المنخول من تعليقات الأصول
كتاب الأخبار
والكلام يقع في هذا الكتاب في قسمين الأول أخبار التواتر
وفيه أربعة أبواب
الباب الأول في إثبات كون
الخبر المتواتر مفيدا للعلم الضروري
وقد أنكرت السمنية كونه مفيدا للعلم فنقول لهم إن استربتم
أن في الدنيا بلدة يقال لها بغداد فقد جحدتم وإن اعترفتم
فلم تناطقكم البلدة ولا رأيتموها فلم تعرفوه إلا بالتواتر
كيف ولولا التواتر لما ميز المرء بين أمه وسائر نساء
العالمين
(1/323)
وإن اعترف
الكعبي بأصل العلم ولكنه ادعى أنه نظري فقيل نرى الصبيان
يعلمون ما يخبر عنه العدد المتواتر ولم يهيئوا للنظر ودرك
المعقولات بالتأمل ثم يقال لهم نظر أفضى إلى أن في الدنيا
بلدة تسمى بغداد سوى الضرورة الحاصلة من الأخبار فإن قالوا
علمنا بأن الجمع الذي أخبروا عنه في العادة لا يتواطؤون
على الكذب قلنا ولم علمتم ذلك ولم أحلتم الكذب منهم وهو
جائز الوقوع من حيث التصور فلا نزال نطالبهم إلى أن يعجزوا
عن إبداء مسلك نظري فيبوحوا علي بما إليه ذهبنا وغايتهم
أنه لا بد من أدنى تأمل ليعرف أن هؤلاء لا يكذبون ولو صار
العلم نظريا بمثله لقيل المدركات معلومة بالنظر إذ لا بد
فيها من فتح الجفون والتحديق وارتفاع الموانع وغيرها
(1/324)
تمسك الكعبي
على أصحابنا بأن قال أعلمتم كون هذا العلم ضروريا بالضرورة
أم بالنظر فإن علمتموه ضرورة فمحال لأنا لا نعلمه
وإن ادعيتم النظر فكيف يتصور أن يعلم الشئ ضرورة ثم يعلم
كونه ضروريا بالنظر وهذا العلم أولى بأن يكون معلوما ضرورة
وهو قائم بنفس العالم بما أخبر عنه المخبرون ولا يتعلق به
إدراك أجاب القاضي بأن هذا استبعاد مجرد فإنا نعلم كون
بغداد بالضرورة ونعلم بالنظر كونه ضروريا ووجه النظر أن
نبطل كل مسلك يتصور إحالة العلم عليه وهذا يلزمه أن يقول
بالنظر يعلم أن العلم المتعلق باستحالة المتضادات ضروري
عند إبطال مسالك النظر فيه وهذا لا وجه له ثم يقال للقاضي
العلم المتعلق بهذا العلم يزيد عليه أم هو عينه إن كان لا
يزيد عليه فلا وجه لتنويعه
(1/325)
فإن زاد عليه
فهذا محال إذ يلزم عليه إثبات علوم لا نهاية لها أو إثبات
علم لا يعلمه العالم وهذا محال والمختار عندنا في هذه
المسألة وفيه الجواب عن السؤال أن نقول الذي نعتقده أن
العلم لا يتلقى من أقوال المخبرين إنما يتلقى من القرائن
الدالة على الصدق الحاسمة حتى لخيال الكذب ولذلك يجوز
اقترانه بقول واحد على انفراده فإذا ثبت هذا فنقول ورآه
الكعبي علم ما علمناه ضرورة من صدق المخبرين ومن كون العلم
ضروريا نعم نوافقه في أن العلم يتلقى من القرائن
فإن كان يعنى بالنظر توقفه على الاطلاع على القرائن بالبحث
والتأمل فهذا مسلم له ووراء الاطلاع على القرائن يحصل
العلم ضروريا من غير نظر وتوقف وهذا لا ينكره الكعبي فقد
التقت المذاهب وعاد الخلاف إلى لفظ والله أعلم
(1/326)
الباب الثاني في العدد
وقد أجمع أصحابنا على اعتبار أصل العدد وإن اختلفوا في
أقله وقد أحالوا تلقي العلم الضروري من شخص واحد خلافا
للنظام وتمسكوا بأن قول الواحد وإن انضمت إليه القرائن
فاعتماده الكذب في العرف ممكن لا استحالة فيه بخلاف اعتماد
الجمع العظيم بالتواطئ فإن ذلك يحيله العقل في اطراد العرف
وعلمنا به كعلمنا باستحالة إجماع أهل الدنيا في وقت واحد
على أكل الزبيب وهذا لا يطرد في الواحد وحققوا ذلك بأن
الشرع تعبد القضاة ببناء الحكم على قول الشهود وهم على
طوال دهورهم لم يبنوا قط قضاياهم على علم ضروري مستفاد من
قول الشهود ولو تصور لوقع لا محالة تمسك النظام بأن قال إذ
فرضنا رجلا من أهل المروءة والسيرة المرضية
(1/327)
استمرت عادته
على أن لا يخرج من داره إلا راكبا محفوفا بحشده تعالى
وخدمه لا يلتفت إلى أحد ولا يتكلم فرأيناه خرج من داره وقد
مزق ثوبه حاسر الرأس حافي الرجل يضرب صدره وينتف شعره
رافعا عقيرته بالويل
مخبرا عن موت ابنه يعلم على الضرورة صدقه ولا نتمارى فيه
فناكره فإن أصحابنا وقالوا لعله أخبره كاذب أو اعتور ابنه
سكتة فظنه ميتا وهذا مزيف والمختار أن العلم قد يستفاد من
القرائن المنضمة إلى قول واحد كما فرضناه نعم زل النظام
حيث قال يتلقى العلم من قوله وما ذكروه من السكتة وتوهمه
يرتفع بإخباره عن الدفن وذلك ممكن تقديره وما ذكروه من عدم
قطع القضاة بقول شاهد قط تحكم على الغيب
(1/328)
مسألة اختلف
المعتبرون في أقل عدد التواتر فقال القاضي أقطع أن الأربعة
ليسوا عدد التواتر وتردد في الخمسة لأن الشرع رقى الشهادة
