الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات في أصول الفقه [تَعْرِيف الْعلم]
قَالَ: (وَالْعلم: معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ) .
أَقُول: لما فرغ من تَعْرِيف الْفِقْه شرع فِي حد الْعلم.
وَبِه قَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء.
(1/97)
وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن الْعلم لَا يحد؛
لِأَن الْأَشْيَاء - كلهَا - لَا تعرف إِلَّا بِالْعلمِ،
وَالْحَد يكْشف عَن حَقِيقَة الْمَحْدُود:
فَلَو حد الْعلم فَلَا يَخْلُو أَن يحد بِهِ، أَو بِغَيْرِهِ.
فَإِن حد بِغَيْرِهِ: كَانَ محالاً؛ لِأَن الْعلم لَا ينْكَشف
بِغَيْرِهِ
وَإِن حد بِهِ: فَهُوَ - أَيْضا - محَال؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف
الشَّيْء بِنَفسِهِ.
وَظَاهر كَلَام الشَّيْخ يَقْتَضِي الْحَد هُنَا.
وَفِي كِتَابه الْمُسَمّى ب " الْبُرْهَان ": أَن الْعلم لَا
يحد.
وَالْمرَاد بِالْعلمِ هُوَ الَّذِي يعرف الْأَشْيَاء على مَا
هِيَ كَمَا أَن النَّار حارة، وَالْحجر جامد، وَالسَّمَاء
مُرْتَفعَة، وَأَن الْإِنْسَان نَاطِق، وَمَا أشبه ذَلِك؛
لِأَن معرفَة هَذِه الْأَشْيَاء لَا تحْتَمل غير مَا فِي علم
الْإِنْسَان، بل هِيَ فِي الْخَارِج على مَا هِيَ فِي
الذِّهْن، وَلِهَذَا قيد الْعلم بِمَعْرِِفَة الْمَعْلُوم على
مَا هُوَ بِهِ وَالله أعلم
(1/98)
[تَعْرِيف الْجَهْل]
قَالَ: (وَالْجهل تصور الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ بِهِ) .
أَقُول: لما فرغ من حد الْعلم شرع فِي حد الْجَهْل؛ لِأَنَّهُ
يُقَابل الْعلم.
وَالْجهل على قسمَيْنِ: -
بسيط وَهُوَ: عدم الْعلم بالشَّيْء الْغَائِب كالجهل بِمَا فِي
الْبحار من الْحَيَوَانَات، وَمَا تَحت الْأَرْضين، وَمَا فِي
غَد وَنَحْو ذَلِك، فالجهل فِي هَذِه الْأَشْيَاء وَاحِد -
وَلِهَذَا قيل لَهُ: " جهل بسيط ".
وَالْمرَاد هُنَا هُوَ الْجَهْل الْمركب وَهُوَ: تصور الشَّيْء
على خلاف مَا هُوَ بِهِ كاعتقاد المجسمة أَن الْبَارِي جلّ
جَلَاله جسم.
والمعتزلة أَنه تَعَالَى لَا يرى فِي الْآخِرَة.
فَهَذَا جهل مركب من جزأين: -
أَحدهمَا: عدم الْعلم.
وَالثَّانِي: اعْتِقَاد غير مُطَابق. وَالله أعلم.
(1/99)
[تَعْرِيف الْعلم الضَّرُورِيّ]
قَالَ: (الْعلم الضَّرُورِيّ: مَا لم يَقع عَن نظر واستدلال.
كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الَّتِي هِيَ:
حاسة السّمع، وَالْبَصَر، والشم والذوق واللمس، أَو بالتواتر.
أَقُول: لما فرغ من حد الْعلم أَولا أردفه بِالْجَهْلِ
اسْتِطْرَادًا؛ لِأَنَّهُ يُقَابله، ثمَّ شرع فِي تَقْسِيم
الْعلم، وانه يَنْقَسِم إِلَى ضَرُورِيّ وَغَيره.
وَالْمرَاد بِالْعلمِ هُنَا: الْحَادِث، لَا الْعلم الْقَدِيم؛
فَإِن علمه تَعَالَى لَا يُقَال لَهُ: " ضَرُورِيّ " وَلَا "
اكْتِسَاب ".
بِخِلَاف علم الْعباد؛ فَإِن الْأَشْيَاء إِذا علمت بِأحد
الْحَواس من غير نظر واستدلال كَمَا لَو سمع نهيق حمَار: علم
أَنه صَوته، وَكَذَا صَهِيل الْفرس.
