الإحكام في أصول الأحكام للآمدي [الْبَابُ الثَّالث فِي أَقْسَامِ
الْقِيَاسِ وَأَنْوَاعِهِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَقْسَامِ الْقِيَاسِ وَأَنْوَاعِهِ
وَهِيَ خَمْسُ قِسَمٍ: الْقِسْمَةُ الْأُولَى: الْقِيَاسُ
يَنْقَسِمُ إِلَى مَا الْمَعْنَى الْجَامِعُ فِيهِ
بِاقْتِضَاءِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ أَوْلَى مِنْهُ فِي
الْأَصْلِ، وَإِلَى مَا هُوَ مُسَاوٍ وَإِلَى مَا هُوَ
أَدْنَى.
فَالْأَوَّلُ كَتَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ بِالنِّسْبَةِ
إِلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ لَهُمَا، وَمَا فِي مَعْنَاهُ
وَسَوَاءٌ كَانَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا كَمَا سَبَقَ
تَقْرِيرُهُ فِي مَسَائِلِ الْمَفْهُومِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: فَكَمَا فِي إِلْحَاقِ الْأَمَةِ
بِالْعَبْدِ فِي تَقْوِيمِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ عَلَى
الْمُعْتِقِ وَكَمَا فِي إِلْحَاقِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ بِصَبِّ
الْبَوْلِ فِيهِ مِنْ كُوزٍ بِنَجَاسَتِهِ بِالْبَوْلِ فِيهِ
وَنَحْوِهِ (1) .
وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَكَمَا فِي إِلْحَاقِ النَّبِيذِ
بِالْخَمْرِ فِي تَحْرِيمِ الشُّرْبِ وَإِيجَابِ الْحَدِّ
وَنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ الثَّالِثَ مُتَّفَقٌ
عَلَى كَوْنِهِ قِيَاسًا وَمُخْتَلَفٌ فِي النَّوْعَيْنِ
الْأَوَّلَيْنِ كَمَا سَبَقَ.
الْقِسْمَةُ الثَّانِيَةُ: الْقِيَاسُ يَنْقَسِمُ إِلَى
جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ.
فَالْجَلِيُّ مَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ مَنْصُوصَةً أَوْ
غَيْرَ مَنْصُوصَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الْأَصْلِ
وَالْفَرْعِ مَقْطُوعٌ بِنَفْيِ تَأْثِيرِهِ.
فَالْأَوَّلُ: كَإِلْحَاقِ تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ
بِتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ لَهُمَا بِعِلَّةِ كَفِّ الْأَذَى
عَنْهُمَا.
وَالثَّانِي: كَإِلْحَاقِ الْأَمَةِ بِالْعَبْدِ فِي تَقْوِيمِ
النَّصِيبِ حَيْثُ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا
سِوَى الذُّكُورَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْأُنُوثَةِ فِي
الْفَرْعِ، وَعَلِمْنَا عَدَمَ الْتِفَاتِ الشَّارِعِ إِلَى
ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ خَاصَّةً.
وَأَمَّا الْخَفِيُّ فَمَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ
مُسْتَنْبَطَةً مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ كَقِيَاسِ الْقَتْلِ
بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْمُحَدَّدِ وَنَحْوِهِ.
الْقِسْمَةُ الثَّالِثَةُ: الْقِيَاسُ يَنْقَسِمُ إِلَى
مُؤَثِّرٍ، وَمُلَائِمٍ.
أَمَّا الْمُؤَثِّرُ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ بِاعْتِبَارَيْنِ:
الْأَوَّلُ: مَا كَانَتِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ فِيهِ
مَنْصُوصَةً بِالصَّرِيحِ أَوِ الْإِيمَاءِ أَوْ مُجْمَعًا
عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي: مَا أَثَّرَ عَيْنُ الْوَصْفِ الْجَامِعِ فِي
عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ
جِنْسُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ.
_________
(1) فِيهِ مُؤَاخَذَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ أَلْحَقَ حُكْمَ
الْفَرْعِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ عَلَيْهِ التَّرْكِيبُ هُوَ إِلْحَاقُ مَاءٍ صُبَّ
فِيهِ بَوْلٌ مِنْ كُوزٍ مَثَلًا بِمَاءٍ بَالَ فِيهِ
إِنْسَانٌ وَنَحْوُهُ فِي الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ بِجَامِعِ.
. . إِلَخْ.
(4/3)
وَأَمَّا الْمُلَائِمُ فَمَا أَثَّرَ
جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ،
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ الْمُؤَثِّرَ مِنْ هَذِهِ
الْأَقْسَامِ مَا أَثَّرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ لَا
غَيْرُ، وَالْمُلَائِمُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَقْسَامِ.
الْقِسْمَةُ الرَّابِعَةُ: الْقِيَاسُ يَنْقَسِمُ إِلَى
قِيَاسِ عِلَّةٍ وَدَلَالَةٍ، وَالْقِيَاسُ فِي مَعْنَى
الْأَصْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ
الْوَصْفُ الْجَامِعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَدْ
صُرِّحَ بِهِ أَوْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ، فَإِنَّ صُرِّحَ بِهِ
فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعِلَّةُ
الْبَاعِثَةُ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا يَكُونَ
هُوَ الْعِلَّةُ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ; فَيُسَمَّى قِيَاسَ الْعِلَّةِ
وَذَلِكَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ فِي
تَحْرِيمِ الشُّرْبِ بِوَاسِطَةِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ
وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ قِيَاسَ الْعِلَّةِ
لِلتَّصْرِيحِ فِيهِ بِالْعِلَّةِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيُسَمَّى قِيَاسَ الدَّلَالَةِ،
وَذَلِكَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ
بِالرَّائِحَةِ الْمُلَازِمَةِ لِلشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ،
أَوِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِإِحْدَى
مُوجَبَيِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ اسْتِدْلَالًا بِهِ عَلَى
الْمُوجَبِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ قَطْعِ
الْجَمَاعَةِ لِيَدِ الْوَاحِدِ، وَقَتْلِ الْجَمَاعَةِ
لِلْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ
الِاشْتِرَاكِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيرِ
إِيجَابِهَا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ
فِي الْقِيَاسِ كَمَا فِي إِلْحَاقِ الْأَمَةِ بِالْعَبْدِ فِي
تَقْوِيمِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ عَلَى الْمُعْتِقِ بِوَاسِطَةِ
نَفْيِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا، فَيُسَمَّى الْقِيَاسُ فِي
مَعْنَى الْأَصْلِ.
الْقِسْمَةُ الْخَامِسَةُ: الْقِيَاسُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ
يَكُونَ طَرِيقُ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ فِيهِ
الْمُنَاسَبَةِ أَوِ الشَّبَهِ أَوِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ
أَوِ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ، كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَيُسَمَّى قِيَاسَ الْإِحَالَةِ (1)
.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَيُسَمَّى قِيَاسَ الشَّبَهِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ فَيُسَمَّى قِيَاسَ السَّبْرِ.
وَإِنْ كَانَ الرَّابِعَ فَيُسَمَّى قِيَاسَ الِاطِّرَادِ.
_________
(1) الْإِحَالَةُ - الصَّوَابُ الْإِخَالَةُ بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ.
(4/4)
|