المنخول من تعليقات الأصول

كتاب البيان
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في حد البيان
وفيه ثلاث عبارات إحداها قول أبي بكر الصيرفي إنه إخراج الشئ من حيز الإشكال إلى حيز التجلي وهو فاسد فإن الحيز والتجلي من العبارات المنقوضة وقد كثر الإرتباك فيه والبيان في نفسه أبين منه ولا يحد الشئ إلا بعبارة بينة تزيد في الوضوح عليه

(1/123)


الثانية قول بعض أصحابنا البيان هو العلم وهذا فاسد إذ لو جاز ذلك لقيل أيضا العلم هو البيان ويحد به ويخرج عنه علم الباري سبحانه إذ البيان مشعر بتبيين مفتتح ثم يقال انظر إلى بيانه يعني إلى عبارته وتقريبه المعاني إلى الأفهام الثالثة
ما قاله القاضي إن البيان هو الدليل يقال بين الله الآيات لعباده أي نصب لهم أدلة دالة على أوامره ونواهيه ثم الدليل قد يحصل بالقول والفعل والإشارة وهذا هو المختار والله أعلم

(1/124)


الفصل الثاني في مراتب البيان
وهي باتفاق الأصوليين خمسة ولكنهم اختلفوا في ترتيبها على ثلاث مقالات قال الشافعي رضي الله عنه المرتبة الأولى النص الذي لا يختص بدرك فحواه الخواص المتأكد تأكيدا يدفع الخيال كقوله وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة الثانية النص الذي يختص بدركه بعض الناس كقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية إذ لا بد من فهم معنى الواو ومعنى إلى الثالثة ما أشار الكتاب إلى جملته وتفصيله محال على الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله سبحانه أقيموا الصلاة وقوله وآتوا حقه يوم حصاده

(1/125)


والمرتبة الرابعة ما يتلقى أصله وتفصيله من الرسول عليه السلام الخامسة ما لا مستند له سوى القياس واعترض عليه بالإجماع فإنه لم يذكره وهو أقوى من القياس
المقالة الثانية إن المرتبة الأولى نصوص الكتاب والسنة والثانية ظواهرهما والثالثة المضمرات كقوله فعدة من أيام أخر الرابعة الالفاظ المشتركة مثل القرء وغيره والخامسة القياس المستنبط من موقع الإجماع وهذا مزيف من وجهين أحدهما أنه أخر المضمرات عن الظاهر وهو معلوم بالضرورة والآخر أنه عد القرء من البيان وهو مجمل إذ ثبت تردده واشتراكه

(1/126)


المقالة الثالثة إن المرتبة الأولى أقوال صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة والثانية أفعاله كصلاته ووضوئه الثالثة إشارته كقوله الشهر هكذا هكذا هكذا وسكوته وتقريره الرابعة المفهوم ثم ينقسم إلى مفهوم مخالفة وموافقة كمفهوم تحريم الشتم من آية التأفيف الخامسة الأقيسة وهذا مزيف لأن فهم حظر الضرب من آية التأفيف مقطوع به فكيف يؤخر عن الأفعال والإشارات والمختار إن البيان هو دليل السمع فيترتب على ترتيب الأدلة فما قرب
من المعجزة فهو أقوى كالنظر القريب من مرتبة الضرورة

(1/127)


الفصل الثالث تأخير البيان عن وقت الحاجة محال لأنه من جنس تكليف ما لا يطاق وأما تأخيره إلى وقت الحاجة فجائز والمعتزلة منعوا ذلك ومنعوا جواز تأخير التخصيص عن العام إلى وقت الحاجة ومنهم من جوز تأخيره ولم يجوز تأخير الخصوص لأن العام يعمل بظاهره والمجمل لا يعمل به ونحن نتكلم في جوازه ثم في وقوعه فنقول

(1/128)


أولا يتصور أن يقول السيد لعبده خط هذا الثوب غدا ولا يبين له كيفية خياطته في الحال فإذا تصور وقوعه فلا مأخذ لإستحالته فإن العقل لا يقبح ذلك في العادات وإن تلقوه من الاستصلاح فلا نقول به ثم لعل الله علم أنه لو بين في الحال لطغوا وعصوا فتدرج في البيان ليمتثلوا ثم سلموا لنا جواز تأخير النسخ والنسخ عندهم بيان وقت التكليف وهذا تأخير البيان وآية وقوعه قصة موسى عليه السلام في تأخير بيان البقرة إلى المراجعة
وقصة نوح عليه السلام في تأخير بيان الأهل حتى ظن إن ابنه من أهله والنبي عليه السلام في ابتداء أمره أمر بالصلاة والزكاة والحج ثم بيانه ذكره على طول الدهر ولم يذكره على الفور

