المنخول من تعليقات الأصول

كتاب العموم والخصوص
العام نوع من أنواع الكلام القائم بالنفس كما ذكرناه في الأمر وحده ما يتعلق بمعلومين فصاعدا من جهة واحدة احتزازا عن قوله ضرب زيد عمرا ومقصود الكتاب تحويه ثلاث عشرة مسألة مسألة (1)
المتوقفون عبد في صيغة الأمر توقفوا في صيغة العموم وإليه صار شيخنا أبو الحسن ولزمه ذلك من أسئلة الوعيدية الصائرين إلى أن المؤمن يعذب بالمعصية وقول الجهمية المرجئة الذين يقولون إن المؤمن لا يعذب

(1/209)


بالمعصية والخوارج الذين صاروا إلى أن من ارتكب معصية خلد في النار مع زعمهم أن لا صغيرة إذ مخالفة الأمر كيف كان فهي كبيرة ومنهم من أثبت الصغيرة وقضي بإحباطها عليه إلا إذا وقع الإصرار عليها ثم اختلفت الواقفية فمنهم من قال العام مشترك للواحد والجمع كلفظ العين ومنهم من توقف في ذلك أيضا ووجه إبطال مذهبهم ما ذكرناه في صيغة الأمر على أنا نعلم تفرقه العرب بين الرجل والرجلين والرجال وتمييز الواحد عن الجمع والجمع عن الثنية وقال الشافعي رضي الله عنه العام نص في كل ما يصلح أن يكون متناولا له وعزي إلى شيخنا أبي الحسن أنه قال وإن اقترنت به القرائن المؤكدة فهو متوقف فيه وهذا النقل غير صحيح

(1/210)


وقيل لم يتوقف في أداة الشرط إذا اتصل بالكلام في قولهم من دخل الدار فأعطه درهما
والمختار أنه نص في أقل الجمع كما ذكرناه ظاهر فيما وراءه ووجهه ظاهر وغرضنا من صيغ الجمع يتبين بتقسيم فنقول العموم يتلقى من أدوات الشرط ومن صيغ الجموع أما أدوات الشرط كقولهم من دخل الدار فأعطه درهما ومن أحيا أرضا ميتة فهي له وكلمة من اسم تقتضي الإبهام فتقتضي الإستغراق وقد يتلقى من ظرف الزمان كقوله متى أكرمتني أكرمتك ومن ظرف المكان كقوله حيث كنت حضرتك قال القاضي وكذا إذا قال إن أكرمتني لأن إن تقتضي إبهاما وعندنا إنه لا يقتضي الاستغراق لأن الإبهام آيل إلى المصدر

(1/211)


ومعناه إن كان منك إكرام يكن مني إكرام فهذا نص في الإكرام الأول أما الثانية والثالثة فنتوقف فيه وأما صيغة الجمع فتنقسم إلى جمع السلامة وهو ما يسلم فيه بناء الواحد وإلى جمع التكسير وهو الذي لا يسلم فيه بناء الواحد ثم جمع السلامة ينقسم إلى جمع الذكور كقولك مسلم ومسلمون والأصل فيه زيادة الواو والنون وزيادة الياء والنون وإلى جمع الإناث وهو منقسم إلى ما لا يظهر فيه علامة التأنيث
كقولك هند ودعد فيجمع بزيادة الألف والتاء وإلى ما يظهر فيه علامة التأنيث بالتاء كقولك مسلمة فيجمع بزيادة الالف والتاء مع حذف تاء التأنيث فتقول رايت المسلمات لان التاء لم تكن من وضع الاسم

(1/212)


