أصول الفقه لابن مفلح المجمل
هو لغة (1): المجموع -من: أجملت الحساب- وقيل: أو المبهم.
واصطلاحاً: [ما] (2) لم تتضح دلالته.
وفي التمهيد (3): ما أفاد جملة من الأشياء.
وفي العدة (4): ما لا يعرف معناه من لفظه.
وفي الروضة (5): ما لا يفهم منه عند الإِطلاق معنى، قال: وقيل:
ما احتمل أمرين لا مزية لأحدهما، مثل: المشترك.
وقيل: ما لا يعرف المراد منه إِلا ببيان غير اجتهادي.
فيخرج "المشترك"؛ لجواز التأويل باجتهاد (6)، وما أريد مجازه،
للنظر في الوضع (7) والعلاقة.
وقيل: لفظ لا يفهم منه عند إِطلاقه شيء.
__________
(1) انظر: الصحاح/ 1662، ومعجم مقاييس اللغة 1/ 481.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(3) انظر: التمهيد / 76 ب.
(4) انظر: العدة/ 143.
(5) انظر: روضة الناظر/ 180.
(6) في (ح): باجتهاده.
(7) في (ب) و (ظ): الموضع.
(3/999)
ونقض طرده: بالمهمل والمستحيل، وعكسه:
بجواز فهم أحد محامله كقوله: (وآتوا حقه) (1)، وقيامه - عليه
السلام - من الثانية ولم يتشهد (2)، لاحتمال جوازه وسهوه (3).
* * *
والإِجمال يكون في مفرد كـ "القرء" (4) و"العين" و"المختار"
يصلح فاعلاً ومفعولاً.
وفي مركب، كقوله: (أو يعفو (5)) (6).
وفي مرجع الضمير، نحو: ضرب زيد عمرًا وأكرمني.
ومرجع الصفة، نحو: "زيد طبيب (7) ماهر"، فـ "ماهر" صفة لـ
"طبيب " أو لصفة أخرى.
وفي تعدد المجاز عند تعذر الحقيقة.
__________
(1) سورة الأنعام: آية 141.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 161 - 162، ومسلم في صحيحه/ 399
من حديث عبد الله بن بعينة مرفوعاً.
(3) فتقييد حد المجمل بـ "اللفظ" يخرجه عن كونه جامعًا؛ لأن
الإِجمال يعم الأقوال والأفعال.
(4) نهاية 294 من (ح).
(5) سورة البقرة: آية 237.
(6) فهو متردد بين الزوج والولي.
(7) في (ح): للطبيب.
(3/1000)
والعام المخصوص بمجهول.
والمستثنى المجهول (1)، نحو: (إِلا ما يتلى عليكم) (2).
والصفة المجهولة، نحو: (محصنين) موجِب للإِجمال في: (وأحل لكم)
(3).
قال في الروضة (4) وغيرها: والواو للعطف والابتداء، و"مِنْ"
لمعان.
مسألة
لا إِجمال في إِضافة التحريم إِلى الأعيان -نحو: (حرمت عليكم
الميتة) (5) و (أمهاتكم) (6) - خلافا لأكثر الحنفية (7)
-الكرخي (8) وغيره- ولأبي عبد الله البصري (9).
__________
(1) نهاية 142 أمن (ب).
(2) سورة المائدة: آية 1.
(3) سورة النساء: آية 24.
(4) انظر: روضة الناظر/ 181.
(5) سورة المائدة: آية 3.
(6) سورة النساء: آية 23.
(7) ذكر في تيسير التحرير 1/ 661، وفواتح الرحموت 2/ 33: أن
المختار: لا إِجمال. ونقل -فيهما- القول بالإجمال عن الكرخي.
وانظر: أصول السرخسي 1/ 195، وكشف الأسرار 2/ 106.
(8) انظر: تيسير التحرير 1/ 166، وفواتح الرحموت/ 332.
(9) انظر: المعتمد/ 333.
