الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات في أصول الفقه [رِوَايَة غير الصَّحَابِيّ]
قَالَ: (وَإِذا قَرَأَ الشَّيْخ يجوز أَن يَقُول الرَّاوِي: "
حَدثنِي " و " أَخْبرنِي "، وَإِن قَرَأَ هُوَ على الشَّيْخ:
فَيَقُول: " أَخْبرنِي " وَلَا يَقُول: " حَدثنِي، وَإِن
أجَازه الشَّيْخ من غير قِرَاءَة فَيَقُول الرَّاوِي: " أجازني
"، أَو " أَخْبرنِي إجَازَة ".
أَقُول: لما فرغ من بَيَان الْأَخْبَار وأقسامه: شرع فِي
بَيَان كَيْفيَّة الْمخبر بِمَا يرويهِ عَن شَيْخه:
فَإِن الشَّيْخ إِذا قَرَأَ عَلَيْهِ فَلهُ أَن يَقُول: "
حَدثنِي "، و " أَخْبرنِي "، و " سمعته "، وَيكون صَادِقا فِي
جَمِيع ذَلِك.
وَإِذا قَرَأَ هُوَ على شَيْخه، وَالشَّيْخ سَاكِت، فَيَقُول:
" أَخْبرنِي " فَقَط؛
(1/221)
لِأَن سُكُوته إِقْرَار لَهُ فِيمَا سمع
مِنْهُ.
وَإِن لم يقْرَأ الشَّيْخ، وَلَا هُوَ: فَلَا يجوز إِلَّا "
أجازني "، أَو " أَخْبرنِي إجَازَة ".
وَفِيه دَلِيل على جَوَاز رِوَايَة الحَدِيث إجَازَة عِنْد
الْمُتَأَخِّرين.
وَذهب قوم إِلَى عدم جَوَازهَا؛ لِأَنَّهَا لم تكن فِي
الصَّدْر الأول. وَالله أعلم.
[تَعْرِيف الْقيَاس، وَذكر أقسامه]
قَالَ: (وَأما الْقيَاس: فَهُوَ رد الْفَرْع إِلَى الأَصْل فِي
الحكم بعلة تجمعهما، وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام:
قِيَاس عِلّة، وَقِيَاس دلَالَة، وَقِيَاس شبه) .
(1/222)
أَقُول: لما فرغ من بَيَان الْأَخْبَار:
شرع فِي الْقيَاس، وَهُوَ الْبَاب الثَّالِث عشر.
وأصل الْقيَاس فِي اللُّغَة: التَّقْدِير، يُقَال: " قست
الثَّوْب بالذراع " إِذا قدرته بِهِ
وَقد رسم الْقيَاس برسوم:
أظهرها عِنْد الشَّيْخ: " رد الْفَرْع إِلَى الأَصْل فِي الحكم
بعلة تجمعهما ".
(1/223)
يُشِير إِلَى إِمْكَان الْقيَاس وَهُوَ:
لَا يحصل إِلَّا بِثَلَاثَة أَرْكَان: " أصل "، و " فرع " و "
عِلّة بَينهمَا "؛ ليحكم على الْفَرْع بِمَا حكم على الأَصْل.
مِثَاله: بيع الْحِنْطَة بِمِثْلِهَا مُتَفَاضلا حَرَامًا
اتِّفَاقًا للْحَدِيث، فقسنا عَلَيْهَا بيع الذّرة بِمِثْلِهَا
مُتَفَاضلا؛ لِأَن الْعلَّة فِي تَحْرِيم التَّفَاضُل فِي
الأَصْل هُوَ: الطّعْم، وَهُوَ مَوْجُود فِي الذّرة، فَحكم على
الذّرة [ب] مَا حكم على الأَصْل؛ لعِلَّة بَينهمَا.
وَهَذَا دَلِيل ظَاهر على وجوب الْعَمَل بِالْقِيَاسِ.
(1/224)
وَبِه قَالَ جُمْهُور أهل السّنة.
وَذهب قوم إِلَى عدم الْعَمَل بِهِ.
وَبِه قَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيّ.