ومنها ما تظهر فيه العلامة بالألف الممدودة كقولك صفراء وحمراء فالوجه إبدال الألف الثاني وهي الهمزة بالواو وزيادة الألف والتاء وما يكون الألف مقصودا كالحبلى والسكرى تبدل الألف الاخيرة بالياء وتزاد الألف والتاء واما جمع التكسير وهو الذي ينكسر فيه بناء الواحد بزيادة حرف كقولك رجل ورجال أو نقصان كقولك كتاب وكتب أو تبديل حركة كقولك أسد وأسد قال وجمع السلامة في اللسان للتقليل وهو العشرة فما دونه وما كان من جمع التكسير على وزن الأفعال كالأثواب أو الافعلة أبي كالأرغفة أو الافعل كالأكلب أو الفعلة كالصبية فهي للتقليل وما عداه للتكثير واما المؤمنون والكافرون حيث ورد في القران فهو للتكثير قطعا ويحتمل ان يكون ذلك من احتكام الشرع كما احتكم على لفظ الصوم والصلاة

(1/213)


ويحتمل ان يكون كما قاله سيبويه ان كل اسم لا تسمح العرب فيه
بصيغة التكثير فصيغة التقليل محمول على التكثير ابتغاء لكثرة الفوائد كقولهم في جمع الرجل ارجل فهو للتكثير وعلى الجملة نعلم ان الصحابة رضي الله عنهم لم يترددوا في ذلك بل فهموا التكثير وليعلم ان الحرف والفعل لا يجمعان وانما يجمع الاسم وقولك قاما وقاموا ليس جميعا للفعل انما هو تعديد للفاعل فإذا اردت جمع الفعل ترده إلى الاسم فتقول قام قومتين مسالة 2 لفظ المسلمين صالح لإندراج المسلمات تحته تغليبا للتذكير على التأنيث ولكنه في الاصل غير موضوع له خلافا لبعض الناس كقوله تعالى وكانت من القانتين لانه جمع المسلمين مختص بالرجال ولفظ الناس في وضعه يشتمل على النساء مع الرجال إذ يقال لها انسان

(1/214)


وقد خولف فيه أيضا والعبيد يندرجون تحت لفظ المؤمنين في لسان الشارع ولا بد من دليل في استثناثه (لانه يقال لآحادهم عبد مؤمن وقيل انه لا يندرج لوقوعه مستثنى عن بعض الألفاظ وهو فاسد لأن ذلك لقيام الدليل على استثنائهم مسالة 3 قال قائلون لا يندرج المخاطب تحت مطلق الخطاب بدليل قوله الله خالق كل شئ وقول القائل من دخل الدار فأعطه
والمختار انه يندرج لان اللفظ عام والقرينة هي التي اخرجت المخاطب عن قضية الخطاب فيما ذكروه ويعارضه قوله وهو بكل شئ عليم فإنه عالم بذاته

(1/215)


مسالة 4 اسم الفرد إذا اتصل به الألف واللام اقتضى الاستغراق كقولهم الدينار افضل من الدرهم والمختار ان ما يتميز لفظ الواحد فيه عن اسم الجنس بالهاء كالتمرة والتمر فإذا عري عن الهاء اقتضى الاستغراق للجنس وانكره الفراء

(1/216)


واستدل بجواز جمعه على تمور ولكن هذا جمع على اللفظ لا على المعنى واما ما لا تدخل الهاء فيه للتوحيد ينقسم إلى ما لا يتشخص ولا يتعدد كالذهب فهو لاستغراق الجنس إذ لا يعبر عن ابعاضه بالذهب الواحد وما يتعدد كالدينار والرجل فلا يتناول إلا الواحد والالف واللام فيه للتعريف ان اتصل بالرجل أو الدينار اقتضى تعريف الجنس ولا اثر له في تخصيص واستغراق وانما يفهم الجنس من قولهم الدينار افضل من الدرهم بقرينة التسعير

(1/217)


مسالة 5 نكرة الوحدان في النفي تشعر بالاستغراق كقوله ما رأيت رجلا وفي الاثبات تشعر بالتخصيص كقوله رأيت رجلا لان النفي عام لا خصوص له بأقوام مضبوطين والنكرة فيه ابهام فلا تقطع عموم النفي والاثبات خاص إذ الرؤية يستحيل عمومها في كل مرئي والنكرة تقتضي تخصصا وابهاما ما فإذا اتصل بالاثبات اقتضى تخصيصه بمبهم غير معين وان اتصل بالاثبات كلمة الشرط كقوله من احيا أرضا ميته فهي

