أصول الفقه لابن مفلح العام والخاص
قال أبو الحسين (1) وبعض الأشعرية (2) -واختاره في التمهيد (3)
-: العام اللفظ المستغرق لما (4) يصلح له.
فقيل: ليس بمانع؛ لدخول كل نكرة من أسماء الأعداد كعشرة، ونحو
(5): ضرب زيد عمرًا.
وفيه نظر؛ فإِنه أريد بما يصلح أفراد مسمى اللفظ فلم تدخل
النكرة، وإن فسر ما يصلح (6) بأجزاء اللفظ لا بجزئياته كالعشرة
مستغرقة أجزاءها أي: وحداتها، ونحو "ضرب زيد عمرًا": إِن
استغرق لما يصلح من أفراد "ضرب زيد عمرًا" فعام، وإلا لم يدخل.
وأبطله الآمدي (7): بأنه عرف العام بالمستغرق وهما مترادفان،
وليس القصد شرح اسم العام ليكون الحد لفظيا، بل مسماه بحد (8)
حقيقي أو
__________
(1) انظر: المعتمد/ 203.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 195.
(3) انظر: التمهيد/ 50 أ.
(4) نهاية 213 من (ح).
(5) في (ب): ونحوه.
(6) نهاية 103 ب من (ب).
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 195.
(8) في (ظ): لحد.
(2/747)
رسمي. (1)
وفي الروضة (2): اللفظ الواحد الدال على شيئين فصاعدا مطلقًا.
وهو أجود من حد الغزالي (3)، وليس بجامع لخروج لفظ "المعدوم"
و"المستحيل"؛ لأن مدلولهما ليس بشيء، والوصول؛ [لأنه] (4) ليس
بلفظ واحد؛ لأنه لا يتم إِلا بصلته.
واختاره الآمدي (5)، وأبدل "شيئين" بـ "مسميين".
وقيل (6): ما دل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقًا.
فدخل فيه المعاني، وفيها خلاف (7) يأتي (8)، ودخل في
"المسميات" الموجود والمعدوم، وخرج المسمى الواحد والمثنى
والنكرة المطلقة كرجل، وخرج نحو: عشرة بـ "اشتركت فيه"،
والمعهود بـ "مطلقًا".
__________
(1) وما ذكره خارج عن القسمين.
(2) انظر: روضة الناظر/ 220.
(3) قال الغزالي: العام عبارة عن اللفظ الواحد الدال من جهة
واحدة على شيئين فصاعدا. انظر: المستصفى 2/ 32.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(5) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 196.
(6) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 99.
(7) نهاية 77 أمن (ظ).
(8) في الصفحة التالية.
(2/748)
ولا وجه لزيادة "ضربة" -أي: دفعة- ليخرج
نحو: رجل (1).
* * *
والخاص: بخلافه، أي: ما دل وليس بعام، فلا يرد المهمل.
* * *
[ثم] (2): العام لا أعم منه "المذكور"، لتناوله الموجود
والمعدوم والمعلوم والمجهول، والخاص (3) لا أخص منه "أسماء
الأعلام"، وعام بالنسبة إِلى ما تحته خاص بالنسبة إِلى ما فوقه
كحيوان.
مسألة
العموم من عوارض الألفاظ (4) حقيقة إِجماعًا، أي: بمعنى الشركة
في المفهوم لا بمعنى الشركة في اللفظ.
قال بعض أصحابنا (5): وفي المعاني أيضًا، وذكره عن القاضي
وغيره.
وعن أبي الخطاب (5): من عوارض الألفاظ فقط، وذكره
__________
(1) قال من زاده: ليخرج نحو: رجل؛ فإِنه يدل على مسمياته لا
دفعة بل دفعات على البدل.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(3) نهاية 214 من (ح).
(4) في (ب): ألفاظ.
(5) انظر: المسودة/ 97.
(2/749)
الآمدي (1) (2) عن أصحابهم وجمهور الأئمة،
لكنه مجاز (3).
وللحنفية (4) قولان.
و [عن] (5) بعض الأصوليين: ولا مجازًا أيضًا، وهو ظاهر ما حكي
عن أبي الخطاب.
وذكر بعض أصحابنا (6) عن الغزالي (7) وصاحب الروضة (8): من
عوارض اللفظ والمعنى الذهني.
وفي الروضة (8): من عوارض الألفاظ، مجاز في غيرها، وقال في
المعنى الكلي: إِن سُمِّي عامًّا فلا بأس.
وجه الأول: حقيقة العام لغة: شمول أمر لمتعدد، وهو في المعاني
كعم المطر والخصب، وفي المعنى الكلي لشموله لمعاني الجزئيات.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 98.
(2) نهاية 104 أمن (ب).
(3) يعني: لكنه مجاز في المعاني.
(4) انظر: أصول السرخسي 1/ 125، وتيسير التحرير 1/ 119، وفتح
الغفار 1/ 84، وفواتح الرحموت 1/ 258.
(5) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(6) انظر: المسودة/ 97.
(7) انظر: المستصفى 2/ 33 - 34
(8) انظر: روضة الناظر/ 220.
(2/750)
واعترض: المراد أمر واحد شامل، وعموم المطر
شمول متعدد لمتعدد؛ لأن كل جزء من الأرض يختص بجزء من المطر.
رد: ليس هذا بشرط للعموم (1) لغة، ولو سلم فعموم الصوت (2)
باعتبار واحد شامل للأصوات المتعددة الحاصلة لسامعيه، وعموم
الأمر والنهي باعتبار واحد وهو الطلب الشامل لكل طلب تعلق بكل
مكلف، وكذا المعنى الكلي الذهني (3) (4).
مسألة
مذهب الأئمة الأربعة (5) والظاهرية (6) وعامة المتكلمين:
للعموم صيغة موضوعة له خاصة به -وقال ابن عقيل (7): للعموم
صيغة (8) - كما
__________
(1) في (ظ): العموم.
(2) وهو من المعاني.
(3) يتصور لعمومه الآحاد التي تحته.
(4) نهاية 215 من (ح).
(5) انظر: العدة/ 485، 489، وأصول السرخسي 1/ 151 - 162،
وتيسير التحرير 1/ 971، وشرح تنقيح الفصول/ 178 - 182،
والإحكام للآمدي 2/ 200، وشرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 408 -
414.
(6) انظر: الإِحكام لابن حزم/ 463.
(7) انظر: الواضح 2/ 74 ب.
(8) في (ب): صيغة به كما سبق.
(2/751)
سبق (1) في الأمر، وسبق فيه رواية في
الظواهر (2).
وقالت المرجئة (3): لا صيغة له، وذكره التميمي (4) عن بعض
أصحابنا (5)، وكذا قاله الأشعري وأصحابه (6).
ثم: لهم ولجماعة من الأصوليين قولان:
أحد هما: الاشتراك (7) بين العموم والخصوص.
والثاني: الوقف، فقيل: لا ندري (8)، وقيل: ندري ونجهل: حقيقة
في العموم أو مجاز؟.
وقيل: الأمر والنهي للعموم، والوقف في الأخبار.
وعند أرباب الخصوص: هي حقيقة فيه، واختاره الآمدي (9)، وتوقف
فيما زاد.
__________
(1) يعني: كما سبق في أن للأمر صيغة. انظر: ص 654 من هذا
الكتاب.
(2) انظر: ص 655 - 656 من هذا الكتاب.
(3) انظر: المعتمد/ 209، والإحكام للآمدي 2/ 200.
(4) هو: أبو محمَّد التميمي. وفي (ح): اليميمي.
(5) انظر: المسودة/ 89.
(6) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 200، والعدة/ 489.
(7) في (ظ): للاشتراك.
(8) هل وضع للعموم صيغة؟
(9) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 201.
(2/752)
وعند محمَّد (1) بن شجاع الثلجي (2) (3)
وأبي هاشم (4) وجماعة من المعتزلة (5): لفظ الجمع واسم الجنس
لثلاثة، ويوقف (6) فيما زاد.
لنا: "لا تضرب أحدًا" (7) و"كل من قال كذا فقل له كذا" عام
قطعا.
ولأن (8) نوحًا تمسك بقوله: (وأهلك) (9) بأن ابنه من أهله،
وأقره
__________
(1) قال في العدة/ 489: وحكي عن محمَّد بن شجاع الثلجي أنه
قال: يحمل على الثلاثة، ويتوقف فيما زاد عليها حتى يقوم الدليل
على المراد به، وحكي ذلك عن جماعة من المعتزلة. وانظر: كشف
الأسرار 2/ 299.
(2) هو: أبو عبد الله، فقيه الحنفية في وقته، توفي سنة 266 هـ.
اتهم بالوضع وبالكذب.
قال فيه أحمد: مبتدع صاحب هوى.
انظر: تاريخ بغداد 5/ 350، والمغني في الضعفاء 2/ 591، وشذرات
الذهب 2/ 151.
(3) نهاية 104 ب من (ب).
(4) نقل في المعتمد/ 211، 240، 244، 246 عن أبي هاشم: عدم
الاستغراق في اسم الجمع المشتق وغير المشتق إِذا دخله الألف
والسلام نحو: (المشركون - الناس) والاسم المفرد إِذا دخله
الألف واللام مشتقا أو غير مشتق والجمع العاري عن الألف
واللام. وانظر: الإِحكام للآمدي 2/ 200.
(5) انظر: العدة/ 490، والمسودة/ 89.
(6) في (ب) و (ح): وتوقف.
(7) نهاية 77 ب من (ظ).
(8) من قوله: (ولأن نوحاً) إِلى قوله: (لننجينه) ورد في (ب) و
(ظ) متأخرًا، وسأشير إِليه في موضعه وذلك في ص 755.
(9) سورة هود: آية 40.
(2/753)
الله وبَيَّن المانع.
ولأن إِبراهيم فهم العموم من: (أهل هذه القرية) (1)، فقال
للملائكة: (إِنَّ فيها لوطاً) (2)، وأجابوه: (لننجينه) (2).
[يقال (3): أهْل وأَهْلَة، والجمع: أهْلات وأَهَلات وأَهالٍ]
(4).
ولمسلم من حديث (5) أبي هريرة: قالوا: فالحمر يا رسول الله؟
قال: (ما أنزل الله علي فيها شيئًا إِلا هذه الآية الجامعة
الفاذة (فمن (6) يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة
شرًّا يره (7)).
وعن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما (8) رجع من
الأحزاب قال: (لا يصلين أحد العصر إِلا في بني قريظة)، فأدرك
بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال
بعضهم: بل نصلي، لم يرد ذلك منا، فذكر للنبي - صلى الله عليه
وسلم -، فلم يعنف واحدًا منهم. رواه البخاري ومسلم (9).
__________
(1) سورة العنكبوت: آية 31.
(2) سورة العنكبوت: آية 32.
(3) انظر: لسان العرب 13/ 28 - 29.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) أخرجه البخاري في صحيحه 9/ 109، ومسلم في صحيحه/ 682.
(6) في النسخ: من يعمل.
(7) سورة الزلزلة: الآيتان 7، 8.
(8) نهاية 216 من (ح).
(9) انظر: صحيح البخاري 5/ 112، وصحيح مسلم/ 139.
(2/754)
وأجنب عمرو بن العاص (1) في غزوة ذات (*)
السلاسل، فصلى بأصحابه ولم يغتسل لخوفه، وتأول قوله: (ولا
تقتلوا أنفسكم) (2)، وذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فضحك
ولم يقل شيئًا. حديث صحيح رواه (3) أحمد وأبو داود والحاكم
وقال: على شرط البخاري ومسلم (4).
واستدلال الصحابة والأئمة على حد كل سارق وزان بقوله:
(والسارق) (5)، (والزاني) (6).
وفي الصحيحين (7): احتجاج عمر على أبي بكر في قتال مانعي
الزكاة
__________
(1) في (ب) و (ح): العاصي.
(*) وقعت سنة 8 هـ، والسلاسل: اسم ماء بأرض جذام على مشارف
الشام.
انظر: تاريخ الأمم والملوك 3/ 104، والبداية والنهاية 4/ 273،
ومعجم البلدان 3/ 233.
(2) سورة النساء: آية 29.
(3) انظر: المسند 4/ 203 - 204، وسنن أبي داود 1/ 238 - 239،
والمستدرك 1/ 177 - 178 ووافقه الذهبي. وأخرجه الدارقطني في
سننه 1/ 178 - 179، والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 225 - 226.
وعلقه البخاري في صحيحه 1/ 73.
(4) جاء -بعد هذا- في كل من (ب) و (ظ) الكلام المشار إِليه في
هامش 8 من صفحة 753. وجاء معه -أيضًا- الكلام المحصور بين
المعقوفتين في الصفحة السابقة، والذي قدمته لمناسبته لذلك
الكلام.
(5) سورة المائدة: آية 38.
(6) سورة النور: آية 2.
(7) انظر: صحيح البخاري 2/ 105، وصحيح مسلم/ 51 - 52، وقد
أخرجاه من حديث أبي هريرة.
(2/755)
بقوله - عليه السلام -: (أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا (1): لا إِله إِلا الله).
وللشافعي (2): فقال أبو بكر: هذا من حقها.
وللترمذي في غير جامعه (3): عن عمر عن أبي بكر مرفوعًا: (إِنا
معشر الأنبياء لا نورث) (4).
ولمالك عن ابن (5) شهاب (6) عن قبيصة (7) بن ذؤيب: أن رجلاً
سأل
__________
(1) في (ظ): حتى يشهدوا أن لا إِله إِلا الله.
(2) انظر: بدائع المنن 1/ 223، وقد أخرجه من حديث أبي هريرة.
(3) وهو سننه المعروفة المطبوعة.
(4) أخرجه الترمذي في الشمائل المحمدية/ 232 - 234 من حديث أبي
بكر: سمعت رسول الله يقول: (لا نورث). وكذا أخرجه في جامعه
(السنن) 3/ 81 - 83 من حديث أبي بكر وعمر مرفوعًا. ولم أجده
باللفظ المذكور.
وأخرجه البخاري في صحيحه 8/ 149 من حديث أبي بكر وعائشة وعمر
مرفوعًا: (لا نورث، ما تركناه صدقة). وأخرجه مسلم في صحيحه /
1379 - 1383 من حديث عائشة وأبي بكر وأبي هريرة مرفوعًا، بلفظ
البخاري.
وباللفظ الذي ذكره المؤلف أخرجه أحمد في مسنده 2/ 463 من حديث
أبي هريرة مرفوعًا.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى عن عمر مرفوعًا: (إِنا معاشر
الأنبياء لا نورث). فانظر: المعتبر/ 46 ب.
(5) نهاية 105 أمن (ب).
(6) هو: الزهري.
(7) هو: أبو إِسحاق -ويقال: أبو سعيد- الخزاعي، ولد سنة اهـ،
وقيل: عام الفتح،=
(2/756)
عثمان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع
بينهما؟ فقال (1): "أحلتهما آية (2)، وحرمتهما آية (3)، وأنا
لا أحب أن أصنع هذا"، فخرج من عنده فلقي رجلاً من أصحاب النبي
- صلى الله عليه وسلم -، فقال: لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت
أحدًا فعل (4) ذلك لجعلته نكالاً. قال ابن شهاب (5): أراه
[علي] (6).
قال مالك: وبلغني عن الزبير (7) مثل ذلك (8).
__________
=وقيل غير ذلك، ذكره ابن شاهين في الصحابة، وقال ابن قانع: له
رؤية. وقال العجلي: مدني تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في ثقات
التابعين، روى عن النبي مرسلاً وعن عمر وعثمان وبلال وغيرهم،
توفي سنة 86 هـ.
انظر: الاستيعاب/ 1272، والإصابة 5/ 517، وتهذيب التهذيب 8/
347.
(1) في (ظ): قال.
(2) وهي قوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت
أيمانكم) سورة النساء: آية 3.
(3) وهي قوله تعالى: (وأن تجمعوا بين الأختين إِلا ما قد سلف).
سورة النساء: آية 23.
(4) في (ظ) ونسخة في هامش (ب): يفعل.
(5) هو: الزهري.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) هو: الصحابي الزبير بن العوام.
(8) انظر: الموطأ/ 538 - 539. وأخرجه الدارقطني في سننه 3/
281، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 163 - 164، ومسدد في مسنده
(انظر: المطالب العالية 3/ 74).
(2/757)
وللطحاوي (1) والدارقطني (2) (3) عن علي
وابن عباس كقول عثمان (4).
وللبخاري عن زيد بن ثابت: أنه لما نزل: (لا يستوي القاعدون من
المؤمنين والمجاهدون) (5) قال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، لو
أستطيع الجهاد لجاهدت، فأنزل [الله] (6): (غير أولي الضرر)
(7).
__________
(1) هو: أبو جعفر أحمد بن محمَّد بن سلامة الأزدي المصري، فقيه
حنفي، حافظ ثقة ثبت، توفي بمصرسنة 321 هـ.
من مؤلفاته: أحكام القرآن، والعقيدة، وشرح معاني الآثار. انظر:
الفهرست/ 292، ووفيات الأعيان 1/ 53، وتذكرة الحفاظ/ 1808،
وتاج التراجم/ 8.
(2) انظر: سنن الدارقطني 3/ 281، 282، وقد أخرجه عن علي وابن
عباس. قال صاحب (التعليق المغني على الدارقطني): الحديث -يعني:
حديث على- فيه محمَّد بن جابر السحيمي، ضعفه ابن معين، وقال
الفلاس: متروك الحديث. وفيه: أبو إِسحاق الكوفي عبد الله بن
ميسرة الحارثي، ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أبو زرعة: واهي
الحديث. وأما ابن حبان فوثقه.
(3) نهاية 217 من (ح).
(4) وأخرجه سعيد في سننه 3/ 1/ 403، 404، والبيهقي في السنن
الكبرى 7/ 164، ومسدد وأبو يعلى في مسنديهما (انظر: المطالب
العالية 2/ 73 - 74، ومجمع الزوائد 4/ 269). وانظر: تفسير
الجصاص 2/ 130، وتفسير القرطبي 5/ 117.
(5) سورة النساء: آية 95.
(6) ما بين المعقوفتين من (ح).
(7) أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 25، ومسلم في صحيحه/ 1508 -
1509، والترمذي في سننه 4/ 308 - 309، والنسائي في سننه 6/ 9.
(2/758)
وشرب قدامة بن مظعون (1) خمرًا، واحتج
بقوله: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
إِذا ما اتقوا (2) وآمنوا) الآية (3)، فقال له عمر: أخطأت
التأويل، إِذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله. وحَدَّه عمر. رواه
الحميدي (4) بسند البخاري (5).
وشاع ولم ينكر.
__________
(1) هو: الصحابي أبو عمرو القرشي الجمحي.
(2) نهاية 78 أمن (ظ).
(3) سورة المائدة: آية 93.
(4) هو: أبو عبد الله محمَّد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله
الأزدي الأندلسي الظاهري، حافظ ثبت، إِمام في الحديث والفقه
والأدب والعربية، سمع بالأندلس ومصر والشام والعراق والحجاز،
توفي سنة 488 هـ.
من مؤلفاته: الجمع بين الصحيحين، وتاريخ الأندلس.
انظر: العبر 3/ 323، وتذكرة الحفاظ/ 1218، والنجوم الزاهرة 5/
156، وشذرات الذهب 3/ 392.
(5) انظر: صحيح البخاري 5/ 84، وفتح الباري 7/ 319 - 320،
والجمع بين الصحيحين للحميدي 1/ 20 ب- 21 أ.
وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 9/ 240 - 243، والبيهقي في سننه 8/
315 - 316، والدارقطني في سننه 3/ 166، ولم يصرح باسم قدامة.
وانظر: أحكام القرآن لابن العربي/ 654 - 655، وتفسير القرطبي
6/ 297 - 299، والإِصابة 5/ 424.
(2/759)
واعترض: فهم بالقرائن (1)، ثم: أخبار آحاد.
رد: الأصل عدم قرينة، ثم: لنقلت، ثم (2): ينسد باب الفهم
لظاهرٍ من لفظٍ لجوازه (3) من قرينة، ثم: حديث أبي هريرة صريح.
وهي متواترة معنى، وتلقتها الأمة بالقبول، ثم: الظن كاف.
وأيضًا: صحة الاستثناء في "أكرم الناس إِلا الفساق"، وهو:
إِخراج ما لولاه لدخل بإِجماع العربية، لا لصلح دخوله.
وأيضًا: "من دخل من عبيدي حر، ومن نسائي طالق" يعم اتفاقًا، أو
"فأكرمه" يتوجه اللوم بترك واحد.
وأيضًا: "من جاءك؟ " -استفهامًا (4) - عام؛ لأنه موضوع
اتفاقًا، وليس بحقيقة في الخصوص لحسن جوابه بجملة العقلاء،
وكذا الاشتراك والوقف، وإِلا لما حسن (5) إِلا بعد (6)
الاستفهام (7).
والفرق بين "كل" و"بعض" وبين تأكيد العموم والخصوص قطعي (8)،
__________
(1) (ح): بالقران.
(2) يعني: على قولكم: فهم بالقرائن.
(3) يعني: لجواز أن يكون الفهم من قرينة.
(4) في (ب) و (ظ): استفهام.
(5) يعني: لما حسن الجواب.
(6) نهاية 105ب من (ب).
(7) يعني: استفهام السائل عن مراده بقوله: من جاءك؟
(8) فلولا أن للعموم صيغة يتميز بها عن الخصوص لما اختلف
حكمهما في التوكيد.
(2/760)
وكذا تفريق أهل اللغة بين لفظ العموم ولفظ
الخصوص (1).
وأيضاً (2): "كل الناس علماء" يكذبه: "كلهم ليسوا علماء".
واحتج أصحابنا (3) وغيرهم: بأنه (4) لما نزل قوله: (إِنكم وما
تعبدون من دون الله حصب جهنم) (5) قال عبد الله بن الزبعري (6)
للنبي - صلى الله عليه وسلم -: قد عُبدت الملائكة وعزير وعيسى،
هؤلاء في النار مع آلهتنا؟ فنزل: (ولما ضرب ابن مريم) (7)، ثم:
(إِن الذين سبقت) (8). إِسناده جيد، رواه أبو بكر بن مردويه
(9) من حديث عكرمة عن ابن عباس، ورواه -أيضاً- بإِسناد حسن
__________
(1) فإِنا وجدنا أهل اللغة يقولون: هذا اللفظ عموم، وهذا اللفظ
خصوص.
(2) نهاية 219 من (ح).
(3) انظر: العدة/ 490.
(4) في (ظ) ونسخة في هامش (ب): أنه.
(5) سورة الأنبياء: آية 98.
(6) هو: الصحابي أبو سعد القرشي السهمي، من شعراء قريش
المشهورين، هجا المسلمين بشعره قبل إسلامه، ثم أسلم عام الفتح.
انظر: الاستيعاب/ 901، والإِصابة 4/ 870.
(7) سورة الزخرف: آية 57.
(8) سورة الأنبياء: آية 101.
(9) في تفسيره، فانظر: تفسير ابن كثير 3/ 198، والمعتبر / 165.
وأخرجه الواحدي في أسباب النزول/ 175، وأورده الهيثمي في مجمع
الزوائد 7/ 68 - 69 وقال: رواه الطبراني، وفيه: عاصم بن بهدلة،
وقد وثق، وضعفه جماعة. وانظر: تفسير الطبري 17/ 76، وتفسير
القرطبي 11/ 343.
(2/761)
من حديث سعيد بن جبير عنه (1)، وفيه: "قال
المشركون"، وليس فيه: "الملائكة" ولا: (ولما (2) ضرب) الآية.
ورواه (3) الحافظ (4) الضياء (5) في المختارة (6) من طريقه.
__________
(1) انظر: تفسير الطبري 17/ 77، وتفسير ابن كثير 1/ 198.
(2) في (ظ): لما.
(3) في (ظ): رواه.
(4) انظر: تفسير ابن كثير 3/ 198، والمعتبر/ 66 أ.
(5) هو: أبو عبد الله ضياء الدين محمَّد بن عبد الواحد بن أحمد
السعدي المقدسي الحنبلي، محدث الشام، إِمام حافظ ثقة ثبت عالم
بالحديث وأحوال الرجال، توفي بدمشق سنة 643 هـ.
من مؤلفاته: الأحاديث المختارة، ودلائل النبوة.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 236، وتذكرة الحفاظ/ 1405، وطبقات
الحفاظ/ 494، وشذرات الذهب 5/ 224.
(6) جاء في الرسالة المستطرفة/ 240: كتاب الأحاديث الجياد
المختارة مما ليس في الصحيحين أو في أحدهما -لضياء الدين
المقدسي، المتوفى سنة 643 هـ، وهو مرتب على المسانيد على حروف
المعجم لا على الأبواب، في ستة وثمانين جزءًا، ولم يكمل، التزم
فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إِلى تصحيحها، وقد سلم له
فيه إِلا أحاديث يسيرة جداً تعقبت عليه، وذكر ابن تيمية
والزركشي وغيرهما: أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم ...
وذكر الزركشي: أنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبان ...
(2/762)
وروى الثاني الحاكم (1).
والزبعري -بفتح الباء-: سمي به لسوء الخلق، وقيل: لكثرة شعر
وجهه ولحيته وحاجبيه.
ورد: بأن "ما" لما لا يعقل، ولهذا قال - عليه السلام - لابن
الزبعري: (ما أجهلك بلغة قومك!). كذا قيل (2). ولا وجه له لصحة
__________
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه 2/ 385 عن عكرمة عن ابن عباس قال:
لما نزلت: (إِنكم وما تعبدون ...) قال المشركون: الملائكة
وعزير يعبدون من دون الله ... قال: فنزلت: (إِن الذين سبقت
...) قال الحاكم: حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه
الذهبي.
وانظر: المعتبر/ 65 ب- 68أ.
