان لازمًا للوجوب والندب، فجعلتم -باعتباره- صيغة الآمر لهما مع احتمال أن تكون للمقيد بأحدهما وللمشترك بينهما. انظر: شرح العضد 2/ 81.
(5) هذا وجه ثان لخطأ إِثبات اللغة بلازم الماهية.
(6) يعني: إِثبات اللغة بلازم الماهية.
(7) نهاية 92 أمن (ب).
(8) فلا مدخل له في اللغات.
(9) في (ب): عليا.

(2/667)


القائل "مشترك": أطلق (1)، والأصل الحقيقة.
ويحسن الاستفهام والتقييد: افعل واجبا أو ندبًا أو مباحا.
رد: خلاف (2) الأصل.
ومنع أصحابنا وغيرهم: حسن الاستفهام.
وبأنه يبطل بأسماء الحقائق.
والتقييد بالوجوب: تأكيد، وبغيره: قرينة صارفة.
القائل بالوقف: لو ثبت لثبت بدليل، ولا مجال للعقل، ولا (3) تواتر، ولا يكفي الظن، والواقف (4) ساكت (5) عن الحكم، فلا دليل عليه.
وأجاب أصحابنا وغيرهم: بوجود التواتر، ثم: يكفي الظن لتسويغ الخلاف (6) فيه إِجماعًا.
واقتصر بعض أصحابنا وغيرهم على الثاني.
القائل بالإِذن المشترك: كمطلق الطلب (7).
* * *
__________
(1) يعني: أطلق على كل منهما.
(2) يعني: الاشتراك خلاف الأصل.
(3) في (ب): ولو تواتر.
(4) في (ح): والوقف.
(5) نهاية 69 ب من (ظ).
(6) فالمسألة مظنونة.
(7) يعني: قالوا: ثبت الإِذن بالضرورة، والتقييد لا دليل عليه، فوجب جعله للقدر المشترك. والجواب: أنه ثبت التقييد بأدلتنا. انظر: شرح العضد 2/ 81.

(2/668)


وظاهر المسالة: الوجوب ولو خرج (1) جوابًا لسؤال.
واحتج أصحابنا (2) وغيرهم -لوجوب الصلاة في التشهد- بخبر (3) كعب (4)، وفيه نظر هنا.
واحتج ابن عقيل (5) بأن (6) الأمر بعد الحظر للإِباحة بسبق الاستئذان، بأن قال: أفعلُ كذا؟ قال: "افعلْ"، فإِنه (7) قرينة للإِباحة، فالحظر (8) أولى (9)، لتحققِ المنع منه (10).
وفي المغني (11) -في صوم نذر عن ميت-: الجواب يختلف باختلاف
__________
(1) في (ب): جرج.
(2) انظر: المغني 1/ 389.
(3) عن كعب بن عُجْرة قال: إِن النبي خرج علينا، فقلنا: قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد ...) الحديث. أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 120 - 121، ومسلم في صحيحه/ 305.
(4) هو: الصحابي كعب بن عجرة القُضَاعي.
(5) انظر: الواضح 1/ 253 أ.
(6) كذا في النسخ. ولعلها: لأن.
(7) يعني: تقدم الاستئذان.
(8) يعني: فالحظر المتقدم.
(9) يعني: أولى أن يكون قرينة للإِباحة.
(10) بخلاف الاستئذان ففيه تردد بين المنع والإِطلاق.
(11) انظر: المغني 10/ 29.

(2/669)


مقتضى سؤاله من (1) إِباحة أو إِجزاء أو وجوب.
* * *
وظاهرها -أيضًا- الخبر بمعنى الأمر كذلك، كـ (والمطلقات (2) يتربصن) (3).
وقال بعض أصحابنا: لا يحتمل الندب؛ لأنه إِذن أنه كالمحقق المستمر.

مسألة
الأمر -بلا قرينة- للتكرار حسب الإِمكان، ذكره (4) ابن عقيل (5) مذهب أحمد وأصحابه، وذكره (6) صاحب المحرر عن أكثر أصحابنا، وقاله أبو إِسحاق (7) الإِسفراييني، قال الآمدي (8): وجماعة من الفقهاء
__________
(1) يعني: إِذا كان مقتضى سؤاله السؤال عن الإِباحة فالأمر في جوابه يقتضي الإباحة، وكذا الباقي. انظر: المغني 10/ 29.
(2) في النسخ: كالمطلقات.
(3) سورة البقرة: آية 228.
(4) نهاية 191 من (ح).
(5) انظر: الواضح 1/ 259 ب.
(6) انظر: المسودة/ 20.
(7) انظر: البرهان/ 224، والوصول لابن برهان/ 15 ب.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 155.

(2/670)


والمتكلمين، وذكره ابن برهان (1) عن الحنفية، وحكي (2) عن المزني (3).
وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين (4): لا يقتضيه.
ذكر أبو محمَّد التميمي: أنه قول أحمد، وأن أصحابه اختلفوا (5).
واختلف اختيار القاضي (6).
وفي التمهيد (7) -عن أكثر الفقهاء والمتكلمين-: لا يقتضي إِلا فعل مرة، وأنه أقوى، ثم: أكثر كلامه: يحتمل التكرار.
وقال بكل منهما جماعة كثيرة.
والأشهر للشافعية: احتماله، واختاره الآمدي (8).
__________
انظر: المسودة/ 20 - 21.
انظر: أصول السرخسي 1/ 20، والمسودة/ 23.
هو: إِسماعيل بن يحيى بن إِسماعيل المصري الشافعي، فقيه مشهور، توفي سنة 264 هـ عن 89 عامًا.
من مؤلفاته: مختصر المزني في الفقه.
انظر: وفيات الأعيان 1/ 196، وشذرات الذهب 2/ 148.
(4) نهاية 92 ب من (ب).
(5) انظر: المسودة/ 20، 22.
(6) انظر: العدة/ 224، والمسودة / 20، 21.
(7) انظر: التمهيد/ 26 أ.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 155.

(2/671)


وذكر السرخسي (1) الأصح عن علمائهم: لا يحتمله (2).
ومعنى اختياره في الروضة (3): لا يدل على تكرار ولا مرة، وقاله -أيضًا- بعض أصحابنا (4) وغيرهم.
وقيل: بالوقف فيما زاد على مرة، واختاره أبو المعالي (5)
[وذكر ابن عقيل (6) عن الأشعرية: الوقف في المرة (7) والتكرار] (8).
وجه الأول: تكرار الصوم والصلاة.
رد: التكرار بدليل (9).
__________
(1) هو: شمس الأئمة محمَّد بن أحمد بن أبي سهل، من أئمة الحنفية، فقيه أصولي، توفي سنة 483 هـ، وقيل: في حدود سنة 490 هـ.
من مؤلفاته: أصول الفقه، والمبسوط في الفقه.
انظر: الجواهر المضية 2/ 28، والفوائد البهية/ 158، وتاج التراجم/ 52.
(2) انظر: أصول السرخسي 1/ 20، والمسودة/ 22.
(3) انظر: روضة الناظر/ 200.
(4) انظر: البلبل / 88.
(5) انظر: البرهان/ 229.
(6) انظر: الواضح 1/ 260 أ.
(7) في (ظ): المدة.
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(9) يعني: لا من مطلق الأمر.

(2/672)


وعورض (1) بالحج.
وأيضًا: كالنهي؛ لأنهما طلب.
رد: قياس في اللغة.
وبأن النهي يقتضي النفي (2)، ولهذا لو قال: "لا تفعل كذا مرة" عم.
وبأن التكرار في النهي لا يمنع من فعل غيره، بخلافه في الأمر (3).
وأيضًا (4): الأمر (5) نهي عن ضده، والنهي يعم، فيلزم تكرار المأمور [به] (6).
رد: بالمنع (7).
وبأن النهي المستفاد من الأمر لا يعم؛ لأن عمومه فرع عموم الأمر.
وأيضًا (8): قوله لعبده: "أكرم فلانًا، وأحسن عشرته"، أو (9) "احفظ
__________
(1) يعني: وإن سلم فهو معارض بالحج؛ فإِنه أمر به ولا تكرار. انظر: العضد 2/ 82.
(2) والأمر يقتضي الإثبات، وهو يحصل بمرة، ففارق الأمر النهي. انظر: المرجع السابق.
(3) فإِنه يمنع من فعل غيره، ففارق الأمر النهي. انظر: المرجع السابق، والإحكام للآمدي 2/ 158.
(4) في (ح): ولأن.
(5) يعني: الأمر بالشيء نهي عن ضده.
(6) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(7) يعني: منع أن الأمر بالشيء نهي عن ضده. انظر: شرح العضد 2/ 83.
(8) في (ح): ولأن.
(9) نهاية 70 أمن (ظ).

(2/673)


كذا" للدوام.
رد: لقرينة (1) إِكرامه وحفظه (2).
ولأنه يجب تكرار اعتقاد الوجوب وعزم الامتثال (3)، كذا الفعل.
رد: لو غفل بعد الاعتقاد والعزم جاز.
وبأنه وجب بإِخبار الشارع أنه يجب اعتقاد أوامره، فمن عرف الأمر ولم يعتقد وجوبه صار مكذبًا (4).
وبوجوبهما دون الفعل في (5): افعل مرة واحدة.
وأيضًا: (إِذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
رد: مفهومه: العجز عن بعضه لا يسقطه.
وأيضًا: لو لم يتكرر لم يرد نسخ.
__________
(1) في (ب): كقرينة.
(2) فالتكرار مستفاد من هذه القرينة؛ لأن الإكرام والحفظ الأصل استدامتهما. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 160.
(3) نهاية 192 من (ح).
(4) فدوام اعتقاد الوجوب عند قيام دليل الوجوب ليس مستفادًا من نفس الأمر، وإِنما هو من أحكام الإيمان، كتركه يكون كفرًا، والكفر منهي عنه دائمًا، ولهذا كان اعتقاد الوجوب دائمًا في الأوامر المقيدة. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 159.
(5) في (ظ): من.

