التمهيد في تخريج الفروع على الأصول الْفَصْل التَّاسِع فِي كَيْفيَّة
الِاسْتِدْلَال بالألفاظ
مَسْأَلَة 1
إِذا تردد اللَّفْظ الصَّادِر من الشَّارِع بَين أُمُور فَيحمل
أَولا على الْمَعْنى الشَّرْعِيّ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام بعث لبَيَان الشرعيات فَإِن تعذر حمل على
الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة الْمَوْجُودَة فِي عَهده عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن التَّكَلُّم بالمعتاد عرفا أغلب
من المُرَاد عِنْد أهل اللُّغَة فَإِن تعذر حمل على
الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة لتعينها بِحَسب الْوَاقِع
وَحكى الْآمِدِيّ فِي تعَارض الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة
واللغوية مَذَاهِب
أَحدهَا هَذَا وَصَححهُ ابْن الْحَاجِب
وَالثَّانِي يكون مُجملا
وَالثَّالِث قَالَه الْغَزالِيّ إِن ورد فِي الْإِثْبَات حمل
على الشَّرْعِيّ
(1/228)
كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
إِنِّي إِذن أَصوم حَتَّى يسْتَدلّ بِهِ على صِحَة النَّفْل
بنية من النَّهَار وَإِن ورد فِي النَّهْي كَانَ مُجملا كنهيه
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن صَوْم يَوْم النَّحْر
فَإِنَّهُ لَو حمل على الشَّرْع دلّ على صِحَّته لِاسْتِحَالَة
النَّهْي عَمَّا لَا يتَصَوَّر وُقُوعه بِخِلَاف مَا إِذا حمل
على اللّغَوِيّ
قَالَ الْآمِدِيّ وَالْمُخْتَار أَنه إِن ورد فِي الْإِثْبَات
حمل على الشَّرْعِيّ لِأَنَّهُ مَبْعُوث لبَيَان الشرعيات
وَإِن ورد فِي النَّهْي حمل على اللّغَوِيّ للاستحالة
الْمُتَقَدّمَة
وَمَا ذكرَاهُ من أَن النَّهْي يسْتَلْزم الصِّحَّة قد أنكراه
بعد ذَلِك وضعفا قَائِله
فان تعذر كل ذَلِك فَيحمل على الْمَعْنى الْمجَازِي صونا للفظ
عَن
(1/229)
الإهمال وَسَيَأْتِي إيضاحه وتفريعه
وَأما اللَّفْظ الصَّادِر من غير الشَّارِع فَقَالَ
الرَّافِعِيّ فِي الطّرف السَّابِع من تَعْلِيق الطَّلَاق
إِنَّه إِذا تعَارض الْمَدْلُول اللّغَوِيّ والعرفي فَكَلَام
الْأَصْحَاب يمِيل إِلَى اعْتِبَار الْوَضع وَالْإِمَام
وَالْغَزالِيّ يريان اتِّبَاع الْعرف ثمَّ ذكر بعده بأسطر مثله
فَقَالَ الْأَصَح وَبِه أجَاب الْمُتَوَلِي مُرَاعَاة اللَّفْظ
فَإِن الْعرف لَا يكَاد يَنْضَبِط ذكره فِي أول الْفَصْل
الْمَعْقُود للألفاظ الْوَاقِعَة عِنْد مخاصمة الزَّوْجَيْنِ
ومشاتمتها وَمِنْه قَول الْفُقَهَاء مَا لَيْسَ لَهُ ضَابِط
فِي الشَّرْع وَلَا فِي اللُّغَة يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف
فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَأْخِير الْعرف عَن اللُّغَة وَهُوَ
صَحِيح إِذا حمل على مَا ذَكرْنَاهُ فتفطن لما ذكرته فَإِن
كثيرا من النَّاس قد اشْتبهَ عَلَيْهِ ذَلِك وَظن الِاتِّحَاد
فِي التَّصْوِير وَالِاخْتِلَاف فِي الْجَواب
وَهَذَا كُله إِذا كثر اسْتِعْمَال الشَّرْعِيّ والعرفي
بِحَيْثُ صَار يسْبق
(1/230)
أَحدهمَا دون اللّغَوِيّ فَإِن لم يكن
فَإِنَّهُ يكون مُشْتَركا لَا يتَرَجَّح إِلَّا بِقَرِينَة
قَالَه فِي الْمَحْصُول لَكِن مَذْهَب الشَّافِعِي حمل
الْمُشْتَرك على معنييه وَحِينَئِذٍ فَإِذا أمكن ذَلِك هُنَا
وَجب الْمصير إِلَيْهِ
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع
أَحدهَا إِذا قَالَ إِن كَانَ فِي بَيْتِي نَار فَأَنت طَالِق
وَفِيه سراج فَإِنَّهَا تطلق كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ فِي آخر
تَعْلِيق الطَّلَاق عَن زيادات الْعَبَّادِيّ وارتضاه
الثَّانِي إِذا قَالَ إِن ضمنت لي ألفا فَأَنت طَالِق وَكَانَ
لَهُ هَذَا الْقدر على غَيره فَقَالَت الْمَرْأَة ضمنت لَك
الْألف الَّتِي على فلَان مثلا فَيَنْبَغِي وُقُوع الطَّلَاق
حملا للفظ على حَقِيقَته الشَّرْعِيَّة والعرفية وَيبقى النّظر
فِي أَنه هَل يَقع رَجْعِيًا أم بَائِنا وَلَكنهُمْ حملُوا
اللَّفْظ على الْتِزَام ذَلِك فِي الذِّمَّة كَمَا لَو قَالَ
أَنْت طَالِق على الف
الثَّالِث إِذا قَالَت الْمَرْأَة طَلقنِي وَلَك عَليّ ألف
فَإِن طَلقهَا اسْتحق الْألف وَإِلَّا فَلَا مَعَ أَن مُقْتَضى
الْكَلَام اسْتِحْقَاق الْألف سَوَاء أطلق أم لَا فَإِنَّهَا
سَأَلت الطَّلَاق إِلَّا أَن الْعرف يَقْتَضِي الِالْتِزَام
(1/231)
فَإِن قيل لم تسلكوا هَذَا الْمَعْنى فِي
عَكسه وَهُوَ قَول الزَّوْج أَنْت طَالِق وَعَلَيْك ألف بل
أوقعوا الطَّلَاق رَجْعِيًا وَلم يوجبوا عَلَيْهَا شَيْئا قبلت
ام لَا
وَالْجَوَاب أَن ذَلِك قد عَارضه اسْتِقْلَال الزَّوْج
بِالطَّلَاق وَقد أوقعه
الرَّابِع إِذا قَالَ وَالله لَا أشْرب نبيذا فَشرب الفقاع
وَنَحْوه مِمَّا يُسمى نبيذا فِي اللُّغَة وَلَا يُسمى بذلك
فِي الْعرف وَقد وَردت هَذِه الْمَسْأَلَة عَليّ من الْيمن فِي
جملَة مسَائِل وَحكمهَا يعرف مِمَّا ذكرته
الْخَامِس ولنقدم عَلَيْهِ أَن اشتهار الشَّخْص باسم غير
الَّذِي سَمَّاهُ أَبَوَاهُ بِمَثَابَة تعَارض الْحَقِيقَة
اللُّغَوِيَّة والعرفية
أذا تقرر هَذَا فَكَانَ لَهُ زوجتان إِحْدَاهمَا فَاطِمَة بنت
مُحَمَّد وَالْأُخْرَى فَاطِمَة بنت رجل سَمَّاهُ أَبَوَاهُ
ايضا مُحَمَّدًا إِلَّا أَنه اشْتهر فِي النَّاس ب زيد وَلَا
يَدعُونَهُ إِلَّا بذلك فَقَالَ الزَّوْج زَوْجَتي فَاطِمَة
مُحَمَّد طَالِق وَقَالَ أردْت بنت الَّذِي يَدعُونَهُ زيدا
قَالَ القَاضِي شُرَيْح الرَّوْيَانِيّ فِي معلقاته قَالَ جدي
أَبُو الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ يقبل لِأَن الِاعْتِبَار
بِتَسْمِيَة أَبَوَيْهِ وَقد يكون للرجل اسمان فَأكْثر وَقيل
(1/232)
الِاعْتِبَار بِالِاسْمِ الْمَشْهُور فِي
النَّاس لِأَنَّهُ ابلغ فِي التَّعْرِيف كَذَا نَقله
الرَّافِعِيّ فِي الْكَلَام على الْكِنَايَات وَتقدم أَيْضا
فِي الْفَصْل السَّادِس نَقله عَنهُ
وَقَرِيب من هَذِه الْمَسْأَلَة مَا ذكره أَيْضا قبيل هَذَا
الْموضع بِنَحْوِ ورقة عَن فَتَاوَى الْقفال أَن زَوجته لَو
كَانَت تنْسب إِلَى زوج أمهَا فَقَالَ بنت فلَان طَالِق لم
تطلق لِأَنَّهَا لَيست ببنته حَقِيقَة وَلغيره فِي هَذَا
احْتِمَال زَاد فِي الرَّوْضَة فَقَالَ يَنْبَغِي أَن يُقَال
إِن نَوَاهَا طلقت وَلَا يضر الْغَلَط فِي نَسَبهَا
كَنَظِيرِهِ من النِّكَاح وَإِلَّا فَلَا وَمُرَاد الْقفال
بقوله لم تطلق أَي فِي الظَّاهِر وَأما الْبَاطِن فَيتَعَيَّن
أَن يكون كَمَا ذكرته انْتهى كَلَامه
السَّادِس إِذا اوصى بالدابة أعطي لَهُ فرسا أَو بغلا أَو
حمارا وَإِن كَانَت الدَّابَّة فِي اصل اللُّغَة لكل مَا دب
أَي لكل مَا فِيهِ حَيَاة وحركة وَمِنْه قَول الْعَرَب أكذب من
دب ودرج أَي أكذب الْأَحْيَاء والأموات من قَوْلهم درج بالوفاة
قَالَه
(1/233)
الْجَوْهَرِي فَإِذا لم يكن لَهُ فرس وَلَا
بغل وَلَا حمَار وَقَالَ أَعْطوهُ دَابَّة من دوابي وَله
حيوانات أُخْرَى كَانَت الْوَصِيَّة بَاطِلَة كَمَا جزم بِهِ
الرَّافِعِيّ وَفِيه مَا سبق من الْإِشْكَال
السَّابِع إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق يَوْم يقدم زيد
فَقدم لَيْلًا فَالْمَذْهَب أَنه لَا يَقع الطَّلَاق لِأَن
الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم من لفظ الْيَوْم إِنَّمَا هُوَ مَا
بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى الْغُرُوب وَقيل يَقع لِأَن
الْيَوْم يُطلق للقطعة من الزَّمَان أَيْضا وَمِنْه قَول
الشَّاعِر
... فَيوم علينا وَيَوْم لنا ... وَيَوْم نسَاء وَيَوْم نسر
...
