الإبهاج في شرح المنهاج ج / 1 ص -322-
الفصل السابع في تعارض ما يخل بالفهم
قال الفصل
السابع في تعارض ما يخل بالفهم وهو الاشتراك والنقل
والمجاز والإضمار والتخصيص وذلك على عشرة أوجه.
الأحوال اللفظية المخلة بالأفهام الاشتراك والنقل والمجاز
والإضمار والتخصيص.
واعلم أن التعارض بين هذه الاحتمالات الخمسة يقع على عشرة
أوجه فقد اشتمل كلامنا هذا على دعاء.
والأولى: أن هذه الخمسة مخلة بالأفهام
وبيان ذلك أنه على تقدير الاشتراك يحتمل أن يكون المراد
غير ما يعنيه وعلى تقدير النقل يحتمل أن يكون المراد
الحقيقة وكذلك على تقدير الإضمار والتخصيص.
والثانية: أنه لا يخل بالفهم من الألفاظ
سواها وبيانها حصر المخلات في هذه الأقسام بالدوران وذلك
بأن يقال كلما حصل أحد هذه الخمسة حصل الإخلال لما ذكرناه
وكلما انتفت الخمسة انتفى الإخلال لأن مع زوال الاشتراك
والنقل يكون اللفظ حقيقة واحدة ومع انتفاء المجاز والإضمار
يكون المراد تلك الحقيقة ومع زوال التخصيص يكون المراد
كلها هذه طريقة تدلك على الحصر ولك على ذلك طريقة أخرى وهي
الترديد الدائر بين النفي والإثبات وذلك بأن تقول إذا لم
يتعين المعنى من اللفظ فلا يخلو إما أن يكون لاحتمال معنى
آخر داخل في مفهوم اللفظ أو خارج عنه إن كان
ج / 1 ص -323-
الأول
فهو احتمال التخصيص وإن كان الثاني فإما أن يكون لاحتمال
حقيقة أخرى أو لا.
والأول: إن كان مسبوقا بوضع آخر فهو
احتمال النقل وإلا فاحتمال الاشتراك.
والثاني: إن كان المصير إليه لضرورة لفظية
فهو احتمال الإضمار وإلا فاحتمال المجاز.
والثالثة: أن التعارض بينها يقع على عشرة
أوجه وبيانها أنه إنما يقع التعارض بين الاشتراك وبين
الأربعة الباقية ثم بين النقل وبين الثلاثة الباقية ثم بين
المجاز وبين الوجهين الباقيين ثم بين الإضمار والتخصيص
فكان المجموع عشرا.
وأعلم أنه هذه الدعوى غير محررة والاعتراض عليها من وجوه:
أحدها: أنه إن أريد أنه إذا انتفت الخمسة
حصل الظن بالمدلول لا الجزم فليس بصحيح فإن الظن حاصل مع
الاحتمالات وإن أريد أن الخمسة تخل بالجزم بالمدلول لا
بظنه فنقول لا يلزم من انتفاء الخمسة انتفاء الاحتمال
وحصول الجزم كيف وقد ذكر الإمام أن الأدلة السمعية لا تفيد
اليقين إلا بنفي عشرة احتمالات فذكر هذه الخمسة مع التقديم
والتأخير والناسخ والمعارض العقلي وتغير الإعراب ومعلوم
أنه هذه العشرة إنما تخل باليقين لا بالظن فكان حقه أن
يذكر هاهنا العشرة بعينها فالحصر في الخمسة باطل.
فإن قلت لعل المراد أن انتفاء الخمسة يحصل غلبة الظن وتلك
رتبة متوسطة بين اليقين وأصل الظن.
قلت هذه الغلبة لا ضابط لها وغلبة الظن لا تخرج عن باب
الظن فإن الظنون تتفاوت وهي مشتركة في مشروع واحد.
والثاني: أن ما ذكر من أنه إذا انتفى
المجاز والإضمار بقي اللفظ مستعملا فيما وضع له مفهومه أنه
إذا وجد أحدهما لا يكون اللفظ مستعملا فيما وضع له وليس
كذلك لأن الإضمار على قسمين:
ج / 1 ص -324-
أحدهما: ما يوجب مجازا في اللفظ مثل:
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فإن إضمار الأهل هو الذي صير إسناد السؤال في الظاهر إلى القرية
مجازا.
