اللمع في أصول الفقه القول في الإجماع
باب ذكر معنى الإجماع وإثباته
الإجماع في اللغة يحتمل معنيين أحدهما الإجماع على الشيء
والثاني العزم على الأمر والقطع به من قولهم: أجمعت على الشيء
إذا عزمت عليه، وأما في الشرع فهو اتفاق علماء العصر على حكم
الحادثة.
فصل
وهو حجة من حجج الشرع ودليل من أدلة الأحكام مقطوع على مغيبه.
وذهب النظام والرافضة إلى أنه ليس بحجة ومنهم من قال: لا يتصور
انعقاد الإجماع ولا سبيل إلى معرفته فالدليل على أنه يتصور
انعقاده هو أن الإجماع إنما ينعقد عن دليل من نص أو استنباط
وأهله مأمورون بطلب ذلك الدليل ودواعيهم متوفرة في الاجتهاد
وفي إصابته فصح اتفاقهم على إدراكه والإجماع موجبة كما يصح
اجتماع الناس على رؤية الهلال والصوم والفطر بسببه والدليل على
إمكان معرفة ذلك من جهتهم صحة السماع ممن حضروا الإخبار عمن
غاب يعرف بذلك اتفاقهم كما تعرف أديان أهل الملل مع تفرقهم في
البلاد وتباعدهم في الأوطان، والدليل على أنه حجة قوله عز وجل:
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ
مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 1
فتوعد على اتباع غير سبيلهم فدل على أن إتباع سبيلهم واجب
ومخالفتهم حرام وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي
على الخطأ" وروى: "لا تجتمع أمتي على الضلالة" وقوله صلى
__________
1 سورة النساء الآية: 115.
(1/87)
الله عليه وسلم: "من فارق الجماعة ولو قيد
شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" ونهى عن الشذوذ وقال: "من
شذ شذ في النار" فدل على وجوب العمل بالإجماع.
فصل
والإجماع حجة من جهة الشرع، ومن الناس من قال هو حجة من جهة
العقل والشرع جميعا وهذا خطأ لأن العقل لا يمنع إجماع الخلق
الكثير على الخطأ وبهذا اجمع اليهود على كثرتهم والنصارى على
كثرتهم على ما هم عليه من الكفر والضلال فدل على أن ذلك ليس
بحجة من جهة العقل.
(1/88)
باب ذكر ما ينعقد به
الإجماع وما جعل حجة فيه
اعلم أن الإجماع لا ينعقد إلا على دليل فإذا رأيت إجماعهم على
حكم علمنا أن هناك دليلا جمعهم سواء عرفنا ذلك الدليل أو لم
نعرفه ويجوز أن ينعقد عن كل دليل يثبت به الحكم كأدلة العقل في
الأحكام ونص الكتاب والسنة وفحواهما وأفعال رسول الله صلى الله
عليه وسلم وإقراره والقياس وجميع وجوه الاجتهاد، وقال داود
وابن جرير: لا يجوز أن ينعقد الإجماع من جهة القياس فأما داود
فبناه على أن القياس ليس بحجة ويجيء الكلام عليه إن شاء الله
تعالى. وأما ابن جرير فالدليل على فساد قوله هو أن القياس دليل
من أدلة الشرع فجاز أن ينعقد الإجماع من جهته كالكتاب والسنة.
فصل
والإجماع حجة في جميع الأحكام الشرعية كالعبادات والمعاملات
وأحكام الدماء والفروج وغير ذلك من الحلال والحرام والفتاوى
والأحكام. فأما الأحكام العقلية فعلى ضربين.