مُتَمَسِّكِينَ بقوله تَعَالَى: {مَا فرطنا فِي الْكتاب من
شَيْء} [الْأَنْعَام الْآيَة: 38، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} [النِّسَاء الْآيَة: 59]
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِن الظَّن لَا يُغني من الْحق
شَيْئا} [يُونُس الْآيَة: 36]
(1/225)
واحتجزوا - أَيْضا - بِأَحَادِيث من
السّنة، وَأجِيب عَن جَمِيعهَا وَالْحَمْد لله، فَلَا نطول
فِيمَا لَا حَاجَة لنا فِيهِ.
إِنَّمَا اقْتصر على أَدِلَّة الْجُمْهُور وَالله
الْمُسْتَعَان. أَقُول: من الْأَدِلَّة على وجوب الْعَمَل
بِالْقِيَاسِ قَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار}
[الْحَشْر الْآيَة: 2] فَإِن الِاعْتِبَار مُشْتَقّ من العبور،
وَهُوَ الْمُجَاوزَة من شَيْء إِلَى آخر، وَهَذَا عين
الْقيَاس؛ لِأَنَّهُ مُجَاوزَة الحكم من الأَصْل إِلَى
الْفَرْع.
وَمِنْهَا: قصَّة معَاذ، وَأبي مُوسَى حِين أرسلهما قاضيين
إِلَى الْيمن قَالَ:
(1/226)
لَهما: (بِمَ تقضيان؟) قَالَا: بِكِتَاب
الله، قَالَ: (فَإِن لم تجداه؟) قَالَا: (بِسنة رَسُول الله -
تَعَالَى -) قَالَ: (فَإِن لم تجداه؟) قَالَا: (نجتهد رَأينَا)
فأقرهما على ذَلِك.
(1/227)
وَمِنْهَا: إِجْمَاع الصَّحَابَة على عدم
الْإِنْكَار على من فعله فِي زمنهم كاختلافهم فِي تَوْرِيث
الْجد والأكدرية، وَمن قَالَ لزوجته: أَنْت [عَليّ] حرَام فَكل
مِنْهُم ذهب إِلَى قِيَاسه، وَعمل بِهِ، وَلم يُنكر غَيره
عَلَيْهِ.
(1/228)
وَمِنْهَا الْعقل دَال على وجوب الْعَمَل
بِالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ أَن الحكم إِذا تعلق بِالْأَصْلِ:
كَانَ تعلقه بالفرع أولى.
فَهَذِهِ أَدِلَّة من الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع،
وَالْعقل وَالله أعلم.
[بَيَان أَقسَام الْقيَاس]
قَالَ: (فَقِيَاس الْعلَّة: مَا كَانَت الْعلَّة فِي مُوجبَة،
وَقِيَاس الدّلَالَة هُوَ: الِاسْتِدْلَال بِأحد النظيرين على
الآخر، وَهُوَ: أَن تكون الْعلَّة دَالَّة على الحكم، وَلَا
تكون مُوجبَة، وَقِيَاس الشّبَه هُوَ: الْفَرْع المتردد بَين
أصلين فَيلْحق بأكثرهما شبها) .
أَقُول: لما قسم الْقيَاس ثَلَاثَة إقسام - إِجْمَالا - شرع
فِي تَفْصِيله، فَبَدَأَ بِقِيَاس الْعلَّة؛ لِأَنَّهَا أعظم
أَرْكَان الْقيَاس.
وَغَايَة مُرَاد الشَّيْخ - رَحمَه الله -: أَن الْعلَّة
الْمَوْجُودَة فِي الأَصْل لَا بُد أَن تكون فِي الْفَرْع؛
إِذا لَا يحسن عقلا أَن نقيس الْفَرْع عَلَيْهِ مَعَ خلو
الْعلَّة.
(1/229)
مِثَاله: قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تقل
لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما} [الْإِسْرَاء الْآيَة: 23] فَهَذَا
التَّحْرِيم للإكرام لَهما، فقسنا على التأفيف الضَّرْب؛ إِذْ
لَا يحسن تَحْرِيم التأفيف وَإِبَاحَة الضَّرْب.
