المنخول من تعليقات الأصول
كتاب الاجماع
وفيه خمسة ابواب
الباب الأول في اثبات كون
الاجماع حجة وبيان صورته
والاجماع عبارة عن اتفاق أهل الحل والعقد وهو حجة كالنص
المتواتر عند أهل الحق وانكر منكرون تصوره واحال وقوع
الاتفاق بين الأمة في تصوره وانكر منكرون تصور العلم به مع
اعترافه بتصوره في نفسه وزعم آخرون أنه يتصور ويعلم لكن لا
يحتج به
(1/399)
ومعتمد من جحد
تصوره ان الاجماع لا انتفاع به في مواقع النصوص وانما
يحتاج إليه في مظان الظنون واطباق الأمة على كثرة عددها
على
حكم واحد في مسالة مظنونة مع اختلاف القرائح وتباين الفطن
في الاستحالة كإطباق لم اهل بغداد في حالة واحدة على قيام
أو قعود أو أكل زبيب وذلك مستحيل عرفا فنقول المسالة التي
تتعارض فيها الظنون على وجه لا يترجح حانب على جانب يبعد
في العرف الاطباق عليها من الجم الغفير فأما إذا ترجح احد
الجانبين في مسلك الظن فلا بعد في الاطباق عليه إذ صفو
الافهام بجملتها إلى الاغلب على ان الاجماع متصور انعقاده
عن نص على ما سنذكره وذلك غير بعيد ولا يغني في الجواب قول
القاضي رضي الله عنه نرى النصارى على كثرتهم يطبقون على
مذهب واحد وكذلك القول في اصحاب المذاهب كلها لان جامعهم
التعصب ورابطتهم حدثنا التقليد واتباع الهوى وانما يبعد
الاتفاق من الجماهير في مظان النظر إذا استقلوا بالنظر
وإذا تبين تصوره فطريق العلم به ان ينقل عن جملتهم ذلك
(1/400)
ويمكن تصويره
في ملك سايس يجمعهم على صعيد واحد يستفتيهم فيتفقون أو
يراسلهم أو يكاتب جميعهم ويعلم توافقهم في وقت واحد فهذا
طريق تصوره والعلم به أما اثبات كونه حجة فقد تمسك الشافعي
فيه بقوله ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع
غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى الآية تواعد على ترك إتباع
سبيل المؤمنين فإذا أجمعوا على حكم فهو سبيلهم
فإن قيل تنطوي عليه السريرة ولا اطلاع عليها فما ندري ان
الذبن اجمعوا اهم المؤمنين الذين يجب اتباعهم ام لا قلنا
لم نكلف البحث عن الضمائر وانما امرنا ببناء الأمر على
الظاهر وإذا اجمعت الأمة على حكم يجب القضاء بأنهم هم
المؤمنون إلا انه ينقدح حمل الآية على ترك الايمان
والمخالفة فيه ويشهد له قوله قبله ومن يشاقق الرسول وهذا
ان لم نقطع به فهو محتمل والقطيعات ابن لا تثبت بالمحتملات
(1/401)
ومما تمسك به
الأصوليون قوله عليه السلام لا تجتمع امتي على ضلالة وروى
على الخطأ ولا طريق إلى رده بكونه من إخبار الآحاد فإن
القواعد القطعية يجوز اثباتها بها وان كانت مظنونة كما
سيأتي في كتاب القياس
(1/402)
ولكن هذا
الحديث يحتمل حمله أيضا على البدعة والضلالة في الدين
والاعتقاد وعلى الاخلال بأصل الدين فضعف التمسك به من هذا
الوجه فان قيل فما المختار عندكم في اثبات الاجماع قلنا لا
مطمع في مسلك عقلي إذ ليس فيه ما يدل عليه ولم يشهد له من
جهة السمع خبر متواتر ولا نص كتاب واثبات الاجماع بالإجماع
تهافت والقياس المظنون لا مجال له في القطيعات وهذه مدراك
قوله الاحكام ولم يبق وراءه إلا مسالك العرف فلعلنا نتلقاه
منه فنقول الاجماع يعرض على ثلاث صور الصورة الاولى
ان تجمع الأمة على القطع في مسالة مظنونة فإذا قطعوا قولهم
وقد كثر عددهم بحيث لا يتصور منهم في طرد العادة التواطؤ
على الكذب فهذا يورث العلم إذ يستحيل في العادة ذهولهم وهم
الجمع الكثير عن مسلك الحق مع كثرة بحثهم وإغراقهم في
الفحص عن مأخذ الأحكام ففرض الغلط عليهم كفرضه على عدد
التواتر إذا أخبروا عن محسوس لأن هؤلاء قطعوا في غير محل
القطع ولا يظن بهم التحكم
(1/403)
فيعلم على
الضرورة أنهم تلقوا من نص عن الشارع مقطوع به فهذا مسلك
إثباته وهو قريب مما ذكرناه في أخبار التواتر فإن قيل لو
رأوا نصا لنقلوه قلنا لا بعد في اندراسه على ممر الأيام