(3/1001)
ثم: هو عام عند ابن عقيل (1) والحلواني (2)
وغيرهما من أصحابنا.
وقال (3) في التمهيد (4) والروضة (5) والمالكية (6) وجماعة من
المعتزلة (7): ينصرف إِطلاقه في كل عين إِلى المقصود اللائق
بها؛ لأنه متبادر لغة (8) وعرفا.
وللشافعية (9) وجهان.
وذكر أبو الطيب (10) -منهم- العموم عن قوم من الحنفية.
وللقاضي (11): الأقوال الثلاثة.
__________
(1) انظر: الواضح 2/ 191، والمسودة/ 95.
(2) انظر: المسودة/ 95.
(3) في (ح): قال.
(4) النظر: التمهيد/ 77 أ.
(5) انظر: روضة الناظر/ 181.
(6) انظر: المنهاج للباجي/ 103، والمنتهى لابن الحاجب/ 100،
وشرح تنقيح الفصول/ 275، ومفتاح الوصول/ 39.
(7) انظر: المعتمد/ 333.
(8) في (ح): أو عرفا.
(9) انظر: اللمع/ 30، والتبصرة/ 201، والمحصول 1/ 3/ 241،
والإِحكام للآمدي 3/ 12.
(10) انظر: المسودة/ 95.
(11) انظر: العدة/ 106، 145، والتمهيد/ 76 ب، والمسودة/ 94 -
95.
(3/1002)
واختار أبو الفرج المقدسي: الإِجمال.
وحكى القاضي (1) عن أبي الحسن التميمي: أن وصف الأعيان بالحل
والحظر مجاز، كما قاله البصري (2).
قالوا: التحريم إِنما يتعلق بأفعال مقدورة، والأعيان غير
مقدورة، فلا بد من إِضمار للضرورة، والمضمر لها يتقدر بقدرها،
فلا يضمر الجميع، ولا أولوية لبعضه.
رد: بوصف العين بالحل والحظر حقيقة، فهي محظورة علينا ومباحة
كوصفها بطهارة ونجاسة وطيب وخبث، فالعموم في لفظ التحريم (3)،
اختاره بعض أصحابنا (4) وغيرهم.
ثم: بمنع الحاجة إِلى الإِضمار مع تبادر الفهم.
ثم: يضمر الجميع؛ لأن الإِضمار واقع إجماعاً (5)، بخلاف
الإِجمال، وأكثر وقوعا منه، ولإِضماره (6) في قوله: (لعن الله
اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم، فَجَمَلوها، فباعوها) (7)،
__________
(1) انظر: العدة/ 518، والمسودة/ 93.
(2) وهو أبو عبد الله البصري.
(3) نهاية 295 من (ح).
(4) انظر: المسودة/ 93.
(5) نهاية 102 أمن (ظ).
(6) يعني: إِضمار الجميع.
(7) أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 170، ومسلم في صحيحه/ 1207 من
حديث ابن عباس مرفوعًا
(3/1003)
وإلا (1) لما لعنهم ببيعها، ولو كان
الإِجمال أولى منه (2) كان خلاف الأولى.
ثم: بعضه أولى بالعرف.
مسألة (3)
لا إِجمال في نحو: (وامسحوا برؤسكم) (4)، خلافا للحنفية -أو
لبعضهم (5) -لتردده (6) بين مسح كله وبعضه، وبَيَّنه - عليه
السلام - بفعله (7).
رد: بما يأتي.
ثم: حقيقة اللفظ مسح كله عند أحمد (8) ومالك (9) وأصحابهما
وغيرهم؛ لأن الياء -لغة- زائدة لإِلصاق المسح به، وحقيقة الرأس
كله،
__________
(1) يعني: لو لم يدل ذلك على إِضمار جميع التصرفات المتعلقة
بالشحوم.
(2) يعني: من إِضمار الكل.
(3) نهاية 142 ب من (ب).
(4) سورة المائدة: آية 6.