(2/674)


رد: هو قرينة (1).
ووجه المرة: لو قال: "افعل كذا" -ففعله مرة- امتثل (2).
رد: لفعل (3) المأمور به؛ لأنها (4) من ضرورته (5)، لا أن الأمر ظاهر فيها ولا في التكرار (6).
ومنع ابن عقيل (7): أنه امتثل، وأنه دعوى، فقيل له: يحسن قوله: "فعلتُ"، فقال: "للعرف ووقوعه على (8) شروعه فيه (9)، ولهذا لو أمره بتكراره لم يقبح منه في الفعلة الواحدة" (10)، وقال: لا يمتنع أن يقف اسم "ممتثل" على الخاتمة بناء على مسألة (11) الموافاة (12).
__________
(1) يعني: النسخ لا يجوز وروده عليه، فإِذا ورد صار ذلك قرينة في أنه كان المراد به التكرار. انظر: المحصول 1/ 2/ 176.
(2) نهاية 93أمن (ب).
(3) في (ظ): الفعل.
(4) يعني: لأن المرة.
(5) يعني: ضرورة الفعل.
(6) بل في المشترك، ويحصل في ضمنهما. انظر: شرح العضد 2/ 83.
(7) انظر: الواضح 1/ 263 ب، 265 ب- 266 أ.
(8) فليس الدوام من العرف.
(9) لا أنه فراغ مما أمر به.
(10) يعني: لم يقبح منه أن يقول: فعلت.
(11) في (ح): الوفاة.
(12) قال القاضي في المعتمد/ 190 - 191: ومعنى ذلك هو ما يكون عليه الإِنسان في آخر عمره وخاتمته، وعلى ذلك يعلق وعده ووعيده ورضاه وسخطه وولايته=

(2/675)


قالوا: لو كان للتكرار كان "صل (1) مراراً" تكريرا، و"مرة" نقضا.
رد: يقال مثله لو كان للمرة، وحَسنَ (2) لرفع الاحتمال.
واحج الفريقان (3) بحسن الاستفهام.
ومنع القاضي (4) وغيره: حسن الاستفهام، ثم سلموه (5) (6).
قالوا: لو قال: "طَلِّقِي نفسك" أو "طلِّقْها يا فلان" -ولا نية-
__________
=وعداوته، وقد نعتقد في الإِنسان أنه مؤمن في غالب ظننا ونحكم له بذلك، ويكون حكمه عند الله خلاف ذلك، ويجوز أن يكون الكافر عندنا مؤمناً عند الله، ويكون ما يجري عليه من الأحكام -في المواريث والأنكحة وغيرها- على ظاهر الأمر دون باطنه ...
(1) في (ح): صلي.
(2) يعني: وحسن التعبير السابق.
(3) قال صاحب المرة: لو اقتضى التكرار لم يحسن الاستفهام. انظر: العدة/ 274.
وقال صاحب التكرار: لو لم يقتض التكرار لم يحسن الاستفهام. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 156.
(4) انظر: العدة / 274.
(5) في (ب) و (ظ): ثم سلموا.
(6) فيكون لرفع الاحتمال.

(2/676)


فواحدة.
وأجاب القاضي (1): بأن هذا في الشرع، والخلاف في اللغة. كذا قال.
ورده (2) أبو الخطاب (3): بأن الشرع لا يغير (4) اللغة (5)، بدليل: "طَلِّقْها ما أملكه".
وأجاب (6) ابن عقيل (7): بأنها نيابة في مشروع فتقيدت به، ولهذا لا يطلقها في حيض وطهر وطئت فيه، وقال (8): اليمين والوكالة للعرف، والأمر للحقيقة (9)، بدليل مسألة الرؤوس المشهورة (10).
__________
(1) انظر: العدة/ 273.
(2) هذا رد على جواب القاضي.
(3) انظر: التمهيد/ 26 ب.
(4) في (ب): لا يعتبر.
(5) بل يقررها ويضيف إِليها حكماً زائدًا، ألا ترى أنه لو قال: (طلِّقْ زوجتي ما أملكه) لم يقطعه الشرع عن مقتضاه في اللغة فيقطعه عن التكرار. انظر: المرجع السابق.
(6) هذا جواب عن دليلهم.
(7) انظر: الواضح 1/ 266 أ.
(8) في (ح): قال.
(9) في (ح): الحقيقة.
(10) فتنصرف اليمين على الامتناع عن أكل الرؤوس إِلى رؤوس بهيمة الأنعام خاصة، وفي الأمر يعم سائر الرؤوس.

(2/677)


ووجه ما في الروضة: أن مدلول الأمر طلب الفعل، والمرة والتكرار خارجان عنه، وإلا لزم التكرار أو النقض لو قرن بأحدهما، ولم يبرأ بالمرة (1).
ولأنهما صفتان للفعل كالقليل والكثير، ولا دلالة للموصوف على الصفة.
ووجه الوقف: كالتي قبلها (2).

مسألة
إِذا علق الأمر بشرط أو صفة: فإِن كان علة تكرر بتكررها اتفاقًا (3)؛ لاتباع العلة لا للأمر، وإلا فكالمسألة قبلها عند الجميع.
واختار القاضي (4) وصاحب المحرر (5) وبعض الحنفية (6) وكثير من المالكية (7) وبعض الشافعية (8): التكرار (9).
__________
(1) إِن حمل على التكرار أو جعل محتملا له.
(2) يعني: لو ثبت لثبت بدليل: .. إِلخ. انظر: ص 668 من هذا الكتاب، وشرح العضد 2/ 83.
(3) كذا في مختصر ابن الحاجب 2/ 83. وقال في مسلم الثبوت: دعوى الإِجماع في العلة -كما في المختصر وغيره- غلط. فانظر: فواتح الرحموت 1/ 386.
(4) انظر: العدة/ 264، 275.
(5) انظر: المسودة/ 20.
(6) انظر: أصول السرخسي 1/ 20.
(7) انظر: شرح تنقيح الفصول / 131.
(8) انظر: اللمع/ 8.
(9) نهاية 93 ب من (ب).

(2/678)


لنا: ما سبق، ولا أثر للشرط (1) بدليل قوله لعبده: "إِن دخلتَ السوق فاشتر كذا" يمتثل بمرة، و"إِن قمتِ فأنت طالق".
قولهم: الترتيب يفيد العلية.
رد: بالمنع (2)، ثم: بما سبق (3).
واستدل في التمهيد (4) وغيره: بأن تعليق الخبر (5) لا يقتضي تكرار المخبر عنه، كذا هنا.
وهو قياس في اللغة.
قالوا: أكثر أوامر الشرع (6): (إِذا قمتم) (فاغسلوا)، (وإِن كنتم جنبًا فاطهروا) (7)] (والسارق) (8)، و (الزانية) (9) الآيتان.
__________
(1) نهاية 193 من (ح).
(2) نهاية 70 ب من (ظ).
(3) من قوله: إِن دخلت السوق ... إِلخ.
(4) انظر: التمهيد/ 28 أ.
(5) نحو: زيد يدخل الدار إِن دخلها عمرو.
(6) وجدناها معلقة بشروط وصفات، وهي متكررة بتكرارها، ولو لم يكن ذلك مقتضياً للتكرار لما كان متكرراً. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 162.
(7) سورة المائدة: آية 6.
(8) سورة المائدة: آية 38.
(9) سورة النور: آية 2.

(2/679)


رد: في غير (1) العلة بدليل خارجي، ولذلك لم يتكرر الحج مع تعليقه بالاستطاعة (2)
قالوا: تكرر بالعلة، فبالشرط أولى؛ لانتفاء المشروط بانتفائه (3).
رد: العلة مقتضية معلولها، والشرط لا يقتضي مشروطه.
* * *
قال ابن عقيل (4): والأمر (5) المعلق [بمستحيل] (6) ليس أمراً، نحو: "صلِّ إِن كان زيد متحركاً ساكنًا"، فهو كقوله: كن الآن متحركًا ساكنًا.

مسألة
من قال: "الأمر للتكرار" قال: للفور.
واختلف غيرهم:
__________
(1) يعني: ما ثبتت عليته كالزنا والسرقة والجنابة ليس محل النزاع، وغير العلة بدليل خارجي. انظر الإِحكام للآمدي 2/ 163، وشرح العضد 2/ 83.
(2) قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إِليه سبيلاً) سورة آل عمران: آية 97.
(3) بخلاف العلة. انظر: شرح العضد 2/ 83.
(4) انظر: الواضح 1/ 269 ب.
(5) في (ح): الأمر.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(2/680)


فظاهر مذهبنا: للفور، وقاله الكرخي (1) وغيره من الحنفية، وحكاه جماعة (2) عنهم، وقاله المالكية (3) والصيرفي (4) وأبو حامد المروزي وغيرهما من الشافعية وبعض المعتزلة (5).
وذكر أصحابنا رواية: لا يقتضيه -لقوله (6) عن قضاء رمضان: يفرق؛ قال الله تعالى: (فعدة من أيام أخر) (7) - وقاله أكثر الشافعية (8) والجبائية (9) وأبو الحسين (10) المعتزلي، وذكر السرخسي (11): أنه الذي يصح عنده
__________
(1) انظر: أصول الجصاص/ 97أ، وأصول السرخسي 1/ 26، وفواتح الرحموت 1/ 387.
(2) انظر: المعتمد/ 120، والإِحكام للآمدي 2/ 165، وشرح تنقيح الفصول/ 128.
(3) للمالكية قولان، أشهرهما ما ذكر. انظر: شرح تنقيح الفصول/ 128، ومفتاح الوصول/ 18.
(4) انظر: اللمع/ 9، والمسودة/ 25.
(5) انظر: المسودة/ 25.
(6) انظر: العدة/ 283.
(7) سورة البقرة: آية 184.
(8) انظر: اللمع/ 9، والتبصرة/ 52، والإِحكام للآمدي 2/ 165.
(9) انظر: المعتمد/ 120، والإِحكام للآمدي 2/ 165.
(10) انظر: المعتمد/ 120.
(11) شمس الأئمة. فانظر: أصول السرخسي 1/ 26، وكشف الأسرار 1/ 254، والمسودة/ 25.

(2/681)


من مذهب علمائهم، ونصره ابن الباقلاني (1) والآمدي (2).
ثم: في اعتبار العزم لجواز (3) التأخير ما سبق (4) في الموسع.
وقال أكثر الأشعرية (5): بالوقف، وقيل (6): ولو بادر (7). والإِجماع -قبله- خلافه.
وجه الأول: نقطع بالفور إِذا قال: اسقني.
رد: لقرينة (8) (9) حاجة طالب الماء إِليه سريعًا عادة.
وأيضًا: كل مخبر أو منشئ فالظاهر قصده الزمن الحاضر، كـ "قام زيد (10) "، و"أنت طالق أو حرة".
رد: (11) قياس في اللغة.
__________
(1) انظر: البرهان/ 233، والإِحكام للآمدي 2/ 165.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 165.
(3): في (ظ): بجواز.
(4) انظر: ص 204 من هذا الكتاب.
(5) انظر: البرهان/ 232، والعدة/ 282.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 165.
(7) يعني: قيل بالوقف ولو بادر العبد بالفعل. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 516.
(8) في (ح): للقرينة.
(9) نهاية 94 أمن (ب).
(10) في المنتهى لابن الحاجب/ 69: زيد قائم.
(11) نهاية 194 من (ح).