وَقد سبق هَذَا الْفَرْع ايضا فِي الْفَصْل السَّادِس
وَكَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة نَحوه
الثَّامِن إِذا حلف لَا يَأْكُل ميتَة فَأكل سمكًا فَإِنَّهُ
لَا يَحْنَث كَمَا صَححهُ الرَّافِعِيّ وَعلله بِالْعرْفِ
وَأَيْضًا فَإِن الْميتَة هُوَ مَا لم يذبح
(1/234)
مِمَّا يجب ذبحه وَلَو حلف لَا يَأْكُل
دَمًا لم يَحْنَث بالكبد وَالطحَال جزما
التَّاسِع إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَعَلَيْك ألف وشاع فِي
الْعرف اسْتِعْمَال هَذَا اللَّفْظ فِي طلب الْعِوَض وإلزامه
فَقَالَ الْمُتَوَلِي يكون ذَلِك كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق
على ألف كَذَا نَقله عَنهُ الرَّافِعِيّ فِي الشرحين بعد أَن
أطلق القَوْل بِوُقُوع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَلَا شَيْء على
الْمَرْأَة
وَمن فروعها مَا ذكره الْعَبَّادِيّ فِي الزِّيَادَات أَنه لَو
رأى شَيْئا ثمَّ اتهمه غَيره بسرقته فَقَالَ وَالله مَا سَرقته
وَلَا رَأَيْته لم يَحْنَث قَالَ لِأَن مُقْتَضَاهُ نفي
الرُّؤْيَة وَقت السّرقَة
وَفِيمَا قَالَه نظر لَكِن الظَّاهِر فِي الْعرف مَا ذكره
الْعَاشِر الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة فِي تَعْلِيق الطَّلَاق
على إِثْبَاتهَا ونفيها فَمِنْهَا الخسيس قَالَ أَبُو الْحسن
الْعَبَّادِيّ هُوَ من بَاعَ دينه بدنياه وأخس الأخساء من
بَاعَ دينه بدنيا غَيره كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَنهُ ثمَّ
قَالَ وَيُشبه أَن يُقَال إِنَّه من يتعاطى فِي الْعرف مَا لَا
يَلِيق بِحَالهِ لشدَّة بخله
وَمِنْهَا السَّفِيه قَالَ الرَّافِعِيّ يُمكن أَن يحمل على
مَا يُوجب الْحجر
قلت وَالْمُتَّجه أَن ينظر إِلَى السِّيَاق فَإِن كَانَ فِي
معرض الْإِسْرَاف أَو بذاءة اللِّسَان فَلَا كَلَام وَإِن لم
يظْهر شَيْء من ذَلِك فَيَأْتِي مَا ذكره الرَّافِعِيّ
وَمِنْهَا الْبَخِيل نقل الرَّافِعِيّ أَن صَاحب التَّتِمَّة
قَالَ إِنَّه من لَا يُؤَدِّي الزَّكَاة وَلَا يقري الضَّيْف
فِيمَا قيل وَمُقْتَضى كَلَامه أَنه لوأتى بِأَحَدِهِمَا لم
يكن بَخِيلًا مَعَ أَن الْعرف يَقْتَضِي الثَّانِي خَاصَّة
(1/235)
وَمن فروع الْقَاعِدَة أَيْضا مَا اذا
قَالَت لَهُ زَوجته يَا خسيس وَنَحْو ذَلِك فَقَالَ إِن كنت
كَذَا فَأَنت طَالِق فَإِن قصد التَّعْلِيق فَوَاضِح وان قصد
الْمُكَافَأَة طلقت مستثنيا كَانَ أم لَا وَمعنى الْمُكَافَأَة
أَن يُرِيد أَن يغيظها بِالطَّلَاق كَمَا غاظته بالشتم
فَكَأَنَّهُ يَقُول تزعمين أَنِّي كَذَا فَأَنت طَالِق لأجل
ذَلِك فَإِن لم يقْصد شَيْئا مِنْهُمَا فَهُوَ للتعليق فَإِن
عَم الْعرف فِي الْمُكَافَأَة فَهَل المرعي الْوَضع أَو الْعرف
فِيهِ وَفِي سَائِر التعليقات خلاف وَالأَصَح كَمَا قَالَه
الرَّافِعِيّ فِي بَاب تَعْلِيق الطَّلَاق مُرَاعَاة الْوَضع
مَسْأَلَة 2
يصرف اللَّفْظ إِلَى الْمجَاز عِنْد قيام الْقَرِينَة
وَكَذَلِكَ عِنْد تعذر الْحَقَائِق الثَّلَاث صونا للفظ عَن
الإهمال ويعبر عَن ذَلِك بِأَن اعمال اللَّفْظ أولى من الغائه
وَهَذَا التَّعْبِير أَعم لما تعرفه
إِذا تقرر هَذَا فللمسألة
فروع
أَحدهَا إِذا قَالَ بَنو آدم كلهم أَحْرَار لَا يعْتق عبيده
بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ عبيد الدُّنْيَا فَإِنَّهُم يعتقون
كَذَا رَأَيْته فِي زيادات الْعَبَّادِيّ وَلم يعلله وَسَببه
أَن إِطْلَاق الابْن على ابْن الابْن مجَاز فالحقيقة إِنَّمَا
هُوَ الطَّبَقَة
(1/236)
الأولى وهم أَحْرَار بِلَا شكّ بِخِلَاف
قَوْله عبيد الدُّنْيَا وَلَا شكّ أَن مَحل ذَلِك عِنْد
الْإِطْلَاق فَإِن نوى الْحَقِيقَة وَالْمجَاز صَحَّ على
الصَّحِيح وَحمل اللَّفْظ عَلَيْهَا كَمَا سبق فِي مَوْضِعه
لَكِن لقَائِل أَن يَقُول فَلم لَا حمل اللَّفْظ على مجازه
لتعذر الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ
الثَّانِي إِذا أوصى بِعَين ثمَّ قَالَ هِيَ حرَام على
الْمُوصى لَهُ فَإِنَّهُ يكون رُجُوعا على الصَّحِيح وَإِن
كَانَ اسْم الْفَاعِل حَقِيقَة فِي الْحَال وَلَا شكّ أَنه فِي
الْحَال حرَام لَكنا لَو حملناه على الْحَقِيقَة لعري عَن
الْفَائِدَة فحملناه على الْمجَاز
الثَّالِث إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار أَنْت طَالِق
فَالْمُتَّجه وُقُوع الطَّلَاق عِنْد الدُّخُول لِأَن إِذا
الفجائية تقوم مقَام الْفَاء فِي الرَّبْط لقَوْله تَعَالَى
{وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون}
وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون الزَّوْج قد أَتَى بإذا على
أَنَّهَا شَرط آخر وَالتَّقْدِير إِن دخلت وَقت وُقُوع
الطَّلَاق عَلَيْك حصل كَذَا وَكَذَا وَلم يكمل الْكَلَام
إِلَّا أَنه صدنَا عَن ذَلِك ان إِعْمَال اللَّفْظ أولى من
إلغائه لذَلِك قدمنَا أَن هَذَا التَّعْبِير أَعم من
التَّعْبِير الَّذِي قبله
الرَّابِع إِذا وقف على أَوْلَاده وَلَيْسَ لَهُ الا أَوْلَاد
أَوْلَاد فَإِنَّهُ يَصح وَيكون وَقفا عَلَيْهِم كَمَا جزم
بِهِ الرَّافِعِيّ
الْخَامِس إِذا أجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ بالتصديق صَرِيحًا
لَكِن انضمت إِلَيْهِ قَرَائِن تصرفه الى الِاسْتِهْزَاء
بالتكذيب كتحريك الرَّأْس الدَّال على شدَّة التَّعَجُّب
وَالْإِنْكَار قَالَ الرَّافِعِيّ فَيُشبه أَن يحمل قَول
الْأَصْحَاب
(1/237)
إِن صدقت وَمَا فِي مَعْنَاهَا اقرار على
غير هَذِه الْحَالة أَو يُقَال فِيهِ خلاف لتعارض اللَّفْظ
والقرينة كَمَا لَو قَالَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ فِي الْجَواب
على سَبِيل الِاسْتِهْزَاء لَك عَليّ ألف فَإِن الْمُتَوَلِي
قد حكى فِيهِ وَجْهَيْن
السَّادِس اذا قَالَ لهَذَا الْحمل عَليّ ألف وَلم يسْندهُ الى
جِهَة صَحِيحَة كَالْوَصِيَّةِ أَو بَاطِلَة كالمعاملة بل أطلق
فأصح الْقَوْلَيْنِ صِحَّته لاحْتِمَال الصِّحَّة وَالثَّانِي
لَا لِأَن الْغَالِب فِي الدُّيُون حُصُولهَا على
الْمُعَامَلَة
السَّابِع إِذا نَاوَلَهُ شمعة مثلا وَقَالَ أعرتكها لتستضيء
بهَا فَيحْتَمل الْبطلَان لِأَن شَرط الْمُسْتَعَار أَن لَا
يتَضَمَّن اسْتِهْلَاك عين وَالْمُتَّجه الصِّحَّة حملا للفظ
على الْإِبَاحَة
الثَّامِن إِذا نذر أَن يهدي إِلَى الْحرم شَيْئا معينا لَا
يُمكن نَقله كالبيت وَنَحْوه فَإِنَّهُ يَبِيعهُ وينقل ثمنه
لأجل تعذر الْمَدْلُول الْحَقِيقِيّ
التَّاسِع إِذا أَشَارَ إِلَى حَيَوَان لَا تقبل التَّضْحِيَة
بِهِ إِمَّا لكَونه معيبا أَو من غير النعم فَهَل يبطل أَو
يَصح حملا للفظ على مُطلق الْقرْبَة فِيهِ خلاف تقدم بَسطه فِي
أول الْكتاب فِي الْكَلَام على مَا إِذا نسخ الْوُجُوب هَل
يبْقى الْجَوَاز
الْعَاشِر إِذا قَالَت الْمَرْأَة لِابْنِ عَمها الَّذِي هُوَ
ولي نِكَاحهَا زَوجنِي
(1/238)
نَفسك حكى الْبَغَوِيّ عَن بعض الْأَصْحَاب
أَنه يجوز للْقَاضِي تَزْوِيجه بهَا ثمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنه
لَا يجوز لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَذِنت لَهُ لَا للْقَاضِي كَذَا
حَكَاهُ عَنهُ الرَّافِعِيّ وَلم يزدْ عَلَيْهِ قَالَ فِي
الرَّوْضَة الصَّوَاب الْجَوَاز لِأَن مَعْنَاهُ فوض إِلَى من
يزوجك إيَّايَ
الْحَادِي عشر إِذا قَالَ عَبدِي أَو ثوبي لزيد فَإِن
الْإِقْرَار لَا يَصح لِأَن إِضَافَته إِلَيْهِ تستدعي
أَنَّهَا ملكه وَذَلِكَ منَاف لمدلول آخِره كَذَا قَالُوهُ
وَلم يحملوه على الْمجَاز بِاعْتِبَار مَا كَانَ أَو بِأَن
الْإِضَافَة تصدق بِأَدْنَى ملابسه كَمَا يُقَال هَذِه دَار
زيد للدَّار الَّتِي يسكنهَا بِالْأُجْرَةِ وَنَحْو ذَلِك
الثَّانِي عشر إِذا قَالَ لغيره أَنْت تعلم أَن العَبْد
الَّذِي فِي يَدي حر فَإنَّا نحكم بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ قد
اعْترف بِعِلْمِهِ بذلك فَلَو لم يكن حرا لم يكن الْمَقُول
لَهُ عَالما بحريَّته كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ قبيل كتاب
التَّدْبِير عَن الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ فحملو لفظ العَبْد على
الْمجَاز مَعَ أَن مَدْلُوله الْحَقِيقِيّ يُنَاقض مَا بعده
كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة وَهُوَ مُشكل
عَلَيْهَا وَقد ذكر الرَّافِعِيّ مَعَ هَذَا الْفَرْع فروعا
أخر تقدم ذكرهَا فِي الْكَلَام على الْمُشْتَرك لِمَعْنى آخر
فَرَاجعهَا
الثَّالِث عشر قَالَ فِي النِّهَايَة فِي كتاب الطَّلَاق عِنْد
الْكَلَام على التَّعْلِيق بِالْحيضِ إِذا تردد اللَّفْظ بَين
وَجه يحْتَمل الاستحالة
(1/239)
وَيحْتَمل أمرا مُمكنا فَمن الْأَصْحَاب من
لَا يبعد الْحمل على الاستحالة وَمِنْهُم من يُوجب على الامكان
حَتَّى لَا يَلْغُو اللَّفْظ
وَمن هَذَا الأَصْل مَا إِذا قَالَ لزوجته وأجنبية
إِحْدَاكُمَا طَالِق
الرَّابِع عشر إِذا حلف لَا يشرب مَاء النَّهر فَشرب بعضه
فَإِن الصَّحِيح عدم الْحِنْث
الْخَامِس عشر إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف إِذا جَاءَ رَأس
الشَّهْر لم يلْزمه شَيْء على الصَّحِيح مَعَ ظُهُور إِرَادَة
التَّأْجِيل فَإِن الْمُؤَجل لَا يجب أَدَاؤُهُ قبل الْحُلُول
مَسْأَلَة 3
الحكم اللَّازِم عَن الْمركب إِذا كَانَ مُوَافقا للمنطوق فِي
الْإِيجَاب وَالسَّلب كدلالة قَوْله تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما
أُفٍّ} على تَحْرِيم الضَّرْب وَدلَالَة قَوْله تَعَالَى {أحل
لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} على صِحَة الصَّوْم جنبا يكون
حجَّة وَيُسمى فحوى الْخطاب
(1/240)
وتنبيه الْخطاب وَمَفْهُوم الْمُوَافقَة
وَلَا فرق فِيهِ كَمَا قَالَه فِي الْمَحْصُول بَين أَن يكون
ذَلِك الْمَفْهُوم أولى بالحكم من الْمَنْطُوق كآية التأفيف
أَو مُسَاوِيا كآية حل الْجِمَاع للصَّائِم خلافًا لِابْنِ
الْحَاجِب فِي اشْتِرَاط الْأَوْلَوِيَّة
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروعه المشكلة
1 - مَا إِذا قَالَ ولي الْمَحْجُور عَلَيْهِ لغيره بِعْ هَذِه
الْعين بِعشْرَة وَكَانَت تَسَاوِي مائَة فَإِنَّهُ لَا يَصح
البيع أصلا لَا بِالْمِائَةِ وَلَا بِمَا هُوَ دونهَا كَذَا
جزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي كتاب النِّكَاح فِي الْكَلَام على
التَّوْكِيل بِالتَّزْوِيجِ مَعَ أَن الرضى بِالْعشرَةِ
يسْتَلْزم الرضى بِالْمِائَةِ بطرِيق الأولى وَلِهَذَا لَو أذن
الرشيد فِي البيع بِالْعشرَةِ صَحَّ البيع بِالْمِائَةِ
(1/241)
مَسْأَلَة 4
دلَالَة الِالْتِزَام حجَّة وَإِن لم يكن من قسم المفاهيم
وَذَلِكَ مثل أَن تتَوَقَّف دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى
على شَيْء آخر كَقَوْلِه أعتق عَبدك عني فَإِنَّهُ يسْتَلْزم
سُؤال تَمْلِيكه حَتَّى إِذا أعْتقهُ تَبينا دُخُوله فِي ملكه
لِأَن الْعتْق لَا يكون إِلَّا فِي مَمْلُوك
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَت الْمَرْأَة رضيت أَن أَتزوّج أَو رضيت
بفلان زوجا وَكَانَ لَهَا أَوْلِيَاء فِي دَرَجَة فَهَل يَصح
الْإِذْن وَيجوز لكل وَاحِد أَن يُزَوّج على وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه لَيْسَ لأحد من الْأَوْلِيَاء تَزْوِيجهَا
لِأَنَّهَا لم تَأذن لجميعهم بِلَفْظ عَام وَلَا خاطبت
وَاحِدًا مِنْهُم على التَّعْيِين وأظهرهما كَمَا قَالَه
الرَّافِعِيّ أَنه يَكْفِي لِأَن الرضى بِالتَّزْوِيجِ
مَحْمُول على الصَّحِيح وَصِحَّة ذَلِك هُنَا مستلزمة للْإِذْن
لكل وَاحِد لِأَنَّهُ لم يُوجد الْإِذْن لوَاحِد معِين
وَالْإِذْن لغير الْمعِين غير صَحِيح نعم لقَائِل أَن يَقُول
لم لَا حملناه على الْمَجْمُوع حَتَّى يشْتَرط اجْتِمَاعهم على
الصَّحِيح كَمَا لَو قَالَت أَذِنت لأوليائي أَن يزوجوني ثمَّ
فرع الرَّافِعِيّ على هَذَا فَقَالَ فَلَو عينت بعد ذَلِك
وَاحِدًا فَهَل يَنْعَزِل غَيره فِيهِ وَجْهَان قَالَ لِأَن
فِي التَّخْصِيص إشعارا بِرَفْع الْإِطْلَاق
(1/242)
وَالأَصَح فِي زيادات الرَّوْضَة عدم
الانعزال
وَهَذَا الْخلاف الْأَخير منشؤه أَن مَفْهُوم اللقب هَل هُوَ
حجَّة أم لَا وَأَن إِفْرَاد فَرد هَل يخصص أم لَا وستأتيك
المسألتان
2 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ أَبْرَأتك فِي الدُّنْيَا دون
الْأُخْرَى برىء فيهمَا لِأَن الْبَرَاءَة فِي الْآخِرَة
تَابِعَة للبراءة فِي الدُّنْيَا وَيلْزم من وجود الْمَلْزُوم
وجود اللَّازِم كَذَا رَأَيْته فِي فَتَاوَى الحناطي حكما
وتعليلا
وَلقَائِل أَن يعكسه فَيَقُول لما لم يُبرئهُ فِي الْآخِرَة
فقد انْتَفَى اللَّازِم وَيلْزم من عدم اللَّازِم عدم
الْمَلْزُوم
(1/243)
3 - وَمِنْهَا إِذا قَالَت الْمَرْأَة
لوَلِيّهَا وكل بتزويجي وَلَا تباشره فَلَيْسَ لَهُ
الْأَمْرَانِ
فَلَو قَالَت وكل من يزوجني واقتصرت عَلَيْهِ فَلهُ
التَّوْكِيل وَفِي مُبَاشَرَته التَّزْوِيج وَجْهَان أصَحهمَا
كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ يجوز لِأَن إِذْنهَا بِالتَّوْكِيلِ
يسْتَلْزم الْمُبَاشرَة لِأَن الأَصْل أَن من امْتنعت عَلَيْهِ
الْمُبَاشرَة تمْتَنع عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَة إِلَّا عِنْد
الضَّرُورَة كتوكيل الْأَعْمَى غَيره فِي البيع وَالشِّرَاء
4 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ صَاحب الدّين الْمَعْلُوم أَبرَأته
عَن بعض ديني وَقُلْنَا الْبَرَاءَة من الْمَجْهُول لَا تصح
فَيحْتَمل أَن يكون إبراءا عَن الْجَمِيع كَذَا ذكره
الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر قبيل الْكتاب الأول من
الْكِتَابَيْنِ المعقودين للشَّهَادَة وَلم يذكر غير ذَلِك
(1/244)
مَسْأَلَة 5
ذهب الشَّافِعِي وَجُمْهُور أَصْحَابه إِلَى أَن مَفْهُوم
الصّفة وَالشّرط حجَّة أَي يدلان على نفي الحكم عِنْد
انْتِفَاء الصّفة وَالشّرط
وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ أَنَّهُمَا ليسَا بِحجَّة
وَفصل الإِمَام فَخر الدّين فصحح أَن مَفْهُوم الشَّرْط حجَّة
وَأما مَفْهُوم الصّفة فَاخْتَارَ فِي الْمَحْصُول والمنتخب
أَنه لَا يدل وَقَالَ فِي المعالم الْمُخْتَار أَنه يدل عرفا
لَا لُغَة
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقد أطلق الشَّافِعِي أَنه حجَّة
وَاسْتقر
(1/245)
رَأْيه على إِلْحَاق مَالا يُنَاسب مِنْهَا
باللقب فِي عدم الدّلَالَة على مَا سَيَأْتِي قَالَ وَذَلِكَ
كَقَوْلِنَا الْأَبْيَض يشْبع إِذا أكل
وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَن مَفْهُوم الصّفة حجَّة فَهَل دلّت
اللُّغَة عَلَيْهِ أم استفدناه من الشَّرْع على وَجْهَيْن
حَكَاهُمَا الرَّوْيَانِيّ فِي كتاب الْقَضَاء من الْبَحْر
وَذكر أَعنِي الرَّوْيَانِيّ فِيهِ أَيْضا أَنه لَا فرق فِي
ذَلِك بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات فَقَالَ وَقَوله عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور يدل
على قبُولهَا بالطهور وَيكون نفي الحكم عَن تِلْكَ الصّفة
مُوجبا لإثباته عِنْد عدمهَا وَهُوَ الظَّاهِر من مَذْهَب
الشَّافِعِي هَذِه عِبَارَته فِي الْموضع الْمَذْكُور وَهُوَ
كتاب الْقَضَاء وَفِيه نظر فَإِن هَذَا من بَاب الشُّرُوط
وَإِثْبَات الشَّرْط لَا يسْتَلْزم الصِّحَّة لاحْتِمَال شَرط
آخر
(1/246)
إِذا تقرر مَا ذَكرْنَاهُ فيتفرع على
الْمَسْأَلَة فروع كَثِيرَة كالوقف والوصايا والتعاليق
وَالنُّذُور والأيمان
1 - كَمَا إِذا قَالَ وقفت هَذَا على أَوْلَادِي الْفُقَرَاء
وَإِن كَانُوا فُقَرَاء وَنَحْو ذَلِك
2 - وَمِنْهَا إِذا عاتبته امْرَأَته بِنِكَاح جَدِيد فَقَالَ
كل امْرَأَة لي غَيْرك أَو سواك طَالِق وَلم يكن لَهُ إِلَّا
المخاطبة وتفريعه على كَلَام النُّحَاة مَذْكُور فِي كتاب
الْكَوْكَب فَرَاجعه وَالْمَنْقُول فِيهِ عندنَا أَن الطَّلَاق
لَا يَقع كَذَا ذكره الْخَوَارِزْمِيّ فِي كتاب الْأَيْمَان من
الْكَافِي فَذكر أَن رجلا متزوجا خطب امْرَأَة فامتنعت
لِأَنَّهُ متزوج فَوضع زَوجته فِي الْمَقَابِر ثمَّ قَالَ كل
امْرَأَة لي سوى الَّتِي فِي الْمَقَابِر طَالِق فَقَالَ لَا
يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق مَعَ أَن جمَاعَة قَالُوا إِن سوى لَا
تكون للصفة فَفِي غير مَعَ الِاتِّفَاق على الْوَصْف بهَا أولى
فاعلمه وتعليل الرَّافِعِيّ الْمُتَقَدّم بِأَنَّهُ السَّابِق
إِلَى الْفَهم يَقْتَضِيهِ أَيْضا فَإِن السَّابِق إِلَى فهم
كل سامع وَهُوَ مُرَاد كل قَائِل بالاستقراء إِنَّمَا هُوَ
الصّفة وَلِأَن الْمُقْتَضِي لجعله فِي الْإِقْرَار
اسْتثِْنَاء هُوَ الْأَخْذ بالاصل وَهُوَ مَوْجُود بِعَيْنِه
بِالطَّلَاق وَلَو أخر اللَّفْظ الْمخْرج فَقَالَ كل امْرَأَة
لى
(1/247)
طَالِق غَيْرك أَو سواك فَإِنَّهُ لَا يَقع
أَيْضا لِأَن الْفَصْل بَين الصّفة والموصوف بالْخبر جَائِز
وَمَا ذكرته فِي هَذَا الْفَصْل نقلا واستدلالا يَنْبَغِي
التفطن لَهُ فقد يغْفل عَنهُ من لَا اطلَاع لَدَيْهِ فَيُفَرق
بَين الزَّوْجَيْنِ فليت شعري إِذا فرق احْتِيَاطًا فَإِن منع
الْمَرْأَة من تَزْوِيجهَا وَالزَّوْج من نِكَاح أُخْتهَا
وعمتها وخالتها اَوْ أَربع سواهَا فعجيب وَإِن جوز فأعجب
لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى مَحْذُور أَشد ويوقع فِي عدم
الِاحْتِيَاط الَّذِي فر مِنْهُ وَإِذا كَانَ الْمَحْذُور لَا
بُد مِنْهُ فالبقاء على نِكَاح تَيَقنا انْعِقَاده وشككنا فِي
ارتفاعه أولى وأصوب مِمَّا لَا نعلم انْعِقَاده وَأَبْرَأ
للذمة من إنْشَاء عقد يتقلده لَا سِيمَا مَعَ أَنا نعلم أَن
قَائِله إِنَّمَا يُرِيد الصّفة وَأَن المُرَاد هُوَ المُرَاد
من قَول الْقَائِل كل امْرَأَة مُغَايرَة لَك طَالِق وَقَائِل
هَذَا لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى
المخاطبة
مَسْأَلَة 6
إِنَّمَا يكون مَفْهُوم الصّفة وَالشّرط حجَّة إِذا لم يظْهر
للتَّقْيِيد فَائِدَة غير نفي الحكم فَإِن ظهر لَهُ فَائِدَة
أُخْرَى فَلَا يدل على النَّفْي فَمن الْفَائِدَة
1 - أَن يكون العاري عَن تِلْكَ الصّفة أولى بالحكم من المتصف
بهَا
2 - أَو يكون جَوَابا كالسائل مثلا عَن سَائِمَة الْغنم هَل
فِيهَا زَكَاة فَقَالَ فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة فَلَا
يدل على النَّفْي لِأَن ذكر السّوم وَالْحَالة هَذِه لمطابقة
كَلَام السَّائِل
(1/248)
3 - أَو يكون السّوم هُوَ الْغَالِب فَإِن
ذكره إِنَّمَا هُوَ لأجل غَلَبَة حُضُوره فِي ذهنه كَذَا ذكره
فِي الْمَحْصُول وَنَقله فِي الْبُرْهَان عَن الشَّافِعِي ثمَّ
نَازع فِيهِ وَقَالَ الْغَلَبَة لَا تدفع كَونه حجَّة وَذكر
الشَّيْخ عز الدّين فِي الْقَوَاعِد مثله وَقَالَ لَو لم يكن
حجَّة لم يكن فِي ذكره فَائِدَة لِأَن الْإِطْلَاق ينْصَرف
إِلَى الْغَالِب
إِذا تقرر ذَلِك فَمن فروع الْقَاعِدَة
1 - مَا إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أعتق رَقَبَة كَافِرَة