الثاني: هو ما لا يوجب مجازا في اللفظ
كقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}1
الآية فإذا أضمرنا فيها محدثين لا يتجدد في اللفظ مجاز
وكذلك قوله:
{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ}
فإذا أضمرنا فأفطرتم لا يتجدد في اللفظ مجاز.
الثالث: أن الكلام في هذه المحتملات إن
كان في مطلقاتها وأجناسها دون أنواعها وأشخاصها فلا ينبغي
أن يذكر الإضمار ولا التخصيص لأنهما نوعان للمجاز فيندرجان
تحت مطلقه وعلى هذا يكون الاحتمالات المخلة ثلاثة فقط وإن
كان الكلام في أنواعها دون مطلقاتها وأجناسها فلا ينحصر في
خمسة لأن أنواع المجاز متعددة كما سبق وقد ذكر فيما تقدم
اثني عشر نوعا وأنواع النقل ثلاثة فهذه خمسة عشر اثنين
منها فعلم أن الحصر في الخمسة فاسد.
الرابع: أن من جملة الاحتمالات المخلة
بالفهم النسخ لأن السامع إذا جوز على حكم اللفظ أنه منسوخ
لم يجزم ثبوته ولم يذكروه مع الخمسة والإمام ذكره بعد ذلك
وزعم أنه مندرج في التخصيص فلذلك لم يقرره بالذكر وتبعه
المصنف في ذلك وهذا لا يستقيم لا على أصله ولا على الحق في
نفس الأمر فإن أصله أن صيغة الأمر للقدر المشترك بين المرة
والتكرار فلا عموم في الأزمان فلا نسخ وأما على الحق في
نفس الأمر فلأنا إذا سيرنا الأوامر لا نجدها تقتضي بصيغتها
فعل المأمور أبدا فكان الأحسن أن يعد النسخ وقد نظم بعضهم
بيتين في هذه الأقسام وذكر النسخ فقال:
تجوز ثم إضمار وبعدهما
نقل تلاه اشتراك فهو يخلفه
وأرجح الكل تخصيص وآخرهم
نسخ فما بعده قسم يخلفه
قال الأول النقل أولى من
الاشتراك لأفراده في الحالتين كالزكاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة آية: 6.
ج / 1 ص -325-
شرع في
ذكر الوجوه العشرة على الترتيب المذكور فنقول النقل أولى
من الاشتراك لأن المنقول مدلوله مقرر في الحالتين أي قبل
النقل وبعده أما قبل النقل فلأن مدلوله المنقول عنه وهو
اللغوي وأما بعده فلأن مدلوله المنقول إليه وهو الشرعي أو
العرفي وإذا كان مدلوله مفردا لم يمتنع العمل به.
وأما المشترك فمدلوله متعدد في كل وقت فيكون المجمل لا
يعمل به إلا بقرينة اللهم إلا أن يقال نحمله وما لا يمتنع
العمل به أولى من عكسه مثال ذلك لفظ الزكاة فإنه يحتمل أن
يكون مشتركا بين النماء والقدر المخرج من النصاب وأن يكون
موضوعا للنماء فقط ثم نقله الشرع إلى القدر المخرج من
النصاب فإذا تعارضا فالنقل أولى لما ذكرناه ومن أمثلته أن
يقول الشافعي الفاتحة ركن في الصلاة لقوله صلى الله عليه
وسلم:
"كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"1 ولفظ الصلاة في عرف الشرع منقول إلى العبارة المخصوصة فوجب أن
تكون الفاتحة ركنا فيقول الحنفي مذهب القاضي أن الشرع لم
ينقل شيئا من الألفاظ بل الصلاة مشتركة بين الدعاء وبين
المتابعة ومنه سمي الثاني في جلية السياق مصليا لكونه
تابعا لصلوي الذي قبله وسميت هذه العبارة صلاة لما فيها من
المتابعة للأئمة غالبا وذا كانت مشتركة كانت مجملة فيسقط
الاستدلال بها حتى يدين الخصم رجحان اللفظ في أحدهما.
فنقول جعلها منقولة إلى العبارة المخصوصة أولى من الاشتراك
لما تقرر.
ومنها أن يقول الشافعي الكلب نجس لقوله صلى الله عليه
وسلم:
"طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا"2 والطهارة في عرف الشرع منقولة إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث صحيح رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة –
رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:
"من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن"
وفي رواية بفاتحة الكتاب – فهو خداج هي خداج غير تمام".
2 ولفظه كما عند مسلم وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة –
رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
"طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات
أولاهن بالتراب".
