المنخول من تعليقات الأصول

كتاب التأويل
يتقدم على مقصوده أن مأخذ الشريعة ينقسم إلى الألفاظ وإلى
ما عداها وغرضنا ذكر الألفاظ وضبطها إذ عليها نتكلم بمسالك التأويل ثم هي تنقسم إلى ألفاظ القرآن وإلى ألفاظ الرسول فأما ألفاظ القرآن فتنقسم إلى ما يقطع بفحواه وهو النص وإلى ما يظهر معناه مع احتمال وهو الظاهر وإلى ما يتردد بين جهتين من غير ترجح وهو المجمل وألفاظ الرسول تنقسم إلى متواتر وهو نازل منزلة القرآن في التمسك به وفي انقسامه فإنه مقطوع به وإلى المنقول آحادا وهو الذي لا يقطع بأصله وهو أيضا ينقسم إلى نص وظاهر ومجمل كآيات القرآن ولفظ الصحابي إذا رأيناه دليلا فهو كالاخبار

(1/241)


والان إذا انضبط مأخذ الالفاظ فلا بد من بيان اقسامه ومجموعها النص والظاهر والمجمل أما النص فقيل في حده انه اللفظ المفيد الذي لا يتطرق إليه احتمال وقيل هو اللفظ الذي يستوي ظاهره وباطنه ولا يرد عليه الفحوى المفهوم على القطع وإن كان لا يسمى نصا فهو مفهوم النص وفائدته فلا يسمى نصا ثم قال الأصوليون لا يوجد على مذاق هذا الحد في نصوص الكتاب والسنة إلا ألفاظ معدودة كقوله تعالى قل هو الله احد
وقوله تعالى محمد رسول الله وقوله عليه السلام في قصة العسيف أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها وقوله عليه السلام لابن نيار الانصاري تجزي عنك ولا تجزي عن أحد سواك فانها الفاظ صريحة بعيدة عن الاحتمال

(1/242)


واما الشافعي رضي الله عنه فإنه سمى الظاهر نصا ثم قال النص ينقسم إلى ما يقبل التأويل والى مالا يقبله والمختار عندنا أن يكون النص ما لا يتطرق إليه التأويل على ما سيأتي شرط التأويل وتسمية الظاهر نصا منطلق على اللغة لا مانع في الشرع منه إذ معنى النص قريب من الظهور تقول العرب نصت الظبية إذا شالت رأسها وظهرت وسمي الكرسي منصة إذ تظهر عليها العروس وفي الحديث كان إذا وجد فجوة نص ولو شرط في النص انحسام الاحتمالات البعيدة كما قال بعض اصحابنا فلا يتصور لفظ صريح وما عدوه من الايات والاخبار تتطرق إليها احتمالات فقوله قل هو الله احد يعني اله الناس دون الجن

(1/243)


وقوله محمد رسول الله أي محمد والى أي اقليم والى أي زمان وقوله تجزي عنك أي تثاب عليه
وقوله ان اعترفت فارجمها أي إذا لم تتب فهذه احتمالات بعيدة تطرقت إليها فالوجه تحديده بما ذكرناه وأما الظاهر قال الاستاذ أبو اسحاق هو المجاز والنص هو الحقيقة ورب مجاز هو نص كقوله الخمر محرمة والتحريم لا يتعلق بالخمر حقيقة وقوله تعالى والحافظات بعد قوله والحافظين فروجهم مجاز في حفظ الفرج على الخصوص وهو نص في مقصوده وكذلك تخصيص الدابة ببعض الحيوانات مجاز وهو مفهوم قطعا

(1/244)


فالوجه ان يقال الظاهر ما يغلب على الظن فهم معنى منه غير قطع مسألة لا يتمسك بالظواهر في العقليات لان المطلوب فيها القطع وينخرم ذلك بأدنى احتمال ويكفي المعترض ابداء احتمال ولا يحتاج إلى تعضيده بدليل واما النص فجوز أبو هاشم التمسك به في العقليات وقال الوحدانية ثابتة بقوله قل هو الله احد قال القاضي يجوز التمسك به في كل معقول ينحط اثباته عن اثبات الكلام للباري فإنه مستند السمعيات كما في مسألة الرؤية وخلق الأفعال ولكن ليعتقد ان الدليل لا ينحصر فيه أما المجمل
مشتق من قولهم اجملت الحساب إذا جمعت مفرقه ولهذا يمكن تسمية العام مجملا لاشتماله على الاحاد والمجمل في غرضنا ما لا يفهم معناه

(1/245)


وكذا المبهم واشتقاق المبهم من قولهم ابهمت الطريق إذا تتبع آثار السالكين بالمحو ومنه الفارس المبهم وهو الكمي المقنع الذي لا تدري عينه ثم قد يقع الاجمال في المحل والمقدار والمصرف كقولك لفلان في بعض مالي حق وقد يرتفع البعض ويبقى البعض كقوله وآتوا حقه يوم حصاده بين الوقت والمحل وبقي المقدار مجملا ومثال الاجمال ثلاثة صفة مجهولة كقوله محصنين غير مسافحين فإن الاحصان متردد بين صفات وزيادة مجهولة كما إذا فرض ورود الشرع بتوقف صحة الصلاة على زيادة فيما عهد ولم تتبين الزيادة

(1/246)