فَأعتق مُؤمنَة أَو قَالَ مَعِيبَة فَأعتق سليمَة فَقيل لَا
يجزىء وَيتَعَيَّن مَا ذكره وَالصَّحِيح الْإِجْزَاء
لِأَنَّهَا أكمل وَذكر الْكفْر وَالْعَيْب لَيْسَ للتقرب بل
لجَوَاز الِاقْتِصَار على النَّاقِص فَصَارَ كَمَا لَو نذر
التَّصَدُّق بحنطة رَدِيئَة يجوز لَهُ التَّصَدُّق بالجيدة
فَأَما لَو قَالَ هَذَا الْكَافِر أَو الْمَعِيب فَلَا يجْزِيه
غَيره لتعليق النّذر بِعَيْنِه كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ
أَوَائِل الْكَلَام على أَحْكَام النّذر
(1/249)
وَجزم القَاضِي الْحُسَيْن فِي فَتَاوِيهِ
بِأَنَّهُ لَا يَصح بِالْكُلِّيَّةِ فِي الْمَسْأَلَة
الْأَخِيرَة
2 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ إِن ظَاهَرت من فُلَانَة
الْأَجْنَبِيَّة فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي فَتَزَوجهَا
وَظَاهر مِنْهَا فَإِنَّهُ يصير مُظَاهرا من الْأُخْرَى على
الصَّحِيح وَيحمل وصفهَا بالأجنبية على تَعْرِيفهَا بالواقع
وَقيل لَا يصير مُطلقًا لِأَن الْوَصْف لم يُوجد وَهِي
كَالَّتِي قبلهَا فِي الْمَعْنى
2 - وَمِنْهَا جَوَاز مخالعة الزَّوْجَيْنِ عِنْد الْأَمْن من
إِقَامَة الْحُدُود وَالْخَوْف من عدم إِقَامَتهَا مَعَ أَن
الله تَعَالَى قَالَ {فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود
الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} لِأَن
الْغَالِب أَن الْخلْع لَا يَقع إِلَّا فِي حَالَة الْخَوْف
فَلَا يدل ذَلِك على الْمَنْع عِنْد انْتِفَاء الْخَوْف
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا لَا يحل إِلَّا فِي هَذِه الْحَالة
لِأَن الْآيَة الْمَذْكُورَة وَإِن احْتمل فِيهَا مَا ذَكرُوهُ
إِلَّا أَن قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحل لكم} صَرِيح
(1/250)
فِي التَّحْرِيم ودافع لهَذَا التَّأْوِيل
3 - وَمِنْهَا وَهُوَ مُشكل على قَاعِدَة الشَّافِعِي إِسْقَاط
الزَّكَاة عَن المعلوفة لكَون السّوم هُوَ الْغَالِب
4 - وَمِنْهَا أَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من
نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا وَإِن أشعر
تَقْيِيده أَن التارك عمدا لَا يقْضِي إِلَّا أَن هَذَا
التَّقْيِيد لَا مَفْهُوم لَهُ لِأَن الْقَضَاء إِذا وَجب على
الْمَعْذُور فَغَيره بطرِيق الأولى وَخَالف جمَاعَة فَقَالُوا
لَا يقْضِي
(1/251)
تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ وجوب
الْقَضَاء من بَاب المعاقبة حَتَّى يُقَال يجب على غَيره
بطرِيق الأولى لِأَن تأهيل الشَّخْص لِلْعِبَادَةِ من بَاب
اصطفائه وتقريبه فَإِن الْمُلُوك لَا ترْضى كل أحد لخدمتها
وَمَال الشَّيْخ عز الدّين فِي الْقَوَاعِد والتاج الفركاح فِي
شرح التَّنْبِيه الى هَذَا الْبَحْث وقوياه ثمَّ ظَفرت بحكايته
وَجها فِي الْمَذْهَب لِابْنِ بنت الشَّافِعِي كَذَا رَأَيْته
فِي بَاب سُجُود السَّهْو من شرح الْوَسِيط لِابْنِ الاستاذ
نقلا عَن التَّجْرِيد لِابْنِ كج عَنهُ
مَسْأَلَة 7
مَفْهُوم الْعدَد حجَّة عِنْد الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور كَذَا
قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ
(1/252)
فِي الْبُرْهَان وَنَقله الْغَزالِيّ
أَيْضا فِي المنخول عَن الشَّافِعِي لِأَنَّهُ لما نزل قَوْله
تَعَالَى {إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله
لَهُم} قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لأزيدن
على السّبْعين
وَاخْتَارَ الامام فَخر الدّين والآمدي أَنه لَيْسَ بِحجَّة
قَالَ الامام وَقد يدل عَلَيْهِ بِدَلِيل مُنْفَصِل كَمَا إِذا
كَانَ الْعدَد عِلّة لعدم أَمر فَإِنَّهُ يدل على امْتنَاع
ذَلِك الْأَمر فِي الزَّائِد أَيْضا لوُجُود الْعلَّة وعَلى
ثُبُوته فِي النَّاقِص لانتقائها كَحَدِيث الْقلَّتَيْنِ
وَكَذَلِكَ إِن لم يكن عِلّة وَلَكِن أحد العددين دَاخل فِي
الْعدَد الْمَذْكُور زَائِدا كَانَ كَالْحكمِ بالحظر
وَالْكَرَاهَة فَإِن تَحْرِيم جلد الْمِائَة مثلا أَو
كَرَاهَته تدل عَلَيْهِ فِي الْمِائَتَيْنِ
(1/253)
وَلَا يدل فِي النَّاقِص لَا على إِثْبَات
وَلَا على نفي أَو نَاقِصا كَالْحكمِ بِإِيجَاب الْعدَد أَن
نَدبه أَو إِبَاحَته فَإِنَّهُ يدل على ذَلِك فِي النَّاقِص
وَلَا دلَالَة فِيهِ على الزَّائِد بِشَيْء
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع
أَحدهَا إِذا قَالَ بِعْ ثوبي بِمِائَة وَلم يَنْهَهُ عَن
الزِّيَادَة فَبَاعَ بِأَكْثَرَ صَحَّ وَفِيه وَجه أَنه لَا
يَصح كَمَا لَو نَهَاهُ عَن الزِّيَادَة وَهُوَ الْمُوَافق
لقتضى النَّص لَا سِيمَا أَنه لَا يصدق عَلَيْهِ أَيْضا انه
بَاعَ بِمِائَة
وَلَو قَالَ لزوجته إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فزادت
وَقع أَيْضا وَحكى فِي الْبَحْر وَجها أَنه لَا يَقع وَهَذَا
الْوَجْه أَضْعَف من الْوَجْه السَّابِق فِي البيع لِأَن من
أعْطى مائَة ودرهما يصدق عَلَيْهِ أَنه أعْطى مائَة
ثمَّ فرع الرَّافِعِيّ على مَا سبق فَقَالَ لَو قَالَ بِعْ
ثوبي وَلَا تبعه بِأَكْثَرَ من مائَة لم يَبِعْهُ بِأَكْثَرَ
من مائَة وَيبِيع بهَا وَبِمَا دونهَا مالم ينقص عَن ثمن
الْمثل
وَلَو قَالَ بِعْهُ بِمِائَة وَلَا تبعه بِمِائَة وَخمسين
فَلَيْسَ لَهُ بيعَة بِمِائَة وَخمسين وَيجوز بِمَا دون ذَلِك
مَا لم ينقص عَن مائَة وَيجوز بِمَا زَاد على مائَة وَخمسين
على الْأَصَح
الثَّانِي إِذا قَالَ أوصيت لزيد بِمِائَة دِرْهَم ثمَّ قَالَ
أوصيت لَهُ بِخَمْسِينَ فَوَجْهَانِ أشبههما كَمَا قَالَه
الرَّافِعِيّ وَهُوَ الْأَصَح فِي الرَّوْضَة لَيْسَ لَهُ
إِلَّا خَمْسُونَ وَلَا يجمع بَينهمَا كَمَا لَو عكس فَقَالَ
أوصيت
(1/254)
لَهُ بِخَمْسِينَ ثمَّ أوصى بِمِائَة
فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْمُوصى بِهِ آخرا وَهُوَ الْمِائَة
وَالثَّانِي لَهُ مائَة وَخَمْسُونَ وتوجيههما مَا ذَكرْنَاهُ
وَلَو قيل يسْتَحق الْمِائَة فَقَط لم يبعد وَهَذَا الْخلاف
ياتي أَيْضا فِي كل عقد يجوز تَغْيِيره وَهُوَ الْعُقُود
الْجَائِزَة كَمَا إِذا قَالَ من رد آبقي فَلهُ عشرَة ثمَّ
قَالَ قبل الْعَمَل فَلهُ خَمْسَة وَكَذَلِكَ الْقَرَاض
وَنَحْوه بِخِلَاف مَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت
طَالِق ثمَّ قَالَ إِن دَخَلتهَا فانت طَالِق طَلْقَتَيْنِ
فدخلتها وَقع الثَّلَاث سَوَاء دخل بهَا أم لَا لِأَن
الْجَمِيع يَقع دفْعَة وَاحِدَة كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي
بَاب عدد الطَّلَاق وَالْفرق مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ من قبُول
الْوَصِيَّة للرُّجُوع القولي بِخِلَاف التَّعْلِيق وَحَاصِله
أَن تَعْلِيق الشَّيْئَيْنِ أَو التَّعْلِيق بالشيئين اللَّذين
يدْخل أَحدهمَا فِي الآخر سَوَاء كَانَ هُوَ الْمُعَلق أَو
الْمُعَلق عَلَيْهِ ينفذ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا يدْخل
الْأَقَل فِي الْأَكْثَر وَقد ذكر الرَّافِعِيّ هَذِه
الْقَاعِدَة فِي الرُّكْن الثَّالِث من أَرْكَان الْإِيلَاء
فَقَالَ وَلَو عقد اليمينين على مدتين دخل إِحْدَاهمَا فِي
الْأُخْرَى بِأَن قَالَ وَالله لَا أجامعك سنة ثمَّ قَالَ لَا
أجامعك سنتَيْن فوطىء فِي السّنة الأولى انْحَلَّت اليمينان
وَهل تجب كَفَّارَة أَو كفارتان فِيهِ خلاف يجْرِي فِي كل
يمينين يَحْنَث الْحَالِف
(1/255)
فيهمَا بِفعل وَاحِد بِأَن حلف لَا يَأْكُل
خبْزًا وَحلف لَا يَأْكُل طَعَام زيد فَأكل خبزه وَسَيَأْتِي
بَيَانه انْتهى كَلَامه ثمَّ أعَاد فِي آخر الْإِيلَاء وَقَالَ
الْأَصَح كَفَّارَة وَاحِدَة وَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ من
انحلال الْيَمين صَرِيح فِي أَن السّنة الأولى دخلت فِي
الْيَمين الثَّانِيَة وَيلْزم أَن يكون الْمَحْلُوف عَلَيْهِ
هُوَ السّنة الأولى وَالسّنة الثَّانِيَة فَقَط وَيُشِير إِلَى
ذَلِك ايضا بقوله دخلت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى وَذَلِكَ
مُخَالف لما سبق فِي الأولى فَإِنَّهُ لَا فرق فِي الْأَعَمّ
والأخص بَين أَن يكون ذَلِك محلوفا بِهِ كالمسألة الأولى أَو
عَلَيْهِ كالثانية
الثَّالِث لَو قَالَ مَا لزيد عَليّ أَكثر من مائَة دِرْهَم
فَلَيْسَ بِإِقْرَار بِالْمِائَةِ على الْأَصَح كَمَا قَالَه
الرَّافِعِيّ فِي آخر الْبَاب الأول من أَبْوَاب الْإِقْرَار
وَهَذَا أَيْضا من الْقَاعِدَة الْمعبر عَنْهَا بِأَن
الْقَضِيَّة السالبة لَا تَسْتَلْزِم ثُبُوت متعلقها وَلَك ان
تخرجها أَيْضا على مَفْهُوم الصّفة فَإِن مَفْهُومه أَن
الْمسَاوِي عَلَيْهِ إِلَّا أَنه يرجع إِلَى الْمَفْهُوم
العددي
الرَّابِع قَالَ لي عَلَيْك ألف أقرضتك إِيَّاهَا فَقَالَ
وَالله لَا اقترضت مِنْك غَيره أَو كم تمن عَليّ فَإِنَّهُ
يكون إِقْرَار كَذَا نَقله صَاحب الْبَيَان عَن الصَّيْمَرِيّ
وَنَقله عَنهُ فِي الرَّوْضَة
(1/256)
عقب الْمَسْأَلَة السَّابِقَة وَسكت
عَلَيْهِ فأشعر كَلَامه بانه ارْتَضَاهُ وَالصَّوَاب
التَّسْوِيَة وَعدم اللُّزُوم فيهمَا
الْخَامِس الْخلاف فِي جَوَاز نُقْصَان التَّيَمُّم على ضربتين
لأجل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالتَّيَمُّم
ضربتان لَا سِيمَا قد ورد التَّصْرِيح فِي حَدِيث عمار
الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ بالضربة الْوَاحِدَة وَقد جوزوا
الزِّيَادَة وَهُوَ وَاضح وَجوز الرَّافِعِيّ النُّقْصَان
