أصول الفقه لابن مفلح النهي
مقابل للأمر، فكل (1) ما قيل في حد الأمر، وأن له (2) صيغة
-وما في مسائله من مختار ومزيف- فمثله هنا.
* * *
وصيغة "لا تفعل" -وإن احتملت تحريمًا وكراهة (3) وتحقيرًا
كقوله: (لا تَمُدَّنَّ عينيك) (4)، وبيان العاقبة: (ولا
تَحْسَبَنَّ الله غافلاً) (5)، والدعاء: (لا تؤاخذنا) (6)،
واليأس: (لا تعتذروا اليوم) (7)، والإِرشاد: (لا تسألوا عن
أشياء) (8) - فهي حقيقة في طلب الامتناع.
وكونها حقيقة في التحريم أو الكراهة -وهو وجه لنا، مع أن أحمد
قال: "أخاف على قائل هذا أنه صاحب بدعة"- أو مشتركة أو موقوفة،
فعلى ما
__________
(1) في (ح): فما.
(2) نهاية 207 من (ح).
(3) في (ب) و (ظ): وكراهية.
(4) سورة الحجر: آية 88.
(5) سورة إِبراهيم: آية 42.
(6) سورة البقرة: آية 286.
(7) سورة التحريم: آية 7.
(8) سورة المائدة: آية 101.
(2/726)
سبق (1) في الأمر.
* * *
وتقدُّمُ الوجوب قرينة في أن النهي بعده للكراهة، جزم به أبو
الفرج المقدسي (2)، وقاله القاضي (3) وأبو الخطاب (4)، ثم
سَلَّما: أنه للتحريم؛ لأنه (5) آكد، واختاره (6) الحلواني
(7).
وفي الروضة (8): هو لإِباحة الترك، كقوله - عليه السلام -:
(ولا
__________
(1) انظر: ص 660 وما بعدها من هذا الكتاب.
(2) انظر: المسودة/ 17.
(3) قال في العدة/ 262: احتج -يعني: من قال: الأمر بعد الحظر
للوجوب-: بأن النهي بعد الأمر للحظر، فكذا الأمر بعد النهي
للوجوب. فأجاب: بأن النهي بعد الأمر يحتمل أن نقول فيه ما نقول
في الأمر بعد الحظر وأنه يقتضي التخيير دون التحريم، ويحتمل أن
نفرق بينهما ونقول: النهي بعد الأمر للحظر، والأمر بعد الحظر
لا يقتضي الوجوب؛ لأن النهي آكد، ولهذا قال مخالفونا: إِن
النهي يقتضي التكرار، والأمر المطلق لا يقتضي، ولأن الأمر أحد
الطرق إِلى الإِباحة، فلهذا جاز أن يرد ويراد به الإِباحة،
وليس النهي طريقًا إِلى الإباحة، فلم يجز أن يراد به الإِباحة.
(4) انظر: التمهيد/ 25 ب.
(5) يعني: النهي.
(6) يعني: اختار التحريم.
(7) انظر: المسودة/ 84.
(8) انظر: روضة الناظر/ 199.
(2/727)
توضؤوا من لحوم الغنم) (1)، ثم سَلَّم: أنه
للتحريم.
وكذا (2) اختار ابن عقيل (3): يقتضي إِسقاط ما أوجبه الأمر،
وأنه وِزان الإِباحة (4) بعد الحظر، لإِخراجهما (5) عن جميع
أقسامهما (6)، وغَلَّط [ما] (7) حكاه (8) قول أصحابنا
"للتنزيه" فضلاً عن التحريم، وقال (9):
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه 1/ 128، والترمذي في سننه 1/ 54،
وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 78) من حديث البراء
بن عازب مرفوعًا: سئل عن الوضوء من لحوم الإِبل فقال: (توضؤوا
منها)، وسئل عن لحوم الغنم فقال: (لا توضؤوا منها).
وأخرجه أحمد في مسنده 5/ 86، 88 من حديث جابر بن سمرة مرفوعًا.
(2) في (ظ): كذا.
(3) انظر: الواضح 1/ 254 أ- ب، 256 أ- ب، والمسودة/ 84.
(4) يعني: في الأمر بعد الحظر.