وَكَذَا من رأى لوناً أَبيض أَو أسود، أَو مس جسما علم أَنه
ناعم، أَو خشن، أَو شم رَائِحَة علم أَنَّهَا طيبَة أَو كريهة،
أَو ذاق طَعَاما: علم أَنه حامض أَو مر.
فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء يعلمهَا الْإِنْسَان بديهيا من غير
نظر واستدلال، وَلَا يُمكن اندفاعها عَن علمه، بل بِمُجَرَّد
حُصُول الصَّوْت فِي الْأذن أدْرك مَعْنَاهُ.
وَكَذَا فتح الحدقة فِيمَا يُمكن رُؤْيَته.
وَكَذَا ملاقاة بشرة الملموس، وَكَذَا نشق الْهوى للرائحة.
(1/100)
وَكَذَا اتِّصَال المذوق إِلَى اللِّسَان.
فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء تعلم بالحواس الْخمس.
ثمَّ أعقبهم بالتواتر أَي: يُشِير إِلَى أَن من الْعلم
الضَّرُورِيّ لَا يُدْرِكهُ بالحواس، بل بالتواتر كعلمنا
بِبَلَد لم نره، بل علم يَقِينا بالتواتر، وكعلمنا.
بِالْمَلَائِكَةِ والأنبياء، وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغير
ذَلِك.
وَلنَا قسم سَابِع تدْرك بِهِ الْأَشْيَاء من غير نظر واستدلال
كعلمنا أَن الْبيَاض والسواد لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحل
وَاحِد، وَأَن الْجُزْء أقل من الْكل، وَأَن الشَّيْء
الْوَاحِد لَا يكون مَعْدُوما مَوْجُودا فِي حَال وَاحِد.
فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء - كلهَا - تعلم ضَرُورَة من غير نظر
واستدلال وَالله أعلم.
[تَعْرِيف الْعلم المكتسب، وَالنَّظَر، وَالِاسْتِدْلَال
وَالدَّلِيل]
قَالَ: (وَالْعلم المكتسب: مَا يَقع عَن نظر واستدلال.
وَالنَّظَر هُوَ: الْفِكر فِي حَال المنظور فِيهِ.
وَالِاسْتِدْلَال: طلب الدَّلِيل.
وَالدَّلِيل: هُوَ المرشد إِلَى الْمَطْلُوب) .
(1/101)
أَقُول: لما فرغ من تَعْرِيف الْعلم
الضَّرُورِيّ شرع فِي [تَعْرِيف] الْعلم المكتسب، وَهُوَ:
الَّذِي لَا تعلم الْأَشْيَاء الْمَطْلُوبَة [إِلَّا بِنَظَر]
واستدلال.
وَلَو اقْتصر على أحد اللَّفْظَيْنِ كفى؛ لِأَن النّظر - فِي
الْحَقِيقَة - هُوَ الطّلب، وَالِاسْتِدْلَال كَذَلِك.
لَكِن رُبمَا جمع بَينهمَا زِيَادَة إِيضَاح.
وَلِهَذَا فسر كل وَاحِد مِنْهُمَا بتفسير فِي الظَّاهِر،
وَإِن كَانَت الْحَقِيقَة وَاحِدَة: فَقَالَ: -
النّظر هُوَ: الْفِكر فِي حَال المنظور فِيهِ.
وَالِاسْتِدْلَال: طلب الدَّلِيل، كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن
النّظر أَعم من الِاسْتِدْلَال وَلِهَذَا عرفه بالفكر فِي حَال
المنظور فِيهِ؛ لِأَن الْفِكر قد يكون من جِهَة مَا يصدق بِهِ
وَيحكم عَلَيْهِ كَقَوْلِنَا: " الرِّبَا حرَام " و "
الْمُتْعَة حرَام " و " الِاسْتِئْجَار على الوطي حرَام "
فَهَذِهِ عُقُود علم تَحْرِيمهَا بالفكر وَالِاسْتِدْلَال
وَحكم عَلَيْهَا.
وَقد يكون الْفِكر من جِهَة تصور مَا وَلَا يحكم عَلَيْهِ،
وَذَلِكَ لعدم الِاسْتِدْلَال، فَكَانَ الْفِكر أَعم،
وَالِاسْتِدْلَال أخص؛ لوُجُوده فِي أحد الفكرين.