(1/218)


له كان للإستغراق لأن كلمة من فيه ابهام فلا تقتضي الخصوص فأما نكرة الجمع في النفي كقوله ما رأيت رجالا قال القاضي هو للاستغراق كنكرة الوحدان بل هو أولى وقال أبو هاشم لا يقتضيه بدليل قوله ما لنا لا نرى رجالا ووجهته ظاهرة إذ يحسن ان يقال ما رأيت رجالا لكني رأيت رجلا ولا تقول ما رأيت رجلا ثم تقول رأيت لأن فيهم رجلا مسالة 6 قال الشافعي رضي الله عنه الاسم المشترك إذا ورد مطلقا كالعين والقرء عمم في جميع مسمياته إذا لم يمنع منه قرينه وكذا اللفظ الذي يستعمل مجازا في محل وحقيقة في محل يعمم كلفظ اللمس يحمل في نقض الطهارة على اللمس باليد والجماع

(1/219)


قال القاضي والجمع بين الحقيقة والمجاز تناقض إذ المجاز ما تجوز به عن محله فكيف يجمع بينه وبين الحقيقة وهذا إعتراض على اللفظ فإنه لا يجمع بينهما في محل واحد ولكنه يقول يعمم مفهومه في محلين والمختار خلاف ما قاله الشافعي رضي الله عنه لان لفظ العين ما وضعته العرب لعموم جملة مسمياته فإنه لا يطلق لفظ العين لإرادة جملتها كما يطلق لفظ الرجال لإرادة الجمع بل وضعت لآحادها على البدل فهو عند الإطلاق عندنا مجمل ولا يجمع أيضا بين الحقيقة والمجاز ولكنه يحمل على الحقيقة على إنفرادها أو على المجاز على حياله لعلمنا بأن العرب لا تطلق لفظ الأسد وتعني به الجمع بين الأسد والشجاع نعم يشتمل الجماع على لمس فيكون التعميم لذلك مسألة (7) أقل الجمع ثلاثة عند الشافعي رضي الله عنه

(1/220)


وقال مالك إثنان وقال ابن عباس رضي الله عنهما لعثمان رضي الله عنه ليس في الأخوين إخوة لما أن رد الأم من الثلث إلى السدس بهما فقال حجبها قومك يا غلام وابن مسعود أحب للمقتدين أن يقف أحدهما على اليمين والآخر على الشمال فإذا كانوا ثلاثة اصطفوا
وهذا مشعر من مذهبهما بأنهما وافقا الشافعي رضي الله عنه ولا شك أن حكاية الضمير متصلا كقولنا فعلنا ومنفصلا كقولك نحن فعلنا يعبر عن إثنين والعضوان أيضا يجوز إضافتهما بلفظ الجمع إلى الجملة كقوله فقد

(1/221)


صغت قلوبكما وذلك لاستثقالهم الجمع بين تثنيتين مع انطباق صيغة القلوب على لفظ الوحدان في بعض المواضع ومحل الخلاف في لفظ الرجال والمختار عندنا أن أقل ما يتناوله ثلاثة بدليل تفرقتهم بين التثنية والجمع وتسميتهم الرجلين تثنية لا جمعا مع حصول ضم أحدهما إلى الآخر وفائدة هذا المذهب عندنا أنا نحوج لا بروم رد الجمع إلى اثنين إلى دليل أوضح مما يحتاج إليه عند رده إلى ثلاثة ونسميه أيضا نصا في الثلاثة ظاهرا فيما عداه وليس من فائدته المنع من الرد إلى اثنين إذ الرجال قد يطلق ويراد به واحد عند القرينة كقول الرجل لزوجته أتخرجين وتكلمين الرجال ويعني به رجلا واحدا وقد أجمع الفقهاء على أن المقر بدراهم لا تفسر بأقل من ثلاثة فهذا مفروع عنه

(1/222)