(5) يعني: إِخراج الأمر والنهي.
(6) فأقسام الأمر: إِيجاب وندب، أما الإِطلاق والإباحة فليسا
من أقسامه. وأقسام النهي: تحريم وتنزيه، أما الإِسقاط فليس من
أقسامه.
(7) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(8) كانت العبارة في (ح): (وغلط من قال للتنزيه) ثم ضرب على
(قال)، وكتب في الهامش (حكاه قول أصحابنا).
(9) قال هذا ردًّا على من قال: يقتضي التحريم.
(2/728)
تأكده لا يزيد على مقتضى الأمر، وقد جعلوا
(1) تقدم (2) الحظر قرينة (3).
وذكر أبو إِسحاق (4) الإِسفراييني (5): التحريم إِجماعًا.
قال أبو المعالي (6): ما أرى المخالفين (7) في الأمر بعد الحظر
يسلِّمون ذلك.
واختار أبو (8) المعالي (9): الوقف.
__________
(1) يعني: أصحابنا.
(2) في (ظ): تقديم.
(3) قال: تأكده لا يزيد على مقتضى الأمر؛ لأن مقتضى الأمر
إِيجاب الفعل، ومقتضى النهي إِيجاب الترك، فلا وجه لتأكد
أحدهما على الآخر، ولأنه مع تأكده تعمل فيه القرينة فينحط عن
رتبة الحظر إِلى التنزيه، وقد جعل أصحابنا تقدم الحظر قرينة
حطت الأمر عن رتبته، فهلا جعلوه كسائر القرائن في حط النهي عن
رتبته -وهي الحظر- إِلى أحد أمرين: إِما إِسقاط ما أوجبه
الأمر، أو التنزيه دون الحظر، والمنع مذهب حسن على الوجه الذي
ذكرناه، وهو أن يجعل للإِسقاط.
(4) نهاية 101 أمن (ب).
(5) انظر: البرهان/ 265. وفي المسودة/ 84: وغلط من ادعى في
المسألة إِجماعًا.
(6) انظر: البرهان/ 265.
(7) يعني: الحاملين له على الإِباحة.
(8) تكرر (أبو) في (ب).
(9) انظر: البرهان/ 265.
(2/729)
مسألة
إِطلاق النهي عن الشيء لعينه يقتضي فساد المنهي عنه عندنا وعند
جمهور الفقهاء من الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3)
والظاهرية (4) وغيرهم وبعض المتكلمين، قال الخَطَّابي (5): هذا
مذهب العلماء في قديم الدهر وحديثه (6).
ثم قيل: النهي يدل (7) على الفساد شرعًا، وقيل: لغة، وتارة
قاله أصحابنا، وتارة: لا.
__________
(1) انظر: أصول السرخسي 1/ 80، وكشف الأسرار 1/ 257.
(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 73، ومختصره 2/ 95، وشرح تنقيح
الفصول/ 173، ومفتاح الوصول/ 27.
(3) انظر: اللمع/ 14، والتبصرة/ 100، والمستصفى 2/ 9،
والمنخول/ 126، والأحكام للآمدي 2/ 188.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 188.
(5) هو: أبو سليمان حَمْد بن محمَّد بن إِبراهيم بن الخطاب
البُسْتي، حافظ فقيه محدث، توفي سنة 388 هـ.
من مؤلفاته: معالم السنن، وغريب الحديث.
انظر: وفيات الأعيان 1/ 453، وتذكرة الحفاظ/ 1081، وطبقات
الشافعية للسبكي 3/ 282، والبداية والنهاية 11/ 236.
(6) جاء في المسودة/ 83: ذكره الخطابي في الأعلام في النهي عن
بيع الكلب. وانظر: معالم السنن 3/ 753.
(7) نهاية 208 من (ح).
(2/730)
قال ابن عقيل (1): فلو قام دليل [على] (2)
أنه ليس للفساد لم يكن مجازًا؛ لأنه إِنما انتقل عن بعض موجَبه
كمسألة صرفه عن التحريم إِلى التنزيه كما سبق (3).
وهذا المعنى في العدة (4) والتمهيد (5) وغيرهما.