إلى الأربعة ولم يكلف إلا غلبة الظن وقال ملقى مجلس أبي
الهذيل عبد الرحمن الخمسة اقل عدد التواتر من غير تردد
وقال قائلون أقله عشرون تلقيا من قوله تعالى إن يكن منكم
عشرون صابرون وقال آخرون أربعون تلقيا من قوله تعالى حسبك
الله ومن اتبعك من المؤمنين وقد كانوا أربعين
(1/329)
وقيل أقله
سبعون تلقيا من قوله تعالى واختار موسى قومه سبعين رجلا
لميقاتنا وقال آخرون ثلاثمائة وثلاثة عشر وهو عدد
المحاربين يوم بدر إذ بهم استقر الدين وظهر وهذه أعداد
يضرب البعض منها بالبعض ونقول العقل لم يهد إلى التقدير
وهذه الآيات لا تناسب الغرض والحكم بتقدير محال فإن قيل
كأنكم جهلتم أقل العدد قلنا هذا مرتبط بالعرف والقرائن فلا
ضبط لها وهي مختلفة باختلاف أحوال المخبرين والمخبر عنه
فيجب على كل عاقل أن يضرب عن التقدير فيه إذ العرف لا
ينضبط نعم نشير إلى تزاحم شرائط الخبر فنقول إذا بلغوا
مبلغا في العدد يبعد منهم في العرف التواطؤ على الكذب في
مثل ما أخبروا عنه وعلم على القطع خروجهم عن ضبط ضابط
وإيالة ذي إيالة لأجل مصلحة علم على القطع الصدق وهذا قد
يحصل بقول الواحد
(1/330)
وقد لا يحصل
بقول عسكر عظيم إذ توهم انسلاكهم عمر تحت سياسة سايس وذهبت
الرافضة إلى أن العلم متلقى من قول الإمام المعصوم إلا أنه
مشتبه بالمخبرين النبي ولو انفرد وتعين لعلم على الضرورة
صدقه وهذا محال إذ عصمته لم يعلموها بالضرورة ولا يثر على
عصمة الأنبياء ولم
يعرف صدقهم بالضرورة كيف وقد أخبر علي كرم الله وجهه في
زمانه عن أمور واختلفوا في صدقه وهو معصوم عندهم
(1/331)
الباب الثالث في شرائط التواتر
قال علماء الأصول شرطه استواء الطرفين والواسطة والحديث
المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصر الصحابة
ينبغي أن يتواتر عنهم في العصر الثاني فلو نقل الآحاد كونه
متواترا لم يكف وهذا خطأ فإن خبر الواحد ليس له طرف وواسطة
وكل من ينقل عنه قول وإن كان راويا فهو خبر في نفسه ولا بد
من التواتر فيه فهذه أخبار لا بد من تواتر كل واحد منها
والشرط الذي لا بد منه لتحصيل العلم أن يستند علم المخبرين
إلى الحس والضرورة فأما ما علموه بالنظر كحدث العالم وغيره
لا يعلم صدقهم فيه وإن بلغوا عدد التواتر
(1/332)
فإن قال قائل
ما سببه والعلوم عندكم كلها ضرورية فأي فرق بين الإدراك
ببصيرة العقل وبين الإدراك بالبصر
قلنا العرف فارق بينهما فإن العلم لا يحصل بحدث العالم
بسبب الخبر بخلاف المحسوسات فلعل السبب فيه أن المعتقد
لحدث العالم لم يميز نفسه عن العالم به وكل يظن أنه عالم
وهو معتقد مخمن ولا قرينة تميزه وما من مخبر إلا ويتصور
كونه معتقدا وهو يظن أنه عالم وعلى هذا شأن النظريات جميعا
دون المحسوسات قال الأستاذ أبو اسحق الخبر ينقسم إلى
متواتر ومستفيض وآحاد فالمستفيض ما اشتهر فيما بين أئمة
الحديث وذلك يورث العلم كالتواتر وليس الأمر كذلك فإن
المستفيض إذا لم يتواتر تصور فيه التواطؤ والغلط إذ العدل
لا يستحيل منه الكذب
(1/333)
الباب الرابع في تقسيم الآحاد
قال علماء الأصول الآحاد ينقسم إلى ما يعلم صدقه وإلى ما
يعلم كذبه وإلى ما يتردد فيه أما ما يعلم صدقه ينقسم إلى
ما يعلم بضرورة العقل كإخبار المخبر عن استحالة اجتماع
المتضادين وإلى ما يعلم بنظر العقل كإخبار المخبر عن حدث
العالم وإلى ما يعلم بالسمع كإخبار من قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم هو صادق
وإخبار الرسول عليه السلام عن الصراط والجنة والنار قالوا
ومن هذا القسم خبر الواحد إذا عمل بموجبه أهل الإجماع وأما
ما يعلم كذبه فينقسم إلى هذه الأقسام وهو الإخبار عن عكس
هذه الأمور
(1/334)
وهذا وإن كان
صحيحا فلا فائدة له في كتاب الأخبار فإن غرض الكتاب بيان
ما يتلقى علمه من الخبر وهذه الأمور معلومة لا من الخبر
وما ذكروه من انعقاد الإجماع على العمل وكونه دليلا على
صدق خبر الواحد ليس كذلك فان قيل لا تجتمع الأمة على
الضلالة قلنا ما اجتمعوا على صدقه بل اجتمعوا على العمل به
فنقول العمل واجب ومستنده هذا الحديث المتردد بين الصدق
والكذب والمختار في التقسيم ان يقال الخبر المعلوم صدقه
على القطع ما استجمع شرائط التوتر وذلك لا ضابط له
والمعلوم كذبه اقسام منها تحدي الرجل بالنبوة مع العجز عن
اقامة المعجزة يدل على كذبه إذ لو كان رسولا لأيد وإن
بمعجزة
(1/335)
فإن تكليف
الإتباع من دونه مما لا يطاق وهذا محال هذا إن قال انا
نبيكم