أحدهما: يجب تقديم العمل به على العلم بصحة الشرع كحدوث العالم
وإثبات الصانع وإثبات صفاته وإثبات النبوة وما أشبهها فلا يكون
الإجماع حجة فيه لأن قد بينا أن الإجماع دليل شرعي ثبت بالسمع
فلا يجوز أن يثبت
(1/88)
حكما يجب معرفته قبل السمع كما لا يجوز أن
يثبت الكتاب بالسنة والكتاب يجب العمل به قبل السنة. والثاني:
ما لا يجب تقديم العمل به على السمع وذلك مثل جواز الرؤية
وغفران الله تعالى للمذنبين وغيرهما مما يجوز أن يعلم بعد
السمع فالإجماع حجة فيها لأنه يجوز أن يعلم بعد الشرع والإجماع
من أدلة الشرع فجاز إثبات ذلك به. وأما أمور الدنيا كتجيهز
الجيوش وتدبير الحروب والعمارة والزراعة وغيرها من مصالح
الدنيا فالإجماع ليس بحجة فيها لأن الإجماع فيها ليس بأكثر من
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أن قوله إنما هو حجة
في إجماع الشرع دون مصالح الدنيا ولهذا روي أنه صلى الله عليه
وسلم نزل منزلا فقيل له إنه ليس برأي فتركه.
(1/89)
باب ما يعرف به
الإجماع
اعلم أن الإجماع يعرف بقول وفعل وقول وإقرار وفعل وإقرار.
فأما القول فهو أن يتفق قول الجميع على الحكم بأن يقولوا كلهم
هذا حلال أو حرام والفعل أن يفعلوا كلهم الشيء وهل يشترط
انقراض العصر في هذا أم لا؟ فيه وجهان من أصحابنا من قال:
يشترط فيه انقراض العصر وإذا لم ينقرض العصر لم يكن إجماعا ولا
حجة ومنهم من قال: إنه إجماع ولا يشترط فيه انقراض العصر وهو
الأصح لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"
ولأن من جعل قوله حجة لم يعتبر موته في كونه حجة كالرسول صلى
الله عليه وسلم فإذا قلنا: أن ذلك إجماع فإذا أجمعت الصحابة
على قول ولم ينقرضوا لم يجز لأحد منهم أن يرجع عما اتفقوا عليه
وإن كبر منهم صغير وصار من أهل الاجتهاد بعد إجماعهم لم يعتبر
قوله ولم تجز له مخالفتهم وإذا قلنا إنه ليس بإجماع وأن انقراض
العصر شرط جاز لهم الرجوع عما اتفقوا عليه وجاز لمن كبر منهم
وصار من أهل الاجتهاد أن يخالفهم.
فصل
وأما القول والإقرار فهو أن يقول بعضهم قولاً فينشروا في
الباقين
(1/89)
فيسكتوا عن مخالفته والفعل والإقرار: هو أن
يفعل بعضهم شيئا فيتصل بالباقين فيسكتوا عن الإنكار عليه
فالمذهب أن ذلك حجة وإجماع بعد انقراض العصر. وقال الصيرفي هو
حجة ولكن لا يسمى إجماعا وقال أبو علي بن أبي هريرة إن كان ذلك
فتيا فقيه فسكتوا عنه فهو حجة وإن كان حكم إمام أو حاكم لم يكن
حجة وقال داود ليس بحجة بحال والدليل على ما قلناه أن العادة
أن أهل الاجتهاد إذا سمعوا جواباً في حادثة حدثت اجتهدوا
فاظهروا ما عندهم فلما لم يظهروا الخلاف فيه دل على انهم راضون
بذلك، وأما قبل انقراض العصر ففيه طريقان. من أصحابنا من قال:
ليس بحجة وجها واحدا ومنهم من قال هو على وجهين كالإجماع من
جهة القول والفعل.
(1/90)
باب ما يصح من
الإجماع وما لا يصح ومن يعتبر قوله ومن لا يعتبر
واعلم أن إجماع سائر الأمم سوى هذه الأمة ليس بحجة وقال بعض
الناس إجماع كل أمة حجة وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق
الاسفرائيني والدليل على فساد ذلك ما بينا أن الإجماع إنما صار
حجة بالشرع والشرع لم يرد إلا بعصمة هذه الأمة فوجب جواز الخطأ
على من سواها من الأمم.