(2) قال الزركشي في المعتبر/ 67 ب: وما وقع في بعض كتب الأصول:
أنه -عليه السلام- قال لابن الزبعري: (ما أجهلك بلغة قومك،
"ما" لما لا يعقل)، فقال الشيخ الحافظ أبو سعيد العلائي: غير
صحيح.
وقال الألوسي في روح المعاني 17/ 94: شاع أن الرسول قال له: يا
غلام، ما أجهلك بلغة قومك؛ لأني قلت: (وما تعبدون) و"ما" لما
لا يعقل، ولم أقل: (ومن تعبدون)، وتعقبه ابن حجر في تخريج
أحاديث الكشاف: بأنه اشتهر على ألسنة كثير من علماء العجم وفي
كتبهم، وهو لا أصل له، ولم يوجد في شيء من كتب الحديث مسندًا
ولا غير مسند، والوضع عليه ظاهر، والعجب ممن نقله من المحدثين.
ا. هـ.
وكلام ابن حجر هذا قد ورد مع زيادة مفيدة في كتابه المذكور
المطبوع باسم (الكافي الشاف بتخريج أحاديث الكشاف) ملحقًا
بالجزء الرابع من تفسير الكشاف/ 111 - 112، ط: مصطفى محمَّد.
(2/763)
الإِسناد (1)، ولم يصح قوله ذلك له.
ولو اختصت "ما" بمن لا يعقل لما احتيج إِلى قوله: (من دون
الله) لعدم تناولها لله، و"ما" -هنا- بمعنى: "الذي"، و"الذي"
يصح لما لا (2) يعقل، لقولهم: " [الذي] (3) جاء زيد"، وصحة:
"ما في الدار من العبيد أحرار". (4) قال بعضهم (5): فكذا "ما"
بمعناها تكون للعاقل أيضاً، كقوله: (والسماء وما بناها) وما
بعدها (6). وذكره (7) بعضهم فيهن (8). وبعضهم: بمعنى "مَنْ".
وبعضهم: مصدرية.
واحتجوا -أيضًا- بأن العموم معنى ظاهر يحتاج إِلى التعبير عنه
كغيره.
ورد (9): بالاستغناء بالمجاز والمشترك. كذا قيل، والظاهر
خلافه.
__________
(1) يعني: إِسناد ما ذكرناه.
(2) كذا في النسخ. ولعل الصواب: لما يعقل.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) في (ب): اجرار.
(5) عدلت في (ب) و (ظ): إِلى: بعض أصحابنا.
(6) سورة الشمس: الآيات 5 - 7.
(7) انظر: زاد المسير 9/ 138 - 139.
(8) ضرب في (ح) على (فيهن)، وكتبت بعد (واحتجوا أيضاً) الآتي
بعد قليل.
(9) نهاية 78 ب من (ظ).
(2/764)
القائل بالخصوص (1): متيقن، فجعله (2) له
حقيقة أولى.
رد: إِثبات للغة بالترجيح، وليس (3) بطريق لها. وسبق (4) في
الأمر.
وعورض: بأن العموم أحوط، فكان أولى.
قالوا: يلزم من كونها للعموم كذب الخصوص، كعشرة مع إِرادة
خمسة.
رد: يلزم إِذا كان نصا كعشرة (5).
قالوا: يلزم من كونها للعموم كون التأكيد عبثًا والاستثناء
نقضا، وأن لا يحسن الاستفهام.
رد: لدفع احتمال التخصيص، وبلزوم ذلك (6) في الخاص، وبصحة
استثناء خمسة من عشرة، وليس بنقض مع أنه (7) صريح.
قالوا: الخصوص أغلب (8)، فهو أولى.
__________
(1) نهاية 106أمن (ب).
(2) نهاية 219 من (ح).
(3) يعني: وليس الترجيح بطريق لها.
(4) انظر: ص 666 من هذا الكتاب.
(5) في (ح) و (ظ): لعشرة.
(6) يعني: التأكيد.
(7) يعني: العدد "عشرة".
(8) لأنه لا عام إِلا مخصص.
(2/765)
رد: بمنعه في المؤكد، ومنعه بعضهم في الخبر
(1)، ثم: هذا الغالب لا يختص بثلاثة، وقد يستعمل الشيء غالبًا
مجازًا، وافتقار تخصيصها إِلى دليل يدل أنها للعموم.
القائل "مشتركة" أو "موقوفة": ما سبق (2) في: الأمر للوجوب.
القائل بالفرق: الإِجماع على تكليف المكلفين لأجل العام بالأمر
والنهي، فتجب إِفادتهما للعموم.
رد: مثله الخبر الذي يقع التكليف العام بمعرفته نحو: (وهو بكل
شيء عليم) (3) وعموم الوعد والوعيد.
مسألة
صيغ العموم عند القائلين بها: أسماء الشروط (4) والاستفهام، كـ
"مَنْ" فيمن يعقل، و"ما" فيما لا يعقل -وفي الواضح عن آخرين:
"ما" لهما في الجزاء (5) والاستفهام- وأين وأَنَّى وحيث
للمكان، ومتى للزمان، [وأَيّ للكل] (6).
__________
(1) في (ب): الجزء. وفي (ظ): الحد. والمثبت من (ح) ونسخة في
هامش (ب).
(2) انظر: ص 668 من هذا الكتاب.
(3) سورة البقرة: آية 29.
(4) في (ح): الشرط.
(5) في (ظ): الخبرا والاستفهام.
(6) ما بين المعقوفتين من (ب) و (ظ). وكان مكتوبًا في (ح) -بعد
قوله: فيما لا يعقل- (وأي في الخبرا والاستفهام) ثم ضرب عليها،
وكتب: وفي الواضح ... إِلخ.
(2/766)
وتعم "من" و"أي" المضافة إِلى الشخص
ضميرهما فاعلا كان أو مفعولا، فلو قال: "من قام منكم" (1) أو
"أيكم قام" أو "من أقمته" أو "أيكم أقمته فهو حر" (2) -فقاموا
أو أقامهم- عتقوا. قال في المحرر (3): وعلى قياسه: "أي عبيدي
ضربتَه أو من ضربته من عبيدي فهو حر" فضربهم عتقوا، كقوله: "أي
عبيدي ضربك أو من ضربك من عبيدي (4) فهو حر" فضربوه عتقوا.
وفي الإِرشاد لابن أبي موسى من أصحابنا: إِن قال: "أيكم جاء
بخبر كذا فهو حر" -فجاءه به جماعة- فعن أحمد: يعتقون. وعنه:
أحدهم.
وقال (5) الحنفية (6) -في: أي عبيدي ضربك حر، فضربوه-: عتقوا
لعموم صفة الضرب لأي. ولو قال: "ضربتَه" -فضربهم- عتق واحد؛
لأنه (7) نكرة في إِثبات لانقطاع هذه الصفة عنها إِليه (8)،
ولو قال: "من شئت من عبيدي فأعتقه" -فشاء عتق كلهم- فعند أبي
حنيفة (9):
__________
(1) في (ح): منكن.
(2) نهاية 220 من (ح).
(3) انظر: المحرر 2/ 64.
(4) نهاية 106 ب من (ب).
(5) في (ب) و (ظ): قال.
(6) انظر: أصول السرخسي 1/ 161 - 162.
(7) في (ب): لا نكرة.
(8) يعني: إِلى المخاطب.
(9) انظر: أصول السرخسي 1/ 155.
(2/767)
يستثنى واحد؛ لأن "مِنْ" للتبعيض، وعند
صاحبيه (1): يعتق كلهم؛ لأن "من" للبيان. والله أعلم.
والموصولات.
والجمع المعرف تعريف جنس لمذكر أو مؤنث سالم أو مكسر (2)، جمع
قلة أو كثرة.
وقيل: لا يعم (3) وقيل: يعم فقط.
قال القاضي (4) وغيره: التعريف يصرف الاسم إِلى ما الإِنسان به
أعرف، فإِن كان معهود فهو به أعرف، فينصرف إِليه، ولا يكون
مجازًا، وإِلا انصرف إِلى الجنس؛ لأنه به أعرفه من أبعاضه،
واحتج بعمومها مع العهد على من خالف فيه مع الجنس، وقاله أبو
الحسين (5) وأبو الخطاب (6)، وقال (7): لو قيل: "يصير الاسم
مجازًا بقرينة العهد" لجاز. وجزم غيره به. والله أعلم.
__________
(1) انظر: أصول السرخسي 1/ 155.
(2) في (ظ): أو لمكسر.
(3) نهاية 79 أمن (ظ).
(4) انظر: المسودة/ 113.
(5) انظر: المعتمد/ 241.
(6) انظر: التمهيد/ 55 أ.
(7) قال أبو الخطاب: وإن قيل: (لو حمل الاسم المعرف على العهد
بقرينة هي تقدم العهد لجعل الاسم مجازًا؛ لأنه اسم مخصوص) لجاز
ذلك على قول من جعل العموم الخصوص مجازاً.
(2/768)
والجمع المضاف.
وأسماء التأكيد: مثل: كل، وأجمعون.
واسم الجنس المعرف تعريف جنس.
ومنع بعضهم عموم ما يفرق بينه وبين واحده (1) بالهاء كتمرة
وتمر؛ لأنه ليس بجمع، ولأنه يجمع.
وزيفه أبو المعالي (2): بأنه جمع، والجمع قد يجمع، وأنه قول
الأكثر.
وكذا -عندنا وعند الأكثر-: يعم الاسم المفرد إِذا دخله آلة
التعريف ولم يسبق تنكير كالرجل والسارق، خلافًا لبعض الشافعية
(3) والجبائية (4)، حملاً للتعريف على فائدة لم تكن وهي (5)
تعريف جميع الجنس؛ لأنه الظاهر كالجمع، وللاسثناء (6) منه
كقوله: (إِن الإِنسان لفي خسر (7) إِلا (8) الذين آمنوا) (9).
__________
(1) نهاية 221 من (ح).
(2) انظر: البرهان/ 341 - 342.
(3) انظر: المحصول 1/ 2/ 599.
(4) انظر: المعتمد/ 244.
(5) في (ب) و (ح): وهو.
(6) في (ح): والاستثناء.
(7) نهاية 107أمن (ب).
(8) في (ح): إِن.
(9) سورة العصر: الآيتان 2، 3.
(2/769)
قالوا: لا يؤكد بكل وجميع.
رد: بالمنع (1) كقول العرب: أهلك الناس الدرهم البِيْض
والدينار الصُّفْر.
ثم: التأكيد بحسب اللفظ المؤكد.
ولا يعم مع قرينة اتفاقاً، كسبق تنكير.
ومع جهلها: يعم عندنا وعند الأكثر، واختار أبو المعالي (2)
الوقف.
أما إِن عارض الاستغراق احتمال تعريف الجنس والعرف نحو:
"الطلاق يلزمني، وعلي الطلاق" فروايتان عن أحمد (3): هل تطلق
ثلاثاً أو واحدة؟
ويشبهه: "أنت مُدَبَّر إِن قرأتَ القرآن"، فقرأ بعضه.
وجزموا: لا يصير مُدَبَّرا؛ لأنها للاستغراق إِلا بدليل.
وقد ذكر بعض أصحابنا حنث من حلف "لا يقرأ القرآن" ببعضه.
أما لو عرف الجنس (4) عمل بمطلقه، لسقوط الاستغراق، نحو (5):
"والله لا أشتري العبيد" حنث بواحد.
__________
(1) بل يجوز.
(2) انظر: البرهان/ 341.
(3) انظر: المغني 7/ 484.
(4) في (ح): للجنس.
(5) في (ب): ونحو.
(2/770)
وأما إِضافته -كعبدي حر وامرأتي طالق- يعم
عند أحمد (1)، واحتج بقول ابن عباس، وقاله [بعض] (2) الأصحاب
(3) ومالك (4)، وذكره بعض الشافعية عن أكثر الفقهاء.
واختلف كلامه في المغني في الطلاق (5) وفي امرأة نذرت (6) ذبح
ولدها.
وعند الحنفية والشافعية: لا يعم (7).
وسبق في العموم (8) إِضافة أهل (9)، وأمر (10) في الأمر (11)
للوجوب (12) [والله أعلم] (13).
__________
(1) انظر: المغني 7/ 497.
(2) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(3) انظر: البلبل/ 98.
(4) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 181.
(5) قال في المغني 7/ 497: لا يعم.
(6) قال في المغني 9/ 518: يعم.
(7) انظر: نهاية السول 2/ 67، وشرح المحلي 1/ 413.
(8) انظر: ص 754 من هذا الكتاب.
(9) في (ح): أهلي.
(10) في (ح): وأمري.
(11) انظر: ص 663 - 664 من هذا الكتاب.
(12) ضرب في (ظ) على قوله: (وسبق) إِلى قوله (للوجوب).
(13) ما بين المعقوفتين من (ح).
(2/771)
والنكرة المنفية.
وعند بعضهم: تعم النكرة المنفية مع "مِنْ" ظاهرة أو مقدرة،
فعندهم لا يعم: "ما عندي رجل" و"لا رجل في الدار" برفع رجل.
واختاره (1) أبو البقاء من أصحابنا (2) في إِعرابه في: (لا ريب
فيه) (3)، وذكره بعضهم (4) عن سيبويه وغيره، وأنه إِجماع؛ لأنه
نفي الوحدة لا الماهية التي لا تنتفي إِلا بجميع أفرادها؛ لأنه
(5) يحسن: ما رأيت رجلاً وما عندي رجل بل رجلان.
ورد: للقرينة؛ ومع "مِنْ" العموم (6) قطعي، فلا مجاز (7).
والله أعلم.
قال القاضي (8) وغيره: إِذا قيل (9): "لا أكرم من دخل داري" أو
"لا ألبس الثياب" فهم منه العموم في النفي، ولو قال: "لا أكرم
كل عاقل دخل داري" جاز إِكرام بعضهم.
__________
(1) انظر: إِملاء ما من به الرحمن 1/ 11.
(2) نهاية 79 ب من (ظ).
(3) سورة البقرة: آية 2.
(4) انظر: البرهان/ 338، والمسودة/ 103.
(5) في (ح): أفرادها لا يحسن ما رأيت ...
(6) في (ظ): للعموم.
(7) يمني: فلا يتطرق إِليها مجاز.
(8) انظر: المسودة/ 114.
(9) نهاية 107 ب من (ب).
(2/772)
قال بعض أصحابنا (1): فجعلوا بعض (2) ألفاظ
[العموم] (3) نفيها (4) عاما، وبعضها (5) نفيها نفيا للعموم لا
عموماً للنفي. والله أعلم.
والنكرة في النهي.
قال (6) بعض أصحابنا (7) وغيرهم: والنكرة في الاستفهام والشرط
كـ "من يأتني بأسير فله دينار" يعم كل أسير.
وقال بعض أصحابنا: أما في الشرط فهل تفيده لفظا أو بطريق
التعليل؟ فيه نظر، وقال -في: (إِذا قمتم إِلى الصلاة) (8) -:
يحتمل أن التكرار من "إِذا"، وأن تفريق الأصحاب بينها وبين
"متى" فيه نظر.
* * *
أما الجمع المنكر: فليس بعام عند أحمد (9) وأصحابه وأكثر
الشافعية (10) وغيرهم.
__________
(1) انظر: المسودة/ 114.
(2) مثل: (مَنْ).
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) في (ظ): بعضها.
(5) مثل: (كل).
(6) في (ح): قال بعض أصحابنا: قال بعض أصحابنا وغيرهم: والنكرة
...
(7) انظر: المسودة/ 103.
(8) سورة المائدة: آية 6.
(9) انظر: العدة/ 523.
(10) انظر: التبصرة/ 118، والمحصول 1/ 2/ 614.
(2/773)
وفي التمهيد (1) وجه: عام، وذكره (2) ابن
عقيل (3) والحلواني (4) رواية وكذا القاضي (5)؛ لأن أحمد (6)
احتج على تحريم الحرير على الصغير بقوله: (هذان (7) حرام على
ذكور أمتي) (8). كذا قال (9)، وهذا مضاف (10) (11). وقاله أبو
ثور وبعض (12) الحنفية (13) وبعض الشافعية (14) وأبو علي
__________
(1) انظر: التمهيد/ 55 ب.
(2) في (ظ): وذكر.
(3) انظر: الواضح 2/ 94 أ.
(4) انظر: المسودة/ 106.
(5) انظر: العدة/ 523، والمسودة/ 106.
(6) انظر: العدة/ 523 - 524.
(7) يعني: الحرير والذهب.
(8) هذا الحديث رواه علي مرفوعاً. أخرجه أبو داود في سننه 4/
330، وابن ماجه في سننه/ 1189، والنسائي في سننه 8/ 160،
والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 250 - 251، وابن حبان في
صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 353).
وأخرجه الطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 355) من حديث
ابن عمر.
وأخرجه الترمذي في سننه 3/ 132 عن أبي موسى مرفوعًا بلفظ: (حرم
لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإِناثهم)، قال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(9) يعني: القاضي.
(10) فهو معرف وليس منكرًا. انظر: المسودة/ 106.
(11) نهاية 223 من (ح).
(12) في (ب) و (ظ): بعض.
(13) انظر: كشف الأسرار 2/ 2، وتيسير التحرير 1/ 205.
(14) انظر: التبصرة/ 118.
(2/774)
الجبائي (1) وحكاه الغزالي (2) عن الجمهور.
لنا: لو قال: "اضرب رجالا" أو "له عندي عبيد" امتثل بأقل
الجمع، وقبل تفسيره به (3).
قال أبو الخطاب (4): وإينما جاز ضرب أكثر، لمعنى الجمع، كمن
أمر بدخول الدار فزاد على أقله.
ويأتي (5) في المجمل -في السارق- خلافه.
ولأنه لو عَمَّ لم يُسَمَّ نكرة؛ لأن الجنس كله معروف، ولصح
تأكيده بـ "كل"، ولم يحسن تأكيده بـ (6) "ما" كالمعرف باللام
(7).
قالوا: يطلق على كل جمع، فجعله للجميع يكون لكل حقائقه، فهو
أولى.
أجاب أبو الخطاب (8): حقيقة في أقل الجمع، فلا يكون حقيقة في
__________
(1) انظر: المعتمد/ 246، والمستصفى 2/ 37.
(2) انظر: المستصفى 2/ 37.
(3) يعني: بأقل الجمع.
(4) انظر: التمهيد/ 55ب.
(5) انظر: ص 1011.
(6) في (ظ): بها.
(7) وقد صح نحو: أعط رجالا ما.
(8) انظر: التمهيد / 55 ب.
(2/775)
الاستغراق؛ لأن الحقيقة واحدة، ثم: ما زاد
مشكوك فيه.
وأجاب الآمدي (1): ليس حقيقة في كل جمع بخصوصه، بل في الجمع
المشترك بينهما (2)، فلا يدل على الأخص لا حقيقة ولا مجازا،
فبطل (3) قولهم (4): لاتحاد مدلوله، ثم: يحتمل عدم إِرادة
الاستغراق، والأقل متيقن.
وأجاب بعضهم: إِنما يصح إِطلاقه على جميع مراتب الجمع على
البدل، فلا عموم كنحو: رجل.
واعترض: من مراتب الجمع مرتبة مستغرقة لجميعها.
رد: لا يتصور ذلك؛ (5) لأنه لا مرتبة إِلا ويمكن فرض أخرى
فوقها، لعدم تناهي المراتب، فتناول مرتبة لجميعها تناول الكل
لأجزائه، ولا يجوز اشتمال الكل على أجزاء غير متناهية.
فإِن قيل: فلا يتصور جمع عام؛ لأنه إِنما يتصور إِذا كان
مستغرقًا لمراتب الجمع.
رد: عمومه ليس باعتبار مرتبة (6) مستغرقة لها، بل باعتبار
مفهومه
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 217.
(2) في (ح) و (ظ): بينهما ..
(3) نهاية 108 أمن (ب).
(4) يعني: قولهم: إِنا إِذا حملناه على الاستغراق كان حملا على
جميع حقائقه ضرورة اتحاد مدلوله.
(5) نهاية 80 أمن (ظ).
(6) نهاية 224 من (ح).
(2/776)
الشامل لجميعها، فهو مشترك بينها، وتناوله
لجميعها تناول الكلي لجزئياته يجوز عدم تناهيها.
قالوا: لو لم يعم اختص ببعضها، وإِلا كان مشتركا.
رد: بنحو "رجل" (1)، وبوضعه للجمع المشترك (2). والله أعلم.
* * *
و"سائر": بمعنى "باقي".
وفي الصحاح (3) وغيرها: "هي (4) لجملة الشيء"، فتكون عامة.
مسألة
أقل الجمع ثلاثة حقيقة عند أحمد (5) وأصحابه (وهـ (6) م (7)
__________
(1) مما ليس للعموم ولا مختصا ببعض، بل شائعًا يصلح للجميع.
(2) بين العموم والخصوص، ولا يلزم من عدم اعتبار قيد هو العموم
اعتبار عدمه حتى يلزم اعتبار القيد الآخر وهو الخصوص، فلا يلزم
من عدم كونه للعموم كونه مختصا بالبعض.
(3) الصحاح: أحد معاجم اللغة القيمة - للغوي البارع إِسماعيل
بن حماد الجوهري، المتوفى سنة 393 هـ. والكتاب مطبوع متداول.
(4) انظر: الصحاح / 692.
(5) انظر: العدة/ 649.
(6) انظر: أصول السرخسي 1/ 151، وكشف الأسرار 2/ 28.
(7) في شرح تنقيح الفصول/ 233: قال ابن الباقلاني: مذهب مالك:
أقل الجمع اثنان. وحكى عبد الوهاب عن مالك: ثلاثة.
(2/777)
ش (1)) أكثر المتكلمين، وذكره ابن درهان
(2) قول الفقهاء قاطبة.
وعند عبد الملك (3) بن الماجشون (4) وابن داود (5) وعلي (6) بن
عيسى
النحوي ونفطويه (7) (8) وابن الباقلاني (9) وأبي إِسحاق
الإِسفراييني (10)
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 222.
(2) انظر: الوصول له/ 36 ب، والمسودة/ 149.
(3) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 233، والمسودة/ 151.
(4) هو: أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي
سلمة الماجشون، التيمي بالولاء، المدني الفقيه، صاحب مالك،
توفي سنة 212 هـ.
انظر: الديباج المذهب/ 153، وميزان الاعتدال 2/ 658، ووفيات
الأعيان 1/ 287، وتهذيب التهذيب 6/ 407.
(5) انظر: اللمع/ 15، والمسودة/ 149. وفي الإِحكام للآمدي 2/
222: داود.
(6) انظر: المسودة/ 149.
(7) انظر: اللمع/ 15.
(8) هو: أبو عبد الله إِبراهيم بن محمَّد بن عرفة الأزدي
الواسطي، نحوي لغوي عالم بالحديث، فقيه ظاهري، توفي سنة 323
هـ.
من مؤلفاته: المقنع في النحو، وغريب القرآن، وإعراب القرآن.
انظر: وفيات الأعيان 1/ 30، وطبقات النحويين واللغويين/ 154،
وطبقات المفسرين للداودي 1/ 19، وإِنباه الرواة 1/ 176، وبغية
الوعاة 1/ 428، ومعجم الأدباء 1/ 254، والمنتظم 6/ 277.
(9) انظر: المستصفى 2/ 92، والإِحكام للآمدي 2/ 222، وشرح
تنقيح الفصول/ 233.
(10) انظر: البرهان/ 349، والإِحكام للآمدي 2/ 222.
(2/778)
والغزالي (1) [وغيره من الشافعية (2)] (3):
اثنان حقيقة.
وفي مذهب الحنفية (4) ما يدل عليه.
ومن فوائد المسألة عندهم: الوصية والإِقرار والنذر ونحوها.
واستبعده (5) أبو المعالي، وقال: ما أرى الفقهاء يسمحون بهذا.
كذا قال.
قال بعض أصحابنا (6): لا ندري معنى قوله، فإِنه إِن استبعده في
الثلاثة فهو مذهب الجمهور، ووجدناه في الاثنين في مذهب أبي
حنيفة وأصحابه (7) في مواضع.
واحتج ابن حزم (8): بأن من أقر بدراهم لزمه ثلاثة إِجماعًا.
__________
(1) انظر: المستصفى 2/ 91 وما بعدها.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 222.
(3) ما بين المعقوفتين من (ح).
(4) انظر: أصول السرخسي 1/ 151.
(5) يعني: استبعد ما انبنى على المسألة، حيث قال: وقد ذكر بعض
الأصوليين أن من آثار الخلاف في معنى أقل الجمع أن الرجل إِذا
قال: "لفلان علي دراهم" أو أوصى بدراهم، فلفظ المقر والموصي
محمول على أقل الجمع، فإِن قيل: (أقل الجمع اثنان) قبل حمل
اللفظ عليهما، وإِن قيل: (أقل الجمع ثلاثة) لم يقبل التفسير
باثنين، وما أرى الفقهاء يسمحون بهذا ... انظر: البرهان/ 355.
(6) انظر: المسودة/ 150.
(7) نهاية 108 ب من (ب).
(8) انظر: المحلى 10/ 324.
(2/779)
ثم: عند أصحابنا: يصح في الاثنين والواحد
مجازا، وقاله أبو المعالي (1)، وقيل: لا يصح، وقيل: يصح في
الاثنين.
ومحل الخلاف نحو: "رجال ومسلمين" وضمائر الخطاب والغيبة، لا
لفظ "جمع"، ولا نحو: "نحن" و"قلنا"، ولا نحو: (صغت قلوبكما)
(2) مما في الإِنسان (3) منه شيء واحد:؛ فإِنه وفاق (4).
وقيل (5): جمع القلة من ثلاثة إِلى عشرة حقيقة، وجمع الكثرة ما
زاد على عشرة حقيقة، وحكاه بعضهم عن أهل اللغة.
لنا: سبق الثلاثة عند الإِطلاق، ولا يصح نفي الصيغة عنها، وهما
في دليل الحقيقة، والمثنى بالعكس.