(1/102)
ثمَّ فسر الِاسْتِدْلَال بِطَلَب الدَّلِيل
المرشد إِلَى الْمَطْلُوب، فَكَأَنَّهُ جعل الِاسْتِدْلَال طلب
الدَّلِيل المرشد إِلَى الْمَقْصُود سَوَاء اتَّصل إِلَى
الْمَقْصُود بطرِيق قَطْعِيّ أَو ظَنِّي عِنْد الْفُقَهَاء.
وَفرق المتكلمون بَين مَا يُوصل إِلَى الْمَقْصُود أَن يكون
بطرِيق قَطْعِيّ أَو ظَنِّي، فَمَا أوصل بطرِيق قَطْعِيّ يُسمى
دَلِيلا، وَإِلَّا يُسمى أَمارَة وَالله أعلم
[تَعْرِيف الظَّن]
قَالَ: (وَالظَّن: تَجْوِيز أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخر) .
أَقُول: لما ذكر رسم الْأُصُول، ورسم الْفِقْه، ورسم الْعلم
الَّذِي بِهِ يتَوَصَّل إِلَى معرفتهما: شرع فِي الْفرق بَين "
الظَّن " و " الشَّك " اللَّذين بهما يتَوَصَّل أَيْضا إِلَى
معرفَة الْأُصُول وَالْفِقْه فَقَالَ: -
الظَّن: تَجْوِيز أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخر كَمَا لَو
هبت الرِّيَاح وتغيمت
(1/103)
السَّمَاء فِي الشتَاء فَإِن الرَّاجِح من
هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ وُقُوع الْمَطَر، وَهُوَ الظَّن.
والطرف المرجوع الْمُقَابل للراجح يُسمى وهما وَالله أعلم.
[تَعْرِيف الشَّك]
قَالَ: (وَالشَّكّ: تَجْوِيز أَمريْن لامزية لأَحَدهمَا على
الآخر) .
أَقُول: لما فرغ من تَعْرِيف الظَّن الَّذِي هُوَ الطّرف
الرَّاجِح أَخذ فِي بَيَان مَا يَسْتَوِي طرفاه من غير
تَرْجِيح كَمَا لَو تَيَقّن الْوضُوء وَالْحَدَث، ثمَّ جهل
السَّابِق مِنْهُمَا.
فَإِن غلب عَلَيْهِ تقدم أحد الْأَمريْنِ سمى الْغَالِب ظنا،
وَالثَّانِي وهما.
وَإِن اسْتَوَى الطرفان من غير تَرْجِيح سمي شكا.
وَهَذَا فِي اصْطِلَاح أهل هَذَا الْفَنّ.
وَإِلَّا فَفِي اللُّغَة لَا فرق بَين الظَّن وَالشَّكّ، وَبِه
قَالَ الْخَلِيل ابْن أَحْمد.
(1/104)
وَإِنَّمَا ميز الشَّيْخ - رَحمَه الله -
بَينهمَا؛ إِشَارَة لأقسام تردد على الْعلم، وَلها مدْخل فِي
الْمَذْهَب فَتَارَة يتَوَصَّل إِلَى معرفَة أصُول الْفِقْه
بِالْعلمِ، وَتارَة بِالظَّنِّ، وَتارَة بِالشَّكِّ وَالله
أعلم.
[تَعْرِيف أصُول الْفِقْه]
قَالَ: (وأصول الْفِقْه طرقه على سَبِيل الْإِجْمَال،
وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال بهَا [وَمعنى قَوْلنَا: كَيْفيَّة
الِاسْتِدْلَال بهَا تَرْتِيب الْأَدِلَّة فِي التَّرْتِيب
والتقديم وَالتَّأْخِير وَمَا يتبع ذَلِك من أَحْكَام
الْمُجْتَهدين] .
أَقُول: لما فرغ من بَيَان الْأُصُول، وَبَيَان الْفِقْه
وَبَيَان مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي هَذَا الْفَنّ (من الْعلم)
و (الظَّن) و (الشَّك) و (النّظر) و (الدَّلِيل) شرع فِي
بَيَان معنى قَوْله: " أصُول الْفِقْه " فَإِن التَّرْكِيب
الإضافي لَا يُفِيد إِلَّا لنسبة تكون بَين الْمُضَاف والمضاف
إِلَيْهِ.
وَقد سبق أَنه لَا بُد للمتكلم بهما من معرفَة كل وَاحِد
مِنْهُمَا مُنْفَردا، ثمَّ تعلم النِّسْبَة بَينهمَا، ثمَّ
يضيف أَحدهمَا إِلَى الآخر.
