الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي بَابٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ
(2/61)
أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ الْمُحْتَسِبُ , أنا أَبُو الْقَاسِمِ:
سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْمُعَدِّلُ
, نا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَامِرٍ الطَّائِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي سَنَةَ
سِتِّينَ وَمِائَتَيْنٍ , حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ
بْنُ مُوسَى الرِّضَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ ,
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ , حَدَّثَنِي
أَبِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ , حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ , حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنٍ ,
حَدَّثَنِي أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , حَدَّثَنِي أَبِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْعِلْمُ خَزَائِنُ ,
وَمِفْتَاحُهُ السُّؤَالُ , فَاسْأَلُوا يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ
, فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ: السَّائِلُ ,
وَالْمُعَلِّمُ , وَالْمُسْتَمِعُ , وَالْمُحِبُّ لَهُمْ "
(2/61)
أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ , نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ مِقْلَاصٍ , نا أَبِي , نا ابْنُ وَهْبٍ , عَنْ يُونُسَ ,
وأنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
دُرَسْتُوَيْهِ , قَالَ: نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ,
حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عِمْرَانَ , قَالَا: أنا ابْنُ وَهْبٍ , حَدَّثَنِي يُونُسُ ,
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا هَذَا
الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَتَفْتَحُهَا الْمَسْأَلَةُ»
(2/62)
أنا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ
التَّنُوخِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ الْكَاتِبُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمَّارٍ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ كَثِيرٍ
الضَّبِّيُّ , قَالَ: كَانَ أَبُو يَزِيدَ النَّهْشَلِيُّ ,
يَقُولُ: «الْعِلْمُ قُفْلٌ , وَمِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ»
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ
مُقْبِلًا عَلَى صَاحِبِهِ بِوَجْهِهِ فِي حَالِ مُنَاظَرَتِهِ
مُسْتَمِعًا لِكَلَامِهِ إِلَى أَنْ يُنْهِيَهُ , فَإِنَّ
ذَلِكَ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ , وَالْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ
, وَرُبَّمَا كَانَ فِي كَلَامِهِ مَا يِدُلُّهُ عَلَى
فَسَادِهِ , وَيُنَبِّهُهُ عَلَى عُوَارِهِ , فَيَكُونُ ذَلِكَ
مَعُونَةً لَهُ عَلَى جَوَابِهِ
(2/62)
أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ
الْبَرْمَكِيُّ , نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ , نا أَبُو
الْحُسَيْنِ الْحَرْبِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ , نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ , قَالَ حَكِيمٌ مِنَ
الْحُكَمَاءِ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ تَعَلَّمْ حُسْنَ
الِاسْتِمَاعِ كَمَا [ص:63] تَعَلَّمْ حُسْنَ الْكَلَامِ ,
فَإِنَّ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ إِمْهَالُكَ الْمُتَكَلِّمَ
حَتَّى يُفْضِيَ إِلَيْكَ بِحَدِيثِهِ , وَالْإِقْبَالُ
بِالْوَجْهِ وَالنَّظَرُ , وَتَرْكُ الْمُشَارَكَةِ فِي
حَدِيثٍ أَنْتَ تَعْرِفُهُ»
(2/62)
أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلُ ,
أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَوْزِيُّ , نا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا , قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ الْحُسَيْنِ , سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ
الْوَهَّابِ الْكُوفِيَّ , يَقُولُ: " الصَّمْتُ يَجْمَعُ
لِلرَّجُلِ خَصْلَتَيْنِ: السَّلَامَةَ فِي دِينِهِ ,
وَالْفَهْمَ عَنْ صَاحِبِهِ "
(2/63)
أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسُ ,
أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا
أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُعْتَزُّ: " رُبَّمَا دَلَّتِ الدَّعْوَى عَلَى
بُطْلَانِهَا وَالتَّزَيُّدِ فِيهَا قَبْلَ امْتِحَانِهَا ,
وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا بِلِسَانِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُوجِزَ
السَّائِلُ فِي سُؤَالِهِ , وَيُحِرِّرُ كَلَامَهُ ,
وَيُقَلِّلُ أَلْفَاظَهُ وَيَجْمَعُ فِيهَا مَعَانِيَ
مَسْأَلَتِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ
مَعْرِفَتِهِ
(2/63)
أنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْمَرِيُّ ,
وأَبُوبَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ
الْمُقْرِيُّ الْوَاسِطِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ
بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُتَّلِيُّ , نا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ
بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ , نا
مُخَيِّسُ بْنُ تَمِيمٍ الدِّمَشْقِيُّ , نا حَفْصُ بْنُ
عُمَرَ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ [ص:64] عُمَرَ ,
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «الِاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ
الْمَعِيشَةِ , وَالتَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ
الْعَقْلِ , وَحُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ»
(2/63)
أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيُّ الرَّزَّازُ , نا يَحْيَى بْنُ
جَعْفَرٍ , أنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ , نا مَهْدِيُّ بْنُ
مَيْمُونٍ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , عَنْ مَيْمُونِ بْنِ
مِهْرَانَ , قَالَ: «التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ
الْعَقْلِ , وَحُسْنُ الْمَسْأَلَةِ نِصْفُ الْعِلْمِ»
(2/64)
أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفِ
بْنِ بُخَيْتٍ الْعُكْبَرِيُّ , أنا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبِجَارِيُّ ,
أنا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخِيَامُ , نا سَهْلُ بْنُ
شَاذَوَيْهِ , نا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ , نَا أَبُو أُسَامَةَ
, عَنْ مِسْعَرٍ , عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ:
قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: " مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ عَنْ
مَسْأَلَةٍ , إِلَّا عَرَفْتُ: فَقِيهٌ أَوْ غَيْرُ فَقِيهٍ "
(2/64)
أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ
, نا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ , نا سَعِيدُ
بْنُ دَاوُدَ الزَّنْبَرِيُّ , نا مَالِكٌ , عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ , أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ الْإِنْسَانُ
يَسْأَلُهُ فَخَلَطَ عَلَيْهِ قَالَ: «اذْهَبْ فَتَعَلَّمْ
كَيْفَ تَسْأَلُ , فَإِذَا تَعَلَّمْتَ فَسَلْ» وَيَلْزَمُ
الْمُجِيبَ أَنْ يَسُدَّ بِالْجَوَابِ مَوْضِعَ السُّؤَالِ ,
وَلَا يَتَعَدَّى مَكَانَهُ , وَيَجْعَلُ الْمَثَلَ
كَالْمُمَثَّلِ بِهِ , وَيَخْتَصِرُ فِي غَيْرِ تَقْصِيرٍ ,
وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى الْبَيَانِ بِالشَّرْحِ أَطَالَ مِنْ
غَيْرِ هَذَرٍ وَلَا تَكْدِيرٍ , وَيُقَابِلُ بِاللَّفْظِ
الْمَعْنَى , حَتَّى يَكُونَ غَيْرَ نَاقِصٍ عَنْ تَمَامِهِ ,
وَلَا فَاضِلٍ عَنْ جُمْلَتِهِ
(2/65)
أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَدِّلُ ,
أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَوْزِيُّ , نا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا , حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ
الصَّيْرَفِيُّ , نا مَيْمُونُ بْنُ يَزِيدَ , عَنْ لَيْثٍ ,
عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: «كَانُوا يَكْتَفُونَ مِنَ الْكَلَامِ
بِالْيَسِيرِ»
(2/65)
أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْحُسَيْنُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخَالِعُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ
الْفَضْلِ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمُقْرِئُ , نا أَبُو
الْعَيْنَاءِ , عَنِ الْأَصْمَعِيِّ , قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ
رَجُلًا بَلِيغًا , فَقَالَ: «أَلْفَاظُهُ قَوَالِبُ
لِمَعَانِيهِ»
(2/65)
أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ ,
أنا ابْنُ الْمُغِيرَةِ , نَا أَحْمَدُ بْنُ [ص:66] سَعِيدٍ ,
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: «إِذَا
أَعْيَتْكَ الْكَلِمَةُ فَلَا تُجَاوِزْهَا إِلَى غَيْرِهَا ,
فَإِنَّ الْكَلَامَ إِذَا كَثُرَتْ مَعَانِيهِ كَثُرَ
تَقَلُّبُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ فِيهِ , فَوَقَفَا
مَحْسُورَيْنِ أَوْ بَلَغَا مَجْهُودِينَ»
(2/65)
أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ
جَعْفَرٍ , إِجَازَةً , وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ النَّصِيبِيُّ , عَنْهُ , قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ
, نا الْمُبَرِّدُ , قَالَ: قُلْتُ لِلْأَحْنَفِ: مَا
الْبَلَاغَةُ؟ فَقَالَ: «صَوَابُ الْكَلَامِ , وَاسْتِحْكَامُ
الْحُجَّةِ , وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الْإِكْثَارِ»
(2/66)
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ الْفَضْلِ , عَنْ
أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي , قَالَ: حَدَّثَنِي
الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ رَجُلٌ
لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا الْبَلَاغَةُ؟ ,
قَالَ: «الْبَلَاغَةُ أَنْ تَبْلُغَ إِلَى دَقِيقِ الْمَعَانِي
بِجَلِيلِ الْقَوْلِ» , قَالَ: فَمَا الْإِطْنَابُ , قَالَ:
«الْبَسْطُ لِيَسِيرِ الْمَعَانِي , فِي فُنُونِ الْخِطَابِ» ,
قَالَ: فَأَيُّمَا أَحْسَنُ عِنْدَكَ الْإِيجَازُ أَمْ
الْإِسْهَابُ؟ , قَالَ: " لِكُلٍّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ
مَنْزِلَةٌ , فَمَنْزِلَةُ الْإِيجَازِ عِنْدَ التَّفَهُّمِ
فِي مَنْزِلَةِ الْإِسْهَابِ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ , أَلَا
تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا احْتَجَّ فِي كَلَامِهِ
كَيْفَ يُوجِزُ , وَإِذَا وَعَظَ يُطْنِبُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ
مُحْتَجًّا
(2/66)
: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا
اللَّهَ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وَإِذَا جَاءَتِ
الْمَوْعِظَةُ , جَاءَ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ , وَضَرَبَ
الْأَمْثَالَ بِالسَّلَفِ الْمَاضِينَ " وَمِنْ أَدَبِ
الْعِلْمِ أَنْ لَا يُجِيبَ الرَّجُلُ عَمَّا يَسْأَلُ عَنْهُ
غَيْرُهُ
(2/67)
أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشُّرُوطِيُّ , نا الْمَعَافَى بْنُ
زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ
زِيَادٍ النَّقَّاشُ , أنا دَاوُدُ بْنُ وَسِيمٍ , أنا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ ابْنُ أَخِي الْأَصْمَعِيِّ , عَنْ عَمِّهِ ,
قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: «وَلَيْسَ مِنَ
الْأَدَبِ أَنْ تُجِيبَ , مَنْ لَا يَسْأَلُكَ , أَوْ تَسْأَلَ
مَنْ لَا يُجِيبُكَ , أَوْ تُحَدِّثُ مَنْ لَا يُنْصِتُ لَكَ»
(2/67)
أنا أَبُو يَعْلَى: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ
سُوَيْدٍ الْمُعَدِّلُ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمُ
الْكَوْكَبِيُّ , حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَهْدِيٍّ
الْكِسْرَوِيُّ , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
هَرْمِزْدَانَ , قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ كَانَتِ
الْحُكَمَاءُ تَقُولُ: «لَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يُجِيبَ
عَمَّا يَسْأَلُ عَنْهُ غَيْرُهُ , وَلْيَتَّقِ الْمُنَاظِرُ
مُدَاخَلَةَ خَصْمِهِ فِي كَلَامِهِ , وَتَقْطِيعَهُ عَلَيْهِ
وَإِظْهَارَ التَّعَجُّبِ مِنْهُ , وَلْيُمَكِّنْهُ مِنْ
إِيرَادِ حُجَّتِهِ , فَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ
الْمُبْطِلُونَ وَالضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لَا يَحْصُلونَ»
(2/67)
أَخْبَرَنِي الْبَرْمَكِيُّ , نا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ
الْعُكْبَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ
الْأَنْبَارِيُّ , حَدَّثَنِي أَبِي , نا أَحْمَدُ بْنُ
عُبَيْدٍ , عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ , قَالَ: قَالَتِ