ونقصان مجهول كقوله لفلان علي عشرة إلا شيئا ولهذا لا يتمسك بعموم قوله افعلوا الخير لان المستثنى عنه مجهول في نفسه

(1/247)


فصل في بيان المحكم والمتشابه
قد اختلف الناس فيه على ست مذاهب قال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد المحكم هو الوعيد الوارد على الجرائم والكبائر والمتشابه ما ورد منه على الصغائر قال الاصم المحكم نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والكتب المتقدمة والمتشابهة نعته في القرآن

(1/248)


وقال بعض السلف الحروف المقطعة في ابتداء السور متشابهة وما عداها فمحكمة الله وقال آخرون المتشابه ما ورد عليه النسخ والباقي محكم وقال آخرون المتشابه ما عسر اجراؤه على ظاهره كآية الاستواء واليه ميل ابن عباس رضي الله عنهما واما الزجاج فقال الكل محكم إلا آيات القيامة فإنها متشابهة إلا لم يكشف الغطاء عنه بدليل قوله فيتبعون ما تشابه منه وكانوا لا يتبعون إلا امر القيامة بدليل قوله عز وجل يسألونك عن الساعة ويشهد لكونها متشابهة قوله تعالى ان الساعة آتية اكاد اخفيها

(1/249)


قال المفسرون على نفسي فإنه أخفاها تحقيقا عن غيره وقال تعالى وما يعلم تأويله إلا الله يعني حاله وعليه
وقف أبو عبيد وابتدأ من قوله والراسخون في العلم إذ العلوم كلها يحيط بها الراسخون فيها وليس هذا من غرض الاصول وغرضنا من المتشابه في الايات المتضمنة للتكاليف محال ويتبين المقصود منه برسم مسألة مسألة في آية الاستواء قال مالك لما سئل عن الاستواء الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة

(1/250)


وقال سفيان بن عينيه يفهم منه ما فهم من قوله ثم استوى إلى السماء وقد تحزب الناس فيه فضل فريق واجروه على الظاهر وتبعهم آخرون إذ ترددوا فيه وان لم يجزموا وفاز من قطع بنفي الاستقرار فإن تردد في مجمله ورآه فلا يعاب عليه وتكلف تعلم الادلة على نفي الاستقرار لا نراه واجبا على آحاد الناس بل يجب على شخص في كل اقليم ان يقوم به ليدفع البدع إذا ثارت فإذن المتشابه ما لا يفهم معناه وذلك محال في محل التكليف فنعلم قطعا ان هذه الآية ما أريد بها الاستقرار فلا تشابه فيها نعم الحروف المقطعة ان كانت متشابهة فلتكن فليس ذلك مما كلفنا فهمه

(1/251)


هذه مقدمات كتاب التأويل ولا يتوصل إلى مقصوده إلا برسم مسائل يتعرض فيها للتأويلات قال الصحيحة والفاسدة ومجموعها ثماني عشرة مسألة مسألة (1) قالت المعتزلة لا يخصص عموم القرآن بأخبار الاحاد فإن الخبر لا يقطع بأصله بخلاف القرآن وقالت الفقهاء يخصص به لانه يتسلط على فحواه وفحواه غير مقطوع به قال القاضي انا اتوقف فيه إذ ظاهر القرآن مقطوع الاصل غير مقطوع الفحوى ونص إخبار الآحاد مقطوع الفحوى غير مقطوع الاصل

(1/252)


والمختار انه يخصص لعلمنا ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقبلون حديثا نصا ينقله إليهم الصديق في تخصيص عموم القرآن كيف وكانوا يقبلون نقل التفسير من الآحاد وهو أعظم من التخصيص ولما ان هموا بقسمة تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل أبو بكر عنه انه قال نحن معاشر الانبياء لا نورث فتركوه وان كان آية الوراثة تشمله بعمومها واما القياس فقد اختلفوا في تخصيص عموم القرآن به كما في الخبر ونحن نتوقف فيه إذ لم يثبت من الصحابة فيه نفي ولا اثبات وقول الصحابي رضي الله عنه فيما رأيناه حجة فهو كالخبر

(1/253)


مسألة (2)
تأويل الراوي الحديث مقدم فإنه حضر فكان اولى بفهم القرآن وتخصيصه لا يقدم لاحتمال انه اعتمد فيه القياس ومذهبه مقدم عند مالك رضي الله عنه وعند القاضي على رواية لان احسان الظن به يقتضي حمله على ضعف وجده في الحديث وان اسئ الظن به فلا نقبل روايته قال الشافعي رضي الله عنه لا يقدم والحديث حجة عليه وعلى غيره فكأنا سمعناه من فلق في الرسول عليه السلام والمختار انه ان امكن حمل مذهبه على تقدمه على الرواية أو على نسيانه فعل ذلك جمعا بين قبول الحديث واحسان الظن وان نقل مقيدا انه يخالف الحديث مع علمه فالحديث متروك ولو نقل مذهبه مطلقا فلا يترك لاحتمال النسيان نعم يرجح عليه حديث يوافق مذهب الراوي

(1/254)


