أصول الفقه لابن مفلح

التخصيص بالمنفصل
مسألة
يجوز التخصيص بالعقل عند أصحابنا والجمهور، قال أحمد (3) -في قوله: (وهو الله في السماوات وفي الأرض) (4) -: "قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها شيء من (5) عظمة الله"، قال القاضي (6): فخص (7)
__________
=والاستقسام: استفعال من القَسْم (قسم الرزق والحاجات) ومعناه: أن يضرب بها، فيعمل بما يخرج فيها من أمر أو نهي، فكانوا إِذا أرادوا أن يقتسموا شيئًا بينهم -فأحبوا أن يعرفوا قسم كل امرئ- تعرفوا ذلك منها، فأخذ الاستقسام من القسم وهو النصيب. انظر: زاد المسير 2/ 284.
(1) سورة الفرقان: آية 68.
(2) ما بين المعقوفتين من (ح).
(3) انظر: الرد على الجهمية والزنادقة/ 135، والعدة/ 548.
(4) سورة الأنعام: آية 3.
(5) نهاية 133 ب من (ب).
(6) انظر: العدة/ 548.
(7) في العدة: فعارض.

(3/945)


الظاهر بالعقل.
ومنع منه قوم من المتكلمين، قال أبو الخطاب (1): وهو ظاهر قول من يقول: "لا يحسن ولا يقبح، وأن الشرع يرد بما لا يقتضيه العقل"، وهو مذهب أصحابنا والأشعري. كذا قال، مع أنه لا يرد بما يحيله كما سبق (2) آخر مسألة التحسين.
وقال بعض أصحابنا (3): المعرفة (4) إِنما تعم ما أوجبه التعريف، فقول الله: (يا أيها الناس) (5) إِنما يعم من ثبت أن الله يخاطبه، والصبيان والمجانين لم يخاطبوا، فلا يشملهم اللفظ.
قال (6): ومن لم (7) يجعل العقل مخصصا؛ فلأنه -والله أعلم- كمخصِّص (8) لفظي متصل، وهو نظير ما قاله القاضي وغيره من أصحابنا والشافعية، لما قيل لهم: لا يجوز تأخير بيان النسخ إِلا أن يقترن به بيان النسخ؛ فيقول: "صلوا إِلى بيت المقدس ما لم أنسخه عنكم"، فقالوا: هذا
__________
(1) انظر: التمهيد/ 61أ.
(2) في ص 165 من هذا الكتاب.
(3) يعني: ابن تيمية شيخ الإِسلام. انظر: المسودة/ 101.
(4) نهاية 96 ب من (ظ).
(5) سورة البقرة: آية 21.
(6) انظر: المسودة/ 118 - 119.
(7) في المسودة: الذين يجعلون العقل مخصصا.
(8) في (ح) و (ظ): لمخصص.

(3/946)


خطأ؛ لأنه (1) مقرون بكل خطاب، وإن لم ينطق به الخاطِب (2)، فهما سواء. قال: فجعلوا التقييد (3) المعلوم بالعقل كتقييد لفظي، وذلك يمنع اللفظ (4) دالا على غير المقيد.
وقال جده صاحب المحرر -في شرح الهداية (5)، في إِمامة الصبي-: والذي عليه أهل العلم أن الصبيان لا يدخلون في مطلق الخطاب.
وجه الأول: (الله خالق كل شيء) (6)] (وهو على كل شيء قدير) (7)، والعقل قاطع باستحالة كون القديم مخلوقاً أو مقدورًا بلا خلاف بين العقلاء، فالمخالف موافق على معنى التخصيص مخالف في التسمية.
وأيضًا: (ولله على الناس حج البيت) (8)، وكل من طفل ومجنون غير مراد بالعقل؛ لعدم الفهم.
__________
(1) في المسودة: لأن هذا.
(2) قال: لأن الدليل قد دل على جواز النسخ، فصار ذلك مقدرًا في خطاب صاحب الشريعة ومقرونا به وإِن لم يذكره، فوجب أن يكونا سواء، فيجب أن يجري هذا في العموم.
(3) نهاية 279 من (ح).
(4) في المسودة: كون اللفظ.
(5) الهداية: كتاب في الفقه الحنبلي - لأبي الخطاب الحنبلي، المتوفى سنة 510 هـ. والكتاب مطبوع. ولم أعثر على شرحه هذا.
(6) سورة الرعد: آية 16.
(7) سورة المائدة: آية 120.
(8) سورة آل عمران: آية 97.

(3/947)


واعترض: بأرش الجناية وضمان المتلَف لازم للصبي، وبصحة صلاته وحجه.
رد الأول: بعصمة المحل، فهو من خطاب الوضع، والمخاطَب الولي بتمرينه.
قالوا: لو خَصّ العقل (1) لأريد المخصص لغة؛ لأن اللفظ لا دلالة له بالذات (2)، والعاقل لا يريد ما يخالف العقل.
رد: اللفظ متناول (3) للمفرد لغة (4)، وما نسب إِليه المفرد (5) مانع من إِرادته، فلا منافاة.
قالوا: لو خَصّ العقل لكان متأخرًا؛ لأنه بيان.
رد: إِن أريد تأخير بيانه فمسلَّم، أو تأخير ذاته منع.
قالوا: لو خص لنسخ.
رد: النسخ محجوب عن العقل بخلاف التخصيص.
قال ابن عقيل (6): والعقل يجوّز بقاء الحكم (7)، وأجمع [العقلاء] (8)
__________
(1) نهاية 134 أمن (ب).
(2) بل: بإِرادة المتكلم.
(3) يعني: للمخصَّص.
(4) نحو: كل شيء.
(5) من المخلوقية أو المقدورية.
(6) انظر: الواضح 2/ 101 ب.
(7) قال: إِذ قد اجتمع العقلاء ...
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3/948)


من أهل الشرائع أنه لا يجوز أن يرد الشرع بما لا يجيزه العقل (1).
قالوا: تعارض العام والعقل.
رد: فيجب تأويل المحتمل -وهو العام- جمعًا بينهما (2).

مسألة
وبالحس، نحو: (وأُوتيت من كل شيء) (3)] (تدمر كل شيء) (4).

مسألة
إِذا ورد خاص وعام (5) مقترنين (6) قدم الخاص (7) عند عامة الفقهاء والمتكلمين.
__________
(1) قال: فإِذا جوز ذلك وعلم أن الواضع له الحاكم الأزلي الذي لا يصدر عنه ما يقضي عليه العقل بل يقضي به العقل فلا سبيل إِلى نسخ ذلك الحكم بالعقل، فأما إِذا قال: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) حسن أن يشعر العقل بتخصيص هذا الأمر العام بإخراج من لا يسوغ في العقل خطابه من الأطفال والمجانين.
(2) ضرب في (ب) و (ظ) على (بينهما)، وكتب: (بين الأدلة).
(3) سورة النمل: آية 23.
(4) سورة الأحقاف: آية 25.
(5) في (ب): مقربين.
(6) زمانا.
(7) يعني: خص الخاص العام.