(2/682)


ورده (1) في التمهيد: يتبين بذلك أن اللفظ وضع للتعجيل.
وأيضًا: نهي عن ضده، والأمر طلب كالنهي. وسبق (2) ذلك.
وأيضًا: (ما منعك ألا تسجد) (3)، ذمه إِذ (*) لم يبادر.
رد: لقوله: (فإِذا سَوَّيتُه) (4).
وأيضًا: مستلزم (5) للأمر؛ لاستلزام (6) الوجوب (7) إِياه؛ لأن وجوب
__________
(1) هذا رد على الرد؛ لأن أبا الخطاب -في التمهيد / 29 أ- استدل على الفورية: بأن لفظ الأمر يقتضي ذلك، والوجوب المستفاد من الأمر يقتضي ذلك، ودليل أن لفظ الأمر يقتضي ذلك ضرورة الفعل المأمور به أن يقع في وقت، فوجب أن يقع في أقرب الأوقات كعقد البيع والإِيقاعات يقع الحكم عقبها, لأنه أقرب الأوقات إِليه، كذلك الأمر يجب أن يقع الفعل في أقرب الأوقات إِليه، وهو عقيب الأمر. فإِن قيل: حمل الأمر على البيع والإِيقاع قياس، فلو صح لكان الدال على التعجيل غير الأمر. قيل: يتبين بهذا أن لفظ الأمر موضوع للتعجيل، كما أن لفظ البيع موضوع للملك ولفظ العتق موضوع للوقوع، فإِذا وجد هناك تعقبه الحكم، كذلك هنا.
(2) انظر: ص 673 من هذا الكتاب.
(3) كذا في النسخ. وهي الآية 12 من سورة الأعراف. ولعل المناسب آية 75 من سورة (ص): (ما منعك أن تسجد)، فهي الآية التي سبقها قوله: (فإِذا سويته)، وإِن كانت الآية المذكورة تنفرد بذكر لفظ الأمر (أمرتك).
(*) في (ظ): إِذا
(4) سورة (ص): آية 72.
(5) يعني: الفور مستلزم للأمر.
(6) في (ظ): لاستلزم.
(7) الذي هو مدلول الأمر.

(2/683)


الفعل مستلزم لوجوب اعتقاده على الفور، ولأنه أحوط، لخروجه عن العُهْدة إِجماعًا، ولإِثمه بموته.
رد: لو صرح بالتأخير وجب تعجيل الاعتقاد لا تعجيل الفعل، فلا ملازمة (1).
وقيل للقاضي (2): يجب الاعتقاد في "صلِّ بعد شهر" لا الفعل (3).
فأجاب: بتأخير الاعتقاد بالشرط (4).
والاحتياط: اتباع موجَب الظن، وإِلا فوجوب التعجيل -لمن ظن التراخي- حرام.
ثم: لا يلزم من كونه أحوط وجوبه (5).
وأيضًا لو جاز التأخير: فإِما إِلى غاية معينة معلومة مذكورة -والخلاف في الأمر المطلق- أو لا إِليها، فإِما إِلى ظن الموت فلا ينضبط ويأتي بغتة، أو مطلقًا فمحال لإِخراج الواجب عن حقيقته، وإِما ببدل غير واجب فلا يجوز إِجماعًا، أو واجب فممتنع: لعدم دليله، ولوجب إِنباه النائم أول الوقت حذرًا من ذوات البدل كضيق الوقت، ولكان البدل محصلاً مقصود المبدل
__________
(1) بين وجوب الفعل ووجوب الاعتقاد.
(2) انظر: العدة/ 285 - 286.
(3) القائل يقصد أنه لا ملازمة بينهما.
(4) كما تأخر الفعل بالشرط.
(5) نهاية 71أمن (ظ).

(2/684)


فيسقط المبدل به، ولكان البدل إِما أن يجوز تأخيره -فالكلام (1) فيه كالمأمور به، وهو تسلسل ممتنع- أو لا يجوز فيزيد البدل على (2) أصله.
رد: يلزم لو صرح بجواز التأخير (3).
وجوابه: يجري الدليل فيه.
ورده (4) في الروضة (5): (6) بأنه بتناقض (7)، لجواز (8) تركه مطلقًا.
[كذا قال] (9).
وفي التمهيد (10): لا يتم الوجوب مع جواز التأخير.
__________
(1) في (ب) و (ظ): فكالكلام.
(2) نهاية 94 ب من (ب).
(3) مع جواز تأخيره. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 170.
(4) هذا رد على قوله: رد: يلزم لو صرح بجواز التأخير.
(5) انظر: روضة الناظر/ 204.
(6) نهاية 195 من (ح).
(7) الإِيجاب مع جواز التأخير بأن قال: افعل أي وقت شئت فقد أوجبته عليك. انظر: المرجع السابق.
(8) في (ظ): بجواز.
(9) ما بين المعقوفتين من (ح).
(10) انظر: التمهيد/ 31 ب.

(2/685)


واعترض على القاضي (1): بالأمر بالوصية عند الموت للأقربين (2).
فأجاب: بأن الموت عليه أمارة، وبإِمكان فعلها (3) عند الموت بخلاف غيرها.
وأيضاً: (فاسْتَبِقُوا الخَيْرات) (4)، [(وسارِعوا إِلى مغفرة)] (5)] (6)، والأمر للوجوب.
__________
(1) استدل القاضي -في العدة/ 284 - للفورية: بأنه لو كان على التراخي لم يخل المأمور به من أحد أمرين:
1 - أن يكون له تأخيره أبدًا حتى لا يلحقه التفريط ولا يستحق الوعيد إِذا مات قبل فعله، فهذا يخرج عن حد الواجب ...
2 - أن يكون مفرطًا مستحقًّا للوعيد إِذا تركه حتى مات، فهذا يؤدي إِلى أن يكون الله ألزمه إِتيان عبادة في وقت لم ينصب له عليه دليلاً يوصله إِلى العلم به، ونهاه عن تأخيرها عنه، ولا يجوز أن يتعبده بعبادة مجهولة. فإذا بطل هذان القسمان صح ما ذهبنا إِليه وهو كونه على الفور. قال القاضي: ولا يلزم عليه تكليف الوصية عند الموت للأقربين -وإن كان وقت الموت مجهولاً- لأن الموت عليه أمارة وعلامة تتعلق الوصية بحضوره فلا يكون تعليقًا له بوقت مجهول لا دلالة عليه، ولأن الوصية يمكن فعلها عند حضور الموت، وفعل العبادات لا يمكن -في الغالب- عند حضور الموت.
(2) قال تعالى: (كتب عليكم إِذا حضر أحدكم الموت إِنْ ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين). سورة البقرة: آية 180.
(3) يعني: فعل الوصية.
(4) سورة البقرة: آية 148.
(5) سورة آل عمران: آية 133.
(6) ما بين المعقوفتين من (ح).

(2/686)


رد: المسارعة (1) إِلى سبب الخير [والمغفرة] (2)، فهي (3) دلالة اقتضاء لا تعم (4)، فيختص بما يلزم تعجيله إِجماعًا كالتوبة.
ثم: المراد الأفضلية (5)، وإِلا فلا (6) مسارعة لضيق وقته (7).
وجوابهما: بالمنع، والخيرات: الأعمال الصالحة عند المفسرين (8)، والأصل لا تقدير (9).
وضيق الوقت لا يمنع المسارعة بدليل ما يلزم تعجيله كالتوبة.
وسلم بعضهم الفور من (سارعوا) لا من الأمر.
القائل "لا فور": ما سبق (10) أنه لا يدل على تكرار ولا مرة.
ورد: بالمنع، بل يقتضيه بلفظه.
__________
(1) يعني: هما بمنطوقهما يدلان على المسارعة إِلى الخيرات والمغفرة، والمراد به إِنما هو المسارعة إِلى سبب ذلك. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 170.
(2) ما بين المعقوفتين من (ح).
(3) أي: دلالتهما على السبب. انظر: المرجع السابق.
(4) فلا دلالة لهما على المسارعة إِلى كل سبب للخيرات والمغفرة. انظر: المرجع السابق.
(5) يعني: أفضلية المسارعة لا وجوبهما. انظر: شرح العضد 2/ 85.
(6) يعني: إِن كانت للوجوب وجب الفور فلم يكن مسارعاً. انظر: المرجع السابق.
(7) والمسارعة تتصور في الموسع. انظر: المرجع السابق.
(8) انظر: تفسير الطبري 3/ 196، وتفسير القرطبي 2/ 165.
(9) في (ب) و (ظ): لا يقدر.
(10) انظر: ص 678 من هذا الكتاب.

(2/687)


ولأنه لا يختص بمكان (1).
رد: بالنهي (2).
ثم: بالمنع (3) لفوت زمن، حتى لو قال (4): "اضربْ رجلاً" اختص بما قرب منه، ثم: (5) لا (6) مزية في الأشخاص (7) فتساويا (8). [ذكر ذلك في التمهيد (9) وغيره] (10)، ومعناه في الواضح (11).
__________
(1) فلا يختص بزمان بعينه. انظر: العدة/ 289.
(2) لا يختص بمكان ويختص بزمان وهو عقيب النهي. انظر: المرجع السابق.
(3) يعني: منع أنه لا يختص بمكان، بل يختص بالمكان الذي أمر بالفعل فيه لئلا يفوت زمن لأنه على الفور. انظر: المرجع السابق.
(4) هذا جواب عن دليل مقدر: قوله (افعل) مطلق في الأزمان كما هو مطلق للأعيان، ثم لو قال: (اضرب رجلاً) صار ممتثلاً بضرب أي رجل كان، كذا يجب أن يصير ممتثلاً للأمر في أي وقت كان فاعلاً له. انظر: التمهيد/ 32 أ.
(5) في (ح): قال في التمهيد وغيره: ثم لا مزية ... إِلخ.
(6) يعني: إِن سلمنا أنه لا يختص. انظر: المرجع السابق.
(7) لرجل على رجل. انظر: المرجع السابق.
(8) في الضرب، بخلاف الأزمان فللوقت الأول مزية على الآخر. انظر: المرجع السابق.
(9) انظر: المرجع السابق.
(10) ما بين المعقوفتين من (ب) و (ظ). وقد ورد في (ح) متقدما، بلفظ مقارب، فانظر: هامش 5.
(11) انظر: الواضح 1/ 280 أ.

(2/688)


وأجاب (1) في الروضة (2): بتساوي الأمكنة بخلاف الزمان.
ولأنه يحسن الاستفهام.
ومنعه (3) القاضي (4) إِن كان الآمر لا يضع شيئًا غير مكانه.
وكالوعد، كقضية الحديبية (5).
رد: بأن عمر تَعَجَّل فيها الوعد (6)، ثم: بالفرق (7).
__________
(1) يعني: أجاب عن دليلهم الثاني.
(2) انظر: روضة الناظر/ 204.
(3) يعني: منع حسن الاستفهام.
(4) انظر: العدة/ 288.
(5) خبر صلح الحديبية وما جرى فيها أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 121 وما بعدها، وتحدث عنه ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 164 - 170.
(6) روي أنه قال لأبي بكر -وقد صد عام الحديبية-: أليس قد وعدنا الله بالدخول، فكيف صددنا؟! فقال: إِن الله وعد بذلك، ولم يقل في وقت دون وقت. انظر: العدة/ 287، وتفسير ابن كثير 4/ 201.
وفي لباب النقول للسيوطي/ 199: وأخرج الفِرْيابي وعبد بن حميد والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: أريَ النبي -وهو بالحديبية- أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، فلما نحو الهدي بالحديبية قال أصحابه: أين رؤياك يا رسول الله؟ فنزلت: (لقد صدق الله رسوله) الآية. وانظر: تفسير مجاهد/ 603.
(7) ففي الأمر إِيجاب، والإِيجاب لا يتم إِلا بالإِيجاد، والوعد خبر يتردد بين الصدق والكذب، ومقصود الخبر أن يكون صدقًا، وأي وقت وجد ما أخبر به صدق. انظر: التمهيد/ 32 أ.