(5) خالف بعض الحنفية في ذلك. فانظر: كشف الأسرار 1/ 83، 2/
169، وتيسير التحرير 1/ 166، وفواتح الرحموت 2/ 35.
(6) في (ظ): كتردده.
(7) يعني: مسح على ناصيته. انظر: حاشية التفتازاني على شرح
العضد 2/ 159.
(8) انظر: المغني: 1/ 93.
(9) انظر: المدونة 1/ 16، والكافي لابن عبد البر/ 166 - 167،
والمنتهى لابن الحاجب/ 101.
(3/1004)
كآية التيمم: (فامسحوا بوجوهكم) (1).
وعند الشافعي (2) وأصحابه: يكفي مسح بعضه -وللمعتزلة (3)
القولان- لأنه العرف نحو: مسحت بالمنديل.
رد: لأنه آلة، والعمل بالآلة يكون ببعضها، بخلاف: مسحت بوجهي.
وأما "الباء للتبعيض" فلا يعرف لغة، وأنكره (4) أهلها، وعنهم
يؤخذ، فلا يقال: "شهادة نفي"، والمثبِت عليه الدليل والأصل
عدمه.
وقال أبو المعالي (5): هو (6) خلف (7) من الكلام.
وبعض الشافعية -واختاره صاحب المحصول (8) -: تفيد التبعيض إِذا
دخلت على فعل يتعدَّى بدونها.
والتبعيض في: شربن بماء البحر (9) استفيد من القرينة، كـ شربن
ماء
__________
(1) سورة المائدة: آية 6.
(2) انظر: الأم 1/ 26، والمهذب 1/ 17، والإِحكام للآمدي 3/ 14.
(3) انظر: المعتمد/ 334، والإِحكام للآمدي 3/ 14.
(4) في (ب) و (ح): أنكره.
(5) انظر: البرهان/ 180.
(6) يعني: كونها للتبعيض.
(7) الخَلْف: الرديء من القول. انظر: لسان العرب 10/ 433.
(8) انظر: المحصول 1/ 1/ 532.
(9) هذا جزء من صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي في وصف السحاب، وهو:=
(3/1005)
البحر (*).
مسألة
لا إِجمال في (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) عند الجمهور.
وسبق في تحريم العين (1) ودلالة الإِضمار (2).
مسألة
لا إِجمال في نحو: (لا صلاة إِلا بطهور)، (إِلا بفاتحة الكتاب
(3)، (لا
__________
=شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نثيج
وورد بروايات أخرى.
انظر نسبته إِليه في: شرح أشعار الهذليين 1/ 129، والخصائص 2/
85، والتصريح 2/ 2، وخزانة الأدب 3/ 193، ولسان العرب 1/ 469 -
470. وأبو ذؤيب هو: خويلد بن خالد، شاعر جاهلي إِسلامي. انظر:
الشعر والشعراء 2/ 653 تحقيق: أحمد شاكر.
(*) فالتبعيض مفهوم بدون الباء.
(1) في ص/ 100 وما بعدها.
(2) في ص 828 - 838.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 147 - 148، ومسلم في صحيحه/ 295
عن عبادة بن الصامت مرفوعًا: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب).
وأخرجه -باللفظ الذي ذكره المؤلف- ابن عدي في الكامل عن أبي
سعيد مرفوعًا (انظر: نصب الراية 1/ 363)، والطبراني في كتابه
مسند الشاميين عن عبادة مرفوعاً (انظر: نصب الراية 1/ 364،
ومجمع الزوائد 2/ 115)، وأبو محمَّد الحارثي في مسنده عن أبي
سعيد مرفوعًا. انظر: نصب الراية 1/ 367.
(3/1006)
نكاح إِلا بولي)، ويقتضي نفي الصحة عند
أحمد ومالك (1) والشافعي (2) وأصحابهم، واختاره أبو المعالي
(3).