فأما إذا ادعى بانه يوحى إليه في نفسه فيما يؤمر به وينهى
عنه فلا يعلم كذبه بذلك وكذلك إذا قال معجزتي ان الله
تعالى ينطق هذا الحجر فنطق بتكديبه فيعلم كذبه إذ لو كان
صادقا لما اظهره على هذا الوجه بخلاف ما لو قال معجزتي ان
احي هذا الميت فأحياه فنطق بتكذيبه لانه ذو اختيار كسائر
الخلق والاعجاز في احيائه ومما يعلم كذب المخبر فيه انفراد
الرجل بالاخبار عن واقعة عظيمة تتوفر البواعث على نقلها
وتواتر الخبر فيها كانفراد رجل واحد بالاخبار
(1/336)
عن برزة
الخليفة على هيئة خارقة للعادة على ملا من الناس في مفرق
الطرق ومزدحم الخلق فيعلم كذبه إذ لو كان لتوفرت الدواعي
على نقله ولإستحال كما انفراده به وسكوت الباقين عن نقله
فإن قيل فلم اختلف الناس في النبي عليه السلام انه دخل مكة
صلحا أو عنوة وقد كان في مزدحم الخلق وقد تمسكتم فيها
بأخبار الآحاد قلنا تواتر كونه صلى الله عليه وسلم شاكا في
السلاح متهيئا لاسباب الحرب وانما الخلاف في جريان امان
لهم وذلك مما يخفي فلا يبعد انفراده الآحاد به فإن قيل لم
لم يتواتر قران رسول الله ص أو افراده في الحج وقد كان
احرم على الملأ من الناس قلنا لأن الميز بين الأفراد
والقران مما يخفى ولا يدركه إلا الخواص
فلا يبعد استبهامه هو فإن قيل انشقاق القمر لم يتواتر
(1/337)
قلنا أنكره
الحليمي لذلك واعتذر القاضي بأنها كانت آية ليلة أظهرت في
جنح الليل ولم يكن مع النبي ص إلا أشخاص معدودة في وقت
استرسال ثوب الغفلة على الناس فلذلك لم يتواتر فإن قيل
الإقامة من شعائر الإسلام فهلا تواتر الأفراد إذا كان
واقعا
(1/338)
قال القاضي
اقطع بأن بلالا كان يثني ويفرد فلم يطرد الإفراد على
التجرد دون التثنية فلذلك تعارضت الأخبار فان قيل لم لم
يتواتر التثنية والافراد جميعا قلنا لضعف اعتناء الناس به
فانه كان يخفض الصوت بها نهارا والمختار في الجواب القطع
بان الافراد كان متواترا في العصر الاول إلا ان النقلة
اضربوا عن نقله استغناء بالاستفاضة والاجماع من حيث الفعل
وحيث انقرض العصر احدث بعض التابعة التثنية ولم يبق ممن
عاين عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى الآحاد ولا
يبعد ان يتواتر خبر عظيم ثم تنحبس الدواعي على ممر الايام
وتندرس فقد تقررت هذه القاعدة واستمرت وعليه بنينا الرد
على الروافض حيث ادعوا نصا من الرسول على امامة علي كرم
الله وجهه
(1/339)
فان الصحابة
اشتوروا بعد وفاة الرسول عليه السلام واضطربو وسلم فيمن
ينصب له حتى اتفقوا على أبي بكر رضي الله عنه ولم ينقل احد
عن الرسول عليه الصلاة والسلام النص ولو كان لتوفرت
الدواعي على ابدائه ونقله وكذلك اليهود إذ نقلوا عن موسى
عليه السلام انه خاتم النبيين قيل لهم تحدى رسول الله صلى
الله عليه وسلم على اليهود وكانوا ينازعونه في بعثه ولم
ينقل احد من احبارهم ذلك ولو كان لتوفرت الدواعي على نقله
وايضا فلا يمكنهم انكار معجزة عيسى عليه السلام من احياء
الموتى وغيره ولو صدقوا لما ظهرت المعجزة بعد وأما المتردد
فيه فجملة اخبار الآحاد وكل ما لم يستجمع شرط التواتر
وأمكن وقوعه ومن هذا القسم انفراد رجل واحد ينقل حالة لرجل
عظيم إذا تخيلنا استناد سكوت الباقين إلى سياسة واياله عنه
ذي اياله إن هذا تمام الكلام في هذا القسم والله اعلم
(1/340)
القسم الثاني في إخبار الآحاد
وفيه خمسة ابواب
الباب الاول في اثبات كون
المخبر الواحد مفيدا للعمل
وذهب بعض المحدثين إلى انه يفيد العلم وهذا محال إذ لا يجب
صدقه عقلا ولا نقلا وإذا جاز كذبه فلا علم بالصدق وكيف وما
من شخص إلا ويتصور ان يرجع عما ينقله وقد عهد مثله وبعد
فلو تعارض نقل عدلين فليت شعري يجعل العلم بهما على
التناقض أو بأحدهما ولا تمييز ولا ترجيح
(1/341)
فإن قيل لو لم
يوجب العلم لما اوجب العمل قلنا عن هذا صار الروافض إلى
انه لا يعمل بأخبار الآحاد ونحن نبطل الان مذهبهم فنقول ان
أحلتم وقوعه وزعمتم انه لا يتصور فوجه تصوره ان يقول السيد
لغلامه اعمل بما ينتهي اليك من امري على لسان الآحاد وان
احالوا لاستقباح أو لاستصلاح فنحن لا نساعدهم في ذلك ثم
قلب كل خيال يبدونه في اثبات القبح ونقيض الصلاح ممكن
عليهم وان تلقوا منعه من السمع فلا بد من نقله قالوا
ودليله قوله تعالى ان بعض الظن اثم قلنا خصص البعض وليس
هذا منه ودليله بناء القاضي قضاءه على ظن صدق الشهود
بالإجماع فإن قيل لا نعلم وجوب العمل به بضرورة العقل ولا
يدل عليه دليل فلا يعمل به
(1/342)
قلنا دليله
