الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي بَابُ الْقَوْلِ فِي الْمُحْكَمِ
وَالْمُتَشَابِهِ
(1/201)
أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رِزْقَوَيْهِ ,
وَأَبُو , عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ
سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَادُ , نا أَبُو دَاوُدَ
سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا هَنَّادٌ , عَنْ وَكِيعٍ ,
عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ:
" هِيَ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا
حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}
[الأنعام: 151] ثَلَاثُ آيَاتٍ "
(1/201)
أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا
عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلُ
, نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ الْمُقْرِئُ , حَدَّثَنِي
أَبِي , نا الْهُذَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ , عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ
سُلَيْمَانَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] " يُعْمَلُ بِهِنَّ
, وَهُنَّ الْآيَاتُ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ , قَوْلُهُ
تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا
(1/201)
حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
[الأنعام: 151] إِلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ , آخِرُهُنَّ
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 155] يَقُولُ: {هُنَّ
أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] يَعْنِي: أَصْلُ الْكِتَابِ ,
لِأَنَّهُنَّ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَكْتُوبَاتٌ ,
وَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا فِي
كِتَابِهِمْ , وَإِنَّمَا سُمِّينَ: أُمَّ الْكِتَابِ
لِأَنَّهُنَّ مَكْتُوبَاتٌ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الَّتِي
أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ , وَلَيْسَ
مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلَّا وَهُوَ يُوصِي بِهِنَّ , ثُمَّ
قَالَ: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] , يَعْنِي
بِالْمُتَشَابِهَاتِ: {الم} [البقرة: 1] , {المص} [الأعراف: 1]
, {المر} [الرعد: 1] , {الر} [يونس: 1] , شُبِّهَ عَلَى
الْيَهُودِ كَمْ تَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنَ السِّنِينَ ,
فَالْمُتَشَابِهَاتُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتُ الْأَرْبَعُ ,
{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7]
يَعْنِي: مَيلًا عَنِ الْهُدَى , وَهُوَ الشَّكُّ , فَهُمُ
الْيَهُودُ , {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7] يَعْنِي: ابْتِغَاءَ الْكُفْرِ ,
{وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] , يَعْنِي:
مُنْتَهَى مَا يَكُونُ , وَكَمْ يَكُونُ , يُرِيدُ بِذَلِكَ
الْمُلْكَ , يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] , كَمْ يَمْلِكُونَ
مِنَ السِّنِينَ , أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَمْلِكُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , إِلَّا
أَيَّامًا يَسْلُبُهُمُ اللَّهُ بِالدَّجَّالِ " وَقِيلَ:
إِنَّ الْمُحْكَمَ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَحْكَامِ وَعِلْمِ
الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ
(1/202)
أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ,
أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيُّ , نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكِسَائِيُّ ,
نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ , نا ورْقَاءُ , عَنِ ابْنِ
[ص:203] أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] يَقُولُ:
«حُكْمُ مَا فِيهَا مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمَا سِوَى
ذَلِكَ» وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ هِيَ:
النَّاسِخَةُ وَالثَّابِتَةُ الْحُكْمِ , وَالْمُتَشَابِهَاتُ
هِيَ: الْمَنْسُوخَةُ الْحُكْمِ وَالْأَمْثَالِ وَالْأَقْسَامِ
, وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِحَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ
(1/202)
أنا أَبُو الْقَاسِمِ , طَلْحَةُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْكَتَّانِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ , أنا
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ , نا أَبُو عُبَيْدٍ
الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ,
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}
[آل عمران: 7] قَالَ: " الْمُحْكَمَاتُ: نَاسِخُهُ وَحَلَالُهُ
وَحَرَامُهُ وَفَرَائِضُهُ , وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَيُعْمَلُ
بِهِ , وَالْمُتَشَابِهَاتُ: مَنْسُوخُهُ وَمُقَدَّمُهُ ,
وَمُؤَخَّرُهُ , وَأَمْثَالُهُ وَأَقْسَامُهُ , وَمَا يُؤْمَنُ
بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ "
(1/203)
أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ ,
أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ ثَابِتٍ الْمَرْوَزِيَّ , نا
مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ , وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
, أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا
إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ , نا أَبُو حُذَيْفَةَ
مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ , نا سُفْيَانُ , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
نُبَيْطٍ , وجُوَيْبِرَ , - وَقَالَ: ابْنُ رِزْقٍ: أَوْ
جُوَيْبِرَ - , عَنِ الضَّحَّاكِ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: «النَّاسِخُ» {وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] قَالَ: «الْمَنْسُوخُ» وَقِيلَ