ج / 1 ص -326-
إزالة
الحدث والخبث ولا حدث فيتعين الخبث فيقول المالكي لفظ
الطهارة مشترك في اللغة بين إزالة الأقذار وبين الغسل على
وجه التقرب إلى الله تعالى لأنه مستعمل فيهما حقيقة إجماعا
والأصل عدم التغيير والتقرب إلى الله تعالى كان معلوما لهم
لقوله تعالى:
{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}1 والمشترك مجمل فيسقط الاستدلال د به حتى بين الخصم الرجحان.
فنقول جعله منقولا إلى العبارة المخصوصة أولى من الاشتراك
لما مر.
قال الثاني: المجاز خير منه لكثرته وإعمال
اللفظ مع القرينة ودونها كذلك.
المجاز أولى من الاشتراك لوجهين:
أحدهما: أنه أكثر في اللغة والأكثرية دليل
الرجحان.
والثاني: أنه على تقدير المجاز إن كان
اللفظ مع القرينة وجب حمله على المجاز وإن كان مجردا عنها
وجب حمله على الحقيقة فهو معمول به على التقديرين بخلاف
الاشتراك فإن اللفظ المشترك إذا تجرد عن القرينة وجب
التوقف على المختار عندهم وإن عمل به عند البعض احتياطا
فليس العمل للاحتياط كالعمل مع التحقيق.
ومن أمثلة الفضل قولنا موطوءة الأب بالزنا يحل للإبن
نكاحها لقوله تعالى:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}2 وهذه طابت للإبن.
فإن قلت هذا معارض بقوله تعالى:
{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}3 والنكاح حقيقة في الوطء
قلت بل هو حقيقة في العقد لقوله تعالى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الزمر آية: 3.
2 سورة النساء آية: 3.
3 سورة النساء آية: 22.
ج / 1 ص -327-
وغيرها
من الآيات وإذا كان حقيقة في العقد لا يكون حقيقة في الوطء
وإلا يلزم الاشتراك.
فإن قلت لولا ذلك لزم المجاز.
قلت المجاز خير من الاشتراك لما ذكرناه.
ومنها قولنا لا يجوز التوضؤ بالنبيذ لأن الله تعالى نص على
سبيله الماء فوجب حصر السبب فيه عملا بالأصل الثاني لسببية
غيره.
وإنما قلنا إن الله تعالى نص على سببية الماء لقوله تعالى:
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}1 والطهور هو الذي يتطهر به كالحنوط والسعوط الذي يتحنط به ويتسعط
به فيقول الحنفي الأصل في فعول أن يكون تابعا لفاعل في
القصر والتعدية وطاهر قاصر فطهور مثله فلو كان ههنا الذي
يتطهر به للزم الاشتراك وعلى ما نقوله تكون صيغته هنا
مجازا فإنه لا تكرار في طاهرية بماء السماء فالمجاز أولى
من الاشتراك لما مر فتقول هو الترجيح مدفوع بقوله تعالى:
{لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} والباء للسببية فيدل على أن المراد الذي يفعل به التطهير.
قال
الثالث: الإضمار خير منه لأن احتياجه إلى
القرينة في صورة احتياج الاشتراك إليها في صورتين.
الإضمار أولى من الاشتراك لأنه لا يحتاج إلى القرينة إلا
في صورة واحدة وهي صورة إرادة المعنى الإضماري بخلاف
المشترك فإنه مفتقر إلى القرينة في جميع صوره إذ ليس البعض
فيه أولى من البعض وفي بعض نسخ الكتاب بعد قوله في صوريتن
مثل:
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي أن لفظ القرية يحتمل أن يكون منقولا بالاشتراك على الأهل
والأبنية ويحتمل أن يكون حقيقة في الأبنية فقط والأهل مضمر
فيقول المناظر الإضمار أولى لما قلناه ومن أمثلته قولنا لا
يجوز للأب أن يتزوج بجارية ابنه لقوله تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى قوله:
{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ}2
وجارية الابن حليلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الفرقان آية: 48.
2 سورة النساء آية: 23.
ج / 1 ص -328-
لأن
الحليلة فعيلة من الحل وهي المرأة التي يحل وطؤها فحليلة
الابن المرأة التي يحل وطؤها والجارية المملوكة للإبن كذلك
فتكون حليلة له وإذا كانت حليلة للإبن اندرجت تحت الآية
فتكون محرمة على الأب فيقول الحنفي حليلة الرجل هي المرأة
التي تحل له بالنكاح وهي الزوجة ودليله النقل.