فصل
وأما هذه الأمة فإجماع علماء كل عصر منهم حجة على العصر الذي
بعدهم وقال داود: إجماع غير الصحابة ليس بحجة والدليل على ما
قلنا قوله تعال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} 1
الآية ولم يفرق قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلو عصر من قائم
لله عز وجل بحجة" ولأنه اتفاق من علماء العصر على حكم الحادثة
فأشبه الصحابة.
__________
1 سورة النساء الآية: 115.
(1/90)
فصل
ويعتبر في صحة الإجماع اتفاق جميع علماء العصر على الحكم فإن
خالف بعضهم لم يكن ذلك إجماعا ومن الناس من قال: إن كان
المخالفون أقل عددا من الموافقين لم يعتد بخلافهم. وقال: بعضهم
إن كان المخالفون عدد لا يقع العلم بخبرهم لم يعتد بهم ومن
الناس من قال: إذا أجمع أهل الحرمين مكة والمدينة والمصرين
والبصرة والكوفة لم يعتد بخلاف غيرهم وقال مالك: إذا اجتمع أهل
المدينة لم يعتد بخلاف غيرهم وقال الأبهري من أصحابه إنما أراد
به فيما طريقه الأخبار كالأجناس والصاع. وقال بعض أصحابه: إنما
أراد به الترجيح بنقلهم وقال بعضهم إنما أراد به في زمن
الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. وقال بعض الفقهاء: إذا
أجمع الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم لم يعتد بغيرهم وقال
الرافضة إذا قال علي كرم الله وجهه شيئا لم يعتد بغيره والدليل
على فساد هذه الأقاويل أن الله سبحانه إنما أخبر عن عصمة جميع
الأمة فدل على جواز الخطأ على بعضهم.
فصل
ويعتبر في صحة الإجماع اتفاق كل من كان من أهل الاجتهاد سواء
كان مدرسا مشهورا أو خاملا مستورا وسواء كان عدلا أمينا أو
فاسقا متهتكا لأن المعول في ذلك على الاجتهاد والمهجور
كالمشهور والفاسق كالعدل في ذلك.
فصل
ولا فرق بين أن يكون المجتهد من أهل عصرهم أو لحق بهم من العصر
الذي بعدهم وصار من أهل الاجتهاد وعند الحادثة كالتابعي إذا
أدرك الصحابة في حال حدوث الحادثة وهو من أهل الاجتهاد ومن
أصحابنا من قال: لا يعتد بقول التابعين مع الصحابة والدليل على
ما قلناه هو أن سعيد بن المسيب والحسن وأصحاب عبد الله بن
مسعود كشريح والأسود وعلقمة كانوا يجتهدون في زمن الصحابة ولم
ينكر عليهم أحد ولأنه من أهل الاجتهاد عند حدوث الحادثة فاعتد
بقوله كأصاغر الصحابة.
(1/91)
فصل
وأما من خرج من الملة بتأويل أو من غير تأويل فلا يعتد بقوله
في الإجماع فإن أسلم وصار من أهل الاجتهاد عند الحادثة اعتبر
قوله وإن انعقد الإجماع وهو كافر ثم أسلم وصار من أهل الاجتهاد
فإن قلنا أن انقراض العصر ليس بشرط لم يعتبر قوله وإن قلنا إنه
شرط اعتبر قوله فإن خالفهم لم يكن إجماعا.
فصل
وأما من لم يكن من أهل الاجتهاد في الأحكام كالعامة والمتكلمين
والأصوليين لم يعتبر قولهم في الإجماع. وقال بعض المتكلمين:
يعتبر قول العامة في الإجماع وقال بعضهم يعتبر قول المتكلمين
والأصوليين وهذا غير صحيح لأن العامة لا يعرفون طرق الاجتهاد
فهم كالصبيان وأما المتكلمون والأصوليين فلا يعرفون جميع طرق
الأحكام فلا يعتبر قولهم كالفقهاء إذا لم يعرفوا أصول الفقه.