مسألة (3) زعم أبو حنيفة رضي الله عنه ان حمل المطلق على المقيد زيادة على النص وهو نسخ وجعل ايجاب الرقاب المؤمنة في الظهار اعتبارا له بالقتل من هذا الفن ثم اختلفوا في وجه النسخ فقال قائلون وجهه ان فيه شرط الايمان والنص لم يقتضه وهذا هوس إذ يجب من مساقة على الرسول عليه السلام ان يبين احكام الشرع دفعة
واحدة فإذا أمر بالصلاة مقتصرا عليه فأمره بالصوم بعده ينبغي ان يكون نسخا وهذا ظاهر البطلان وقال المحققون اقتضى النص اجزاء كل ما يسمى رقبة فشرط الايمان يغير مقتضى النص وهذا اقوى لهم في مسألة النية في الوضوء فإن الله تعالى تولى بيان افعال

(1/255)


الوضوء واركانه فاقتضى ذلك وقوع الاجزاء بتحصيل ما يعرض له وشرط النية زيادة عليه قال الشافعي رضي الله عنه الزيادة على النص تخصيص وانما قال ذلك لانه يسمي الظاهر نصا والمختار ان الزايدة على النص نسخ حتى لو ثبت نص في اقتضاء الاقتصار فضم شرط إليه ينسخه وما نحن فيه تخصيص واجمع اصحابنا على جواز حمل المطلق على المقيد إذا تدانت الواقعتان وان اتحدت الواقعتان فهو مقول به باجماع الامة وان تباعدتا من كل وجه فهو ممنوع بالاجماع كشرط الشهادة في اليمين مثلا لان الله تعالى قيد المداينات بها والضابط فيه ما قاله القاضي انه إذا اختلف في الواقعتين الموجب والموجب فلا اعتبار وان اتحدتا جميعا فلا بد من الحمل

(1/256)


وان اتحد الموجب واختلف الموجب ففيه الخلاف ومثاله شرط الأيمان في كفارة الظهار لثبوته في القتل ثم قال قائلون من اصحابنا يجوز الحمل عليه تحكما وهذا باطل إذ لا يقتضيه عقل ولا نقل واللفظ غير مشعر به فلا بد من إذن من استنباط ثم قال قائلون لا يجوز الاستنباط من محل التقييد فليكن من محل آخر وهو عدم احزاء عن المزيد عليه بالاتفاق وهو باطل فإن المستنبط من محل التقييد ان كان مخيلا صلح للجمع والا فهو باطل لعدم الا خالة ولنا في الرد على ابي حنيفة رضي الله عنه ثلاثة مسالك

(1/257)


احدها ان نعارضه بقوله والسارق والسارقة وقد خصصه فشرط فيه الحرز وانتفاء الشبهات ونص الرب تعالى على ذوي القرى فزاد أبو حنيفة رضي الله عنه الحاجة ونص الله عز وجل على الرقبة فزاد بالاتفاق السلامة حتى قال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجزئ الاخرس فترك النص بإجتهاد انفرد فيه والاخرس يسمى رقبة كيف وقد قال الاقطع يجزئ
المسلك الثاني ان التخصيص ينقسم إلى تخصيص الابهام كقوله للفقراء فخصصه بثلاثة منهم من غير اختصاص بوصف والى تخصيص تمييز كقوله اقتلوا المشركين فخصص بأهل الحرب دون اهل الذمة ولم يكن ذلك نسخا

(1/258)


واسم الرقة في تناوله لجملة الرقاب مع اختلاف صفاتهم كاسم المشركين وكاسم الفقراء في تناوله لجميع الفقراء فليكن هذا تخصيصا كذلك المسلك الثالث ان تقول ان ادعوا ان قوله تعالى فتحرير رقبة نص في نفي شرط الايمان فقد افتروا على اللسان فإن اعترفوا بكونه ظاهرا فقد خصصنا بقياس سديد فليجز إذ لا منع منه كيف وهو ضعيف الظهور فإن الغرض من سياق الآية تمهيد اصل الكفارة لا ذكر الصفات بدليل انه لم يتعرض للسلامة فإن قيل كرر الرب تعالى الايمان في كفارة القتل ثلاث مرات فلو كان شرطا في الظهار لذكره مرة واحدة قلنا سبب تكريره ذكره الكافرين بين ظهراني المسلم فلو اقتصر لتخيل ان الكافر مجز عن الكافر والمسلم عن المسلم

(1/259)


مسألة (4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايما امرأة نكحت بغير اذن وليها فناكحها
باطل حمل أبو حنيفة رضي الله عنه الحديث على الامة فأعترض عليه بقوله فإن وطئها فلها المهر والامة لا تستحق فحمل على المكاتبة وزعم ان هذا تأويل صحيح لأن المرأة اسم عام يتناول الاماء والمكاتبات والحرائر ويندرحن من تحته اندراجا واحدا ولا يندرجن في في حكم التبعية إذ التبعية لا معنى لها في الالفاظ ومثل هذه اللفظة يجوز تخصيصها بالحرائر فكذا بالإماء قال ولا يغني قولكم انه لو اراد المكاتبة لنص عليها فإن هذا يطرد في كل عام يخصص وهذا التأويل عندنا باطل قطعا بمسالك خمسة الاول أنه عليه السلام اطلق كلمة لاح فيها قصد العموم

(1/260)