قال الجوهري الحليلة الزوجة فنقول لا نسلم أن إطلاق
الحليلة على الزوجة بطريق الحقيقة.
فإن قلت الأصل في الإطلاق الحقيقة قلت نعم لكن لو جعلناه
حقيقة فيما ذكرتم فإما أن يكون حقيقة فيما ذكرناه أيضا أو
مجازا فيه والثاني باطل لأنه يلزم منه ترجيح الاستعمال في
دلالته على الحقيقة على الإشتقاق في دلالته عليها وذلك لأن
الظاهر أن الجوهري إنما أخذ أن الحليلة هي الزوجة من
استعمال العرب والاستعمال أعم منه أن يكون على سبيل
الحقيقة أو المجاز ونحن دللنا باشتقاق لفظ الحليلة المقتضي
لما هو أعم من الزوجة فليكن أرجح لبعد الخطأ فيه والأول
أيضا باطل لأنه يلزم منه الاشتراك.
فإن قلت لو لم يكن مشتركا بل كان حقيقة فيما ذكرتم مجازا
فيما ذكرناه لزم الإضمار لأن جارية الإبن لا تحرم على الأب
على التأييد بالإجماع بل ما دامت مملوكة والآية إنما سيقت
لبيان المحرمات على التأييد فلا بد من إضمار ما يصح به
تحريم جارية الإبن لا على التأييد لجواز أن يقال وحلائل
أبنائكم بالنكاح وبملك اليمين مادامت حليلتهم والإضمار
أيضا خلاف الأصل فوقع التعارض بين الاشتراك والإضمار.
قلت الإضمار أولى.
ومنها قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة لقوله صلى الله
عليه وسلم
"كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" وهذه صلاة فوجبت الفاتحة فيها فإن قال الخصم لفظ الصلاة مفهوم
مشترك في عرف الشرع لإطلاقه على ما لا ركوع فيه ولا سجود
كالجنازة وعلى ما لا تكبير فيه ولا سلام كالطواف وعلى ما
لا قيام فيه كصلاة المريض وليس بينهما قدر مشترك فحعل
اللفظ حقيقة فيه فيكون
ج / 1 ص -329-
مشتركا
مجملا يسقط الاستدلال به قلنا المشترك عندنا يحمل على جميع
مسمياته عند عدم القرينة فتندرج صلاة الجنازة تحت عمومه.
فإن قلت وجب جعل اللفظ غير منقول حذرا من الاشتراك ويكون
ههنا إضمار تقديره كل صلاة من الصلوات الخمس لم يقرأ فيها
بأم القرآن ويكون إطلاق لفظ الصلاة على الصلوات الخمس
مجازا لغويا والإضمار أولى من الاشتراك.
فنقول هذا الترجيح مدفوعا بالقياس على الصلوات الخمس.
قال
الرابع التخصيص خير لأنه خير من المجاز
كما سيأتي مثل ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم فإنه مشترك أو
مختص بالعقد وخص عنه الفاسد.
التخصص خيرمن الاشتراك لأن التخصيص خير من المجاز والمجاز
خير من الاشتراك ينتج ما ادعيناه.
أما الصغرى فلما سيأتي إنشاء الله تعالى وأما الكبرى فلما
مر مثاله أن يقول الحنفي موطوءة الأب بالزنا محرمة على
الابن لقوله تعالى:
{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} وهو حقيقة في الوطء فنقول بل هو حقيقة في العقد لما قررناه كما في
قوله تعالى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}1 وإذا
ثبت أنه موضوع للعقد فلم يبق إلا أن يكون مشتركا بين العقد
والوطء أو أن يكون مختصا بالعقد وخص عنه الفاسد حتى إذا
نكح الأب نكاحا فاسدا فللإبن أن ينكح تلك الموطوءة بالوطء
الفاسد والتخصيص أولى من الاشتراك.
قال الخامس: المجاز خير من النقل لعدم
استلزامه نسخ الأول كالصلاة.
المجاز الأول خير من النقل لأن النقل ستلزم نسخ الأول
مثاله الصلاة فإن المعتزلة ادعت أنها منقولة إلى الأفعال
الخاصة وجمهور الأصحاب قالوا إنها مجازات لغوية اشتهرت
فمذهبهم أولى لأن المجاز أولى من النقل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النور آية: 32.