كَمَا إِذا تصورنا الْغُلَام - مثلا - ثمَّ زيدا، ثمَّ علمنَا
أَنه ملكه، فَهَذِهِ نِسْبَة تفِيد إِضَافَة الْغُلَام إِلَى
زيد فَكَذَا من عرف " الأَصْل " و " الْفِقْه " فَلَا يعلم
معنى التَّرْكِيب حَتَّى يشْرَح لَهُ مَأْخَذ الشَّيْخ -
رَحمَه الله - فِي شرح معنى التَّرْكِيب الَّذِي هُوَ علم
لهَذَا الْفَنّ فَقَالَ:
(1/105)
أصُول الْفِقْه: " طرْقَة على سَبِيل
الْإِجْمَال " أَي: دلائله مجملة. " وَإِنَّمَا قيد دلائله
بالإجمال ليخرج الْفِقْه؛ لِأَن دلائله مفصله.
وَالْمرَاد بالدلائل: مَا يتَوَصَّل بهَا إِلَى إِثْبَات
الْأَحْكَام كالإجماع، وَالْقِيَاس، وَالْأَخْبَار.
وَقَوله: " وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال " يُشِير إِلَى حَال
الْمُجْتَهد إِلَى أَنه مَعَ معرفَة الْأَدِلَّة لَا بُد لَهُ
من معرفَة كَيْفيَّة الِاسْتِدْلَال كحمل الْمُطلق على
الْمُقَيد، وَتَقْدِيم الْخَاص على الْعَام، وَالنَّظَر فِي
الْمسَائِل الغامضة وَغير ذَلِك مِمَّا يَأْتِي الْكَلَام
عَلَيْهِ وَاضحا إِن شَاءَ الله - تَعَالَى -.
وغايته: أَن أصُول الْفِقْه يشْتَمل على الْإِجْمَال، وطرق
الْفِقْه، وَكَيْفِيَّة اسْتِعْمَالهَا، وَحَال الْمُجْتَهد،
وَالله أعلم.
(1/106)
[أَبْوَاب أصُول الْفِقْه]
قَالَ: (وَمن أَبْوَاب أصُول الْفِقْه: " أَقسَام الْكَلَام "
و " الْأَمر " و " النَّهْي " و " الْعَام " و " الْخَاص "، "
والمجمل " و " الْمُبين " و " الظَّاهِر " و " المؤل " و "
الْأَفْعَال " و " النَّاسِخ والمنسوخ " و " الْإِجْمَاع " و "
الْقيَاس " و " الْأَخْبَار "، و " الْحَظْر " و " الْإِبَاحَة
" و " تَرْتِيب الْأَدِلَّة " و " صفة الْمُفْتِي والمستفتي "
و " أَحْكَام الْمُجْتَهدين ") .
أَقُول: لما فرغ من بَيَان أصُول الْفِقْه، وَبَيَان مَا
يتَوَصَّل إِلَى معرفَة الْأُصُول من علم وَظن وَشك وَغير
ذَلِك: شرع فِي عدد أبوابه إِجْمَالا، ثمَّ يفصله بَابا بَابا
إِلَى آخر ورقاته على مَا ستراه إِن شَاءَ الله وَاضحا.
[بَيَان مَا يتركب مِنْهُ الْكَلَام]
[قَالَ: (فَأَما أَقسَام الْكَلَام فَأَقل مَا يتركب مِنْهُ
الْكَلَام اسمان، أَو اسْم وَفعل، أَو اسْم وحرف، أَو حرف
وَفعل) ] .
أَقُول: لما فرغ من عد الْأَبْوَاب أَخذ فِي تَفْصِيل
مَعَانِيهَا على التَّرْتِيب فَبَدَأَ بأقسام الْكَلَام وَأَنه
ينْعَقد من اسْمَيْنِ مثل: " زيد قَائِم " وَهَذَا لَا خلاف
فِيهِ بَين الْعلمَاء.
(1/107)
وَمن اسْم وَفعل مثل: " زيد قَامَ ": أَو "
يقوم " وَهَذَا كَذَلِك لَا خلاف بَينهم فِيهِ.
وَاخْتلفُوا فِي انْعِقَاده من حرف وَاسم مثل " يَا زيد ":
فَذهب الْجِرْجَانِيّ إِلَى انْعِقَاده.
وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه مَا انْعَقَد الْحَرْف مَعَ
الِاسْم إِلَّا لما نَاب عَن الْفِعْل وَهُوَ: " أَدْعُو " أَو
" أنادي ".