قال بعض أصحابنا (6): مبني على أن الفساد مدلول عليه بلفظ
النهي، وإلا فإِن علم بعقل أو شرع لم يكن (7) مجازاً ولا
إِخراج (8) شيء، وكذا عدم كل دلالة لزومية: هل يَجعل اللفظ
مجازاً؟ وهل يكون تخصيصًا؟
وقال كثير من الحنفية (9) كالكرخي (10) وعامة
__________
(1) انظر: الواضح 2/ 44 ب، والمسودة/ 84.
(2) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(3) في ص 659 - 660.
(4) انظر: العدة / 441.
(5) انظر: التمهيد/ 49 ب.
(6) انظر: المسودة/ 84 - 85.
(7) يعني: انتفاؤه.
(8) يعني: ولا إِخراج بعض مدلول اللفظ.
(9) انظر: مذهبهم في: أصول السرخسي 1/ 80، وكشف الإصرار 1/
257، وتيسير التحرير 1/ 376، وفواتح الرحموت 1/ 399.
(10) جاء في أصول الجصاص/ 110 أ: وكذلك -أي: القول بالفساد-
كان يقول شيخنا أبو الحسن، إِلا أنه كان يقول مع ذلك: قد قامت
الدلالة على أن النهي عنه إِذا كان=
(2/731)
المعتزلة (1) والأشعرية (2) والمتكلمين: لا
يقتضي فسادًا، وحكاه الآمدي (3) عن محققي أصحابهم كالقفال
والغزالي.
وذكر أبو محمَّد التميمي (4) عن أحمد (5): أن النهي يدل على
فساد المنهي عنه، وأن له عنده صيغة، وأن (6) أصحابه اختلفوا في
ذلك.
وحكى جماعة (7) عن بعض العلماء: يقتضي الصحة. وفيه نظر.
وعند أبي الحسين (8): يقتضي فساد العبادات فقط.
وجه الأول: حديث عائشة عنه - عليه السلام -: (من عمل عملاً ليس
عليه أمرنا فهو رَدّ). متفق عليه (9).
__________
=إِنما تعلق النهي به لمعنى في غيره لا لنفسه لم يوجب فساد هذه
العقود ولا القرب المعقولة.
(1) انظر: المعتمد/ 184.
(2) انظر: البرهان/ 283، والإِحكام للآمدي 2/ 188.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 188.
(4) نهاية 75 ب من (ظ).
(5) انظر: المسودة/ 22.
(6) في (ح): واختلف في ذلك أصحابه.
(7) انظر: المسودة/ 82.
(8) انظر: المعتمد/ 184.
(9) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 184، ومسلم في صحيحه/ 1343 -
1344 واللفظ له.
(2/732)
ولأحمد: (من صنع أمرًا على غير أمرنا فهو
مردود) (1).
واعترض (2): آحاد، ثم: المراد: لا يثاب عليه.
وأجاب أصحابنا: تلقته الأمة بالقبول، فهو كالتواتر، ثم: هذا من
مسائل الاجتهاد، فهو كالفروع (3).
والرد ظاهر فيما تعلق به (4).
ولأن الصحابة والأئمة لم تزل تستدل على الفساد بالنهي، والأصل
عدم قرينة، وعادة (5) المحتج بيان الدليل، ولنقلت؛ لئلا يضيع
الشرع.
ولأن النهي (6) طلب ترك الفعل، ولا يخلو من حكمة: إِما وجوبًا
(7) أو بحكم الواقع (8)، على اختلاف المذهبين، ثم: لو خلا (9)
فنادر والحكم
__________
(1) انظر: المسند 6/ 83 ولفظه: (من غير أمرنا). وأخرجه أبو
داود في سننه 5/ 13 بلفظ: (من صنع أمرًا على غير أمرنا فهو
رد).
(2) نهاية 101 ب من (ب).
(3) فيكفي فيه الآحاد.
(4) يعني: في جميع ما يتعلق به، فلا يثاب عليه، ويكون فاسدا.
(5) يعني: لو كان الدليل لا يتم إِلا بقرينة لبينوها؛ لأن عادة
المحتج بيان الدليل.
(6) نهاية 209 من (ح).
(7) على مذهب المعتزلة.