وَكَذَا قيس على الزِّنَا اللواط، لِأَن الْعلَّة فِي الأَصْل:
(الايلاج فِي فرج محرم، وَهِي مَوْجُودَة فِي اللواط.
وَكَذَا قيس على نَهْيه عَلَيْهِ السَّلَام عَن العوراء فِي
الْأُضْحِية: العمياء؛ لِأَنَّهَا أَسْوَأ مِنْهَا؛ إِذْ لَا
يحسن النَّهْي عَن العوراء، وَالْإِبَاحَة فِي العمياء مَعَ
وجود الْعلَّة فيهمَا وَهُوَ " النَّقْص ".
وَأما قِيَاس الدّلَالَة كوجوب الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي؛
قِيَاسا على مَال الْبَالِغ؛
(1/230)
فَإِن الْعلَّة الجامعة بَينهمَا: دفع
حَاجَة الْفَقِير بِجُزْء من المَال النامي.
وَهَذَا قريب - أَيْضا - من الْقيَاس الأول.
وَلِهَذَا بعض الْعلمَاء جَعلهمَا قِيَاسا وَاحِدًا؛ لِأَن
الْفرق بَينهمَا خَفِي وَهُوَ الحكم، قد يجوز فِي الْعقل [أَن
مَال الصَّبِي لَا تجب] فِيهِ الزَّكَاة بِهَذِهِ الْعلَّة، بل
بعلة أُخْرَى.
و [لهَذَا قَالَ]- رَحمَه الله - أَن تكون الْعلَّة دَالَّة
على الحكم [وَلَا تكون مُوجبَة أَي] : مقتضية للْحكم؛ لجَوَاز
خلوها عَنهُ.
بِخِلَاف [الْقيَاس الأول فَلَا بُد] مِنْهَا.
(1/231)
وَأما قِيَاس الشّبَه، وَهُوَ: تردد
الْفَرْع بَين أصلين - كَمَا ذكر الشَّيْخ رَحمَه الله - يلْحق
بأكثرهما شبها.
[مِثَاله: " كَعبد] قتل عمدا " فضمانه مُتَرَدّد بَين اصلين
وَهُوَ: " ضَمَان الْإِنْسَان " و " ضَمَان الْبَهَائِم "؛
لِأَنَّهُ يشبه الْإِنْسَان فِي الذَّات، والبهائم فِي الْملك.
فرجح الشَّافِعِي إِلْحَاقه بالبهائم، لِكَثْرَة شبهه
بالبهائم، دون الْأَحْرَار؛ لكَونه يُبَاع، وَيُوقف، وَيُورث،
وَضَمان أَجْزَائِهِ بِالنَّقْصِ.
وَذهب ابْن علية إِلَى إِلْحَاقه بالأحرار؛ تَغْلِيبًا للصورة.
(1/232)
وَمنع القَاضِي أَبُو بكر قِيَاس الشّبَه
مُطلقًا لعدم تَمام الشّبَه بَين الأَصْل وَالْفرع.
ورد هَذَا القَوْل ب: أَنه لَا يشْتَرط تَسَاوِي الْأَوْصَاف
بَينهمَا، بل إِذا وجد الشّبَه بِوَجْه: كفى. وَالله أعلم.
[بعض شُرُوط الْفَرْع وَالْأَصْل]
قَالَ: (وَمن شَرط الْفَرْع: أَن يكون مناسباً للْأَصْل، وَمن
شَرط الأَصْل: أَن يكون ثَابتا بِدَلِيل مُتَّفق عَلَيْهِ بَين
الْخَصْمَيْنِ) .
أَقُول: لما فرغ من تَعْرِيف الْقيَاس، وتقسيمه: شرع فِي
بَيَان أَرْكَانه وَهُوَ: الْفرق بَين " الْفَرْع " و "
الأَصْل " و " الْعلَّة " و " الحكم " فَقَالَ:
شَرط الْفَرْع: أَن يكون مناسباً للْأَصْل؛ إِذْ لَو لم يكن
مناسباً فَلَا يجوز أَن يُقَاس عَلَيْهِ.