(2/689)


واليمين (1) كالوعد (2)، ثم: مقيدة (3) بالعرف بدليل مسألة الرؤوس، واليمين على لبس أو ركوب يختص بملبوس ومركوب عرفًا.
مسألة
الأمر بشيء معين نهي عن (4) ضده -من جهة المعنى لا اللفظ- عند أصحابنا (و) والكعبي (5) وأبي الحسين البصري (6)، وذكره في التمهيد (7) عن الفقهاء، قال القاضي (8) وغيره: بناء على أصلنا أن مطلق الأمر للفور.
وعند أكثر المعتزلة (9): ليس نهياً عن ضده (10)، بناء على أصلهم في
__________
(1) هذا جواب سؤال مقدر: البر في اليمين يكون في أي وقت، فكذا امتثال الأمر. انظر: العدة/ 288، والتمهيد/ 31 ب.
(2) فلا تشبه الأمر؛ لأن اليمين خير فيها بين أن يفعل -إِذا قال: والله لأفعلن- أو يكفر، وفي الأمر لم يخير المأمور بين الفعل والترك، فافترقا. انظر: التمهيد 32 أ.
(3) يعني: اليمين مقيدة ... انظر: الواضح 1/ 280 أ.
(4) نهاية 95أمن (ب).
(5) انظر: المنخول/ 114.
(6) انظر: المعتمد/ 106.
(7) انظر: التمهيد/ 44 أ.
(8) قال القاضي: الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق المعنى، سواء كان له ضد واحد أو أضداد كثيرة، وسواء كان مطلقًا أو معلقًا بوقت مضيق؛ لأن من أصلنا: أن إِطلاق الأمر يقتضي الفور. انظر: العدة/ 368.
(9) انظر: المعتمد/ 106.
(10) نهاية 71 ب من (ظ).

(2/690)


عتبار إِرادة الناهي، وليست معلومة.
وعند الأشعرية (1): الأمر معنى في النفس.
فبعضهم: نهي عن ضده.
وبعضهم: يستلزمه، واختاره (2) ابن الباقلاني (3) آخرًا، واختاره الآمدي (4): إِلا أن نقول بتكليف المحال (5).
وبعضهم: ليس نهيًا، واختاره أبو المعالي (6) والغزالي (7).
وعند بعض الحنفية (8): يستلزم كراهة ضده.
وعند صاحب المحصول (9): يقتضي الكراهة؛ لأن النهي لما لم يكن
__________
(1) انظر: البرهان/ 250، والإِحكام للآمدي 2/ 170.
(2) نهاية 196 من (ح).
(3) انظر: البرهان/ 250، والإِحكام للآمدي 2/ 170.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 171.
(5) فلا يكون نهياً عن ضده ولا مستلزمًا للنهي عنه، بل يجوز أن نؤمر بالفعل وبضده في الحالة الواحدة فضلاً عن كونه لا يكون منهيًا عنه.
(6) انظر: البرهان/ 252.
(7) انظر: المستصفى 1/ 82.
(8) انظر: أصول السرخسي 1/ 94.
(9) الذي اختاره الرازي في المحصول 1/ 2/ 334: أنه نهي عن ضده بطريق الالتزام، فقد قال: الأمر بالشيء قال على المنع من نقيضه بطريق الالتزام. وهذا القول (يقتضي الكراهة) -بهذا التعليل- قاله فخر الإِسلام البزدوي في أصوله (انظر:=

(2/691)


مقصودًا سَمَّاه "اقتضاء"؛ لأنه ضروري، وأثبت به أقل ما أثبت (1) بالنهي وهو الكراهة.
* * *
وأمر (2) الندب كالإِيجاب عند الجميع إِن قيل: مأمور به حقيقة، وذكره القاضي (3) وغيره، خلافاً لبعضهم.
* * *
والنهي عن الشيء: هل هو أمر بضده؟ على الخلاف.
وعند الجرجاني (4) الحنفي: ليس أمراً به.
وعند الجصاص (5) الحنفي (6): أمر (7) بضد لا أضداد.
__________
=كشف الأسرار 2/ 330 - 333)، ونسبه إِليه -أيضًا- الكمال بن الهمام في التحرير (انظر: تيسير التحرير 1/ 363). أقول: فلعل المؤلف رآه منسوبًا إِليه بلفظ (الفخر)، فظنه الفخر الرازي. والله أعلم.
(1) في (ح): يثبت.
(2) انظر: المسودة/ 50، والإِحكام للآمدي 2/ 171.
(3) انظر: العدة/ 372.
(4) انظر: العدة/ 431، والتمهيد/ 48أ، والمسودة/ 81 - 82.
(5) في (ح): الخصاص.
(6) انظر: أصول الجصاص/ 108 ب.
(7) في (ح): أمرا.

(2/692)


ولنا (1) خلاف في حِنْت من قال: "إِن أمرتُكِ فخالفتني (2) فأنتِ طالق" فنهاها، فخالفتْه -ولا نية- بناء على ذلك (3).
* * *
وذكر أبو محمَّد (4) التميمي: أن الأمر بشيء نهي عن ضده عند أحمد، وأن أصحابه اختلفوا.
* * *
وجه الأول (5): أمر الإِيجاب طلب فعل يذم تاركه إِجماعًا، ولا ذم إِلا على فعل، وهو الكف عنه أو الضد، فيستلزم النهي عن ضده أو النهي عن الكف عنه.
رد: مبني على أن الأمر يدل على الذم لا بدليل خارجي.
وإن سلم فالذم على أنه لم يفعل لا على فعل، بناء على أن العدم مقدور.
وإن سلم فالنهي (6) طلب كف عن فعل لا عن كف، وإلا لزم تصور الكف عن الكف لكل آمر، والواقع خلافه. وفيه نظر ومنع.
__________
(1) انظر: العدة/ 373، والمغني 7/ 473.
(2) في (ح) و (ظ): فخالفتيني.
(3) يعني: هل النهي عن شيء أمر بضده؟.
(4) انظر: المسودة/ 22.
(5) وهو: أنه مستلزم للنهي عن ضده. انظر: شرح العضد 2/ 87.
(6) نهاية 95 ب من (ب).

(2/693)


ولأنه لا يتم الواجب إِلا بترك ضده فيكون (1) مطلوبًا، وهو معنى النهي. وسبقت (2) المسألة.
واحتج ابن عقيل (3): بأن عند المعتزلة يقتضي الأمر إِرادة المأمور به وحسنه، فبتركه (4) يقتضي ضدهما " [كراهته] (5)، وقبحه" (6)، وهما مقتضيان حظره (7).
ولأن (8) الأمر غير النهي؛ لتغاير الصيغتين، والمعنى النفسي (9) القديم غير متحد، وإن اتحد فإِنه يختلف بتعلقه (10) ومتعلَّقه، فهما (11) غيران لتعددِ الحادث.
__________
(1) يعني: ترك الضد.
(2) انظر: ص 211، 247 من هذا الكتاب.
(3) انظر: الواضح 1/ 312 ب.
(4) كذا في النسخ. ولعلها: فتركه.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ). وفي الواضح: كراهيته.
(6) وفعل الضد ترك في الحقيقة، والقبح والكراهية يقتضيان حظره، فالضد محظور منهي عنه. انظر: الواضح 1/ 312 ب.
(7) في (ح): حضره.
(8) هذا رد على من يقول: عين الأمر عين النهي. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 172.
(9) يعني: إِذا قلنا: الأمر هو صيغة (افعل) فقد ظهر تغاير الصيغتين، وإن قلتم: الأمر -عندنا- هو الطلب القائم بالنفس فهو غير متحد ... إِلخ. انظر: المرجع السابق.
(10) يعني: يكون أمراً بسبب تعلقه بإِيجاد الفعل، وهو من هذه الجهة لا يكون نهيًا. انظر: المرجع السابق.
(11) يعني: الأمر والنهي.

(2/694)


القائل: "الأمر عين النهي": لو لم يكن هو لكان ضدا أو مِثْلا أو خلافا؛ لأنهما إِن تساويا في (1) الذاتيات واللوازم فمِثْلان (2)، وإِلا فإِن تنافيا بأنفسهما (3) فضدان (4)، وإِلا فخلافان (5)، وليس هو بالأولَيْن (6) وإلا لما اجتمعا (7)، ولا الثالث وإلا لجاز أحدهما مع ضد الآخر ومع (8) خلاف الآخر؛ لأنه حكم الخلافين، فالعلم والإِرادة خلافان، يوجد العلم مع الكراهة وهي ضد الإِرادة وخلاف المحبة (9)، وتوجد الإِرادة مع الجهل والسخاء "ضد العلم وخلافه"، ويستحيل الأمر بفعل مع ضد (10) النهي عن ضده وهو الأمر بضده؛ لأنهما نقيضان أو تكليف بغير ممكن.
رد: إِن أريد بطلب ترك الضد -وهو معنى النهي عنه- طلب الكف
__________
(1) نهاية 197 من (ح).
(2) كبياض وبياض.
(3) يعني: امتنع اجتماعهما في محل واحد بالنظر إِلى ذاتهما. انظر: شرح العضد 2/ 86.
(4) كالسواد والبياض.
(5) كالسواد والحلاوة.
(6) يعني: المثلين والضدين.
(7) وهما يجتمعان، إِذ جواز الأمر بالشيء والنهي عن ضده معا ووقوعه ضروري. انظر: شرح العضد 2/ 86 - 87.
(8) في (ظ): مع.
(9) كذا في النسخ. ولعل العبارة: ومع خلافها -أي: خلاف الإرادة- وهي المحبة.
(10) نهاية 72 أمن (ظ).

(2/695)


عنه فهما خلافان، ونمنع أن حكم الخلافين ما سبق (1)، فالمتضايفان (2) متلازمان فيستحيل وجود أحدهما مع ضد الآخر لاجتماع الضدين، وقد يكون كل من الخلافين ضدا لضد الآخر كالكاتب والضاحك كل منهما ضد للصاهل، فيكون كل من (3) الأمر بالشيء والنهي عن ضده ضدًّا لضده (4) فيمكن اجتماعهما (5).
وإن أريد بترك ضده عين (6) الفعل المأمور به عاد النزاع لفظيًا في تسمية الفعل تركا (7)، ثم في تسمية طلبه (8) نهيا.
القائل بالنفي: لو كان عينه أو يستلزمه لزم تعقل الضد والكف عنه؛ لأنه مطلوب النهي، ويمتنع تعقل الشيء بدون نفسه أو لازمه، ونقطع بالطلب مع الذهول عنهما (9).
__________
(1) وهو اجتماع كل مع ضد الآخر وخلافه، فالخلافان قد يكونان متلازمين. انظر: شرح العضد 2/ 87.
(2) المتضايفان: كل نسبتين يتوقف تعقل كل منهما على الأخرى، كالأبوة والبنوة، فوصف الأبوة لا يعقل إِلا بتعقل وصف البنوة، وكذا العكس.
(3) نهاية 96 أمن (ب).
(4) يعني: لضد الآخر.
(5) كذا في النسخ. ولعل الصواب: فلا يمكن اجتماعهما.
(6) يعني: فعل ضد ضده الذي هو عين الفعل ... إِلخ. انظر: شرح العضد 2/ 87.
(7) يعني: تركا لضده. انظر: المرجع السابق.
(8) يعني: طلب ترك الضد.
(9) يعني: عن الضد والكف عنه. انظر: شرح العضد 2/ 86.