ج / 1 ص -330-
ومن
أمثلته أن يقول المالكي يجزى رمضان كله نية واحدة من أوله
لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا صيام لم يبيت الصيام من الليل"1 ووجه الاحتجاج أن الصيام منقول عن أصل الإمساك إلى الإمساك
المخصوص والمعرف بأل يفيد العموم واستغراق الصوم إلى الأبد
ورمضان من جملة ذلك فيكون مفهوم ذلك أن من بيت كان له
الصوم وهذا قد ثبت فيقول الشافعي لا نسلم أنه منقول بل
مجاز في إمساك جزء من الليل قبل الفجر ويكون من مجاز
التعبير بالأعم عن الأخص فإن الشرع لم يصرح بتبييت الصوم
وما ذكرناه محمل صالح له والمجاز أولى من النقل.
قال
السادس: الإضمار خير منه لأنه مثل المجاز
كقوله تعالى:
{وَحَرَّمَ الرِّبا} فإن الأخذ مضمر والربا نقل إلى العقد.
الإضمار أولى من النقل لأن الإضمار مساو للمجاز لما سيأتي
إن شاء الله تعالى والمجاز أولى من النقل لما مر مثاله
قوله تعالى:
{وَحَرَّمَ الرِّبا} فإن الربا هو زيادة والزيادة بعينها لا توصف بحل ولا حرمة فلا بد
من تأويل فأضمرت طائفة الأخذ وقالت التقدير حرم أخذ الربا
فإذا توافق البايع والمشتري على إسقاط الزيادة صح وقالت
طائفة الربا نقل إلى العقد المشتمل على الزيادة وذلك
لقرينة قوله:
{أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}2
فإذن المنهي عنه نفس العقد سواء اتفقا على خط الزيادة أم
لا فالأول أولى لأن الإضمار أولي من النقل.
قال
السابع: التخصيص أولى لما تقدم مثل: {وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ}
فإنه المبادلة مطلقا وخص الفاسد أو نقل إلى المستجمع
لشرائط الصحة.
التخصيص أولى من النقل لأن التخصيص خير من المجاز لما
سيأتي إن شاء الله والمجاز خير من النقل لما مر والخير من
الخير خير مثاله قوله تعالى:
{أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} فمن قائل البيع موضوع للمبادلة مطلقا وخص عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجه من حديث حفصة – رضي الله عنها – بلفظ
"لا صيام لمن لم يفرضه من الليل".
2 سورة البقرة آية: 275.
ج / 1 ص -331-
الفاسد
لكونه غير حلال ومن قائل بل نقل إلى المعارضة المشتمل على
الأركان والشرائط فالأول أولى لأن التخصيص أولى من امثلته
أن يقول المالكي يلزم الظهار من الأمة وأم الولد لقوله
تعالى:
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الآية وهما من جملة النساء فإذا قال الشافعي لفظ النساء صار منقولا
في العرف للحرائر فوجب ألا يتناول محل النزاع ولو لم يكن
منقولا للزم أن يكون مخصوصا بذوات المحارم فإنهن من نسائهم
ولا يلزمهم فيهن ظهار كان للمالكي أن يقول إذا وتعارض
النقل والتخصيص فالتخصيص أولى.
قال
الثامن: الإضمار مثل المجاز لاستوائهما في
القرينة مثل هذا ابني.
الإضمار مثل المجاز فلا يترجح أحدهما على الآخر إلا بدليل
من خارج وإنما قلنا إنهما سيان لاستوائهما في الاحتياج إلى
القرينة واحتمال خفائها وهذا ما جزم به في الكتاب تبعا
للإمام في المحصول.
وقال الإمام في المعالم يترجح المجاز لكثرته وهذا ما
اختاره صفي الدين الهندي وقيل بالعكس وقوله مثل هذا ابني.