امران قاطعان أحدهما علمنا بأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يبعث ولاته ورسله إلى البلاد ويفرقهم في الأقطار وهم
آحاد وكان يضم إليهم الصحائف ويأمر بإتباعه الحاضر والبادي
ولو توقفوا إلى التواتر لحزت رقابهم المسلك الثاني علمنا
بان الصحابة رضي الله عنهم اجمعين ان ارتبكوا إلا في واقعة
فنقل إليهم الصديق رضي الله عنه قولا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم على انفراده اتبعوه وقولهم انه لا يورث
العلم يبطل بالشهادة والله اعلم
(1/343)
الباب الثاني في عددهم وصفتهم
ذهب الجبائي إلى انه لا يعمل إلا بما ينقله رجلان ثم شرط
عند تكرر العصر ان يحتمل قول كل رجل رجلان هكذا إلى حيث
ينتهي وهذا استئصال لهذه القاعدة إذ لا يستقيم على هذا
المذاق حديث في عصرنا ومعتمدنا نقل الصحابة واكتفاؤهم
بالواحد وقد نقل أبو بكر الصديق رضي الله عنه قوله عليه
السلام نحن معاشر الانبياء لا نورث فتركوا قسمة تركته فإن
قيل نقل عن ابي موسى الاشعري انه قرع باب عمر فلم بفتح
(1/344)
فانصرف فأمر
عمر رضي الله عنه حتى اتي به فقال ما الذي حملك على
الانصراف فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان
ثلاثة فان أجبت وإلا فانصرف فقال من بشهد لك قلنا اتهمه
عمر ونحن إذا اتهمنا الراوي لقرينه فلا نقبله فإن قيل قال
علي كرم الله وجهه في رواية معقل بن يسار كيف نقبل قول
اعرابي بوال على عقبيه
(1/345)
قلنا لعله
لتهمه فيه إذ ليس فيه انه رده لانفراده وقد اشار إلى السبب
في كلامه فإن قيل روي ان عليا رضي الله عنه كان يحلف
الراوي علنا فحلفوا انتم واقبلوا قلنا كان يحلفه عند
التهمة وكان لا يحلف اعيان الصحابة رضي الله عنهم فان
قاسوا الرواية على الشهادة فاخبار الآحاد لا تنفي قياسا
كما لا تثبت قياسا ثم في الشهادة تقييدات بدليل اعتبار
الذكورة والحرية ورده فيما ينتفع به الشاهد أو ولده بخلاف
الرواية مسالة 1 الاسلام والعقل شرط بالإجماع في الراوي
وظهور الفسق قادح والانوثة والرق غير قادح وفي ترجيح قول
الرجل على قول المرأة كلام
(1/346)
واما الصبي فان
كان عدما لا تقبل روايته كالبالغ الفاسق واما الصبي
المراهق المتثبت في كلامه إذا روى قال قائلون يقبل
والمختار رده واليه ذهب القاضي واستدل برد رواية الفاسق
وليس من ضرورة الفسق الكذب ولكن يستدل به على قلة مبالاته
فيقال ربما يخبر عن الكذب أيضا والصبي وان لم يكن به عرامة
فيعلم انه لا يأثم بالكذب فلا وازع له من جهة الدين فرد
روايته أولى والمسلك المختار عندنا منهج الصحابة وسيرتهم
على طول دهورهم لم يراجعوا صبيا والعبادلة بصبون صلى في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته وكذلك من
عصرهم إلى زماننا لا عهد لشيخ ينقل عن صبي حديثا ولو كان
مقبولا لما عطلت روايتهم وهم شطر الخليقة كما لم يعطل
النسوة والعبيد قال القاضي فأنا لا أقطع برد الصحابة رواية
الصبيان
(1/347)
ونحن نقطع به
لما ذكرناه مسالة 2
المستور لا تقبل روايته خلافا لبعض الناس وقد استدلوا بأن
الصحابة كانوا يقبلون الاحاديث ممن يرويها من غير بحث عن
حالته والمتبع سيرة الصحابة وينضم إليه وجوب احسان الظن
بالمسلم وظاهر المسلم العدالة قلنا نقل الينا من الصحابة
رضي الله عنهم انهم كانوا يردون رواية الغرباء والمجهولين
من الاعراب ونعلم انهم ما ردوا لجهلهم بنسبهم أو مسكنهم أو
مسقط رأسهم وانما ذلك لجهلهم بعدالتهم وما ذكروه من ان
الغالب العدالة قلنا الرجوع في الغالب إلى الواقع في
العادة والفسق اغلب على الخليقة والكذب اكثر ما يسمع ويكفي
المستور في احسان الظن به ان يستوي في حقه العدالة والفسق
(1/348)
وظهور الفسق
انما قدح لانخرام الثقة وعليه التعويل في الاحاديث والفسق
محتمل وخفاؤه عنا لا يحقق الثقة اصلا مسالة 3 قال القاضي
كل صورة من هذه الصور إذ دل عليها دليل قاطع على قبول
الخبرية قبلت وإذا لم يدل عليه قاطع ولا على رده أيضا قطعت
برده لعدم القاطع على قبوله والمختار انه ان لم يدل قاطع
على الرد ولا على القبول نتردد ولا نجعل عدم القطع بالقبول
سبب القطع بالرد
إذ القاطع بالقبول اجماع الصحابة والصحابة كانوا يختلفون
في قبول الأحاديث والرواة كانوا لا يعترضون على القائلين
ولا ينسبونهم إلى ترك القطع والله اعلم
(1/349)
الباب الثالث في الجرح والتعديل
وفيه خمسة فصول
الفصل الاول في العدد
وقد قال المحدثون لابد من معدلين أو جارحين والواحد لا