وروى جماعة، منهم: ابن حزم (6) -محتجا به- والبيهقي (7)،
بإِسناد جيد إِلى ابن أبي ذئب (8) عن
__________
(1) انظر: البرهان / 352.
(2) سورة التحريم: آية 4.
(3) نهاية 225 من (ح).
(4) يعني: فيجوز التعبير بها عن الاثنين.
(5) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 233.
(6) انظر: المحلى له 10/ 322 - 323، والإِحكام له/ 507.
(7) انظر: السنن الكبرى له 6/ 227.
(8) هو: أبو الحارث محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة القرشي
العامري المدني، أحد الأعلام الثقات، روى عن نافع والزهري
وغيرهما، وعنه الثوري ويحيى القطان=
(2/780)
شعبة (1) مولى ابن عباس عنه: أنه قال
لعثمان: إِن الأخوين لا يردان الأم إِلى السدس؛ إِنما قال
الله: (فإِن كان له إِخوة) (2)، والأخوان -في لسان قومك- ليسوا
بإِخوة. فقال عثمان: لا أستطيع أن أنقض أمرًا كان قبلي وتوارثه
الناس ومضى في (3) الأمصار (4).
قال أحمد (5) في شعبة: ما أرى به بأساً.
__________
=وأبو نعيم وغيرهم، توفي سنة 159 هـ.
انظر: ميزان الاعتدال 3/ 620، وتهذيب التهذيب 9/ 303، وخلاصة
تذهيب تهذيب الكمال / 248.
(1) هو: أبو عبد الله -وقيل: أبو يحيى- شعبة بن دينار -وقيل:
بن يحيى- المدني، روى عن ابن عباس، وعنه ابن أبي ذئب وبكير بن
الأشج وداود بن الحصين وغيرهم، قال ابن حجر في التقريب: صدوق
سيئ الحفظ.
انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 256 - 257، وميزان
الاعتدال 2/ 274، وتهذيب التهذيب 4/ 346، وتقريب التهذيب 1/
351.
(2) سورة النساء: آية 11.
(3) نهاية 80 ب من (ظ).
(4) وأخرجه الحاكم في مستدركه 4/ 335 وقال: هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. وتعقب ابن حجر
-في التلخيص الحبير 3/ 85 - تصحيح الحاكم له، فقال: وفيه نظر؛
فإِن فيه شعبة مولى ابن عباس، وقد ضعفه النسائي.
(5) انظر: الجرح والتعديل 2/ 1/ 367، وتهذيب التهذيب 4/ 346 -
347.
(2/781)
ولما (1) حجب القوم الأم بالأخوين دل على
أن الآيه قصدت الأخوين فما فوق.
واختلف قول ابن معين (2) فيه، وقال (م) (3): ليس بثقة، وقال
(3) أبو زرعة (4): ضعيف، وقال النسائي (5): ليس بقوي.
وهذا دليل صحة الإِطلاق مجازا.
القائل "حقيقة": هذه الآية، والأصل الحقيقة.
وعن زيد بن ثابت: "يسمى الأخوان إِخوة" (6).
__________
(1) من قوله: (ولما حجب) إلى قوله: (فما فوق) كذا ورد في
النسخ. ولعل مكانه المناسب بعد قوله (ليس بقوي).
(2) فنقل الدوري عنه: ليس به بأس، وهو أحب إِليّ من صالح مولى
التوأمة. ونقل ابن أبي خيثمة عنه: لا يكتب حديثه. انظر: يحيى
بن معين وكتابه التاريخ 2/ 256 - 257، وتهذيب التهذيب 4/ 347.
(3) انظر: الجرح والتعديل 2/ 1/ 367، 368.
(4) هو: عبيد الله بن عبد الكريم القرشي بالولاء المخزومي،
الرازي، إمام حافظ ثقة، عالم بالحديث والعلل والرجال، توفي
بالري سنة 264 هـ.
انظر: طبقات الحنابلة 1/ 199، وتاريخ بغداد 10/ 326، وتذكرة
الحفاظ/ 557، والمنهج الأحمد 1/ 148، وشذرات الذهب 2/ 142.
(5) انظر: كتاب الضعفاء والمتروكين له/ 293.
(6) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 277، والحاكم في
المستدرك 4/ 335 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
(2/782)
رد: بما سبق.
وإِن صح قول زيد -فإن فيه عبد الرحمن (1) بن أبي الزناد، مختلف
فيه- فمراده: مجازًا، أو في حجب الأم.
قالوا: (إِنا معكم مستمعون) (2) لموسى وهارون.
رد (3): ومن آمن من قومهما، أو وفرعون (4) أيضًا.
__________
(1) هو: أبو محمَّد عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن
ذكوان القرشي بالولاء المدني، ولد سنة 100 هـ، وروى عن أبيه
وهشام بن عروة والأوزاعي وغيرهم، وعنه ابن جريج وزهير بن
معاوية وأبو داود الطيالسي وغيرهم، توفي سنة 174 هـ. وثقه
الترمذي والعجلي، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وفي حديثه
ضعف. وعن ابن معين: أثبت الناس في هشام بن عروة عبد الرحمن بن
أبي الزناد. وعنه: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث، ليس بشيء.
وعنه: ضعيف. وعنه: لا يحتج بحديثه، وهو دون الدراوردي. وعن
أحمد: مضطرب الحديث. وعن ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفاً.
وعنه: ما حدث بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده
البغداديون. وقال النسائي: لا يحتج بحديثه. قال ابن حجر في
التقريب: صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد.
انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 347، وتهذيب التهذيب 6/
170، وتقريب التهذيب 1/ 479.
(2) سورة الشعراء: آية 15.
(3) نهاية 109 أمن (ب).
(4) في (ب) و (ظ): أو فرعون.
(2/783)
قالوا: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)
(1).
رد: الطائفة الجماعة لغة، ذكره الزجاج (2) (3) وابن الأنباري
(4) وغيرهما، وأصحابنا وغيرهم، زاد الزجاج (2): "وأقل الجماعة
اثنان"، واختاره صاحب التلخيص (5) من أصحابنا، واختار غيره:
ثلاثة.
وعن ابن عباس (6) وغيره: "الطائفة الواحد فما فوقه"، فإِن صح
فمجاز، ولا يلزم مثله في الجمع -ومعناه لبعض أصحابنا، ولهذا
قال الجوهري: "هي
__________
(1) سورة الحجرات: آية 9.
(2) انظر: معاني القرن وإعرابه للزجاج 1/ 435، 2/ 509، وزاد
المسير 3/ 466، 6/ 8.
(3) نهاية 226 من (ح).
(4) هو: أبو بكر محمَّد بن القاسم بن محمَّد بن بشار، عالم
بالنحو والأدب، ولد سنة 271 هـ، وتوفي سنة 328 هـ.
من مؤلفاته: الكافي في النحو، والمقصور والممدود، وغريب
الحديث.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 69، وتاريخ بغداد 3/ 181، وطبقات
النحويين واللغويين / 153، ونزهة الألباء / 330، وشذرات الذهب
2/ 315.
(5) هو: أبو عبد الله محمَّد بن الخضر بن محمَّد، ابن تيمية
الحراني، فقيه مفسر، ولد بحران سنة 542 هـ، وتوفي بها سنة 622
هـ.
من مؤلفاته: التفسير الكبير، وثلاثة مصنفات في المذهب (أكبرها:
تخليص المطلب في تلخيص المذهب، وأوسطها: ترغيب القاصد في تقريب
المقاصد، وأصغرها: بلغة الساغب وبغية الراغب).
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 151 - 162.
(6) انظر: تفسير الطبري 18/ 54، والمصنف لعبد الرزاق 7/ 367،
وزاد المسير=
(2/784)
القطعة من الشيء" (1)، وذكر قول ابن عباس
هذا- كالخصم للواحد والجمع (2)؛ لأنه في الأصل مصدر، ومنهم من
يثنيه ويجمعه.
قالوا: (وكنا لحكمهم شاهدين) (3).
رد: الضمير للقوم، أو لهما وللحاكم، زاد بعضهم: فيكون الحكم
بمعنى الأمر؛ لأنه لا يضاف المصدر إِلى الفاعل والمفعول معا.
وقيل: للحاكم (4)، كقوله: (وكنا).
وأجاب ابن عقيل (5): بأنه للأنبياء.
قالوا: قال - عليه السلام -: (الاثنان فما فوقهما جماعة).
رد: خبر ضعيف رواه ابن ماجه (6) من حديث أبي موسى،
__________
=6/ 8، والمحلى 13/ 246، وتفسير القرطبي 12/ 166، وتفسير ابن
كثير 3/ 262، والدر المنثور 5/ 18، وفتح القدير 4/ 6.
(1) انظر: الصحاح/ 1397.
(2) فهو محتمل.
(3) سورة الأنبياء: آية 78.
(4) يعني: على سبيل التفخيم، كقوله تعالى: (مبرءون مما يقولون)
سورة النور: آية 26. وأراد: عائشة.
(5) انظر: الواضح 2/ 123 ب.
(6) انظر: سنن ابن ماجه / 312. وفيه: الربيع بن بدر، ووالده
بدر، قال في الزوائد: وهما ضعيفان. وأخرجه -أيضًا- الدارقطني
في سننه 1/ 280، والحاكم في مستدركه 4/ 334، وسكت عنه، ولم
يذكره الذهبي في التلخيص، وأخرجه=
(2/785)
والدارقطني (1) من حديث عمرو (2) بن شعيب
عن أبيه (3) عن جده (4)،
__________
=البيهقي في السنن الكبرى 3/ 69 وقال: رواه جماعة عن الربيع بن
بدر، وهو ضعيف. (1) انظر: سنن الدارقطني 1/ 281. قال صاحب
(التعليق المغني على الدارقطني): وفيه عثمان بن عبد الرحمن بن
عمر بن سعد بن أبي وقاص، قال البخاري: تركوه.
(2) هو: أبو إِبراهيم عمرو بن شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن
عمرو بن العاص السهمي، روى عن الربيع بنت معوذ الصحابية وعن
أبيه وطاوس وغيرهم، وعنه مكحول وعطاء والزهري وغيرهم، توفي
بالطائف سنة 118 هـ. وثقه ابن معين وابن راهويه وغيرهما، وقال
البخاري فيه: رأيت أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث عمرو بن
شعيب، فمن الناس بعدهم؟ قال الذهبي -معلقًا على قول البخاري-:
ومع هذا القول لم يحتج به في صحيحه. قال ابن حجر في التقريب:
صدوق.
انظر: ميزان الاعتدال 3/ 263، والمغني في الضعفاء 2/ 484،
وتهذيب التهذيب 8/ 48، وتقريب التهذيب 2/ 72.
(3) هو: شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي،
روى عن جده وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وعنه ابناه عمرو وعمر
وغيرهما.
ذكره ابن حبان في الثقات، وذكر البخاري وأبو داود وغيرهما أنه
سمع من جده. وقال ابن حبان: يقال إِنه سمع من جده -عبد الله بن
عمرو- وليس ذلك عندي بصحيح. قال ابن حجر في التقريب: صدوق ثبت
سماعه من جده.
انظر: تهذيب التهذيب 4/ 356، وتقريب التهذيب 1/ 353، وخلاصة
تذهيب تهذيب الكمال/ 167.
(4) هو: الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص.
انظر: الاستيعاب/ 956، والإصابة 4/ 192.
(2/786)
وأحمد (1) من حديث أبي أمامة (2)، ورواه
(3) -أيضًا- عن هشام ابن سعيد (4) عن ابن المبارك عن ثور (5)
بن يزيد عن الوليد
__________
(1) انظر: المسند 5/ 254، 269. وفيه: عبيد الله بن زهر، وعلي
بن يزيد الألهاني، وهما ضعيفان. فانظر: ميزان الاعتدال 3/ 6،
161، وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي أمامة. وفيه: مسلمة بن
علي، وهو ضعيف. فانظر: مجمع الزوائد 2/ 45.
(2) هو: الصحابي صدي بن عجلان الباهلي.
(3) انظر: المسند 5/ 269.
وقد ترجم البخاري في صحيحه 1/ 128: (باب: اثنان فما فوقهما
جماعة)، وساق
حديث مالك بن الحويرث: (فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما).
وانظر: التلخيص الحبير 3/ 81 - 82.
(4) هو: أبو أحمد البزار الطالقاني، نزيل بغداد، روى عن الحسن
بن أيوب الحضرمي وأبي عوانة وابن لهيعة وغيرهم، وروى عنه أحمد
ومحمد بن سعد وغيرهما. وثقه أحمد وابن سعد، وذكره ابن حبان في
الثقات، وقال النسائي: ليس به بأس. وكان ابن معين لا يروي عنه.
قال ابن حجر في التقريب: صدوق.
انظر: ميزان الاعتدال 4/ 299، وتهذيب التهذيب 11/ 41، وتقريب
التهذيب 2/ 318، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/ 409.
(5) هو: أبو خالد الحمصي، حافظ روى عن خالد بن معدان وغيره،
وعنه يحيى القطان وأبو عاصم وغيرهما، توفي سنة 150 هـ. قال ابن
حجر في التقريب: ثقة ثبت، إِلا أنه يرى القدر.
انظر: ميزان الاعتدال 1/ 374، وتهذيب التهذيب 2/ 33، وتقريب
التهذيب 1/ 121.
(2/787)
ابن أبي (1) مالك (2) مرفوعًا، كلهم ثقات،
والوليد غير تابعي.
ثم: المراد: في الفضيلة لتعريفه (3) الشرع لا اللغة.
وقال (4) ابن عقيل (5): لو كان (6) جمعا لغة لما بَيَّنه؛
للتسوية فيها.
القائل "لا يصح مجازا": قول ابن عباس السابق (7).
__________
(1) في (ظ): الوليد بن مالك.
(2) هو: أبو العباس الوليد بن عبد الرحمن بن أبي مالك هانئ
الهمداني الدمشقي، نزل الكوفة، وروى عن أبي إِدريس الخولاني
وغيره، وعنه حجاج بن أرطأة ومسعر بن كدام وثور بن يزيد، توفي
سنه 125 هـ. وثقه أحمد والعجلي ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن
حبان في الثقات، وقال الدارقطني: لا بأس به. وقال يعقوب بن
شيبة: في حديثه ضعف. قال ابن حجر في التقريب: ثقة.
انظر: تهذيب التهذيب 11/ 139، وتقريب التهذيب 2/ 333، وخلاصة
تذهيب تهذيب الكمال/ 416، 417.
(3) في (ب): لتعريف.
(4) في (ح): فقال.
(5) قال في الواضح 2/ 124 أ: هذا حجة لنا من وجه، وهو: أنه لو
كان جمعا في اللغة لما احتاجوا إِلى بيانه، فإِنهم في اللغة
مثله، فلم يبق إِلا أنه بين ما يخصه ولا يشاركونه فيه وهو
الحكم، فكأنه بين أن ذلك جمع في الصلاة.
(6) يعني: لو كان الاثنان جمعا.
(7) انظر: ص 781 من هذا الكتاب.
(2/788)
رد: أراد حقيقة لما سبق، ولهذا: عنه (1)
وعن جماعة من المفسرين وأهل اللغة -في: (يا أيها (2) الرسل)
(3) -: المراد محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وحده.
وقال ابن الأنباري (4) -عن قول مجاهد في: (كان الناس أمة) (5):
المراد آدم-: العرب توقع الجمع على الواحد.
قالوا: لا يصح: (6) رجلان عاقلون، ولا: رجال عاقلان.
رد: مراعاة للفظ (7) في الصفة للتبعية (8).
مسألة
العام بعد التخصيص مجاز عند أبي الخطاب (9) وغيره، وقاله أكثر
المعتزلة (10) والأشعرية (11).
__________
(1) انظر: زاد المسير 5/ 477.
(2) نهاية 109 ب من (ب).
(3) سورة المؤمنون: آية 51.
(4) انظر: زاد المسير 1/ 213.
(5) سورة البقرة: آية 213.
(6) نهاية 81 أمن (ظ).
(7) في (ب): اللفظ.
(8) نهاية 227 من (ح).
(9) انظر: التمهيد / 64 ب-65 أ.
(10) انظر: المعتمد / 282، والإحكام للآمدي 2/ 227.
(11) انظر. الإِحكام للآمدي 2/ 227.
(2/789)
واختار القاضي (1) وابن عقيل (2): حقيقة،
وذكره الآمدي (3) عن أصحابنا.
وللحنفية (4) والشافعية (5) كالقولين.
وعند أبي بكر الرازي (6): حقيقة إِن كان الباقي جمعا.
وعند الكرخي (7) وأبي الحسين البصري (8): حقيقة إِن خُص بما لا
يستقبل من شرط أو صفة أو استثناء.
ابن الباقلاني (9): بشرط أو استثناء.
عبد الجبار (10): بشرط أو صفة.
__________
(1) انظر: العدة/ 533.
(2) انظر: الواضح 2/ 97أ.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 227.
(4) انظر: أصول السرخسي 1/ 144، وتيسير التحرير 1/ 308، وفواتح
الرحموت 1/ 311.
(5) انظر: المستصفى 2/ 54، والإحكام للآمدي 2/ 227.
(6) انظر: أصول الجصاص/ 42أ - ب، وتيسير التحرير 1/ 308،
وفواتح الرحموت 1/ 311.
(7) انظر: أصول السرخسي 1/ 145، وفواتح الرحموت 1/ 311،
والمعتمد/ 285.
(8) انظر: المعتمد/ 285.
(9) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 227.
(10) انظر: المعتمد/ 283.
(2/790)
وقيل: بدليل لفظي.
أبو المعالي (1): حقيقة في تناوله (2)، مجاز في الاقتصار عليه.
وجزم بعض أصحابنا (3): أن هذا معنى كونه مجازًا.
وقال بعض أصحابنا (3): الخلاف في الاستثناء بعيد.
وجه الأول: حقيقة في الاستغراق، فلو كان حقيقة فيه (4) لم
يفتقر إِلى قرينة (5)، ويلزم الاشتراك (6).
وجه الثاني: التناول باقٍ، وكان حقيقة، فكذا بعده.
قال ابن عقيل (7): هو مع المخصِّص موضوع للخصوص (8).
رد: كان (9) مع غيره (10).
__________
(1) انظر: البرهان/ 412.
(2) يعني: تناوله لبقية السميات.
(3) انظر: المسودة/ 116.
(4) يعني: في الباقي.
(5) وقد افتقر إِلى قرينة المخصَّص، فكان مجازا.
(6) لكونه حقيقة في معنيين مختلفين.
(7) انظر: الواضح 2/ 98 ب.
(8) في (ح): للتخصيص.
(9) يعني: كان حقيقة مع غيره.
(10) والآن يتناوله وحده، فاستعمل في غير ما وضع له.
(2/791)
قالوا: يسبق إِلى الفهم.
رد: بقرينة.
وجه الثالث: بقاء معنى العموم إِذا كان الباقي غير منحصر.
رد: بالمنع.
وجه الرابع: لو أوجب ما لا يستقل تجوزًا لزم كون "المسلمين"
للجماعة مجازًا؛ لأن حرف الجمع لا يستقل، ونحو "المسلم" للجنس
أو للعهد مجازا (1)، ونحو: (ألف سنة إِلا خمسين عامًا) (2)
مجازًا.
رد: واو الجمع كألف "ضارب" وواو "مضروب" مجموع الكلمة هو الدال
على المعنى، والشرط والصفة ليسا من صيغة الكلمة.
ولام الجنس أو العهد جزء الصيغة (3) على قولنا: "حرف"، وعلى
قولنا: "اسم" فكالموصولات (4).
وكذا وجه الخامس، إِلا أن الصفة كمستقلة؛ لجواز استعمالها دون
موصوفها.
وكذا وجه السادس، إِلا أن الاستثناء ليس تخصيصا؛ لمنافاته
المستثنى
__________
(1) نهاية 110 أمن (ب).
(2) سورة العنكبوت: آية 14.
(3) نهاية 228 من (ح).
(4) فالمجموع هو الدال.
وَرُدَّ الاستدلال بالآية: بأن الاستثناء إِخراج بعد إِرادة
العموم من اللفظ.
(2/792)
منه حكماً.
وقيل: المتصل لم يتناول غيرا (1).
رد: بالمنع (2)، ثم: الركب لم يوضع (3)، والمفرد متناول.
وجه السابع: لو أوجبت القرينة اللفظية تجوزا لزم كون
"المسلمين" مجازا؛ لأن الواو قرينة لفظية تُفهم الجمع.
وهو أضعف مما قبله لاستقلاله (4).
وجه الثامن: العام كتكرير الآحاد، فمعنى "الرجال": زيد وعمرو
وبكر -فإِخراج بعضها لا يخرج الباقي عن حقيقته في تناوله-
وإنما اختصر (5).
رد: العام (6) ظاهر في الجميع، فبتخصيصه خرج عن وضعه الأول
(7)، والمكرر نص في مدلوله (8).
__________
(1) يعني: غير ما اتصل به.
(2) بل تناوله.
(3) يعني: لم يرد وضع المستثنى مع المستثنى منه مثلاً.
(4) يعني: لأنه يعم المستقل وغيره.
(5) فاستغني بـ (الرجال) عن: زيد وعمرو وبكر ... إِلخ.
(6) يعني: نمنع كونه كتكرار الآحاد.
(7) وهو معنى المجاز.
(8) فاستعمل كل واحد في كل واحد نصا، وإذا خرج بعضٌ عن
الإِرادة بقي الباقي نصا فيما يتناوله ولم يتغير عن وضعه
أصلاً.
(2/793)
مسألة
العام المخصوص حجة عند أحمد (1) وأصحابه والجمهور، وذكره
الآمدي (2) عن الفقهاء.
وعن بعض أصحابنا (3): ليس بحجة.
ومراده: "إِلا في الاستثناء بمعلوم"؛ فإِنه بالاتفاق، ذكره
القاضي (4) وغيره، واحتجوا به، وقاله عيسى بن أبان (5) وأبو
ثور (6) والكرخي (7).
وفهم الآمدي (8) وغيره (9) الإِطلاق.
البلخي (10): حجة إِن خص بمتصل.
__________
(1) انظر: العدة/ 533.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 232.
(3) انظر: المسودة/ 116.
(4) انظر: العدة/ 542.
(5) انظر: فواتح الرحموت 1/ 308، والإِحكام للآمدي 2/ 232.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 232، والمسودة / 116.
(7) انظر: أصول السرخسي 1/ 145.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 232، والمعتمد/ 286.
(9) نهاية 81 ب من (ظ).
(10) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 232. وقد نسب هذا الرأي -في
المعتمد/ 286، والمحصول 1/ 3/ 23، وفواتح الرحموت 1/ 308 -
إِلى الكرخي. ويبدو أن المؤلف قد تبع ما في الإحكام للآمدي 2/
232، والمنتهى لابن الحاجب/ 79، ومختصره=
(2/794)
أبو عبد الله البصري (1): إِن كان العموم
منبئاً عنه (2) قبل التخصيص كـ (فاقتلوا المشركين) (3) منبئ عن
الذمي، وإِلا فلا كـ (السارق) (4)، لا ينبئ عن النصاب والحرز،
فيفتقر إِلى بيان كحكم مجمل (5).
عبد الجبار (*): إِن كان قبله (6) غير مفتقر إِلى بيان كـ
(المشركين) (7)، وإلا فلا كـ (وأقيموا (8) الصلاة) (9) فإِنه
مفتقر قبل إِخراج الحائض (10).
رد: لا فرق (11).
__________
=2/ 108 - 109. وقد ذكر الشيخ عبد الرزاق عفيفي في تعليقه على
الإِحكام للآمدي: أنه تحريف، وأن صوابه: الكرخي.
(1) انظر: المعتمد/ 286، والإِحكام للآمدي 2/ 232.
(2) يعني: عن المخصوص.
(3) سورة التوبة: آية 5.
(4) سورة المائدة: آية 38.
(5) في (ظ): محمَّد.
(*) انظر: المعتمد/ 287، والإِحكام للآمدي 2/ 232.
(6) يعني: قبل التخصيص.
(7) لا يفتقر إِلى بيان قبل إخراج الذمي.
(8) نهاية 229 من (ح).
(9) سورة البقرة: آية 43.
(10) فكذا بعده.
(11) فنقول: (وأقيموا الصلاة) كل دعاء إلا ما يخرجه الدليل،
فلا إِجمال.
(2/795)
ثم (1): فرق ابن عقيل (2): بأنه إِذا خرج
من (وأقيموا الصلاة) من لم يُرَد (3) لم يمكن الحمل على المراد
(4) بالآية (5) (6).
وقيل: حجة في أقل الجمع؛ للشك في الزائد.
لنا: ما سبق (7) في إِثبات العموم.
ولو قال: "أكرم بني تميم ولا تكرم فلانا" -فترك- عصى قطعا.
ولأنه كان حجة، والأصل بقاؤه.
ولأن دلالته على بعض لا تتوقف على بعض آخر للدور.
واستدل: لو لم يكن حجة بعد التخصيص كانت دلالته عليه قبله (8)
موقوفة على دلالته على الآخر، واللازم باطل؛ لأنه إِن عكس (9)
قدور، وإِلا
__________
(1) على التسليم بأن (وأقيموا الصلاة) مجملة.
(2) بين (وأقيموا الصلاة) وبين آية السرقة. انظر: الواضح 2/
172أ، 173أ-ب.
(3) كالحائض ونحوها. وفي (ب): من لم يزد.
(4) وهو: الطاهر المستقبل القبلة ... إِلخ.
(5) بخلاف آية السرقة، فإنه إِذا أخرج منها من لا يراد قطعه
أمكن قطع من أريد قطعه بظاهر الآية.
(6) نهاية 110 ب من (ب).
(7) من استدلال الصحابة بعمومات مع التخصيص. انظر: ص 755 من
هذا الكتاب.