(1/233)
وَأَن الأَصْل لَا بُد أَن يكون قد ثَبت
بِدَلِيل شَرْعِي مُتَّفق عَلَيْهِ مقدما على الْفَرْع؛ إِذْ
لَو لم يثبت الأَصْل أَولا: لم يقس عَلَيْهِ كقياس الْأرز على
الْحِنْطَة، فَإِن بيع الأَصْل بعضه بِبَعْض مُتَفَاضلا: ثَبت
بِدَلِيل شَرْعِي فيقاس عَلَيْهِ الْأرز؛ لِأَنَّهُ مُنَاسِب
للْأَصْل فِي الطّعْم، ومتأخر عَنهُ فَحكم عَلَيْهِ بِمَا حكم
على الأَصْل. وَالله أعلم.
[بعض شُرُوط الْعلَّة وَحكم الأَصْل]
قَالَ: " وَمن شَرط الْعلَّة: أَن تطرد فِي معلولاتها، وَلَا
تنْتَقض لَا لفظا، وَلَا معنى، وَمن شُرُوط الحكم: أَن يكون
مثل الْعلَّة فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَالْعلَّة هِيَ:
الجالبة للْحكم، وَالْحكم هُوَ: المجلوب لِلْعِلَّةِ) .
أَقُول: لما فرغ من تَعْرِيف الْفَرْع وَالْأَصْل: شرع فِي
تَعْرِيف الْعلَّة وَالْحكم فَقَالَ: من شَرطهَا: الاطراد فِي
معلولاتها أَي: لَا تخْتَص بِبَعْض الصُّور، دون
(1/234)
بعض، بل تكون مطردَة فِي الْجَمِيع، وَلَا
تنْتَقض لفظا وَلَا معنى.
كَالْقَتْلِ - مثلا - بالمثقل عمدا: يُوجب الْقصاص؛ قِيَاسا
على المحدد.
قيل: لم تطرد لِأَنَّهَا تنْتَقض لفظا وَهُوَ: عدم قتل
الْوَالِد بولده. أُجِيب ب: أَن الِامْتِنَاع من الْقَتْل
إِنَّمَا هُوَ بِوُجُود معنى قَامَ بِهِ وَهُوَ: حرمه
الْأُبُوَّة يمْتَنع الِاسْتِيفَاء.
كَمَا أَن يمْتَنع إِذا كَانَ مُسْتَحقَّة صبي إِلَى الْبلُوغ.
وَلَا نقُول: سقط وجوب الْقَتْل بِعَدَمِ الِاسْتِيفَاء،
وَإِنَّمَا تَأَخّر الِاسْتِيفَاء؛ لمَانع قَائِم فِي
مُسْتَحقّه، وَهُوَ: " الصَّبِي فَكَانَت الْعلَّة مطردَة.
وَاحْترز بقوله: " وَلَا معنى " كَمَا لَو تعلق الحكم
بِالْأَصْلِ لِمَعْنى، وَذَلِكَ الْمَعْنى قد يُوجد فِي غَيره،
وَلَا يتبعهُ الحكم، كَمَا يُقَال: " إِنَّمَا جعلت الزَّكَاة
فِي الْأَثْمَان دفعا لحَاجَة الْفَقِير ".
فَيُقَال: تنْتَقض هَذِه الْعلَّة بالجواهر؛ لِأَنَّهُ قد يحصل
دفع الْحَاجة بِإِيجَاب الزَّكَاة فِيهَا، مَعَ أَنه لَا
زَكَاة فِيهَا.
فَعلم أَن الْعلَّة لَا بُد أَن تكون مطردَة فِي جَمِيع
أَنْوَاعهَا.
وَقَوله - فِي الحكم -: " شَرطه: " أَن يكون مثل الْعلَّة فِي
النَّفْي وَالْإِثْبَات " وَاضح؛ لِأَنَّهُ تَابع لَهَا، فَإِن
وجدت: وجد، وَإِن انْتَفَت: انْتَفَى، فَهُوَ مسَاوٍ لَهَا فِي
الْوُجُوب والعدم.