(1/129)


فإن قالوا فجوزوا موت النبي عليه السلام قبل البيان قلنا يجوز وتبين أن لا تكليف ثم يعكس عليه في النسخ وإن قالوا هذا إلغاز قلنا لا يعد ذلك إلغازا في العرف

(1/130)


القول في اللغات وفيه مسائل قال القائلون اللغات كلها اصطلاحية إذ التوقيف يثبت بقول الرسول عليه السلام ولا يفهم قوله دون ثبوت اللغة وقال آخرون هي توقيفة علي إذ لا اصطلاح يفرض بعد دعاء البعض البعض بالإصطلاح ولا بد من عبارة يفهم منها قصد الإصطلاح وقال آخرون ما يفهم منه قصد التواضع توقيفي دون ما عداه ونحن نجوز كونها اصطلاحية بأن يحرك الله تعالى رأس واحد فيفهم الآخر أنه قصد الإصطلاح ونجوز كونها توقيفية بأن يثبت الرب تعالى مراسم وخطوطا يفهم الناظر فيها العبارات ثم يتعلم البعض من البعض وكيف لا يجوز في العقل كل واحد منها ونحن نرى الصبي يتكلم بكلمة ابوبه حتى ويفهم ذلك من قرائن احوالهما في حال صغره فإذا الكل جائز

(1/131)


وأما وقع أحد الجائزين فلا يستدرك بالعقل ولا دليل في السمع عليه وقوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها ظاهر في كونه توقيفا وليس بقاطع
إذ يحتمل كونها مصطلحا عليها من خلق خلقه الله تعالى قبل آدم مسألة اختلفوا في أن اللغات هل تثبت قياسا ووجه تنقيح محل النزاع أن صنع التصاريف على القياس ثابت في كل مصدر نقل بالإتفاق أو هو في الحكم المنقول وتبديل العبارات ممتنع بالإتفاق كتسمية الفرس دارا الدار فرسا ومحل النزاع القياس على عبارة تشير إلى معنى آخر وهو حائد عن منهج القياس كقولهم للخمر خمر لأنه يخامر العقل أو يخمر وقياسه أن يقال مخامر أو مخمر فهل تسمى الأشربة المخامرة للعقل خمرا قياسا

(1/132)


وكذا قولهم استحق البعير فهو حق فإنه مشتق وجوز الأستاذ أبو اسحق مثل هذا القياس والمختار منعه وهو مذهب القاضي قلنا إن كان اثبات هذا القياس مظنونا فلا يقبل إذ ليس هذا في مظنة وجوزب تعالى عمل وإن كان معلوما فاثبتوا مستنده ولا نقل من آهل اللغة في جواز ذلك ولا من الشارع عليه السلام ومسلك العقل ضروريه ونظريه فإن منحسم في الأسامي واللغات وإن قاسوا على القياس في الشرع فتحكم لان مستند ذلك التأسي بالصحابة فما مستند هذا القياس ثم اطبقوا على أن البنج لا يسمى خمرا مع كونه مخمرا

(1/133)


فإن سموه فليسموا عمر الدار قارورة لمشاركتها القارورة في المعنى وهذا محال مسالة قسمت المعتزلة الأسامي النبي إلى اللغوية والدينية والشرعية فاللغوية وإن ما لم يتصرف فيه والدينية الإيمان والكفر والفسق ووجه تغيره إن الإيمان مجرد التصديق في اللغة والكفر الستر والفسق الخروج يقال فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرتها ثم دخلها تخصيص في الدين

(1/134)


وميزوها عن الألفاظ الشرعية لأنهم ظنوا أنها مستدركة بمحض العقل والشرعية كالصلاة والصوم والحج وقد قال بعض أصحابنا إنها منقولة بالكلية عن وضعها في اللغة وقال القاضي هي مبقاة على ما كانت عليه ولم تغير إذ الصلاة الدعاء والصوم الإمساك والحج القصد إلى الزيارة وقد بقيت عليها في الشرع وهذا مزيف إذ اسم الصلاة يشمل الركوع والسجود شرعا فإن قيل سمي به لقربه منه فنعلم أن أهل اللغة لا يسمون الواقف بين يدي الأمير على الخضوع مصليا لأنه يدعوه في وقوفه والمصير إلى أنها منقولة بالكلية محال لما قاله القاضي
والمختار لا يتبين إلا بمقدمة وهي أن تصرف أهل اللغة فيما تصرفوا فيه ينقسم إلى