(3/949)


وعن بعضهم: تعارض الخاص بما قابله من العام.
* * *
وإن لم يقترنا قدم الخاص مطلقا في ظاهر كلام أحمد (1) (2) في مواضع، وعليه أصحابه والشافعي (3) وأصحابه وجماعة من الحنفية (4)، منهم: أبو زيد (5).
وعند أكثر الحنفية (6) والمعتزلة (7) وابن الباقلاني (8) وأبي المعالي: إِن تأخر العام نَسَخ، أو الخاص نَسَخ العام بقدره، والوقف (9) إِن جهل التاريخ،
__________
(1) انظر: العدة/ 615.
(2) نهاية 280 من (ح).
(3) انظر: المحصول 1/ 3/ 164، 170، والإِحكام للآمدي 2/ 318.
(4) انظر: تيسير التحرير 1/ 272، وفواتح الرحموت 1/ 345.
(5) هو: عبد الله أو عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي، أصولي فقيه، توفي ببخارى سنة 430 هـ.
من مؤلفاته: تقويم الأدلة في أصول الفقه، وتأسيس النظر، والأسرار في الفروع.
انظر: وفيات الأعيان 2/ 251، والفوائد البهية/ 109، وتاج التراجم/ 36، وشذرات الذهب 3/ 245.
(6) انظر: تيسير التحرير 1/ 272، وفواتح الرحموت 1/ 345.
(7) انظر: المعتمد / 276 وما بعدها.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 319، والمنتهى لابن الحاجب/ 95، ومختصره 2/ 147.
(9) نهاية 97 أمن (ظ).

(3/950)


قالت الحنفية (1): ويؤخر المحرّم احتياطا.
وقال أحمد (2) -في رواية عبد الله بعد كلام طويل-: يؤخذ بهما حتى تأتي دلالة بأن الخبر قبل الخبر، فيكون الأخير أولى.
وتأولها (3) القاضي (4) على أن الخبرين خاصان، قال في التمهيد (5): "وفيه نظر"، وقال بعض أصحابنا (6): فاسد (7)، لتمثيله أول الرواية بخبر (8) حكيم (9) -وهو عام في البيع- مع (10) السلم (11)، وهو
__________
(1) انظر: تيسير التحرير 1/ 272، وفواتح الرحموت 1/ 345 - 346.
(2) انظر: مسائل الإِمام أحمد - رواية عبد الله/ 15.
(3) يعني: تأول قوله: (الأخير أولى).
(4) انظر: العدة/ 620.
(5) انظر: التمهيد/ 66 ب.
(6) انظر: المسودة/ 136.
(7) يعني: تأويل القاضي.
(8) وهو قول الرسول: (لا تبع ما ليس عندك). أخرجه أبو داود في سننه 3/ 768 - 769، والترمذي في سننه 2/ 350 - 351 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 7/ 289، وابن ماجه في سننه/ 737، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 264) من حديث حكيم بن حزام مرفوعًا.
(9) هو: الصحابي حكيم بن حزام.
(10) في (ب): من.
(11) أحاديث جواز السلم: أخرجها البخاري في صحيحه 3/ 85 من حديث ابن عباس وابن أبزي وابن أبي أوفى مرفوعًا، ومسلم في صحيحه/ 1226 من حديث ابن عباس مرفوعاً.

(3/951)


خاص (1)، وبخبر المصراة -وهو خاص- مع (الخراج بالضمان (2)، وهو عام في كل ضمان.
وفي الروضة (3) رواية: يقدم المتأخر كقول أكثر الحنفية -وخرجه بعض أصحابنا (4) على قول من منع من تأخير البيان عن وقت الخطاب إِلى وقت الحاجة من أصحابنا، وقاله بعض المالكية (5) وبعض الشافعية (6) (7) - فإِن جهل التاريخ اقتضت تعارضهما.
__________
(1) نهاية 134 ب من (ب).
(2) هذا الحديث روته عائشة مرفوعًا. أخرجه -بهذا اللفظ- أبو داود في سننه 3/ 777 - 780، وابن ماجه في سننه / 754، وأحمد في مسنده 6/ 49، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 166)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 21 - 22، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 275)، والحاكم في مستدركه 2/ 14 - 15 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه -بلفظ: قضى أن الخراج بالضمان- الترمذي في سننه 2/ 376 - 377 وقال: حسن -وأورده من طريق آخر، وقال: صحيح غريب من حديث هشام بن عروة- والنسائي في سننه 7/ 254 - 255.
قال في التلخيص الحبير 3/ 22: وصححه ابن القطان، وقال ابن حزم: لا يصح.
(3) انظر: روضة الناظر/ 245.
(4) انظر: المسودة/ 136.
(5) كابن نصر (عبد الوهاب المالكي). انظر: المرجع السابق.
(6) كأبي الطيب. انظر: المرجع السابق.
(7) ما بين الشرطتين جاء في (ح) بعد قوله: اقتضت تعارضهما.

(3/952)


وقال بعض أصحابنا (1): منصوص أحمد: إِن فقد التاريخ يقدم الخاص، وإلا (2) قدم (3) المتأخر، وهو أقوى -كذا قال- وقاله بعض الحنفية وبعض المعتزلة، قال (4): ويقدم الخاص لجهل التاريخ -وإن قلنا: العام المتأخر ينسخ- لأن (5) العام لم يعلم ثبوته في قدر الخاص؛ لجواز اتصالهما أو تقدم العام أو تأخره (6) مع بيان التخصيص مقارنًا.
ومنع بعض الناس من تخصيص الكتاب بمالكتاب مطلقًا.
وجه الأول: أن: (والمحصنات (7) من الذين) (8) خَصَّ (ولا تنكحوا المشركات) (9)، (10) قال ابن الجوزي: على هذا عامة الفقهاء، وروي معناه عن جماعة من الصحابة، منهم: عثمان وطلحة (11) وحذيفة وجابر وابن
__________
(1) انظر: المسودة/ 136.
(2) يعني: وإن علم التاريخ.
(3) في (ظ): وإلا يقدم.
(4) انظر: المسودة/ 137.
(5) يعني: لأن الخاص قد علم ثبوته، والعام لم يعلم ... إِلخ.
(6) يعني: تأخر العام.
(7) في (ظ): والمخصات.
(8) سورة المائدة: آية 5.
(9) سورة البقرة: آية 221.
(10) نهاية 281 من (ح).
(11) هو: الصحابي طلحة بن عبيد الله.

(3/953)


عباس (1).
وأيضاً: الخاص قاطع، أو أشد تصريحًا وأقل احتمالاً.
ولأنه لا فرق -لغة- بين تقديم الخاص وتأخيره.
قال: في النسخ إِعمال للدليلين في زمانين، وفي التخصيص إِبطال للعموم في بعض أفراده.
ولأنه لو قال: "لا تقتل زيداً المشرك"، ثم قال: "اقتل المشركين" كان في قوة "اقتل زيدًا"، وأنه نسخ.
رد: شرطه (2) المساواة وعدم الجمع.
ثم: التخصيص مانع، والنسخ رافع، والدفع أسهل منه (3)، وهو أغلب، والنسخ نادر.
قالوا: عن ابن عباس عنه - عليه السلام - (4): أنه صام في سفر ثم أفطر، قال: "وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره". رواه مسلم (5).
__________
(1) انظر: زاد المسير 1/ 247. وراجع: تفسير الطبري 4/ 362 ط: دار المعارف، وسنن البيهقي 7/ 171 - 173، وتفسير القرطبي 3/ 68، والدر المنثور 1/ 256.
(2) يعني: شرط النسخ.
(3) يعني: من الرفع.
(4) نهاية 135 أمن (ب).
(5) انظر: صحيح مسلم/ 784 - 785. وأخرجه مالك في الموطأ/ 294، والدارمي في سننه 1/ 34.=