(2/696)


ورد: المراد الضد العام -وهو ترك الأمور به- لا الخاص، وهو ما يستلزم فعله ترك المأمور كالأكل بالنسبة إِلى الصلاة، والضد العام متعقل؛ لأن الطلب لا يكون لموجود (1).
رد (2): (3) المراد (4) طلبه في المستقبل، ولو سلم (5) تعقل الضد فعدم تعقل الكف واضح.
رد: أمر الإيجاب لا يتحقق بغير الكف عن الضد العام؛ لأنه (6) طلب فعل مع المنع من تركه.
القائل بالنفي في الندب: لعدم الذم (7).
__________
(1) يعني: الضد العام متعقل؛ لأن المأمور لو كان على الفعل ومتلبسًا به لم يطلبه الآمر منه؛ لأنه طلب الحاصل، فإِذاً إِنما يطلبه إِذا علم أنه متلبس بضده لا به وأنه يستلزم تعقل ضده. انظر: المرجع السابق.
(2) هذا رد على الرد.
(3) نهاية 198 من (ح).
(4) يعني: إِنما يطلب منه الفعل في المستقبل فلا يمنع التلبس به في الحال، فيطلب منه أن يوجده في ثاني الحال كما يوجده في الحال. انظر: المرجع السابق.
(5) في المنتهى لابن الحاجب/ 70، ومختصره 2/ 85: ولو سلم فالكف عنه واضح. وفي شرح العضد 2/ 86: ولو سلم فالكف واضح يعلم بالمشاهدة، ولا حاجة في العلم به إِلى العلم بفعل الضد، وإنما يلزم النهي عن الكف وذلك واضح ولا نزاع لنا فيه فلا يصلح موردًا للنزاع والاحتجاج.
(6) يعني: أمر الإيجاب. انظر: شرح العضد 2/ 90.
(7) على الترك بخلاف أمر الإِيجاب. انظر: المرجع السابق.

(2/697)


ولاستلزامه نفي المباح (1).
* * *
القائل: "النهي عن شيء أمر بضده": ما سبق (2) في الأمر.
ولأن النهي طلب ترك فعل، والترك فعل ضد، فالنهي طلبه (3)، فهو أمر (4).
رد: فيجب كل من الزنا (5) واللواط (6).
وبأن لا مباح (7).
وبأن النهي طلب كف عن فعل لا فعل ضد.
__________
(1) إِذ ما من وقت إِلا ويندب فيه فعل، فإِن استغراق الأوقات بالمندوبات مندوب بخلاف الواجب فإنه لا يستغرق الأوقات، فيكون الفعل في غير وقت لزوم أداء الواجب مباحا، ولا يلزم نفي المباح. انظر: المرجع السابق.
(2) انظر: أدلة القائل (الأمر عين النهي عن الضد) ص 695 من هذا الكتاب. وانظر أيضًا: شرح العضد 2/ 88.
(3) يعني: طلب فعل الضد.
(4) يعني: أمر بالضد.
(5) من حيث هو ترك لواط.
(6) من حيث هو ترك زنا؛ لأن كلا منهما ضد الآخر.
(7) إِذ ما من مباح إِلا وهو ترك حرام.

(2/698)


فإِن قيل: فالكف فعل (1)، فطلبه (2) أمر (3).
رد: يعود النزاع لفظيًا، ويلزم أن النهي نوع من الأمر.
القائل "يستلزمه": لا يتم النهي إِلا بفعل أحد أضداد المنهي عنه، وما لا يتم الواجب إِلا به واجب.
رد: يلزم وجوب الزنا (4) وأن لا مباح.
القائل " [لا] (5) يستلزمه": لأنه طلب نفي فعل وهو عدم، والأمر طلب وجود فعل.
وللزوم وجوب الزنا ونفي المباح (6).
ولاستلزام أمر الإِيجاب الذم على الترك، وهو (7) فعل لاستلزام الذم الفعل (8)، والنهي طلب كف عن فعل (9) فلم يستلزم الأمر؛ لأنه طلب
__________
(1) يعني: فيكون ضدا.
(2) في (ب): طلبه.
(3) فتحقق الأمر بالضد.
(4) لأنه ترك للواط وبالعكس.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في كل من (ب) و (ظ).
(6) نهاية 96 ب من (ب).
(7) أي: الترك.
(8) فاستلزم النهي عن فعل ينافي المأمور به وهو الضد.
(9) يذم فاعله.

(2/699)


فعل لا كف (1).
ورد: يلزم ذلك في الأمر؛ لأن طلب الوجود لا يستلزم طلب العدم.
ويلزم من الأمر بصلاةٍ النهيُ عن حج؛ لأنها ضده.
وكما لا يستلزم طلب الكف لطلب (2) غير الكف لا يستلزم طلب غير الكف الكف (3).

مسألة
الإِجزاء: امتثال الأمر، ففعل المأمور به بشروطه (4) يحققه إِجماعًا.
وكذلك إِن فسر الإِجزاء بسقوط القضاء (5) عندنا وعند عامة الفقهاء والمتكلمين.
وعند عبد الجبار (6) وغير من المعتزلة وابن
__________
(1) والنهي طلب فعل هو كف.
(2) كذا في النسخ. ولعلها: طلب.
(3) في (ح) و (ظ): للكف.
(4) نهاية 199 من (ح).
(5) فإِنه يستلزم الإجزاء.
(6) انظر: المعتمد/ 99، والتمهيد / 142، والإِحكام للآمدي 2/ 175. وقال عبد الجبار في المغني 17/ 125 - 126: من حكم الأوامر أن المكلف إِذا أدى الفعل على شرطه يكون مجزئًا عن فاعله، وإنما يخرج عن أن يكون مجزئًا لاختلال في شرطه ... ثم قال: والذي ذكرناه في أصول الفقه -في الظاهر- كأنه مخالف لهذه الجملة، وليس=

(2/700)


الباقلاني (1): لا يستلزم (2) الإِجزاء.
وجه الأول: لو لم يستلزمه لم يعلم امتثال.
ورد: بصلاة مَن عَدِم ماءً وترابًا، امتثل مع بقاء التكليف. كذا قيل.
ولأن القضاء استدراك ما فات من الأداء، وقد أتي بجميع المأمور به، فيكون تحصيلاً للحاصل.
ورد: بأن الأداء المستدرك بالقضاء غير الأداء الحاصل. كذا قيل.
ولأنه لو لم يسقط بالأمر قيل في القضاء مثله؛ لأنه مأمور به فلا يتصور إِجزاءٌ بفعلِ مأمورٍ به.
واحتح ابن عقيل (3) وغيره: بأن الذمة إِنما اشتغلت به، وبالنهي.
__________
=الأمر كذلك؛ لأنا أردنا بقولنا: (إِن المأمور به لا يجب أن يكون مجزئًا) إِذا كان مأمورا بإِتمامه مع اختلال حاصل في أدائه أولاً وآخرا. فقلنا: إِن الأمر بذلك لا يمنع من القول بأنه غير مجزئ، فعلى هذه الطريقة يصح في المأمور به أن لا يكون مجزئًا، فأما إِذا أدى على شرطه قطعا فالحال فيه على ما قدمناه.
(1) انظر: المسودة/ 27.
(2) نهاية 72 ب من (ظ).
(3) قال في الواضح 1/ 287 ب- 288 أ: الأمر المطلق اقتضى إِيجاب الفعل بالأمر، وإِذا ثبت أنه إِنما لزمه الفعل المأمور به بالأمر وأنه لم يشغل ذمته بعد فراغها سوى الأمر بالأمور به خاصة، فإِذا أتى بالمأمور به على حسب ما تناوله الأمر عادت الذمة فارغة على حكم الأصل، وعاد كما كان قبل الأمر، ولم يبق عليه شيء من قبل الأمر، وهذا معنى الإِجزاء، ومن ذلك أنه لو نهاه عن فعل شيء فتركه ولم يتعرض له خرج=

(2/701)


واحتج في التمهيد (1): بأنه لا يجوز قوله لعبده: "افعل كذا، فإِذا فعلته كما أمرتك لم يجزئك، وعليك القضاء"؛ للتناقض.
قالوا: لو استلزمه لزمه أن لا يعيد أو يأثم إِذا علم الحدث بعد ما صلى بظن الطهارة؛ لأنه: إِما مأمور بالصلاة بظن الطهارة (2) أو (3) بيقينها (4).
قال الآمدي (5): لا نسلم وجوب القضاء على قول لنا، كذا قال، وتبعه بعضهم (6) في ذكر خلاف، وهو خلاف الإِجماع (7)، لكن ليس قضاء لما أتى به، بل لما أمر به أولاً من الصلاة بشرطها.
وذكر (8) أبو الحسين (9): لو صلى بظن الطهارة ومات عقبها سقط القضاء ولا إِجزاء.
__________
=بذلك عن عهدة النهي، لا سيما إِذا كان في وقت معين.
(1) انظر: التمهيد/ 42 ب.
(2) فقد أتى بها على وجهها، والمفروض أنه يسقط القضاء فكان ساقطا عنه القضاء.
(3) نهاية 97 أمن (ب).
(4) فلم يفعل، فيكون آثما، واللازم منتف بالاتفاق.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 177.
(6) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 90.
(7) فوجوب القضاء مجمع عليه. انظر: الفروع 1/ 366 - 367.
(8) قال الآمدي في الأحكام 2/ 175: أورد أبو الحسين إِشكالا على تفسير إِجزاء الفعل بكونه مسقطًا للقضاء. ثم ذكره الآمدي.
(9) انظر: المعتمد/ 100 - 101.

(2/702)


وأبطله الآمدي (1): بأن الإِجزاء ليس بسقوط القضاء مطلقًا، بل في حق من يتصور في حقه قضاء (2).
وقيل (3): الإِجزاء ما كفى لسقوط التعبد (4) به (5)؛ لأن سقوط القضاء يعلل بالإِجزاء، والعلة غير المعلول، ولأن القضاء لم يجب؛ لانتفاء موجبه، فكيف سقط؟!.
قالوا: يؤمر من أفسد حجه بالأداء (6)، ولا إِجزاء (7).
رد: أمر بحج صحيح ولم يأت به، (8) وهذا (9) غيره (10)، وهو (11) مجزئ في إِسقاط الأمر به (12).
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 176.
(2) وهو غير متصور في حق الميت.
(3) انظر: المحصول 1/ 2/ 414 - 415، والإِحكام للآمدي 2/ 175.
(4) في (ب): العبد.
(5) وليس سقوط القضاء.
(6) يعني: بالمضي فيه.
(7) فلا يسقط القضاء اتفاقًا.
(8) نهاية 200 من (ح).
(9) الذي فعل.
(10) يعني: غير المأمور به.
(11) يعني: الفاسد.
(12) يعني: الأمر بالإِتمام، وغير مجزئ بالنسبة إِلى الأمر الأول.