إِنَّ الْآيَاتِ االْمُتَشَابِهَاتِ , آيَاتٌ مُتَعَارِضَةٌ
فِي الظَّاهِرِ , وَبِهَا ضَلَّ أَهْلُ الزَّيْغِ , إِذَا
رَأَوْا أَنَّ الْقُرْآنَ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا
(1/204)
أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ الطَّاهِرِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ , نا يَزِيدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ , نا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ
, عَنْ عَائِشَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ
الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ
آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ:
الْآيَةَ كُلَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:205]: «إِذَا رَأَيْتُمُ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ , فَأُولَئِكَ
الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»
(1/204)
أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ
الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الشَّافِعِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ , نا مُؤَمَّلُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , قَالَ:
سَمِعْتُ أَيُّوبَ , يَقُولُ: «لَا تَلْقَى أَحَدًا مِنْ
أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَّا وَهُوَ يُجَادِلُكَ بِالْمُتَشَابِهِ
مِنَ الْقُرْآنِ» وَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَبَّاسٍ , عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا النَّوْعِ ,
فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِوُجُوهِهَا
(1/205)
أنا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ
بْنِ حَمْدَانَ , حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ , نا أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ
بْنُ عَدِيٍّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ
, عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ , عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ
عَمْرٍو , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ,
قَالَ سَعِيدٌ: جَاءَهُ رَجُلٌ , فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ
, إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ
, فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي [ص:206] صَدْرِي؟ فَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: «أَتَكْذِيبٌ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ
بِتَكْذِيبٍ وَلَكِنِ اخْتِلَافٌ، قَالَ: «فَهَلُمَّ مَا
وَقَعَ فِي نَفْسِكَ» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَسْمَعُ اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ
وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] , وَقَالَ فِي آيَةٍ
أُخْرَى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}
[الصافات: 27] , وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَلَا
يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] , وَقَالَ فِي
آيَةٍ أُخْرَى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}
[الأنعام: 23] , فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي
قَوْلِهِ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا
فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 28] ,
فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ
الْأَرْضِ , وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَئِنَّكُمْ
لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ,
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا
وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ
سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ , ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا
أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 9] ,
فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ
السَّمَاءِ , وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا} [النساء: 96] , {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}
[النساء: 158] , {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:
134] فَإِنَّهُ كَانَ ثُمَّ انْقَضَى؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
«هَاتِ مَا فِي نَفْسِكَ مِنْ هَذَا» فَقَالَ السَّائِلُ:
إِذَا أَنْبَأْتَنِي بِهَذَا فَحَسْبِي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: " {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ
وَلَا [ص:207] يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] , فَهَذَا فِي
النَّفْخَةِ الْأُولَى , يُنْفَخُ فِي الصُّورِ , فَيَصْعَقُ
مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ , إِلَّا مَنْ
شَاءَ اللَّهُ , فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا
يَتَسَاءَلُونَ , ثُمَّ إِذَا كَانَتِ النَّفْخَةُ الْأُخْرَى
, قَامُوا فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ،
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا
كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وَقَوْلُهُ: {وَلَا
يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] , فَإِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَغْفِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ
ذُنُوبَهُمْ , لَا يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَنْ
يَغْفِرَهُ , وَلَا يَغْفِرُ شِرْكًا , فَلَمَّا رَأَى
الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ رَبَّنَا يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ وَلَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ , تَعَالَوْا نَقُولُ
إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ذُنُوبٍ , وَلَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ,
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا إِذْ كَتَمُوا الشِّرْكَ ,