وَخَالفهُ النَّوَوِيّ
السَّادِس إِذا كتب الزَّوْج فَقَالَ إِذا بلغك نصف كتابي
هَذَا فَأَنت طَالِق فبلغها كُله فَهَل يَقع لاشتمال الْكل على
النّصْف أم لَا لِأَن النّصْف فِي مثل هَذَا يُرَاد بِهِ
الْمُنْفَرد فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا فِي زَوَائِد الرَّوْضَة
هُوَ الْوُقُوع
(1/257)
السَّابِع إِنَّه لَو أوصى بِعَين لزيد
ثمَّ أوصى بهَا لعَمْرو فَرد أَحدهمَا كَانَ الْجَمِيع للأخير
إِذا علمت ذَلِك فَلَو أوصى بِهِ لأَحَدهمَا ثمَّ أوصى
بِنصفِهِ للْآخر فَإِن قبلا فثلثاه للْأولِ وَثلثه للثَّانِي
وَإِن رد الأول فنصفه للثَّانِي وَإِن رد الثَّانِي فكله
للْأولِ
الثَّامِن إِذا قَالَ أَحرمت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو
أَحرمت بِنصْف نسك صَحَّ إِحْرَامه وَلَا أثر للتَّقْيِيد
كَذَا نَقله فِي الرَّوْضَة من زوائده قبيل سنَن الْإِحْرَام
عَن الرَّوْيَانِيّ عَن الْأَصْحَاب ثمَّ قَالَ النَّوَوِيّ
إِن فِيمَا نَقله نظرا وَوجه النّظر مَا ذَكرْنَاهُ فِي افراد
هَذِه الْقَاعِدَة
التَّاسِع وَهُوَ مَبْنِيّ على مُقَدّمَة وَهِي أَنه إِذا
ادّعى عشرَة مثلا فَقَامَتْ الْبَيِّنَة بِخَمْسَة حكمنَا بهَا
وَإِن قَامَت بِعشْرين فَهَل تثبت الْعشْرَة الْمُدعى بهَا
قَالَ بَعضهم تثبت لِأَن الْبَيِّنَة قد تطلع على الشّغل دون
السُّقُوط وَقَالَ بَعضهم يتَخَرَّج على من شهد قبل الاستشهاد
وعَلى من جمع بَين مَا يجوز وَمَا لَا يجوز
إِذا تقرر هَذَا فَلَو كَانَ عَلَيْهِ عشرَة مثلا فَأعْطَاهُ
خَمْسَة ثمَّ ادّعى رب الدّين بِالْبَاقِي لمَوْت الْمَدْيُون
اَوْ جحوده فَكيف يشْهد الشَّاهِد ذكره ابْن الرّفْعَة فِي
أَوَائِل الشَّهَادَات فِي الْكَلَام على قَول الشَّيْخ
(1/258)
وَإِن جمع فِي الشَّهَادَة بَين مَا يقبل
وَمَا لَا يقبل فَقَالَ قَالَ فُقَهَاء زَمَاننَا إِن شهد على
اقراره بباقي الدّين فقد شهد بِخِلَاف مَا وَقع وَإِن شهد بكله
فَيَأْتِي فِيهِ الْخلاف السَّابِق قَالُوا فالطريق أَن يَقُول
أشهد على إِقْرَاره بِكَذَا من جملَة كَذَا ليَكُون منبها على
صُورَة الْحَال قَالَ ابْن الرّفْعَة وَعِنْدِي أَن
الشَّهَادَة مَقْبُولَة بِالطَّرِيقِ الأول وَهُوَ الْبَاقِي
لِأَن من أقرّ بِعشْرَة فقد أقرّ بِكُل جُزْء مِنْهَا
مَسْأَلَة 8
مَفْهُوم الزَّمَان وَالْمَكَان حجَّة عِنْد الشَّافِعِي
وَالْجُمْهُور كَذَا قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي
الْبُرْهَان وَنَقله أَيْضا الْغَزالِيّ فِي المنخول عَن
الشَّافِعِي
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لوَكِيله افْعَل هَذَا ثمَّ قَالَ افعله
فِي هَذَا الْيَوْم أَو قَالَ فِي هَذَا الْمَكَان فَقِيَاس
مَا قَالَه الشَّافِعِي أَنه يكون منعا لَهُ فِيمَا عدا ذَلِك
2 - وَمِنْهَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ عشرَة مثلا فَأجَاب
بِأَنَّهُ لَا يلْزمه تَسْلِيم هَذَا المَال الْيَوْم
فَإِنَّهُ لَا يحمل مقرا لِأَن الْإِقْرَار لَا يثبت
بِالْمَفْهُومِ هَكَذَا
(1/259)
نَقله الرَّافِعِيّ قبيل بَاب دَعْوَى
النّسَب عَن فَتَاوَى القَاضِي الْحُسَيْن حكما وتعليلا
3 - وَمِنْهَا الْخلاف فِي صِحَة الْوَقْف الْمُقَيد بِمدَّة
كَقَوْلِه وقفته سنة وَنَحْو ذَلِك فَإِن قُلْنَا إِنَّه حجَّة
أَي يدل على نفي الحكم عِنْد انْقِضَاء الزَّمَان فَلَا يَصح
لِأَن شَرط الْوَقْف التَّأْبِيد وَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يدل
صَحَّ لِأَنَّهُ قد وَقفه فِي هَذِه الْمدَّة وَلم يُوجد
مِنْهُ مَا يَنْفِيه فِيمَا عَداهَا وَقد أمكن تَصْحِيحه فِي
السّنة بِتَصْحِيحِهِ مُطلقًا فذهبنا إِلَيْهِ وَهُوَ نَظِير
مَا إِذا طلق نصف طَلْقَة فَإِن الْوَاحِدَة تقع لِأَنَّهُ
يُمكن إيقاعها بإيقاع بَاقِيهَا
4 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ مثلا زوج ابْنَتي فِي يَوْم كَذَا
أَو فِي مَكَان كَذَا فَخَالف الْوَكِيل فَإِن العقد لَا يَصح
كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي كتاب النِّكَاح فِي اواخر
الْكَلَام على التَّوْكِيل فِيهِ فَأَما الْبطلَان عِنْد
التَّقْيِيد بِالزَّمَانِ فقد سبق فِي كتاب الْوكَالَة نَحوه
وَحكى فِي الرَّوْضَة من زوائده هُنَاكَ عَن الداركي أَن
التَّوْكِيل فِي الطَّلَاق فِي زمن معِين يجوز للْوَكِيل
إِيقَاعه فِيمَا بعده لِأَنَّهَا إِذا كَانَت مُطلقَة فِي
يَوْم الْجُمُعَة مثلا كَانَت مُطلقَة فِي يَوْم السبت وَأما
الْمَكَان فَقَالَ فِي الْوكَالَة فِي التَّوْكِيل فِي البيع
إِن كَانَ لَهُ فِي التَّقْيِيد بذلك الْمَكَان غَرَض ظَاهر
بِأَن كَانَ الراغبون فِيهِ أَكثر أَو النَّقْد اجود تعين
وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(1/260)
أصَحهمَا فِي الْمُحَرر وزيادات الرَّوْضَة
أَنه يتَعَيَّن أَيْضا قَالَ وَهَذَا كُله إِذا لم يعين الثّمن
فَإِن عينه فَبَاعَ بِهِ صَحَّ قطعا
مسلة 9
مَفْهُوم اللقب أَي تَعْلِيق الحكم بِالِاسْمِ طلبا كَانَ أَو
خَبرا لَيْسَ بِحجَّة وَنَقله فِي الْبُرْهَان عَن نَص
الشَّافِعِي فَإِذا قَالَ قَائِل اكرم زيدا أَو قَامَ زيد أَو
بِعْتُك هَذَا العَبْد فَلَا يدل اللَّفْظ الصَّادِر مِنْهُ
بمفهومه على نفي ذَلِك عَن غَيره بل يكون مسكوتا عَنهُ وَإِن
كَانَ منفيا بِالْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَو دلّ على ذَلِك للَزِمَ
أَن يكون قَول الْقَائِل مُحَمَّد رَسُول الله دَالا على نفي
رِسَالَة غَيره من الرُّسُل وَهُوَ كفر
وَذهب الدقاق من الشَّافِعِيَّة وَجَمَاعَة من الْحَنَابِلَة
إِلَى أَنه حجَّة
(1/261)
لِأَن التَّخْصِيص لَا بُد لَهُ من
فَائِدَة
وَحكى ابْن برهَان فِي الْوَجِيز قولا ثَالِثا أَنه حجَّة فِي
اسماء الْأَنْوَاع كالغنم دون أَسمَاء الْأَشْخَاص كزيد
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا أَذِنت الْمَرْأَة لأوليائها فِي التَّزْوِيج
ثمَّ خصصت وَاحِدًا مِنْهُم بالأذن وَقد تقدّمت فِي
الْمَسْأَلَة السَّابِقَة
2 - وَمِنْهَا إِذا اوصى بِعَين لزيد ثمَّ قَالَ أوصيت بهَا
لعَمْرو فَالصَّحِيح أَن ذَلِك لَا يكون رُجُوعا عَن
الْوَصِيَّة الأولى بل يُشْرك بَينهمَا وَلَا يَجْعَل
التَّعْبِير بِالِاسْمِ الثَّانِي دَالا على نفي غَيره
(1/262)
مَسْأَلَة 10
الحكم الْمُعَلق على الِاسْم هَل يَقْتَضِي الِاقْتِصَار على
أَوله أولابد من آخِره فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا الأول وَمعنى
الْقَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيّ فِي شرح الْمَحْصُول
والتنقيح إِن الحكم الْمُعَلق على معنى كلي هَل يَكْفِي أدنى
الْمَرَاتِب لتحقيق الْمُسَمّى فِيهِ أم يجب الْأَعْلَى
احْتِيَاطًا
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - إِذا اسْلَمْ إِلَيْهِ فِي شَيْء على أَن يُسلمهُ فِي
الْبَلَد الْفُلَانِيّ وَمَا اشبه ذَلِك فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ
تَسْلِيمه فِي أول جُزْء من الْبَلَد لِأَن الظَّرْفِيَّة قد
تحققت وَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يوصله إِلَى منزله وَلَا إِلَى
الْبَلَد كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَغَيره
2 - وَمِنْهَا أَن تقليم الْأَظْفَار وَحلق الشّعْر يكرهان لمن
يُرِيد الْأُضْحِية إِذا دخل عَلَيْهِ عشر ذِي الْحجَّة
للْحَدِيث الصَّحِيح
وَقيل يحرمان
فَلَو أَرَادَ التَّضْحِيَة بأعداد من النعم فَهَل يبْقى
النَّهْي إِلَى آخرهَا أم يَزُول بِذبح الأول يتَّجه تَخْرِيجه
على هَذِه الْقَاعِدَة
(1/263)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْبَاب الثَّانِي فِي الْأَوَامِر والنواهي فِيهِ فصلان الأول
فِي الْأَمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَسْأَلَة 1
لفظ الْأَمر وَمَا تصرف مِنْهُ كأمرت زيدا بِكَذَا وَقَول
الصَّحَابِيّ أمرنَا أَو امرنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَقِيقَة فِي القَوْل الدَّال بِالْوَضْعِ على طلب
الْفِعْل
وَقد علم من التَّعْبِير بالْقَوْل أَن الطّلب بِالْإِشَارَةِ
والقرائن المفهمة لَا يكون أمرا حَقِيقَة
واحترزنا بِالْوَضْعِ عَن قَول الْقَائِل أوجبت عَلَيْك أَو
انا طالبة مِنْك أَو إِن تركته عاقبتك فَإِنَّهُ خبر عَن
الْأَمر وَلَيْسَ بِأَمْر
(1/264)
وَعلم أَيْضا دُخُول الايجاب وَالنَّدْب
فِي حد الْأَمر بِخِلَاف صِيغَة افْعَل فَإِنَّهَا حَقِيقَة
فِي الْإِيجَاب خَاصَّة كَمَا سَيَأْتِي
فتلخص أَن مُسَمّى الْأَمر لفظ وَهُوَ صِيغَة افْعَل سَوَاء
كَانَت للْإِيجَاب أم للنَّدْب ومسمى أفعل هُوَ الْوُجُوب أَو
غَيره مِمَّا سَيَأْتِي فتفطن للْفرق بَينهمَا فَإِنَّهُ
يشْتَبه على كثير من النَّاس
وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْأَمر يَأْتِي بِعَيْنِه فِي
النَّهْي فأستحضره
وَقَالَت الْمُعْتَزلَة لَا يُسمى أمرا إِلَّا إِذا وجد
الْعُلُوّ وَهُوَ أَن يكون الطَّالِب أَعلَى مرتبَة من
الْمَطْلُوب مِنْهُ بِخِلَاف الاستعلاء وَهِي الغلظة وَرفع
الصَّوْت وَنَحْوهمَا
وَعكس أَبُو الْحُسَيْن فَقَالَ يشْتَرط الاستعلاء دون
الْعُلُوّ وَصَححهُ الإِمَام فَخر الدّين والآمدي وَابْن
الْحَاجِب
وَشرط القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْعُلُوّ والاستعلاء مَعًا
وَقيل إِن الْأَمر مُشْتَرك بَين القَوْل وَالْفِعْل وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى {وَمَا أمرنَا} إِلَّا وَاحِدَة