(8) في (ظ): وقبله.
(9) يعني: إِن قيل: تتوقف إِفادته للآخر على إِفادته له لزم
الدور.
(2/796)
فتحكم (1).
أجيب: بالعكس، ولا دور؛ لأنه توقف معية كتوقف كل من معلولي علة
على الآخر، لا توقف تقدُّم كتوقف معلول على علة.
قالوا: صار مجازا.
رد: بالمنع (2)، ثم: هو (3) حجة.
وأجاب في التمهيد (4): بأنه مجاز لغةً حقيقة شرعًا.
قالوا: صار مجملاً؛ لأنه يحتمل أنه مجاز في الباقي وفي كل فرد
منه، ولا ترجيح.
رد: بالمنع (5)؛ لأن الباقي كان مراداً، والأصل بقاؤه.
قالوا: لو خص بمجهول (6) -نحو: (فاقتلوا المشركين) (7) إِلا
بعضهم -لم يبق حجة اتفاقا- قاله الآمدي (8) وغيره، وجزم به في
التمهيد (9)
__________
(1) لأنه ترجيح بلا مرجح.
(2) فليس مجازا.
(3) يعني: المجاز.
(4) انظر: التمهيد / 65 ب.
(5) يعني: منع عدم الترجيح، بل يحمل على الباقي.
(6) في (ظ): لو خص بمجهول لم يكن حجة نحو ... إِلخ.
(7) سورة التوبة: آية 5.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 236.
(9) انظر: التمهيد/ 166.
(2/797)
والواضح (1) وغيرهما- فكذا بمعلوم.
رد: ما الجامع؟ [ثم: للجهل به] (2).
ثم: يحتمل أنه حجة، وقاله بعضهم، واختاره صاحب المحصول (3)،
وأشار إِليه في التمهيد (4)؛ فإِنه قال: ألا ترى، لو أقر بعشرة
إِلا درهمًا لزمه تسعة، ولو قال: "إِلا شيئًا"، "إِلا عددًا"
جهلنا الباقي، فلم يمكن الحكم به (5).
فعلى هذا: يقف على البيان، وقيل: يسقط، ويعتبر العموم.
مسألة
الجواب غير المستقل تابع للسؤال في عمومه اتفاقا، كجوابه لمن
سأله عن بيع الرطب بالتمر: (أينقص الرطب (6) إِذا يبس؟) قيل:
نعم، قال: (فلا
__________
(1) انظر: الواضح 2/ 172 ب.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) الذي اختاره الرازي في المحصول 1/ 3/ 23: أنه إذا خص
تخصيصا مجملا لا يجوز التمسك به. وهذا الاختيار المذكور ذكره
فخر الإِسلام البزدوي في أصوله (انظر: كشف الأسرار 1/ 308).
أقول: فلعل المؤلف رآه منسوبًا إِليه بلفظ (الفخر)، فظنه الفخر
الرازي. والله أعلم.
(4) انظر: التمهيد/ 66 ب.
(5) يعني: بالاستثناء.
(6) نهاية 230 من (ح).
(2/798)
إذاً) (1).
وكذا في خصوصه، قال في التمهيد (2) [وغيره] (3): كقوله لغيره:
"تَغَدَّ عندي"، فيقول: لا.
وقال القاضي (4) وغيره: كقوله لأبي بردة (5): (تجزيك (6) ولا
تجزي أحدا بعدك) أي: في الأضحية (7).
__________
(1) هذا الحديث رواه سعد بن أبي وقاص مرفوعاً. أخرجه أبو داود
في سننه 3/ 654 - 657، والترمذي في سننه 2/ 348، وقال: حديث
حسن صحيح. وابن ماجه في سننه/ 761، والنسائي في سننه 7/ 268 -
269، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 182 - 183)، والدارقطني
في سننه 3/ 49، والحاكم في مستدركه 2/ 38 - 39.
وانظر: التلخيص الحبير 3/ 9 - 10، ونصب الراية 4/ 40 - 42.
(2) انظر: التمهيد/ 68 أ.
(3) ما بين المعقوفتين من (ح).
(4) انظر: العدة/ 596.
(5) هو: الصحابي هانئ بن نيار الأنصاري.
(6) نهاية 111أمن (ح).
(7) بالجذعة. أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 23، 7/ 101، ومسلم في
صحيحه/ 1552 - 1554 من حديث البراء بن عازب.
وقد وردت الرخصة لعقبة بن عامر في أن يضحي بالجذعة، أخرجه
البخاري في صحيحه 7/ 99 عن عقبة قال: قسم النبي بين أصحابه
ضحايا، فصارت لعقبة جذعة، فقلت: يا رسول الله، صارت لي جذعة.
قال: (ضَّحَ بها). وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1556، وأخرجه البيهقي
في سننه 9/ 270 بزيادة: (ولا رخصة لأحد=
(2/799)
قال الآمدي (1): فهذا وأمثاله وإن ترك فيه
الاستفصال مع تعارض الأحوال لا يدل على التعميم في حق غيره كما
قاله الشافعي، إِذ اللفظ لا عموم له، ولعل الحكم على ذلك الشخص
لمعنى يختص به كتخصيصه أبي بردة بقوله (2): (ولا تجزي أحدا
بعدك)، ثم: بتقدير تعميم المعنى (3) فبالعلة لا بالنص.
وقاله [قبله] (4) أبو المعالي (5)، لاحتمال معرفة حاله، فأجاب
على ما عرف، وعلى هذا تجري (6) أكثر الفتاوى من المفتين. كذا
قال.
والذي عند أصحابنا: التعميم، قالوا: لو اختص به لا احتيج إِلى
__________
= فيها بعد).
وعلى هذا يكون هناك تعارض بين القصتين (قصة أبي بردة، وقصة
عقبة)، قال البيهقي: فهذه الزيادة إِذا كانت محفوظة كانت رخصة
له كما رخص لأبي بردة. وقد رد هذا الجمع ابن حجر فقال: وفي هذا
الجمع نظر؛ لأن في كل منهما صيغة عموم، فأيهما تقدم على الآخر
اقتضى انتفاء الوقوع للثاني، وأقرب ما يقال فيه: إِن ذلك صدر
لكل منهما في وقت واحد، أو تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت
الخصوصية للثاني ... فانظر: فتح الباري 10/ 14 - 15.
(1) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 237.
(2) نهاية 82 أمن (ظ).
(3) الجالب للحكم فالحكم في حق الغير إِن ثبت فبالعلة
المتعدية.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(5) انظر: البرهان/ 346.
(6) في (ب): يجزي.
(2/800)
تخصيصه.
وكذا قال بعض أصحابنا (1): إِن ظاهر كلام أحمد كقول الشافعي؛
لأنه احتج بمثله في مواضع كثيرة، وكذلك أصحابنا، قال: وما سبق
(2) إِنما يمنع قوة العموم لا ظهوره؛ لأن الأصل عدم المعرفة
لما لم يذكر.
ومَثَّله الشافعي (3) بقوله لغيلان -وقد أسلم على عشر نسوة-:
(أمسك أربعاً) (4).
وعنه (5) -أيضًا-: حكايات الأحوال إِذا تطرق (6) إِليها
الاحتمال كساها ثوب الإِجمال وسقط بها (7) الاستدلال.
فقيل (8): له قولان، وقيل: الأول مع بعد الاحتمال، وهذا مع
قربه (9).
__________
(1) انظر: المسودة/ 109.
(2) يعني: الذي ذكره أبو المعالي.
(3) انظر: البرهان/ 346.
(4) فلم يسأل غيلان عن كيفية عقوده عليهن في الجمع والترتيب،
فكان إِطلاقه القول دالا على أنه لا فرق بين أن تتفق العقود
عليهن معا، أو تجري عقود مرتبة.
(5) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 186 - 187، ونهاية السول 2/ 74.
(6) في (ب): نظرت.
(7) في (ظ) و (ح): منها.
(8) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 187، ونهاية السول 2/ 74.
(9) في (ظ): قرينه.
(2/801)
ثم: [إِن] (1) الاحتمال القريب (2) إِن كان
في دليل الحكم سقط الاستدلال كقوله في المحرم: (ولا تقربوه (3)
طيبا، فإِنه يبعث يوم القيامة مُلَبِّيا) (4)، وإِن كان في محل
الحكم كقصة (5) غيلان لم يسقط. كذا قال (6).
وعند أحمد والشافعي (7) وأصحابهما: الحكم عام في كل محرم.
قال أصحابنا في ذلك: حكمه في واحد حكمه في مثله إِلا أن يرد
تخصيصه، ولهذا حكمه في شهداء (8) أحد حكم في سائر الشهداء.
قال القاضي وغيره: اللفظ خاص، والتعليل عام في كل محرم.
__________
(1) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(2) ضرب على (القريب) في (ظ). وفي شرح تنقيح الفصول/ 187:
الاحتمال المساوي.
(3) نهاية 231 من (ح).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 76، 3/ 15 - 16، 17، ومسلم في
صحيحه/ 866 - 867 من حديث ابن عباس.
(5) في (ح): كقضية.
(6) يعني: هذا القائل.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 256.
(8) فكان يجمع الرجلين منهم في ثوب واحد، وأمر بدفنهم بدمائهم
ولم يصل عليهم ولم يغسلوا. جاء ذلك في حديث جابر، أخرجه
البخاري في صحيحه 2/ 91 - 92، 5/ 102، وأبو داود في سننه 3/
501، والترمذي في سننه 2/ 25 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه
4/ 62، وابن ماجه في سننه/ 485.
وانظر: نصب الراية 2/ 307 - 317.
(2/802)
وعند (1) الحنفية (2) والمالكية (3): يختص
بذلك المحرم.
* * *
وإِن استقل الجواب (4):
فإِن ساوى السؤال فالحكم في عمومه وخصوصه عند كون السؤال عاما
أو خاصا كما لو لم يستقل.
فالخصوص: كسؤال الأعرابي عن وطئه في نهار رمضان، فقال (أعتق
رقبة) (5)
والعموم: كسؤاله عن الوضوء بماء البحر. فقال: (هو الطهور ماؤه)
(6).
__________
(1) في (ب): عند.
(2) انظر: بدائع الصنائع / 770 - 771.
(3) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 282، وشرح تنقيح الفصول/ 187.
(4) نهاية 111 ب من (ب).
(5) سبق تخريجه ص 304.
(6) هذا الحديث رواه أبو هريرة مرفوعًا. أخرجه أبو داود في
سننه 1/ 64، والترمذي في سننه 1/ 47 وقال: حسن صحيح، والنسائي
في سننه 1/ 176، وابن ماجه في سننه / 136، والدارقطني في سننه
1/ 36 - 37، والدارمي في سننه 1/ 151، ومالك في الموطأ/ 22،
والشافعي (انظر: بدائع المنن 1/ 19)، والبيهقي في سننه 1/ 3،
وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 60)، والحاكم في
مستدركه 1/ 140 - 142 وقال: صحيح على شرط مسلم، وشواهده كثيرة،
ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ثم ذكر الحاكم تلك الشواهد.
(2/803)
وإن كان الجواب أخص من السؤال -كسؤاله عن
قتل النساء الكوافر، فيقول: اقتلوا المرتدات- اختص بالجواب.
وإن كان الجواب أعم من السؤال - كسؤاله عن ماء بئر بضاعة (1)،
فقال: (الماء طهور لا ينجسه شيء) (2)، أو ورد عام على سبب خاص
بغير سؤال، كما روي (3) أنه مر بشاة ميتة لميمونة (4)، فقال:
(أيما إِهاب دُبغ فقد طهر) (5) - اعتبر عمومه ولم يقصر على
سببه عند أحمد وأصحابه
__________
=وقد ورد هذا الحديث من غير طريق أبي هريرة، فانظر: نصب الراية
1/ 95 - 99، والتلخيص الحبير 1/ 9 - 12.
(1) في معجم البلدان 1/ 442: بضاعة بالضم، وقد كسره بعضهم،
والأول أكثر، وهي دار بني ساعدة بالمدينة، وبئرها معروفة.
(2) هذا الحديث رواه أبو سعيد مرفوعاً. أخرجه أبو داود في سننه
1/ 53 - 55، والترمذي في سننه 1/ 45 - وقال: حسن، وفي الباب عن
ابن عباس وعائشة- والنسائي في سننه 1/ 174، والدارقطني في سننه
1/ 30 - 32، والبيهقي في سننه 1/ 4 - 5، وأحمد في مسنده 3/ 15
- 16، 31، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 41)
والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 11 - 12. وانظر: التلخيص
الحبير 1/ 12 - 14.
(3) في (ح) و (ظ): كما لو روى.
(4) هي: أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.
(5) ورد قول النبي هذا من حديث ابن عباس. أخرجه النسائي في
سننه 7/ 173، والترمذي في سننه 3/ 135 وقال: حسن صحيح، وابن
ماجه في سننه/ 1193، وأحمد في مسنده 1/ 270، 343، والشافعي في
مسنده (انظر: ترتيب مسند=
(2/804)
والحنفية (1) وأكثر المالكية (2) وأكثر
الشافعية (3) والأشعرية (4).
وفي (5) الكفاية للقاضي عن بعض أصحابنا: يقصر على سببه.
وذكره بعض أصحابنا (6) رواية من لفظين:
أحدهما: في "العلم (7) " للخلال؛ فإِن بعضهم احتج عند أحمد على
__________
=الشافعي 1/ 26)، والبيهقي في سننه 1/ 16. وأخرجه مسلم في
صحيحه/ 277 بلفظ: (إِذا دبغ الإِهاب فقد طهر).
ويلاحظ أنني -بعد البحث- لم أجد هذا القول مقترنا بقصة شاة
مولاة ميمونة، وإنما ورد قول النبي في تلك القصة بغير الألفاظ
الواردة هنا.
وحديث شاة مولاة ميمونة أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 128، 3/ 81
- 82، 7/ 96، ومسلم في صحيحه/ 276 - 277 من حديث ابن عباس،
وفيه: فقال: (هلا أخذتم إِهابها فدبغتموه فانتفعتم به)،
فقالوا: إِنها ميتة، قال: (إِنما حرم أكلها).
وانظر: التلخيص الحبير 1/ 46، والمعتبر/ 47 ب.
(1) انظر: أصول السرخسي 1/ 271، وكشف الأسرار 2/ 266، وتيسير
التحرير 1/ 264.
(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب / 79، وشرح تنقيح الفصول/ 216.
(3) انظر: اللمع/ 22، والتبصرة/ 144.
(4) انظر: المحصول 1/ 3/ 188 - 189، والإِحكام للآمدي 2/ 239.
(5) في (ب): في.
(6) انظر: المسودة/ 130 - 131.
(7) انظر: طبقات الحنابلة 2/ 12. ولم أعثر على هذا الكتاب.
(2/805)
مسألة (1) بقوله: (وإن كان ذو عسرة فنظرة
إِلى ميسرة) (2)، فأجاب: بأن هذا إِنما ورد في ربائين (3).
واللفظ الثاني: في حد الإِكراه (4) من "عمد الأدلة" لابن عقيل،
وقد نبه ابن عقيل على هذا.
وقاله أبو ثور (5) والمزني والقفال (6) والدقاق، وقاله أبو
الفرج (7) وابن نصر (8) وغيرهما من المالكية، وذكره أبو الطيب
(9) وابن برهان عن مالك.
قال أبو المعالي (10): هو الذي صح عندنا من مذهب الشافعي، ثم
نصر الأول.
__________
(1) نهاية 232 من (ح).
(2) سورة البقرة: آية 280.
(3) كذا في (ب) و (ح)، وهي بنفس الرسم في (ظ) ولم تنقط. وفي
المسودة: إِنما ورد في الربا. وفي هامش (ظ): صوابه: في ربا
تائبين ... يشير إِلى أنه ورد في حق التائبين من الربا؛ لأن
الله قال: (وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم) ثم قال: (وإن كان ذو
عسرة فنظرة)، فالآية جاءت في حق التائب من الربا، فجعلها
الإِمام لمن جاءت في حقه وهو التائب من الربا.
(4) نهاية 82 ب من (ظ).
(5) انظر: المحصول 1/ 3/ 189، والإِحكام للآمدي 2/ 239.
(6) انظر: التبصرة/ 145.
(7) انظر: المسودة/ 130.
(8) هو: عبد الوهاب المالكي.
(9) انظر: المرجع السابق/ 130.
(10) انظر: البرهان/ 372، 375.
(2/806)
لنا: أن الصحابة ومن بعدهم استدلوا على
التعميم مع السبب الخاص ولم ينكر، كآية اللعان (1) -وهي في
هلال بن أمية في الصحيحين (2) - وآية الظهار (3) في أوس (4) بن
الصامت، رواه أحمد (5) وأبو داود وغيرهما (6)، ومعناه في
البخاري (7)، وقصة عائشة (8) في الإِفك في الصحيحين (9)، وغير
ذلك، [فكذا هنا] (10).
__________
(1) سورة النور: الآيات 6 - 9.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 100 - 101 عن ابن عباس، وأخرجه
مسلم في صحيحه/ 1134 عن أنس.
وانظر: فتح الباري 8/ 450، وشرح النووي على صحيح مسلم 10/ 119.
(3) سورة المجادلة: الآيات 2 - 4.
(4) نهاية 112 أمن (ب).
(5) انظر: مسند أحمد 6/ 410 - 411، وسنن أبي داود 2/ 662 وما
بعدها.
(6) كالواحدي في أسباب النزول/ 232 - 233، والطبري في تفسيره
28/ 2 وما بعدها، والنسائي في سننه 6/ 168، وابن ماجه في سننه/
666، والحاكم في المستدرك 2/ 481. وانظر: التلخيص الحبير 3/
220.
(7) انظر: صحيح البخاري 6/ 50، 9/ 117، وفتح الباري 9/ 432،
13/ 372، والتلخيص الحبير 3/ 220.
(8) ورد ذكرها في سورة النور: الآيات 11 - 17.
(9) انظر: صحيح البخاري 5/ 116 وما بعدها، 6/ 101 وما بعدها،
وصحيح مسلم/ 2129 - 2138.
(10) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2/807)
ولأن اللفظ عام بوضعه، والاعتبار به (1)،
بدليل ما لو كان (2) أخص (3)، والأصل عدم مانع.
وقاس صحابنا وغيرهم على الزمان والمكان (4)، مع أن المصلحة قد
تختلف بهما.
رد: لا يصلحان علة للحكم، بخلاف لفظ السائل.
رد: بالمنع.
قالوا: لو عم جاز تخصيص السبب بالاجتهاد كغيره.
رد: السبب مراد قطعاً (5) بقرينة خارجية [هي ورود] (6) الخطاب
بيانا له، وغيره ظاهر، ولهذا: لو سألته امرأة من نسائه طلاقها
(7)، فقال: "نسائي طوالق " طلقت -ذكره ابن عقيل (8) إِجماعًا،
وأنه لا يجوز تخصيصه- والأشهر عندنا: "ولو استثناها بقلبه"،
لكنه يُدَيّن ويتوجه فيه خلاف، ولو استثنى غيرها لم تطلق.
__________
(1) يعني: باللفظ الوارد في الجواب.
(2) يعني: لو كان الجواب أخص.
(3) فإِنه يحمل على خصوصه، فكذا إِذا كان أعم يحمل على عمومه.
(4) لأن الخطاب يرد في زمان ومكان، ثم لا يقتصر به على ذلك
الزمان والمكان.
(5) وهذا سبب اختصاصه بمنع إِخراجه.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب). وفي (ظ): لورود.
(7) في (ب): طلاقا.
(8) انظر: الواضح 2/ 115 ب - 116 أ.
(2/808)
على أنه (1) منع -في "الإِرشاد، والمبهج،
والفصول"- المعتمر المحصر من التحلل (2) مع أن سبب (3) (4)
الآية (5) في حصر الحديبية (6) -وكانوا معتمرين- وحكي هذا عن
مالك، وأنه لا هدي أيضًا (7).
وعن أحمد: أنه حمل ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة (8): (لا
يلدغ المؤمن من جحر مرتين) على أمر الآخرة مع أن سببه (9)
الدنيا، لكن يحتمل أنه لم يصح عنده سببه.
__________
(1) يعني: أنه يجوز تخصيص السبب.
(2) في (ظ): التحليل.
(3) انظر: تفسير الطبري 2/ 125، وتفسير القرطبي 2/ 373، وتفسير
ابن كثير 1/ 231.
(4) نهاية 233 من (ح).
(5) قال تعالى: (فإِن أحصرتم فما استيسر من الهدي). سورة
البقرة آية 196.
(6) خبر حصر الحديبية ورد من طرق، أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 8
- 9، 185 - 186، 193 وما بعدها. وانظر: نصب الراية 3/ 129،
144، والتلخيص الحبير 2/ 288.
(7) انظر: تفسير القرطبي 2/ 373.
(8) مرفوعاً. انظر: صحيح البخاري 8/ 31، وصحيح مسلم/ 2295.
(9) سبب الحديث: أن النبي أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر، فَمَنّ
عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه، وأطلقه، فلحق بقومه،
ثم رجع إِلى التحريض والهجاء، ثم أسره يوم أحد، فسأله المن،
فقال النبي ذلك.
انظر: فتح الباري 10/ 530، وشرح النووي على صحيح مسلم 18/ 125،
والسيرة لابن هشام 3/ 56.
(2/809)
والأصح عن أحمد: أنه لا يصح اللعان على
حمل، وقاله أبو حنيفة (1)، وهو سبب آية اللعان، واللعان عليه
في الصحيحين (2)، لكن ضعفه أحمد، ولهذا في الصحيحين: "أنه لا
عن بعد الوضع (3) "، ثم: يحتمل أنه علم بوجوده بوحي، فلا يكون
اللعان معلقا بشرط، وليس سبب الآيه قذف حامل ولعانها.
__________
(1) انظر: الهداية 2/ 25.
(2) انظر: صحيح البخاري 6/ 100، وصحيح مسلم / 1134.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 55، 56، ومسلم في صحيحه 1134 من
حديث ابن عباس، وفيه: فأتاه رجل من قومه يشكو إِليه أنه قد وجد
مع امرأته رجلاً، فذهب به إِلى النبي، فأخبره بالذي وجد عليه
امرأته -وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم ... - فقال الرسول:
(اللهم بَيِّن)، فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده
عندها، فلاعن رسول الله بينهما.
وانظر: نصب الراية 3/ 252. وقال في فتح الباري 9/ 455: ظاهره
أن الملاعنة بينهما تأخرت حتى وضعت، فيحمل على أنه قوله
(فلاعن) معقب بقوله (فذهب به إِلى النبي فأخبره)، واعترض قوله
(وكان ذلك الرجل إِلخ)، والحامل على ذلك موافقة رواية القاسم
عن ابن عباس لحديث سهل بن سعد. وقال -في مكان آخر 9/ 461 - :
قد أوضحت أن رواية ابن عباس هذه هي في القصة التي في حديث سهل
بن سعد، وفيه أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع، فعلى هذا تكون
الفاء في قوله (فلاعن) معقبة بقوله (فأخبره بالذي وجد) وأما
قوله (وكان ذلك الرجل مصفرا ...) فهو كلام اعترض بين الجملتين،
ويحتمل -على بعد- أن تكون الملاعنة وقعت مرة بسبب القذف وأخرى
بسبب الانتفاء، والله أعلم.
(2/810)
وفي الصحيحين (1) عن عائشة: أن عتبة بن أبي
وقاص (2) عهد إِلى أخيه سعد "أن (3) ابن (4) وليدة (5) (6)
زمعة (7) ابني، فاقبضه إِليك"، فلما كان عام الفتح أخذه سعد،
وفيه: فقال سعد: "هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة عهد إِلي أنه
ابنه، انظر إِلى شبهه"، وقال عبد بن زمعة (8): "هذا أخي، ولد
على فراش أبي من وليدته"، فنظر إِلى شبهه، فرأى شبها بينا
بعتبة، فقال: (هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر
الحجر (9)،
__________
(1) انظر: صحيح البخاري 3/ 54، 81، 146 - 147، 4/ 4، وصحيح
مسلم / 1080.
(2) هو: عتبة بن أبي وقاص بن أهيب القرشي الزهري، قال ابن حجر:
لم أر من ذكره في الصحابة إِلا ابن مندة ... وقد اشتد إِنكار
أبي نعيم عليه في ذلك، وقال: هو الذي كسر رباعية النبي، وما
علمت له إِسلاما.
انظر: الإِصابة 5/ 259.
(3) في (ظ): سعد بن أبي وليدة ...
(4) ابن وليدة زمعة: هو عبد الرحمن بن زمعة بن قيس القرشي
العامري، توفي بالمدينة، وله عقب.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 311، وأسد الغابة 2/ 448.
(5) الوليدة: الجارية. انظر: النهاية في غريب الحديث 5/ 225.
(6) نهاية 112 ب من (ب).
(7) هو: زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشي العامري، مات كافرًا
قبل فتح مكة.
انظر: الإصابة 4/ 387.
(8) هو: الصحابي عبد بن زمعة القرشي العامري.
(9) قال ابن حجر في فتح الباري 12/ 36 - 37: أي: للزاني الخيبة
والحرمان. ومعنى=
(2/811)
واحتجبي منه يا سودة (1) بنت زمعة)، وكانت
تحت النبي - صلى الله عليه وسلم - (2).
وفي لفظ للبخاري (3): (هو أخوك يا عبد).
ولأحمد (4) والنسائي بإِسناد جيد من حديث عبد الله بن الزبير:
أن زمعة كانت له جارية يطؤها، وكانت تظن بآخر (5)، وفيه:
(واحتجبي منه يا سودة، فليس لك بأخ). زاد أحمد (6): (7) (أما
الميراث فله).