وقيل: عام في نفي الموجود والحكم، خص الوجود بالعقل، قال أبو
المعالي (4): قاله جمهور الفقهاء. كذا قال
وقيل: عام في نفي الصحة والكمال، وهو في كلام القاضي (5)
-أيضًا وابن عقيل (6)؛ بناء على عموم المضمَر.
وعند بعض (7) الشافعية (8) والجبائية وابن الباقلاني (9) وأبي
عبد الله البصري (10): مجمل، وقاله الحنفية أو بعضهم (11).
__________
(1) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 101، وشرح تنقيح الفصول/ 276.
(2) انظر: اللمع / 30، والتبصرة/ 203.
(3) انظر: البرهان/ 306.
(4) انظر: المرجع السابق/ 307.
(5) انظر: العدة/ 515، 517.
(6) انظر: الواضح 2/ 91 أ، 176 ب.
(7) نهاية 296 من (ح).
(8) انظر: التبصرة/ 203.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 17، والمنتهى لابن الحاجب/ 101.
(10) انظر: المعتمد/ 335.
(11) جاء في تيسير التحرير 1/ 681، وفواتح الرحموت 2/ 38: لا
إِجمال فيه. ولم يذكرا لهم خلافا.
(3/1007)
وجه عدم الإِجمال: أنه (1) عرف (2) الشارع
[فيه] (3) نفي الصحة، أي: لا عمل شرعي، وإن لم يثبت (4) فعرف
اللغة نفي الفائدة نحو: "لا علم إِلا ما نفع"، ولو قدر عدمهما
(5) -وأنه لا بد من إِضمار- فنفي الصحة أولى؛ لأنه يصير
كالعدم، فهو أقرب إِلى الحقيقة المتعذرة، وليس هذا إِثباتًا
للغة بالترجيح، بل إِثبات لأولوية أحد المجازات بعرف استعماله.
قال: العرف مختلف في الصحة والكمال.
رد: بالمنع، بل اختلف العلماء.
ثم: نفي الصحة أولى؛ لما سبق (6).
وقيل: بالإِجمال؛ لاقتضائه نفي العمل حسا. وهو ضعيف. (7)
* * *
ومثل المسألة (8): قوله - عليه السلام -: (إِنما الأعمال
بالنية) ونحوه.
__________
(1) كذا في النسخ. ولعلها: أن.
(2) نهاية 143 أمن (ب).
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) يعني: وإن لم يثبت عرف الشارع ...
(5) يعني: عدم العرفين.
(6) من أنه أقرب إِلى نفي الذات.
(7) نهاية 102 ب من (ظ).
(8) انظر: التمهيد/ 77 ب، والمسودة/ 107، واللمع / 30،
والتبصرة/ 203، والإحكام للآمدي 3/ 18.
(3/1008)
وفيه في التمهيد (1): أن نفيه يدل على عدمه
وعدم إِجزائه.
مسألة
رفع إِجزاء الفعل نص، فلا ينصرف إِلى عدم إِجزاء الندب إِلا
بدليل.
مسألة
نفي قبول الفعل يقتضي عدم الصحة، ذكره ابن عقيل (2) في مسألة
"النهي للفساد"، قال: "وإنما يلزم من قال: الصلاة في الدار
المغصوبة تصح ولا تقبل"، ثم حكى عن قوم: لا يمنع الصحة، لكنه
لا ثواب.
مسألة
لا إِجمال في: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (3).
وعند بعض الأصوليين: لفظ "القطع" و"اليد" مجمل.
وفي التمهيد (4): قيل: مجمل فيهما، وقال قوم: لا.
وجه الأول: أن "اليد" إِلى المنكب حقيقة، وما دونه بعض اليد،
ولهذا لما نزلت آية التيمم (5) تيممت الصحابة معه - عليه
السلام - إِلى
__________
(1) انظر: التمهيد/ 77 ب.
(2) انظر: الواضح 2/ 40 ب، 41أ، 42أ.
(3) سورة المائدة: آية 38.
(4) انظر: التمهيد/ 77 ب.