(8) عن مذهب الأشعرية. انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 189.
(9) عن الحكمة.
(2/733)
للأغلب (1)، فلو لم يفسد لزم لنفي المنهي
عنه حكمة للنهي (2)، ولثبوته حكمة لصحته، واللازم باطل؛ لأنهما
إِن تساويا أو رجحت حكمة الصحة امتنع النهي (3) لخلوه (4) عن
الحكمة، وإلا امتنعت الصحة لعدم حكمتها.
القائل "لا يدل لغة": فساده نف أحكامه، والنهي لا يشعر بذلك؛
لأنه طلب ترك الفعل، بدليل: "لا تبع غلامك، فإِن فعلت ملكه
المشتري" لم يتناقض لغة.
القائل "لغة": لخبر (5) عائشة (6).
رد: لا حجة فيه (7)، ثم: لقوله: (فهو رد) (8).
ولاستدلال العلماء.
رد: لم يقولوا: لغة، بل (9) لفهمهم شرعًا.
__________
(1) وهو عدم الخلو.
(2) يعني: لوجود النهي.
(3) في (ح): لخلوة.
(4) يعني: لخلو النهي.
(5) في (ب): بخبر.
(6) فالمردود ما ليس بصحيح ولا مقبول، ولا يخفى أن المنهي عنه
ليس بمأمور به ولا هو من الدين، فكان مردودًا.
(7) على الفساد. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 191.
(8) يعني: أصبح الدليل شرعيًا لا لغويًا.
(9) في (ح) و (ب): ثم.
(2/734)
قالوا: الأمر يقتضي الصحة، والنهي مقابله،
فيقتضي نقيضها؛ لتقابلهما.
رد: الأمر لا يقتضي الصحة لغة.
ثم: المتقابلات (1) يجوز اشتراكها في لازم واحد (2).
ثم: يلزم أن لا يقتضي الصحة (3) لا أن يقتضي الفساد.
القائل "لا يدل على الفساد مطلقًا": لأنه لا دليل عليه.
ولأن الشارع لو قال: "نهيتك عن هذا لعينه، فإِن فعلتَ ثبت
حكمه" صح ولا تناقض، ولو دل النهي تناقض.
رد: تقدم الدليل.
وبمنع لزوم التناقض؛ لأنه يدل (4) ظاهرًا، والصريح أقوى (5).
القائل "يدل على صحة (6) غير (7) العبادة): لو لم يدل (8) كان
المنهي
__________
(1) يعني: لا يجب اختلاف أحكامها، بل يجوز ... إِلخ.
(2) فضلاً عن تناقض أحكامها.
(3) لأنه نقيض: (يقتضي الصحة).
(4) يعني: لأن النهي يدل على الفساد ظاهرًا.
(5) من الظاهر.
(6) في (ب): الصحة.
(7) نهاية 102 أمن (ب).
(8) على الصحة.
(2/735)
عنه غير شرعي؛ لأنه لو كان شرعيًا كان
صحيحًا.
رد: الشرعي: صحيح وفاسد (1)؛ لقوله - عليه السلام - للحائض:
(دعي (2) الصلاة) (3).
قالوا: لم يكن المنهي (4) عنه الشرعي صحيحًا كان ممتنعا، فلم
يُمنع منه، لعدم فائدة.
رد: امتنع للنهي لا لذاته.
ثم: صلاة حائض (5) ونكاح مشركة (6) ممتنعان (7) وقد منعا (8)،
فإِن حملا (9) على اللغة لم يصح في حائض لعدم منعها من الدعاء،
والنكاح
__________
(1) فليس كل شرعي صحيحا.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 51، 67، ومسلم في صحيحه/ 262 من
حديث عائشة مرفوعًا.
(3) وصلاة الحائض لا تصح اتفاقًا.
(4) نهاية 210 من (ح).
(5) في (ب) و (ظ): الحائض.
(6) قال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يُوْمِنّ). سورة
البقرة: آية 221.
(7) فإِن النهي فيهما لا يدل على الصحة بالإجماع.
(8) فهذا ينقض قولكم.
(9) هذا رد على سؤال مقدر، قالوا: نحمله على اللغوي فلا يلزم
الصحة. قلنا: دليلكم قائم في اللغوي وهو أنه -حينئذ- يمتنع
اللغوي وقد منعوا عنه.