__________
=الخيبة هنا حرمان الولد الذي يدعيه، وجرت عادة الجرب أن تقول
لمن خاب: (له الحجر، وبفيه الحجر والتراب) ونحو ذلك. وقيل:
المراد بالحجر هنا أنه يرجم، قال النووي: وهو ضعيف؛ لأن الرجم
مختص بالمحصن، ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد، والخبر إِنما
سيق لنفي الولد. وقال السبكي: والأول أشبه بمساق الحديث لتعم
الخيبة كل زان، ودليل الرجم مأخوذ من موضع آخر فلا حاجة
للتخصيص من غير دليل. قال ابن حجر: قلت ويؤيد الأول -أيضاً- ما
أخرجه أبو أحمد الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه (الولد للفراش
وفي فم العاهر الحجر)، وفي حديث ابن عمر عند ابن حبان: (الولد
للفراش وبفي العاهر الأثلب) قيل: هو الحجر، وقيل: دقاقه، وقيل:
التراب.
(1) هي: أم المؤمنين سودة بنت زمعة القرشية.
(2) نهاية 83 أمن (ظ).
(3) انظر: صحيح البخاري 5/ 151.
(4) انظر: مسند أحمد 4/ 5، وسنن النسائي 6/ 180 - 181.
(5) في سنن النسائي 6/ 181: وكان يظن بآخر يقع عليها. وفي مسند
أحمد 4/ 5: وكانوا يتهمونها.
(6) انظر: مسند أحمد 4/ 5.
(7) نهاية 234 من (ح).
(2/812)
وعند أبي حنيفة (1): لا تفسير الأمة فراشًا
حتى يقرّ بولدها، فإِذا أقر به صارت فراشًا ولحقه أولاده بعد
ذلك. فأخرج السبب.
قال أبو المعالي (2): لم يبلغه (3) هذا واللعان (4) على الحمل.
كذا قال.
وسبق (5) الجواب عن اللعان، وهذا لا جواب عنه.
قالوا: لو عم لم ينقل السبب لعدم الفائدة.
رد: فائدته: منع تخصيصه، ومعرفة الأسباب.
قالوا: لو قال: "تَغَدّ عندي"، فحلف: "لا تَغديتُ" لم يعم،
ومثله نظائرها.
رد: بالمنع في الأصح عن أحمد.
وإِن سلّم -كقول مالك (6) - فللعرف، ولدلالة السبب على النية،
فصار كمنويّ.
__________
(1) انظر: فواتح الرحموت 1/ 290 - 291.
(2) انظر: البرهان/ 379.
(3) جاء في فواتح الرحموت 1/ 291: (والقول بعدم بلوغ الحديث
غير صحيح؛ فإِنه مذكور في مسنده). وفي مسند أبي حنيفة/ 134: عن
عمر أن النبي قال: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ا. هـ. ولم
يذكر سبب الحديث.
(4) يعني: ولم يبلغه اللعان على الحمل.
(5) انظر: ص 810 من هذا الكتاب.
(6) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 80.
(2/813)
قالوا: لو عم لم يطابق الجواب السؤال.
رد: طابق وزاد.
مسألة
يجوز أن يراد بالمشترك معنياه معا، والحقيقة (1) والمجاز من
لفظ واحد، ويحمل عليهما (2) عند القاضي (3) وابن عقيل (4)
والحلواني (5) وغيرهم، وقاله في الانتصار لما قيل له -فيمن لا
يجد نفقة امرأته-: يفرق بينهما، أي: لا يحبسها، فقال: الظاهر
منها (6) الطلاق (7) على أنه عام في العقد والمكان معا.
ثم: هل هو ظاهر في ذلك مع عدم قرينة كالعام (8)، أم مجمل فيرجع
إِلى مخصص خارج؟ ظاهر كلامهم أو صريحه: الأول، ولهذا قالوا:
يحمل عليهما، وهو كثير في كلام القاضي وأصحابه، وقال (9)
__________
(1) في (ح): الحقيقة.
(2) في (ب): عليها.
(3) انظر: العدة/ 703 - 704.
(4) انظر: الواضح 1/ 288 ب، 2/ 168 أ، 171 أ.
(5) انظر: المسودة/ 166.
(6) نهاية 113 أمن (ب).
(7) في (ظ): إِلا الطلاق.
(8) فيحمل عليهما معا.
(9) كذا في النسخ. ولعل المناسب: قال، بدون الواو.
(2/814)
هو (1) وابن عقيل (2): اللمس (3) حقيقة في
اللمس باليد، مجاز في الجماع، فيحمل عليهما، ويجب الوضوء منهما
جميعًا؛ لأنه لا تدافع بينهما. وسبق كلامه في الانتصار.
وقال (4) صاحب المحرر -في قوله عليه السلام: (اقرءوا يس على
موتاكم) (5): يشمل المحتضر والميت قبل الدفن وبعده.
وهذا قول الشافعي (6).
__________
(1) انظر: العدة/ 704.
(2) انظر: الواضح 1/ 229أ، 2/ 168 أ.
(3) في (ظ): للمس.
(4) نهاية 235 من (ح).
(5) هذا الحديث رواه معقل بن يسار مرفوعاً. أخرجه أبو داود في
سننه 3/ 489، والنسائي في عمل اليوم والليلة/ 581 - 582، وابن
ماجه في سننه/ 466، وأحمد في مسنده 5/ 26، 27، وابن أبي شيبة
في مصنفه 3/ 237، والحاكم في المستدرك 1/ 565 - وقال: أوقفه
يحيى بن سعيد وغيره عن سليمان التيمي، والقول فيه قول ابن
المبارك؛ إِذ الزيادة من الثقة مقبولة. قال الذهبي في التلخيص:
رفعه ابن المبارك، ووقفه يحيى القطان- والبيهقي في السنن
الكبرى 3/ 383، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 2/
23)، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 184). وقد أعل
الحديث بالاضطراب -فبعضهم يقول: عن أبي عثمان عن أبيه عن معقل،
وبعضهم يقول: عن أبي عثمان عن معقل- وبجهالة أبي عثمان وأبيه.
ونقل عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف الإِسناد مجهول
المتن، ولا يصح في الباب حديث. انظر: التلخيص الحبير 2/ 104.
(6) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 242، وشرح العضد 2/ 111.
(2/815)
وقال (1) بعض أصحابنا: (2) صرح القاضي وابن
عقيل بالثاني، [كذا قال] (3).
وقاله (4) أبو علي الجبائي وعبد الجبار وغيرهما من المعتزلة
(5).
قال الآمدي (6): عنهم وعن الشافعي وابن الباقلاني (7): ما لم
يمتنع الجمع بينهما كـ "افْعَل" أمرًا وتهديدًا.
ومعناه ذكره أبو المعالي (8) وأبو الخطاب (9) عن المجوزين،
وقاله ابن عقيل (10)؛ قال: ولهذا لا يحسن أن يصرح به (11)
بخلاف هذا (12).
__________
(1) في (ب) و (ظ): وصرح القاضي وابن عقيل بالثاني. ولم يرد
فيهما: (وقال بعض أصحابنا).
(2) انظر: المسودة/ 171.
(3) ما بين المعقوفتين من (ح).
(4) عني: جواز إِرادة المعنيين، والحقيقة والمجاز من لفظ واحد،
ولا يكون ذلك كالعام، بل كالمجمل.
(5) انظر: المعتمد/ 325، والإِحكام للآمدي 2/ 242.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 242.
(7) يعني: يجوز أن يراد كلا المعنيين معا ما لم يمتنع ...
إِلخ.
(8) انظر: البرهان/ 343.
(9) انظر: التمهيد/ 78 ب.
(10) الواضح 1/ 229أ، 2/ 172 أ- ب.
(11) فيقول: أريد بقولي: (افعل) الأمر والتهديد.
(12) فإنه يحسن أن يقول: أريد بـ (القرء) الطهر والحيض. كذا في
الواضح.
(2/816)
وأطلق بعضهم (1): يجوز مجازًا.
وعن ابن الباقلاني والمعتزلة (2): حقيقة إِن جاز الجمع كالعين،
لا كالقرء، وسبق (3) قول القاضي: لأنه لا تدافع بينهما.
وذكر القاضي أول العدة (4): لا يجوز؛ ونصره في التمهيد (5)،
وقاله الحنفية (6) وأبو هاشم (7) وأبو عبد الله البصري (8)
وغيرهما من المعتزلة، وذكره أبو المعالي (9) عن (10) ابن
الباقلاني.
وعن الشافعية (11): الجواز والمنع.
وجوزه بعض أصحابنا (12) بالنظر إِلى الإِرادة لا اللغة، وقاله
أبو
__________
(1) يعني: أطلقوا في أصل المسألة. انظر: شرح العضد 2/ 111.
(2) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 111.
(3) في ص 815.
(4) انظر: العدة/ 188 - 189.
(5) انظر: التمهيد/ 78أ.
(6) انظر: كشف الأسرار 1/ 40، 2/ 45، وفواتح الرحموت 1/ 201،
216.
(7) انظر: المعتمد/ 325، والمحصول 1/ 1/ 372.
(8) انظر: المعتمد/ 325.
(9) في الحمل على الحقيقة والمجاز. انظر: البرهان/ 344.
(10) نهاية 83 ب من (ظ).
(11) انظر: التبصرة/ 184، والإِحكام للآمدي 2/ 242.
(12) انظر: المسودة/ 167.
(2/817)
المعالي (1) وأبو الحسين (2) البصري
والغزالي (3).
ومنعه بعضهم (4).
وقيل في أصل المسألة: يجوز في نفي لا إِثبات.
ولم أجد خلافا عندنا: لو وَصَّى بثلثه لجاره أو قريبه فلان
-باسم مشترك- لم (5) يعم.
وهل تصح الوصية أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان.
فإِن صحت: فقيل: تعينه (6) الورثة. وقيل: يقرع.
ويتوجه العموم إِن قيل به هنا، ويحتمل مطلقًا؛ لعمومه
بالإِضافة (7)، ولا يتحقق مانع.
وأكثر الأصوليين: أن الخلاف في الجمع كالخلاف في المفرد (8).
وقيل: يجوز.
__________
(1) انظر: البرهان / 344 - 345.
(2) انظر: المعتمد/ 326.
(3) انظر: المستصفى 2/ 71 - 73.
(4) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 111.
(5) في هامش (ظ): لعله: أنه يعم. أقول: لعل ما أثبت في الأصل
هو الصواب.
(6) نهاية 113 ب من (ب).
(7) على مثال: عبدي وامرأتي.
(8) نهاية 236 من (ح).
(2/818)
وفي الكفاية (1) للقاضي: أن لفظ الجمع
كالمنقول عن الشافعي إِن لم يتنافيا، وإن تنافيا أو كان مفردا
فمجمل.
وجه الجواز (2): أما في المشترك: فلسبق أحدهما، فإِطلاقه
عليهما مجاز.
ولا (3) يلزم من وضعه لهما على البدل وضعه لهما معا، فاستعماله
في المجموع لغير ما وضع له، للتغاير بين المجموع وأفراده، وإن
وضع للمجموع أيضاً: فإِن استعمله فيه فقط لم يفد إِلا أحد
مفهوماته، وإِن استعمله فيه وفي الأفراد معا فمحال؛ لأن إِفادة
المجموع معناه لا يحصل الاكتفاء إِلا به، وإفادته للمفرد معناه
الاكتفاء (4) بكل (5) منهما.
وهو (6) مبني على أنا المشترك موضوع لأحدهما على البدل كقول
المعتزلة (7)، فيلزمهم.
وعن الشافعي (8) وابن الباقلاني: حقيقة في المجموع -جملة
مدلولاته
__________
(1) انظر: المسودة/ 171.
(2) يعني: الجواز مجازا.
(3) في (ب) و (ظ): ولأنه يلزم.
(4) يعني: يحصل الاكتفاء. وقد ضرب في (ظ) على (الاكتفاء)، وكتب
(إِفادته).
(5) في (ظ): لكل.
(6) يعني: هذا الدليل.
(7) انظر: المعتمد/ 22 - 23، والإِحكام للآمدي 2/ 245.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 245.
(2/819)
وأفرادها- كالعام.
واعترض (1): لكن يجوز استعماله في أحدهما بقرينة حقيقة (2) أو
مجازا (3)، فإِذا استعمل في المجموع فقط (4): فإِن كان حقيقة
في الأفراد فمشترك لم يعم كل مسمياته، وِإن كان مجازاً فيها لم
يعم الحقيقة والمجاز، وهو خلاف مذهبكم. وِإن أريدت الأفراد (5)
استحال بما سبق من لزوم الاكتفاء وعدمه.
ورد: لا تناقض؛ لأن عند دخول الأفراد في المجموع معنى استعماله
فيها: أنه لا بد منها، لا بمعنى الاكتفاء بها، وعند عدم دخولها
والعمل به في أحدها بقرينة ليست الجملة شرطا في الاكتفاء.
فإِن قيل: دخولها (6) فيها لا يدل اللفظ عليها حقيقة ولا
مجازًا ليلزم ما ذكر (7)، بل لزوما (8) (9).
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 245.
(2) يعني: سواء كان ذلك حقيقة أو مجازا.
(3) في (ظ): أو مجاز.
(4) يعني: على وجه لا تدخل فيه الأفراد.
(5) يعني: إِن كان على وجه تدخل فيه الأفراد.
(6) يعني: إِذا كانت الأفراد داخلة في مسمى الجملة.
(7) نهاية 237 من (ح).
(8) يعني: بطريق الملازمة، وليست دلالة لفظية ليلزم ما قيل.
(9) نهاية 114 أمن (ب).
(2/820)
رد: بل دلالة لفظية لدخولها فيها حقيقة أو
مجازًا.
وأما الحقيقة (1) والمجاز: فلأن استعماله لهما استعمال في غير
ما وضع له أولاً، والعلاقة المصححة الجزئية والكلية.
وجه المنع: لو جاز في المشترك لكان حقيقة في المجموع لوضعه
لهما، ولو كان لكان المستعمل له مريدًا أحدهما فقط لاستعماله
فيه غير مريد له لاستعماله في الآخر.
ولو جاز في الحقيقة والمجاز لكان مريدا لما (2) وضع له اللفظ
أولاً لاستعماله فيه، غير مريد له لاستعماله في غيره، وذلك
محال.
رد: بالمنع، فإِن المراد من استعمال اللفظ معنياه معا مجازًا،
لا بقاؤه لكل مفرد منهما حتى يكون حقيقة في المجموع.
وأراد (3) ما وضع اللفظ أولاً وثانيًا (4) إِما حقيقة وإما
مجازًا.
واحتج في العدة (5): بأنه إِجماع الصحابة لعدم حمل القرء على
المعنيين، ولو حمل عليهما لم يمنعوا (6) منه بغير دلالة.
__________
(1) نهاية 84 أمن (ظ).
(2) في (ح): اما.
(3) هذا رد على الدليل الثاني.
(4) في (ظ): أو ثانيا.
(5) انظر: العدة/ 189.
(6) في العدة: لم يمتنعوا.
(2/821)
ويجاب: لعلمهم أن المراد أحدهما.
واحتج بعضهم (1) بها (2) على إِرادتهما (3)، فأجاب أبو الخطاب
(4): بأن المراد أحدهما (5)، قال: ومن صَوَّب كل مجتهد يقول:
يحتمل أنه نقل لغة إِلى الشرع بدليل، فيردان (6) شرعًا.
واحتج في التمهيد (7): بعدم استعماله لغة.
وجه المعموم: (إِن الله وملائكته يصلّون) (8)] (ألم تر أن الله
يسجد له) (9)، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار،
والسجود مختلف.
رد: السجود: الخضوع، فهو متواطئ، والصلاة: الاعتناء بإِظهار
شرفه
__________
(1) ضرب على (بعضهم) في (ظ).
(2) في التمهيد/ 179: واحتج بقوله: (ثلاثة قروء)، قيل: الحيض
والطهر؛ لأن للمرأة تقليد من يرى الحيض وتقليد من يرى الطهر،
وأيهما فعلت فقد أراده الله منها، وكذلك قد أراد من المجتهد ما
يؤديه إِليه اجتهاده منهما. والآية من سورة البقرة: آية 228.
(3) في (ب): إِرادتها.
(4) انظر: التمهيد/ 79 أ.
(5) على قول من يقول: الحق في واحد.
(6) كذا في النسخ. ولعلها: فيرادان.
(7) انظر: التمهيد / 79أ.
(8) سورة الأحزاب: آية 56.
(9) سورة الحج: آية 18.
(2/822)
عليه السلام، فمتواطئ (1) بين الله
وملائكته.
أو يقدر خبر -كأنه قال: "إِن الله يصلي"- وفِعْل "يسجد" في
الآية الثانية بدليل ما يقارنه.
وقيل (2): "أو بأنه مجاز"، فيلزم إِسناد معنى الصلاة ومعنى
السجود إِلى كل واحد، وفساده (3) ظاهر.
وأجاب أبو هاشم (4): بأنه لا يبعد (5) أنه مما نقلته الشريعة
من اللغة.
ورفى: بمنع النقل على ما سبق (6).
ورد الأول: بأنه لو كان لاطرد، وليس كل اعتناء بأمرٍ صلاةً،
ولا كل سجودٍ خضوعًا.
والثاني: بتعدد الفعل معنى لا لفظا، وإِن سلّم أن حرف العطف
كعامل فبمثابته (7) بعينه، والله أعلم.
* * *
__________
(1) نهاية 238 من (ح).
(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 80.
(3) نهاية 114 ب من (ب).
(4) انظر: المعتمد/ 332.
(5) في (ظ) ونسخة في هامش (ب): لا يتعذر.
(6) انظر: ص 87 وما بعدها.
(7) يعني: فيكون بمثابة الفعل بعينه.
(2/823)
فأما إِن وصى لمواليه: صح -خلافا للحنفية
(1) وبعض الشافعية (2) - قال [بعض] (3) أصحابنا: لشمول الاسم،
كوصيته لإِخوته.
واعترض على القاضي وغيره: بالفرق بأنه مشترك، فلا يمكن حمله
عليهما.
فأجاب: لا يمتنع دخولهما في لفظ واحد، كمن حلف: "لا كلمت موالي
فلان"، والحكم يتبع الاسم نفيا وإثباتًا، كمن حلف: "لأكلمن
موالي فلان".
كذا قال، فسلم أنه مشترك، فيخرج على ما سبق.
وفي الواضح: مشترك لا ينصرف إِطلاقه إِلى معين إِلا بدليل.
وكذا قال أهل (4) اللغة: المولى: المعتق والمعتق وابن العم
والناصر والجار والحليف.
وأما استدلاله (5) (6) بالنفي فكأنه على من سلّمه، وقد سبق
(7).
__________
(1) انظر: أصول الشاشي/ 39، وأصول السرخسي 1/ 126، والهداية 4/
251. وقال زفر: تصح الوصية وتكون للموالي من أعلى ومن أسفل،
وعن أبي يوسف: تجوز وتصرف إِلى الموالي من أعلى.
(2) انظر: التمهيد للأسنوي/ 174.
(3) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(4) انظر: لسان العرب 20/ 289 - 290.
(5) في (ح): استدلالهم.
(6) نهاية 84 ب من (ظ).
(7) في ص 818.
(2/824)
وكذا احتج في المغني (1): لو حلف: "لا كلمت
مواليّ (2) " حنت بكلام أيهم كان.
وجمع الاسم وتعميمه (3) إِنما يفيد في مدلوله مفردًا.
ولا يعم "الموالي" غير المولى من فوق ومن أسفل تقديما للحقيقة
عرفا؛ فقد يعلل شموله لهما بالحقيقة عرفا، وهي (4) دعوى،
وللمخالف المنع.
ولا شيء لموالي عصبته -خلافا لزفر (5) - لعدم الحقيقة فيهم،
إِلا مع عدم مواليه ابتداء -خلافا لأبي يوسف (6) ومحمد- لتعذر
الحقيقة ابتداء، فيعمل بالمجاز تصحيحًا لكلامه ولإِرادته (7)
ظاهراً.
__________
(1) انظر: المغني 6/ 233.
(2) في (ب) و (ظ): مولاي.
(3) يعني: تعميم الجمع.
(4) يعني: التعليل بالحقيقة عرفا.
(5) هو: أبو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري، فقيه حنفي، كان من
أصحاب الحديث فغلب عليه الرأي، ولد سنة 110 هـ، وتوفي بالبصرة
سنة 158 هـ.
انظر: الجواهر المضية 1/ 243، 2/ 534، والانتقاء/ 173، وشذرات
الذهب 1/ 243.
(6) نهاية 239 من (ح).
(7) أي: المجاز، يعني: ولأن الظاهر إِرادة المجاز.
(2/825)
مسألة
نفي المساواة للعموم عند أصحابنا والشافعية (1)، نحو: (لا
يستوي) (2)] (لا يستوون) (3)] (هل يستويان مثلا) (4)] (هل
يستوي الذين يعلمون) (5) (6).
وعند الحنفية (7): يكفي نفيها في شيء واحد.
وجه الأول: نفي على نكرة (8) كغيره (9)، فينتفي مسماها.
قالوا: المساواة (10) أعم منها بوجه خاص (11)، والأعم لا يدل
على الأخص.
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 247، وشرح المحلي 1/ 422.
(2) سورة النساء: آية 95.
(3) سورة التوبة: آية 19.
(4) سورة هود: آية 24.
(5) سورة الزمر: آية 9.
(6) نهاية 115 أمن (ب).
(7) انظر: تيسير التحرير 1/ 250، وفواتح الرحموت 1/ 289.
(8) لأن الجملة نكرة باتفاق النحاة، ولذلك يوصف بها النكرة دون
المعرفة.
(9) يعني: فوجب التعميم كغيره من النكرات.
(10) يعني: مطلقًا.
(11) وهو: المساواة من كل وجه.
(2/826)
رد: في (1) الإِثبات، إلا لم يعم نفي،
ولهذا يعد كاذبًا من قال: "لم أر حيوانا" وقد رأى إِنسانا أو
غيره.
قالوا: لو (2) عم لم يصدق؛ لأنه لا بد من مساواة، وأقلها نفي
ما سواهما عنهما.
رد: خص بدليل؛ لأنه نفي ما يصح نفيه (3).
قالوا: المساواة في إِثبات عامة، وإِلا لم يستقم إِخبار بها
(4)؛ لأنه لا وجه لاختصاصهما (5) (6)؛ إِذ ما من شيئين إِلا
وبينهما مساواة، لكنه مستقيم إِجماعًا، ونقيض الإِيجاب الكلي
سلب جزئي.
رد: بل خاصة (7)، وإِلا لم تصدق مساواة بين شيئين؛ لأنه لا بد
من نفي مساواة بينهما وأقله في تعينهما (8)، ونقيض الإِيجاب
الجزئي سلب كلي، فتعارضا، وسلم الدليل الأول (9).
__________
(1) يعني: ما ذكرتم من عدم إِشعار الأعم بالأخص.
(2) في (ب): لم.
(3) فالمقصود بقولنا: (نفي المساواة) يعني: التي يصح انتفاؤها.
(4) يعني: بالمساواة.
(5) في (ظ): لاختصاصها.
(6) يعني: المساواة بوجه ما لا تختص بهما، بل تعم كل شيئين.
(7) يعني: المساواة في الإثبات للخصوص.
(8) في (ظ): تعينها.
(9) يعني: دليل الوجه الأول.
(2/827)
مسألة
دلالة الإِضمار والاقتضاء (1) عامة عند أصحابنا -منهم القاضي
(2) - وأكثر المالكية (3).
مثل: ما روى (4) الطبراني (5) والدارقطني (6) -بإِسناد جيد- من
حديث بشر بن بكر (7) عن الأوزاعي (8) عن عطاء عن
__________
(1) في الإِحكام للآمدي 2/ 249: المقتضى: هو ما أضمر ضرورة صدق
المتكلم.
(2) انظر: العدة/ 513.
(3) انظر: مفتاح الوصول/ 50.
(4) انظر: فيض التقدير 2/ 219. وأخرجه -الطبراني- في المعجم
الكبير 2/ 94 عن ثوبان، قال في مجمع الزوائد 6/ 250: وفيه يزيد
بن ربيعة الرحبي، وهو ضعيف. وأخرجه -أيضًا- من حديث أبي
الدرداء، فانظر: نصب الراية 2/ 65.
(5) هو: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، محدث حافظ،
سمع بالشام والحجاز واليمن وبغداد وغيرها، توفي سنة 360 هـ. من
مؤلفاته: العجم الكبير، والأوسط، والصغير. انظر: طبقات
الحنابلة 2/ 49، والمنتظم 7/ 54، وتذكرة الحفاظ/ 912، وميزان
الاعتدال 2/ 195، والنجوم الزاهرة 4/ 59.
(6) انظر: سنن الدارقطني 3/ 170 - 171.
(7) هو: أبو عبد الله التنيسي البجلي، دمشقي الأصل، ثقة صدوق،
ولد سنة 124 هـ، روى عن الأوزاعي وحريز بن عثمان وغيرهما،
وعنه: دحيم والحميدي والشافعي وغيرهم، توفي بدمياط سنة 205 هـ.
انظر: ميزان الاعتدال 1/ 314، وتهذيب التهذيب 1/ 443.
(8) هو: أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، حافظ محدث فقيه
من تابعي=
(2/828)
عبيد بن (1) عمير (2) عن ابن عباس مرفوعًا:
(إِن الله تجاوز (3) لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه).
وذكر ابن حزم (4): أنه حديث مشهور متصل رواه الناس هكذا.
وصحح عبد الحق (5) إِسناده (6).
__________
=التابعين، وهو إِمام أهل الشام، وكان أهل الشام والمغرب على
مذهبه قبل انتقال الغرب إِلى مذهب مالك نحو 200 سنة، سكن بيروت
وتوفي بها سنة 157 هـ.
انظر: تذكرة الحفاظ/ 178، ووفيات الأعيان 2/ 310، ومشاهير
علماء الأمصار/ 180، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 298.