أعلم أن هذا المثال لم يذكره الإمام ولا صاحب الحاصل والذي
عندي في تقريره أن القائل لعبده هذا ابني والعبد لا يمكن
أن يكون ابنه إما لكونه مشهور النسب من غيره أو لكونه أكبر
سنا منه فههنا قد انتفت الحقيقة وبقي اللفظ دائرا بين
مجازي الإضمار والمجاز إذ يحتمل أن يكون المراد مثل ابني
في الحنو أو أنه ابني مجازا لذلك وأما أنه هل يترتب على
هذا عتق أو لا يترتب فليس من وظيفة الأصولي التعرض له ولا
إرادة المصنف وقد حكى الأصحاب وجهين فيما إذا كان مشهور
النسب من غيره واستلحقه هل يعتق لكونه أقر بالنبوة التي
لازمها العتق فيؤاخذ باللازم وإن لم يثبت الملزوم ولكن ليس
مأخذ الوجهين الإضمار والمجاز كيف وهو إنما أراد باللفظ
حقيقته ولكن لم تسمع منه وكذا لو قال أحد الوارثين فلانة
بنت أبينا هل يحكم بعتقها وجهان وليس مأخذهما مجاز الإضمار
والتخصيص بل شيء غيره وقد
ج / 1 ص -332-
نبهان
على ذلك لئلا يغتر به مغتر.
وأما ما ذكره الرافعي في الركن الأول من الباب الثاني في
أركان الطلاق عن فتاوى القفال من أنه لو قال يا بنتي وقعت
الفرقة بينهما عند احتمال السن كما لو قال لعبده أو أمته
واختار النووي أنه لا يعتق بمجرد ذلك لأنه يذكر في العادة
للاستيناس والتحنن فهذه المسألة غير المسألة التي نحن فيها
وهي قوله: هذا ابني والفرق واضح بينهما وهو ما ذكره النووي
من أن بنتي يذكر في العادة للاستيناس والتحنن وهذا ابني
ليس كذلك فقد وضح أن مسألة هذا ابني على الوجه المذكور غير
معروفة في المذهب فافهم ذلك ونظيرها ما لو قال أوصيت لزيد
بنصيب ابني.
وقد اختلف الأصحاب في أن الوصية هل تبطل أو تحمل على مثل
نصب ابنه ومن أمثلة تعارض المجاز والإضمار أن يقول الشافعي
يجوز قتل الرهبان في الحرب لدخولهم في عموم قوله تعالى:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}
فإن قال المالكي يلزم على ما ذكرته أن يكون لفظ المشرك
مجازا إذا المشترك من جعل الشريك وهذا يصدق على شركاء
الزرع والعقار ويكون قد عبر بلفظ المشرك على الكافر بالشرك
تعبيرا عن الأخص بلفظ الأعم بل ينبغي أن يكون في الآية
إضمار تقديره اقتلوا محاربة المشركين صونا له عن المجاز
ولا يندرج صورة النزاع حينئذ كان للشافعي أن يقول المجاز
أولى ويتجاذبان أطراف الكلام
ومنها أن يقول الشافعي النية شرط في الوضوء للصلاة لقوله
تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}
الآية وجه التمسك أنه تعالى يأمر بغسل الأعضاء المذكورة
لأجل الصلاة لأنه أمرنا بالغسل لأجل إرادة الصلاة لأن
المراد من القيام إلى الصلاة إرادة الصلاة والأمر بالفعل
بشرط إرادة فعل آخر يكون أمر بالفعل لأجل الفعل الآخر كما
في قولهم إذا دخلت على الخليفة فتأدب أي لأجل الدخول عليه
ومنه قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ
فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}1 أي لأجل نجواكم فعلم أنه بغسل الأعضاء لأجل الصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المجادلة آية: 12.
ج / 1 ص -333-
وجوبا
ولا يعني باشتراط النية سوى وجوب غسل الأعضاء الأربعة لأجل
الصلاة فإن قال الحنفي لم قلت إن المراد هنا الوجوب.
قلنا ظاهر الأمر الوجوب فإن قال نعم ولكن لو حملناه على
الوجوب لزم إضمار الحدث لأن الوضوء لا يجب إلا على المحدث
ولو حملناه على الندب لم يلزم الإضمار وإنما يلزم المجاز
في لفظ الأمر.
قلنا الإضمار أولى وهو منقول هنا عن عكرمة وابن مسعود ويقع
النظر بينهما.
ومنها إذا تحقق الرجل من امرأته النشوز ولكنه لم يتكرر ولم
يظهر إصرارها عليه فله مع الوعظ أن يهجرها في المضطجع وفي
ضربها وجهان رجح الشيخ أبو حامد والمحاملي أن لايجوز ومال
ابن الصباغ والشيخ أبو إسحاق الشيرازي إلى الجواز واختاره
النووي والمأخذ قوله تعالى:
{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}1
فمن قال بالأول قال مجازا كما في قوله تعالى:
{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً}2 أي علم وفي الآية إضمار والمعنى واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن
نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن ومن قال
بالثاني قال الخوف بمعنى العلم مجازا كما في قوله تعالى:
{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً} أي علم فتعارض المجاز والإضمار.