(1/135)


ما غالب التصرف فيه الوضع كتخصيصهم كما الدابة ببعض الحيوانات حتى لا يسمى الآدمي دابة وإن كان يدب وإلى ما يتغير به الوضع كتسميتهم الخمر محرمة لارتباط التناول بها وهو المحرم وكتسميتهم الأم محرمة والمحرم وطؤها فتصرف الشرع في اللغة على هذين الوجهين إذ خصص الحج بزيارة مكة حتى لا يسمي زيارة بقعة أخرى حجا وسمي الإمساك عن الأكل والشرب والجماع صوما دون غيره وكاحتكامه هو بتسمية الفعل صلاة لقربه من الدعاء مسألة اللغة تشتمل على المجاز والحقيقة وقال الأستاذ لا مجاز فيها وخالفه القاضي فيه

(1/136)


ونحن نجمع بينهما إذ عني الأستاذ بنفي المجاز أن جميع الألفاظ حقائق ويكتفي في كونها حقائق بالاستعمال في جميعها وهذا مسلم ويرجع البحث لفظيا فإنه حينئذ يطلق الحقيقة على المستعمل وإن لم يكن بأصل الوضع ونحن لا نطلق ذلك لأن المجاز ثابت بثبوت الحقيقة وهذا لا ينكره القاضي ولا نظن بالأستاذ إنكاره الاستعارات مع كثرتها في النظم والنثر وتسويته بين تسمية الشجاع والأسد أسدا
مسألة القرآن يشتمل على المجاز وعلى الحقيقة خلافا للحشوية

(1/137)


ودليله كثرة الاستعارات سيما في سورة يوسف وإن عنوا بنفيه أن المجاز هو الكلام المردود ولا يوصف به كلام الباري سبحانه فالأمر كما قالوه مسألة قال أبو حنيفة رحمه الله الفرض هو ما يقطع بوجوبه والواجب ما يتردد فيه وعندنا لا فرق إذ الشارع لم ينص عليه وأهل اللغة لم يخصصوا واشتقاق الفرض لا يقتضيه فإنه القطع ومنه المفراض وسلم والفرائض

(1/138)


وفرضة القوس الحزة التي تستقر فيها عروة الوتر فعلى هذا تجوز تسمية التقرب فرضا والوجوب هو الثبوت يقال وجب الجدار إذا سقط ووجبت الشمس إذا ثبتت عند الغروب في نظر الناظرين ثم نقضه بتسمية الطهارة عند الفصد فرضا وهو متردد فيه مسألة صيغة النفي بلا إذا اتصلت بالجنس لم تقتض الإجمال كقوله لا عمل إلا بنية ولا صيام ولا صلاة وزعمت المعتزلة أنها مجملة من حيث إنه يتردد بين نفي العمل حسا وبين
نفيه حكما وهذه جهالة

(1/139)


إذ يعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد مخالفة المحسوس وقال بعض الفقهاء هو عام فيهما وهذا محال لأن العام هو الذي يمكن تقدير عمومه ويستحيل أن يكون نفي العمل مندرجا تحت اللفظ قطعا ولا يفهم من الشارع ذلك وقال آخرون هو عام في نفي الكمال والجواز وهذا فاسد لأن نفي الجواز يتضمن نفي الكمال لا محالة فلا معنى لتعميم نفيهما وقال القاضي هو مجمل لتردده بين نفي الجواز والكمال والمختار أنه ظاهر في نفي الجواز محتمل لنفي الكمال والمتمسك به متمسك بظاهر لا يدرأ إلا بدليل والله أعلم

(1/140)


باب في مقدار من النحو ومعاني الحروف
الكلم ينقسم إلى اسم وفعل وحرف ولم يقل الكلام لأنه المفهوم والحرف لا يفهم وكذا الاسم والكلام المفهم جملة مركبة من مبتدأ وخبر كقولك زيد منطلق
أو فعل وفاعل كقولك قام زيد أو شرط وجزاء كقولك إن جئتني أكرمتك وقولك يا زيد أضمر فيه النداء وخاصة الاسم قبوله للجر والتنوين ودخول الألف واللام عليه وحده ما يشعر بمسمى من غير إشارة إلى زمن محصل