(3/954)


وفي البخاري (1) عن الزهري: "وإنما يؤخذ من أمره - عليه السلام - بالآخر فالآخر".
واحتج به (2) أحمد في رواية عبد الله السابقة (3).
رد: بحمله على غير المخصّص (4) جمعاً بين الأدلة.
المانع منه في الكتاب: لو جاز لم يكن - عليه السلام - مبينًا (5) ,وقد قال: (لتبين للناس) (6).
عورض: بقوله: (تبيانًا لكل شيء) (7).
ثم: هو - عليه السلام - مبيِّن بهما (8).
__________
=وقد ذكر أن: (وكان صحابة رسول الله ...) من قول الزهري، فانظر: صحيح مسلم -الموضع السابق- وفتح الباري 4/ 181.
(1) انظر: صحيح البخاري 5/ 146، وصحيح مسلم/ 785.
(2) يعني: بقوله: (يؤخذ بالأحدث ... إِلخ).
(3) في ص 951.
(4) يعني: على ما لا يقبل التخصيص.
(5) إِذ التخصيص تبيين.
(6) سورة النحل: آية 44.
(7) سورة النحل: آية 89.
(8) يعني: بالكتاب والسنة.

(3/955)


مسألة
يجوز تخصيص السنة بالسنة. والخلاف (1) كالتي قبلها.
* * *
وتخصيص السنة بالكتاب عند الجمهور، خلافًا لبعض أصحابنا (2) وبعض الشافعية وبعض المتكلمين، وذكره ابن حامد (3) والقاضي (4) رواية عن أحمد، قال بعض أصحابنا (5): وهو مقتضى قول مكحول (6) ويحيى بن أبي كثير: "السنة تقضي على الكتاب، والكتاب لا يقضي على السنة"، قال (7): وهو الأغلب على كلام الشافعي.
والأدلة كالتي قبلها.
__________
(1) نهاية 97 ب من (ظ).
(2) انظر: المسودة/ 122.
(3) انظر: العدة/ 570، والمسودة/ 122.
(4) انظر: العدة/ 570.
(5) انظر: المسودة/ 123.
(6) هو: أبو عبد الله مكحول بن عبد الله الدمشقي، تابعي فقيه، توفي سنة 112 هـ، وثقه جماعة، وضعفه آخرون، قال ابن حجر في التقريب: ثقة كثير الإِرسال.
انظر: مشاهير علماء الأمصار/ 114، ووفيات الأعيان 4/ 368، وحلية الأولياء 5/ 177، وتذكرة الحفاظ/ 107، وتقريب التهذيب 2/ 273.
(7) نهاية 282 من (ح).

(3/956)


مسألة
يجوز تخصيص الكتاب بالمتواتر (1) إِجماعًا.
وبخبر الواحد عند أحمد (2) والشافعي (3) وأصحابهما والمالكية (4)، وذكره ابن نصر (5) المالكي عن كثير من الحنفية.
وعن أحمد: المنع -ذكره ابن شهاب العكبري (6) في مسألة الدباغ،
__________
(1) في (ب): بالمواتر.
(2) انظر: العدة / 551.
(3) انظر: اللمع/ 19، والتبصرة/ 132، والمستصفى 2/ 114، والمحصول 1/ 3/ 131، والإحكام للآمدي 2/ 322.
(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 96، وشرح تنقيح الفصول/ 206، 208، ومفتاح الوصول/ 59.
(5) وهو: عبد الوهاب. انظر: المسودة/ 119.
(6) في طبقات الحنابلة وذيلها شخصان بهذا النسب وهذه النسبة:
أحدهما: أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن، فقيه محدث أديب، ولد بعكبرا سنة 335 هـ، وتوفي بها سنة 428 هـ له مصنفات في الفقه والفرائض والنحو.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 186.
والثاني: أبو علي الحنبلي، صاحب كتاب (عيون المسائل)، ينقل من كلام القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب، قال ابن رجب: ما وقفت له على ترجمة.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 172، والمنهج الأحمد 2/ 233.

(3/957)


وهي فيها في الانتصار (1) وجه (2) لنا، وقال الفخر من أصحابنا: له ظهور واتجاه- وقاله بعض المتكلمين.
وعند الحنفية (3): إِن كان خص بدليل مجمع عليه (4) جاز، وإلا فلا.
وعن الكرخي (5): إِن كان خص بمنفصل.
ووقف القاضي (6).
[وقيل: لم يقع] (7).
لنا: أنه إِجماع الصحابة، كما خصوا: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (8)
__________
(1) انظر: الانتصار 1/ 20أ.
(2) في (ب) و (ظ): ووجه.
(3) بناء على أن العام عندهم قطعي الدلالة. انظر: أصول السرخسي 1/ 141، وكشف الأسرار 1/ 294، وتيسير التحرير 1/ 267، وفواتح الرحموت 1/ 349.
(4) يعني: قبل التخصيص بخبر الواحد، لتضعف دلالته.
(5) حكاه عنه الآمدى في الإِحكام 2/ 322، وابن الحاجب في المنتهى/ 96.
(6) يعني: المؤلف بـ (القاضي) -هنا-: ابن الباقلاني؛ فإِن القاضي أبا يعلى يقول بالجواز -انظر: العدة/ 550 - وابن الباقلاني يقول بالوقف، انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 149. فخالف المؤلف بهذا ما ذكره في مقدمة كتابه من أنه إِذا ذكر (القاضي) فالمراد به: أبو يعلى.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(8) سورة النساء: آية 24.

(3/958)


بحديث أبي (1) هريرة: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) متفق عليه (2)، وآية السرقة (3) بما دون النصاب (4)، وقتل المشركين (5) بإِخراج المجوس، وغير ذلك.
وقاس ابن عقيل (6) على ظاهر أمر ونهي. كذا قال.
قالوا: رد عمر خبر (7) فاطمة بنت قيس: "أنه - عليه السلام - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة"؛ لتخصيصه لقوله: (أسكنوهن) (8)، ولهذا قال: "كيف نترك كتاب الله لقول امرأة؟! ".
__________
(1) نهاية 135 ب من (ب).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 12، ومسلم في صحيحه/ 1029 مرفوعًا، واللفظ لمسلم، وبلفظ مسلم أخرجه ابن ماجه في سننه/ 621.
(3) سورة المائدة: آية 38.
(4) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 160 عن عائشة مرفوعًا: (تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا). وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1312 - 1313 بألفاظ منها: (لا تقطع يد السارق إِلا في ربع دينار فصاعداً).
(5) كما في سورة التوبة: آية 5.
(6) قال في الواضح 2/ 104 أ: رجحنا الصريح -يعني: الخاص- على الظاهر المظنون، كما تصرف صيغ الأوامر التي في الكتاب عن الإِيجاب إِلى الندب، والنواهي عن التحريم إِلى التنزيه، بأدلة مظنونة.
(7) في (ح): حديث.
(8) سورة الطلاق: آية 6.