(2/736)
لغة (1): الوطء، فيكون الممتنع شرعا امتنع
(2).
مسألة
النهي عن الشيء لوصفه كذلك عندنا وعند الشافعية (3) وغيرهم.
وذكر بعضهم (4) عن الأكثر: لا يقتضي فسادًا، كذا قال.
وعند الحنفية (5): يقتضي صحة الشيء وفساد وصفه، فالمحرم عندهم
وقوع الصوم في العيد لا الواقع، فهو حسن؛ لأنه صوم، قبيح
لوقوعه في العيد، فهو طاعة فيصح النذر به، ووصف قبحه لازم
للفعل (6) لا للاسم (7)، ولا يلزم بالشروع (8)، والفساد في
الصلاة وقت النهي في وصفه (9) للنسبة إِلى الشيطان، والوقت سبب
وظرف، فأثر نقصه في نقصها، فلم يَتَأدَّ بها الكامل (10)،
وضُمِنَتْ بالشروع، ووقت الصوم معيار
__________
(1) نهاية 76 أمن (ظ).
(2) لغة، فلا يمنع منه.
(3) انظر: المنخول/ 205، وتحقيق المراد / 106، وشرح المحلي على
جمع الجوامع 1/ 394.
(4) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 98.
(5) انظر: أصول السرخسي 1/ 82، 85 وما بعدها، وكشف الأسرار 1/
258 وما بعدها.
(6) يعني: لوقوع الصوم يوم العيد.
(7) يعني: لا لاسم الصوم.
(8) يعني: فلو أفسده بعد الشروع فلا قضاء.
(9) يعني: وصف الوقت.
(10) الذي وجب في ذمته.
(2/737)
فلم يضمن به (1) عند أبي حنيفة، وخالفه
صاحباه (2)، وإذا باع بخمر صح بأصله لا وصفه، ولو باع خمراً
بعبد (3) لم يصح؛ لأن الثمن تابع غير مقصود بخلاف المثمن. كذا
قالوا.
وقيل لأبي الخطاب في الانتصار في نذر صوم العيد: نهيه - عليه
السلام - عن صوم العيد (4) يدل على الفساد، فقال: هو حجتنا؛
لأن النهي عما لا يكون (5) محال كنهي الأعمى عن النظر، فلو لم
يصح لما نهى عنه.
وصحح بعض أصحابنا (6) المنهي لوصف غير (7) لازم.
وجه الأول: ما سبق.
واستدلال الصحابة (8) بالنهي في صوم العيد وغيره من غير فرق.
__________
(1) يعني: بالشروع.
(2) انظر: كشف الأسرار 1/ 277.
(3) في (ب): بعيد.
(4) ورد من حديث عمر وابن عمر وأبي سعيد وأبي هريرة مرفوعًا،
أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 42 - 43، ومسلم في صحيحه/ 799 -
800.
وورد من حديث عائشة مرفوعًا، أخرجه مسلم في صحيحه/ 800.
(5) في (ح): عما لا يتكون.
(6) انظر: البلبل/ 96.
(7) نهاية 102 ب من (ب).
(8) نهاية 211 من (ح).
(2/738)
وسَلَّم المخالف الصلاة بلاَ طهارة (1).
وفي إِلزامه بيع الملاقيح والمضامين (2) ونحوهما (3) نظر.
ومنع صاحب المحرر (4): أن النهي لم يعد إِلى عين المنهي عنه،
لأن النص أضافه إِلى صوم هذا اليوم كإِضافته النهي إِلى صلاة
حائض ومحدث.
قالوا: وأجيب بما سبق (5): أنه (6) لا يقتضي فسادًا، ويقتضي
صحة غير (7) العبادة.
قالوا: [لو] (8) دل لما صح طلاق حائض والحد بسوط غصب وذبح ملْك
غيره.
[رد] (9):ترك الظاهر (10) لدليل, وهو خبر
__________
(1) يعني: سلم الفساد فيها.
(2) في المغني 4/ 157: الملاقيح: ما في البطون وهي الأجنة،
والمضامين: ما في أصلاب الفحول. كانوا يبيعون الجنين في بطن
الناقة وما يضربه الفحل في عامه.