والعام إذا ظهر فيه قصد العموم للمتكلم فيه لا يخصص ودليل قصد العموم انه صدر الكلام ب أي وهي من أدوات الشرط وهي من أعم الصيغ ولهذا لم يتوقف فيها الواقفية ثم لما فرغ منها اكده بكلمة ما وهي من المؤكدات المستقلة بنفسها إذ هي من ادوات الشرط وردت مؤكدة للعموم لا تستقل كقولك اكتعين لا يذكر إلا بعد قوله رأيت القوم بجملتهم فهي ايضا تقتضي العموم ثم قال فناكحها باطل
ذكر جملة مستقلة ثم رتب عليها جملة اخرى فوقعت الجملة الاخيرة جملة موقع الجزاء من الشرط والجملة الأولى في محل الشرط وهو كقول القائل بيع لازم فيفيد الملك فهذه ثلاث قرائن دلت على القطع على قصد العموم فلا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الشارع للأحكام والقادر بفصاحته على الاتيان بعبارة ناصة على الغرض بأن يأتي بأعم الصيغ ويعني به اخص الصور وقد كان عليه السلام عالما بمواقع الكلام وما يفهم منها وعلم انه لا يفهم من قوله ايما امرأة المكاتبة

(1/261)


المسلك الثاني علمنا على القطع ان الصحابة ما فهموا المكاتبة منه وغايتنا الاقتداء بهم في التأويل المسلك الثالث ان هذا الكلام لو صدر عن واحد منا لم يفهم منه المكاتبة ولو فسر به لنسب إلى الالغاز المسلك الرابع ان القرائن قد تجعل العام نصا يمتنع تخصيصه مثاله ان المريض إذ قال لغلامه لا تدخل علي الناس وقرينة الحال تشهد لتأذية بلقيانهم بن فأدخل عليه العبد جماعة من الثقلاء وزعم اني خصصت لفظك بمن عداهم استوجب التعزير المسلك الخامس
ان العدول عن الظاهر قد يقرب بعض القرب فيقبل وإذا بعد رد ولم يقبل بيانه ان من يقول التقيت اليوم بأسد إذا فسره بشجاع عظيم يقبل تفسيره لقربه

(1/262)


ولو حمل على الابخر لاختصاص الاسد من بين سائر الحيوانات بالبخر رد كلامه ونسب إلى الهذيان لبعده عن الظاهر وحمل قوله ايما امرأة على المكاتبة حمل الاسد على الابخر وتفسيره به فإن قيل اليس لو صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم باستثناء الكل إلا المكاتبة لكان اللفظ صحيحا والتخصيص كالاستثناء قال القاضي مثل هذا الاستثناء عندي باطل لانه يستغرق معظم المقصود كقوله علي عشرة إلا ستة والمختار صحة هذا الاستثناء في الاقارير ولكنه يستحيل صدوره عن ذي الجد في كلامه فإنه الغاز وحيد عن منهج كلام الفصحاء ثم ليس كلما يجوز استثناؤه للشارع يجوز ذلك لنا فإنه له ان يتحكم بتغيير لفظه وليس لنا ذلك والجملة المغنية ان المسميات الخاصة تقصد بالتخصيص والتنصيص عليها فأما ان يعبر عنها بألفاظ عامة فمحال

(1/263)


مسألة (5)
حمل أبو حنيفة قوله عليه السلام لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل على القضاء والنذر وهو باطل لان قوله لا صيام صيغة للتبرئة وهو يقتضي العموم في الوضع والذي يبتدر إلى الفهم منه الصيام المتأصل المترسخ هذه في الشريعة وهو صوم رمضان فإنه ركن الدين فلا يظن به عليه السلام انه يطلق لفظ الصيام عاما ويريد القضاء على الخصوص من غير قرينة وخصوص واقعة إذ لا يفهم ذلك منه قطعا فإن قيل ليمتع كل تخصيص من أجله

(1/264)


قلنا اللفظ عام لا يخصص إلا بقرينة تقترن به فإن لم تكن قرينة امتنع تخصيصه والقرينة كقوله احسنوا إلى الناس مثلا يعلم بالقرينة انه ما اراد جميع الناس في جميع الاحوال وكقوله عليه السلام في سائمة الغنم زكاة يقتضي وجوبها فيما دون النصاب ولكن اعتمد على فهم النصاب قبل ذلك قالوا هذا حديث محمول على نفي الكمال كقوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فنقول قد حمفي بعض المسميات على نفي الجواز وهذا القضاء والنذر فلا وجه للتنويع

(1/265)


قالوا ذلك مأخوذ من دليل آخر وقوله لا صيام مختص
بالفرض فإنه الركن في الشرع على ما ذكرتموه قلنا ان جحدتم كون لفظ الصيام عاما في الكل في وضعه فهو عناد وان اعترفتم فلم يبق لكم إلا تحكم بتخصيص ليترتب عليه تأويل منحرف لا دليل عليه ونحن نعلم ان من تمسك بهذا الحديث في اشتراط التبييت في القضاء لم ينسب إلى الخطأ ونحن لم نقل ان تخصيصه بالصوم المتأصل واجب ولكنا ادعينا اندراجه تحت عمومه فكذلك القضاء يندرج تحت عمومه فالتحكم بالتخصيص بأحد النوعين من غير قرينة مردود
مسألة (6)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم عتق عليه فحمل هذا على الاب تخصيصا به باطل لان الغرض من سياق الحديث اثبات مزية اختصاص بسبب القرابة والاب متميز بمزيد الادلاء من جملة القرابات بكونه متميزا بمزيد خاصية توجب على ذي الجد في كلامه ان يخصصه بالذكر ان كان هو المقصود على الخصوص

(1/266)