وَكَذَا اخْتلفُوا فِي انْعِقَاده من حرف وَفعل: -
فَذهب قوم إِلَى انْعِقَاده مثل: " لم يقم " و " مَا قَامَ ".
وَذهب الْجُمْهُور إِلَى عدم انْعِقَاده بهما، وَإِنَّمَا
انْعَقَد لوُجُود الضَّمِير الَّذِي فِي الْفِعْل؛ لِأَن
تَقْدِيره: " لم يقم هُوَ " و " مَا قَامَ هُوَ " وَالله أعلم.
(1/108)
[انقسام الْكَلَام بِاعْتِبَار مَدْلُوله]
قَالَ: (وَالْكَلَام يَنْقَسِم إِلَى أَمر، وَنهى، وَخبر،
واستخبار) .
أَقُول: لما فرغ من تَقْسِيم الْكَلَام إِجْمَالا أَخذ فِي
تَقْسِيم مَعَانِيه؛ لِأَن الْكَلَام لَا يَخْلُو:
أَن يُرَاد بِهِ الْفِعْل، أَو التّرْك أَو الْإِعْلَام.
فَالْأول: هُوَ الْأَمر.
وَالثَّانِي: النَّهْي.
وَالثَّالِث: هُوَ الْخَبَر مثل " قَامَ زيد " أَو " زيد قَامَ
".
وَكَذَا الاستخبار مثل " هَل قَامَ زيد؟ " أَو " هَل زيد
قَائِم؟ " وَالله أعلم.
[انقسام الْكَلَام بِحَسب الِاسْتِعْمَال وتعريف الْحَقِيقَة]
قَالَ: (وَمن وَجه آخر إِلَى حَقِيقَة ومجاز، فالحقيقة: مَا
بَقِي على مَوْضُوعه، وَقيل: مَا اسْتعْمل فِيمَا اصْطلحَ
عَلَيْهِ من المخاطبة) .
أَقُول: لما قسم الْكَلَام إِلَى أَمر أَو نهي: شرع فِي تقسيمه
من وَجه آخر إِلَى حَقِيقَة ومجاز فَقَالَ.
[الْحَقِيقَة] : مَا بَقِي على مَوْضُوعه. أَي: على أصل وَضعه
الأول.
(1/109)
فَإِن لفظ " الْأسد وضعوها للحيوان
المفترس، وَكَذَا " الْبَحْر " للْمَاء الْكثير، فَإِذا نقل
للرجل الشجاع، والكريم كَانَا مجارين.
وَأعلم أَن الشَّيْخ - رَحمَه الله - رسم الْحَقِيقَة برسمين:
-
أَحدهمَا: مَا بَقِي على مَوْضُوعه - فَهَذَا رسم يُفِيد أَن
كل لفظ نقل عَن مَوْضِعه اللّغَوِيّ إِلَى آخر فَهُوَ مجَاز
سَوَاء كَانَ النَّاقِل الشَّرْع، أَو الْعرف، أَو الْوَاضِع
الأول. وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالرسم الأول.
وَأما الرَّسْم الثَّانِي فَقَالَ: مَا اسْتعْمل فِيمَا
اصْطلحَ عَلَيْهِ من المخاطبة فَهَذَا رسم يُفِيد أَن كل لفظ
اسْتعْمل فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ عِنْد التخاطب فَهُوَ
حَقِيقَة كلفظة " الصَّلَاة " - مثلا -: -
فَإِن كَانَ الْخطاب باصطلاح اللُّغَة كَانَت حَقِيقَة؛ فَإِن
لَفْظَة " الصَّلَاة " وضعت أَولا فِي اللُّغَة للدُّعَاء،
فَإِذا نقلت واستعملت فِي الْعِبَادَة الْمَعْرُوفَة كَانَت
مجَازًا. وَإِن كَانَ الْخطاب باصطلاح الشَّرْع كَانَت
حَقِيقَة؛ لِأَن لَفْظَة الصَّلَاة وضعت أَولا فِي الشَّرْع
لِلْعِبَادَةِ الْمَعْرُوفَة، فَإِذا نقلت واستعملت فِي
الدُّعَاء كَانَت مجَازًا. وَكَذَا لَفْظَة " دَابَّة " إِذا
أطلقت، وَكَانَ الْخطاب باصطلاح اللُّغَة فَهِيَ حَقِيقَة فِي
جَمِيع مادب، ومجاز فِي ذَوَات الْأَرْبَع.
وَإِذا كَانَ الْخطاب باصطلاح الْعرف كَانَ الْأَمر
بِالْعَكْسِ وَالله أعلم.
(1/110)
|