(3) يعني: إِلزامه أن يقول بصحتهما. انظر: أصول السرخسي 1/ 80.
(4) انظر: المسودة/ 83.
(5) انظر: ص 735 من هذا الكتاب.
(6) في (ب): أن.
(7) انظر: ص 735 من هذا الكتاب.
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(10) وهو الدلالة على الفساد.
(2/739)
ابن عمر (1) في الطلاق (2)، وقال القاضي
(3): تغليظًا عليه.
وفي الحد للإِجماع -قاله (4) في التمهيد (5) - لئلا يُزاد
الحد.
ويحل المذبوح على الأصح عندنا (6) (و) (7) للخبر (8).
وقال بعض أصحابنا: النهي (9) إِن أوجب حظرا أوجبه مع النهي عن
السبب (10) كطلاق الحائض والظهار محرَّمان موجبان للتحريم،
ونبه عليه أبو
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 41، 59، ومسلم في صحيحه / 1093
- 1098.
(2) يعني: طلاق الحائض، فقد اعتد بهذا الطلاق مع النهي عنه.
(3) انظر: العدة/ 446.
(4) في (ظ): وقاله. بزيادة الواو. وقد زيدت في (ب) من نسخة
أخرى.
(5) انظر: التمهيد/ 49أ.
(6) انظر: بدائع الصنائع/ 4427، وحاشية الدسوقي على الشرح
الكبير 3/ 444، والمجموع 14/ 72.
(7) مسحت الواو في (ظ).
(8) وهو أن النبي قال -في شاة ذبحت بدون إذن صاحبها-: (أطعموها
الأسارى). أخرجه أبو داود في سننه 3/ 627 - 628 من حديث رجل من
الأنصار، وكذا أخرجه أحمد في مسنده 5/ 293 - 294، ومحمد بن
الحسن في كتاب الآثار -على ما في نصب الراية 4/ 168 -
والدارقطني في سننه 4/ 285 - 286. وأخرجه الطبراني في معجمه
الكبير والأوسط من حديث أبي موسى. فانظر: نصب الراية 4/ 169،
ومجمع الزوائد 4/ 173.
(9) كذا في النسخ. ولعلها: المنهي.
(10) يعني: سبب الحظر.
(2/740)
الخطاب في مسألة "البيع الفاسد لا ينقل
الملك".
وقال في المغني (1) -لمن احتج بالنهي (2) عن العُمْرَى (3)
__________
(1) انظر: المغني 6/ 68.
(2) أخرج أبو داود في سننه 3/ 820 عن جابر أن النبي قال: (لا
تُرْقبوا ولا تُعْمروا فمن أُرْقب شيئًا أو أُعْمره فهو
لورثته). وأخرجه النسائي في سننه 6/ 273. وأخرج أبو داود في
سننه 3/ 821 عن زيد بن ثابت مرفوعًا: (من أعْمر شيئًا فهو
لمُعْمَره محياه ومماته، ولا تُرْقبوا، فمن أَرْقب شيئًا فهو
سبيله). وأخرجه النسائي في سننه 6/ 272. وأخرج النسائي -أيضًا-
في سننه 6/ 269 عن ابن عباس عن رسول الله قال: (لا تُرْقبوا
أموالكم، فمن أَرْقب شيئًا فهو لمن أُرْقبه). وفيه اختلاف ذكره
النسائي. وأخرج النسائي في سننه 6/ 273 عن ابن عمر أن رسول
الله قال: (لا عمرى ولا رقبى، فمن أُعْمر شيئًا أو أُرْقبه فهو
له حياته ومماته). وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 796. وأخرجه ابن
ماجه -أيضًا- في سننه/ 796 من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (لا
عمرى، فمن أُعْمر شيئًا فهو له). في الزوائد: إِسناده صحيح على
شرط الشيخين.
وانظر: سنن النسائي 6/ 268 - 278، ونصب الراية 4/ 128 - 129.
(3) في المغني 6/ 68: العمرى والرقبى نوعان من الهبة. وصورة
العمرى: أن يقول الرجل: أعمرتك داري هذه، أو هي لك عمري، أو ما
عشت، أو مدة حياتك، أو ما حييت، أو نحو هذا. سميت عمرى
لتقييدها بالعمر.