(3/959)


رد: لتردده في صحته، أو مخالفته سنة عنده، ولهذا: في مسلم (1): "لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة، لعلها حفظت أو نسيت"، مع أن أحمد ضَعَّفه (2)، وذكر (3) ابن عقيل (4) عنه: أنه أجاب بأنه احتياط منه.
وضعف الدارقطني (5) قوله: "وسنة نبينا".
ولا يصح: "صدقت (6) أو كذبت" (7).
__________
(1) انظر: صحيح مسلم/ 1119.
(2) انظر: مسائل الإِمام أحمد - لأبي داود/ 302، والتعليق المغني على الدارقطني 4/ 23. وقال ابن أبي حاتم في العلل 1/ 438: سئل أبي عن حديث عمر: "لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا"، فقال: الحديث ليس بمتصل، فقيل له: حديث الأسود عن عمر، قال رواه عمارة بن رزيق عن أبي إِسحاق وحده، لم يتابع عليه.
(3) في (ب): وذكره.
(4) انظر: الواضح 2/ 102 ب.
(5) انظر: العلل له 1/ 42ب-43أ، وسننه مع التعليق المغني 4/ 26 - 27، وشرح النووي على صحيح مسلم 10/ 95.
(6) في (ح): أصدقت.
(7) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 67 بلفظ: "لا ندري لعلها كذبت"، ولم يتكلم على هذا اللفظ. وقال الزركشي في المعتبر/ 57 ب- 58 أ: وأما قوله: "ولا ندري أصدقت أم كذبت" مما أنكروه على المصنف -يعني: ابن الحاجب- فإن المحفوظ: "لا ندري أحفظت أم نسيت" كما رواه مسلم وغيره، وليس بمنكر؛ فقد رواه الحازمي في مسنده: أنا أحمد بن محمَّد بن سعيد الهمداني ثنا الحسن بن حماد بن حكيم الطالقاني ثنا أبي ثنا خلف بن ياسين الزيات عن أبي حنيفة عن حماد=

(3/960)


قالوا: العام قطعي، والخبر ظني، لا سيما إِن ضعف بتخصيصه.
رد: دلالته (1) ظنية، والتخصيص فيها، والخبر دلالته قطعية.
قال [بعض] (2) أصحابنا: وحكمه ثبت بأمر (3) قاطع، فالجمع أولى.
القائل بالوقف: كلاهما قطعي ظني من وجه.
رد: الجمع أولى.

مسألة
الجمهور: أن الإِجماع مخصِّص، أي تَضَمَّنه، لا أنه في نفسه مخصص؛ لأنه لا يعتبر زمن الوحي.
ولو عمل أهل الإِجماع بخلاف نص خاص: تضمن (4) ناسخًا.

مسألة
العام يخص بالمفهوم عند القائل به، وقاله أحمد (5) وأصحابه
__________
=عن إِبراهيم عن الأسود قال: قال عمر بن الخطاب: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري: صدقت أم كذبت ... قال صاحب التنقيح: وهذا إِسناد مظلم إِلى أبي حنيفة، وأحمد بن محمَّد بن سعيد هو ابن عقدة، وهو مجمع الغرائب والمناكير.
(1) يعني: دلالة العام.
(2) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(3) نهاية 283 من (ح).
(4) يعني: تضمن عملُهم.
(5) انظر: المسودة/ 127.

(3/961)


والشافعية (1) وغيرهم، خلافا للقاضي في الكفاية (2) والمالكية (3) وابن حزم (4)، وقاله أبو الخطاب (5) أيضًا.
لنا: أنه (6) خاص، وفيه جمع بينهما، فكان أولى.
قالوا: العام مجمع (7) على دلالته.
رد: بالمنع، ثم: الفرض: أن المفهوم حجة.
* * *
فإِن كانت صورة السكوت أولى بالحكم من المنطوق فهو التنبيه، وهو أولى من المفهوم، أو اقتضى القياس استواءهما (8) فهو (9) أولى من المفهوم،
__________
(1) انظر: اللمع/ 20، والمستصفى 2/ 105، والمحصول 1/ 3/ 159، والإِحكام للآمدي 2/ 328.
(2) انظر: المسودة/ 127.
(3) قال في المسودة / 127: فيما ذكروه في مسألة الماء والتيمم.
وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول/ 215: في التخصيص بالمفهوم نظر وإن قلنا: إِنه حجة؛ لكونه أضعف من المنطوق. وذكر التلمساني المالكي في مفتاح الوصول / 60 - عن أكثر أصحابهم-: يخص به.
(4) انظر: الإِحكام لابن حزم/ 1153.
(5) انظر: التمهيد/ 69أ، والمسودة/ 127.
(6) يعني: المفهوم.
(7) نهاية 98 أمن (ظ).
(8) نهاية 136أمن (ب).
(9) يعني: القياس.

(3/962)


كنهيه عن بيع (1) الطعام مع نهيه (2) عن بيع ما لم يقبض، وقوله -في اختلاف البائعين-: (والسلعة قائمة (3)).
__________
(1) نهي الرسول عن بيع الطعام قبل قبضه: ورد من حديث ابن عمر وابن عباس مرفوعاً، أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 68، ومسلم في صحيحه/ 1159 - 1161.
(2) نهي الرسول عن بيع ما لم يقبض: أخرج الدارقطني في سننه 3/ 8 - 9 عن حكيم بن حزام: أنه قال: يا رسول الله، إِني أشتري هذه البيوع، فما تحل لي منها وما تحرّم علي؟ قال: (يابن أخي، إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه). وأخرجه الطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 264)، والبيهقي في سننه 5/ 313، وأحمد في مسنده 3/ 402، والنسائي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه. انظر: نصب الراية 4/ 32.
وقد قال ابن عباس -في الحديث السابق الذي أخرجه البخاري ومسلم، في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه-: ولا أحسب كل شيء إِلا مثله.
وأخرج أبو داود في سننه 3/ 765 عن زيد بن ثابت: أن رسول الله نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إِلى رحالهم. وأخرجه الدارقطني في سننه 3/ 12 - 13، وابن حبان في صحيحه (انظر: مواد الظمآن/ 274)، والحاكم في مستدركه 2/ 40 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
وانظر: نصب الراية 4/ 32 - 33، والتلخيص الحبير 3/ 25.
(3) أخرج ابن ماجه في سننه/ 737 عن ابن مسعود مرفوعاً: (إِذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة والبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع). وأخرجه الدارمي في سننه 2/ 166، والدارقطني في سننه 3/ 20 - 21، والبيهقي في سننه 5/ 333 - 334 وضعف هذه الزيادة (والبيع قائم بعينه)، وأحمد في مسنده 1/ 466، والطبراني في المعجم الكبير 10/ 215 بلفظ: (والسلعة قائمة).

(3/963)


ذكر (1) ذلك القاضي (2).
وفي الواضح (3): نهيه عن بيع الطعام مع الحاجة إِليه تنبيه على غيره، فقدم (4)، والتحالف مع تلف السلعة أولى؛ لإِمكان الدلالة على صدق أحدهما بقيمتها الشاهدة بالثمن لمثلها.
قال بعض أصحابنا (5): ويجب أن يخرج في (6) تقديم القياس على المفهوم وجهان، كتخصيص العموم بالقياس، بل أولى (7).
__________
=وأخرج أبو داود في سننه 3/ 780 - 783 عن ابن مسعود مرفوعًا: (إِذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان).
وأخرجه الترمذي في سننه 2/ 371 عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود مرفوعًا، قال: هذا حديث مرسل؛ عون لم يدرك ابن مسعود. وأخرجه النسائي في سننه 7/ 302 - 303، والدارقطني في سننه 3/ 20، وأحمد في مسنده 1/ 466، والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 333، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 63)، والحاكم في مستدركه 2/ 45 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. وانظر: التلخيص الحبير 3/ 30 - 32.
(1) في (ب): ذكره.
(2) انظر: العدة/ 634 - 635، والمسودة / 144.
(3) انظر: الواضح 2/ 129 ب- 130أ.
(4) على دليل الخطاب.
(5) انظر: المسودة/ 144.
(6) في المسودة: من.
(7) لأنهم قدموا المفهوم على العموم، فلأن يقدموه على القياس الذي هو دون العموم -على أحد الوجهين- أولى.