مسألة (8) إذا قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر فلان بالجماع فقال فليعتق
رقبة فيختص ذلك بالجماع خلافا لمالك رضي الله عنه لأن ما عداه ليس في معناه واللفظ غير مستقل فارتبط بالمذكور وإنما لم يختص بالسائل لاستواء جميع العالمين في التكليف شرعا مسألة (9) إذا قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر فلان فقال ليعتق قال الشافعي رضي الله عنه يتعلق العتق بكل إفطار لأن حكايات الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال وأضرب الشرع عن الاستفصال فمطلق كلامه لعموم المقال والأمر على ما قال إن تبينا عدم إحاطة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب الإفطار وإن توقعنا علمه فلا نتمسك بعمومه ولا يكفي في قطع التوهم عدم النقل من الراوي

(1/223)


مسألة (10) اللفظ الذي لا يستقل إذا ورد في سبب خاص فهو مختص به كما لو قيل أحلال فقال نعم واللفظ المستقل بعمومه الوارد على سبب لا نظر إلى سببه عندنا كقوله عليه السلام أيما إهاب دبغ فقط طهر وقيل إنه يختص لاحتمال أنه أراد بيان هذه الواقعة وهو باطل لأنه يعارضه احتمال إرادة تمهيد الشرع فبقي عموم اللفظ بعد تعارض الاحتمالات
وليس من محل الخلاف قوله انما الأعمال بالنيات لانه انعطف على الواقعة وخصصها بحكمها فقال فمن هاجر الحديث مسالة 11 عزي إلى ابي حنيفة رضي الله عنه تجويز اخراج السبب عن عموم اللفظ

(1/224)


استنباطا من مصيره إلى ان الحامل لا يلاعن عنها مع ان الاية وردت في امرأة العجلاني وكانت حاملا ومن مصيره إلى أن ولد المشرقية يلحق بفراش المغربي مع عدم الاحتمال تليقا من قوله عليه السلام الولد للفراش وقد ورد في عبد بن زمعة إذ تداعى ولد وليدة أبيه وكانت رقيقة ولدت على فراش أبيه وعنده ان الامة إذا أتت بولد لا يلحق بالسيد وان أقر بوطئها

(1/225)


وهذا أسوأ رأي له في المسألتين جميعا فلا ينبغي ان يتخيل من عاقل مصيره إلى تجويز اخراج السبب عن قضية اللفظ مسالة 12 العام إذا دخله التخصيص كان مجملا في الباقي ان كان المخصص عنه مجهولا وان كان معلوما فهو حقيقة في الباقي يجب العمل به إلا انه مجاز في الانحصار عليه لان اللفظ تناول الكل فإن اخرج البعض بقي الباقي على اصله وقال القاضي هو مجاز يجب العمل به فإن عني به ما ذكرناه فذاك
إلا فما ذكرناه رد عليه

(1/226)


وقال الشافعي رضي الله عنه حقيقة في الباقي يجب العمل به وقال أبو هاشم: نتمسك به في واحد، ولا نتمسك به جميعا.
وقال جمهور المعتزلة هو مجمل لا نتمسك به وقال أبو هاشم نتمسك به في واحد ولا نتمسك به جميعا وهذا محال لا المخرج عنه معلوم فكيف يصير الباقي مجملا نعم لو كان مجهولا فلا نتمسك به كما لو تمسك متمسك في مسألة الوتر بقوله وافعلوا الخير لا يجوز لان المستثنى عن عموم هذا الأمر غير معلوم

(1/227)


القول في الإستثناء وفيه أربعة فصول
الفصل الاول في حروفه
يرفع عموم اللفظ بقرائن حالية لا ضبط لها نفهمها من معانيها كقولك رأيت الناس نعلم انك ما اردت جميعهم وبقرائن لفظيه وهي منقسمة إلى الاستثناء والتخصيص اما الإستثناء فحروفه إلا وعدا وسوى وغير وحاشا وام الباب إلا ثم هو منقسم إلى ما يرد على الاثبات والى ما يرد على النفي