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لزوجته أَمرك بِيَدِك أَو فوضت إِلَيْك
أَمرك فَإِنَّهُ يكون كِنَايَة فِي الطَّلَاق كَمَا جزم بِهِ
الرَّافِعِيّ لأَنا إِن قُلْنَا إِنَّه مُشْتَرك أَو للقدر
الْمُشْتَرك فَلَا بُد من نِيَّة تميز المُرَاد
(1/265)
وَإِن قُلْنَا حَقِيقَة فِي القَوْل
الطَّالِب للْفِعْل خَاصَّة فَيكون اسْتِعْمَاله فِي غَيره
مجَازًا وَالْمجَاز لَا بُد فِيهِ من الْقَصْد
2 - وَمِنْهَا بطلَان الِاسْتِدْلَال بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام أمرت أَن أَسجد لله على سَبْعَة أعظم على وجوب وضع
الْيَدَيْنِ والركبتين والقدمين فِي السُّجُود لما ذَكرْنَاهُ
مَسْأَلَة 2
الْأَمر سَوَاء كَانَ بِلَفْظ افْعَل كانزل واسكت أَو اسْم
الْفِعْل كنزال وَحده والمضارع المقرون بِاللَّامِ كَقَوْلِه
تَعَالَى {وليأخذوا أسلحتهم} فِيهِ مَذَاهِب
أَصَحهَا عِنْد الْجُمْهُور كالآمدي وَالْإِمَام فَخر الدّين
وأتباعهما أَنه للْوُجُوب إِذا لم تقم قرينَة تدل على خِلَافه
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان والآمدي فِي
الإحكام
(1/266)
إِنَّه مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي شرح اللمع إِن
الْأَشْعَرِيّ نَص عَلَيْهِ
لَكِن هَل دلّ على الْوُجُوب بِوَضْع اللُّغَة اَوْ
بِالشَّرْعِ فِيهِ مذهبان مذكوران فِي شرح اللمع الْمَذْكُور
وَالْأول وَهُوَ كَونه بِالْوَضْعِ نَقله فِي الْبُرْهَان عَن
الشَّافِعِي ثمَّ اخْتَار هُوَ انه بِالشَّرْعِ وَفِي
الْمُسْتَوْعب للقيرواني قَول ثَالِث إِنَّه يدل بِالْعقلِ
وَالْمذهب الثَّانِي وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيّ إِنَّه حَقِيقَة
فِي النّدب
وَالثَّالِث فِي الْإِبَاحَة لِأَنَّهُ الْمُحَقق وَالْأَصْل
عدم الطّلب
وَالرَّابِع أَنه مُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب وَبِه
جزم فِي الْمُنْتَخب فِي بَاب الِاشْتِرَاك
وَالْخَامِس أَنه مُشْتَرك بَين هذَيْن وَبَين الْإِرْشَاد
وَنَقله الْآمِدِيّ فِي الإحكام عَن الشِّيعَة وَصَححهُ وَنقل
عَنهُ فِي مُنْتَهى السول الْمَذْهَب الَّذِي قبله
(1/267)
السَّادِس أَنه حَقِيقَة فِي الْقدر
الْمُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب وَهُوَ الطّلب
السَّابِع أَنه حَقِيقَة إِمَّا فِي الْوُجُوب وَإِمَّا فِي
النّدب وَلَكِن لم يتَعَيَّن لنا ذَلِك وَنَقله صَاحب
الْحَاصِل ثمَّ الْبَيْضَاوِيّ عَن الْغَزالِيّ وَهُوَ غلط
عَلَيْهِ كَمَا بَينته فِي شرح الْمِنْهَاج
الثَّامِن أَنه مُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب
وَالْإِبَاحَة
التَّاسِع انه مُشْتَرك بَين الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة
وَلَكِن بالاشتراك الْمَعْنَوِيّ وَهُوَ الْإِذْن حَكَاهُ ابْن
الْحَاجِب مَعَ الَّذِي قبله
الْعَاشِر أَنه مُشْتَرك بَين خَمْسَة وَهِي الثَّلَاثَة
الَّتِي ذَكرنَاهَا والإرشاد والتهديد حَكَاهُ الْغَزالِيّ فِي
الْمُسْتَصْفى
الْحَادِي عشر أَنه مُشْتَرك بَين الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة
فِي أَوَائِل الْعلم وَهِي الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة
وَالتَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة حَكَاهُ أَصْحَاب الْبُرْهَان
والمحصول والإحكام
الثَّانِي عشر أَنه مَوْضُوع لوَاحِد من هَذِه الْخَمْسَة
وَلَا نعلمهُ نَقله أَيْضا فِي الْبُرْهَان
فَإِن قيل كَيفَ يسْتَعْمل لفظ الْأَمر فِي التَّحْرِيم أَو
الْكَرَاهَة
قُلْنَا لِأَنَّهُ يسْتَعْمل فِي التهديد والمهدد عَلَيْهِ
إِمَّا حرَام أَو مَكْرُوه
(1/268)
الثَّالِث عشر أَنه مُشْتَرك بَين سِتَّة
أَشْيَاء وَهِي الْوُجُوب وَالنَّدْب والتهديد والتعجيز
وَالْإِبَاحَة والتكوين
الرَّابِع عشر أَن أَمر الله تَعَالَى للْوُجُوب وَأمر رَسُوله
للنَّدْب حَكَاهُ القيرواني فِي الْمُسْتَوْعب عَن
الْأَبْهَرِيّ فِي أحد أَقْوَاله وَإِذا أخذت الْأَقْوَال
الثَّلَاثَة المفرعة على القَوْل الأول وَهُوَ الْوُجُوب تلخص
مِنْهَا مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ سِتَّة عشر مذهبا
إِذا لَا تحرر ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لمن تجب عَلَيْهِ طَاعَته كعبده وَولده
افْعَل كَذَا وَلم يُصَرح بِمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيم اَوْ
عدم التَّحْرِيم فَفِي وجوب ذَلِك عَلَيْهِ مَا سبق وَمُقْتَضى
مَا تقدم عَن الشَّافِعِي وُجُوبه
مَسْأَلَة 3
إِذا ورد الْأَمر بِشَيْء يتَعَلَّق بالمأمور وَكَانَ عِنْد
الْمَأْمُور وازع يحملهُ على الْإِتْيَان بِهِ فَلَا يحمل
ذَلِك الْأَمر على الْوُجُوب لِأَن
(1/269)
الْمَقْصُود من الْإِيجَاب إِنَّمَا هُوَ
الْحَث على طلب الْفِعْل والحرص على عدم الْإِخْلَال بِهِ
والوازع الَّذِي عِنْده يَكْفِي فِي تَحْصِيل ذَلِك
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - عدم إِيجَاب النِّكَاح على الْقَادِر فَإِن قَوْله
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا معشر الشَّبَاب من
اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج وَإِن كَانَ يَقْتَضِي
الْإِيجَاب كَمَا قَالَ بِهِ دَاوُد الظَّاهِرِيّ لَكِن
خَالَفنَا ذَلِك لما ذَكرْنَاهُ
(1/270)
مَسْأَلَة 4
إِذا فرعنا على أَن الْأَمر الْوُجُوب فورد بعد التَّحْرِيم
فَقيل يحمل أَيْضا على الْوُجُوب وَهُوَ الْأَصَح عِنْد
الإِمَام فَخر الدّين وَأَتْبَاعه وَقيل على الْإِبَاحَة
وَهُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي كَمَا قَالَه ابْن
التلمساني فِي شرح المعالم والقيرواني فِي الْمُسْتَوْعب
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي التَّبْصِرَة إِنَّه
ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي وَنَقله ابْن برهَان فِي الْوَجِيز
عَن أَكثر الْفُقَهَاء والمتكلمين وَرجحه ابْن الْحَاجِب
وَمَال إِلَيْهِ الْآمِدِيّ وَقَالَ إِنَّه الْغَالِب وَذكر
القَاضِي الْحُسَيْن فِي أول بَاب الْكِتَابَة من تَعْلِيقه
أَنه للاستحباب
وَيحْتَاج إِلَى الْجمع بَين هَذِه الْقَاعِدَة وَبَين قَوْلهم
مَا كَانَ مَمْنُوعًا
(1/271)
مِنْهُ لَو لم يجب فَإِذا جَازَ وَجب على
مَا سَيَأْتِي فِي الْكتاب الثَّانِي الْمَعْقُود للسّنة
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا عزم على نِكَاح امْرَأَة فَإِنَّهُ ينظر
إِلَيْهَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام انْظُر إلَيْهِنَّ
الحَدِيث لَكِن هَل يسْتَحبّ ذَلِك أَو يُبَاح على وَجْهَيْن
أصَحهمَا الأول وهما مبنيان على ذَلِك كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ
الإِمَام فِي النِّهَايَة وَصرح بِهِ غَيره
فَإِن قيل فَلم لَا حملناه على الْوُجُوب
قُلْنَا الْقَرِينَة صرفته وَأَيْضًا فلقاعدة أُخْرَى تقدّمت
قبل هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي الداعية الحاملة على الْفِعْل
2 - وَمِنْهَا الْأَمر بِالْكِتَابَةِ فِي قَوْله تَعَالَى
{فكاتبوهم} فَإِنَّهُ وَارِد بعد التَّحْرِيم كَمَا قَالَه
القَاضِي الْحُسَيْن فِي بَاب الْكِتَابَة وَوجه مَا قَالَه
أَن الْكِتَابَة بيع مَال الشَّخْص بِمَالِه كَمَا قَالَه
الْأَصْحَاب وَهُوَ مُمْتَنع بلاشك
(1/272)
مَسْأَلَة 5
الْأَمر بعد الإستئذان كالأمر بعد التَّحْرِيم قَالَه فِي
الْمَحْصُول وَالْأَمر بماهية مَخْصُوصَة بعد سُؤال تَعْلِيمه
شَبيه فِي الْمَعْنى بِالْأَمر بعد الإستئذان مِثَاله قَول
ابْن مَسْعُود يَا رَسُول الله قد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك
فَكيف نصلي عَلَيْك فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على
مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِيم مَا
قَالَه الْأَصْحَاب من الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّد هَذَا
الْأَمر على وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي التَّشَهُّد نعم إِن ثَبت إِيجَابه من خَارج فَيكون
هَذَا الْأَمر للْوُجُوب لِأَنَّهُ بَيَان لكيفية وَاجِب
مَسْأَلَة 6
الاقتران لَيْسَ بِحجَّة عندنَا كَمَا نَص عَلَيْهِ القَاضِي
أَبُو الطّيب وَغَيره وَمَعْنَاهُ أَن يرد لفظ لِمَعْنى ويقترن
بِهِ لفظ آخر يحْتَمل ذَلِك الْمَعْنى وَغَيره فَلَا يكون
اقترانه بذلك دَالا على أَن المُرَاد بِهِ هُوَ الَّذِي أُرِيد
بِصَاحِبِهِ
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي وجوب الْأكل من الْأُضْحِية
عملا بقوله
(1/273)
تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس
الْفَقِير} وَالصَّحِيح عدم الْوُجُوب لما ذَكرْنَاهُ وَقيل
يجب لِأَنَّهُ قد عطف عَلَيْهِ الْإِطْعَام وَالْإِطْعَام
وَاجِب
2 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ أَنْت بَائِن وَطَالِق فَلَا يكون
الأول صَرِيحًا لعطف طَالِق عَلَيْهِ كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ
فِي أَرْكَان الطَّلَاق عَن حِكَايَة القَاضِي شُرَيْح
الرَّوْيَانِيّ وَلم يُخَالِفهُ
مَسْأَلَة 7
الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء كَقَوْلِه لزيد مر عمرا بِأَن
يَبِيع هَذِه السّلْعَة هَل يكون أمرا مِنْهُ للثَّالِث وَهُوَ
عَمْرو بِبَيْعِهَا فِيهِ خلاف صحح ابْن الْحَاجِب وَغَيره
أَنه لَا يكون أمرا بذلك
وَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا لَو تصرف الثَّالِث قبل إِذن الثَّانِي لَهُ هَل ينفذ
تصرفه أم لَا وَكَلَام الرَّافِعِيّ وَغَيره يَقْتَضِي أَنه
لَا يَصح تصرفه إِلَّا بعد إِذن الثَّانِي ثمَّ فرعوا على
هَذَا فَقَالُوا إِذا أذن لَهُ وَلم يقل
(1/274)
عني وَلَا عَنْك فَإِن الثَّانِي يكون
وَكيلا عَن الْمَالِك أَي الْمُوكل على الصَّحِيح فَإِن قَالَ
وكل عني فَوَاضِح وَإِن قَالَ عَنْك فَهُوَ وَكيل عَن
الْوَكِيل الأول لَكِن للْمَالِك عَزله على الصَّحِيح
لِأَنَّهُ يسوغ لَهُ عزل الأَصْل فالفرع أولى وَيتَّجه جَوَاز
منع الْمَالِك لَهُ قبل إِذن الأول
2 - وَمِمَّا يَنْبَغِي تَخْرِيجه على هَذِه الْمَسْأَلَة مَا
إِذا قَالَ مثلا لِابْنِهِ قل لأمك أَنْت طَالِق فَيتَّجه أَن
يُقَال إِن أَرَادَ التَّوْكِيل فَوَاضِح وَإِن لم يرد شَيْئا
فَإِن جَعَلْنَاهُ الْأَمر بِالْأَمر كصدور الْأَمر من الأول
كَانَ الْأَمر بالإخبار بِمَنْزِلَة الْإِخْبَار من الْأَب
فَيَقَع وَإِن قُلْنَا لَيْسَ كصدوره مِنْهُ لم يَقع شَيْء
وَقد نقل الرَّافِعِيّ الْمَسْأَلَة فِي الْكَلَام على كنايات
الطَّلَاق عَن القَاضِي شُرَيْح الرَّوْيَانِيّ عَن جده أبي
الْعَبَّاس فَقَالَ إِن أَرَادَ التَّوْكِيل فَإِذا قَالَه
لَهَا الابْن طلقت وَيحْتَمل أَن يَقع وَيكون الابْن مخبرا
لَهَا بِالْحَال هَذَا لفظ الرَّافِعِيّ وَمَعْنَاهُ إِن
أَرَادَ التَّوْكِيل وَقع إِذا أوقعه وَإِن لم يردهُ فَلَا
وَيحْتَمل خِلَافه
وَإِذا تَأَمَّلت مَا ذكره علمت أَن مَا ذَكرْنَاهُ إِيضَاح
لَهُ وَبَيَان لمدركه
وَقد ذكر الرَّافِعِيّ بعد هَذِه الْمَسْأَلَة بِدُونِ
ثَلَاثَة أوراق فرعا آخر من فروع الْمَسْأَلَة فَقَالَ لَو كتب
كِنَايَة من كنايات الطَّلَاق وَنوى فَهُوَ ككتابة الصَّرِيح
وَلَو أَمر الزَّوْج أَجْنَبِيّا فَكتب وَنوى الزَّوْج لم تطلق
كَمَا لَو قَالَ للْأَجْنَبِيّ قل لزوجتي أَنْت بَائِن وَنوى
الزَّوْج
(1/275)
لَا تطلق هَذَا كَلَامه وَمَعْنَاهُ أَن
الزَّوْج هُوَ الَّذِي نوى وَلم ينْو الْوَكِيل وَمُقْتَضَاهُ
أَن الْوَكِيل إِذا نوى وَقع لكنه فِي هَذِه الْحَالة يصير
كَالصَّرِيحِ وَحِينَئِذٍ فَيَأْتِي فِيهِ مَا سبق
مَسْأَلَة 8
الْأَمر بِالْعلمِ بِشَيْء لَا يسْتَلْزم حُصُول ذَلِك
الشَّيْء فِي تِلْكَ الْحَالة فَإِذا قَالَ مثلا اعْلَم أَن
زيدا قَائِم فَلَا يدل اللَّفْظ على وُقُوع قِيَامه
وَوجه ذَلِك أَنه يَصح تقسيمه إِلَيْهِ فَيُقَال إعلم قيام زيد
إِذا وَقع أَو اعلمه فَإِنَّهُ قد وَقع وَقد قَالُوا إِن
تَقْسِيم الشَّيْء إِلَى الشَّيْء يدل على أَنه أَعم من كل
مِنْهُمَا والأعم لَا يدل على الْأَخَص
وَلِأَن الْأَمر لَا يكون إِلَّا لطلب مَاهِيَّة فِي المستقيل
فقديوجد سَببهَا وَقد لَا يُوجد
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لشخص إعلم أنني طلقت زَوْجَتي فَهَل يكون
ذَلِك إِقْرَارا بِوُقُوع الطَّلَاق قَالَ القَاضِي شُرَيْح
الرَّوْيَانِيّ فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا جدي أَبُو
الْعَبَّاس أصَحهمَا لَيْسَ بِإِقْرَار لِأَنَّهُ
(1/276)
أمره أَن يعلم وَلم يحصل هَذَا الْعلم
كَذَا حَكَاهُ عَنهُ الرَّافِعِيّ فِي الْكَلَام على كنايات
الطَّلَاق وَذكر عَنهُ فرعا آخر يُشبههُ فَقَالَ
وَلَو ادَّعَت أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا فَقَالَ للشَّاهِد
اكْتُبْ لَهَا ثَلَاثًا قَالَ جدي يحْتَمل كَونه كِتَابَة
وَيحْتَمل أَن لَا يكون وَقَرِيب مِنْهُ أَيْضا مَا لَو كتب
أَن لزيد عَليّ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ للشُّهُود اشْهَدُوا
عَليّ بِمَا فِيهِ فَلَيْسَ بِإِقْرَار كَمَا لَو كتبه غَيره
فَقَالَ اشْهَدُوا بِمَا كتب وَقد وَافَقنَا أَبُو حنيفَة على
الثَّانِيَة دون الأولى كَذَا نَقله النَّوَوِيّ من زوائده فِي
آخر الْبَاب الأول من أَبْوَاب الْإِقْرَار لَكِن ذكر فِي كتاب
الطَّلَاق فِي الْكَلَام على الْكِنَايَات تبعا للرافعي أَن
الشَّاهِد لَو كتب فصلا بِالطَّلَاق ثمَّ قَالَ للزَّوْج نشْهد
عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكتاب فَقَالَ اشْهَدُوا لَا يَقع
الطَّلَاق بَينه وَبَين الله تَعَالَى كَذَا نَقله عَن
فَتَاوَى الْغَزالِيّ وَمُقْتَضَاهُ الْمُؤَاخَذَة بِهِ فِي
الظَّاهِر على عكس مَا سبق
مَسْأَلَة 9
إِذا ورد امران متعاقبان بفعلين متماثلين وَالثَّانِي غير
مَعْطُوف فَإِن منع من القَوْل بتكرار الْمَأْمُور بِهِ مَانع
عادي كتعريف أَو غَيره حمل الثَّانِي على التَّأْكِيد نَحْو
اضْرِب رجلا اضْرِب الرجل واسقني مَاء اسْقِنِي مَاء
(1/277)
وَإِن لم يمْنَع مِنْهُ مَانع كَقَوْلِه صل
رَكْعَتَيْنِ صل رَكْعَتَيْنِ فَقيل يكون الثَّانِي توكيدا
أَيْضا عملا بِبَرَاءَة الذِّمَّة ولكثرة التَّأْكِيد فِي مثله
وَقيل لَا بل يعْمل بهما لفائدة التأسيس وَاخْتَارَهُ الإِمَام
فِي الْمَحْصُول والآمدي فِي الإحكام
وَقيل بِالْوَقْفِ للتعارض
فَإِن كَانَ الثَّانِي مَعْطُوفًا كَانَ الْعَمَل بهما أرجح من
التَّأْكِيد فَإِن حصل للتَّأْكِيد رُجْحَان بِشَيْء من
الْأَمريْنِ العاديين تعَارض هُوَ والعطف وَحِينَئِذٍ فَإِن
ترجح أَحدهمَا قدمْنَاهُ وَإِلَّا توقفنا وَاخْتَارَ الإِمَام
والامدي الْعَمَل بهما فِي هَذَا الْقسم ايضا إِلَّا أَن
الإِمَام فرض ذَلِك فِي رُجْحَان التَّعْرِيف نعم قَالَ
الْآمِدِيّ إِن اجْتمع الْأَمْرَانِ فِي مُعَارضَة حرف الْعَطف
نَحْو اسْقِنِي مَاء واسقني المَاء فَالظَّاهِر الْوَقْف
(1/278)
إِذا علمت ذَلِك فيتفرع على هَذِه
الْمسَائِل
1 - مَا إِذا خَاطب وَكيله بِشَيْء من ذَلِك فَإِذا كَانَ لَهُ
زوجتان مثلا فَقَالَ لغيره طلق زَوْجَتي طلق زَوْجَتي أَعنِي
بالتكرار أَو كرر الْعتْق كَذَلِك من لَهُ عبيد فَهَل لَهُ
تطليق امْرَأتَيْنِ وإعتاق عَبْدَيْنِ
وَهَذَا التَّفْرِيع يَقع مثله ايضا فِي الْمَرْأَة
الْوَاحِدَة إِذا كَانَ طَلاقهَا رَجْعِيًا وَلم يحضرني الْآن
نقل ذَلِك
وَقَرِيب من الْمَسْأَلَة مَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق
وَطَالِق وَطَالِق أَعنِي بِالْوَاو فيهمَا فَلَا شكّ أَن
الثَّالِث مثل الثَّانِي فَإِن أَرَادَ بالثالث التَّأْكِيد
والاستئناف فَلَا كَلَام وَإِن أطلق فالمعروف أَنه يحمل على
الِاسْتِئْنَاف وَقيل على التَّأْكِيد وَالْإِقْرَار
بِالْعَكْسِ
وَهَذَا الْخلاف يَأْتِي بِعَيْنِه أَيْضا فِي الِاسْتِثْنَاء
فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا طَلْقَة وطلقة
وطلقة فَإِن أَرَادَ التَّأْكِيد أَو حملناه عَلَيْهِ فَوَاضِح
وَإِن أطلق وحملناه على التأسيس فَيَجِيء الْخلاف الْمَعْرُوف
فِي أَن المفرق هَل يجمع أم لَا
(1/279)
مَسْأَلَة 10
فَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا نَحْو صم كل يَوْم
صم يَوْم الْجُمُعَة قَالَ فِي الْمَحْصُول فَإِن كَانَ
الثَّانِي غير مَعْطُوف كَانَ تَأْكِيدًا وَإِن كَانَ
مَعْطُوفًا فَقَالَ بَعضهم لَا يكون دَاخِلا تَحت الْكَلَام
الأول وَإِلَّا لم يَصح الْعَطف وَالْأَشْبَه الْوَقْف للتعارض
بَين ظَاهر الْعُمُوم وَظَاهر الْعَطف وَحكى الْقَرَافِيّ عَن
القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي مَسْأَلَة الْعَطف أَن الصَّحِيح
بَقَاء الْعَام على عُمُومه وَحمل الْخَاص على الاعتناء قَالَ
سَوَاء تقدم أَو تَأَخّر
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - رجحانه عِنْد مُعَارضَة دَلِيل وَاحِد لِأَن الْفُرُوع
يرجح فِيهَا بِكَثْرَة الْأَدِلَّة
2 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ أوصيت لزيد وللفقراء بِثلث مَالِي
وَزيد فَقير فَفِيهِ أوجه سَوَاء وصف زيد بالفقر أم لَا
وَسَوَاء قدمه على الْفُقَرَاء أَو أَخّرهُ أَصَحهَا أَنه
كأحدم فَيجوز أَن يُعْطي أقل مَا يتمول وَلَكِن لَا يجوز
حرمانه وَالثَّانِي أَنه يعْطى سَهْما من سِهَام الْقِسْمَة
فَإِن قسم المَال على أَرْبَعَة من الْفُقَرَاء أعطي زيد
الْخمس أَو على خَمْسَة فالسدس وَقس على ذَلِك وَالثَّالِث
لزيد ربع الْوَصِيَّة وَالْبَاقِي للْفُقَرَاء لِأَن
الثَّلَاثَة اقل من يَقع عَلَيْهِ اسْم الْفُقَرَاء
وَالرَّابِع لَهُ النّصْف وَلَهُم النّصْف وَالْخَامِس أَن
الْوَصِيَّة فِي حق زيد بَاطِلَة لجَهَالَة مَا أضيف إِلَيْهِ
أَي الَّذِي جعل لَهُ وَالْوَجْه الأول وَالثَّانِي متفقان على
دُخُوله وَالثَّالِث وَالرَّابِع على عدم الدُّخُول
(1/280)
وَلَو وصف زيدا بِغَيْر صفة الْجَمَاعَة
فَقَالَ أعطي ثُلثي لزيد الْكَاتِب وللفقراء فَقَالَ
الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ لَهُ النّصْف بِلَا
خلاف كَذَا نَقله عَنهُ الرَّافِعِيّ ثمَّ قَالَ وَيُشبه أَن
يَجِيء قَول الرَّابِع إِن لم تجىء بَاقِي الْأَوْجه
وَاعْلَم أَنه إِذا كَانَ لَهُ ثَلَاث أُمَّهَات أَوْلَاد
فأوصى بِثُلثِهِ لأمهات أَوْلَاده وللفقراء وَالْمَسَاكِين فقد
ذكر الرَّافِعِيّ بعد ذَلِك نقلا عَن الْمُتَوَلِي من غير
اعْتِرَاض عَلَيْهِ أَن الْأَصَح قسْمَة الثُّلُث على
الْأَصْنَاف أَثلَاثًا وَقَالَ أَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ يقسم
على خَمْسَة
(1/281)
مَسْأَلَة 11
الصَّحِيح عِنْد الإِمَام فَخر الدّين والآمدي وَابْن
الْحَاجِب وَغَيرهم أَن الْأَمر الْمُطلق لَا يدل على تكْرَار
وَلَا على مرّة بل على مُجَرّد إِيقَاع الْمَاهِيّة وإيقاعها
وَإِن كَانَ لَا يُمكن فِي اقل من مرّة إِلَّا أَن اللَّفْظ