(1/92)
باب الإجماع بعد
الخلاف
إذا اختلف الصحابة في المسألة على قولين وانقرض العصر جاز
للتابعين أن يتفقوا على أحدهما ومن أصحابنا من قال: لا يتصور
ذلك لأن اختلافهم على قولين حجة في جواز الأخذ بكل واحد منهما
لا يجوز عليها الخطأ وإجماع التابعين على تحريم أحدهما حجة لا
يجوز عليها الخطأ فلا يصح اجتماعهما وهذا غير صحيح لأن صحابة
إذا اجتمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين صار التابعون
في القول بتحريم أحدهما بعض الأمة والخطأ جائز على بعض الأمة.
فصل
وإذا اجتمع التابعون على أحد القولين لم يزل بذلك خلاف الصحابة
ويجوز لتابع التابعين الأخذ بكل واحد من القولين وقال ابن
خيرون والقفال: يزول
(1/92)
الخلاف وتصير المسألة إجماعا وهو قول
المعتزلة والدليل على ما قلناه أن اختلافهم على قولين إجماع
على جواز الأخذ بكل واحد من القولين وما اجتمعت الصحابة على
جوازه لا يجوز تحريمه بإجماع التابعين كما إذا اجمعوا على
تحليل شيء لم يجز تحريمه بإجماع التابعين.
فصل
وأما إذا اختلفت الصحابة على قولين ثم اجتمعت على أحدهما نظرت
فإن كان ذلك قبل أن يبرد الخلاف ويستقر كخلاف الصحابة لأبي بكر
رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة وإجماعهم بعد ذلك زال
الخلاف وصارت المسألة بعد ذلك إجماعا بلا خلاف وإن كان ذلك
بعدما برد الخلاف واستقر فإن قلنا إنه إذا اجتمع التابعون زال
الخلاف بإجماعهم فبإجماعهم أولى أن يزول وإذا قلنا أن بإجماع
التابعين لا يزول الخلاف بنيت على انقراض العصر فإن قلنا أن
ذلك شرط في صحة الإجماع جاز لأن اختلافهم على قولين ليس بأكثر
من اجتماعهم على قول واحد فإذا جاز لهم أن يرجعوا قبل انقراض
العصر فرجوعهم عما اختلفوا فيه أولى وإذا قلنا أن انقراض العصر
ليس بشرط لم يجز أن يجمعوا. لأن اختلافهم على قولين حجة لا
يجوز عليها الخطأ في تجويز الأخذ بكل واحد من القولين فلا يجوز
الإجماع على ترك حجة لا يجوز عليها الخطأ.
(1/93)
باب القول في اختلاف
الصحابة على قولين
واعلم أنه إذا اختلفت الصحابة في المسألة على قولين وانقرض
العصر عليه لم يجز للتابعين إحداث قول ثالث. وقال بعض أهل
الظاهر: يجوز ذلك، والدليل على فساد ذلك هو أن اختلافهم على
قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما، كما أن إجماعهم على قول
كل واحد إجماع على إبطال كل قول سواه فلما لم يجز إحداث قول
ثان فيما أجمعوا فيه على قول واحد لم يجز إحداث قول ثالث فيما
أجمعوا فيه على قولين.
(1/93)
فصل
فأما إذا اختلفت الصحابة في مسألتين على قولين فقالت طائفة
فيهما بالتحليل وقالت طائفة فيهما بالتحريم ولم يصرحوا
بالتسوية بينهما في الحكم جاز للتابعي أن يأخذ في إحدى
المسألتين بقول طائفة وفي المسألة الأخرى بقول الطائفة الأخرى
فيحكم بالتحليل في إحدى المسألتين وبالتحريم في المسألة
الأخرى. ومن الناس من زعم أن هذا إحداث قول ثالث وهذا خطأ لأنه
وافق في كل واحد من المسألتين فريقا من الصحابة. وأما إذا صرح
الفريقان بالتسوية بين المسألتين فقال أحد الفريقين الحكم
فيهما واحد وهو التحريم وقال الفريق الآخر الحكم فيهما واحد
وهو التحليل وأخذ بقول فريق في أحدهما وبقول فريق في الآخر
فقال شيخنا القاضي أبو الطيب رحمه الله يحتمل أن يجوز ذلك لأنه
لم يحصل الإجماع على التسوية بينما في حكم الأول أصح لأن
الإجماع قد حصل من الفريقين على التصريح بالتسوية بينهما فمن
فرق بينهما فقد خالف الإجماع وذلك لا يجوز.