الْحُكَمَاءُ: «إِنَّ مِنِ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ عَلَى
كُلِّ حَالٍ مُغَالَبَةُ الرَّجُلِ عَلَى كَلَامِهِ
وَالْإِعْتِرَاضُ فِيهِ لِقَطْعِ حَدِيثِهِ» وَإِذَا هَمَّ
بِقَوْلٍ أَنْ يَقُولَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ
فَأَمْسَكَ عَنْهُ فَلْيُحْدِثِ الشُّكْرَ لِلَّهِ عَلَى مَا
عَصَمَهُ مِنَ التَّسَرُّعِ إِلَى الْخَطَأِ وَلْيَغْتَبَطْ
بِذَلِكَ فَقَدْ
(2/68)
أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ ,
أنا ابْنُ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ , قَالَ:
قَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ: «افْرَحْ بِمَا لَا تَنْطِقُ بِهِ
مِنَ الْخَطَأِ , مِثْلَ فَرِحِكَ بِمَا لَمْ تَسْكُتْ عَنْهُ
مِنَ الصَّوَابِ» وَإِنَّ أَفْحَشَ الْخَصْمُ فِي جَوَابِهِ ,
وَأَحَالَ فِي حِجَاجِهِ , فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يِحْتَدَّ
عَلَيْهِ , لِيَحْذَرَ مِنَ الصِّيَاحِ فِي وَجْهِهِ ,
وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ
السُّفَهَاءِ , وَمَنْ لَا يَتَأَدَّبُ بِآدَابِ الْعُلَمَاءِ:
(2/68)
أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا دَعْلَجُ بْنُ
أَحْمَدَ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , أنا
أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ , نا عَبْدُ الصَّمَدِ
بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ , نا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ , عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ شُرَيْحٍ , قَالَ [ص:69]: "
الْحِدَةُّ: كُنْيَةُ الْجَهْلِ "
(2/68)
أنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ ,
أنا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا , حَدَّثَنِي
هَارُونُ بْنُ أَبِي يَحْيَى , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ قُرَيْشٍ ,
قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ: «رَأْسُ الْحُمْقِ
الْحِدَّةُ , وَقَائِدُهُ الْغَضَبِ , وَمَنْ رَضِيَ
بِالْجَهْلِ اسْتَغْنَى عَنِ الْحِلْمِ , الْحِلْمُ زَيْنٌ
وَمَنْفَعَةٌ , وَالْجَهْلٌ شَيْنٌ , وَالسُّكُوتُ عَنْ
جَوَابِ الْأَحْمَقِ جَوَابُهُ»
(2/69)
وقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , ثَنَا
خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ
عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ أَبِي نَضْرَةَ , عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,
قَالَ: «أَلَا إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ
آدَمَ , أَلَا تَرَوْنَ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ
وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا
فَلْيُلْصِقْ خَدَّهُ بِالْأَرْضِ»
(2/69)
أنا ابْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ , أنا ابْنُ
الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ , [ص:70] قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: «شِدَّةُ الْغَضَبِ
يُغَيِّرُ الْمَنْطِقَ , وَتَقْطَعُ مَادَّةَ الْحُجَّةِ
وَتُفَرِّقُ الْفَهْمَ»
(2/69)
وَقَالَ أَيْضًا: «لَا يُمْكِنُ أَنْ لَا
تَغْضَبَ , لَكِنْ لَا يَنْتَهِي غَضَبُكَ إِلَى الْإِثْمِ ,
وَاعْفُ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَرْكُ الِانْتِقَامِ عَجْزًا»
وَلْيُعَوِّدْ لِسَانَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَحْسَنَهُ , وَمِنَ
الْخِطَابِ أَلْيَنَهُ فَقَدْ:
(2/70)
أنا ابْنُ بِشْرَانِ , أنا الْحُسَيْنُ
بْنُ صَفْوَانَ , نا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا , نا خَلَفُ بْنُ
هِشَامٍ , نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , عَنْ أَرْطَأَةَ
بْنِ الْمُنْذِرِ , عَنْ أَبِي عَوْنٍ الْأَنْصَارِيِّ ,
قَالَ: «مَا تَكَلَّمَ النَّاسُ بِكَلِمَةٍ صَعْبَةٍ إِلَّا
وَإِلَى جَانِبِهَا كَلِمَةً أَلْيَنَ مِنْهَا تَجْرِي
مَجْرَاهَا»
(2/70)
وأنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ
أَحْمَدَ الْوَاعِظُ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , نا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ,
عَنِ الْقَحْذَمِيِّ , قَالَ: قِيلَ لِخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ:
مَا أَبَرُّ كَلَامِكَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ يَقُومُ عَلَيَّ
