المنخول من تعليقات الأصول

القول في شرائع من قبلنا
ونقدم عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن أوحي إليه هل كان على شرعة رسول أجمعت المعتزلة أنه لم يكن على شرعة رسول فأنه يورث التنفير فإن التابع لا يكون متبوعا واختلف أصحابنا فمنهم من قال كان على شرعة نبي فإن الانسلال عن ربقة التكاليف والخروج من ضوابط الشرائع يزري بمنصبه ثم اختلفوا فقيل كان على شرعة نوح عليه السلام بدليل قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا وقيل كان على شرعة إبراهيم عليه السلام بدليل قوله تعالى إن أولى الناس بإبراهيم الاية.

(1/318)


وقيل على شرعة عيسى عليه السلام فإنه الناسخ المتأخر فإن قيل كانت محرفة مغيرة قلنا كان منهم أحبار يعرفونها على وجهها فتحريف بعضهم لا يرفع الشرع كاتفاق فترة في شرعنا فإن قيل للذين قالوا كان على شرعة إبراهيم شريعة عيسى ناسخة أجابوا بأنه لا يثبت كونه مبعوثا إلى الجميع فلعل ملة إبراهيم استرسلت على ذريته فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم
وأما القاضي فإنه قال أقطع بأنه لم يكن على شريعة نبي إذ لو كان لتواتر فإن أحوال الرجل العظيم في مثل هذا تتوافر البواعث على نقله نعم كان على عقد التوحيد والمختار التوقف فيه وما ذكره القاضي يعارضه أنه لو كان منسلا عن التكليف أربعين سنة متميزا عن أصناف الخلائق بأجمهم لتوفرت البواعث على نقله فإذا لم ينقل هذا ولا ذاك توقفنا ولعل الله تعالى قطع بواعث الخلق على نقله

(1/319)


ولعل الله تعالى قطع بواعث الخلق وطمس حالته والتحق هذا بمعجزاته الخارقة للعادة رجعنا إلى المقصود قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأطعمة الرجوع في استحلال الحيوانات إلى النصوص وآثار الصحابة رضي الله عنهم فإن لم يكن فإلى استخباث العرب واستطابتها يقول فإن لم يكن فما صادفنا حراما أو حلالا في شرع من قبلنا ولم نجد ناسخا له اتبعناه وعضد هذا المذهب بالدليل أن يقال نفس بعثة الرسول لا تتضمن نسخ الشرائع إذ أصحاب الملل من الشرائع ستة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بعد في التظاهر على دين واحد فكان في زمان موسى عليه السلام ألف نبي يحكمون بالتوراة
ولم ينقل من الرسول عليه السلام نص في نسخ شريعة من قبلنا وقد عجزنا عن مأخذ من شريعتنا رجعنا إليه

(1/320)


ثم اختلفوا فيمن يتبع شريعته ورددوه الذي بين نوح وإبراهيم وعيسى كما ذكروه في دين الرسول قبل النبوة والمختار أن لا رجوع إلى دين أحد من الأنبياء إذ لو كان من مآخذ الشريعة لبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين القياس وغيره من المآخذ ورجع إليه واحد من الصحابة رضي الله عنهم مع طول الدهور وكثرة الوقائع وشدة ترويهم فيها ورجوعهم في الاشتوار إلى الجماعة وكان فيهم كعب الأحبار ولم يراجع قط فاستبان بهذا أنه لا حكم له أصلا

(1/321)