فَاخْتِمُوا عَلَى أَفْوَاهِهِمْ , فَيُخْتَمُ عَلَى
أَفْوَاهِهِمْ , فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ بِمَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ , فَعِنْدَ ذَلِكَ عَرَفَ الْمُشْرِكُونَ
أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتُمُ حَدِيثًا , فَذَلِكَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوَا
الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ
اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَمِ
السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ
لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ
دَحَاهَا} [النازعات: 27] , فَإِنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ , ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى
السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرِينَ , ثُمَّ
نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ فَدَحَاهَا , وَدَحْيُهَا: أَنْ
أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَشَقَّ فِيهَا
الْأَنْهَارَ , وَجَعَلَ فِيهَا السُّبُلَ , وَخَلَقَ
الْجِبَالَ وَالرِّمَالَ وَالْأَكْوَامَ وَمَا فِيهَا , فِي
يَوْمَيْنِ آخَرَينَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ
بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] , وَقَوْلُهُ:
{أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ
الْعَالَمِينَ , وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا
وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا [ص:208] أَقْوَاتَهَا فِي
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 9]
فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ
أَيَّامٍ , وَجُعِلَتِ السَّمَاوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ وَأَمَّا
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
[النساء: 96] , {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:
158] , {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ نَفْسَهُ ذَلِكَ , وَسَمَّى
نَفْسَهُ ذَلِكَ , وَلَمْ يَنْحَلْهُ أَحَدًا غَيْرَهُ ,
وَكَانَ اللَّهُ: أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ " ثُمَّ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: «احْفَظْ عَنِّي مَا حَدَّثْتُكَ , وَاعْلَمْ
أَنَّ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ أَشْبَاهُ مَا
حَدَّثْتُكَ , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ شَيْئًا إِلَّا
قَدْ أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ , وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا
يَعْلَمُونَ , فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ ,
فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»
(1/205)
أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ
الْفَارِسِيُّ , أنا أَبُو حَفْصٍ , عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
هَارُونَ الْمُقْرِئُ , أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ بُكَيْرٍ التَّمِيمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ , يَقُولُ: " أَصْلُ
التَّشَابُهِ: أَنْ يُشْبِهَ , اللَّفْظُ اللَّفْظَ فِي
الظَّاهِرِ , وَالْمَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي وَصْفِ ثَمَرِ الْجَنَّةِ: {وَأُتُوا بِهِ
مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25] , أَيْ: مُتَّفِقُ الْمَنَاظِرِ ,
مُخْتَلِفُ الطُّعُومِ , وَقَالَ: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}
[البقرة: 118] , أَيْ: أَشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي
الْكُفْرِ وَالْقَسْوَةِ , وَمِنْهُ يُقَالُ: اشْتَبَهَ
عَلَيَّ الْأَمْرُ: إِذَا أَشْبَهَ
(1/208)
غَيْرَهُ , فَلَمْ تَكَدْ تُفَرِّقُ
بَيْنَهُمَا , وَشَبَّهْتَ عَلَيَّ: إِذَا أَلْبَسْتَ الْحَقَّ
بِالْبَاطِلِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِأَصْحَابِ الْمَخَارِيقِ:
أَصْحَابُ الشَّبَهِ , لِأَنَّهُمْ يُشَبِّهُونَ الْبَاطِلَ
بِالْحَقِّ , ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لِكُلِّ مَا غَمُضَ وَدَقَّ:
مُتَشَابِهِ , وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَلَى الْحِيرَةِ فِيهِ مِنْ
جِهَةِ الشَّبَهِ بِغَيْرِهِ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ
لِلْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ
مُتَشَابِهِ , وَلَيْسَ الشَّكُّ فِيهَا وَالْوُقُوفُ
عِنْدَهَا لِمُشَاكَلَتِهَا غَيْرِهَا وَالْتِبَاسِهَا بِهَا
وَمَثَلُ الْمُتَشَابِهِ (الْمُشْكَلُ) سُمِّي بِذَلِكَ
لِأَنَّهُ أَشْكَلَ أَيْ: دَخَلَ فِي شَكْلِ غَيْرِهِ
فَأَشْبَهَهُ وَشَاكَلَهُ , ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لِمَا غَمُضَ ,
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُمُوضُهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ مُشْكِلًا
" سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَابَادِيَّ , يَقُولُ:
وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ ,
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ وَالْمُجْمَلُ وَاحِدٌ وَمِنْهُمْ
مَنْ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى
بِعِلْمِهِ , وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ هُوَ: الْقَصَصُ
وَالْأَمْثَالُ , وَالْمُحْكَمُ , وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ: الْحُرُوفُ
الْمَجْمُوعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ , كَـ: {المص}
[الأعراف: 1] , {المر} [الرعد: 1] , وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ
أَبُو إِسْحَاقَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ , وَأَمَّا مَا
ذَكَرُوهُ , فَلَا يُوصَفْ بِذَلِكَ قُلْتُ: وَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ: الصَّحِيحُ
عِنْدَنَا أَنَّ الْمُحْكَمَ: مَا أُحْكِمَ بَيَانُهُ ,