يكتفي به لان سبيل الاكتفاء براوية واحد سيرة الصحابة ولم
يتقل هذا منهم في المعدل فيرد إلى قاعدة الشرع وكلما مست
الحاجة إلى اثباته لا يثبت إلا بقول اثنين قلنا نعم لم
ينقل ذلك ولكن المختار الاكتفاء بواحد لاننا نفهم مما نقل
امورا لم تنقل ولذلك اتسع باب القياس
(1/350)
فلو اقتصرنا
على الاقيسة المنقولة عنهم ومنهم تلقينا القياس لضاق باب
القياس ولكنا فهمنا مما نقل تشوفهم إلى القياس في وقائع لم
تتفق لهم إذ اقدموا
على القياس اقدام من لا يرى على الوقائع حصرا وكذلك فهمنا
من حالهم انهم لو تماروا في قول رواي وعدله الصديق لكانوا
يكتفون
(1/351)
الفصل الثاني في كيفية الجرح والتعديل
والمنصوص للشافعي رضي الله عنه أن التعديل المطلق في
الشهادة والرواية مقبول والجرح المطلق لا يقبل لأن أسباب
العدالة لا حصر لها والجرح يحصل بخصلة واحدة ولأنه قد
يعتقد الشئ سببا للجرح ونحن لا نراه فليبينه قال القاضي
رحمه الله الجرح المطلق كاف فإنه خارم للثقة المبتغاة من
الحديث والتعديل لا بد فيه من ذكر سببه فإنه قد يكتفي
بمبادئ العدالة جريا على الظاهر واحسانا للظن به
(1/352)
وقال آخرون لا
بد من ذكر السبب فيهما أخذا بطرفي كلام الشافعي والقاضي
رضي الله عنهما وعكس عاكسون وقال وقالوا يكفي الاطلاق
فيهما والاختيار ان الجرح المطلق خارم للثقة فهو كاف
والتعديل المطلق من مثل مالك مع علوه في الاحتياط مقبول
وممن يظن به التساهل فيه فلا
(1/353)
الفصل الثالث في التعديل بالفعل
وقد اختلفوا في الاكتفاء به وله صورتان احداهما ان يروي
المستجمع لخلال التعديل حديثا عن شخص ويقتصر عليه فهل يجعل
ذلك تعديلا والمختار ان ذلك كالتعديل من مالك ومن كل محدث
لا يستجيز نقل الاحاديث الضعيفة وألا فلا والصورة الثانية
ان يعمل بموجب حديث لم ينقله إلا رجل واحد هل يجعل ذلك
تعديلا فيه خلاف والمختار انه ان امكن حمل عمله على
الاحتياط فلا وإن لم يمكن فهو كالتعديل لأنه محصل للثقة
(1/354)
الفصل الرابع في صفة المعدل والجارح
ولا بد من العقل والاسلام وظهور العدالة والبلوغ
ولا تقدح الانوثة والرق ويشترط معرفة اسباب الجرح والعدالة
فيما قاله الاصحاب وفيه تفصيل وهو انه ان ذكر سبب الجرح
والعدالة فلا تعتبر معرفته به فإنه عدل في الأخبار وقد فوض
الرأي الينا وان لم يذكر السبب فتعديله المطلق وكذا جرحه
مردود نعم قد يترجح رواية من لم يتطرق إليه جرح مطلق من
مثله على رواية من تطرق إليه ذلك
(1/355)
الفصل الخامس في عدالة الصحابة رضي الله عنهم
وهو معتقدنا في جميعهم على الاطلاق وعليه ينبني قبول
روايتهم واستثنت المعتزلة طلحة والزبير وعائشة رضوان الله
عليهم تعويلا على ما صدر منهم من هناتهم وحالات نقلت من
محاربتهم وما من امر ينقل إلا ويتطرق إليه احتمال فالنظر
إلى ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبجيله اياهم اولى
من اساءة الظن بهم بالاحتمال ولا فرق بين علي وعثمان
وبينهم في مثل ما يعولون عليه
(1/356)
الباب الرابع فيما يعتمده الراوي
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الاول في شرط الشيخ
والقارئ والمتحمل
أما الشيخ فشرطه ان يصغي لما يقرأ عليه بحيث لا يذهل عن
كلمة منه أو يقرأ بنفسه أو يأخذ النسخة ويحتاط في النظر
فيه ليتنبه للزيادة والنقصان فإن لم يكن في يده نسخة وكان
يحفظ الحديث بحيث يتنبه للزيادة والنقصان كفى وإلا فوجوده
كعدمه
(1/357)
وقوله سمعت
شيخي أو قال اخبرني أو حدثني على وتيرة واحدة فأما القارئ
فشرطه ان يقرأ نسخة صحيحه على وجه يسمع على الشيخ تمام
كلمات الاحاديث هل عليه ان يقول للشيخ بعد قراءته هل كان
كما قرأته شرطه بعض المحدثين وهذا لا حاجة إليه فإن قوله
إذ قال قرأت لا يفيد القطع والثقة حاصلة بسكوته وتقريره
بقرينة الحال فإنه متصد لهذا الشأن وأما المتحمل
إن كان يقرأ فذاك وان كان لا يقرأ فسبيله ان يسمع تمام
كلمات الاحاديث ولا يشترط فهم معنى الحديث ولا حفظه
(1/358)
وان كان يسمع
صوتا غفلا ولا يحيط بمقاطع الكلمات ومباديها لا يصح سماعه
وان عول على النسخة بعده فهو تعويل على الصحيفة
(1/359)
الفصل الثاني في الاعتماد على الكتب
وقد منعه المحدثون والمختار انه إذا تبين صحة النسخة عند
امام صح التعويل عليه في العمل والنقل ودليله مسلكان
أحدهما اعتماد اهل الاقطار المتفرقة على صحف رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الصدقات المضمومة إلى الولاة والرسل من
