الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات في أصول الفقه [تَعْرِيف الْمجَاز]
قَالَ: (وَالْمجَاز: مَا تجوز بِهِ عَن مَوْضُوعه) .
أَقُول: لما فرغ من رسم الْحَقِيقَة شرع فِي رسم الْمجَاز،
لَكِن رسمه رسماً وَاحِدًا مَعَ أَن لَهُ رسمان مقابلان
للرسمين الْمَذْكُورين فِي الْحَقِيقَة:
فعلى الرَّسْم الأول يُقَال: الْمجَاز هُوَ: مَا اسْتعْمل فِي
غير مَوْضُوعه الأول. وعَلى الرَّسْم الثَّانِي يُقَال: هُوَ
مَا اسْتعْمل فِي غير مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ فِي المخاطبة.
وَإِنَّمَا اقْتصر على أحد الرسمين؛ اكْتِفَاء بِمَا قدم فِي
رسم الْحَقِيقَة؛ لِأَن الْمجَاز مُقَابل الْحَقِيقَة
وَإِنَّمَا سمي الْمجَاز مجَازًا؛ لمجاوزته عَن مَوْضِعه
الأول. وَالله أعلم.
(1/111)
[أَقسَام الْحَقِيقَة]
قَالَ: (فالحقيقة إِمَّا لغوية أَو شَرْعِيَّة، أَو عرفية) .
أَقُول لما فرغ من رسم الْحَقِيقَة وَالْمجَاز شرع فِي
تقيسمهما.
فَبَدَأَ بِالْحَقِيقَةِ أَولا؛ لِأَنَّهَا أصل، وَقسمهَا
إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: حَقِيقَة لغوية كلفظة " الصَّلَاة
للدُّعَاء
وَحَقِيقَة شَرْعِيَّة كلفظة " الصَّلَاة " على الْعِبَادَة
الْمَعْرُوفَة.
وَحَقِيقَة عرفية كلفظة " الدَّابَّة " على ذَوَات القوائم
الْأَرْبَع.
لَكِن أَجمعُوا على وجود الحقيقتين: (اللُّغَوِيَّة والعرفية)
.
وَاخْتلفُوا فِي الشَّرْعِيَّة: _
فَذهب القَاضِي أَبُو بكر إِلَى منعهَا، وَقَالَ: هِيَ هِيَ
حقائق لغوية فَسرهَا الشَّرْع
(1/112)
وجوزها الشَّيْخ وَجعلهَا قسما ثَالِثا.
وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهَا أَلْفَاظ مجازاة لغوية،
فاشتهرت فِي معَان شَرْعِيَّة اشتهارا حَتَّى كَادَت أَن تكون
حَقِيقَة وَالله أعلم.
[أَقسَام الْمجَاز]
قَالَ: (وَالْمجَاز إِمَّا أَن يكون بِزِيَادَة كَقَوْلِه
تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء}
أَو نُقْصَان كَقَوْلِه تَعَالَى: {واسأل الْقرْيَة} أَي: أهل
الْقرْيَة أَو اسْتِعَارَة كَقَوْلِه: {جداراً يُرِيد أَن
ينْقض} ، أَو بِالنَّقْلِ كالغائط فِيمَا يخرج من الْإِنْسَان)
.
أَقُول: لما فرغ من تَقْسِيم الْحَقِيقَة شرع فِي تَقْسِيم
الْمجَاز على سَبِيل الْإِيضَاح. وَلِهَذَا مثل لكل قسم
مِثَالا فَقَالَ: -
الْمجَاز إِمَّا أَن يكون بِزِيَادَة أَي: فِي لفظ الْحَقِيقَة
كَقَوْلِه تَعَالَى: (لَيْسَ كمثله
(1/113)
شَيْء} [سُورَة الشورى: 11) فالكاف
زَائِدَة للتَّأْكِيد؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ اللَّفْظ على
حَقِيقَته لزم نَفْيه تَعَالَى عَن ذَلِك، وَإِثْبَات غَيره
تَعَالَى وَهَذَا بَاطِل؛ لِأَن المُرَاد من الْآيَة إِثْبَات
وحدانيته، وَنفي مَا يضاده؛ إِذْ لَو لَهُ مثل لشاركه فِي
الْآلهَة، تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا.
وَالْمجَاز بِالنُّقْصَانِ. مثل قَوْله تَعَالَى: {واسأل
الْقرْيَة} [سُورَة يُوسُف: 82] فَإِن قرينَة الْحَال تدل على
أَن السُّؤَال لَا يكون إِلَّا لمن يعقل وَأَن الْقرْيَة لَا
تعقل، فَكَانَ السُّؤَال لَهَا مجَازًا، وَفِي الْحَقِيقَة
إِنَّمَا هُوَ لأَهْلهَا كَمَا مثله الشَّيْخ - رَحمَه الله -
وَأما الْمجَاز بالاستعارة مثل قَوْله تَعَالَى: {جداراً
يُرِيد أَن ينْقض} [سُورَة الْكَهْف: 77] فَلَا شكّ أَن
الْإِرَادَة فِي الْحَقِيقَة لمن لَهُ حَيَاة، والجدار جماد،
والجماد لَا إِرَادَة لَهُ لَكِن لما أشرف على الانهدام استعير
لَهُ الْإِرَادَة.
وَمن هَذَا الْقسم قَول الْقَائِل: " أحيتني رُؤْيَة زيد "
فَإِن الْإِحْيَاء فِي الْحَقِيقَة لله - تَعَالَى - لَكِن لما
وجد الرَّائِي غَايَة السرُور والابتهاج بِرُؤْيَة زيد
بِحَيْثُ ضاهت حَيَاة الَّتِي بهَا وجود الْإِنْسَان استعير
للرؤية الْحَيَاة.
وَأما الْمجَاز بِالنَّقْلِ كالغائط فِيمَا يخرج من
الْإِنْسَان، فَإِن لَفْظَة " الْغَائِط " إِنَّمَا وضعت فِي
اللُّغَة أَولا لمَكَان منخفض من الأَرْض يقْصد عِنْد
الْحَاجة؛
(1/114)
ليستتر بِهِ فَنقل اسْم الْمَكَان، وَجعل كِنَايَة عَن
الْخَارِج، واشتهر بِحَيْثُ لَا يتَبَادَر عِنْد الْإِطْلَاق
فِي الإفهام إِلَّا هُوَ، دون الْمَكَان وَالله أعلم. |