(5) سورة المائدة: آية 6.
(3/1009)
المناكب (1).
و"القطع" حقيقة في إِبانة المتصل.
وأيضًا: لو كان مشتركًا (2) في الكوع والمرفق والمنكب لزم
الإِجمال، والمجاز أولى منه على ما سبق (3).
واستدل: يحتمل الاشتراك والتواطو وحقيقة أحد هما (4)، ووقوع
واحد من اثنين (5) أقرب من معين (6). (7)
رد: إِثبات لغة بالترجيح، وبنفي المجمل. وفيه نظر؛ لاختصاص هذا
الدليل بلفظ أطلق (8) علي معان اختلف في ظهوره في بعضها.
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه 1/ 224 - 227، والنسائي في سننه 1/
167 - 168، وابن ماجه في سننه/ 187، وأحمد في مسنده 4/ 263 -
264، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 110 وما بعدها، والبيهقي
في السنن الكبرى 1/ 208 عن عمار بن ياسر.
وانظر: نصب الراية 1/ 155 - 156.
(2) نهاية 297 من (ح).
(3) في ص 86 من هذا الكتاب.
(4) ومجازية الآخر.
(5) وهما: التواطؤ، وحقيقة أحدهما.
(6) وهو: الاشتراك (الإِجمال).
(7) نهاية 143 ب من (ب).
(8) في (ظ): المطلق.
(3/1010)
قالوا: "اليد" للثلاث (1)، و"القطع"
للإبانة والجرح، والأصل عدم مرجح.
رد: بظهوره بما سبق.
وسلم الآمدي (2): أن قطع السارق خلاف الظاهر، وأنه أولى من
الإِجمال.
وفي التمهيد (3): قام الدليل عليه (4)، قال: ولأنه رجب حمله
على أقل ما يقع عليه الاسم وهو الكف؛ لأن من أمر بفعل يقع على
أشياء -والعقل يحظره- وجب فعل أقلها.
وسبق (5) خلافه في عموم جمع منكر.
مسألة
لا إِجمال في: (وأحل الله البيع) (6)، خلافا للحلواني (7) وبعض
الشافعية (8)؛ لأن الله حكى عنهم (9): أنه (مثل الربا)، فاعتبر
ما يميز
__________
(1) يعني: تطلق عليها.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 20.
(3) انظر: التمهيد/ 78 أ.
(4) يعني: على أنه من الكوع.
(5) في ص775.
(6) سورة البقرة: آية 275.
(7) انظر: المسودة/ 178.
(8) انظر: اللمع/ 29، والتبصرة/ 200.
(9) يعني: عن المشركين.
(3/1011)
بينهما.
رد (1): فرقوا بينهما في الاسم، وقالوا: هو مثله في المعنى.
واختلف كلام القاضي (2).
وعزي هذا الاختلاف إِلى الشافعي، قاله ابن برهان (3) وأبو
المعالي (4) , وقال (5): كل بيع فيه زيادة فمجمل، وإلا (6)
عام.
قال بعض أصحابنا (7): وكلام القاضي المذكور يوافقه.
مسألة
اللفظ لمعنى تارة ولمعنيين أخرى (8) -ولا ظهور- مجمل في ظاهر
كلام أصحابنا، وقاله الغزالي (9) وجماعة.
__________
(1) يعني: فما احتججتم به فهو عليكم؛ لأنهم فرقوا ...
(2) انظر: العدة/ 110، 148، والتمهيد/ 78أ، والمسودة/ 178.
(3) انظر: المسودة/ 178.
(4) انظر: البرهان/ 422. وراجع: أحكام القرآن للشافعي 1/ 135.
(5) يعني: أبا المعالي.
(6) يعني: وإلا فاللفظ عام لجميع صور المبايعات.
(7) قال في المسودة/ 178: وكلام القاضي يوافق هذا؛ فإِنه قال:
لما قال -وهم أهل اللسان-: (إِنما البيع مثل الربا) افتقر إِلى
قرينة تفسره وتميز بينه وبين الربا. فانظر: لعدة/ 148 - 149.