(1/141)


والفعل يخالف الاسم في خاصيته وهي صيغ دالة على أحداث مشعرة بزمان منقسم انقسام الزمان من ماض وحاضر ومستقبل وأما الحرف الذي جاء لمعنى تنعدم خاصية الاسم والفعل فيه ويظهر المعنى في غيره ثم الاسم أقوى في التأصيل من الفعل لأنه مستقل ويتركب من جنسه جملة مفيدة كقولك زيد قائم وما من فعل إلا ويحدث به ولا يحدث عنه فيقدر اسما والحرف دون الفعل فإنه لا معنى له في نفسه ثم الاسم ينقسم إلى المبني والمعرب

(1/142)


أما المبني كقولك من وكيف وأين ومتى وإنما سميت مبنية لأنها لا تتحرك كالأبنية وتسمى غير المتمكن لأنها تضاهي الحروف في صيغها والمعرب ينقسم إلى المتمكن والأمكن فالمتمكن كقولك عمر والأمكن كقولك زيد ويدخله الاعرابات الثلاثة بخلاف عمر
والفعل ينقسم إلى ماض ومستقبل فالماضي كقولك قام والمستقبل كقولك يقوم وتقوم وأقوم فهذه زيادات وأصل الزيادات حروف المد واللين وا ى فأما الياء فقد زيد في قولك يقوم والألف لا يمكن البداية بها فأبدل بالهمزة في قولهم أقوم وأما الواو فالبداية بها تشبه صياح الكلب فأبدل بالتاء لأنها تقوم مقام الواو

(1/143)


إذ أصل التخمة الوخمة وأصل التراث الوراث وأما النون فإنما زيد لأن فيها غنة تشبه غنة الياء وسمي المستقبل مضارعا لأنه يضارع الاسم إذ يشابه إعرابه ويقوم مقام الإسم فتقول جاء زيد يركض يعني الراكض وأما الحروف فتنقسم إلى مقطعة وإلى حروف المعاني فأما المقطعة فكالباء عنه والواو والفاء وثم فأما الباء فترد للإلصاق كقولك مررت بزيد وبمعنى على كقوله من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك وبمعنى في كقوله تعالى بدعائك رب شقيا وقيل معناه لأجل دعائك وقيل معناه بسبب دعائك
وقد ترد للتعدية كقولهم دخلت به الدار وهو بدل الهمزة

(1/144)


ولا يجمع بينهما فهما متعاقبان وقوله أسرى بعبده بمعنى سرى وهي لغة فصيحة قال الشاعر: إن السري إذا سرى فبنفسه ابن السري إذا سرى أسراهما وظن ظانون أنه للتبعيض في مصدر يستقل دونه كقوله وامسحوا برؤوسكم وتمسكوا بقولهم أخذت زمام الناقة إذا أخذها من الأرض وأخذت بزمامها إذا أخذ بطرفه وليس الباء للتبعيض أصلا

(1/145)


وهذا خطأ في أخذ الزمام أيضا ولكن من المصادر ما يقبل الصلات كقولهم شكرت له ونصحت له وجلست بصدده وأما التبعيض في مسألة المسح فمأخوذ من معنى المصدر فمصدر المسح لا يشير إلى الاستيعاب كمصدر الضرب بخلاف الغسل وأما الواو فهي للعطف وهي أم العواطف وتقتضي الاشتراك في الإعراب والمعنى فتقول رأيت زيدا وعمرا يعني هما مرئيان وقولك وعمرا لا يستقل فيقتضي العطف ولو استقلت الجملة الثانية فالواو للنسق لا للعطف

(1/146)


وظن ظانون أنه للعطف وتمسكوا به في مسألة المحدود في القذف وهو خطأ إذ قد يجمع بين جمل متناقضة كقولك أكرمت زيدا وأهنت عمرا فلا عطف إذن

(1/147)


وليس الواو في وضعه للترتيب بدليل دخوله على التفاعل تقول تضارب زيد وعمرو ولا تقول ثم عمر

(1/148)