لَا يدل على التَّقْيِيد بهَا حَتَّى يكون مَانِعا من
الزِّيَادَة بل ساكتا عَنهُ
وَالثَّانِي يدل بِوَضْعِهِ على الْمرة وَنَقله الشَّيْخ أَبُو
إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي شرح اللمع عَن أَكثر أَصْحَابنَا
وَنقل القيرواني فِي الْمُسْتَوْعب عَن الشَّيْخ ابي حَامِد
أَنه مُقْتَضى قَول الشَّافِعِي
وَالثَّالِث قَالَه الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الاسفراييني
وَجَمَاعَة من أَصْحَابنَا يدل على التّكْرَار الْمُسْتَوْعب
لزمان الْعُمر لَكِن بِشَرْط الْإِمْكَان كَمَا قَالَه
الْآمِدِيّ
وَالرَّابِع أَنه مُشْتَرك بَين التّكْرَار والمرة فَيتَوَقَّف
إعماله فِي أَحدهمَا على وجود الْقَرِينَة
وَالْخَامِس أَنه لأَحَدهمَا وَلَا نعرفه فَيتَوَقَّف أَيْضا
وَاخْتَارَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ التَّوَقُّف وَنقل عَنهُ ابْن
الْحَاجِب تبعا للآمدي
(1/282)
اخْتِيَار الأول وَلَيْسَ كَذَلِك فاعلمه
إِذا تقرر هَذَا فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لوَكِيله بِعْ هَذَا العَبْد فَبَاعَهُ
فَرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ أَو قَالَ لَهُ بِعْ بِشَرْط
الْخِيَار ففسخ المُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ بَيْعه ثَانِيًا
كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي آخر الْوكَالَة وَفِيه وَجه
آخر أَنه يجوز حَكَاهُ الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الثَّالِث من
ابواب الرَّهْن
وَمِنْهَا إِذا سمع مُؤذنًا بعد مُؤذن فَهَل يسْتَحبّ إِجَابَة
الْجَمِيع لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا سَمِعْتُمْ
الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول يحْتَمل تَخْرِيج ذَلِك
على أَن الامر هَل يُفِيد التّكْرَار أم لَا لَكِن إِذا
قُلْنَا لَا يفِيدهُ من جِهَة اللَّفْظ فَإِنَّهُ يكون من بَاب
تَرْتِيب الحكم على الْوَصْف الْمُنَاسب وَهُوَ من الطّرق
الدَّالَّة على التَّعْلِيل على الْمَشْهُور وَحِينَئِذٍ
فيتكرر الحكم بِتَكَرُّر علته وَذكر الشَّيْخ عز الدّين بن عبد
السَّلَام فِي الْفَتَاوَى الموصلية هَذِه الْمَسْأَلَة
فَقَالَ يسْتَحبّ إِجَابَة
(1/283)
الْجَمِيع وَيكون الأول آكِد إِلَّا فِي
الْجُمُعَة فَإِنَّهُمَا فِي الْفَضِيلَة سَوَاء وَكَذَلِكَ
فِي الصُّبْح إِذا وَقع الأول قبل الْوَقْت وَقَالَ أما
الْجُمُعَة فَلِأَن أذانها الأول فضل بالتقدم وَالثَّانِي
بِكَوْنِهِ الْمَشْرُوع فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأما الصُّبْح فَلِأَن الأول امتاز بِمَا ذَكرْنَاهُ من
التَّقَدُّم وَالثَّانِي بمشروعيته فِي الْوَقْت
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب لَا أعلم فِي
الْمَسْأَلَة نقلا وَالْمُخْتَار أَن الِاسْتِحْبَاب شَامِل
للْجَمِيع إِلَّا أَن الأول متأكد يكره تَركه انْتهى
وَالَّذِي قَالَه الشَّيْخ عز الدّين أمثل مِنْهُ وأوجه
مِنْهُمَا أَن يُقَال إِن لم يصل فتستحب الْإِجَابَة مُطلقًا
وَيكون الأول آكِد إِلَّا فِي الصُّبْح وَالْجُمُعَة على ماسبق
وَإِن كَانَ قد صلى فَحَيْثُ استحببنا الْإِعَادَة فِي جمَاعَة
أجَاب لِأَنَّهُ مدعُو بالآذان الثَّانِي ايضا وَإِلَّا فَلَا
وَنقل بَعضهم عَن تصنيف للرافعي سَمَّاهُ الإيجاز فِي أخطار
الْحجاز أَنه أَشَارَ إِلَى ذَلِك
مَسْأَلَة 12
تَعْلِيق الْخَبَر على الشَّرْط كَقَوْلِه إِن جَاءَ زيد جَاءَ
عَمْرو لَا يَقْتَضِي التّكْرَار بالِاتِّفَاقِ كَذَا صرح بِهِ
الْآمِدِيّ فِي الإحكام وَكَذَلِكَ
(1/284)
تَعْلِيق الْإِنْشَاء كَقَوْلِه لزوجته إِن
خرجت فَأَنت طَالِق كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامه أَيْضا فِي
الْكتاب الْمَذْكُور
وَأما تَعْلِيق الْأَمر كَقَوْلِه إِن دخلت زَوْجَتي الدَّار
فَطلقهَا إِذا قُلْنَا إِن الْأَمر لَا يُفِيد التّكْرَار
فَفِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب
أَصَحهَا فِي الْمَحْصُول أَنه لَا يدل عَلَيْهِ من جِهَة
اللَّفْظ أَي لم يوضع اللَّفْظ لَهُ وَلَكِن يدل من جِهَة
الْقيَاس بِنَاء على أَن الصَّحِيح أَن تَرْتِيب الحكم على
الْوَصْف يشْعر بالعلية
وَالثَّانِي يدل بِلَفْظِهِ
وَالثَّالِث لَا يدل لَا بِلَفْظِهِ وَلَا بِالْقِيَاسِ
وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب
أَنه لَا يدل قَالَا وَمحل الْخلاف فِي مَا لم يثبت كَونه
عِلّة كالإحصان فَإِن ثَبت كَالزِّنَا فَإِنَّهُ يتَكَرَّر
لأجل تكَرر علته اتِّفَاقًا وَحكم الْأَمر الْمُعَلق بِالصّفةِ
كَحكم الْمُعَلق بِالشّرطِ
إِذا علمت ذَلِك فَاعْلَم أَن الحكم عندنَا فِي تفريعات هَذِه
الْقَوَاعِد كلهَا كَذَلِك ايضا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَاب
الْخلْع وَغَيره
1 - وَمِنْهَا أَيْضا الْخلاف فِي وجوب الصَّلَاة على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما ذكر عملا بقوله عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ وَقد
حكى الزَّمَخْشَرِيّ فِي اصل الْمَسْأَلَة اقوالا
(1/285)
أَحدهَا أَنَّهَا تجب فِي كل وَقت ذكر
وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيّ
وَالثَّانِي لَا بل تجب فِي الْعُمر مرّة
وَالثَّالِث فِي كل مجْلِس مرّة وَإِن ذكر فِيهِ مرَارًا
وَالرَّابِع فِي أول كل دُعَاء وَآخره
وَرَأَيْت فِي الشافي للجرجاني حِكَايَة قَول انها لَيست ركنا
فِي الصَّلَاة أَيْضا وَنَقله القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء
عَن اخْتِيَار ابْن الْمُنْذر والخطابي من اصحابنا
(1/286)
مَسْأَلَة 13
مَا ذَكرْنَاهُ من كَون الحكم الْمُعَلق بِمن الشّرطِيَّة
وَنَحْوهَا لَا يَقْتَضِي التّكْرَار وَإِن اقْتضى الْعُمُوم
مَحَله إِذا كَانَ الْفِعْل الثَّانِي وَاقعا فِي مَحل الأول
فَأَما إِذا وَقع الثَّانِي فِي غير مَحَله فَإِن تكراره يُوجب
تكْرَار الحكم كَقَوْلِه من دخل دَاري فَلهُ دِرْهَم فَإِن دخل
دَارا لَهُ ثمَّ دَارا أُخْرَى اسْتحق دِرْهَمَيْنِ كَذَا نَص
عَلَيْهِ أَصْحَابنَا وَنَقله عَنْهُم النَّوَوِيّ فِي بَاب
الْإِحْرَام بِالْحَجِّ من شرح الْمُهَذّب
قلت وَنَظِيره من الطَّلَاق وَنَحْوه كَذَلِك ايضا فاعلمه
مَسْأَلَة 14
الْأَمر الْمُجَرّد عَن الْقَرَائِن فِيهِ مَذَاهِب
أَحدهَا أَنه لَا يدل على فَور وَلَا على تراخ بل على طلب
الْفِعْل خَاصَّة وَهَذَا هُوَ الْمَنْسُوب إِلَى الشَّافِعِي
واصحابه كَمَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان
وَقَالَ فِي الْمَحْصُول إِنَّه الْحق وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ
وَابْن الْحَاجِب
(1/287)
وَالثَّانِي يُفِيد الْفَوْر
وَالثَّالِث يدل على جَوَاز التَّرَاخِي وَهَذَانِ المذهبان
حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الْقَضَاء وَجْهَيْن
لِأَصْحَابِنَا
وَالرَّابِع أَنه مُشْتَرك بَينهمَا فَيتَوَقَّف إِلَى ظُهُور
الدَّلِيل فَإِن بَادر عد ممتثلا وَحكى ابْن برهَان عَن غلاة
الواقفية انا لانقطع بامتثاله
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لشخص بِعْ هَذِه السّلْعَة فقبضها الشَّخْص
وَأخر بيعهَا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَتلفت فَإِن قُلْنَا
بالمشهور وَهُوَ أَن الْأَمر الْمُطلق لَا يدل على شَيْء فَلَا
ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه للفور ضمن لتَقْصِيره
وَقد حكى القَاضِي الْحُسَيْن فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَيْن
وحكاهما أَيْضا ابْن الرّفْعَة ومستندهما مَا ذَكرْنَاهُ
2 - وَمِنْهَا مَا نَقله الرَّافِعِيّ فِي كتاب الطَّلَاق عَن
فَتَاوَى الْقفال أَنه لَو قَالَ لوَلِيّ امْرَأَته زَوجهَا
كَانَ ذَلِك إِقْرَارا بالفراق بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَهَا
انكحي فَإِنَّهُ لَا يكون إِقْرَارا بِهِ لِأَنَّهَا لَا تقدر
على أَن تزوج نَفسهَا ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ فِي هَذَا
الْأَخير مَا يَقْتَضِي أَنه كِنَايَة فَقَالَ لَكِن
الْمَفْهُوم مِنْهُ هُوَ الْمَفْهُوم من قَوْله تَعَالَى
{حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} زَاد النَّوَوِيّ على هَذَا فَقَالَ
الصَّوَاب أَنه كِنَايَة إِذا خاطبها بِخِلَاف الْوَلِيّ
فَإِنَّهُ صَرِيح فِيهِ
(1/288)
قلت الْحق فِي تَحْرِير الْمَقُول
للْوَلِيّ أَنا إِن قُلْنَا إِن الْأَمر على الْفَوْر يكون
ذَلِك إِقْرَارا بِالطَّلَاق وبانقضاء الْعدة وَقد ذكر
الرَّافِعِيّ فِي فصل تَعْلِيق الطَّلَاق بالأوقات فِي
الْكَلَام على مَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق أمس أَن الزَّوْج
إِذا اعْترف بِطَلَاق زَوجته من قبل ذَلِك وَأَن عدتهَا قد
انْقَضتْ قبل قَوْله وزوجنا الْمَرْأَة إِذا لم نكذب الزَّوْج
وَإِن قُلْنَا إِن الْأَمر لَيْسَ على الْفَوْر فَلَا يكون
إِقْرَارا بِانْقِضَاء الْعدة وَفِي كَونه إِقْرَارا
بِالطَّلَاق نظر لَا سِيمَا إِذا قُلْنَا إِنَّه يدل على
التَّرَاخِي أَو قُلْنَا بالتوقف
ثمَّ إِن مَا صرح بِهِ النَّوَوِيّ من الصراحة إِنَّمَا
يَسْتَقِيم على قَوْلنَا إِنَّه حَقِيقَة فِي العقد مجَاز فِي
الْوَطْء فَإِن قُلْنَا بِالْعَكْسِ فَلَا وَإِن جَعَلْنَاهُ
مُشْتَركا فَإِن قُلْنَا إِن الْمُشْتَرك يحمل على جَمِيع
مَعَانِيه اتجه ذَلِك وَإِن قُلْنَا لَا فَلَا بُد من
مُرَاجعَته
(1/289)
|