(2/703)


مسألة
الأمر بعد الحظر للإِباحة عند أصحابنا ومالك (1) وأصحابه، وذكره أبو محمَّد (2) التميمي قول أحمد وأن أصحابه اختلفوا، وذكره أبو الطيب (3) ظاهر مذهب الشافعي وأنه قول أكثر الأصوليين، وذكره الآمدي (4) قول أكثر الفقهاء، واختياره الوقف كأبي المعالي (5).
وعن بعض أصحابنا (6): كالأمر ابتداء، ولا أثر للحظر، وذكره في العدة (7) والتمهيد (8) قول عامة الفقهاء والمتكلمين، واختاره المعتزلة (9) وصاحب المحصول (10)، وذكر بعضهم أن القاضي اختاره في إِعادة الجماعة
__________
(1) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 71، ومختصره 2/ 91، وشرح تنقيح الفصول/ 139 - 140.
(2) انظر: المسودة/ 22.
(3) انظر: المرجع السابق/ 16 - 17.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 178.
(5) انظر: البرهان/ 264.
(6) انظر: المسودة/ 16.
(7) انظر: العدة/ 257.
(8) انظر: التمهيد / 25أ.
(9) انظر: المغني لعبد الجبار 17/ 122، والمعتمد/ 82، والإِحكام للآمدي 2/ 17.
(10) انظر: المحصول 1/ 2 / 159.

(2/704)


بعد العصر، وذكر بعضهم (1) أنه ظاهر قول أحمد (2) -[في] (3): (وإذا (4) حللتم فاصطادوا (5))، (فإِذا قضيت الصلاة فانتشروا) (6) -: أكثر من سمعنا "إِن شاء فعل"، كأنهم ذهبوا: لا يجب، وليسا على ظاهرهما. واحتج به القاضي (7) للإِباحة.
واختار بعض (8) أصحابنا (9): أن الفعل كما كان قبل الحظر، وأنه المعروف عن السلف والأئمة، ومعناه (10) كلام المزني، وأن القاضي (11) جعله (12) بعد الحظر كالغاية يزول الحكم (13) عند
__________
(1) قال في المسودة/ 17 هذا اللفظ يقتضي أن ظاهرها الوجوب، وأنه من المواضع المعدولة عن الظاهر لدليل، ولذلك ذكره في الرد على المتمسك بالظاهر معرضًا عما يفسره.
(2) انظر: العدة/ 256.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(4) في النسخ: فإِذا.
(5) سورة المائدة: آية 2.
(6) سورة الجمعة: آية 10.
(7) انظر: العدة/ 256.
(8) نهاية 97 ب من (ب).
(9) انظر: المسودة/ 18، 19 - 20.
(10) نهاية 73أمن (ظ).
(11) انظر: العدة/ 260.
(12) يعني: جعل الأمر.
(13) يعني: حكم الحظر.

(2/705)


انقضائها، وأنه (1) يؤيد ذلك (2).
وجه الأول: عرف الشرع، كقوله: (فإِن طِبْنَ لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه) (3)، (فكلوا مما أَمْسكنَ عليكم) (4)، وقوله - عليه السلام -: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروها" (5).
والأصل (6) عدم دليل سوى الحظر.
والإِجماع (7) حادث بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - (8).
__________
(1) يعني: ما ذكره القاضي.
(2) يعني: ما اختاره.
(3) سورة النساء: آية 4.
(4) سورة المائدة: آية 4.
(5) حديث النهي عن ادخار لحوم الأضاحي ثم الرخصة في ذلك ورد من طرق وبألفاظ. أخرجه مسلم في صحيحه/ 1561 - 1564 من حديث عائشة وجابر وأبي سعيد وبريدة، وأبو داود في سننه 4/ 97 - 98 من حديث بريدة، والترمذي في سننه 3/ 33 - 34 من حديث بريدة وقال: حسن صحيح. قال: "وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة ونُبَيْشة وأبي سعيد وقتادة بن النعمان وأنس وأم سلمة"، والنسائي في سننه 7/ 233 - 236 من حديث جابر وقتادة بن النعمان وأبي سعيد وبريدة وعائشة، وابن ماجه في سننه/ 1055 من حديث عائشة ونبيشة.
وانظر: نصب الراية 4/ 218، والتلخيص الحبير 4/ 144.
(6) هذا جواب عما يقال: هذه المواضع حملناها على الإِباحة بدليل، كما حملنا ما لم يرد بعد الحظر من أوامر القرآن على غير الواجب بدليل.
(7) هذا جواب عما يقال: الإِجماع هو الدليل على الإِباحة.
(8) والإِباحة مستفادة بهذه الألفاظ في وقته.

(2/706)


وأيضًا: العرف، كقوله لعبده: "لا تأكل هذا"، ثم يقول: كُلْه.
واعترض بقوله له: "لا تقتل هذا"، ثم يقول: "اقتله" للإِيجاب.
رد: (1) بالمنع (2) في قول لنا، وهو ظاهر قول غيرنا.
ثم: الخلاف في حظر أفاده النهي (3) اعتمد عليه في العدة (4)
والتمهيد (5) والواضح (6)، مع قول القاضي (7) (8) وأبي الفرج المقدسي -لما
قيل لهما (9): يلزم أن جميع الأوامر للإِباحة على قولكم "إِن الأصل في
الأشياء الحظر"- بأنها مسألة الخلاف (10).
__________
(1) نهاية 201 من (ح).
(2) يعني: منع أنه للوجوب.
(3) وهذا حظر مستفاد قبل نهيه، فنهيه تأكيد.
(4) انظر: العدة/ 258.
(5) انظر: التمهيد/ 25 أ.
(6) انظر: الواضح 1/ 252 ب- 253 أ- ب.
(7) أجاب القاضي في العدة/ 263: بأن المواضع التي حملناها على الوجوب لدليل دل عليها اقتضت الوجوب.
(8) في (ح): القاضي وأبي الخطاب وأبي الفرج ...
(9) في (ح): لهم.
(10) يعني: إِذا سلمنا أنها على الحظر فهو ورود صيغة الأمر على ما هو باق على حكم الأصل، فمقتضاه الإِباحة، وهو مسألة الخلاف.

(2/707)


وكذا في التمهيد (1)، وفيه: هي مباحة في وجه (2)، فالأمر بعد الحظر يرفعه (3) ويعود إِلى أصل الإِباحة.
وكذا احتج ابن عقيل (4) -على من جعلها للإِباحة (5) -: بأن الأمر يرفع الحظر فيعود (6) إِلى الأصل (7)، وقال: عندنا ليس بأمر بل إِباحة، ومن لقب المسألة بالأمر فلصيغته، وقال: إِن جعلناها (8) للإِباحة فالأمر بعد إِباحة (9)، وإن جعلناها للحظر فليس بحظر نطقي (10)، وفرق بينهما بدليل النسخ لحكم ثبت نطقًا (11).
__________
(1) انظر: التمهيد/ 25 ب.
(2) يعني: في أحد الوجهين لنا.
(3) يعني: يرفع الحظر.
(4) انظر: الواضح 1/ 253 أ- ب، 256 ب- 257 أ.
(5) يعني: على من قال: الأصل في الأعيان الإباحة.
(6) في (ح): ويعود.
(7) وهو الإِباحة.
(8) يعني: جعلنا الأعيان -في الأصل- للإِباحة.
(9) فلا يكون أمراً بعد حظر، فلا يرد قولكم: الأصل في الأشياء عندكم الحظر.
(10) بل حكمي.
(11) قال: بدليل أن الحظر الوارد من جهة النطق بعد إِياحة الأعيان في الأصل -على قول من يقول بالإِباحة- وورود الإِباحة بعد حظر الأعيان في الأصل لا يكون نسخًا، وما ذاك إِلا لأن النسخ إِنما يكون لحكم ثبت نطقًا، فكذلك ورود الأمر نطقًا بعد الحظر حكماً لا يلزم أن يكون إِباحة كما لم يكن نسخًا.

(2/708)


قالوا: لو منع الحظر الوجوب منع التصريح (1) [به] (2)، ولم يختص (3) الأمر بصيغة: افعل.
رد: الصريح (4) لا يحتمل تغيره بقرينة (5) (6).
ولا يختص في ظاهر كلام الأكثر، وقاله في الروضة (7).
ثم (8): (9) اختص؛ لأن العرف فيها، قال صاحب المحرر (10): عندي أنه المذهب، وقال قوم (11).

مسألة
الأمر بعبادة في وقت مقدر -إِذا فات عنه - فالقضاء بأمر جديد عند
__________
(1) ولا يمتنع أن يقول: حرمت عليك ذلك، ثم يقول: أوجبته عليك.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(3) بل يعم لو قال: "أمرتكم بالصيد إِذا حللتم"، وهو يختص.
(4) كما وجبت.
(5) وهي الحظر المتقدم.
(6) بخلاف الظاهر.
(7) انظر: روضة الناظر/ 198.
(8) تكررت (ثم) في (ب).
(9) نهاية 98 أمن (ب).
(10) انظر: المسودة/ 20.
(11) انظر: روضة الناظر/ 198، والمسودة/ 20.

(2/709)


أبي الخطاب (1) وابن عقيل (2) وصاحب (3) المحرر، وقاله أكثر الفقهاء والمتكلمين، منهم: أكثر الشافعية (4) والمعتزلة (5) وبعض الحنفية (6).
وعند القاضي (7) والحلواني (8) وصاحب الروضة (9): بالأمر الأول.
وأوجب (10) أكثر الحنفية (11) قضاء المنذور بالقياس (12) على المفروض (13).
وإن لم يقيد الأمر بوقت -وقيل: هو على الفور- فالقضاء بالأمر الأول
__________
(1) انظر: التمهيد/ 35أ.
(2) انظر: الواضح 1/ 285أ.
(3) انظر: المسودة/ 27.
(4) انظر: اللمع/ 9، والمنخول/ 120، والإِحكام للآمدي 2/ 179.
(5) انظر: المعتمد/ 144، والإِحكام للآمدي 2/ 179.
(6) انظر: أصول السرخسي 1/ 45، وكشف الأسرار 1/ 139، وتيسير التحرير 2/ 200.
(7) انظر: العدة/ 293.
(8) انظر: المسودة/ 27.
(9) انظر: روضة الناظر/ 204.
(10) جاء في تيسير التحرير 2/ 201: قيل: ثمرة الخلاف تظهر في الصيام المنذور المعين إِذا فات وقته، يجب قضاؤه على القول بأن القضاء يجب بما يجب به الأداء، ولا يجب على القول بأن القضاء يجب بأمر آخر لعدم ورود ما يدل عليه.
(11) انظر: أصول السرخسي 1/ 46، وتيسير التحرير 2/ 200 - 201.
(12) لا بما وجب به أداء المنذور، فقد أوجبوا قضاء المنذور بسبب آخر.
(13) وأن المفروض يجب قضاؤه بالأمر الأول.