(3/964)


وصرح القاضي (1): بأن تقديم القياس (2) مأخوذ من تقديمه (3) على العموم، وقاله في التمهيد.
وفي القياس من الواضح (4): لا عدة على ذمية قبل الدخول قياسًا على المؤمنة، تقديماً له على المفهوم، قال: ولم يذكر الله قذف المحصنين من الرجال، فنظر القائمون إِلى المعنى، ومنه قياس عبد على أمة في تنصيف الحد، وقاس الجمهور استعمال آنية ذهب وفضة في غير أكل وشرب عليهما، وغير الحجر عليه في الاستجمار، والظفر على الشعر في الإِحرام.
قال بعض أصحابنا: تخصيص العموم بالمفهوم إِنما هو في كلامين منفصلين من متكلم واحد أو في حكم الواحد ككلام الله ورسوله، لا في كلام واحد متصل ولا متكلمين يجب اتحاد مقصودهما كبينة (5) شهدت "أن جميع الدار لزيد" وأخرى "أن الموضع الفلاني منها (6) لعمرو" فإِنهما يتعارضان في ذلك الموضع، قال: وغلط بعض الناس فجمع بينهما (7)؛ لأنه من باب العام والخاص، كما غلط بعضهم في كلام متكلم متصل.
__________
(1) انظر: العدة/ 635 - 636، والمسودة/ 144.
(2) على المفهوم.
(3) يعني: تقديم القياس.
(4) انظر: الواضح 1/ 147 ب، 148 أ، 149 أ-ب.
(5) في (ح): لبينة.
(6) نهاية 284 من (ح).
(7) يعني: قال بالجمع.

(3/965)


مسألة
فعله - عليه السلام - يخص العموم عند الأئمة الأربعة، كما لو قال: "كشف الفخذ حرام على (1) كل مسلم" (2)، ثم فعل (3)؛ لأن فعله كقوله في الدلالة، فاستويا في التخصيص، والظاهر أنه وأمته سواء فيه.
وقد خص أحمد (4) قوله: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) (5) بفعله عليه السلام (6)، وقال: دل على أنه أراد الجماع.
__________
(1) نهاية 136 ب من (ب).
(2) قال البخاري في صحيحه 1/ 79: ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي: (الفخذ عورة). وأخرجه الترمذي في سننه 4/ 197 - 198 من حديث جرهد -وقال: حسن- ومن حديث ابن عباس، وقال: حسن غريب، وأخرجه أبو داود في سننه 4/ 303، وأحمد في مسنده 3/ 478 من حديث جرهد، وأخرج أبو داود في سننه 4/ 303، وأحمد في مسنده 1/ 146، وابن ماجه في سننه / 469 عن علي مرفوعًا: (لا تكشف فخذك ولا تنظر إِلى فخذ حي ولا ميت).
(3) أخرج البخاري في صحيحه 1/ 79، ومسلم في صحيحه/ 1043 - 1044 عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حسر عن فخذه.
(4) انظر: العدة/ 574.
(5) سورة البقرة: آية 222.
(6) فقد كان الرسول يباشر زوجته وهي حائض. أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 63 - 64، ومسلم في صحيحه/ 242 - 243 من حديث عائشة وميمونة.

(3/966)


ومنعه الكرخي (1) وابن برهان (2) وغيرهما (3)؛ تخصيصًا (4) لدليل الاتباع العام (5) بهذا العام (6)، جمعاً بينهما.
وتوقف عبد الجبار (7).
أما [إِن] (8) ثبت وجوب اتباع الأمة في الفعل بدليل خاص، فالدليل ناسخ للعام.
واختار الآمدي (9): أنه لا وجه للخلاف في التخصيص بفعله؛ لأنه إِن وجب التأسي فنسخ، وإلا فلا تخصيص، قال: والأظهر الوقف؛ لأن دليل وجوب التأسي عام أيضاً، فتعارضا، فقيل له: الفعل مع أدلة التأسي أخص
__________
(1) انظر: المعتمد/ 391، والإِحكام للآمدى 2/ 329.
(2) انظر: المسودة / 125. وفي الوصول لابن برهان/ 31 ب: اختار أنه يخص، فقال: وعمدتنا أن فعل الرسول دليل معمول به، وهو أخص من اللفظ، فكان مقدما على اللفظ العام، فإنه متى تقابل دليلان -واحد الدليلين مصرح بالحكم، والدليل الآخر قد تناوله تناولا ظاهرًا- فالمصرح أولى.
(3) في (ب): وغيرها.
(4) يعني: تخصيصًا منهم، فقالوا: نخصص دليل الاتباع العام.
(5) في الفعل.
(6) يعني: العام القولي، كقوله -مثلاً- كشف الفخذ حرام.
(7) انظر: المعتمد/ 391.
(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(9) انظر: الإحكام للآمدى 2/ 329 - 331.

(3/967)


من اللفظ العام (1)، فأجاب: لا دلالة للفعل على وجوب التأسي، والموجب (2) مساو للعام.
وسبق (3) الأشهر عن التميمي (4) من أصحابنا: لا يثبت فعله في حقنا (5).
وحكى القاضي (6) عنه منع نسخ القول به، وأجاز تخصيصه به.
وأجازهما القاضي (7)، وهو ظاهر كلام أحمد (8).
ومنع ابن عقيل (9) نسخ القول به؛ لأن دلالته دونه، واختاره بعض أصحابنا (10).
وسبق (11) كلام أبي الخطاب في تعارضهما.
__________
(1) نهاية 98 ب من (ظ).
(2) وهو: أدلة التأسي العامة.
(3) في ص 337، 347 من هذا الكتاب.
(4) وهو: أبو الحسن التميمي.
(5) فمدلول هذا: أنه لا يخص العموم بالفعل.
(6) انظر: العدة/ 838.
(7) انظر: المرجع السابق.
(8) انظر: المرجع السابق/ 573، 838.
(9) انظر: الواضح 2/ 270 ب، والمسودة/ 229.
(10) انظر: المسودة/ 229.
(11) في ص 360 - 361 من هذا الكتاب.

(3/968)


مسألة
تقريره عليه السلام ما فعل واحد من أمته بحضرته مخالفاً لعموم -ولم ينكره مع علمه- مخصِّص عند الجمهور، وهو أقرب من نسخه (1) مطلقًا أو عن فاعله.
لنا: دليل (2) جوازه، وإلا لوجب إِنكاره.
قالوا: التقرير لا صيغة له، فلا يقابل الصيغة.
رد: بجوازه (3) -زاد الآمدي (4): قطعا- فجاز تخصيصه.
ثم: قال في الروضة (5): "يعم غيره (6) "، على ما سبق (7).
وذكر الآمدي (8): إِن لم يفهم معنى لم يتعد؛ لعدم دليله (9)، وللجمع
__________
(1) نهاية 285 من (ح).
(2) يعني: التقرير دليل جوازه.
(3) يعني: جواز ما أقر الشخص عليه وإن كان لا صيغة له.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 332.
(5) انظر: روضة الناظر/ 248.
(6) يعني: ما أقر عليه واحداً من أمته يعم غيره.
(7) في ص: 862 وما بعدها.
(8) انظر: الإِحكام للآمدى 2/ 332.
(9) يعني: دليل التعدية، وهو القياس.