(8) مثل: (الدابة) يراد بها الفرس تارة، والفرس والحمار أخرى.
(9) انظر: المستصفى 1/ 355.
(3/1012)
وقال الآمدي (1): ظاهر في المعنيين -وذكره
قول الأكثر- لتكثير الفائدة.
رد: إِثبات لغة بالترجيح، ثم: الحقائق لمعنى واحد أكثر.
قال وأجيب: بما سبق (2) في "السارق" من (3) احتمال الاشتراك
وغيره.
مسألة
ما له محمل (4) (5) لغة، ويمكن حمله على حكم شرعي -كـ: (الطواف
بالبيت صلاة) (6) يحتمل: كالصلاة حكماً، ويحتمل: أنه صلاة
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 21.
(2) في ص 1010.
(3) نهاية 298 من (ح).
(4) في (ظ): مجمل.
(5) نهاية 103أمن (ظ).
(6) أخرجه الترمذي في سننه 2/ 217، وابن حبان في صحيحه (انظر:
موارد الظمآن/ 247)، والحاكم في المستدرك 1/ 459، 2/ 267 -
وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد وفقه جماعة. ووافقه الذهبي
- والبيهقي في سننه 5/ 85، 87، والدارمي في سننه 2/ 374 عن ابن
عباس مرفوعًا. قال الترمذي: وقد روي عن ابن طاوس وغيره عن طاوس
عن ابن عباس موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعاً إِلا من حديث عطاء بن
السائب.
وقد اختلف في رفع هذا الحديث ووقفه. فراجع: نصب الراية 3/ 57 -
58، والتلخيص الحبير 1/ 129 - 131.
(3/1013)
لغة؛ للدعاء فيه، وكقوله (1): (الاثنان
جماعة) -لا إِجمال فيه عند أصحابنا والأكثر- خلافا للغزالي (2)
-لأنه عليه السلام (3) بعث لتعريف الأحكام [لا اللغة] (4)،
وفائدة التأسيس أولى.
قالوا: يصلح لهما، والأصل عدم النقل.
رد: بما سبق (5)
مسألة
ما له حقيقة لغة وشرعًا -كالصلاة- غير مجمل، وهو للشرعي عند
صاحب التمهيد (6) والروضة (7) وغيرهما والحنفية (8)؛ لما في
التي قبلها.
وظاهر كلام أحمد (9) -قال بعض (10) أصحابنا: بل نصه-: مجمل،
__________
(1) في (ب) و (ظ): كقوله.
(2) انظر: المستصفى 1/ 357.
(3) نهاية 144 أمن (ب).
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ). وفي (ب): لا للغة.
(5) من دليلنا. وانظر: ص 87 وما بعدها من هذا الكتاب.
(6) انظر: التمهيد/ 14 ب.
(7) انظر: روضة الناظر: 174.
(8) انظر: تيسير التحرير 1/ 172، وفواتح الرحموت 2/ 41.
(9) انظر: العدة/ 143.
(10) انظر: المسودة 1/ 177.
(3/1014)
وقاله الحلواني (1)، وحكي عن ابن عقيل (1)؛
لما في التي قبلها.
وللشافعية (2) وجهان.
واختلفكلام القاضي (3): فتارة بناه على إِثبات الحقيقة الشرعية
-كابن عقيل (4) - وتارة قال بالإِجمال ولو أثبتها (5)، وفي
جامعه الكبير: نفاها وجعله للشرعي، وقاله ابن عقيل في تقسيم
الأدلة من الواضح (6)، وفيه -في آخر العموم (7) -: مجمل قبل
البيان مفسر بعده.
والغزالي (8): في الإِثبات -مثل: (إِني إِذًا لصائم (9)) -
للشرعي، وفي
__________
(1) انظر: المسودة/ 177.
(2) انظر: اللمع/ 30، والتبصرة/ 198، والإِحكام للآمدي 3/ 23.