(2/710)


عند أصحابنا والجمهور، منهم: أكثر المالكية (1) والرازي الحنفي (2).
وذكر أبو المعالي (3): الإِجماع أنه مؤد لا قاض.
وعند أبي الفرج (4) المالكي (5) والكرخي (6) وغيره من الحنفية: هو كالمؤقت (7).
وجه الأول: لو وجب بالأول (8) لأشعر به (9)، و"صم يوم الخميس" لا يشعر بيوم الجمعة.
رد: بالأمر (10) المطلق (11).
__________
(1) انظر: المسودة/ 26.
(2) انظر: أصول الجصاص/ 97 ب، 99أ، والمحصول 1/ 2/ 423.
(3) انظر: البرهان/ 248، والمسودة/ 26.
(4) انظر: المسودة/ 26.
(5) هو: عمرو بن محمَّد بن عمرو الليثي البغدادي، فقيه أصولي، تولى قضاء طرسوس وغيرها، توفي سنة 331 هـ.
انظر: الفهرست/ 283، والديباح المذهب/ 126، وشجرة النور الزكية/ 79.
(6) انظر: التمهيد/ 35 ب، والمسودة/ 26.
(7) يعني: يسقط، ولا يجب القضاء إِلا بأمر جديد.
(8) يعني: لو وجب القضاء بالأمر الأول.
(9) يعني: بالقضاء.
(10) نهاية 73 ب من (ظ).
(11) فإِن القضاء يجب فيه بالأمر الأول، فكان يلزم على قولكم أن لا يجب به، إِذ لا إِشعار له بما بعد وقت الأداء.

(2/711)


ثم: لا يشعر به (1) بلفظه بل بمعناه لثبوته في ذمته، كذا قيل.
ولأن تقييده بوقت لحكمة؛ لأنه (2) الأصل في الأحكام، والأصل عدم حصولها في غيره، ثم: إِن ساوتها في الوقت الأول امتنع ترجيح الأول، وإِن زادت عليه [وجب] (3) ترجيح الثاني (4).
رد: الأمر لا يقف على المصلحة.
ثم: هي حاصلة (5) مع العذر، ومع عدمه لإِسقاط (6) الوجوب، كذا قيل.
ولأن الأمر الأول لو اقتضى القضاء اقتضاه في الجمعة والجهاد، ولخلا قوله - عليه السلام -: (فَلْيصلِّها إِذا ذكرها) (7) عن فائدة التأسيس.
__________
(1) نهاية 202 من (ح).
(2) يعني: كون التقييد لحكمة.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) فإذا لم تكن حاصلة في الوقت الثاني حسب حصولها في الوقت الأول فلا يلزم من اقتضاء الأمر للفعل في الوقت الأول أن يكون مقتضياً له فيما بعد.
(5) في (ب): حاصل.
(6) يعني: لأن الوجوب يسقط بذلك.
(7) أخرج البخاري في صحيحه 1/ 118 - 119، ومسلم في صحيحه/ 477 عن أنس مرفوعاً: (من نسي صلاة فليصلها إِذا ذكرها، لا كفارة لها إِلا ذلك (وأقم الصلاة لذكري)).

(2/712)


ورد: الجمعة تقضى ظهرًا، والجهاد فرض كفاية (1).
والمراد بالخبر رفع ظن سقوطها بفوت وقتها، ولهذا نص - عليه السلام - على المعذور (2)، للإِشكال فيه (3).
وقياسًا على المكان (4).
ورد: بأنه لا جامع.
ثم: لا يفوت (5)، فلو صار في لجة بحر وشبهه فعله في غيره.
وفرق (6) القاضي (7)، واعتبره بدين الآدمي لا يسقط بفوت زمنه، بل بمكانه كموت عبد جانٍ (8).
__________
(1) إِذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
(2) نهاية 98 ب من (ب).
(3) يعني: لأن الإِشكال موجود في حقه.
(4) يعني: لو قيل له (صل في المسجد الفلاني أربعًا) -ففات فعله فيه- لم يجز فعله في غيره، فكذلك صيغة الأمر تتناول زماناً محصورًا، فإِذا فات الوقت قبل فعله لم يبق زمان أمر يفعله فيه. انظر: العدة/ 298.
(5) يعني: المكان لا يفوت فأمكن الفعل فيه، فلا يعدل إِلى غيره ...
(6) انظر: العدة/ 298.
(7) بين تعلق الأمر بزمان وبين فعله بمكان معين.
(8) يعني: أن دين الآدمي لو تعلق بعين ففاتت سقط.

(2/713)


وفي الروضة (1): الزمن الثاني تابع للأول بخلاف الأمكنة والأشخاص.
قال (2) ابن عقيل (3): لا يجوز الإِقدام (4) والتعدية إِلا بدليل كالمكان وأمر معلق بشرط فات، وعتق (5)، وأضحية، والجامع المصلحة المخصصة (6) أو المشيئة عند من لم يعتبرها، ولأنا لا نأمن المفسدة.
وقياسًا (7) على النهي المؤقت (8).
ورد: بالمنع (9)، ثم: ما الجامع؟ ثم: النهي لا يثبت في ذمته شيئًا (10).
واحتج بعض أصحابنا (11): لو نذر الصدقة يوم الجمعة لم يسقط بفوته، كذا قال.
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 205.
(2) هذا دليل لمن قال: لا يجب القضاء إِلا بأمر جديد.
(3) انظر: الواضح 1/ 285أ - ب.
(4) يعني: الإِقدام على إِقامة وقت مقام الوقت الذي نص عليه الشرع.
(5) يعني: لو تعلق بعين عتقًا أو تضحية -ففاتت- سقط الخطاب.
(6) في (ح) ونسخة في هامش (ب): المتخصصة. وفي الواضح: المتحققة.
(7) في (ب) و (ظ): وقياس.
(8) يسقط بفوات الوقت، فكذلك الأمر.
(9) يعني: لا نسلم، فإِنا إِذا نهينا عن شيء في وقت لقبحه لم يجز فعله في وقت آخر لقبحه. انظر: التمهيد/ 35 ب.
(10) والأمر يوجب في ذمته فعلا، فلا يسقط إِلا بتأديته.
(11) يعني: احتج عليهم.

(2/714)


قالوا: قال - عليه السلام -: (فأْتوا منه ما استطعتم) (1).
ولأن الزمان ظرف ليس من فعل المكلف (2)، فالمطلوب بالأمر الفعل فقط.
وكأجل الدين (3).
ولكان أداء (4).
رد: (ما استطعتم) في زمانه (5).
والمطلوب (6) فعل مقيد بوقت، فهو صفة له، فلا يحصل إِلا بصفته (7)، ولهذا لو قدمه لم يعتد به.
ووقت الدين (8) أجل للمهلة تتأخر فيه المطالبة (9)، يعتد بتقديمه ولا
__________
(1) ومن فاته الوقت الأول فهو مستطيع للفعل في الوقت الثاني.
(2) فاختلاله لا يؤثر في مقتضى الأمر وهو الفعل.
(3) يعني: أن العبادة حق لله، والوقت المفروض كالأجل لها، ففوات أجلها لا يوجب سقوطها كما في دين الآدمي.
(4) لو احتاج أمرًا جديدًا.
(5) يعني: وإنما يفيدكم لو كان الفعل في الوقت الثاني داخلاً تحت الأمر الأول، وهو محل النزاع.
(6) هذا رد على دليلهم الثاني.
(7) نهاية 203 من (ح).
(8) في (ب): الوتن.
(9) وليس أجلاً للفعل المأمور به.

(2/715)


يأثم بتأخيره عنه.
وإنما سمي قضاء لاستدراك مصلحة المأمور به.
* * *
فأما الأمر المطلق: ففيه (1) الفور وعدم تخصيصه بوقت، ولا يمكن (2) إِلا (3): إِذا تركه (4) في الأول وجب فيما بعده (5).
واعترض: الفور جعله مختصًّا بالأول كالمؤقت.
رد: ما لم يتركه في الأول (6).
والمؤقت لم يتناول ما بعده (7)، وتقييده صفة زائدة (8) على المطلق، وإلا لعَرِيَ عن فائدة.
__________
(1) يعني: ففيه أمران:
1 - الفور.
2 - عدم تخصيصه بوقت.
(2) يعني: ولا يمكن الجمع بينهما.
(3) يعني: إِلا إِذا قلنا: إِذا تركه ...
(4) وينزل منزلة قول الآمر: افعل في الأول، فإِن عصيت ففي الثاني، فإن عصيت ففي الثالث كذلك أبدًا. انظر: التمهيد / 35 ب.
(5) بالأمر الأول.
(6) فإن تركه لم يكن مختصا به.
(7) بخلاف المطلق.
(8) في (ب) و (ظ): زيادة.

(2/716)


مسألة
الأمر بالأمر بشيء ليس أمراً به عندنا، وذكره (1) الآمدي (2) وغيره، خلافاً لبعضهم.
لنا: لو كان لكان "مُرْ عبدك بكذا" تعدياً على ملك غيره، ولتناقض قول السيد لعبده غانم: "مُرْ سالمًا (3) بكذا" مع قوله لسالم: "لا تطعه"، ولكان: (مروهم بالصلاة لسبع (4)) أمر إِيجاب للصبيان. وهذا فيه نظر؛ لقيام المانع (5).
__________
(1) نهاية 99 أمن (ب).
(2) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 182، والمحصول 1/ 2/ 426.
(3) نهاية 74 أمن (ظ).
(4) أخرجه أبو داود في سننه/ 332 - 334 من حديث سَبْرة بن معبد الجهني مرفوعًا: (مروا الصبي بالصلاة إِذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها) ومن حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع). وأخرجه الترمذي في سننه 1/ 253 - 254 من حديث سبرة مرفوعاً: (علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين ...) وقال: حسن صحيح. وأخرجه أحمد في مسنده 2/ 187، 3/ 201 من حديث ابن عمرو وسبرة. وأخرجه الدارقطني في سننه 1/ 230 - 231 من حديث سبرة وابن عمرو وأنس. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 14، 3/ 83 - 84 من حديث سبرة وابن عمرو. وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 273 من حديث سبرة. وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 197 من حديث ابن عمرو، 1/ 201 من حديث سبرة، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي في التلخيص.
(5) وهو عدم تكليف الصبيان.

(2/717)


قالوا: فهم ذلك من أمر الله (1) ورسوله، ومن قول (2) السلطان لوزيره: قل لفلان: افعل كذا.
رد: لأنه مبلغ (3).