فأما ادراجه في لفظ يعمه مع أقوام ينحطون سنة عنه في الاختصاص المقصود ركيك غث ومثاله قول القائل من دأبي اكرام الناس وكان مشهورا باكرام ابيه على الخصوص واراد بالناس الاب كان ملغزا في كلامه ولا يحمل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثله
والشافعي رضي الله عنه لم يؤول لذلك لكن قال الحديث موقوف على الحسن بن عمارة مسألة (7) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيلان حين أسلم عن عشرة نسوة امسك اربعا وفارق سائرهن

(1/267)


ولفيروز الديلمي حين اسلم على اختين امسك احداهما وفارق الاخرى فاقتضى لفظ الامساك استمرار النكاح على المسكنات عمرو فحمل أبو حنيفة رضي الله عنه لفظ الإمساك على ابتداء وقال ومعناه اعد النكاح على اربع واترك الباقيات ويدل على بطلان هذا التأويل اربعة مسالك احدها علمنا على القطع بأن الذين حضروا الواقعة من الصحابة رضي الله عنهم لم يفهموا من لفظ الامساك ما فهموه فإنا لو سمعناه من واحد منا لم نفهمه المسلك الثاني هو ان لفظ الامساك صريح في الامساك وقد اقترن به قرائن اورثت القطع به

(1/268)


احدها مقابلته بلفظ المفارقة وتفويضه الفراق إلى خيرته فليكن ذلك مرتبطا
بتعيينه الذي ينشأ بلفظ الامساك ولفظ الإمساك مع مقابلته بلفظ المفارقة صريح والاخرى انه لو اراد ابتداء النكاح لذكر النكاح وشرائطه فإنهم كانوا حديثي العهد بالاسلام ولو ذكره لكان ذلك اهم منقول في القصة الثالث انه لا يتوقع في طرد العادة انسلاكهن في ربقة واحدة في الرضا والاباء إذ كان يحتمل امتناعهن كلهن عن النكاح فكيف يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم اطلاق الأمر كذلك والأمر على التردد الرابع انه عليه السلام حصر هذا الأمر فيهن وعندهن وسائر نساء العالم

(1/269)


على وتيرة واحدة فلم خصصه بهن وقال امسك أربعا وامسك واحده وفارق الأخرى والقرائن ليست اجناسا بصنف وبجنس ولكنها مخايل يختص بدركها من شاهدها كاحمرار الخجل واصفرار الوجل وهذه قرائن واضحة يورث آحادها القطع فما الظن بمجموعها المسلك الثالث ان تقول ان لم تسلموا كون ما ذكرناه مقطوعا به فتعلمون قطعا انه أغلب على الظن مما تخيلتموه ويجب تقديم ما يغلب على الظن بالاجماع المسلك الرابع
هو انا نقول قياسكم المناقض لهذا الحديث هل تشكون في صحته لأحل ما قررناه فإن قالوا لا فقد عاندوا وان اعترفوا به وهو مقطوع به فالقياس المشكوك في كونه مقولا به من الصحابة رضي الله عنهم باطل قطعا

(1/270)


مسألة (8) ومن تأويلاتهم لهذا الحديث قولهم يحتمل ان غيلان كان قد نكحهن في ابتداء الاسلام في كفره قبل ورود الحصر في النسوة ثم ورد الحصر ثم أسلم وكان قد وافق نكاحهن شرط الاسلام في ابتدائه وفي مثل هذه الواقعة نقضي ببقاء النكاح في اربع والجواب من ثلاثة اوجه احدها ان هذه الواقعة لو وقت لاقتضى القياس التدافع فإن مثاله طريان الرضاع المحرم على الزوجين من جهة الاخوة ولا خيرة للزوج في التعيين بل يبطل النكاح فيهما وليس كالطلاق الذي ينشئه المرء باختياره ولذلك يفوض التعيين إليه ولو صح على تقدير هذا التأويل لكفانا في المسألة قياس محل النزاع عليه ولا فرق

(1/271)


الثاني
هو أنهم يعتمدون فيه مجرد الاحتمال فلم ينقل الينا رفع الحجر في ابتداء الاسلام واجمع المفسرو على ان قوله إلا ما قد سلف في الاختين محمول على ما جرى في الجاهلية فلم يبق لهم إلا الاحتمال والامكان وهو كإدعاء قبل النسخ في كل حديث ولا ترد الاحاديث بالاحتمالات والاحتمال لا يكفي في التأويل ما لم يعضد بدليل الثالث ان الصاحبة رضي الله عنهم كانوا مناكحين يحيى لشدة غلمتهم ولو كان كما قالوه لنقل عن واحد من جملة الصحابة الزيادة على أربع كما نقل عن عمرو وطلحة شرب الخمر في حالة الاباحة فعدم النقل يعلمنا قطعا انه لم يكن قال القاضي ولو نقلوا وقوع ذلك في ابتداء الاسلام فلا يكفهم ما لم ينقلوا وقوع هذه الحادثة في ذلك الوقت ومجرد الاحتمال لا يدرأ التمسك بالحديث

(1/272)