(1) نهاية 240 من (ح).
(2) هو: أبو عاصم الليثي المكي، ولد في حياة الرسول - صلى الله
عليه وسلم -, روى عن عمر وعلي وعائشة وغيرهم، وعنه: مجاهد
وعطاء وغيرهما، توفي سنة 64 هـ. قال ابن حجر في التقريب: مجمع
على ثقته. انظر: تذكرة الحفاظ/ 50، وغاية النهاية 1/ 496،
وتهذيب التهذيب 6/ 71، وتقريب التهذيب 1/ 544.
(3) في (ب): تجاولي.
(4) انظر: الإِحكام له/ 930.
(5) هو: أبو محمَّد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الأشبيلي،
ويعرف بابن الخراط، فقيه حافظ عالم بالرجال وعلل الحديث، ولد
سنة 510 هـ، وتوفي ببجاية سنة 581 هـ.
من مؤلفاته: الأحكام الكبرى والأحكام الصغرى.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 292، وتذكرة الحفاظ/ 1350،
وفوات الوفيات 1/ 248.
(6) انظر: الأحكام الكبرى له 1/ 21 ب، والأحكام الصغرى له/ 8
ب-9أ.
(2/829)
ورواه البيهقي (1)، وقال: جَوَّد إِسناده
بشر بن بكر وهو من الثقات، ورواه الوليد بن مسلم (2) عن
الأوزاعي، فلم يذكر عبيد بن عمير.
ومن طريقه رواه ابن ماجه (3)، ولفظه: (إِن الله وضع).
وسئل أحمد عن هذا، فأنكره جداً، وقال: لا يُروى إِلا عن الحسن
مرسلاً (4).
__________
(1) انظر: سنن البيهقي 7/ 356.
(2) هو: أبو العباس الدمشقي، عالم أهل الشام، روى عن الأوزاعي
وغيره، وعنه أحمد وغيره، توفي سنة 195 هـ. وثقه ابن سعد
والعجلي ويعقوب بن شيبة وغيرهم. قال الذهبي: كان مدلسًا فيتقى
من حديثه ما قال فيه: عن. وقال ابن حجر في التقريب: ثقة لكنه
كثير التدليس.
انظر: الكاشف 3/ 242، وتهذيب التهذيب 11/ 151، وتقريب التهذيب
2/ 336.
(3) انظر: سنن ابن ماجه/ 659. وفي الزوائد: إِسناده صحيح إِن
سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع بدليل زيادة عبيد بن عمير
في الطريق الثاني ... وليس ببعيد أن يكون السقط من جهة الوليد
بن مسلم؛ فإِنه كان يدلس. وأخرجه ابن ماجه -أيضًا- في سننه/
659 من حديث أبي ذر مرفوعاً. وفيه: أبو بكر الهذلي، قال في
الزوائد: إِسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي.
وقد أخرج الحديث الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 95، وابن حبان
في صحيحه (انظر: موارد الظمآن / 360)، والحاكم في المستدرك 1/
982 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه
الذهبي.
(4) انظر: التلخيص الحبير 1/ 282.
(2/830)
وقال أبو حاتم: لا يثبت (1).
وروى ابن عدي (2) من حديث جعفر (3) بن جسر بن فرقد عن أبيه (4)
-وهما ضعيفان عند المحدثين- (5) عن الحسن عن (6) أبي بكرة
مرفوعًا: (رفع الله عن هذه الأمة ثلاثاً: الخطأ، والنسيان،
والأمر يكرهون عليه) (7).
مثل هذا يقال: مقتضي الإِضمار (8)، ومقتضاه الإِضمار، ودلالته
على
__________
(1) انظر: العلل لابن أبي حاتم 1/ 431.
(2) رواه في الكامل 1/ 432 مخطوط، وعده من منكرات جعفر هذا.
وانظر: نصب الراية 2/ 65.
(3) هو: أبو سليمان القصاب البصري، قال ابن عدي: ولجعفر
مناكير، ولعل ذلك من قبل أبيه فإِنه مضعف. وذكره العقيلي فقال:
في حفظه اضطراب شديد، كان يذهب إِلى القدر، وحدث بمناكير.
نظر: ميزان الاعتدال 1/ 403.
(4) هو: أبو جعفر جسر بن فرقد القصاب البصري، قال البخاري: ليس
بذاك عندهم. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف.
نظر: ميزان الاعتدال 1/ 398.
(5) نهاية 115 ب من (ب).
(6) نهاية 85 أمن (ظ).
(7) وانظر الكلام عن الحديث في: التلخيص الحبير 1/ 181 - 183،
ونصب الراية
2/ 64 - 66، والمقاصد الحسنة/ 228 - 230، وكشف الخفاء 1/ 522 -
523.
(8) في (ح): للإِضمار.
(2/831)
المضمَر دلالة إِضمار واقتضاء.
فالمضمر عام (1) عند أصحابنا -منهم: القاضي (2) - وأكثر
المالكية (3).
واختار القاضي (4) في مواضع من كتبه: لا يعم، وأنه مجمل -كقول
أبي عبد الله (5) وأبي الحسين (6) البصريين [وغيرهما] (7) -
وأن أحمد (8) أومأ إِلى القولين.
وذكر صاحب (9) المحرر (10): أنه (11) لا يدل على الثاني بل على
خلافه، وأن الأول ظاهر كلامه.
__________
(1) في المأثم والحكم به.
(2) انظر: العدة/ 513.
(3) انظر: مفتاح الوصول/ 50.
(4) انظر: العدة/ 145، والمسودة/ 91.
(5) انظر: المعتمد/ 333.
(6) انظر: المرجع السابق/ 336.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(8) انظر: العدة/ 515، والمسودة/ 91.
(9) انظر: المسودة/ 91.
(10) في (ب): المحرز.
(11) يعني: الكلام الذي نقله القاضي ورأى فيه إِيماءً من أحمد
إِلى أنه مجمل لا يعم.
(2/832)
وعند أكثر الحنفية (1) والشافعية (2): هو
لنفي الإِثم.
وجه الأول: أنه لم يُرِد رفع الفعل الواقع، بل ما تعلق به،
فاللفظ محمول عليه بنفسه لا بدليل (3). احتج به القاضي (4)
وغيره.
قال بعض أصحابنا (5): مضمونه أن ما حمل عليه اللفظ بنفسه مع
قرينة عقلية فهو (6) حقيقة أو أنه حقيقة عرفية، لكن مقتضاه (7)
الأول.
وكذا في التمهيد (8) والروضة (9): أن اللفظ يقتضي ذلك (10).
واعترض: لا بد من إِضمار، فهو مجاز.
__________
(1) انظر: أصول السرخسي 1/ 251، وتيسير التحرير 1/ 242، وفواتح
الرحموت 1/ 295.
(2) انظر: اللمع/ 17، والمستصفى 1/ 384، والإِحكام للآمدي 3/
15.
(3) في (ب): لا بدليله.
(4) انظر: العدة/ 517.
(5) انظر: المسودة/ 93.
(6) نهاية 241 من (ح).
(7) يعني: مقتضى كلام القاضي.
(8) انظر: التمهيد / 77 ب.
(9) انظر: روضة الناظر/ 184.
(10) يعني: يقتضي رفع ما تعلق بالفعل.
(2/833)
رد: بالمنع لذلك (1). (2)
ثم: قولنا (3) أقرب إِلى الحقيقة (4).
وعورض: بأن باب الإِضمار في المجاز (5) أقل (6)، فكلما قل قلت
مخالفة الأصل فيه، فيسلم قولنا: لو عم أضمر من غير حاجة، ولا
يجوز.
رد: بالمنع، فإِن حكم الخطأ عام، ولا زيادة (7)، ونمنع أن
زيادة "حكم" مانع.
وقال بعض أصحابنا (8): عن بعضهم (9) التخصيص كالإِضمار، وكذا
ذكر (10) الكيا (11) في الإِضمار: هل هو من المجاز أم لا؟ فيه
قولان كالقولين
__________
(1) في (ظ): كذلك.
(2) يعني. لأن اللفظ دل بنفسه.
(3) وهو إِضمار الكل.
(4) وهي رفع ذات الخطأ.
(5) يعني: على قولنا.
(6) وعلى قولكم يكون إِضمار الكل كأنه مجازات.
(7) يعني: في الإِضمار.
(8) انظر: المسودة/ 565.
(9) في (ح): وقال بعض أصحابنا: قال: التخصيص ... إِلخ.
(10) في (ظ): ذكره.
(11) هو: أبو الحسن علي بن محمَّد بن علي الطبري المعروف
بإلْكِيا الهراسي، أصولي فقيه شافعي، توفي سنة 504 هـ.
(2/834)
في العموم المخصوص، فإِنه نقص (1) المعنى
عن اللفظ، والإِضمار عكسه، ليس فيهما استعمال اللفظ في موضوع
(2) آخر.
وفي التمهيد (3): ولأن (4) الإِثم لا مزية لأمته فيه على
الأمم؛ لأن الناسي غير مكلف.
ولأنه العرف نحو: "ليس للبلد سلطان" لنفي الصفات التي تنبغي
له.
ولا وجه (5) لمنع الآمدي (6) العرف في نحو: "ليس للبلد سلطان"،
ولا لرد غيره (7): بأنه (8) قياس في العرف ولا يجوز كاللغة،
فإِنه (9) لم يرد به القياس، ثم: من منعه عرفا؟ ثم؟ فيه لغة
خلاف سبق (10).
__________
=من مؤلفاته: كتاب في أصول الفقه، وشفاء المسترشدين في الجدل.
انظر: المنتظم 9/ 167، ووفيات الأعيان 2/ 448، وطبقات الشافعية
للسبكي 7/ 231، وشذرات الذهب 4/ 8.
(1) في (ظ): نقض.
(2) في المسودة: موضع.
(3) انظر: التمهيد/ 77 ب.
(4) ضرب على الواو من (ولأن) في (ب). وفي (ظ): لأن.
(5) نهاية 116أمن (ب).
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 250.
(7) في (ب): غير.
(8) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 81.
(9) في (ظ): لأنه.
(10) انظر: ص 124.
(2/835)
وكلام الآمدي (1) وغيره في التحريم (2)
المضاف إِلى العين، ونحو: (لا صلاة إِلا بطهور (3) يخالف ما
ذكروه هنا، وقالوا فيه بزيادة الإِضمار، وأنه
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 12 - 13.
(2) في (ظ): التعريف.
(3) أخرج أبو داود في سننه 1/ 75 عن أبي هريرة مرفوعًا: (لا
صلاة لمن لا وضوء له). وأخرج ابن ماجه في سننه/ 140 عن سعيد بن
زيد وأبي هريرة وسهل بن سعد الساعدي مرفوعًا: (لا صلاة لمن لا
وضوء له). في الزوائد -في حديث سهل بن سعد-: ضعيف لاتفاقهم على
ضعف عبد المهيمن (أحد رجال السند)، وقال السندي: لكن لم ينفرد
به عبد المهيمن فقد تابعه عليه ابن أخي عبد المهيمن، رواه
الطبراني في الكبير. وأخرج الحاكم في المستدرك 1/ 269 حديث سهل
بن سعد، وقال: لم يخرج هذا الحديث على شرطهما؛ فإِنهما لم
يخرجا عبد المهيمن. قال الذهبي في التلخيص: عبد المهيمن واه.
وأخرجه الحاكم -أيضًا- في مستدركه 1/ 146 - 147 من حديث أبي
هريرة وأبي سعيد الخدري. وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي سبرة
مرفوعًا: (لاصلاة لمن لا وضوء له). وفيه: يحيى بن أبي يزيد بن
عبد الله بن أنيس، قال الهيثمي: ولم أر من ترجمه. وأخرجه
-أيضًا- في الكبير عن أبي الدرداء مرفوعاً. قال الهيثمي:
ورجاله موثوقون، إلا أني لم أعرف شيخ الطبراني ثابت بن نعيم
الهوجي. وأخرجه في الكبير 6/ 147 - 148 عن سهل بن سعد مرفوعًا.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عيسى بن سبرة عن أبيه عن جده
مرفوعاً: (لا صلاة إِلا بوضوء ...) قال الهيثمي: وعيسى بن سبرة
وأبوه وعيسى بن يزيد لم أر من ذكر أحدا منهم. فراجع -في ذلك
كله-: مجمع الزوائد 1/ 228. وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن
عمر مرفوعًا: (لا صلاة لمن لا طهور له). فراجع: التلخيص الحبير
1/ 129. وأخرج أحمد في مسنده عن أبي هريرة وسعيد بن زيد
مرفوعاً: (لا صلاة لمن لا وضوء له).=
(2/836)
أولى، وقالوا (1) أيضًا -في: (رفع عن أمتي
(2) -: لا إِجمال فيه ولا إِضمار؛ لظهوره لغة قبل الشرع في نفي
المؤاخذة والعقاب، وتبادره إِلى الفهم، والأصل فيما تبادر: أنه
حقيقة لغة أو (3) عرفاً (4).
فقيل لهم: فَلِمَ يجب الضمان؟
__________
=فانظر: الفتح الرباني 2/ 19، 20. قال في مجمع الزوائد 1/ 228:
فيه أبو ثقال -المري- قال البخاري: في حديثه نظر. وبقية رجاله
رجال الصحيح. وأخرج الدارقطني في سننه 1/ 72 - 73، 79 عن سعيد
بن زيد وأبي هريرة مرفوعًا: (لا صلاة لمن لا وضوء له). وعن
سعيد بن زيد -أيضًا-: (لا صلاة إِلا بوضوء). وأخرج البيهقي في
السنن الكبرى 1/ 43 عن أبي سعيد وسعيد بن زيد وأبي هريرة
مرفوعًا: (لا صلاة لمن لا وضوء له).
وانظر: تخريج أحاديث المنهاج للعراقي/ 291.
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 15 - 16.
(2) انظر: ص 829 - 831 من هذا الكتاب.
وقال الزركشي في المعتبر/ 50 أ: حديث (رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان ...) قيل: إِنه بهذا اللفظ رواه أبو القاسم التميمي،
وذكره النووي في الروضة بهذا اللفظ، وقال: إِنه حديث حسن.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (انظر: فيض القدير 4/ 34) بهذا
اللفظ (رفع عن أمتي الخطأ ...)، وقال: أخرجه الطبراني عن
ثوبان. أقول: الذي وجدته في المعجم الكبير للطبراني 2/ 94 عن
ثوبان مرفوعًا: إِن الله تجاوز ... الحديث.
(3) نهاية 242 من (ح).
(4) وذلك لا إِجمال فيه ولا تردد.
(2/837)
فقالوا: ليس بعقوبة لوجوبه على من لا عقوبة
عليه، أو تخصيصًا لعموم الخبر (1).
مسألة (2)
الفعل المتعدي إِلى مفعول -نحو: والله لا آكل، أو: إِن أكلت
فعبدي حر- يعم مفعولاته، فيقبل تخصيصه، فلو نوى مأكولاً معينا
لم يحنث. بعيره (3) باطنا عند أصحابنا (وم (4) ش (5).
وهل يُقبل حكماً -كقول مالك وأبي يوسف ومحمد- أم لا، كقول
الشافعية؟ فيه عن أحمد روايتان.
وعند ابن البنا من أصحابنا: لا يقبل (6) باطنًا (وهـ) (7).
لنا: عمومه (8) وإطلاقه (9) بالنسبة إِلى الأكل، ولا يعقل إِلا
به، فثبت
__________
(1) وهو أسهل من القول بالإِجمال.
(2) نهاية 85 ب من (ظ).
(3) في (ظ): يعني.
(4) انظر: شرح تنقيح الفصول / 179، 184، ومفتاح الوصول/ 51.
(5) انظر: المستصفى 2/ 62 - 63، والمحصول 1/ 2/ 626 - 627،
والإِحكام للآمدي 2/ 251.
(6) يعني: لا يقبل تخصيصه.
(7) انظر: أصول السرخسي 1/ 250، وتيسير التحرير 1/ 246،
والهداية 2/ 82.
(8) في طرف النفي.
(9) في طرف الإِثبات.
(2/838)
فيه حكمه.
وكقوله: لا آكل أكلاً.
وفرق الحنفية (1): بأن "أكلا" يدل على التوحيد.
رد: هو تأكيد (2)، فالواحد والجمع [فيه] (3) سواء.
واحتج القاضي: بصحة الاستثناء فيه، فكذا تخصيصه.
-قالوا: المأكول لم يلفظ به، فلا عموم كالزمان والمكان.
رد: الحكم واحد عندنا وعند المالكية (4).
ويتوجه احتمال بالفرق كقول الشافعية، وجزم به الآمدي (5)؛
لأنهما لا يدل عليهما اللفظ بل من ضرورة (6) الفعل بخلاف
المأكول.
قالوا: الأكل مطلق كلي لا يشعر بالمخصص، فلا يصح تفسيره به.
رد: الكلي غير مراد لاستحالته خارجًا، بل المقيد المطابق له،
ولهذا يحنث به إِجماعًا.
* * *
__________
(1) انظر: فواتح الرحموت 1/ 288.
(2) في (ح): توكيد.
(3) ما بين المعقوفتين من (ب).
(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 82.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 251.
(6) نهاية 116 ب من (ب).
(2/839)
فأما إِن زاد، فقال: "لحما" مثلاً -ونوى
معينا- قبل عندنا، وهو ظاهر ما ذكر عن غيرنا، وقاله الحنفية
(1)، وذكره بعض أصحابنا اتفاقا، وخرجه الحلواني من أصحابنا على
روايتين باطنا، وذكره غيره عن ابن البنا: لا يقبل. كذا قال،
وذكر بعضهم: يقبل حكماً على الأصح عن أحمد (2).
* * *
وقد عرف من ذلك: أن العام في شيء عام في متعلقاته كما هو
المعروف عند العلماء، خلافاً لبعض المتأخرين.
قال أحمد -في قوله: (يوصيكم الله في أولادكم) (3) -: ظاهرها
على العموم أن من وقع عليه اسم "ولد" فله ما فرض الله، فكان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو (4) المعبر عن الكتاب: أن
الآية [إِنما] (5) قصدت للمسلم لا الكافر.
وقال بعض أصحابنا: سماه عاما، وهو مطلق في الأحوال يعمها على
البدل (6)، ومن أخذ بهذا لم يأخذ بما دل عليه ظاهر لفظ القرآن،
بل بما ظهر له مما سكت عنه القرآن.
__________
(1) انظر: أصول السرخسي 1/ 250، وفواتح الرحموت 1/ 286،
والهداية 2/ 82.
(2) نهاية 243 من (ح).
(3) سورة النساء: آية 11.
(4) في (ظ): وهو.
(5) ما بين المعقوفتين من (ح).
(6) يعني: لا الشمول.
(2/840)
وقال -في: (فاقتلوا المشركين) (1) -: عامة
فيهم مطلقة في أحوالهم، لا يدل عليها بنفي ولا إِثبات، فإِذا
جاءت السنة بحكم لم يكن مخالفا لظاهر لفظ القرآن، بل لما لم
يتعرض له. ويأتي (2) في المطلق، والله أعلم.
قال (3): واحتج أصحابنا -كالقاضي وأبي الخطاب- وغيرهم من
المالكية والشافعية بعموم قوله: (لا وصية لوارث) (4) في الوصية
للقاتل، وفي وصية المميز (5)، وفيه نظر.
واحتج جماعة على الشفعة للذمي على المسلم بقوله: (الشفعة فيما
لم
__________
(1) سورة التوبة: آية 5.
(2) انظر: ص 995 - 996.
(3) انظر: المسودة/ 108.
(4) هذا جزء من حديث مرفوع، أخرجه أبو داود في سننه 3/ 824 من
حديث أبي أمامة الباهلي، والترمذي في سننه 3/ 293 - 294 من
حديث أبي أمامة -وقال فيه: حسن- ومن حديث عمرو بن خارجة، وقال
فيه: "حسن صحيح"، والنسائي في سننه 6/ 247 من حديث عمرو بن
خارجة، وابن ماجه في سننه/ 905 - 906 من حديث أبي أمامة وعمرو
بن خارجة وأنس، والدارقطني في سننه 4/ 97، 152 من حديث عمرو بن
خارجة وابن عباس وجابر، وأحمد في مسنده 4/ 186 - 187، 5/ 267
من حديث عمرو بن خارجة وأبي أمامة.
وانظر: التلخيص الحبير 3/ 92، ونصب الراية 4/ 403 - 405.
(5) في (ح): المهر. وفي هامشها: في نسخة: المميز.
(2/841)
يقسم) (1)، (2) فأجاب جماعة من أصحابنا
(3): إِنما هو عام في الأملاك.
مسألة
الفعل الواقع لا يعم أقسامه وجهاته، كصلاته - عليه السلام -
داخل الكعبة (4) لا يعم الفرض والنفل، فلا يحتج به على جوازهما
فيها.
__________
(1) أخرج البخاري في صحيحه 3/ 87 عن جابر: قضى رسول الله
بالشفعة في كل ما لم يقسم ... وفي لفظ للبخاري 3/ 140 عن جابر:
إِنما جعل النبي الشفعة في كل ما لم يقسم .. - وأخرج مسلم في
صحيحه / 1229 عن جابر: قضى رسول الله بالشفعة في كل شركة لم
تقسم ... وأخرجه أبو داود في سننه 3/ 784 عن جابر، بلفظ
البخاري الثاني، وأخرجه النسائي في سننه 7/ 320 عن جابر، بلفظ
مسلم، وأخرجه أيضًا 7/ 321 عن أبي سلمة مرفوعًا: (الشفعة في كل
مال لم يقسم)، وأخرجه ابن ماجه في سننه / 835 عن جابر، بلفظ
البخاري الثاني، وأخرجه أيضًا/ 834 عن أبي هريرة: أن رسول الله
قضى بالشفعة فيما لم يقسم ... وأخرجه الشافعي (انظر: بدائع
المنن 2/ 11) عن جابر مرفوعاً: (الشفعة فيما لم يقسم). وأخرجه
البيهقي في السنن الكبرى 6/ 102 - 105.
(2) نهاية 86 أمن (ظ).
(3) نهاية 117 أمن (ب).
(4) أخرج ذلك البخاري في صحيحه/ 841، ومسلم في صحيحه/ 966 -
967 من حديث ابن عمر.
(2/842)
وقول الراوي: "صلى - عليه السلام - بعد
الشفق" (1) (2) لا يعم الشفقين إِلا عند من حمل المشترك على
معنييه.
وقوله: "كان - عليه السلام - يجمع بين الصلاتين في السفر" (3)
لا يعم وقتيهما، ولا سفر النسك وغيره.
وهل تكرَّرَ الجمع منه؟ مبني على "كان"، والذي ذكره القاضي
وأصحابه في مواضع: أنها لدوام الفعل.
وذكر -أيضًا- في الكفاية (4): هل تفيد التكرار؟ فيه قولان.
وفي المغني (5) -في اعتبار التكرار للعادة (6) -: "كان" لدوام
الفعل وتكراره.
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه/ 428 - 429 من حديث بريدة وأبي موسى.
وأبو داود في سننه 1/ 280 من حديث أبي موسى. والترمذي في سننه
1/ 102 من حديث بريدة. والنسائي في سننه 1/ 260 - 261 من حديث
أبي موسى. وابن ماجه في سننه/ 219 من حديث بريدة.
(2) نهاية 244 من (ح).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 46 من حديث أنس وابن عباس.
ومسلم في صحيحه/ 488 - 489 من حديث أنس وابن عمر.
(4) انظر: المسودة/ 115.
(5) انظر: المغني 1/ 230.
(6) يعني: عادة الحيض.
(2/843)
وجزم الآمدي (1) وغيره بالتكرار؛ لأنه
العرف كقول القائل: كان فلان يكرم الضيف.
وهي لغة: لمطلق الفعل في الماضي كسائر الأفعال، تكرر، أو
انقطع، أو لا، فلهذا قال جماعة: يصح ويصدق على وجود الله "كان"
كما في الصحيحين: (كان الله ولا شيء قبله) (2). ومنعه جماعة؛
لشعوره بالتقضي والعدم، ولعل المراد: عرفا.
ونحو: (وكان الله غفورًا رحيمًا) (3) أي: لم يزل (4)، قال
بعضهم: للقرينة، وزعم الجوهري (5) زيددتها.
وفي الصحيحين (6) قول عائشة: "كنت أفتل قلائد هدي النبي - صلى
الله عليه وسلم -".
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 253.
(2) أخرج البخاري في صحيحه 4/ 105 - 106 عن عمران بن حصين
مرفوعاً: (كان الله ولم يكن شيء غيره). وأخرجه أيضًا 9/ 124
بلفظ: (ولم يكن شيء قبله). وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات/
9 بلفظ البخاري الأول، وأخرجه في السنن الكبرى 9/ 2 - 3 بلفظي
البخاري، وأخرجه أحمد في مسنده 4/ 431 بلفظ: (كان الله قبل كل
شيء). قال في فتح الباري 6/ 289: في رواية غير البخاري: (ولم
يكن شيء معه).
أقول: ولم أجده في صحيح مسلم.
(3) سورة النساء: آية 96.
(4) انظر: زاد المسير 2/ 29.
(5) انظر: الصحاح/ 2190.
(6) انظر: صحيح البخاري 2/ 169 - 170، 7/ 103، وصحيح مسلم/
957.
(2/844)
وللبخاري عن ابن عمر: كان عبد الله بن
رواحة يأتيهم (1) في كل عام،
__________
(1) في الجمع بين الصحيحين 1/ 17 أ: ورواه -يعني حديث ابن عمر-
حماد بن سلمة عن عبيد الله -هو: ابن عمر- أحسبه عن نافع -شك
أبو سلمة في نافع- عن ابن عمر ... وكان عبد الله ... وأخرجه
ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 412): أخبرنا خالد بن
النضر بن عمر القرشي العدل أبو يزيد بالبصرة حدثنا عبد الواحد
بن غياث حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا عبيد الله بن عمر -فيما
يحسب أبو سلمة- عن نافع عن ابن عمر. وأخرجه البيهقي في السنن
الكبرى 6/ 114: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمَّد المقرئ أنبأنا
الحسن بن محمَّد بن إِسحاق ثنا يوسف ابن يعقوب القاضي ثنا عبد
الواحد بن غياث ... إِلخ كسند ابن حبان.