غير توقف على نقل الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والثاني انا نعلم ان المفتي إذا اعتاصت عليه مسألة فطالع
احد الصحيحين فإطلع أنه على حديث ينص على غرضه لا يجوز له
الاعراض عنه ويجب عليه
(1/360)
التعويل ومن
جوز هذا فقد خرق الاجماع وليس ذلك إلا لحصول الثقة به وهي
نهاية المرام نعم لا يقول سمعت شيخي وهو لا يسمعه
(1/361)
الفصل الثالث في الاجازة
وقد رده بعض المحدثين وقبله بعض وحطوه عن السماع وقال
الاستاذ أبو بكر رضي الله عنه يعول عليه في احكام الآخرة
والمختار انه كالسماع لان الثقة هي المبتغاة والامام
المرموق في الصنعة الغالي في الاحتياط إذا عين حديثا وأشار
إلى نسخة وقال هذا قد صح عندي على وجهه فأجزت لك في النقل
فقد حصلت الثقة ولا تعبد في السماع واما المناولة فلا
فائدة فيها وهي من جهالات بعض المحدثين
(1/362)
ولا يشترط ايضا
ان يقول اجزت ويكفي ان يقول قد صح عندي ذلك أو هذه النسخة
مصححة على شيخي فأما إذا قال اجزت لك فيما صح عندك من
مسموعاتي مطلقا فهذا لفظ مبهم لا بد فيه من نثبت فليقع
البناء على التعين وثلج الصدر وليتجنب رواية كل ما يتردد
فيه ولا يجوز التعويل على خط المجيز المكتوب على حاشية
النسخة اصلا
والله اعلم
(1/363)
الباب الخامس فيما يقبل من الاحاديث وما يرد
ويحصر مجموعه تسع مسائل مسألة 1 المراسيل مردودة عند
الشافعي رضي الله عنه إلا مراسيل سعيد ابن المسيب والرسل
الذي عمل به المسلمون
(1/364)
وصورته ان يقول
التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقه أو
يقول حدثني الثقاة أو اخبرني رجل ولم يذكر اسمه وقبل أبو
حنيفة رضي الله عنه المرسل ومنهم من قدمه على المسند
واعترض القاضي على الشافعي رضي الله عنه في استحسانه
مراسيل سعيد ابن المسيب وقال ما الفرق بينه وبين غيره وقال
قال الشافعي رضي الله عنه مراسيله مسانيد ولكنه لا يذكر
لكثرة شيوخه فإذن قد استحسن مسانيده لا مراسيله وقال
القاضي لم قلت إذا عمل به الأمة كان مقبولا نعم الاجماع هو
المقبول والعمل ان كان متلقى منه فلا أثر للمرسل وان تلقى
من الحديث فليقبل دون الاجماع
(1/365)
وتمسك الشافعي
رضي الله عنه بأن قال إذا أرسل الناقل الحديث فحقه ان يذكر
من اخبر به ليبحث عن حاله فربما لا يكون ثقة وتمسك
القائلون بأن العبادلة الاربعة لم يدركوا إلا اواخر عمر
الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا منه إلا اخبارا
معدودة ثم لم يقتصروا في النقل عليها قطعا ولذلك غزر علمهم
وكثرت روايتهم ثم كانوا يقولون قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من غير اسناد إلى واحد ولم يزعهم عن ذكر ذلك
دينهم ولا اعترض عليهم غيرهم فدل ان الارسال جائز مقبول
يحققه ان الرجل العظيم القدر في هذا الشأن إذا جزم قوله
وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال اخبرني
الثقة بكذا فالثقة به ابلغ مما إذا ذكر اسم الرجل فإنه
يطرق أمره إذا قال هو ثقة وثبت في كون الحديث صادرا من فلق
في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمبتغي هو الثقة
(1/366)
قال القاضي
والمختار عندي ان الامام العدل إذا قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أو اخبرني الثقة قبل فأما الفقهاء
والمتوسعون وهو في كلامهم قد يقولون ذلك لا عن تثبت فلا
يقبل
(1/367)
ومنهم من قال
هذا هو منقول عن الحسن البصري والشافعي رضي الله عنهما ولا
يقبل في زماننا هذا وقد كثر الرواة وطال البحث وتشعبت
الطرق فلا بد من ذكر اسم الرجل
والأمر على ما ذكره القاضي إلا في هذا الاخير فإنا لو
صادفنا في زماننا متثبتا في نقل الاحاديث مثل مالك رضي
الله عنه قبلنا قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
يختلف ذلك بالاعصار صلى الله عليه وسلم ثم قال القاضي
تبينت ان مذهب الشافعي رضي الله عنه قبول المراسيل فإنه
قال في المختصر اخبرني الثقة وهو المرسل بعينه وقد اورده
لينقل عنه ويعتمد عليه ويعتقد معتمد مذهبه وعن هذا قبل
مراسيل سعيد بن المسيب وانما رد ما تردد فيه
(1/368)
مسالة 2 إذا
روى الراوي حديثا عن شيخه فروجع فيه فقال لا ادريه فالحديث
مقبول عندنا إذ لم يكذبه وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هو
مردود ومثاله ما نقله ابن جريج عن سليمان بن موسى عن
الزهري من حديث النكاح بغير ولي وقال ابن جريج راجعت
الزهري في الحديث فقال لا أعرفه
(1/369)
وتمسك أبو