فاستدل بأن الحديث قد استقل في نفسه حجة لنا في المسألة قطعا فمن اراد درأه احتاج إلى نقل مقطع به وما ذكره القاضي غير مرضي من وجهين وفي بيانه تمهيد قاعدة في التأويل يستدل به على أمثاله احدها هو انه لا يسلم للقاضي ان الحديث استقل بكونه حجة فإنه متردد بين وقوعه اولا فلا يكون حجة وبين وقوعه اخيرا وليس أحدهما بأولى من الآخر إذ ليس يشهد له قرينة ولا دليل
فهو المتمسك بمجرد الاحتمال لا خصمه والآخر أنا نعلم انه لو نقل إلى الصحابة رضي الله عنهم اباحة مؤقتة وتحريم متأخر عنه مقيد وحديث يوافق الحالة الاولى مطلقا من غير تقييد كانوا لا يبادرونه الرحمن بالقبول بل كانوا يخوضون في البحث عنه فإذن يكفيهم نقل الاباحة في ابتداء الاسلام فلا يبقى معنا إلا احتمال وقوعه آخرا ويعارضه نقيضه

(1/273)


فوجه الكلام عليه إذا ما مضى مسألة (9) قال القاضي رحمه الله كل تأويل تضمن الحط عن المنصوص فهو باطل وذكر جملا منها ورسمها بمسائل احدها تخيل أبو حنيفة رضي الله عنه سد الحاجة من قوله انما الصدقات للفقراء والمساكين ومصيره إلى جواز صرفه إلى صنف واحد وهذا التأويل باطل بمسلكين أحدهما وهو أنه تعالى ذكر الاصناف وجنسهم ووصفهم بصفاتهم التي يتميزون بها عما عداهم ثم اضاف المال إليهم بلام التمليك فاقتضى ذلك توزيع المال عليهم إذ تعريف الاصناف بصفاتهم كتعريف الاشخاص بألقابهم ولو اضاف إلى اشخاص معينين وجب صرفها إلى جميعهم

(1/274)


هذا مع أن الصدقات مال يتكرر وجوبها على الاغنياء جعل مناطا لحاجات الفقراء دون الكفارات التي لا تجب إلا عند ارتكاب جرائم وليس لفظ الصدقات متناولا لأنواع حتى يتخيل توزيع الانواع على الاجناس مع اختصاص كل نوع بكل جنس كقولك الدار والفرس لزيد وعمرو فلا حاجة إلى تخيل التوزيع فإن قيل سد الخلة متخيل وذكر الاصناف فائدته ضبط جهات الحاجة المدعى سدها قلنا يبطل بقول الموصي اوصيت بثلث مالي للفقراء والمساكين وعد الاصناف الثمانية يصرف إليهم وتخيل غرض سد الحاجة ممكن ولكن قيل اضاف إليهم بلام التمليك فينقض عليهم

(1/275)


قالوا قول الشارع عليه السلام يقبل التخصيص بالقياس دون قول الموصي وأقوالنا وعلى هذا لو خصص المعلل علته بعد الانتفاض لم يقبل منه قلنا المفهوم من كلام النبي عليه السلام متبع كالمفهوم من كلامنا ولا يخصص العام منهما إلا بقرينة إلا ان لفظ الشارع عليه السلام إذا عارضه قانون في القياس كان طرده على الظن اغلب من فهم العموم فيكون قرينة في فهم التخصيص ولا قياس يقتضي الحرمان في مسئلتنا وأقوالنا يتطرق إليها التخصيص بدليل تخصيص لفظ الدراهم من المقر والموصي بثلثه
فأما المعلل فإنما يتصدى ليبدي العلة فإذا ورد عليه نقض فذلك لعدم ذكره كل العلة وشطر العلة لا يكون علة فقرينة حاله قضى عليه بذلك

(1/276)


المسلك الثاني وهو الجواب عن سؤالهم وهو ان نقول مراعات سد الخلات مع مراعاة جملة الجهات ممكنة ولا يبعد ان تكون مراعاة الجهات مقصودة فقد تعارضت الاحتمالات فمطابقة الظاهر اولى من تركه مسألة (10) قال الله تعالى واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى فمقتضى الآية صرف بعض إلى ذوي القربى من غير اعتبار حاجة وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا بد من اعتبار الحاجة منهم وهذا منه بزعمه زيادة على النص وهو نسخ وهو باطل بمسلك مقطوع به وهو ان الرب تعالى اضاف المال إلى الجهات بلام التمليك وعرف كل فريق وجعل القرابة مستند تعريف احدى الفرق ولم يتعرض للحاجة

(1/277)


وابو حنيفة رضي الله عنه تعرض للحاجة التي لا تعرض لها والغى اعتبار القرابة وهو مصرح بها إذ قال لا يتعين صرف شئ إليهم بل يجوز حرمانهم
وفي هذا المذهب ابطال النص بالكلية قال القاضي في نصرة تأويلهم فائدة ذكر ذوي القربى تمييز الغنيمة في حقهم عن الصدقات إذ كانت محرمة عليهم وكان هذا منحة في مقابلة ذلك المنع وفقارؤهم وكان ممنوعون عن الصدقات فكانت المنحة لهم ثم قال وهذا الوجه ايضا فاسد فإنه اضاف المال إليهم بلام التمليك فاقتضى اللفظ كما ذكرناه قسمة المال عليهم وابو حنيفة رضي الله عنه جوز حرمانهم فلم يغادر للقسمة فائدة نعم لو كان يرى المنع من حرمانهم لكان يقرب ذلك وأما اليتم فلا تعتبر معه الحاجة على قول

(1/278)