بِرُخْصٍ» , قَالَ: وَنَادَى غُلَامُهُ , فَقِيلَ: إِنَّهُ
مَشْغُولٌ , فَقَالَ: «شَغَلَهُ اللَّهُ بِخَيْرٍ» , ثُمَّ
نَادَى جَارِيَتَهُ , فَقِيلَ: إِنَّهَا نَائِمَةٌ , فَقَالَ:
«أَنَامَ اللَّهُ عَيْنَهَا» , فَضَحِكَتْ , فَقَالَ [ص:71]:
«مِمَّ تَضْحَكُ , أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ» وَلْيَعْمَدْ
إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْ كَلَامِ خَصْمِهِ , وَلَا يَتَعَلَّقْ
بِمَا يَجْرِي فِي عِرْضِهِ مِمَّا لَا يَعْتَمِدُهُ , فَإِنَّ
الْمُعَوَّلَ عَلَى الْمَقْصُودِ وَالظُّهُورِ عَلَى الْخَصْمِ
بِإِبْطَالِ مَا قَصَدَهُ , وَعَوَّلَ عَلَيْهِ وَاعْتَمَدَهُ
, وَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ لَهُ عِلْمُهُ مِنْ
كَلَامِهِ , فَإِنَّ الْجَوَابَ لَا يَصِحُّ عَمَّا لَمْ
يَفْهَمْهُ , وَلَمْ يَتَصَوِّرْ مُرَادَ خَصْمِهِ مِنْهُ
(2/70)
أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ , وَأَبُو
الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ , قَالَا: أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ
بْنِ الْحَسَنِ النَّجَّادُ , نا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ , نا
ابْنُ نُفَيْلٍ , قَالَ النَّجَّادُ , وحَدَّثَنَا جَعْفَرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَالِسِيُّ , نا النُّفَيْلِيُّ , وأنا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ ,
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ
الْمِسْكِينِ , نا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ , قَالَا: نا
مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ,
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ , قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ
لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ كُنْ سَرِيعًا تَفْهَمْ , بَطِيئًا
تَكَلَّمْ , وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَكَلَّمَ تَفْهَمْ» وَلَمْ
يَذْكُرِ الْوَاعِظُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ فِي إِسْنَادِهِ
(2/71)
أنا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ
بْنِ الطَّيِّبِ الْعِجْلِيُّ الدَّسْكَرِيُّ لَفْظًا
بِحُلْوَانَ , قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُقْرِئُ بِأَصْبَهَانَ ,
نا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَرَّاءُ الْمِصْرِيُّ , نا
الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ , أنا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ
سَمِعْتُ مَالِكًا , يَقُولُ [ص:72]: «لَا خَيْرَ فِي جَوَابٍ
قَبْلَ فَهْمٍ» وَلْيَتَجَنَّبِ التَّقْعِيرَ فِي الْكَلَامِ
وَالْوَحْشِيَّ مِنَ الْأَلْفَاظِ , فَإِنَّهُ مَنَافٍ
لِلْبَلَاغَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْحَلَاوَةِ
(2/71)
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ
الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ زِيَادٍ الْمُقْرِئِ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا
أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا
الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:
«أَحْسَنُ الِاحْتِجَاجِ مَا أَشْرَقَتْ مَعَانِيهِ ,
وَأُحْكِمَتْ مَبَانِيهِ , وَابْتَهَجَتْ لَهُ قُلُوبُ
سَامِعِيهِ» وَمَا أَحْسَنَ مَا وَصَفَ بِهِ بَعْضُ الْعَرَبِ
الشَّافِعِيَّ فِي نَظَرِهِ
(2/72)
فَقَالَ فِيمَا: أنا ابْنُ الْفَضْلِ ,
عَنِ النَّقَّاشِ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
إِدْرِيسَ , بِهَرَاةَ , نا الرَّبِيعُ , قَالَ: كُنَّا
جُلُوسًا فِي حَلَقَةِ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ
بِيَسِيرٍ فَوَقَفَ عَلَيْنَا أَعْرَابِيٌّ , فَسَلَّمَ ,
ثُمَّ قَالَ لَنَا: «أَيْنَ قَمَرُ هَذِهِ الْحَلَقَةِ
وَشَمْسُهَا؟» فَقُلْنَا: تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ ,
فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا , وَقَالَ: «تُوُفِّيَ رَحِمَهُ
اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ , فَلَقَدْ كَانَ يَفْتَحُ بِبَيَانِهِ
مُنْغَلِقَ الْحُجَّةِ , وَيَسُدُّ عَلَى خَصْمِهِ وَاضِحَ
الْمَحَجَّةِ , وَيَغْسِلُ مِنَ الْعَارِ وُجُوهًا مُسْوَدَّةً
, وَيُوَسِّعُ بِالرَّأْيِ أَبْوَابًا مُنْسَدَّةً ثُمَّ
انْصَرَفَ»
(2/72)
|