(3) انظر: العدة/ 143، 259.
(4) انظر: المسودة/ 17.
(5) يعني: الحقيقة الشرعية.
(6) انظر: الواضح 1/ 125 أ.
(7) انظر: المرجع السابق 2/ 176 أ.
(8) انظر: المستصفى 1/ 359.
(9) أخرج مسلم في صحيحه/ 809 عن عائشة قالت: وقف علي النبي ذات
يوم، فقال: (هل عندكم شيء؟) فقلنا: لا. قال: (فإِني إِذاً
صائم). وأخرجه -عنها - أبو داود في سننه 2/ 824، والترمذي في
سننه 2/ 1118 - 1119 وقال: حسن، والنسائي في سننه 4/ 193 وما
بعدها، وابن ماجه في سننه/ 543.
(3/1015)
النهي -كصوم يوم النحر (1) - مجمل، لتعذُّر
حمله على الشرعي، وإِلا لزم صحته.
رد: ليس معنى "الشرعي" الصحيح، وإلا لزم في قوله للحائض: (دعي
الصلاة) الإِجمال.
والآمدي (2): كالغزالي، إِلا في النهي فلغوي، لتعذر الشرعي،
للزوم صحته كبيع الحر (3) والخمر (4)، واللغوي أولى من
الإِجمال.
رد: ليس معنى "الشرعي" الصحيح.
وبلزوم اللغوي في"دعي الصلاة"، وهو باطل.
فإن قيل: يعم المعنيين.
قيل: ظاهر في الشرعي.
__________
(1) النهي عن صوم يوم النحر: أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 42 -
43، ومسلم في صحيحه/ 799 - 800 من حديث عمر وأبي سعيد مرفوعًا.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 23.
(3) أخرج البخاري في صحيحه (انظر: فتح الباري 4/ 417) عن أبي
هريرة عن النبي قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:
رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ...) وأخرجه ابن
ماجه في سننه/ 816، وأحمد في مسنده 2/ 358.
(4) النهي عن بيع الخمر: أخرجه البخاري في صحيحه (انظر: فتح
الباري 4/ 313، 424)، ومسلم في صحيحه/ 1206 من حديث عائشة
وجابر مرفوعًا.
(3/1016)
ثم: لم يقل (1) به أحد، قاله في التمهيد
(2).
وفي الواضح (3) عن بعض الشافعية: عام. وأبطله: بأنه لم يُرَد
به.
* * *
والأقوال (4) السابقة: في مجاز مشهور وحقيقة لغوية، وسبق معناه
في كلام القاضي (5).
وإن لم يكن مشهورًا عمل بالحقيقة.
وفي اللامع (6) لأبي عبد الله بن حاتم (7) -تلميذ ابن
الباقلاني-: اختلف فيه أصحابنا، فمنهم من قال: لا يصرف إِلى
واحد منهما إِلا (8) بدليل.
__________
(1) يعني: بالعموم.
(2) انظر: التمهيد/ 81 أ.
(3) انظر: الواضح 2/ 176أ.
(4) نهاية 299 من (ح).
(5) انظر: ص 1015، 88 - 89 من هذا الكتاب.
(6) انظر: المسودة/ 565. واللامع: كتاب في أصول الفقه، ورد
ذكره عدة مرات في المسودة.
(7) هو: الحسين بن حاتم الأزدي، أصولي أشعري، بعثه ابن
الباقلاني من بغداد إِلى دمشق للوعظ والتذكير في مسائل
التوحيد، فعقد مجلس التذكير في جامع دمشق، وأقام بها مدة، ثم
توجه إِلى المغرب فنشر العلم بتلك الناحية، واستوطن القيروان
إلى أن مات بها. من مؤلفاته: اللامع في أصول الفقه.
انظر: تبيين كذب المفترى/ 216، وكشف الظنون/ 1536.
(8) نهاية 144 ب من (ب).
(3/1017)
|