وليس للجمع ولكنه صالح له إذ لا يبين أثره على التثنية فلو قلت رأيت زيدين لم يقتض جمعا وقول الرجل لزوجته قبل الدخول أنت طالق وطالق إنما تقع الواحدة لأن الطلاق يساق إليها وقد بانت فالثاني واقع بعد البينونة لا لكونه للترتيب وقد يكون للجمع كقولهم جاء البرد والطيالسة واستوى الماء والخشبة معناه معها وكقولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن يعني لا تجمع ولو أفردت جاز وإذا قلت وتشرب اللبن كان النهي عنهما أفرادا وجمعا

(1/149)


قال الشاعر
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذ فعلت عظيم وهو منع عن الجمع وأما الفاء فهي للتعقيب كقولك إذا دخلت الدار فاجلس وللترتيب فإنه من ضرورة التعقيب وللتسبب إن كقولك إن جئتني فأكرمك وبمعنى الواو كقوله بسقط اللوى بين الدخول فحومل

(1/150)


وقال سيبويه أفاد التعقيب فمعناه فالممر بعده إلى حومل ومعناه أنه موضع تجوز على صوب الدخول لا على عرضه وأما ثم فهي لترتيب الفعل أو لترتيب الكلام قال الشاعر إن من ساد ثم ساد أبوه * ثم قد ساد قبل ذلك جده يعني ثم أفهم أنه كان كذا

(1/151)


وظن ظانون منهم أنه ليس للترتيب وليس كذلك وهذا كقوله والأرض بعد ذلك دحاها وهي قد دحيت قبل ذلك ومعناه ثم أفهم وأما حروف المعاني
فقد تغير الإعراب والمعنى كقولهم لعل زيد منطلق وهو للترجي وقد لا تغيرهما كقوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم يعني فبرحمة وقد تغير المعني دون الإعراب كقوله هل زيد منطلق وقد تغير الإعراب دون المعنى كقوله إن زيدا منطلق وقال سيبويه إن للتحقيق ولا زيادة في لغة العرب وقوله فبما رحمة من الله يشعر بالتنبيه والحث كقوله صه ومه

(1/152)


والعامل لا يكون معمولا فيه كقولك لعل زيدا والمعمول لا يكون عاملا كقولك زيدا إلا المضارع فإنه عامل ومعمول فيه والعامل الذي يتصل بالاسم لا يتصل بالفعل كقولك لعل والمتصل بالفعل لا يتصل بالاسم كقولك أن ونتكلم في خمسة عشر حرفا منها ما وقد يقع حرفا لا يفيد كقوله فبما رحمة من الله وقد يقع مفيدا للنفي في غيره كقولك ما زيد قائم وهي على لغة أهل الحجاز عاملة فتقول ما هذا بشرا وعند بني تميم لا تعمل فتقول بشر وهي كافة لعمل إن عند الكوفيين فتقول إنما زيد منطلق وقال البصريون لا تكف فتقول إنما زيدا منطلق
وقد تقع اسما منكورا بمعنى الاستفهام فتقول ما عندك

(1/153)


فجوابه إنه ثوب أو فرس وبمعنى الشرط كقولك ما تفعل أفعل أي الفعل الذي تفعله أفعل وبمعنى التعجب كقولك ما أحسن زيدا أي شئ حسن زيدا وبمعنى الصفة كقولك مررت بما معجب وقد يقع موصولا بفعل فتقول علمت ما عندك أي ما هو قار عندك وبمعنى المدة كقولك أقوم ما تقوم وبمعنى المصدر كقوله تعالى والسماء وما بناها أراد وبناءها وبمعنى الذي كقولك أتخمت مما أكلت يعني من الذي أكلت أو من أكلي بمعنى المصدر أو من طول أكلي بمعنى المدة ولم يعبر بما عمن يعقل بخلاف من وقال أبو عبد الله المغربي يعبر به عنه كقوله والسماء وما بناها أي ومن بناها فصل
أو للترديد تقول رأيت زيدا أو عمرا

(1/154)


وكذا أم ولكن أم قريبة للإستفهام فتقول أزيدا أكرمت أم عمرا ولا تقول أو عمرا وقد يراد به التخيير في آحاد الجنس كقولك جالس الحسن
أو ابن سيرين يعني هذا الجنس وقيل بمعنى الواو كقوله مائة ألف أو يزيدون والأصح أن معناه هم قوم إذا رأيتهم ظننتهم مائة ألف أو يزيدون والأصح كقوله تعالى لعله يتذكر أو يخشى يعني قول من يرتجى أنه يتذكر أو يخشى وهذا على قدر فهم المخاطب وقد يراد بها حتى كقوله لا أفارقك أو تقضيني حقي معناه حتى تقضيني ديني
فصل هل للإستفهام ولا يغير الإعراب

