المنخول من تعليقات الأصول
كتاب المفهوم
المفهوم من الالفاظ من مأخذ الاحكام عند الامام الشافعي
رضي الله عنه وهو منقسم إلى مفهوم موافق ومفهوم مخالف
لظاهر اللفظ
فأما مفهوم الموافقة فينقسم إلى مقطوع به كتحريم الضرب فهم
من نهي الشارع عن تأفيف الاب والى ما يغلب على الظن كما
ادعاه الشافعي رضي الله عنه من تنبيه الله تعالى بإيجاب
الكفارة على الخطأ على ايجابها على العمد فإنه أعلى تنبيه
وتنبيه النبي صلى الله عليه وسلم على جريان التحالف في
البيع عند هلاك السلعة بذكره حالة قيام السلعة مع امكان
الاستظهار بالقيمة في تصديق احد المتبايعين واما المفهوم
المخالف للمنظوم لأنه كفهمنا أخبرنا نفي الزكاة عن
المعلوقة يا من تخصيص
(1/291)
الرسول عليه
السلام السائمة بالذكر في قوله عليه السلام في سائمة الغنم
زكاة وقد بدل ابن فورك لفظ المفهوم بدليل الخطاب في هذا
القسم لمخالفته منظوم اللفظ وابو حنيفة رحمه الله انكر
المفهوم إلا ما يقطع به كآية التأفيف والقائلون به انقسموا
فعمم أبو بكر الدقاق القول به حتى التخصيص بالألقاب فهم
منه نفي الحكم عما عدا الملقب به واما الشافعي رضي الله
عنه فلم ير التخصيص باللقب مفهوما ولكنه قال بمفهوم
التخصيص بالصفة والزمان والمكان والعدد وامثلته لا تخفي
وضبط القاضي مذهبه بالتخصيص بالصفة وادعى اندراج جميع
الاقسام تحته
إذ الفعل لا يناسب الزمان والمكان إلا لوقوعه فيه وهو
كالصفة له
(1/292)
وتمسك اصحابنا
في نصرة مذهب الشافعي رضي الله عنه بطريقين مزيفتين
أحداهما قوله اللغات يكفي في دليلها نقل المذهب عن اربابها
والمسألة لغوية والشافعي رضي الله عنه امام الصنعة وقد قال
بها وكذلك نقل عن ابي عبيدة معمر بن المثنى التيمي في كتاب
صنفة في غريب الحديث إذ حمل قوله عليه السلام لان يملئ
يكون بطن احدكم قيحا يربه خير من ان يمتلئ شعرا على ما إذا
لم يحفظ الرجل سواه وهذا قول بالمفهوم
(1/293)
ونحن نجتزي في
تفسير القران بقول الاخطل وغيره من أجلاف العرب فالاكتفاء
بقول الائمة اولى ووجه تزيفيه مع ان ادعاء الاطباق من اهل
الصنعة غير ممكن وقول الاحاد يعارضه مثله فقد نفي محمد بن
الحسن رضي الله عنهما المفهوم وهو من الائمة فلا مقنع في
النقل مع التعارض الثانية قولهم لا بعد في اقتباس العلم من
امر تواترت عليه الصور على التطابق وان كان نقله احاد
الصور الخطوا سعيد عن مبلغ التواتر وبه العلم على القطع
شجاعة علي وسخاء حاتم واحاد وقائعهما بكر لم ينقلها الينا
إلا آحاد الرجال
فادعوا مثل ذلك من الصحابة رضي الله عنهم اجمعين في
المفهوم وعدوا وقائع كقول يعلي بن امية لعمر رضي الله عنه
ما بالنا نقتصر وقد
(1/294)
امنا فهما
للتخصيص من قوله أن تقصروا من الصلاة ان خفتم واختلف
الصحابة رضي الله عنهم في وجوب الغسل بالنقاء الختانيين قد
فهما للنفي من قوله الماء من الماء وقول ابن عباس لعثمان
رضي الله عنهم حيث حجب الام بأخوين من الثلث ليس فس
الاخوين إخوة وقوله عليه السلام في قول الله جل وعز ان
نستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم أنا أزيد على
السبعين وهذا مزيف فإن هذه الوقائع لو جمعت ونقلت دفعه
واحدة لم تورث العلم كوقائع حاتم وعلي مع كثرتها
(1/295)
على ان ما نقل
في آية الاستغفار كذب قطعا إذ الغرض منه التناهي في تحقيق
اليأس من المغفرة فكيف يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم
ذهولة وفي عنه وقول ابن عباس رضي الله عنهما في حجب الام
يعارضه قول عثمان حجبوها قومك يا غلام وقول يعلي بن امية
يستند إلى صيغة الشرط وكلمته وهو قوله ان خفتم وهذا مقول
به أو اعتد بأصل الاتمام في الاقامة واختصاص القدر
المستثنى بحال الخوف ففهم وجوبه من الاصل لا من التخصيص
وقوله عليه السلام الماء من الماء حصر مصرح به وليس ذلك من
فن المفهوم كما سيأتي وقد نقل ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم مر بباب واحد من الصحابة
(1/296)
ودعا فتباطأ
قليلا فخرج والماء بقطر من رأسه فقال لعلنا اعجلناك إذا
اقحطت فلا غسل عليك فلعلهم فهموا نفي الغسل من هذه الواقعة
ولا مقنع في هذه الطريقة وتمسك الشافعي رضي الله عنه في
نصره مذهبه بان قال إذا خصص الشارع صفة بالذكر من غير سؤال
خاص وعرف مقتضى التخصيص مع مشاركة غير الموصوف للموصوف في
الذكر كان كلامه نازلا منزلة ما لو خصص اليوم المتغيم
بإيجاب الصلاة فيه والغنم الاسود بإيجاب الزكاة فيه مع
اعتقاد التساوي
(1/297)
وهذا هجر من
الكلام يتاعلى كل عنه منصب احاد الناس فضلا عمن هو الشارع
للاحكام المبعوث لتمهيد الدين وهو افصح من نطق بالضاد ولا
يظن به التضمخ بغرض دينوي في روم تخصيص فإن ذلك قادح في
النبوة فلا بد من تخيل فائدة لتخصيصه وليس ذلك إلا اختصاص
الحكم به إذا لم يتخيل سواها فائدة فإن قيل لعله خصص
ليستثير القياسيون معنى مخصوص بالنص ويعتبرون به غيره
فتتسع بسبه قضايا الشريعة
قلنا هذا هذيان فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا
يزوي عن بيانه عمدا ليفوض الحكم إلى ارتباك المجتهدين في
ظلماتهم * واشتباكهم فلا في عثراتهم ولو أمده الله تعالى
بالبقاء لما غادر في الشرع معوصا منه إلا حله ونحن انما
نصير إلى القياس للضرورة فلا وجه لهذا الظن والمختار عندنا
لا نذكره إلى بعد ابطال مذهب الدقاق وقد تمسك بطريقة
الشافعي رضي الله عنه وقال
(1/298)
تخصيص البر
بالذكر مع اعتقاد مساواة الذرة اياه في حكم الربا كتنصيص
الرجل على لبنة من لبنات وقوله اعلموا ان هذه لبنة مربعة
فلا فرق اذن بين الصفة واللقب والتمسك به بتخصيصه وقد وقع
قلنا لا متعلق في مجرد التخصيص عندنا إذ الأخبار المنقولة
عن الرسول ص معضمها انطبقت على وقائع وأسئلة وإن اعرض
النقلة عن نقلها اكتفاء بنقل اللفظ فلا يؤمننا عدم النقل
مع احتماله إذ القواعد المبتدأة فصلها القرآن وكان الرسول
عليه الصلاة والسلام بينهما في مواقع الحاجات ولكنا نقول
التخصيص منقسم إلى ما يقع بصيغة الشرط كقوله ان أكرمك