قال
التاسع التخصيص خير لأن الباقي متعين
والمجاز بما لم يتعين مثل:
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فإن أراد التلفظ وخص النسيان أو الذبح.
التخصيص أولى من المجاز لأن الباقي من أفراد العام بعد
التخصيص متعين بخلاف المجاز فإنه ربما لم يتعين لأن اللفظ
وضع ليدل على المعنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء آية: 34.
2 سورة البقرة آية: 182.
ج / 1 ص -334-
الحقيقي فإذا انتفى بقرينة افتقر صرف اللفظ إلى المجاز إلى
تأمل لاحتمال تعدد المجازات ولا يقال اللفظ لا يصرف عن
الحقيقة إلا بقرينة وتلك القرينة تهدي إلى المجاز فأين
التأمل بعد القرينة لأنا نقول قد تجئ القرينة بصرف اللفظ
عن ظاهره من غير تعرض إلى تبيين المقصود مثال تعارض
التخصيص والمجاز قول الحنفي متروك التسمية عمدا لا يخل
بقوله تعالى:
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}1
أي ولا تأكلوا مما لم يتلفظ عليه باسم الله.
وقول الشافعي المراد بذكر الله تعالى هو الذبح مجاز لأن
الذبح غالبا لا يخلو عن التسمية فيكون نهيا عن أكل غير
المذبوح لأنه لولا ذلك وأولنا كما قلتم للزم تخصيص اللفظ
إذا سلمتم أن ذبيحة الناس حلال فللحنفي أن يقول التخصيص
خير من المجاز ومن أمثلته أيضا أن يقول الشافعي العمرة فرض
لقوله تعالى:
{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}2 وظاهر الأمر الوجوب فيقول المالكي تخصيص النص بالحج والعمرة
المشروع فيهما لأن استعمال الإتمام في الابتداء مجاز
والتخصيص أولى من المجاز للشافعي بعد هذا أن يقول هذا
الترجيح معارض بأنهما قد استويا في السياق فوجب أن يستويا
في الحكم والحج واجب إجماعا فيجب الآخر عملا بالأصل
المستوي بينهما.
قال العاشر التخصيص خير من الإضمار لما مر مثل ولكم في
القصاص حياة.
التخصيص خير من الإضمار لأن التخصيص خير من المجاز لما مر
والمجاز مساو للإضمار والأولى من المساوي أولى مثاله قوله
تعالى:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}3 فإن الأئمة اختلفوا فيه فقال منهم قائل الخطاب عام اختص بالورثة
لأنهم إذا اقتصوا حصلت لهم الحياة بدفع شر هذا القاتل الذي
صار عدوا لهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الأنعام آية: 121.
2 سورة البقرة آية: 196.
3 سورة البقرة آية: 179.
ج / 1 ص -335-
وقال
قائل بل هو عام والمشروعية مضمرة أي ولكم في مشروعية
القصاص حياة وذلك لأن الناس إذا سلموا أن القصاص مشروع كان
أدعى لاندفاع القتل ما بينهم لأن من هم بالقتل واستحضر أنه
يقتص منه انكف عن القتل غالبا.
واعلم أن هذا التأويل الثاني هو الصحيح وإن كان الأول
مترجحا من جهة أولوية التخصيص وكذلك كل ما أوردناه من هذا
الفصل من الأمثلة فإنا غير حاكمين عليه بالترجيح إلا من
جهة ما أوردناه له مثالا ولا يشترط أن يكون مرجوحا من وجه
آخر هو أقوى أو مساو لذلك ذكرنا في بعض الأمثلة أن الترجيح
يندفع بالأمر الفلاني تنبيها على ما أشرنا إليه الآن ومن
أمثلة هذا الوجه العاشر أن يقول المالكي الكلب طاهر لقوله
تعالى:
{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}1
والضمير في أمسكن عام في جملة الجوارح فيندرج فيه الكلب
فيجوز أكل موضع فمه عملا بالظاهر فيكون طاهرا فيقول
الشافعي يلزم على ما ذكرتموه جواز أكل ما أمسك بعد القدرة
عليه من غير ذكاة وليس كذلك فيلزم التخصيص بل ههنا إضمار
تقديره كلوا من حلال ما أمسكن عليكم وكون موضع فمه من
الحلال محل النزاع فللمالكي أن يقول على ما ذكرناه يلزم
التخصيص وعلى ما ذكرتموه يلزم الإضمار والتخصيص أولى.