(1/94)
باب القول في قول
الواحد من الصحابة وترجيح بعضهم على بعض
إذا قال بعض الصحابة قولا ولم ينتشر ذلك في علماء الصحابة ولم
يعرف له مخالف لم يكن ذلك إجماعا، وهل هو حجة أم ل؟ فيه قولان:
قال في القديم: هو حجة ويقدم على القياس وهو قول جماعة من
الفقهاء وهو قول أبي علي الجبائي وقال في الجديد: ليس بحجة وهو
الصحيح وقال أصحاب أبي حنيفة: إذا خالف القياس فهو توقيف يقدم
على القياس وذكروا ذلك من كل وجه في قول ابن عباس فيمن نذر ذبح
ابنه وفي قول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم وغير ذلك
من المسائل والدليل على أنه ليس بحجة أن الله سبحانه وتعالى
إنما أمر باتباع سبيل جميع المؤمنين فدل على أن إتباع بعضهم لا
يجب ولأنه قول عالم يجوز إقراره على الخطأ فلم يكن حجة كقول
التابعي والدليل على أنه ليس بتوقيف أنه لو كان توقيفا لنقل في
وقت من
(1/94)
الأوقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما لم ينقل دل على أنه ليس بتوقيف.
فصل
وإذا قلنا بقوله القديم وأنه حجة قدم على القياس ويلزم التابعي
العمل به ولا يجوز له مخالفته وهل يخص العموم به فيه وجهان:
أحدهما يخص به لأنه إذا قدم على القياس فتخصيص العموم أولى.
والثاني: لا يخص به لأنهم كانوا يرجعون إلى العموم ويتركون ما
كانوا عليه فدل على أنه لا يجوز التخصيص به. وإذا قلنا أنه ليس
بحجة فالقياس مقدم عليه ويسوغ للتابعي مخالفته، وقال الصيرفي
إن كان معه قياس ضعيف كان قوله مع القياس الضعيف أولى من قياس
قوي، وهذا خطأ لأن قوله ليس بحجة، والقياس الضعيف ليس بحجة،
فلا يجوز أن يترك بمجموعهما قياس هو حجة.
فصل
فأما إذا اختلفوا على قولين بنيت على القولين في أنه حجة أو
ليس بحجة، فإذا قلنا أنه ليس بحجة لم يكن قول بعضهم حجة على
البعض ولم يجز تقليد واحد في الفريقين بل يجب الرجوع إلى
الدليل وإذا قلنا إنه حجة فيهما فهما دليلان تعارضا فيرجح أحد
القولين على الآخر بكثرة العدد فإذا كان على أحد القولين أكثر
أصحابه وعلى القول الآخر الأقل قدم ما عليه الأكثر لقوله صلى
الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم" فإن استويا في العدد
قدم بالأئمة فإن كان على أحدهما إمام وليس على الآخر قدم الذي
عليه الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين من بعدي" فإن كان على أحدهما الأكثر وعلى
الآخر الأقل إلا أن مع الأقل إماما فهما سواء لأن مع أحدهما
زيادة عدد ومع الآخر إماما فتساويا وإن استويا في العدد
والأئمة إلا أن في أحدهما أحد الشيخين وفي الآخر غيرهما ففيه
وجهان أحدهما أنهما سواء لقوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" والثاني أن الذي فيه أحد
الشيخين أولى لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من
بعدي أبي بكر وعمر " فخصهما بالذكر.
(1/95)
|