(1/228)


والوارد على الاثبات كقولك اقبل القوم إلا زيدا والاصل فيه النصب وكأنك تقول استثني زيدا منصوب على تقدير الاضمار كما تقول يا عبد الله أي انادي عبد الله ويجوز رفعه على تقدير كون إلا بدلا عن غير ونقل اعراب غير إلى ما بعده فانك تقول اقبل القوم غير زيد فتنقله إلى ما بعد إلا بدليل قول الشاعر وكل أخ يفارقه اخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان والاصح النصب لان غير يرفع بتقدير الصفة معناه اقبل القوم المغايرون لزيد

(1/229)


وتقدير الصفة في الاستثناء بعيد وانما قال الله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا لأن الكلام ليس مستقلا فصار الباقي جزءا منه وتتمة له فتقدر تقدير الصفة وأما الوارد على النفي إن كان مستقلا كقولك ما جاءني القوم إلا زيدا فهو كالإثبات والأصل فيه النصب والرفع على تقدير البدل فالذي لا يستقل فهو مرفوع أبدا كقولك ما جاءني إلا زيد والا ساقط الاثر في الاعراب فهو كقولك ما جاءني زيد ولو عقبت الاستثناء بغيره نصبته كقولك ما جاءني إلا زيدا احد بدليل قول الكميت فما لي آل احمد شيعة * وما لي إلا مشعب الحق مشعب
وكقول كعب بن مالك

(1/230)


القوم الب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف واطراف القنا وزر وقال بنو تميم لا يجوز ان يقال ما جاءني احد إلا حمارا لان اسم احد لا يطلق عليه فلا يقال فيه رايت احدا وجوزه اهل الحجاز وأجابوا بقولهم ركبت احد حماري والله اعلم

(1/231)


الفصل الثاني في شرائطه
وأما شرائطه فثلاثة أحدها أن يكون متصلا بأول كلام لأنه جزء منه والرجوع فيه إلى العرب وعاداتهم ولو جوزوا انفصاله لبطلت ايمانهم ومواثيقهم وما وجب الوفاء بها وعزي إلى ابن عباس رضي الله عنهما انه جوز تأخير الاستثناء فإن صح فوجه بطلانه ما ذكرناه والوجه تكذيب الناقل فلا يظن به ذلك أو يقال أراد به إذا اضمره في وقت الاثبات وابداه بعد ذلك فقد يقول انه يدين ومذهبه ان ما يدين الرجل فيه يقبل منه إبداؤه ابدا

(1/232)


وقيل انه اراد به في استثناءات أن القرآن وقد قال بعض الفقهاء
والتأخير فيه غير قادح لان كلامه تعالى هو القائم بنفسه وهو واحد لا ينقطع ولا انفصال فيه وهذا فاسد لان القرآن نزل على لسان العرب ونحن نتكلم في الالفاظ فلا نفهم منها إلا ما يفهم من كلام الرسول وما ذكروه ابطال لكل طريقة لطيفة ذكرها المفسرون الشرط الثاني أن لا يكون مستغرقا لئلا يتناقض ووجه ظاهر وليس من شرطه استبقاء المعظم خلافا للقاضي واستدل بأن المستغرق انما رد لحيده عن عادة العرب لا لتضمنه نفيا بعد الإلتزام بدليل قبول قوله عشرة ان شاء الله تعالى واسثناء على التسعة عن العشرة حائد عن العادة قلنا إنما رد المستغرق لتناقضه وهذا غير متناقض

(1/233)