والرقبى: أن يقول: أرقبتك هذه الدار، أو هي لك حياتك على أنك
إِن من قبلي عادت إِلي وإن من قبلك فهي لك ولعقبك، فكأنه يقول:
هي لآخرنا موتا، وسميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه.
(2/741)
والرُّقْبَى (1) -: النهي إِنما يمنع صحة
ما يفيد النهي (2) عنه فائدة، فإِن كانت صحته ضررًا على مرتكبه
لم يمنع صحته كطلاق الحائض والعمرى، لزوال ملكه بلا عوض.
مسألة
النهي لمعنى في غير المنهي عنه -كالبيع بعد نداء الجمعة- كذلك
عند أحمد (3) و [أكثر] (4) أصحابنا (وم (5) ظ) (6) والجبائية
(7) -قال أبو المعالي (8): وعُزِيَ هذا (9) إِلى طوائف من
الفقهاء- خلافاً لأكثر الفقهاء والمتكلمين.
والدليل والاعتراض والجواب كما سبق.
وألزم القاضي (10) الشافعية ببطلان (11) البيع بالتفرقة بين
__________
(1) يعني: قال لمن احتج بالنهي عن العمرى والرقبى على فسادهما.
(2) يعني: الشخص المنهي عنه.
(3) انظر: العدة/ 441.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) انظر: شرح تنقيح الفصول / 173، والفروق 2/ 85، والإحكام
للآمدي 2/ 188.
(6) انظر: الإِحكام لابن حزم/ 390 - 311.
(7) انظر: المعتمد/ 195.
(8) انظر: البرهان/ 284.
(9) نهاية 76 ب من (ظ).
(10) انظر: العدة/ 443.
(11) فيلزمهم طرد البطلان فيما شابهها.
(2/742)
والدة (1) وولدها (2) (3).
__________
(1) نهاية 103 أمن (ب).
(2) نهاية 212 من (ح).
(3) النهي عن التفرقة بين الوالدة وولدها: أخرجه الترمذي في
سننه 2/ 376، 3/ 64 عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن
الحبلي عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله يقول: (من
فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم
القيامة). وقال الترمذي: حسن غريب. وأخرجه الحاكم في المستدرك
2/ 55 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. قال الزيلعي في نصب
الراية 4/ 23 - 24: وفيما قاله نظر؛ لأن حيي بن عبد الله لم
يخرج له في الصحيح شيء، بل تكلم فيه بعضهم ... ا. هـ. وأخرجه
البيهقي في شعب الإيمان من طريق آخر فيه انقطاع. فانظر: نصب
الراية 4/ 24. وأخرجه الدارمي في سننه 2/ 146 من طريق آخر.
وأخرج الدارقطني في سننه 3/ 68 من طريق الواقدي ... عن حُرَيْث
بن سليم العُذري عن أبيه قال: سألت رسول الله عمن فرق في السبي
بين الوالد والولد؟ فقال: (من فرق بينهم فرق الله بينه وبين
الأحبة يوم القيامة).
وأخرج الدارقطني -أيضًا- في سننه 3/ 67 ... عن إِبراهيم بن
إِسماعيل بن مُجَمِّع عن طلَيْق بن عمران عن أبي بردة عن أبي
موسى: لعن رسول الله من فرق بين الوالدة وولدها. وفي لفظ: نهى
أن يفرق ... الحديث. وذكر الدارقطني فيه اختلافاً على طليق.
فانظر: نصب الراية 4/ 25.
وأخرج البيهقي في المعرفة في كتاب السير عن الحاكم بسنده عن
جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جده أن أبا أسد جاء إِلى النبي بسبي
عن البحرين، فنظر - عليه السلام - إِلى امرأة منهن تبكي، فقال:
(ما شأنك؟) قالت: باع ابني، فقال - عليه السلام -=
(2/743)
وحيث قال أصحابنا: باقتضاء النهي الفساد،
فمرادهم: ما لم يكن النهي لحق آدمي يمكن استدراكه، فإِن [كان]
(1) ولا مانع كتلقي الرُّكْبان (2) والنَّجْش (3) فإِنهما
يصحان على الأصح عندنا وعند الأكثر؛ لإِثبات الشارع الخيار في
التلقي، وعللوه بما سبق.