(1/155)


وقد يكون بمعنى قد ك قوله تعالى هل أتى على الإنسان والمختار أن معناه استدعاء التقرير كقوله هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وإذا اتصل به لا كان للتخصيص فصل لو ترد لامتناع الشئ لامتناع غيره كقولك لو جئتني أكرمتك ولولا لامتناع الشئ لثبوت غيره كقولك لولا زيد لجئتك وقد ترد لو بمعنى إن كقوله ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم معناه وإن اعجبتكم
وإذا اتصل به لا كان للتخصيص كقوله فلولا نفر من كل فرقة

(1/156)


فصل من حرف جار لا يرد إلا على الاسم بمعنى التبعيض كقوله أخذت من مال زيد أو للعموم كقوله ما في الدار من رجل أو بمعنى على كقوله سبحانه ونصرناه من الذين كذبوا بآياتنا أو بمعنى ابتداء الغاية كقوله من البصرة إلى بغداد ويجوز أن تقول عن البصرة ومن هذا الجنس قولهم فلان أفضل من فلان إذا ساواه ثم ابتدأ فضلا ولا يقال عن فلان لأن من صريح في اقتضاء الإبتداء من غاية بخلاف عن وجوز في قولهم عن البصرة لأن الإعتماد ثم على الجنس فهو معلوم ويجوز أن يقول تلقنت عن فلان وهو أفصح من قوله منه ولا يقول رويت منه لأن تخييل التبعيض في الرواية بعيد وهو متخيل على الجملة في العلم فكأنه يأخذ بعض عمله وعن قد ترد اسما فيقال أخذته من عن الفرس

(1/157)


فصل إلى إذا اتصل بها من كان صريحا في التحديد
ومطلقة قيل للجمع وقيل للتحديد وقال سيبويه ظاهره للتحديد ويحتمل الجمع كقوله تعالى إلى المرافق ومن أنصاري إلى الله فصل على قد تقع فعلا كقولك علا يعلو وتقع اسما كقولك أخذته من على الفرس وحرفا كقولك لي عليك حق وفيه شوائب الاسم يعني الحق ثابت له وقال أبو عبد الله لا تقع قط فعلا وقولهم علا ليس ذلك هذه الحروف وهو إنما يطابق في اللفظ

(1/158)


فصل بلى لإستدراك النفي كقوله تعالى ألست بربكم قالوا بلى ولو قال نعم لكان معناه نفي الإلهية وجواب القائل إذا قال أليس زيد في الدار عند روم الإثبات يقال بلى وهذا لا يعتبر في الفقه في الإقرار بل يسوى بينهما إلا في حق النحويين فصل من لا يقع إلا اسما ويعبر به عمن يعقل في الاستفهام كقولك من عندك أو في الشرط كقولك من جاءك فأعطه درهما

(1/159)


فصل إذا تصلح للشرطية فيقول إذا دخلت الدار ولا يتمحض له لأن شرط الشرط أن يرتبط بما لا يقطع بوقوعه كالدخول ويصح أن يقول إذا طلعت الشمس وإذا جاءت القيامة ولو قال إن جاءت القيامة فهذا تردد
فصل إذن للتعليل كقول عليه السلام في حديث الرطب فلا إذن وقيل إنه بمعنى إذا وهو فاسد

(1/160)


فصل حتى بمعنى الغاية بمعنى الغاية كقوله اكلت السمكة حتى رأسها أي ويكون للعطف تقول حتى رأسها أي ورأسها ويكون بمعنى الاستئاف ومعناه حتى رأسها اكلته وهذا كقول الشاعر ألقى الصحيفة كي يخخف إلا رحله * والزاد حتى نعله ألقاها وبمعنى إلى كقوله حتى تقضيني ديني ولا تعطف به الا ما كان من جنس المعطوف فتقول اكلت السمكة حتى رأسها ولا تقول حتى الخبز ولو قلت والخبز جاز

(1/161)


كما تقول رأيت القوم حتى زيدا أو وزيدا ولا تقول حتى الحمار ولكن تقول والحمار فصل مذ حرف يتصل بالزمان دون المكان يقال مذ الجمعة كما يقال من الجمعة وقد يقع اسما

(1/162)