(1/235)
وَقَوله: " وَالْعلَّة هِيَ: الجالبة
للْحكم " زِيَادَة إِيضَاح لاتباع الحكم الْعلَّة فِي
الْوُجُود والعدم، لِأَنَّهَا إِذا وجدت: وجد فَكَانَت جالبة
لَهُ، وَهُوَ مجلوب لَهَا. وَالله أعلم.
[الأَصْل فِي الْأَشْيَاء]
قَالَ: (وَأما الْحَظْر وَالْإِبَاحَة: فَمن النَّاس من
يَقُول: إِن أصل الْأَشْيَاء على الْحَظْر إِلَّا مَا أباحته
الشَّرِيعَة، فَإِن لم يُوجد فِي الشَّرِيعَة مَا يدل على
الْإِبَاحَة: يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَظْر، وَمن
النَّاس من يَقُول: بضد ذَلِك وَهُوَ: أَن الأَصْل فِي
الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة إِلَّا مَا حظره الشَّرْع، [وَمِنْهُم
من قَالَ بالتوقف] وَمعنى اسْتِصْحَاب الْحَال أَن يستصحب
الأَصْل عِنْد عدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ) .
أَقُول: لما فرغ من بَيَان الْقيَاس: شرع فِي بَيَان الْبَيَان
الْحَظْر وَالْإِبَاحَة، وَهُوَ الْبَاب الرَّابِع عشر،
وَكَانَا بَابَيْنِ فِي الأَصْل كالناسخ والمنسوخ، وَإِنَّمَا
جمع بَينهمَا هُنَاكَ وَهنا؛ لِأَن الْكَلَام مُتَعَلق بهما -
مَعًا - ومتردد بَينهمَا؛ لِأَن الْعلمَاء قد اخْتلفُوا فِي
أصل الْأَشْيَاء قبل وُرُود الشَّرْع بحله، أَو حرمته، هَل
تحمل على الْإِبَاحَة، أَو الْحَرَام أَو التَّوَقُّف؟
(1/236)
فَذهب أَبُو حنيفَة وَأَبُو الْعَبَّاس،
وَأَبُو إِسْحَاق من الشَّافِعِيَّة، ومعتزلة الْبَصْرَة إِلَى
الْإِبَاحَة؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى خلق الْأَشْيَاء لأجلنا،
ولأغراضنا، وَمَا كَانَ لنا فَهُوَ مُبَاح؛ لِأَنَّهُ لم
يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مفْسدَة، وَلَا ضَرَر على مَالِكه، وَهُوَ
الله - تَعَالَى -؛ قِيَاسا على الشَّاهِد، وَهُوَ
الِانْتِفَاع بالاستظلال بجدار الْغَيْر، والاقتباس من ناره؛
إِذْ لَا ضَرَر على مَالِكهَا. فَكَذَا هُنَا.
وَذهب ابْن أبي هُرَيْرَة من الشَّافِعِيَّة، وَبَعض الشِّيعَة
ومعتزلة
(1/237)
بَغْدَاد إِلَى الْحُرْمَة، لِأَن
التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه قَبِيح؛ لِأَن
الْأَشْيَاء - كلهَا - ملك الْبَارِي - تَعَالَى - فَلَا يجوز
لأحد أَن يتَنَاوَل شَيْئا حَتَّى يرد الشَّرْع بِهِ كَمَا
هُوَ فِي الشَّاهِد فِي حق الْمَخْلُوق.
وَذهب أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَبُو بكر الصَّيْرَفِي
إِلَى التَّوَقُّف من غير تَحْرِيم، وَلَا إِبَاحَة قبل وُرُود
الشَّرْع.
(1/238)
وَقَوله: " اسْتِصْحَاب الْحَال " إِلَى آخِره يُشِير إِلَى
دَلِيل يرجع إِلَيْهِ عِنْد عدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ، وَهُوَ
اسْتِصْحَاب الأَصْل الثَّابِت كَمَا لَو قيل هَل [يُوجد]
صَلَاة وَاجِبَة زَائِدَة على الْخمس؟
قُلْنَا: لَا؛ لعدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ بِالزَّائِدِ.
فَوَجَبَ التَّمَسُّك بِالْأَصْلِ، وَالله أعلم. |