حنيفة رحمه الله بأن التعويل على الثقة وقد انخرمت الثقة
وعارض قوله قول شيخه ونزل هذا منزلة اتفاق اوبه شهود الاصل
قبل القضاء وقولهم لا ندري ما ذكره شهود الفرع والاختيار
عندنا قبوله لأن الثقة عندنا تنخرم إذا كذبه فأما إذا قال
لا أدريه فحمله على
الذهول والنسيان ممكن فلا حاجة بنا إلى تكذيب عدل مع امكان
التصديق وليس كذلك إذا كذبه إذ ليس أحدهما بالتصديق اولى
نعم لا ننكر ان هذا في الثقة دون ما إذا وافق الشيخ ولكن
نباهة الثقة غير معتبرة إذ حديث ينقله أبو عوانة في الثقة
دون ما ينقله مالك مع نباهته وذلك لا يقتضي رده وانما يؤثر
في الترجيح ولا وجه للنظر إلى الشهادة فإن مبناها على
تعبدات ذكرناها ولذلك لا يراجع شهود الفرع مع حضور شهود
الاصل بخلاف الرواية فإن منعوا ذلك استدللنا بسيرة الصحابة
وقد علمنا انهم في مخاليف
(1/370)
مكة والمدينة
في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحافتهما إذا كانوا
يعتمدون على قول ابي بكر وعمر وغيرهم مع امكان الرجوع إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم ونعلم ان النسوة لا يكلفن
البروز إلى الرسول في كل حكم من الصلاة والطهارة بل كن
يعتمدن فقال قول ازواجهن فلا وجه لانكاره مسألة 3 إذا قال
الصحابي من السنة كذا أو سنة الرسول عليه السلام كذا قال
المحدثون هو كقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا
لأنهم يعبرون به عن قول النبي عليه السلام وهذا تحكم فإن
السنة يعبر به عن الطريقة والشريعة بدليل قوله تعالى سنة
من قد أرسلنا قبلك من رسلنا فلعله قاله قياسا وسنة النبي
اتباع القياس
وكذا لو قال امرنا بكذا فإنه أمر باتباع القياس وان كان هو
أظهر من الاول
(1/371)
ولو قال أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كراوية قوله مثل قول
صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا
مسافرين أو سفرا ان لا ننزع خفافنا الحديث مسألة 4 اوجب
المحدثون نقل الفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على
وجهها وغالوا حتى منعوا ابدال أي اسم الله تعالى باسم آخر
من اسماء الله تعالى تمسكا بقوله عليه السلام تضر الله
امرا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ اوعى من
سامع ورب حامل فقه إلى من هو افقه منه والمختار ان الالفاظ
منقسمة إلى ما يتميز بخاصية الاعجاز وهو الفاظ القرآن ولا
بد من نقلها إذ الاعجاز بها يتعلق
(1/372)
وما لا اعجاز
فيه ينقسم إلى ما يتعلق به تعبد لا بد من قراءته كألفاظ
التشهد فلا بد من روايتها على وجهها ومالا يكون كذلك يجوز
تغييره بشرط ان يكون الناقل على ثبت من تبقية المعنى
بتمامه إذ لا تبعد في اللفظ والمعنى هو المبتغى مسألة 5
إذا نقص الراوي شيئا من الحديث نظر فيه فإن كان المتروط لا
يرتبط بالمنقول اصلا فذاك جائز وعليه درجت
الصحابة إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرع لهم
احكاما جمة في مجلس واحد وخطبة واحدة ثم كانوا ينقلونها
متفرقة على حسب الحاجة وان ارتبط به بحيث لا يستقل المنقول
بإفادة الغرض فلا يحل نقصانه فإنه اخلال بالغرض وان استقل
الاول وكان الباقي يفيد مزيد وضوح فيجوز الاقتصار على
الاول كما نقل عن ابن مسعود في بعض الروايات انه قال أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة لما استدعى ذلك
مني فرمى الروث وقال انه رجس ولم ينقل قوله ابغ لي ثالثا
(1/373)
وقد نقل عن
الرسول عليه السلام انه قال الثيب بالثيب جلد مائة والرجم
وفي بعض الروايات لم ينقل الجلد قال الشافعي رضي الله عنه
لا أتلقى سقوط الجلد من الثيب من اقتصار الراوي إذ يحتمل
ان النبي عليه السلام كان قد ذكره في هذا الحديث أيضا
فاستحقره ثنا الراوي بالنسبة إلى الرجم فاقتصر على نقل
الرجم ولكنه مأخوذ من قصة ماعز وفعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم مسألة 6 القراءة الشاذة المتضمنة لزيادة في
القرآن مردودة كقراءة ابن مسعود في آية كفارة اليمين فصيام
ثلاثة أيام متتابعات فلا يشترط التتابع خلافا لأبي حنيفة
رضي الله عنه فإنه قبله وهو يناقض أصله من حيث انه زيادة
على النص وهو نسخ بزعمه كما
قاله في كفارة الظهار
(1/374)
ومعتمدنا شيئان
أحدهما أن الشئ إنما يثبت من القرآن إما لإعجازه وإما
لكونه متواترا ولا اعجاز ولا تواتر ومناط الشريعة وعمدتها
تواتر القرآن ولولاه لما استقرت النبوة وما يبتني على
الإستفاضة لتوفر الدواعي على نقله كيف يقبل فيه رواية شاذة