__________
=لأبي أسد: (أبعت ابنها؟) قال: نعم، قال: (فيمن؟) قال: في بني
عبس، فقال -عليه السلام-: (اركب أنت بنفسك فَأْت به). انظر:
نصب الراية 4/ 24.
وأخرج الحاكم في المستدرك 2/ 55 عن عمران بن حصين قال: قال
رسول الله: (ملعون من فرق بين والدة وولدها). قال الحاكم:
إِسناده صحيح ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه الدارقطني في
سننه 3/ 66 - 67.
وأخرج أبو داود في سننه/ 3/ 144 - 145 ... عن ميمون بن أبي
شبيب عن علي: أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه - عليه السلام -
عن ذلك، ورد البيع. وضعفه أبو داود بأن ميمونًا لم يدرك عليا.
وأخرجه الدارقطني في سننه 3/ 66، والحاكم في مستدركه 2/ 55،
125 وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(2) تلقي الركبان: أن يتلقى الرجل من جلب متاعًا إِلى البلد
فيشتريه منه قبل وصوله، فربما غبنه غبنا بينا فيضره. انظر:
المغني 4/ 164.
والنهي عنه: أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 72 - 73 من حديث أبي
هريرة وابن عمر مرفوعاً، وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1155 - 1157 من
حديثهما ومن حديث ابن عباس مرفوعاً. وفي حديث أبي هريرة عند
مسلم: إِثبات الخيار للمتلقى.
(3) النجش: أن يزيد في السلعة من غير إِرادة شرائها. انظر:
المغني 4/ 160.
والنهي عنه: أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 69 - 70، 71 من حديث
ابن عمر=
(2/744)
وفي الفروع مسائل كبيع الفُضُولي (1)
والمجهول وغير ذلك (2) لها أدلة خاصة هناك.
مسألة
النهي يقتضي الفور والدوام عند أصحابنا وعامة العلماء، خلافاً
لابن الباقلاني (3) وصاحب المحصول (4).
لنا: أن من نهي عن فعل بلا قرينة عُدّ مخالفًا لغة وعرفاً أي
وقت فعله، ولهذالم تزل العلماء تستدل به (5) من غير نكير.
والنهي يقتضي قبح المنهي عنه، ذكره في التمهيد (6).
ومنعه القاضي (7)؛ لأنه قد يكون نذرًا وصلاة، كذا قال.
قالوا: منقسم إِلى الدوام وغيره كالزنا والحائض عن الصلاة،
فكان للقدر المشترك، دفعاً للاشتراك والمجاز.
__________
=وأبي هريرة مرفوعاً، ومسلم في صحيحه / 1155 من حديث أبي هريرة
مرفوعًا.
(1) الفضولي: من يبيع ملك غيره بلا إِذنه. انظر: المغني 4/
155، 158.
(2) في (ظ): هذا.
(3) انظر: العدة/ 428.
(4) انظر: المحصول 1/ 2/ 470.
(5) يعني: بالنهي.
(6) انظر: التمهيد/ 48 أ.
(7) انظر: العدة/ 268 وفيها: لأن المنهي عنه قد يكون ندبًا
وفضلاً.
(2/745)
رد: عدم الدوام لقرينة هي تقييده بالحيض.
وكونه حقيقة للدوام أولى من المرة؛ لدليلنا، ولإِمكان التجوز
به عن بعضه لاستلزامه له بخلاف العكس.
* * *
وسبق (1) في الأمر: إِذا قال: "لا تفعل كذا مرة" عَمَّ.
وعند القاضي (2): لا؛ لقُبْح المنهي عنه في وقت وحُسْنه في آخر
(3).
قال بعض أصحابنا (4): وقال غيره: يعم (5).
* * *
__________
(1) انظر: ص 673 من هذا الكتاب.
(2) انظر: العدة/ 268.
(3) في (ب): آخره.
(4) انظر: المسودة/ 81.
(5) في (ظ): نعم.
(2/746)
|