وقد تعقب الذهبي البيهقي: بأن ابن رواحة إِنما خرصها عليهم
عامًا واحدًا؛ لأنه استشهد بمؤتة بعد فتح خيبر بلا خلاف في
ذلك. فانظر: التلخيص الحبير 2/ 172.
وأخرج أبو داود في سننه 3/ 699، وأحمد في مسنده 6/ 163، وعبد
الرزاق في مصنفه 4/ 129، والبيهقي في سننه 4/ 123، والدارقطني
في سننه 2/ 134 عن عائشة قالت -وهي تذكر شأن خيبر-: كان النبي
يبعث عبد الله بن رواحة، فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل
منه.
وأخرج مالك في الموطأ/ 703، والشافعي (انظر: بدائع المنن 1/
232)، والبيهقي في سننه 4/ 122 عن سعيد بن المسيب قال: فكان
رسول الله يبعث عبد الله بن رواحة، فيخرص ... قال ابن عبد
البر: أرسله جميع رواة الموطأ وأكثر أصحاب ابن شهاب. وأخرج
مالك في الموطأ/ 703، والبيهقي في سننه 4/ 122 عن سليمان بن
يسار: أن رسول الله كان يبعث عبد الله بن رواحة إِلى خيبر،
فيخرص ... وهو مرسل في جميع الموطآت. وأخرج البيهقي في سننه 6/
115 عن أبي هريرة: فكان رسول الله يبعث عبد الله يخرصها.
(2/845)
فيخرصها (1) عليهم. يعني: خيبر.
ولمالك (2) عن ابن شهاب (3) عن عروة (4) عن عائشة: قول الصديق
[لها] (5) -لما حضرته الوفاة-: كنت نحلتك جاد (6) عشرين
__________
(1) في النهاية في غريب الحديث 2/ 22: خرص النخلة والكرمة
يخرصها خرصا: إِذا حزر ما عليها من الرطب تمرا ومن العنب
زبيبا.
وقال الترمذي في سننه 2/ 78: والخرص أن ينظر من يبصر ذلك،
فيقول: يخرج من هذا من الزبيب كذا، ومن التمر كذا، فيحصى
عليهم، وينظر مبلغ العشر من ذلك فيثبت عليهم، ثم يخلى بينهم
وبين الثمار فيصنعون ما أحبوا، وإذا أدركت الثمار أخذ منهم
العشر. هكذا فسره بعض أهل العلم. ا. هـ. وانظر: فتح الباري 3/
344.
(2) انظر: الموطأ/ 752. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 9/ 101 -
102، والبيهقي في سننه 6/ 170، 178، وابن سعد في الطبقات 3/ 1/
138، وعن مالك رواه محمَّد بن الحسن في موطئه، فانظر: نصب
الراية 4/ 122.
(3) هو: الزهري.
(4) هو: أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني،
أحد فقهاء المدينة السبعة، حافظ كثير الحديث، توفي سنة 94 هـ.
انظر: مشاهير علماء الأمصار/ 64، وتذكرة الحفاظ/ 62، وطبقات
الحفاظ/ 23، وشذرات الذهب 1/ 103.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(6) في النهاية في غريب الحديث 1/ 244: الجاد: بمعنى المجدود،
أي: نخل يجد منه ما يبلغ ... ثم ذكر أثر أبي بكر.
وفي شرح الزرقاني على الموطأ 4/ 44: (جاد عشرين وسقا) من نخله
إِذا جد أي:=
(2/846)
وسقا (1).
ولمسلم عن جابر بن سمرة: كان - عليه السلام - يأمرنا بصوم
عاشوراء (2).
ولمسلم عن جابر بن عبد الله: كنا نتمتع مع النبي - صلى الله
عليه وسلم - (3).
قال (4) بعض الشافعية: فيه دليل للأصح للأصوليين: لا تكرار.
والله أعلم.
* * *
__________
=قطع، قاله عيسى، فهو صفة للثمرة، وقال ثابت: يعني أن ذلك يجد
منها. قال الأصمعي: هذه أرض جاد مائة وسق أي: يجد ذلك منها،
فهو صفة للنخل التي وهبها ثمرتها، يريد: نخلا يجد منها عشرون.
(1) الوسق: ستون صاعاً، وهو 320 رطلاً عند أهل الحجاز، و 480
رطلاً عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد.
انظر: النهاية في غريب الحديث 5/ 185.
(2) انظر: صحيح مسلم/ 794 - 795. وأخرج البخاري في صحيحه 1/
43، ومسلم في صحيحه/ 792 عن عائشة قالت: كان رسول الله يأمر
بصيام عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر.
(3) تتمته: بالعمرة، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها. انظر:
صحيح مسلم/ 956.
وأخرجه أبو داود في سننه 3/ 239 بلفظ: كنا نتمتع في عهد رسول
الله ... وأخرجه النسائي في سننه 7/ 222، وأحمد في مسنده 3/
318، كلاهما بلفظ مسلم.
(4) نهاية 117 ب من (ب).
(2/847)
وأما الأمة (1) فلم تدخل بفعله عليه
السلام، بل بدليل قول أو قرينة نحو: (صلوا كما رأيتموني أصلي)
(2)، و (خذوا عني مناسككم) (3)، ووقوعه بعد إِجمال أو إِطلاق
أو عموم قصد بيانه أو بالتأسي به أو بالقياس على فعله.
واعترض: بعمومه، نحو: "سها (4) فسجد (5) "، (6) وقوله -عليه
السلام (7) -: (أما (8) أنا فأفيض الماء (9)) (10).
__________
(1) تكلم المؤلف -فيما سبق- عن عموم الفعل في الأقسام والجهات
والأزمان، وهنا يتكلم عن عمومه للأمة.
(2) سبق تخريجه في ص 329.
(3) سبق تخريجه في ص 344.
(4) نهاية 245 من (ح).
(5) أخرجه أبو داود في سننه 1/ 630 - 631، والترمذي في سننه 1/
245، والنسائي في سننه 3/ 26 عن عمران بن حصين: أن النبي صلى
بهم، فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم. قال الترمذي: حسن
كريب. وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 323 وقال: صحيح على
شرطهما.
قال الزركشي في المعتبر/ 51 أ: ووهم من قال: "إِن مراد المصنف
-يعني: ابن الحاجب- حديث ذي اليدين"؛ إِذ ليس فيه هذه اللفظة.
(6) وأجمعت الأمة على تعميم سجود السهو في كل سهو.
(7) تكرر (عليه) في (ب).
(8) في (ح): وأما.
(9) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 56، ومسلم في صحيحه/ 258 - 259
من حديث جبير بن مطعم. وقد قال النبي ذلك لما ذكر أناس عنده
غسل الجنابة، فقال: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا).
(10) فلولا أن لفعله عموماً لما أجاب بذلك.
(2/848)
رد: بالفاء، فإِنها للسببية (1)، وبما سبق
(2).
مسألة
نحو قول الصحابي: "نهى عن بيع (3) الغرر (4) والمخابرة (5) "،
و"قضى بالشفعة [للجار] (6) فيما لم يقسم" (7) يعم كل غرر
ومخابرة وجار عندنا،
__________
(1) في (ب): للسببه.
(2) من القرائن المذكورة.
(3) في النهاية في غريب الحديث 3/ 355: بيع الغرر: هو ما كان
له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول. وقال الأزهري: بيع الغرر ما
كان على غير عهدة ولا ثقة، وتدخل فيه البيوع التي لا يحيط
بكنهها المتبايعان من كل مجهول.
(4) النهي عن بيع الغرر: أخرجه مسلم في صحيحه/ 1153، وأبو داود
في سننه 3/ 672، والترمذي في سننه 2/ 349، والنسائي في سننه 7/
262، وابن ماجه في سننه/ 739 من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(5) النهي عن المخابرة: أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 115، ومسلم
في صحيحه/ 1174 من حديث جابر مرفوعًا.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) يلاحظ أن قوله: (فيما لم يقسم) زيادة من حديث آخر، وقد سبق
تخريجه في ص 842 من هذا الكتاب.
وإثبات الشفعة للجار: ورد من حديث جابر قال: قال رسول الله:
(الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبًا، إِذا كان
طريقهما واحداً). أخرجه أبو داود في سننه 3/ 788، والترمذي في
سننه 2/ 412، وابن ماجه في سننه/ 833، والطحاوي في شرح معاني
الآثار 4/ 120، وأحمد في مسنده 3/ 303، والطيالسي في مسنده=
(2/849)
واختاره جماعة، منهم: الآمدي (1)، وقال: عن
أكثر الأصوليين: لا يعم.
لنا: إِجماع الصحابة والتابعين في رجوعهم إِليه وعملهم به، كما
سبق (2) في خبر الواحد (3).
ولأنه عدل عارف باللغة والمعنى، فالظاهر أنه لم ينقل العموم
إِلا بعد ظهوره، وظنُّ صدقه موجبٌ لاتباعه.
__________
= (انظر: منحة المعبود 1/ 278)، والبيهقي في السنن الكبرى 6/
106. قال الترمذي: هذا حديث غريب، ولا نعلم أحدا روى هذا
الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر، وعبد
الملك -وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث- لا نعلم أحداً تكلم فيه
غير شعبة من أجل هذا الحديث ... وعن سفيان الثوري قال: عبد
الملك بن أبي سليمان ميزان. يعني: في العلم.
وفي الجوهر النقي على سنن البيهقي 6/ 106 - 107: وقد أخرج
النسائي في سننه عن محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة عن الفضل
بن موسى في حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر: أن
النبي قضى بالشفعة بالجوار ... وفي مصنف ابن أبي شيبة -في كتاب
أقضيته عليه السلام -: ثنا جرير عن منصور عن الحكم عن علي وعبد
الله قالا: قضى رسول الله بالشفعة للجوار. ا. هـ.
والذي وجدته في سنن النسائي 7/ 321: قضى رسول الله بالشفعة
والجوار.
وذكر ابن فرج القرطبي في كتابه (أقضية الرسول) / 88: أنه ورد
في كتاب أبي عبيد: أن النبي قضى بالشفعة للجار.
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 255.
(2) نهاية 86 ب من (ظ).
(3) انظر: ص 503 وما بعدها من هذا الكتاب.
(2/850)
قالوا: يحتمل فعلا وجارا خاصا، أو سمع صيغة
غير عامة فتوهم العموم، والحجة هي المحكية لا الحكاية.
رد: خلاف الظاهر.
مسألة
الحكم المعلق على علة: هل يعم أوْ لا، بالقياس أو بالصيغة؟
يأتي (1) في القياس.
مسألة
الخلاف في "أن المفهوم له عموم" لفظي (2)؛ لأن مفهومي الموافقة
والمخالفة عام فيما سوى المنطوق به بلا خلاف.
ومَنْ نفى العموم -كالغزالي (3) - أراد: أن العموم لم يثبت
بالمنطوق به بغير توسط المفهوم، ولا خلاف فيه أيضًا، كذا ذكره
الآمدي (4) ومن تبعه، وكذا قال صاحب المحصول (5): إِن عني "لا
يسمى عاما لفظيا" فقريب، وإِن عني "لا يفيد انتفاء عموم الحكم"
فدليل كون المفهوم حجة ينفيه (6).
__________
(1) انظر: ص 1341.
(2) قوله (لفظي) خبر لقوله: (الخلاف)
(3) انظر: المستصفى 2/ 70.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 257، ومختصر ابن الحاجب 2/ 119 -
120.
(5) انظر: المحصول 1/ 2/ 654 - 655.
(6) في (ب): بنفيه.
(2/851)
وعند أصحابنا (1): عام فيما سوى المنطوق به
(2) يجوز تخصيصه بما يجوز به تخصيص العام، ورفع كله تخصيص
أيضاً؛ لإِفادة اللفظ في منطوقه ومفهومه، فهو كبعض العام.
وقيل لأبي الخطاب (3) وغيره من أصحابنا: لو كان حجة لما خص؛
لأنه مستنبط من اللفظ (4) كالعلة.
فأجابوا: بالمنع (5) وأن اللفظ بنفسه دل عليه بمقتضى اللغة،
فخص (6) كالنطق.
وقد قال أحمد في المحرم: يقتل السبع والذئب والغراب ونحوه،
واحتج بقوله: (لا تقتلوا الصيد) الآية (7).
لكن مفهوم الموافقة: هل يعمه النطق؟ فيه خلاف يأتي (8).
واختار في المغني (9) -في مسألة القلتين- في مفهوم المخالفة:
لا يعم،
__________
(1) نهاية 118أمن (ب).
(2) نهاية 246 من (ح).
(3) انظر: التمهيد / 75 أ.
(4) وما استنبط من اللفظ لا يجوز تخصيصه كالعلة.
(5) يعني: ليس مستنبطًا من اللفظ.
(6) يعني: فجاز تخصيصه.
(7) سورة المائدة: آية 95.
(8) انظر: ص 1061.
(9) انظر: المغني 1/ 20، 25.
(2/852)
وتكفي المخالفة (1)، وأن البخاري لا ينجس
إِلا بالتغيير، خلاف الأشهر عن أحمد وأصحابه.
واختار بعض متأخري الشافعية: لا يعم، وبعض أصحابنا أيضًا،
وقال: لأنه يدل بطريق التعليل والتخصيص، والحكم إِذا ثبت بعلة
-فانتفت- جاز أن يخلفها في بعض الصور أو كلها علة أخرى، وقصد
التخصيص يحصل بالتفصيل (2) (3)، والله أعلم.
مسألة
هل يلزم أن يضمر في المعطوف ما يمكن مما في المعطوف عليه؟ وإذا
لزم (4) والمضمر في المعطوف خاص: يلزم أن المعطوف عليه كذلك؟
فعند الشافعية (5): لا يلزم.
وعند الحنفية (6): يلزم.
فقدله - عليه السلام -: (لا يقتل مسلم بكافر) أي: حربي؛ لئلا
يعم (7)
__________
(1) يعني: مخالفة ما دون القلتين لما بلغهما.
(2) في (ب): بالتفضيل.
(3) فيمكن أن يخص بعض المفهوم مفصلاً.
(4) في (ظ) الضمر. بدون الواو.
(5) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 258، والمحصول 1/ 3/ 205.
(6) انظر: تيسير التحرير 1/ 261، وفواتح الرحموت 1/ 298 - 299.
(7) يعني: الكافر.
(2/853)
في: (ولا ذو عهد في عهده) (1)، فلا يصح.
وقاله القاضي (2) في الكفاية (3)، قال: "وقد حكينا في مسائل
الخلاف خلافه"، وجعل هذه المسألة كمسألة تخصيص العموم في الحكم
الثاني: هل (4) يقتضي تخصيصه في الحكم الأول؟.
وصحح في التمهيد (5) الأول.
قال بعض أصحابنا (6): ومقتضى بحثه (7): إِن قيد المعطوف بغير
قيد (8)
__________
(1) حديث (لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده) أخرجه أبو
داود في سننه 4/ 666 - 669، والنسائي في سننه 8/ 24، والبيهقي
في سننه 8/ 29، وأحمد في مسنده 1/ 122، والطحاوي في شرح معاني
الآثار 3/ 192، والحاكم في مستدركه 2/ 141 - وقال: صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي- من حديث علي مرفوعًا.
وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 888 من حديث ابن عباس مرفوعًا،
وأخرجه البيهقي في سننه 8/ 30 من حديث معقل بن يسار مرفوعاً.
وأخرجه البخاري في صحيحه 1/ 29 دون قوله: (ولا ذو عهد في
عهده).
(2) نهاية 247 من (ح).
(3) نهاية: المسودة/ 140.
(4) نهاية 87 أمن (ظ).
(5) انظر: التمهيد/ 68 ب.
(6) انظر: المسودة/ 140.
(7) يعني: بحث أبي الخطاب.
(8) نهاية 118 ب من (ب).
(2/854)
المعطوف عليه لم يضمر فيه، وإن أطلق أضمر
فيه؛ لأنه احتج فقال (1): المعطوف إِذا قيد بصفة لم يضمر (2)
من المعطوف عليه إِلا ما يصير به مستقلاً، نحو: "لا تقتل
اليهود بالحديد، ولا النصارى في الشهر الحرام" لم يضمر فيه
إِلا القتل، فَشَرَّك (3) بينهما فيه، وخالف بينهما في كيفيته.
وجه الأول: أن إِضمار حكم المعطوف عليه في المعطوف ضرورة
الإِفادة؛ لأنه (4) خلاف الأصل، وتندفع بالتشريك في أصل الحكم،
ولأنه اليقين.
واحتج بعضهم: لو عم فيهما كان "بكافر" الأول للحربي فقط، فيفسد
المعنى؛ لأنه يكون حجة في قتل مسلم بكافر (5).
والمخالف كذا يقول.
وأجاب بعض (6) من وافق في الحكم: بأنه خص في الثاني بدليل (7).
واحتج أيضاً: لو عم كان نحو: "ضربت زيدًا يوم الجمعة وعمرًا"
أي: يوم الجمعة (8).
__________
(1) انظر: التمهيد/ 68 ب.
(2) يعني: لم يضمر فيه.
(3) يعني: القائل.
(4) يعني: الإضمار.
(5) وهو الذمي.
(6) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 120.
(7) والأول يبقى على عمومه.
(8) وذلك غير لازم اتفاقا.
(2/855)
وقد التزمه بعضهم (1)، ثم: لا يمتنع ضرب
عمرو في غير يوم الجمعة (2).
قالوا: العطف يجعل الجمل كجملة.
رد: بمنع ما زاد على أصل الحكم.
قالوا: لو لم يقدر شيء حرم قتل ذي عهد مطلقا، وهو باطل، فيقدر
"بكافر" للقرينة.
رد: بمنع تحريمه مطلقًا لتعلقه بوصف العهد (3)، ولقوله: (كتب
عليكم القصاص) (4)، ثم: يقدَّر (5) "ما دام على عهده" للقرينة.
مسألة
القرآن بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما حكماً غير
المذكور إِلا بدليل من خارج، ذكره بعض أصحابنا (6)، وقال: "ذكر
معناه القاضي وغيره"، وقاله الحنفية (7) والشافعية (8) وغيرهم،
كقوله: (لا يبولن أحدكم
__________
(1) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 120.
(2) فلا ضرورة للتقدير بخلاف (ولا ذو عهد في عهده) فإنه لو لم
يقدر لامتنع قتل ذي لعهد مطلقًا.
(3) فإِذا قتل خرج عن وصف العهد.
(4) سورة البقرة: آية 178.
(5) نهاية 248 من (ح).
(6) انظر: المسودة/ 140 - 142.
(7) انظر: أصول السرخسي 1/ 273، والميزان/ 141أ، وكشف الأسرار
1/ 261.
(8) انظر: اللمع/ 25، والتبصرة/ 229، وشرح المحلي 2/ 19.
(2/856)
في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة)
(1)، خلافا لأبي يوسف والمزني (2)، وقاله الحلواني (3) والقاضي
(4) -أيضًا- قال: فعطف (5) اللمس على الغائط (6) موجب (7)
للوضوء، قال: وخصص أحمد بالقرينة، فذكر قوله في آية النجوى
(8)، وقوله -[في] (9) (وأشهدوا إِذا تبايعتم) (10) -: إِذا
أَمِن فلا بأس، انظر إِلى آخر الآية (11).
__________
(1) أخرج البخاري في صحيحه 1/ 53، ومسلم في صحيحه/ 235 عن أبي
هريرة مرفوعًا: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل
فيه). هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: (ثم يغتسل منه). وأخرج مسلم
في صحيحه/ 236، والنسائي في سننه 1/ 125 عن أبي هريرة مرفوعاً:
(لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب). وأخرجه باللفظ الذي
ذكره المؤلف (ولا يغتسل فيه ...) أبو داود في سننه 1/ 56 - 57،
وأحمد في مسنده 2/ 433.
(2) انظر: التبصرة/ 229.
(3) انظر: المسودة/ 141.
(4) انظر: العدة/ 220أ، والمسودة/ 141.
(5) في (ظ): وعطف.
(6) في سورة المائدة: آية 6.
(7) نهاية 119 أمن (ب).
(8) وهي قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إِلا هو رابعهم)
الآية. سورة المجادلة: آية 7. قال أحمد: المراد العلم؛ لأنه
افتتحها بذكر العلم وختمها بذكر العلم.
(9) ما بين المعقوفتين من (ح).
(10) سورة البقرة: آية 282.
(11) سورة البقرة: آية 283.
(2/857)
واختلف كلام أبي يعلى الصغير وغيره.
وجه الأول: الأصل عدم الشركة ودليلها.
وجه الثاني: قول الصديق: "لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة".
(1)
واستدلال ابن عباس (2) لوجوب العمرة: بأنها (3) قرينة الحج في
كتاب الله (4).
رد: لدليل (5)، وقرينته: في الأمر بها.
ويأتي (6) كلام الآمدي آخر التأويل.
ومَثَّل بعضهم بقوله: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (7)، فلا
زكاة على الصبي كالصلاة. (8)
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 105، ومسلم في صحيحه/ 51 - 52
من حديث أبي هريرة.
(2) أخرجه الشافعي في الأم 2/ 132، والبيهقي في سننه 4/ 351،
وسعيد بن منصور والحاكم (انظر: التلخيص الحبير 2/ 227). وعلقه
البخاري في صحيحه 3/ 2 بصيغة الجزم: وقال ابن عباس ...
(3) في (ظ): فإِنها.
(4) قال تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) سورة البقرة: آية
196.
(5) في (ظ): الدليل.
(6) انظر: ص 1054 - 1055.
(7) سورة البقرة: آية 43.
(8) نهاية 87 ب من (ظ).
(2/858)
مسألة
الخطاب الخاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -نحو: (يا أيها
المزمل) (1)، (لئن أشركت) (2) - عام للأمة إِلا بدليل يخصه عند
أحمد وأكثر أصحابه والحنفية (3) والمالكية (4).
وعند (5) أبي الحسن (6) التميمي وأبي الخطاب (7) من أصحابنا
وأكثر الشافعية (8) والمعتزلة والأشعرية (9): لا يعمهم إِلا
بدليل.
واختار أبو المعالي (10): الوقف.
وكذا إِذا توجه خطاب الله للصحابة: هل يعمه عليه السلام؟
__________
(1) سورة المزمل: آية 1.
(2) سورة الزمر: آية 65.
(3) انظر: تيسير التحرير 1/ 251، وفواتح الرحموت 1/ 281.
(4) الذي في المنتهى لابن الحاجب المالكي / 83: أنه لا يعمهم.
وكذا نقل صاحب مسلم الثبوت، انظر: فواتح الرحموت 1/ 281.
(5) نهاية 249 من (ح).
(6) انظر: العدة/ 324، والتمهيد/ 37 ب، والمسودة/ 31.
(7) انظر: التمهيد/ 37 ب، والمسودة/ 31.
(8) انظر: اللمع/ 12، والمستصفى 2/ 64، والمحصول 1/ 2/ 620،
والإِحكام للآمدي 2/ 260.
(9) انظر: المحصول 1/ 2/ 620، والإِحكام للآمدي 2/ 260.
(10) انظر: البرهان/ 367 - 370، والمسودة/ 31.
(2/859)
وفي الواضح (1): النفي هنا عن أكثر الفقهاء
والمتكلمين؛ بناء على أنه لا يأمر نفسه كالسيد مع عبيده.
ورد: بأنه مخبر بأمر الله.
احتج الأول: بفهم أهل اللغة من الأمر للأمير بالركوب لكسر
العدو ونحوه: أنه أمر لأتباعه معه.
رد: بالمنع، ولهذا يقال: "أُمِر الأمير لا أتباعه"، قال الآمدي
(2): ولو حلف "لم يأمر أتباعه" لم يحنث إِجماعًا. كذا قال.
ثم: فُهِم لتوقف المقصود على المشاركة، بخلاف هذا.
قالوا: (إِذا طلقتم النساء) (3).
رد: عام، وذكر عليه السلام أولاً (4) لتشريفه.
ثم: لو عم اكتفي (5) بالمفرد مع مناسبته أول الآية.
قالوا: (زوجناكها لكي لا) (6)، ولو خص لم يصح التعليل.
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 300 ب- 301أ.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 262.
(3) سورة الطلاق: آية 1.
(4) نهاية 119 ب من (ب).
(5) في (ظ): النفي.
(6) سورة الأحزاب: آية 37.
(2/860)
رد: (1): للإِلحاق بقياسهم عليه.
قالوا: لا يكون لتخصيصه (2) - عليه السلام - ببعض الأحكام نحو:
(خالصة لك) (3) و (نافلة لك) (4) فائدة.
رد: فائدته (5) قطع الإِلحاق به قياسًا.
احتج الثاني: بأن المفرد لا يعم غيره، كأمرٍ بعبادة والسيد بعض
عبيده إِجماعًا.
ولفظ العموم لا يحمل على الخصوص بلا دليل، فكذا عكسه.
ويحتمل أنه مصلحة له لا لأمته.
رد: لفظ الشارع أدخل في العموم؟ لتعديه بالعلة.
والخطاب له خطاب لأمته شرعا؛ لوجوب اتباعه والتأسي به.
واحتج أصحابنا في المسألة: برجوع الصحابة إِلى أفعاله.
فأجاب أبو الخطاب وغيره: "لدليل"، فدل على التسوية.
__________
(1) تكرر (رد) في (ب).
(2) في (ظ): كتخصيصه.
(3) سورة الأحزاب: آية 50.