وَبَلَغَ بِهِ الْغَايَةَ الَّتِي يُفْهَمُ بِهَا الْمُرَادُ
(1/209)
مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ وَالْتِبَاسٍ ,
وَالْمُتَشَابِهُ: هُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَوْ
مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً , يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا عِنْدَ
السَّامِعِ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ , حَتَّى يُمَيِّزَ
وَيَتَبَيَّنَ وَيَنْظُرَ وَيَعْلَمَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ
فِيهِ , كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمَلَةِ , الَّتِي
يَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِلْحَقِّ , وَذَهَبُوا
عَنْ وَجْهِ الصَّوَابِ فِيهِ قُلْتُ: وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو
الطَّيِّبِ: طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ , أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفَ
بِالصَّيْرَفِيِّ قَالَ: الْمُتَشَابِهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ,
ضِرْبٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ , وَانْفَرَدَ
بِمَعْرِفَةِ تَأْوِيلِهِ , وَضَرْبٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ
, وَالدَّلِيلُ عَلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ {هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}
[آل عمران: 7] , إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ
آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] فَنَفَى أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ
تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ إِلَّا اللَّهُ , وَابْتَدَأَ بَعْدَ
ذَلِكَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] وَالدَّلِيلُ عَلَى
الضَّرْبِ الثَّانِي حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/210)
أَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ ,
أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْبُنْدَارُ ,
نا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ , نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا
زَكَرِيَّا , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ ,
وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ , وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ
لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ» [ص:211] فَدُلَّ عَلَى
أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ النَّاسِ يَعْلَمُ الْمُشْتَبِهَاتِ
قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ
الْمُتَشَابِهَ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ,
وَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ شَيْئًا
إِلَّا وَقَدْ جَعَلَ لِلْعُلَمَاءِ طَرِيقًا إِلَى
مَعْرِفَتِهِ
(1/210)
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: مَا أنا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ الْقَاسِمِ الْمَخْزُومِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ , - إِمْلَاءً - , نا أَبُو
عَوْفٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَرْزُوقِ الْبَزْوَرِيُّ ,
أنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
أَبِي حُمَيْدٍ , عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ , عَنْ مَعْقِلٍ ,
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «اعْمَلُوا بِالْقُرْآنِ فَحَلِّلُوا حَلَالَهُ ,
وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ , وَاقْتَدَوْا بِهِ , وَلَا تَكْفُرُوا
بِشَيْءٍ مِنْهُ , وَمَا تَشَابَهَ عَلَيْكُمْ , فَرُدُّوهُ
إِلَى اللَّهِ , وَإِلَى أُولِي الْعِلْمِ كَيْ يُخْبِرُوكُمْ»
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ مِنْ {كهيعص}
[مريم: 1] , أَنَّهَا خَبَرٌ عَنْ [ص:212] صِفَاتِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ , فَقِيلَ: الْكَافُ مِنْ كَافٍ , وَالْهَاءُ
مِنْ هَادٍ , وَالْيَاءُ مِنْ حَكِيمٍ , وَالْعَيْنُ مِنْ
عَلِيمٍ , وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا
الْكِتَابُ مِنْ كَافِّ هَادٍ حَكِيمٍ عَلِيمٍ صَادِقٍ ,
يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَكَذَلِكَ {الم}
[البقرة: 1] وَ {المر} [الرعد: 1] وَ {الر} [يونس: 1] وَ
{المص} [الأعراف: 1] , لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ
تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل
عمران: 7] , فَقَدْ رُوِيَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , أَنَّهُ قَالَ:
يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ , وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
(1/211)
أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ
الدَّقَّاقُ , نا أَبُو جَعْفَرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ
بْنِ حَرْبٍ , نا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ , نا
شِبْلٌ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ:
" وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ ,
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ قُلْتُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنِ
الْأَمْرُ هَكَذَا , لَمْ يَكُنْ لِلرَّاسِخِينَ عَلَى
الْعَامَّةِ فَضِيلَةٌ , لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَقُولُونَ
آمَنَّا بِهِ؟ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ،
لَقَالَ: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ؟ قُلْنَا: قَدْ يَجُوزُ
حَذْفُ وَاوِ النَّسَقِ , وَقِيلَ: إِنَّهُ فِي مَعْنَى
الْحَالِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
قَائِلِينَ آمَنَّا بِهِ , كَأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ فِي
حَالِ إِيمَانِهِمْ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "
(1/212)
|