فإن سلم فلفظ اليتم مشعر بها دون لفظ القرابة مسألة (11) قوله تعالى فإطعام ستين مسكينا يقتضي مراعاة عدد المساكين وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يراعى ومعناه اطعام طعام ستين مسكينا فجوز صرفه إلى واحد وقال ذكر عدد المساكين لبيان الطعام وهذا باطل بمسلكين أحدهما ان الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين تنقسم إلى ما ينتظم من مفعولين مبتدأ وخبر كقولك ظننت زيدا عالما
فتقول زيد عالم فيفهم فهذا لا بد فيه من ذكر المفعولين فأما ما لا يتأتى من مفعوليه كلام يفهم كقولك أعطيت زيدا درهما فهذا فن يجوز الاقتصار فيه على احد المفعولين إذ تقول إذا اردت

(1/279)


بيان المعطى اعطيت درهما ويبقى المعطى له مجملا وإذا قصدت بيان المعطى له قلت اعطيت زيدا والقدر المعطى مجمل والاطعام من جنس الاعطاء وقد ذكر الرب تعالى احد مفعوليه وهم المعطى لهم وجرد القصد إلى بيانه وترك مقدار الطعام وجنسه مجملا فألغى أبو حنيفة رضي الله عنه ما صرح به وقدر في محل الاحتمال بيانا من لفظ لا يدل عليه لا تصريحا ولا اضمارا وهذا تناقض المسلك الثاني هو انا نقول نعلم ان ابا حنيفة رضي الله عنه لم يراغم الشرع وانما حمله على مخالفة النص تخيل سد الخلة فهلا جمع بينه وبين مقتضى النص ويحتمل ان يكون احياء مهج اقوام معدودين مقصودا للشارع واللفظ دال عليه واتباعه اولى وفيه تقرير للنص مسألة (12) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعين شاة شاة فعين الشافعي

(1/280)


رضي الله عنه الشاة ولم يقم بدلها مقامها قال لأن الزكاة من جملة العبادات وهي من الاركان الخمسة فتنزل منزلة الصلاة والصوم والعبادات يغلب الاتباع فيها ويجب ترك
القياس عندها ولو لاح معنى على بعد فلا تعويل عليه وينضم إليه ان الزكاة عبادة محضة وهو خالص حق الله تعالى وقد تحكم فيه وتحكم ذي الحق ينفذ على وجهه وقد خص الشاة فليتبع امره فان قيل انما خصص الشاة لانه كان يخاطب العرب واصحاب المواشي منهم كانوا يقطنون البوادي فلا يملكون النقود فذكر ذلك تسهيلا عليهم ولأن الزكاة تجب مواساة وهي تختلف باختلاف صفة الشاة في العبالة والنحولة روى والقيمة مجهولة وكانت العرب أمة أمية فلم يورطهم ولم في جهالة القيمة وجعل الشاة الواحدة مرد نظرهم ومدرأة بين للجهالة فهذه فائدة التخصيص ثم لاح لنا على القطع من وضع الزكاة سد الخلة والدراهم في معنى الشاة وأقرب منه فإنها مهيأة للصرف إلى المآرب على قرب

(1/281)


ولنا في ابطال كلامهم اربعة مسالك احدها أن نقول هلا تخليتم معنى الغنى في جانب المالك وألحقتم بالشاة غير الشاة فان الثروة لا تختص بالشاة كما لا يختص سد الخلة بها فلتجب الزكاة في كل مال يحصل به الغنى وهذا فاسد فإن سد الخلة معلوم قطعا والدراهم في معنى الشاة فيه فلا بعد في اختصاص بعض اصناف الاصول بكثرة الدر والنسل واعتبار غير به بالعدد جهالة وبالقيمة نحكم لا يعلم قطعا قيامه في المقصود
مقامه المسلك الثاني هو ان الشارع عليه اللام نص على الشاة في خمس من الابل ولما ان انتهى إلى الجبران ردده بين الشاة وبين الدراهم ثم قدر الدراهم فمن اعتقدا التسوية بين ما اطلق وبين ما ردد فيه كلامه فقد نسبه إلى الهذيان ولا يلوح فائدته إلا كما ذكرناه

(1/282)


المسلك الثالث قال الشافعي رضي الله عنه لا ابعد كون سد الخلة مقصودا ولكن لا يبعد أيضا كونه مقصودا بجنس مال الزكاة ليحصل للفقراء الاستغنا بجنس مال الاغنياء ويبقى في ايديهم اعيانها وهي تدر عليهم وتنسل والدراهم تتبدد في ايدهم على قرب فيعودون إلى أدبارهم ويشهد له تخصيصه عليه السلام الاثنى بالذكر والمالية فيهما على السواء فانضم إليه ان الباب باب العبادات والواجب فيها ترك القياس المسلك الرابع قال القاضي رحمه الله هذا الاحتمال حسن لا قصور فيه ولكنه مجرد عن الدليل والاحتمال المجرد لا يقبل ولا يكفيهم استنباط خيال الحاجة من نفس النص فإن هذا دليل مستنبط من النص يكر على ظاهره بالأبطال والرفع وهذا الفن باطل على ما سيأتي ولا بد لهم من التمسك بعبادة من العبادات تضاهي ما نحن فيه من صلاة أو صوم والا فيعلم ان الخضوع متخيل من الصلاة والسجود ابلغ من الركوع في الخشوع فلا يقوم مقامه لتجرد الاحتمال عن الدليل
ولا يكفيهم التمسك بالجزية فإنها معاملة تتعلق بالتراضي بخلاف الزكاة