ومنها قولنا لا يصح صوم رمضان إلا بنية الفرض خلافا لأبي
حنيفة حيث قال يصح بمطلق النية أو بنية النقل ونية واجب
آخر لنا
"إنما الأعمال بالنيات"
ويقتضي توقف ذات الأعمال على نياتها كما يقال إنما الكتابة
بالقلم ويلزم من توقف ذوات الأعمال توقف صحتها لاستحالة
وجود الصحة بدون الذات والمراد بالنيات نيات الأعمال
فاقتضى توقف صحة كل عمل على نيته فيتوقف الفرض على نية
الفرض.
فإن قلت الكمال مضمر في الحديث إذ لو لم يضمر لزم التخصيص
بالأعمال التي لا تتوقف على النية كرد الودائع والغصوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة آية: 4.
ج / 1 ص -336-
قلت
التخصيص أولى.
قال تنبيه الاشتراك من النسخ لأنه لا يبطل.
التخصيص الذي سبق ترجيحه على الاشتراك وغيره هو التخصيص في
الأعيان لا التخصيص في الأزمان الذي هو النسخ فإن الاشتراك
خير منه وذلك لأن الاشتراك لا إبطال فيه بل غايته التوقف
إلى القرينة عند من لا يحمله على معنييه بخلاف النسخ فإنه
يبطل الحكم السابق بالكلية مثال التبييت شرط في صحة صوم
رمضان خلافا لأبي حنيفة وساعدنا على القضاء والنذر فنقيس
محل النزاع على محل الوفاق.
فإن عارض بما روي أنه عليه السلام قدم المدينة يوم عاشوراء
فرأي اليهود صائمين فسأل عليه السلام عن صومهم ويومهم فقيل
هذا يوم أنجى الله تعالى فيه موسى عليه السلام وأهلك عدوه
فرعون وكان موسى عليه السلام يصومه شكرا ونحن نصومه اتباعا
له فقال عليه السلام:
"نحن أحق
بموسى منهم" ثم أمر
مناديا ينادي:
"ألا من أكل فليمسك بقية النهار ومن لم يأكل فليصم"1 أمر بالصوم في أثناء النهار ومن المعلوم أن الصوم في أثناء النهار
لا يكون إلا بنية من النهار.
قلنا لا نسلم وجوب ذلك اليوم.
فإن قال ظاهر الأمر الوجوب كان لمن يعتقد أن الأمر مشترك
بين الوجوب والندب أن يقول كما هو في حقيقة في الوجوب
فكذلك في الندب وإذا كان حقيقة فيهما لا يحمل على الوجوب
إلا بقرينة زائدة وعندنا صوم النقل يصح بنية من النهار.
فإن قلت الاشتراك خلاف الأصل قلت لو لم يكن مشتركا لزم
النسخ فإن صح يوم عاشوراء غير ثابت والاشتراك خير من
النسخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
تيسير الوصول 2/304.
ج / 1 ص -337-
قال
والاشتراك بين علمين خير منه بين علم ومعنى وخير منه بين
معنيين.
هذان فرعان:
الأول: أنه إذا تعارض المشترك بين علمين
والمشترك بين علم ومعنى فالمشترك بين علمين أولى لأن
الأعلام إنما بين علمين أولى لأن الأعلام إنما تطلق على
الأشخاص المخصوصة كزيد وعمرو إذ المراد العلم الشخصي لا
الجنسي وهذا بخلاف أسماء المعاني إذا تتناول المسمى في أي
ذات كان فكان اختلال الفهم يجعله مشتركا بين علمين أقل
الفرع.
الثاني: وإليه أشار بقوله وهو أي المشترك
بين علم ومعنى أولى من المشترك بين معنيين لأن الاختلال
الحاصل عند الاشتراك من الأول أقل من الثاني هذا ما ذكره
المصنف تبعا للإمام في هذين الفرعين وأنت إذا نظرت إلى
قولهما المشترك بين علمين وبين علم ومعنى وعلمت أن المشترك
لا بد وأن يكون حقيقة في أفراده وتذكرت ما قالاه قبل ذلك
من أن العلم ليس بحقيقة ولا مجاز علمت أن الغفلة تطرقت
إليهما في ذلك وبالله التوفيق. |