نعم هو ركيك حائد لكن لا ننظر إليه في الأقارير بدليل قبول قوله إلا تسع سدس وخمس سبع وسبع سدس فهذا ركيك ثم هو مقبول نعم لا يصدر مثله من الشارع لركاكته لا لتناقضه الشرط الثالث ان يكون الاستثناء من الجنس لانه مشتق من الثني وكأنه يثني الكلام المرسل ويصرفه عن ان يفهم منه العموم
فلا معنى لقول القائل رأيت الناس إلا حمارا لان الكلام لا يتناوله والشافعي رضي الله عنه جوز الاستثناء من غير الجنس بتقدير الرجوع إلى الجنس كما يقول المرء لفلان علي الف درهم إلا ثوب ان فسره بقيمة ثوب رده إليه قبل وان فسره بعين الثوب لم يقبل فهو بتقدير الرجوع إلى جنس الدراهم وابو حنيفة رضي الله عنه منع ذلك إلا في استثناء المكيل عن الموزون عن المكيل

(1/234)


الفصل الثالث
قال الشافعي رضي الله عنه الجمل المستقلة إذا عطف البعض منها على البعض بالواو الناسقة وعقب بإستثناء رجع إلى الجمل كلها وبنى عليه قبول شهادة المحدود في القذف وقال أيضا لو أقر لبني عمرو وبني بكر إلا الفساق يستثني الفساق من القبيلتين وكذا في الوصية واستدل بأن الجمل صارت كجملة واحدة بالواو العاطفة وهذا ضعيف لأن الواو للنسق لا للجمع وكيف تجتمع جمل متناقضة كقولك أكرمت بني عمرو وأهنت بني خالد وضربت بني زيد وليس هذا كقوله رأيت زيدا وعمرا لأن قوله وعمرا لا يستقل بنفسه فالقطع بانعطاف الاستثناء على الكل تحكم

(1/235)


وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ينحصر على الأخير وناقض في المشيئة حتى لو قال لبني فلان وبني فلان إن شاء الله رجع إلى الكل وناقض في الوصية كقوله أوصيت لبني زيد وبني بكر المساكين منهم قال يرجع إليهما والتحكم أيضا بالانحصار باطل إذ لا يبعد أن يقول الرجل أوصيت لبني فلان وبني فلان إلا الفساق ويعني به استثناءهم عن الكل ولكن اللفظ متردد ولا قرينة فالوجه التردد وإبطال التحكم بكلا الجانبين نعم يساعد الشافعي رضي الله عنه في مسألة الإقرار والوصية لتعارض الاحتمالات ووجوب الاقتصار على المستيقن ويوافقه في مسألة المحدود في القذف ولأن الجملة فيه قوله

(1/236)


وأولئك هم الفاسقون وهو وصف وذكر علة فلا يرجع الاستثناء إليه أصلا على وجه الانحصار

(1/237)


الفصل الرابع في تمييز الخاص عن الاستثناء
فليعلم أن العام قد يكون عاما لذاته كالمذكور والمعلوم فلا تخصيص فيه
وقد يكون عاما بالنسبة كالموجود والجوهر وما ضاهاه فالخاص لذاته كالواحد الذي لا يتجزأ والخاص بالإضافة مثلا كالثلاثة خاص بالإضافة إلى ما فوقه عام بالإضافة إلى ما دونه وحد الخاص في غرضنا القول الذي يندرج تحته معنى لا يتوهم اندراج غيره معه تحت مطلق ذلك اللفظ والفرق بين الاستثناء وبين التخصيص أن الاستثناء جزء من الكلام ولهذا يعتبر اتصاله بخلاف التخصيص

(1/238)


والآخر أن التخصيص بيان لمعنى اللفظ المطلق حتى يبين أنه المراد به والاستثناء ليس بيانا فإنه إذا قال لفلان علي عشرة إلا خمسة لا يبين أن العشرة أريد بها الخمسة ولكن العشرة للعشرة ولزوم الخمسة يتبين بتتمة الكلام ولفظ الناس إذا خصص بالعشرة تبين أنه المراد به عند الإطلاق ولكنا ! تبيناه عند التخصيص وعن هذا كان الاستثناء رافعا وناسخا ولم يكن التخصيص كذلك والاستثناء يجوز اتصاله بالنص والتخصيص لا يتطرق إلى النص نعم يتطرق الاستثناء إلى الظاهر أيضا إذ يقول رأيت الناس إلا ثلاثا

(1/239)