(4) سورة الإِسراء: آية 79.
(5) في (ح): فائدة.
(2/861)
وكذا قال (1) بعض (2) أصحابنا (3): (4) حكم
فعله عليه السلام -تعديه إِلى أمته- يخرج على هذا الخلاف. زاد
بعضهم: إِذا عرف وجهه (5).
وفرق أبو المعالي (6) وغيره، فقالوا: يتعدى فعله.
ومعنى كلام الآمدي وغيره: الفرق أيضًا.
مسألة
وكذا خطابه - عليه السلام - لواحد من الأمة: هل يعم غيره؟ فيه
الخلاف.
وعند الحنفية (7): لا يعم؛ لأنه عَمَّ في التي قبلها لفهم
الاتباع؛ لأنه متَّبَع، وهنا متَّبِع.
واختار أبو المعالي (8): يعم هنا، وأنه قول الواقفة (9) في
الفعل، وذكره
__________
(1) في (ح) و (ب): قاله.
(2) انظر: المسودة/ 32.
(3) في (ب): أصحابه.
(4) نهاية 250 من (ح).
(5) يعني: وجه فعل الرسول.
(6) انظر: البرهان/ 369 - 370، 494، والمسودة/ 31.
(7) انظر: تيسير التحرير 1/ 252، وفواتح الرحموت 1/ 280.
(8) انظر: البرهان/ 370 - 371، 498 - 499، والمسودة/ 32.
(9) في (ب): الواقفية.
(2/862)
بعض أصحابنا (1) عن أبي الخطاب. كذا قال.
والدليل والجواب كما سبق.
وأيضًا: لو اختص لم يكن - عليه السلام - مبعوثًا إِلى الجميع.
رد: بالمنع (2)؛ فإِن معناه تعريف كل أحد ما يختص به، ولا يلزم
شركة الجميع في الجميع.
قالوا: وهو إِجماع الصحابة لرجوعهم إِلى قصة (3) ماعز وبروع
(4) بنت واشق (5) وأخذه الجزية من مجوس هجر (6)، وغير ذلك.
__________
(1) انظر: المسودة/ 32.
(2) نهاية 88 أمن (ظ).
(3) قصة رجم ماعز أخرجها البخاري في صحيحه 8/ 165، 167، ومسلم
في صحيحه/ 1318 وما بعدها، من حديث جمع من الصحابة.
(4) نهاية 120 أمن (ب).
(5) خلاصة القصة: أن امرأة تزوجت ولم يفرض لها صداق، ومات
زوجها قبل الدخول بها، فسئل ابن مسعود عن حكمها؟ فقال: لها مثل
صداق نسائها لا وَكْس ولا شَطَط، وعليها العدة، ولها الميراث،
فقام معقل بن سنان الأشجعي، فقال: قضى رسول الله في بروع بنت
واشق بمثل ما قضيت، ففرح ابن مسعود بذلك.
والحديث أخرجه أبو داود في سننه 2/ 588 - 590، والترمذي في
سننه 2/ 306 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 6/ 121 - 123،
وابن ماجه في سننه/ 609، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة
المعبود 1/ 307 - 308).
وانظر: نصب الراية 3/ 201 - 202.
(6) انظر: ص 505 من هذا الكتاب. وانظر -أيضًا-: منحة المعبود
1/ 240، ونصب الراية 3/ 448 - 450.
(2/863)
رد: بدليلٍ هو التساوي في السبب.
مسألة
جمع "الرجال" لا يعم النساء، ولا بالعكس إِجماعًا.
ويعم "الناس" ونحوه الجميع إِجماعًا.
ونحو: "المسلمين" و"فعلوا" -مما يغلب فيه المذكر- يعم النساء
تبعًا عند أصحابنا وأكثر الحنفية (1) وبعض الشافعية (2) وابن
داود (3)، وهو ظاهر كلام أحمد (4).
وذكر أبو محمَّد التميمي (5): "أنه لا يعمهن إِلا بدليل عند
أحمد، وأن أصحابه اختلفوا"، واختاره أبو الخطاب (6) وغيره،
وذكر الحلواني (7): [أن] (8)
__________
(1) انظر: أصول السرخسي 1/ 234، وفواتح الرحموت 1/ 273، وتيسير
التحرير 1/ 231.
(2) فيما حكاه أبو الطيب منهم. انظر: المسودة/ 46.
(3) انظر: اللمع/ 12، والإِحكام للآمدي 2/ 265.
(4) انظر: العدة/ 351.
(5) انظر: المسودة/ 22.
(6) انظر: التمهيد/ 39أ، والمسودة/ 46.
(7) انظر: المسودة/ 46.
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(2/864)
عن أحمد ما يقتضيه (1)، لمنعه الوالدة من
الرجوع في الهبة (2). وقاله الأكثر، منهم: [أكثر] (3) الشافعية
(4) والأشعرية.
وجه الأول: مشاركة الذكور في الأحكام لظاهر اللفظ.
رد: بالمنع، بل لدليل، ولهذا لم يعمهن الجهاد والجمعة وغيرهما.
أجيب: بالمنع، ثم: لو كان لعرف، والأصل عدمه، وخروجهن من بعض
الأحكام لا يمنع كبعض الذكور (5).
ولأن أهل اللغة غلبوا المذكر باتفاق بدليل: (اهبطوا) (6) لآدم
وحواء وإبليس.
__________
(1) نهاية 251 من (ح).
(2) وقد قالوا النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لأحد أن
يعطي عطية فيرجع فيها إِلا الوالد فيما يعطي ولده). أخرجه أبو
داود في سننه 3/ 808، والترمذي في سننه 2/ 382، والنسائي في
سننه 6/ 265، وابن ماجه في سننه 795 عن ابن عمر وابن عباس
مرفوعًا. قالوا الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح. وأخرجه
عنهما -أيضًا- ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 280)،
والحاكم في مستدركه 2/ 46 - 47 وقال: صحيح الإِسناد. ووافقه
الذهبي.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 265.
(5) مثل: الصغار والضعاف والعبيد.
(6) سورة البقرة: آية 36.
(2/865)
رد: بقصد (1) المتكلم، ويكون مجازًا (2).
أجيب: لم يشرط أحد من أهل اللغة العلم بقصده.
ثم: لو لم يعمهن لما عَمَّ بالقصد، بدليل جمع "الرجال".
والأصل الحقيقة، ولو كان مجازًا لم يعد العدول عنه عِيّا (3).
وسبق (4) تعارض المجاز والمشترك.
واستدل: لو وصى لرجال ونساء بشيء ثم قال: "ووصيت لهم بكذا"
عمهم.
رد: بقرينة الإِيصاء الأول.
قالوا: لو عمهن لما حَسُن: (إِن المسلمين والمسلمات) (5).
رد: تنصيص وتأكيد لما سبق، وإِن كان التأسيس أولى.
والعطف (6) لا يمنع؛ بدليل عطف (جبريل وميكال) على (ملائكته
__________
(1) يعني: الإِطلاق صحيح إِذا قصد المتكلم الجميع.
(2) ولا يلزم أن يكون ظاهرا، وفيه النزاع.
(3) في لسان العرب 19/ 346 - 347: عَيّ بالأمر عِيا: عجز عنه
ولم يطق أحكامه، والرجل يتكلف عملا فيعيا به: إذا لم يهتد لوجه
عمله.
(4) انظر: ص 86 من هذا الكتاب.
(5) سورة الأحزاب: آية 35.
(6) في (في (ب): وكعطف.
(2/866)
ورسله) (1)، وقوله: (وإذ أخذنا من النبيين
(2) ميثاقهم ومنك ومن نوح) (3).
وذكر [بعض] (4) أصحابنا وجهًا بمنعه.
ومن عطف العام قوله: (وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من
ربهم) (5)، (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) (6).
قالوا: قالت أم سلمة -[له عليه السلام] (7) -: ما لنا لا نذكر
في القرآن كما يذكر الرجال (8)؟ فنزلت: (إِن المسلمين
والمسلمات) الآية (9)، إِسناده جيد (10)، رواه النسائي (11)
وغيره، ولو دخلن لم يصدق نفيها ولم يصح تقريره له.
__________
(1) سورة البقرة: آية 98.
(2) نهاية 120 ب من (ب).
(3) سورة الأحزاب: آية 7.
(4) ما بين المعقوفتين من (ح).
(5) سورة البقرة: آية 136.
(6) سورة الأحزاب: آية 27.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(8) في (ب): للدجال.
(9) سورة الأحزاب: آية 35.
(10) نهاية 252 من (ح).
(11) أخرجه عنها النسائي على ما في تفسير ابن كثير 3/ 487،
والمعتبر / 53أ، والدر المنثور 5/ 200، والفتح الرباني 18/
239، ولم أجده في سننه الصغرى "المجتبى"،=
(2/867)
رد: يصدق ويصح؛ لأنها أرادت التنصيص
تشريفاً لهن لا تبعًا لما سبق.
قالوا: الجمع: تضعيف الواحد، و"مسلم" لرجل، فـ "مسلمون" لجمعه.
رد: يحتمل منعه (1)، قاله الحلواني (2).
وقال في العدة (3): إِن سلّمناه ثم فرق (*).
__________
=فلعله في السنن الكبرى، وقد أشار إِلى ذلك الشيخ أحمد شاكر في
حاشيته على تفسير الطبري 7/ 487 ط: دار المعارف.
وأخرجه عنها أحمد في مسنده (انظر: الفتح الرباني 18/ 238 -
239)، والطبري في تفسيره 22/ 8، والحاكم في مستدركه 2/ 416
وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وقد أخرجه ابن المنذر وابن مردويه والطبراني والفريابي وابن
سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم. انظر: الدر
المنثور 5/ 200.
(1) يعني: منع الحكم في الأصل وهو المفرد.
(2) انظر: المسودة/ 46.
(*) نهاية 88 ب من (ظ).
(3) قالوا في العدة/ 357 - 358: إِنا إِن سلمنا هذا فليس إِذا
لم يدخل في آحاد جمع الذكور ما يمنع من دخوله في الجمع كما
قلنا في آحاد الأيام والليالي، لا يتبعه الآخر، وفي الجمع يتبع
أحدهما الآخر، وكذلك من يعقل وما لا يعقل آحاده لا ينتظم الآخر
وجمعه ينتظم، كذلك هنا.
وجواب آخر وهو: أن لفظ الجمع يحتمل اجتماع المذكر والمؤنث في
الخطاب، وإنما غلب المذكر، ولفظ الواحد لا يحتمل أن يجتمع فيه
المذكر والمؤنث، فغلب فيه وضع اللفظة. وجواب آخر وهو: أنا لو
حملنا لفظ الواحد على المذكر والمؤنث لم يمتز المذكر=
(2/868)
وقال في التمهيد (1): منعه بعضهم (2)،
والصحيح تسليمه (3) للّبس (4)، ولعموم الجمع لهما (5) بدليل
قصده (6) بخلاف المفرد (7).
وقد احتج أصحابنا: بأن قوله: (الحر بالحر) (8) عام للذكر
والأنثى.
وفي القياس من الواضح (9): لا يقع "مؤمن" على الأنثى، فالتكفير
بالرقبة في قتلها قياسا، وخص الله الحجب بالإِخوة (10)، فعداه
القَيَّاسون (11) إِلى الأخوات بالمعنى.
وفي الوقف من المغني (12): الإِخوة والعمومة للذكر والأنثى.
__________
=والمؤنث، وليس كذلك إِذا حمل لفظ الجمع عليهما؛ لأنه يحصل
الامتياز بينهما في حال أخرى وهو لفظ الواحد.
(1) انظر: التمهيد/ 39 ب- 40 أ.
(2) فقال: يجوز أن يطلق (مؤمن) على الرجل والمرأة.
(3) وهو أنه لا يطلق (مؤمن) إِلا على الرجل.
(4) فيما لو أدخلنا المذكر والمؤنث في الواحد.
(5) في (ب): لها.
(6) يعني: لو قصد المذكر والمؤنث بلفظ الجمع.
(7) فلا يمكن أن يقصدهما بلفظ الواحد.
(8) سورة البقرة: آية 178.
(9) انظر: الواضح 1/ 147 ب- 148 أ.
(10) قالوا تعالى: (فإِن كان له إِخوة فلامه السدس) سورة
النساء: آية 11.
(11) كذا في النسخ. وفي الواضح: القائسون.
(12) انظر: المغني 6/ 177. وقد وجدته في الوصايا لا في الوقف.
(2/869)
مسألة
" مَنْ" الشرطية تعم المؤنث عند الأئمة الأربعة وغيرهم.
قالوا الآمدي (1): "ونفاه الأقلون"، وقاله (2) بعض الحنفية (3)
في مسألة المرتدة (4).
لنا: استعمال الكتاب (5) والسنة (6) واللغة.
ولو قال: "من دخل داري فأكرمه" أو "فهو حر" وجب الإِكرام وعتقن
بالدخول، والأصل الحقيقة.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 269.
(2) يعني: النفي.
(3) انظر: الهداية 2/ 165، وبدائع الصنائع/ 4385.
(4) فلم يجعلوا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من بدل
دينه فاقتلوه) متناولاً للأنثى المرتدة. ويأتي تخريج هذا
الحديث في ص 1384.
(5) مثل قوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى)
سورة النساء: آية 124. فالتفسير بالذكر والأنثى دل على تناول
القسمين.
(6) مثل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من جر ثوبه خيلاء
لم ينظر الله إِليه)، فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء
بذيولهن؟. فأقرها النبي على فهم دخول النساء في "مَنْ"
الشرطية.
والحديث أخرجه الترمذي في سننه 3/ 137، والنسائي في سننه 8/
209 من حديث ابن عمر. قالوا الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه -دون
قول أم سلمة- البخاري في صحيحه 7/ 141، ومسلم في صحيحه/ 1652
من حديث ابن عمر.
(2/870)
واعترض: لقرينة دخول الدار كالزائر (1).
رد: لو قالوا: "فأهنه"، أو "من قال لك: أَلِف، فقل له: ب"
فالحكم سواء.
مسألة
الخطاب العام (2) كـ "الناس والمؤمنين" يعم العبيد عند
الجمهور، منهم: أحمد (3) وأصحابه وأكثر الشافعية (4) والجرجاني
(5) وغيره من الحنفية، خلافًا لأكثر المالكية (6) وبعض
الشافعية (7)، وذكره التميمي (8) عن بعض أصحابنا، واختاره أبو
بكر الرازي (9) الحنفي في حق الآدمي، قالوا: ولهذا لم يجز
أصحابنا شهادتهم.
لنا (10): أنه منهم قطعاً، فوجب العموم.
__________
(1) فكان من باب المجاز.
(2) نهاية 121 أمن (ب).
(3) انظر: العدة/ 348.
(4) انظر: اللمع/ 12، والمحصول 1/ 3/ 201، والإِحكام للآمدي 2/
270.
(5) انظر: تيسير التحرير 1/ 253، وفواتح الرحموت 1/ 276،
والعدة/ 349.
(6) الذي في المنتهى لابن الحاجب/ 85، وشرح تنقيح الفصول/ 196:
أنه يعمهم.
(7) انظر: اللمع/ 12.
(8) هو: أبو محمَّد التميمي. انظر: المسودة/ 22.
(9) انظر: تيسير التحرير 1/ 153.
(10) نهاية 253 من (ح).
(2/871)
واحتج بعض أصحابنا -فيهم وفي دخول المؤنث
في جمع المذكر-: بدخولهم في الخبر فكذا الأمر، وباستثناء
الشارع لهم في الجمعة.
قالوا: مال، وخرج من خطاب جهاد وحج ونحوهما.
رد: غير مانع لتكليفه إِجماعًا، وكخروج مريض ومسافر بدليل.
قالوا: منافعه لسيده، فلو أمر بصرفها إِلى غيره تناقض.
رد: في غير (1) وقت عبادة تضيقت؛ لاستثنائها من المالك القديم
سبحانه، ولهذا يقدم حقه (2) بالخطاب الخاص (3)، فلا تناقض.
مسألة
مثل: (ياأيها الناس) (4)، (ياأيها الذين آمنوا) (5)، (يا
عبادي) (6) يعم الرسول عندنا وعند الجمهور، خلافاً لبعض
الفقهاء والمتكلمين، واختاره (7) الصيرفي (8) والحليمي (9) من
الشافعية إِن كان في
__________
(1) يعني: تصرف منافعه لسيده في غير وقت ... إِلخ.
(2) يعني: حق الله تعالى.
(3) يعني: الخاص بالعبد.
(4) سورة البقرة: آية 21.
(5) سورة البقرة: آية 172.
(6) سورة العنكبوت: آية 56.
(7) في (ظ): واختار.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 272.
(9) هو: أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمَّد بن حليم
البخاري الجرجاني،=
(2/872)
[وله] (1) (قُلْ).
لنا: ما سبق، ولأنهم فهموه؛ فإِنهم كانوا يسألونه إِذا ترك
(2)، فيذكر المخصص كفسخ الحج إِلى العمرة (3).
قالوا: هو آمر، فلا يكون مأمورًا، وكيف يبلغ نفسه!
رد: الأمر لله، وجبريل مبلغ، وهو مبلغ للأمة.
قالوا: له خصائص.
رد: لا يمنع دخوله في العموم كمريض ومسافر.
مسألة
مثل: (يا أيها الناس) (4) خطاب للموجود، وهل يعم من بعده؟ سبق
في المحكوم عليه (5).
__________
=فقيه شافعي قاض، ولد سنة 338 هـ، وتوفي سنة 403 هـ.
من مؤلفاته: المنهاج في شعب الإِيمان.
انظر: العبر 3/ 84، والمنتظم 7/ 264، وطبقات الشافعية للسبكي
4/ 333، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/ 404، واللباب 1/ 313.
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(2) في (ب): نزل.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 143، ومسلم في صحيحه/ 884 - 885
من حديث جابر مرفوعًا.
(4) سورة البقرة: آية 21.
(5) انظر: ص 295 من هذا الكتاب.
(2/873)
مسألة
المخاطِب داخل في عموم خطابه - ذكره في (1) الروضة (2) وغيرها
(3) خبرًا أو أمرًا أو نهياً، نحو: (وهو بكل شيء عليم) (4)
وقول السيد (5) لعبده: "من أحسن إِليك فأكرمه أو فلا تُهِنْه"،
وذكره الآمدي (6) عن الأكثر.
وقال بعض أصحابنا (7): إِذا أمر - عليه السلام - أمته بشيء دخل
في حكمه عند أصحابنا، وهو ظاهر كلام أحمد؛ لأنه عارض أمره
ونهيه بفعله، وقاله بعض الشافعية (8) وعبد الجبار وجماعة من
المعترلة (9)، خلافًا لأكثر الفقهاء والمتكلمين "لا يدخل"،
وقاله أكثر الشافعية (10) وأبو الخطاب (11)،
__________
(1) نهاية 254 من (ح).
(2) انظر: روضة الناظر/ 241.
(3) نهاية 89 أمن (ظ).
(4) سورة البقرة: آية 29.
(5) نهاية 121 ب من (ب).
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 278.
(7) انظر: المسودة/ 34.
(8) انظر: اللمع/ 13.
(9) انظر: المعتمد/ 148.
(10) انظر: اللمع/ 13.
(11) انظر: التمهيد/ 36 ب- 37 أ.
(2/874)
وقال (1): "كلام أحمد إِنما يدل (2) على
معارضة فعله لقوله حيث يتعدى فعله إِلى أمته" (3)، واحتج: بأن
الأمر لمن دونه، وليس الإِنسان دون نفسه، ومقصود الأمر
الامتثال، ولا يكون إِلا (4) من غيره.
واختلف كلام القاضي (5): هل يدخل الآمر في أمر نفسه؟ قالوا بعض
أصحابنا (6): أكثر كلامه "لا يدخل"، وذكر في الكفاية (7):
يدخل، خلافًا لأكثر الفقهاء والمتكلمين.
واحتج (8): بأن الأصل أن المخاطِب لا يدخل في خطابه (9)، ولهذا
لو قال: "أنا ضارب من في البيت" لم يدخل.
وجوابه: للقرينة.
واحتج (10) لدخوله (11): بأنه ليس يأمر نفسه، وإِنما هو مبلِّغ
عن الله،
__________
(1) يعني: أبا الخطاب.
(2) في (ب): يدخل.
(3) فأما أن يدل على أنه يدخل في الأمر أوْ لا يدخل فلا.
(4) في (ب): الأمر.
(5) انظر: العدة/ 339، والمسودة/ 32 - 33.
(6) انظر: المسودة/ 33.
(7) انظر: المرجع السابق/ 32.
(8) انظر: المرجع السابق.
(9) يعني: إِلا بدليل.
(10) انظر: العدة/ 346، والمسودة/ 32 - 33.
(11) في (ظ): بدخوله.
(2/875)
على أنه غير ممتنع أن يقول لنفسه: "افعلي".
وقد ذكر عن المخالف: أنه (1) لا يجوز أن يأمر نفسه بلفظ يخصه،
فلا يجوز بلفظ يعمه، فأجاب بهذا.
وذكر التميمي (2): أن عند أحمد: لا يدخل الآمر في الأمر إِلا
بدليل، واختلف أصحابه.
وفي الروضة (3): (4) يمكن أن تنبني هذه المسألة على أن ما ثبت
في حقهم شاركهم.
لنا: أن اللفظ عام ولا مانع، والأصل عدمه (5).
قالوا: يلزم: (الله خالق كل شيء) (6)، وقوله: "من دخل الدار
فأعطه درهماً " -فدخل- أنه يعطى.
رد: امتنع الأول لعقل أو غيره.
ويعطى الداخل، قالوا بعض أصحابنا (7): "هو أقيس بكلام أصحابنا"
(8)،
__________
(1) في (ب): أن.
(2) هو: أبو محمَّد التميمي. انظر: المسودة/ 33.
(3) انظر: روضة الناظر/ 241.
(4) نهاية 255 من (ح).
(5) يعني: عدم المانع.
(6) سورة الرعد: آية 16.
(7) انظر: المسودة/ 32.
(8) نهاية 122أمن (ب).
(2/876)
وقاله أبو المعالي (1)، واحتج به بعض
أصحابنا (2).
وفي الروضة (3) والآمدي (4): لا يعطى للقرينة الحالية كـ"مَنْ
دخلها فأهنه".
مسألة
مثل: (خذ من أموالهم صدقة) (5) يقتضي أخذ الصدقة من كل نوع من
المال في ظاهر كلام أبي الفرج المقدسي من أصحابنا، ورجحه بعض
أصحابنا، وقاله أكثر العلماء، خلافا للكرخي (6)، ورجحه الآمدي
(7) وغيره وقال: مأخذه (8) دقيق.
واحتج الحنفية -على أنه لا يحنث من حلف "لا مال له"، وله مال
غير زكوي- بقوله (9): (وفي أموالهم حق) (10)، فأجاب في المغني
(11): أن
__________
(1) انظر: البرهان/ 364.
(2) انظر: البلبل/ 105.
(3) انظر: روضة الناظر / 241.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 278.
(5) سورة التوبة: آية 103.
(6) انظر: تيسير التحرير 1/ 257، وفواتح الرحموت 1/ 282.
(7) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 279.
(8) يعني: مأخذ الكرخي.
(9) فعندهم: أن (وفي أموالهم حق) يعني: في كل نوع من المال،
فما لم يجب فيه زكاة ليس بمال.
(10) سورة الذاريات: آية 19.
(11) انظر: المغني 9/ 604 - 605.
(2/877)
الزكاة مدنية والآية مكية (1)، ثم (2):
إِذا كان الحق في بعض المال كان في المال، ثم (3): لو عَمّ خُص
بما دون النصاب.
وجه الثاني: أنه بأخذ (4) صدقة واحدة من نوع واحد يصدق أنه أخذ
(5) منها (6)، فيمتثل؛ لأنها نكرة في إِثبات لا تعم، ولهذا لا
يجب أخذ الصدقة من خصوص كل دينار ودرهم إِجماعًا.
قالوا: جمع مضاف، وهو عام، فمعناه: من كل مال.
رد: "كل" عام بمعنى التفصيل؛ للفرق (7) بين "للرجال عندي درهم"
و"لكل رجل عندي درهم" إِجماعًا، ولهذا قالوا الفقهاء (8) من
أصحابنا وغيرهم: قوله: "ضَمنَّا لك الألف الذي على زيد": ضمان
اشتراك، و"كل واحد منا ضامنه": ضمان انفراد.
__________
(1) فالحق غير الزكاة.
(2) يعني: لو كان الحق الزكاة فلا حجة فيها؛ لأنه إِذا كان ...
(3) يعني: لو اقتضى هذا العموم لوجب تخصيصه، فإِن ما دون
النصاب مال ولا زكاة فيه.
(4) في (ب): يأخذ.
(5) نهاية 89 ب من (ظ).
(6) يعني: من أموالهم.
(7) يعني: ولذلك فرق بين ... إِلخ.
(8) نهاية 256 من (ح).
(2/878)
مسألة
العام إِذا تضمن مدحًا أو ذمًا كـ (الأبرار) (1) و (الفجار)
(2) لا يمنع عمومه عند الأئمة الأربعة، خلافا لبعض الحنفية
-الكرخي وغيره- وبعض المالكية وبعض الشافعية (3)، ونقل عن
الشافعي (4)، حتى منع من التمسك في زكاة الحلي بقوله: (والذين
يكنزون) (5).
قالوا: القصد المبالغة في الحث والزجر، فلم يعم.
رد: العموم أبلغ (6) في ذلك، ولا منافاة، فَعَمَّ للمقتضي
وانتفاء المانع.
__________
(1) سورة الانفطار: آية 13.
(2) سورة الانفطار: آية 14.
(3) انظر: التبصرة/ 193.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 280.
(5) سورة التوبة: آية 34.
(6) نهاية 122 ب من (ب).
(2/879)
الجزء الثالث
(3/879)
|