مسألة
إِذا أطلق الأمر، كقوله لوكيله: "بِعْ هذا": فعند أصحابنا: تناول البيع بغبن فاحش، واعتبر (4) ثمن المثل للعرف والاحتياط للموكِّل، وفرقوا -أيضًا - بينه وبين أمره - عليه السلام - في اعتبار إِطلاقه بالتعدية (5) بتعليله بخلاف الموكِّل.
ثم: هل يصح العقد ويضمن الوكيل النقص أم لا، كقول المالكية (6) والشافعية (7)؟ فيه (8) روايتان عن أحمد (9).
__________
(1) كذا في النسخ. ولعل العبارة: أمر الله رسولَه، أي: أمره أن يأمرنا ..
(2) في (ب): قوله.
(3) يعني: للعلم بأنه مبلغ.
(4) انظر: المغني 5/ 98.
(5) في (ظ): في التعدية بتعليله. وفي نسخة في هامش (ب): في التعدية وبتعليله.
(6) انظر: بداية المجتهد 2/ 330، وشرح تنقيح الفصول/ 145.
(7) انظر: المهذب 1/ 354، والمحصول 1/ 2/ 428.
(8) نهاية 204 من (ح).
(9) انظر: المغني 5/ 98، والفروع 4/ 358، والإنصاف 5/ 379.

(2/718)


وعند الحنفية (1): لا يعتبر (2) ثمن الله (3)، واعتبروه في الوكيل في الشراء.
وقال بعض أصحابنا وبعض الشافعية: الأمر بالماهية الكلية إِذا أتى بمسماها امتثل، ولم يتناول اللفظ للجزئيات (4)، ولم ينفها، فهي مما لا يتم الواجب إِلا به، وجبت عقلا لا قصدًا أي: بالقصد الأول، بل بالثاني.
واختار صاحب المحصول (5): أن المطلوب بالأمر نفس الماهية الكلية، فالامر بالبيع ليس أمرًا بغبن فاحش ولا ثمن المثل؛ لتعلقه بقدر مشترك، وهو غير مستلزم لكل منهما، والأمر بالأعم ليس أمرًا بالأخص، وأنه لا يمتثل (6) إِلا بالأمر بمعين.
وذكر بعضهم: الاتفاق على بطلانه.
__________
(1) انظر: بدائع الصنائع/ 3463 - 3464، 3469، والهداية 3/ 145 - 146، وبداية المجتهد 2/ 330، والمغني 5/ 98.
(2) بل قالوا: إِذا أطلق الوكالة في البيع فله البيع بأي ثمن كان؛ لأن لفظه في الإِذن مطلق، فيجب حمله على إِطلاقه.
(3) هذا هو المشهور عن أبي حنيفة، وعند محمَّد وأبي يوسف: يعتبر. فانظر: المراجع السابقة.
(4) كذا في النسخ. ولعلها: الجزئيات.
(5) انظر: المحصول 1/ 2/ 427.
(6) في (ب): لا تمتثل. بعد أن كانت: لا يمتثل. وفي (ظ): لا تمثيل.

(2/719)


وقال الآمدي (1) وغيره (2): المطلوب فعل ممكن مطابق للماهية المشتركة، وأنه لو سلم تعلقه بقدر مشترك -فأتى ببعض الجزئيات- فقد أتى بمسماه.
وجه هذا: أن ماهية الفعل المطلق كلي، لاشتراكها بين كثيرين، فيستحيل وجودها خارجاً، إلا لتشخص، فيكون كليا وجزئيا معًا، وهو محال، فلم يكن مطلوباً بالأمر، وِإلا كان تكليفًا بالمحال.
رد: الماهية بشرط عدم التشخيص -وتسمى المجرد وبشرط لا شيء-: لا توجد خارجاً -قال بعض أصحابنا وغيرهم: ولا ذهنا- وبشرط (3) عدم التقييد الخارجي: توجد ذهنا، ومن حيث هي من غير اعتبار تشخيص أوْ لا تسمى المطلق والماهية لا (4) بشرط شيء: توجد خارجاً جزء المشخص، فمن حيث هي لا تقتضي وحدة، ولو اقتضت (5) تعددًا امتنع عروض التشخص لها، ولهذا قيل (6): لكل شيء حقيقة هو بها هو: لنا دل عليها (7) المطلق، وعليها مع وحدة معينة المعرفة، وإلا فالنكرة، وعليها مع وحدات معدودة العدد، ومع كل جزئياتها العام.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 183، 184، ومختصر ابن الحاجب 2/ 93.
(2) نهاية 99 ب من (ب).
(3) في (ظ): ويشترط.
(4) في (ظ): إِلا بشرط.
(5) نهاية 205 من (ح).
(6) انظر: البلبل/ 97.
(7) في (ح): عليه.

(2/720)


وجه الثاني: (1) الفعل مطلق، والجزئي مقيد بالمشخص، فليس بمطلوب، فالمطلوب الفعل المشترك (2).
رد: باستحالته بما سبق (3).
ورد: الماهية بقيد الاشتراك ليست مطلوبة، بل من حيث معروضة له، وهي موجودة خارجاً.

مسألة
الأمران المتعاقبان بلا عطف: إِن اختلفا عمل بهما إِجماعًا على الخلاف (4) في مقتضى الأمر كما سبق (5)
وإن تماثلا: فإِن لم يقبل التكرار كـ "صم يوم الجمعة، صم يوم الجمعة"، أو قبله ومنعت العادة كـ "اسقني (6) ماء، اسقني ماء"، أو الثاني معرَّف، فهو مؤكد للأول إِجماعًا.
وإن لم تمنع ولم يتعرَّف -كـ "صُمْ صُمْ"، أو "صَلِّ صلِّ"، أو "أعط زيدًا درهما، أعط زيدًا درهما"- فالثاني تأسيس -عند ابن عقيل (7)
__________
(1) وهو مذهب صاحب المحصول.
(2) نهاية 74 ب من (ظ).
(3) من الدليل.
(4) في (ب) و (ظ): الاختلاف.
(5) انظر: ص 660 وما بعدها، 670 وما بعدها من هذا الكتاب.
(6) نهاية 100 أمن (ب).
(7) انظر: الواضح 1/ 270أ.

(2/721)


والقاضي (1)، وذكره هو (2) وغيره عن الحنفية، وقاله في التمهيد (3) في مسألة المطلق والمقيد- كبعد امتثال الأول، قال صاحب المحرر (4): "وهو أشبه بمذهبنا، لقولنا -فيمن (5) قال لزوجته: أنت طالق، أنت طالق-: يلزمه طلقتان، وذكره ابن برهان عن الفقهاء قاطبة"، وقاله عبد الجبار (6) والجبائي (7) وابن الباقلاني (8) والآمدي (9)؛ لأن الأصل التأسيس.
وفي التمهيد (10): الثاني تأكيد؛ لئلا يجب فعل بالشك (11)، ولا ترجيح، ومنع أن تغاير اللفظ يفيد تغاير المعنى، ثم سلمه (12)، والتأكيد فائدة.
__________
(1) في كتابيه: الروايتين/ 235 أ- ب، والمجرد. انظر: المسودة/ 23. واختار في لعدة/ 279 - 280: أنه للتأكيد.
(2) انظر: العدة/ 278، والتمهيد/ 28 ب.
(3) انظر: التمهيد/ 69 أ.
(4) انظر: المسودة/ 23.
(5) في (ح): لمن.
(6) انظر: المغني 17/ 128، والمعتمد/ 174، والإحكام للآمدي 2/ 185.
(7) انظر: التمهيد/ 28 ب.
(8) انظر: الواضح 1/ 270 أ.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 185.
(10) انظر: التمهيد/ 28 ب- 29 أ.
(11) لأن الثاني يحتمل الاستئناف ويحتمل التأكيد.
(12) قال: وإِن سلم فقد حملنا الثاني على فائدة وهي التأكيد.

(2/722)


كذا قال، وقاله في الروضة (1)، (2) واحتج باليمين (3) والنذر. كذا قال.
وذكر أبو محمَّد التميمي (4): عن أحمد: الثاني تأكيد، واختلف أصحابه.
والشافعية (5) كالقولين وثالث "الوقف"، وقاله أبو الحسين (6) البصري، لما سبق (7)، ولمخالفته (8) البراءة الأصلية.
وعورض: يلزم من الوقف مخالفة مقتضى الأمر، فيسلم الترجيح بالتأسيس.
وإن كان الثاني معطوفاً:
فإِن اختلفا عمل بهما.
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 202.
(2) نهاية 206 من (ح).
(3) يعني: لو كرر لفظ اليمين، نحو: (والله لأصومن، والله لأصومن) بر بصوم واحد، ولو كرر لفظ النذر لكان الواجب به واحداً.
(4) انظر: المسودة/ 22.
(5) انظر: اللمع/ 9، والتبصرة/ 50، والمحصول 1/ 2/ 255، والإِحكام للآمدي 2/ 185، ونهاية السول 2/ 49، والعدة/ 279.
(6) انظر: المعتمد/ 175.
(7) من أنه يحتمل الاستئناف ويحتمل التأكيد، فوجب الوقف.
(8) يعني: لمخالفة التأسيس للبراءة.

(2/723)


وإن تماثلا -ولم يقبل تكرارًا (1) - فتأكيد بلا خلاف.
وإن قبله -ولم تمنع منه عادة، ولا الثاني معرَّف- فالأقوال الثلاثة، مع ترجيح آخر (2) وهو العطف (3).
وإلأن منعت العادة (4) تعارضا (5)، والأقوال الثلاثة.
وجزم بعض أصحابنا (6) بالتكرار.
وإن تعرَّف الثاني -كـ "صل ركعتين وصل الركعتين أو الصلاة"- فتأكيد، ذكره القاضي (6) وأبو الفرج المقدسي.
واختار (7) أبو الحسين (8) البصري: الوقف، لمعارضة (9) لام العهد للعطف.
واختار صاحب المحصول (10): التغاير؛ لأن لام الجنس كما هي للعهد
__________
(1) في (ب): تكرار.
(2) يعني: مع ترجيح آخر للتأسيس.
(3) فإِن الظاهر من العطف المغايرة.
(4) في (ح): عادة.
(5) يعني: الظاهر من حروف العطف مع منع العادة من التكرار.
(6) انظر: المسودة/ 24.
(7) في (ب): واختاره.
(8) انظر: المعتمد/ 176.
(9) نهاية 100 ب من (ب).
(10) انظر: المحصول 1/ 2/ 259.

(2/724)


تكون لبيان حقيقة الجنس، نحو (1): "اشتر الخبز واللحم"، فما تعينت (2) معارضتها للعطف.
وذكر الآمدي (3) الخلاف (4)، قال: فإِن اجتمعا (5) مع العطف -كـ "اسقني ماء واسقني الماء"- فالوقف لتعارض العطف (6) والتأسيس (7) مع منع العادة (8) والتعريف (9).
وقال صاحب (10) المحصول (11): الأشبه في عطف عام على خاص: الوقف، لظاهر العموم والعطف (12).
__________
(1) في (ب) و (ظ) ... الجنس واشتر ...
(2) يعني: فلم تتعين.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 186.
(4) فيما إِذا تعرف الثاني.
(5) يعني: التعريف، والعادة المانعة من التكرار.
(6) المقتضي للمغايرة.
(7) الذي ذكرناه سابقًا.
(8) من التكرار.
(9) المقتضي لكون الثاني هو الأول.
(10) نهاية 75أمن (ظ).
(11) انظر: المحصول 1/ 2/ 261.
(12) قال: لأنه ليس ترك ظاهر العموم أولى من ترك ظاهر العطف وحمله على التأكيد.

(2/725)