(3/969)


بينهما (1) -زاد غيره (2): (3) على المختار- وإن فُهِم معنى (4) فمثله مُشَارِكُه فيه (5)، ولو عم الأمة كان نسخاً لا تخصيصًا كما ظن بعضهم.
وقال غيره: يكون ناسخًا إِن جاز النسخ بالقياس.

مسألة
مذهب الصحابي يخص العموم إِن قيل: "هو حجة"، وإلا فلا في مذهب الأئمة الأربعة.
ومنعه بعض الشافعية (6) مطلقًا؛ لأنه يترك مذهبه للعموم، كترك ابن عمر المخابرة لخبر رافع.
وأجاب أصحابنا: لا يتركه إِلا لنص؛ لأن قوله عن دليل نص أو قياس -ويخص بهما العموم- أو عموم فالترجيح.
وخرج بعض أصحابنا (7) من الرجوع إِلى قوله مطلقًا -إِذا كان الراوي
__________
(1) يعني: بين العموم وبين ما أقر عليه.
(2) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 151.
(3) نهاية 137 أمن (ب).
(4) قال: إِن أمكن تعقل معنى أوجب جواز مخالفة ذلك الواحد للعموم.
(5) يعني: في المعنى، بالقياس على ذلك الشخص عند من يرى جواز تخصيص العام بالقياس على محل التخصيص.
(6) انظر: اللمع/ 21.
(7) انظر: المسودة/ 128.

(3/970)


للخبر، وتَرَكه- مثله (1) هنا؛ لأنه إِنما يخالف لدليل فيخص، وِإلا فسق، فيجب الجمع.
رد: لدليل في ظنه يلزمه اتباعه لا غيره؛ بدليل صحابي آخر.
وقال بعض أصحابنا (2): يخصه إِن سمع العام وخالفه، وإلا فمحتمل.

وقد ترجم بعض أصحابنا وبعض الحنفية (3) وابن برهان (4) المسألة: هل يخص العموم بمذهب الراوي؟
مسألة
العادة (5) لا تخص العموم ولا تقيد المطلق -نحو: "حرمت الربا في
__________
(1) فيخص العموم.
(2) انظر: المسودة/ 127.
(3) انظر: أصول السرخسي 2/ 5، وكشف الأسرار 3/ 65.
(4) انظر: الوصول لابن برهان/ 35 ب، والمسودة/ 127.
(5) في التعريفات/ 63: العادة: ما استمر الناس عليه وعادوا إِليه مرة بعد أخرى. وفي التقرير والتحبير 1/ 282: هي الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية.
وفي التعريفات/ 63: العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول.
والعرف والعادة -في استعمالات الفقهاء- بمعنى واحد، ومنهم من خص العادة بالعرف العملي، والعرف بالعرف القولي، كابن الهمام في التحرير، انظر: تيسير التحرير 1/ 317. وقال صاحب التلويح 1/ 175: "أو عادة": يشمل العرف العام والخاص، وقد يفرق بينهما باستعمال العادة في الأفعال، والعرف في الأقوال.

(3/971)


الطعام" (1)، وعادتهم البر- عند أصحابنا والشافعية (2) والجمهور، خلافاً للحنفية (3) والمالكية (4)، ولهذا: لا نقض بنادر (5) عند المالكية (6)، قصرًا للغائط على المعتاد، وذكره (7) القاضي في مواضع؛ فقال في النقض بالنوم (8): "المراد به النوم المعتاد، وهو المضطجع؛ لأنه المعقول من قولك: نام فلان" وقاله -أيضًا- بعض أصحابنا (9)، وقال: إِن (10) كتب القاضي التي في الفقه على هذا، وأنه ذكر في الوصية لأقاربه وبعض مسائل الأيمان: أن العام يخص بعادة المتكلم وغيره في الفعل (11).
وجه الأول: العموم (12) لغة (13) وعرفا، والأصل عدم مخصِّص.
__________
(1) انظر: ص 1244 من هذا الكتاب.
(2) انظر: اللمع/ 22، والبرهان 446، والمستصفى 2/ 111، والمحصول 1/ 3/ 198، والإِحكام للآمدي 2/ 334.
(3) انظر: تيسير التحرير 1/ 317، وفواتح الرحموت 1/ 345.
(4) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 211. وقد ذكر القرافي في المسألة تفصيلاً.
(5) مثل: الدم والدود والحصاة التي لا أذى عليها.
(6) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 145.
(7) يعني: التخصيص بالعادة.
(8) نهاية 286 من (ح).
(9) انظر: المسودة/ 123 - 124.
(10) ضرب على (ان) في (ظ).
(11) يعني: لا في الخطاب.
(12) يعني: اللفظ عام لغة وعرفا.
(13) نهاية 137 ب من (ب).

(3/972)


قالوا: المراد ظاهر عرفًا، فيخصص (1) (*) به (2) كالدابة (3).
رد: بما سبق (4)، فلم يتخصص الاسم، فلو تخصص كالدابة اختص به، فهو تخصيص بالنسبة إِلى اللغة بعرف قولي، والأول بعرف فعلي.
ومنه مسألة من حلف "لا يأكل رأسا وبيضا" -قاله بعض أصحابنا (5)، قال: وكذا لحمًا- هل يحنث بمحرم غير (6) معتاد؟ على وجهين. كذا قال، والمعروف حنثه.
وفي الفقه مثل هذه مسائل مختلفة، فيتوجه القول بأن هذه المسألة في عرف الشارع، وكلام المكلف يعمل فيه بعرفه أو عرف خاص أو عام (7) -ولهذا قيل للقاضي في تعليقه في الطلاق قبل النكاح: "ليس مطلقا؛ بدليل ما لو علّق عتق عبده بطلاقها، فعلّقه، لم يعتق"، فقال: لفظ الحالف يحمل
__________
(1) لم تنقط هذه الكلمة في (ح) و (ظ). وكانت في (ب): (فتخصص) ثم حولت إِلى: (فيخصص).
(*) نهاية 99 أمن (ظ).
(2) يعين: بالعرف.
(3) خصت بالعرف بذوات الأربع.
(4) من أن اللفظ عام لغة وعرفا.
(5) انظر: المسودة/ 125.
(6) في (ب): غيره.
(7) كتب -هنا- في (ح): (أو أن تلك المسائل من العرف القولي، ولهذا لا يحنث في مذهب الأئمة الثلاثة برأس كل مأكول وبيضه).=

(3/973)