فأكرمه وهذا نص في التخصيص إذا الجزاء يرتبط بالشرط عند
اهل اللسان والنقل فيه كاف والى تخصيص التعليل كقوله اكرمه
لإكرامه اياك وهذا اوضح
من الشرط والى تخصيص المكان والوقت والعدد كقولك اجرتك هذه
الارض من هنا إلى الشجرة بالف درهم الشهر الفلاني
(1/299)
وهذا أيضا
معلوم فائدته لا يخالف فيه وإلى تخصيص بصفة باللقب ولا
متمسك فيه وإلى تخصيص بصفة لا تخيل كقوله عليه الصلاة
والسلام لا تبيعوا الطعام بالطعام فإن الطعم لا يناسب حكم
الربا فهو كاللقب وإلى صفة مخيلة مناسبة للحكم كقوله في
سائمة الغنم زكاة فهو المقول به فيفهم نفي الزكاة عن
المعلوفة لا من مجرد التخصيص بل من الرابطة المتقررة في
عقل الفقيه بين السوم المرفق المقل للمؤنة المحقق للثروة
وبين وجوب الزكاة الواجبة رفقا للفقراء من فضلة اموال
الاغنياء فيفهم لذلك عند التخصيص من فحوى اللفظ ارتباط لا
يستريب الناظر فيه فيترتب عليه نفي الحكم عن المعلوفة
(1/300)
ثم لا يعتبر
الاطراد مع الا خالة إذ الفحوى لا تبطل به والشارع نصب ما
لا يطرد علة فإن قاس أبو حنيفة رحمه الله الصفة على اللقب
قيل له لا قياس في فهم معاني الالفاظ وفحواها وإن قال لو
كان المفهوم ثابتا لكان تركه نسخا كالمنظوم قلنا إليه صار
ابن مجاهد وزعم انه لا بد من ترك نفيه منه كما في المنظوم
والمختار خلافه إذ ليس المفهوم جنسا من الكلام ولكنه بعض
مقتضيات اللفظ فليس في تركه مع تبقية المنظوم نسخ كما في
تخصيص العموم فإن قال قائل فهل اللقب مفهوم قط قلنا نعم
فإذا تلقينا من تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم
الاشياء الاربعة
(1/301)
بالذكر في
الربا الرد على ابن الماجشون في تعليله الربا بالمالية
العامة إذ قلنا لم تكن الاشياء الأربعة غالب ما يجري عليها
التعامل وكان الحجاز مصب التجار في الاعصار الخالية فلو
ارتبط الحكم بالمالية لكان التنصيص عليها اسهل من التخصيص
كما قال في العارية على اليد ما اخذت حتى ترد وكان هذا
مأخوذا من قرائن الاحوال مع التخصيص باللقب مسالة قال
الشافعي رضي الله عنه خصص الرب تعالى الخلع بحالة الشقاق
وهذا مفهوم لا اقول به إذ ظهرت للتخصيص فائدة وسبب وهو
العرف القاضي بانحصار الخلع في حالة الشقاق إذ لا يتفق في
حالة المصافاة والموافقة
(1/302)
وإذا لاح
للتخصيص فائدة تطرق الإحتمال إلى المفهوم فصار مجملا
كالمنظوم المجمل قال ولا حاجة إلى دليل ترك هذا المفهوم
والمختار خلافه إذ الشقاق يناسب الخلع فإنه يدل على بغية
الخلاص وتعذر استمرار
النكاح فلا يرتفع الفحوى المعلوم منه بمجرد العرف فلا بد
من دليل وان لم يبلغ في القوة مبلغ ما يشترط في ترك مفهوم
لا يعتضد بالعرف فإنه قرينة موهمة وهذا كما قلنا ان للأمر
صيغة وهو محمول في الشرع على الطلب
(1/303)
الجازم بصيغتة:
فلو اقترنت به قرينة كقوله وإذا حللتهم غير فاصطادوا وهي
اعني القرينة تقدم الحظر جاز حمله على الاباحة بدليل خفي
واه ومثار هذا الاختلاف انا نتلقي المفهوم من الفحوى