(1/283)


مسالة 13 قال القاضي حمل كلام الشارع صلى الله عليه وسلم على ما يلحقه بالكلام الغث محال ومن هذا الفن قول بعض اصحابنا في قوله تعالى وأرجلكم مكسورة الكلام لقرب الجوار ردا على الشيعة إذ قالت الواجب فيه المسح وهو كقوله وحور عين وكقوله حجر ضب خرب قال الشاعر كأن ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل

(1/284)


معناه مزمل به لأنه من نعت الكبير وهو مرفوع لكن كسر لقرب الحركة وليس الأمر كما ظنوه في هذه المواضع بل سببه ان الرفع اثقل من الكسر فاستثقلوا الانتقال من حركة خفيفة إلى حركة ثقيلة فوالوا بين الكسرتين واما النصب في قوله وأرجلكم نصب في المعنى والنصب اخف الحركات فالانتقال إليه اولى من الجمع بين كسرتين ثقيلتين بالنسبة إلى النصب فلم يبقى لقرب الجوار معنى إلا مراعاة السجع والتقفية وذلك لا يليق بالقرآن نعم حسن النظم محبوب من الفصيح إذا لم يخل بالمعنى
فأما الخلال بالمعنى واتباع التقفية فمن ركيك الكلام فالوجه فيه ما قاله سيبوبة وهو ان العرب تعطف الشئ على الشئ إذا قرب منه من وجه وان بعد من وجوه كقول الشاعر ورأيت زوجك في الوغي * متقلدا سيفا ورمحا

(1/285)


والرمح لا يتقلد لكن لكونه من الاسلحة عطف عليه فكذلك امساس الماء بطريق الغسل قريب من امساس الماء بطريق المسح فعطف عليه لا لكونه ممسوحا بدليل ذكره الكعبين وعند الشيعة لا يتقدر به ومما ذكره اصحابنا ان الكسر في الرأس دخل بسبب الباء فإنه مفعول وموضعه النصب ويستحيل ان يستنبط من الكسر الواقع في الارجل ما يوجب المسح بسبب كسرة غير متأصلة وهذا فاسد لانهم يقولون لو لم يكن مشاركا له في المسح لنصب كقول الشاعر معاوي إننا بشر فأسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا

(1/286)


مسالة 14 كلام رسول الله صلى اله عليه وسلم لا يحمل على الاستعارة ما أمكن فإنها لا تليق إلا بواعظ حديث أو خطيب أو شاعر ينتحي التسجيع لإيقاعه في القلوب فأما الشارع إذا بين حمكا لعجوز مثلا فيبعد منه التجوز وهو تشدق وثرثرة
وقد نهى الرسول الله عليه السلام عنه نعم لا بعد في الاستعارة إذا ذكر الثواب والعقاب ووصف الجنة والنار لعظم وقعه في الصدور مسالة 15 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو داليه نصف العشر

(1/287)


فلا يتمسك بعمومه في وجوب الزكاة في كل مستنبت إذ لاح من تقابل اللفظين أن الغرض تمييز العشر عن نصف العشر فبطل بالكلية عمومه ولا حاجة في تخصيصه إلى دليل إذ يقبح في سياق هذا الكلام التخصص بما يقتات نعم لو اقتصر على قوله فيما سقت السماء العشر لكان كذلك مسالة 16 المناهي بجملتها في العقود محمولة على الفساد وقد اجمع عليه الصحابة فمن حمل النهي عن نكاح الشغار أو عن غيره من العقود على الكراهية منع منه فإنهم اجمعوا على فهم الفساد في كل العقود ولا خيال تفرضه في عقد إلا وفرضه في غيره ممكن فإذ تركوه دل على انه باطل مسالة 17 المسئول الشافعي عن سلب العبارة إذا استدل بقوله عليه السلام ايما امراة نكحت الحديث فلا يكون دالا على سلب العبارة

(1/288)


ولا يكفيه ان يقول لسقوط عبارتها صوروا استبدادها بالنكاح من تلك الصور فإن الحديث يدل على عدم استقلالها فليقدر الاستقلال ممنوعا على مذهب ذي مذهب ولكن استقلالها كاستقلال الرجل بالعقد دون الشهود فإن قال نعم ذلك على سلب الاستقلال ولكن إذا بان ذلك انثنى عليه سقوط العبارة فإن الولي لا حق له قيل له ان ثبت لك سقوط حق الولي كان كذلك ولكن لا يستقيم ادعاؤه فقد تحصلنا من مجموع هذه المسائل ان ما لاح قصد العموم فيه من الالفاظ بقرينة لا يتسلط عليه القياس إذ ليس القياس تفسيرا للفظ حتى يخصصه ومعنى التخصيص به ان يظهر في معارضته الحديث قانون في القياس كان طرده على الظن اغلب من قصد العموم في الحديث فيكون كالقرينة المخصصة للفظ فإذا عارض أحدهما اعني القياس غلبة ظن العموم من غير ترجيح فالحديث مقدم لان مستند هذا الظن اللفظ فيرجح عليه وان تقاصر عنه قليلا فلير المجتهد فيه رأيه فان هذا فن لا مطمع في ضبطه ولكن لا خفاء به على الناظر المحيط بما قدمناه من القواعد

(1/289)