على المستعمل المعهود، وهو الإِيقاع (1) والوقوع، ولفظ الشارع يحمل على العموم فيهما، ولو حرم الله أكل الرؤوس عم، وعندهم (2): لا يحنث إِلا بأكل رؤوس الأنعام- أو أن تلك المسائل من العرف القولي (3)، ولهذا لا يحنث في مذهب الأئمة الثلاثة (4) برأس (5) كل مأكول وبيضه.
قال بعض أصحابنا (6): ومثل المسألة قصر الحكم على المعتاد زمنه عليه السلام، ومنه قصر أحمد لنهيه - عليه السلام - عن البول في الماء الدائم، على غير المصانع المحدثة، وله نظائر. كذا قال، وفيه نظر؛ للعلم بأنه لم يرد كل ماء، فلم يخالف الأصحاب أحمد في هذا، وقال أيضًا -لما قيل له: اليمين بالطلاق حدثت بعد الشارع، فلم يتناولها كلامه- فقال: يتناولها.
__________
=وهو موجود فيها -أيضاً- بنفس ترتيب الكلام في النسختين الأخريين، فتكرر. وكأن أحد قراء النسخة نقله -هنا- لطول الفصل.
(1) كذا في النسخ. ولعلها: لا الوقوع.
(2) يعني: يحمل لفظ المكلفين الحالفين على المستعمل المعهود.
(3) فيخصص العام.
(4) انظر: الهداية 2/ 81، وبدائع الصنائع/ 1698، والكافي لابن عبد البر/ 451، والمهذب 2/ 134.
(5) يعني: لا يعم اليمين كل الرؤوس، بل يختص ببعضها.
(6) انظر: المسودة/ 125.

(3/974)


مسألة
العام لا يخص بمقصوده عند الجمهور -لما سبق- خلافاً لعبد (1) الوهاب وغيره من المالكية (2) وغيرهم.
وقال صاحب المحرر (3): "المتبادر إِلى الفهم (4) من لمس (5) النساء ما يقصد منهن غالبًا من الشهوة، ثم: لو عمت خصت به"، وخَصَّه حفيده (6) -أيضًا- بالمقصود، وكذا قاله في آية المواريث (7): مقصودها بيان مقدار (8) أنصباء المذكورين إِذا كانوا ورثة، وقوله: (وأحل الله
__________
(1) نهاية 287 من (ح).
(2) انظر: المسودة/ 132.
(3) في (ب): المحرز.
(4) نهاية 138أمن (ب).
(5) في سورة المائدة: آية 6.
(6) وهو: شيخ الإِسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي، كان واسع العلم محيطًا بالفنون والمعارف النقلية والعقلية، صالحًا تقيًا مجاهدًا، توفي سنة 728 هـ.
من مؤلفاته: مجموع الفتاوى، ومنهاج السنة النبوية، ودرء تعارض العقل والنقل، ورفع الملام عن الأئمة الأعلام.
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 387، وفوات الوفيات 1/ 62، والبدر الطالع 1/ 63.
(7) سورة النساء: الآيتان 11، 12.
(8) في (ب): مقداره.

(3/975)


البيع) (1) قصده الفرق بينه وبين الربا، و: (فيما سقت السماء العشر (2)) قصده ما يجب فيه العشر ونصفه، وكذا قاله بعض أصحابنا، فلا يحتج (3) بعموم ذلك.

مسألة
إِذا وافق خاص عامًّا لم يخصصه في مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، خلافاً لأبي ثور (4)، كقوله: (أيما إِهاب دبغ فقد طهر) وقوله في شاة ميمونة: (دباغها طهورها) (5).
__________
(1) سورة البقرة: آية 275.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 126 من حديث ابن عمر مرفوعًا، ومسلم في صحيحه/ 675 من حديث جابر، وأبو داود في سننه 2/ 252 من حديث ابن عمر، والترمذي في سننه 2/ 75 - 76 من حديث أبي هريرة وابن عمر، والنسائي في سننه 5/ 41 - 42 من حديث ابن عمر وجابر، وابن ماجه في سننه/ 580 - 581 من حديث أبي هريرة وابن عمر.
(3) في (ب): فلا يجتمع.
(4) انظر: المحصول 1/ 3/ 195، والإِحكام للآمدي 2/ 335، والمسودة / 142.
(5) قول الرسول هذا: ورد مجردًا عن قصة شاة ميمونة، أخرجه مسلم في صحيحه/ 278، والدارمي في سننه 2/ 13، 171، والدارقطني في سننه 1/ 43 من حديث ابن عباس. وأخرجه الدارقطني -أيضًا- في سننه 1/ 44، 46، 48 من حديث عائشة وسلمة بن المحبق وزيد بن ثابت وابن عمر. وأخرجه أبو داود في سننه 4/ 369 من حديث سلمة بن المحبق، والنسائي في سننه 7/ 174 من حديث عائشة، وأحمد في مسنده 3/ 476، 6/ 155 من حديث سلمة بن المحبق وعائشة.=

(3/976)


لنا: لا تعارض، فيعمل بهما.
قالوا: المفهوم يخص العموم.
رد: لا مفهوم فيه، ثم: مفهوم لقب ليس بحجة، ثم: دلالة العموم أقوى (1) منه.

مسألة
رجوع الضمير إِلى بعض العام المتقدم لا يخصصه عند أصحابنا وأكثر
__________
=وفي التعليق المغني على الدارقطني 1/ 43: وجزم الرافعي وبعض أهل الأصول أن هذا اللفظ ورد في شاة ميمونة، ولكن لم أقف على ذلك صريحًا مع قوة الاحتمال فيه؛ لكون الجميع -يقصد ما رواه الدارقطني في ذلك الموضع- من رواية ابن عباس. ا. هـ. وقال العراقي في تخريج أحاديث المنهاج/ 293: "حديث: (دباغها طهورها)، قاله في شاة ميمونة" أبو بكر البزار في مسنده من حديث ابن عباس: ماتت شاة ميمونة. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 50: وروى البزار والطبراني والبيهقي من حديث يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال: ماتت شاة لميمونة، فقال رسول الله: (ألا استمتعتم بإِهابها؛ فإِن دباغ الأديم طهوره؟) وابن عطاء ضعفه يحيى بن معين وأبو زرعة. وانظر: المعتبر/ 60أوفيه: قال البزار: "لا نعلم رواه عن يعقوب عن أبيه عن ابن عباس إِلا شعبة". وهذا لا يضره؛ لأنه إِمام. نعم: العلة يعقوب، ضعفه أحمد وغيره، لكن ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وهو ممن يكتب حديثه. فحصل من هذا أنه حديث حسن.
(1) في (ب): أقوم.

(3/977)


الشافعية (1) وعبد الجبار وغيره من المعتزلة (2) -كقوله: (وبعولتهن) (3)، (إِلا أن (4) يعفون) (5)، (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) (6) - خلافاً للقاضي في الكفاية (7)، وذكره (8) هو (9) وأبو الخطاب (10) عن أحمد، لقوله (11) في رواية أبي طالب: "يأخذون بأول الآية ويدعون آخرها"، وقوله (12) في آية النجوى (13): "هو علمه؛ لقوله (14) في أولها
__________
(1) انظر: اللمع/ 22، والإِحكام للآمدي 2/ 336.
(2) انظر: المعتمد/ 306، والإِحكام للآمدي 2/ 336.
(3) سورة البقرة: آية 228.
(4) نهاية 99 ب من (ظ).
(5) سورة البقرة: آية 237.
(6) سورة الطلاق: آية 1.
(7) انظر: المسودة/ 138.
(8) في (ب): وذكر.
(9) انظر: العدة/ 614، والمسودة/ 138.
(10) انظر: التمهيد/ 68 ب، والمسودة/ 139.
(11) في (ب) و (ظ): كقوله.
(12) انظر: العدة/ 614، والمسودة/ 141.
(13) سورة المجادلة: آية 7.
(14) في (ظ): كقوله.