فإن قيل لعله كان من القرآن فاندرس قلنا الدواعي كما توفرت
على نقله ابتداء فقد توفر على حفظه دواما ولو جاز تخيل
مثله لجاز لطاعن في الدين ان يقول لعل القرآن قد عورض
فاندرست المعارضة وجوابنا عنه أنه لو كانت لانتشرت وتوفرت
ولتوفرت
(1/375)
الدواعي
والجبلات على نقلها مع تشوف الطاعنين في الدين إلى ابطاله
المسلك الثاني مبنانا به فيما نأتي ونذر الاقتداء بالصحابة
رضي الله عنهم وقد كانوا لا يقبلون القراءة الشاذة وعن هذا
كسر عثمان رضي الله عنه اضلاع ابن مسعود فكيف يقبل فإن قيل
لا ينحط عن خبر الواحد فليعمل به
قلنا العمل به ينبني على كونه من القرآن وقد بطل ذلك ثم
مستندنا في العمل بخبر الواحد سيرة الصحابة وهم لم يعملوا
به مسألة 7 إذا انفرد بعض النقلة بزيادة في اصل الحديث
قبلت الزيادة خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه وقد عول على
انه يبعد ان يحضر مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم جمع قد
اعتنوا بحفظ كلامه ثم يختص بعضهم بسماع كلمة مع ذهول
الاخرين عنه
(1/376)
والعجب انه لم
يتنبه لهذا في القرآن ومبناه على الاستفاضة والتواتر
واعتبره في غير مظنته إذ وقوع غفلة أو فترة لمعظم الحاضرين
واختصاص البعض بالاستماع لا يحيله العرف والعقل والناقل
عدل والجمع بينه وبين المقتصرين ممكن فلا يجعل للتهمة
موضعا على ما قاله الشافعي نعم لو كذبوه وقالوا لم يقله
فعند ذلك تبطل الثقة فلا يقبل فان قالوا ذلك مما يندر قلنا
لا يرد حديث الثقة لندوره إذ قبل رواية من روى ان النبي
صلى الله عليه وسلم بال قائما مع ندوره بالنسبة إلى حاله
وقد كان بحيث غشي عليه حياء لو انحلت عقد ازاره وانكشفت
عورته والدليل عليه ان رجلين لو انفرادا من بين سائر
الشهود في واقعة
(1/377)
شهدوها وشهدوا
على زيادة قبل ذلك منهم من غير التفات إلى الندور مسألة 8
قال أبو حنيفة رضي الله عنه إخبار الآحاد فيما تعم به
البلوى مردودة فنقول ان عنيت به ما يعظم موقعه في القلوب
وتتوفر الدواعي على نقله فمسلم وان عنيت به ما يتكرر في
اليوم والليلة كالصلاة والطهارة فليس كذلك إذ معظم الصور
المتعلقة بالصلاة والسهو فيها انفرد به الآحاد وقد ردوا
مذهبنا في الجهر بالبسملة بهذا السبب وقالوا لو كان
لاستفاض فإن البسملة متكررة وهذا يعارضه ان الاسرار لو وقع
لاستفاض ايضا ثم يقال لهم اتقطعون هذا بكذب ناقل الجهر ام
لا
(1/378)
فإن قطعتم به
فلا يدرك كذبه بضرورة العقل ولا نظره وان جاز وقوعه فهو
عدل فلا وجه لتكذيبه والقول الوجيز ان ما يقتضي احلال
الاستفاضة فيه إذا لم ينقل نفيه واثباته متواترا فهو محمول
على احد امرين أما على قصور الدواعي وضعف الاعتناء بنقله
واما على اندراسه بعد التواتر وهذا مما لا يعظم وقعه في
القلب حتى يتواتر
والعجب انهم اثبتوا تثنية الاقامة بمثله وهو شعار الاسلام
يتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات مسألة 9 كل خبر مما يشير
إلى اثبات صفة للباري تعالى يشعر ظاهره بمستحيل في العقل
نظر ان تطرق إليه التأويل قبل وأول وان لم يندرج فيه
احتمال تبين على القطع كذب الناقل
(1/379)
فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان مسدد ارباب الالباب ومرشدهم فلا
يظن به ان يأتي بما يستحيل في العقل وقوله عليه السلام يضع
الجبار قدمه في النار مقبول مؤول محمول على الكافر العتل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل النار كل جبار جظ
جعظري وتشهد له قرائن وهو قوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة
والناس اجمعين وقد علم الرب تعالى متسع النار وما يملؤها
فكيف افتقر إلى وضع القدم وهلا جعل الحجارة حشوها كما قال
تعالى وقودها الناس والحجارة وحمله على الظاهر نسبة جهل
إلى الله تعالى عن قول الظالمين أو لعجزه عن أن يملأ النار
بخلق يخلقه
(1/380)
ورب حديث علم
علي القطع ازالة ظاهره كقوله عليه السلام قلب المؤمن بين
اصبعين من اصابع الرحمن وخلاف الظاهر فيه مشاهد
وقوله عليه السلام خلق آدم على صورته فالهاء فيه قيل راجعة
إلى آدم ومعناه أنشأه كذلك بخلاف من دونه فإنهم كانوا أولا
على صورة الآباء وقد قيل سببه ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأى رجلا يلطم وجه غلام فقال لا تفعل فإن الله تعالى
خلق آدم على صورته والقول الوجيز ان كل ما لا تأويل له فهو
مردود وما صح وتطرق إليه التأويل قبل والله أعلم
(1/381)
|