والشافعي رضي الله عنه عنه يتلقاه من التخصيص وهو فعل فإنه
عبارة عن قصد القاصد إلى مسمى بالذكر والفعل لا صيغة له
فتطرق الاحتمال يكفي في رده كالفعل المردد بين الوجوب وبين
رفع الحرج لا يحمل إلا على الأقل لتعارض الاحتمال في
الوجوب وعلى هذا القياس أعني مسألة الخلع يجري تخصيص رسول
الله صلى الله عليه وسلم في قوله أيما امرأة نكحت بغير إذن
وليها فنكاحها باطل إذ الغالب أنها إذا عقدت لا تستأذن
وإذا استأذنت لم تعقد بنفسها فلا فرق بين المسألتين
(1/304)
مسالة تمسك
الشافعي رضي الله عنه في تعيين لفظ التكبير بقوله عليه
السلام تحريمها التكبير فقال أبو حنيفة رحمه الله فيه ما
يدل على إجزاء التكبير وليس فيه
نفي لما عداه وهذا بعد إثبات القول بالمفهوم باطل وإن قدر
القول بتركه فهذا نص فإنه حصر التحريم وهو انعقاد الصلاة
في التكبير وليس كقوله لو فرض التكبير تنعقد به الصلاة
والدليل على الفرق اطباق أهل اللغة على الفرق بين قول
القائل زيد صديقي وبين قوله صديقي زيد في انحصار الصداقة
وهذا على الإجمال كاف وإن بحثنا عن سببه فنقول قول القائل
زيد صديقي شرطه
(1/305)
أن يجري بين
متجاوبين أحمد علما عين زيد قبل افتتاح الكلام إذ ليس
الغرض من سياق الكلام تعيينه وإنما الغرض بيان حالة مجهولة
بينهما وهما معلومان عند المخاطب فتقول هو صديقي فتنبه على
تلك الحالة المجهولة بينهما لتعلم فليس فيه نفي ما عداه
فإذا قال صديقي زيد فكأنه قدر الصداقة معلومة بينهما فهو
مبتدأ الكلام كما كان زيد في تلك الصيغة هو المبتدأ به ثم
أراد أن يبين لهذه الحالة المعلومة محلا هو مجهول عند
المخاطب فقال زيد ومن ضرورة كونه محلا لهذه الحالة أن لا
يكون غيره محلا لها إذ لو كان لما صح اعتناؤه ببيان المحل
بمجرد ذكر زيد وقوله عليه السلام تحريمها التكبير يضاهي
قوله صديقي زيد
مسألة تمسك أصحابنا بقوله عليه السلام صبوا عليه ذنوبا من
ماء في مسألة إزالة النجاسة
(1/306)
فلو قيل لنا
فيه مفهومه قصد إزالة العين فهلا فهمتم ذلك ورتبتم عليه
زواله بالخل قلنا هذا مفهوم لو قيل به بطل المنظوم به إذ
منظومه وجوب استعمال الماء فهذا الفن من المفهوم لا نقول
به إلا أن التمسك بهذا الحديث غير صحيح إذ الغرض قطعا من
تخصيص الماء ما اختص به الماء من عموم الوجود والمقصود من
الحديث البدار إلى تطهير المسجد لا بيان ما تزال به
النجاسة ويقبح فيه التعرض للخل الذي يعسر وجوده مسألة يجوز
ترك المفهوم بنص يضاده وبفحوى مقطوع به يعارضه كفهم مشاركة
الأمة للعبد في سراية العتق والنص كقوله في عوامل الإبل
زكاة وهي معلوم يعارض بمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام في
سائمة الغنم زكاة
(1/307)
فأما القياس
فلم يجوز القاضي ترك المفهوم به مع تجويزه ترك العموم به
ولعله قريب مما اخترناه في المفهوم فإنه تلقاه من الفحوى
الظاهر والعموم قد لا يترك بالقياس بل يجتهد الناظر في
ترجيح أحد الظنين فيهما على الآخر فكذا القول في القياس
إذا عارض المفهوم والله أعلم
(1/308)
|