(3/978)


وآخرها (1) "، [وذكره (2) في الواضح (3) المذهب، وخَطَّأ من خالفه؛ لأنه أقرب من آية أخرى] (4).
وقال القاضي (5) -أيضًا-: إِنما قال ذلك (6) بدليل (7)، وعَضَّده بسياق الآية (8).
وللحنفية (9) القولان.
وتوقف أبو المعالي (10) وأبو الحسين (11) البصري.
وجه الأول (12): أن المظهر عام، والأصل بقاؤه، فلا يلزم من تخصيص المضمر تخصيصه.
__________
(1) في (ب): واخر لها.
(2) يعني: حمل العام على الخاص.
(3) انظر: الواضح 2/ 125 ب.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) انظر: العدة / 615.
(6) يعني: قوله: يأخذون بأول الآية ... إِلخ.
(7) دل على ذلك.
(8) ولم يقل ذلك لأنه يجب تخصيص أول الآية بآخرها.
(9) انظر: تيسير التحرير 1/ 320، وفواتح الرحموت 1/ 356.
(10) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 336.
(11) انظر: المعتمد/ 306.
(12) نهاية 138 ب من (ب).

(3/979)


قال: يلزم، وإلا لم يطابقه.
رد: لا يلزم، كرجوعه مظهرًا.
الوقف: تعارضا -كما سبق- ولا ترجيح.
رد: الأول أولى؛ لأن دلالة الظاهر على العموم أقوى من المضمر (1).

مسألة
يخص العام بالقياس عند أصحابنا والمالكية (2) وأكثر الشافعية (3) والأشعري (4) وأبي هاشم (5) وأبي الحسين (5) البصري.
ومنعه ابن حامد وجماعة من أصحابنا -قاله القاضي (6) - والجبائي (7) وبعض الشافعية (8).
__________
(1) نهاية 288 من (ح).
(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 98، وشرح تنقيح الفصول / 203، ومفتاح الوصول/ 60.
(3) انظر: اللمع / 21، والتبصرة/ 137، والمستصفى 2/ 122، والمحصول 1/ 3/ 148، والإِحكام للآمدي 2/ 337.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 337، وشرح ننقيح الفصول/ 203.
(5) انظر: المعتمد/ 811.
(6) انظر: العدة/ 562.
(7) انظر: المعتمد/ 811.
(8) انظر: التبصرة/ 138.

(3/980)


وأطلق القاضي في الكفاية (1) روايتين.
وأطلق أبو إِسحاق (2) من أصحابنا وجهين، ثم حكى عنه المنع وجوازه إِن كان المقيس عليه مُخْرجا من العموم، كقول بعضهم.
وعند الحنفية (3): إِن كان خُص بدليل مجمع عليه جاز.
جوزه ابن سريج (4) بقياس جلى، واختاره بعض أصحالنا (5).
وتوقف ابن الباقلاني (6) وأبو المعالي (7).
وجوزه الآمدي (8) إِن ثبتت العلة بنص أو إِجماع، زاد بعض من تبعه (9): أو كان الأصل مخصّصا (10)، أو ظهر ترجيح خاص للقياس.
__________
(1) انظر: المسودة/ 119.
(2) انظر: العدة/ 563، والمسودة/ 120.
(3) انظر: أصول السرخسي 1/ 141، وكشف الأسرار 1/ 294، وتيسير التحرير 1/ 321، وفواتح الرحموت 1/ 357.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 337.
(5) انظر: البلبل/ 109 - 110.
(6) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 337، والمنتهى لابن الحاجب/ 98.
(7) انظر: البرهان/ 429.
(8) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 337.
(9) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 98، ومختصره 2/ 153.
(10) يعني: مخرجا عن العموم.

(3/981)


وكذا صرف ظاهر -غير عموم- إِلى احتمال مرجوح بقياس.
وجه الأول: أنه (1) خاص لا يحتمل التخصيص، وفيه جمع بينهما، فقُدِّم.
وادعى بعضهم إِجماع الصحابة، وليس كذلك.
وجه الثاني: لو قدم لقدم الأضعف، لما سبق (2) في تقديم خبر الواحد عليه (3).
رد: بما سبق، ثم: ذلك عند إِبطال أحدهما، والتخصيص إعمال لهما.
وألزم بعضهم (4) الخصم تخصيص الكتاب بالسنة، والمفهوم لهما.
قالوا وأجيب: بما سبق (5) في المفهوم (6).
وكاستصحاب الحال (7).
رد: بأنه دليل عند عدم دليل شرعي (8).
__________
(1) يعني: القياس.
(2) في ص 630.
(3) يعني: على القياس.
(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب / 98.
(5) في ص 962.
(6) نهاية 139 أمن (ب).
(7) فقالوا: لم يخص به.
(8) فلهذا لم يخص به لوجود الدليل.

(3/982)


واقتصر في التمهيد (1) على أنه ليس دليلاً.
واحتج الحنفية: بما سبق (2) في خبر الواحد.
وجه الوقف: للتعارض.
رد: بما سبق، على أنه خلاف الإِجماع (3).
وجه الأخير: أن العلة كذلك (4) كنص خاص.
وللمخالف: المنع.
واستدل (5): المستنبطة مرجوحة أو مساوية -فلا تخصيص- أو راجحة، ووقوع واحد من اثنين (6) أقرب من واحد معين (7).
رد: بلزومه في كل تخصيص (8) (9).
__________
(1) انظر: التمهيد/ 63 ب.
(2) في ص 958، 961.
(3) لأنه إِحداث قول ثالث.
(4) يعني: إِذا ثبتت بنص أو إِجماع، أو كان الأصل مخرجاً ... إِلخ.
(5) على أن المستنبطة لا تخصص.
(6) وهما: كونها مرجوحة، وكونها مساوية.
(7) وهو كونها راجحة.
(8) وقد رجحتم الاحتمال الواحد فيها على الاحتمالين.
(9) نهاية 289 من (ح).

(3/983)


وبأنها راجحة (1) أو مساوية، والجمع أولى.

وهذه المسألة ونحوها ظنية؛ لأن أدلتها ظنية، قطعيهَ عند ابن الباقلاني (2)؛ للقطع بالعمل بالظن (3) الراجح.
مسألة
يخص العموم بقضايا الأعيان.
قال بعض أصحابنا (4): ويحتمل منعه على منعه بفعله عليه السلام - والخطاب له بلفظ يخصه، وكلام أحمد يحتمله في الحريم (5) للحِكَّة (6).
__________
(1) يعني: نجعل الاثنين: كونها راجحة، وكونها مساوية.
(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 99.
(3) نهاية 100 أمن (ظ).
(4) انظر: المسودة/ 118، 130.
(5) فقد ورد نهي الرسول عن لبس الحرير للرجال. أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 149 - 150، ومسلم في صحيحه/ 1635 وما بعدها من حديث جمع من الصحابة مرفوعًا. وأخرج البخاري في صحيحه 7/ 151، ومسلم في صحيحه/ 1646 عن أنس قال: رخص رسول الله للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير، لحكة كانت بهما.
(6) في (ب): للحكمة.

(3/984)