استغناء عنه لاستفاضة مقصوده وركونا إلى إطباق الناس على
العمل به فإنا نعلم أنهم لا يقطعون في غير مظنة القطع
هزلاء له فكانت الحجة مستند الإجماع إذن والإجماع وسيلة
إلى الحجة فإن سميناه حجة فيجوز كما يسمى رسول الله صلى
الله عليه وسلم آمرا وناهيا والأمر والنهي إلى الله تعالى
وهو مجاز الصورة الثانية أن يطبقوا في مسألة ظنية على حكم
واحد من غير أن ينقل عنهم القطع بذلك فطريق إثباته أنا
نعلم أن التابعين لو رأوا من يبدي خلاف ذلك لشددوا القول
عليه بالتخطئة والتضليل قاطعين بأنه أساء وتعدى في مقالته
ولا يقطعون بذلك تحكما وهزلا فنعلم ان مستندهم حديث قاطع
حملهم على
الإنكار على خارق الإجماع
(1/404)
فالتحقت هذه
الصورة بالصورة الأولى إذ نهايته قطع لا في محل القطع
الصورة الثالثة أن يشتوروا في مسألة ويستقر رأيهم على حكم
ويجمعوا عليه وكانوا بايحين ذلك بأنهم قالواه عن قياس وظن
غالب راجح فيعلم ضرورة من التابعين تشديدهم النكير على من
يبدي خلافا وهذا قطع منهم لا في محله فالتحقت بالصورة
الأولى ولا يبعد أن يكون قوله لا تجتمع أمتي على الخطأ
مستندهم في قطعهم بذلك أو حديث آخر أوضح منه فإن قيل فهل
يتصور انعقاد إجماع عن قياس قلنا أنكره منكرون وتعلقوا بأن
القياس مظنون وهو مختلف فيه فكيف يتلقى منه قاعدة قطعية
والمختار تصور انعقاده منه كما ذكرناه لعلمنا بإبداء
التابعين النكير على المخالف بعد استمرار العصر الأول عليه
فإن اشتوروا وحكموا به قياسا فهذا قطع منهم لا في محله
فيستدعي مستندا قاطعا بحكم العرف كما ذكرناه ويمكن أن
يتمسك عليه بقوله لا تجتمع أمتي على الخطأ
(1/405)
فإذا اجتمعوا
على قياس كان حقا في نفسه لا يسوغ خلافه كما أنهم لو
أجمعوا على أصل القياس وجب اتباعهم فالإجماع على نوع من
القياس يتبع أيضا
وقولهم الظن لا يتلقى منه القطع ليس كذلك فإنا نتلقى القطع
بوجوب العمل بأخبار الآحاد وإن تطرق إليه خيالات لإستناده
إلى إجماع مقطوع به وكذلك هذا وإذا تلقينا الإجماع من
العرف لم نخصصه بشرعنا وخصصه من تلقاه من الحديث لتخصيص
الرسول أمته وأحكام العرف لا تتفاوت بإختلاف الشرائع ولا
نخصصه بالصحابة بل نحكم به في كل عصر بعدهم وهذا خارج عن
حكم الخبر والعرف جميعا وقال قائلون يختص بالصحابة فإن قيل
فهل تكفرون خارق الإجماع قلنا لا لأن النزاع قد كثر في أصل
الإجماع لأهل الإسلام والفقهاء إذا أطلقوا التكفير لخارق
محمد الإجماع أرادوا به إجماعا يستند إلى أصل مقطوع به من
نص أو خبر متواتر والله أعلم
(1/406)
الباب الثاني في صفات أهل الإجماع
لا تعويل على وفاق العوام وخلافهم والمستجمعون إلى لخلال
الاجتهاد هم المعتبرون والمجتهد المبتدع إذا خالف ينعقد
الإجماع دونه عند من كفره أو فسقه والمختار أنه لا ينعقد
دونه فإنه مجتهد يعول على قوله فيما نختاره ولا نكفره
وتقبل شهادته ولا يفسق
والمجتهد الفاسق قيل لا مبالاة كان بخلافه إذ لا يقبل قوله
وفتواه في الدين والدنيا والمختار أنه لا ينعقد الإجماع مع
خلافه لأنه مستجمع لخلال التهدي والتبصر في الأحكام وصدقه
ممكن والأصل عدم الإجماع فلا ينعقد على تردد ينشأ من خلاف
عالم بالشرع وهو يضعف مأخذ الإجماع على ما ذكرنا
(1/407)
نعم لا تقبل
روايته وشهادته لأن الأصل عدم ما يخبر عنه فأما الفقيه
المبرز في الفقه الذي لا يعلم الأصول أو الأصولي الذي لم
يتعمق في الفقه فلا عبرة بخلافه فإنه ليس بصيرا بمأخذ
الشرع بعد ويجب عليه أن يستفتي فيما يقع له فكيف يتوقف
الإجماع على قوله نعم إن كان يحقق بكسبه وفقهه إشكالا فحق
أهل الإجماع أن يبحثوا عنه ثم قوله بعد إجماعهم كإشكال أبو
يبدي بعد انعقاد الإجماع فلا أثر له واختار القاضي رحمه
الله أن خلافه معتبر لأن أهل الإجماع يستندون إلى رأيه
وفقهه وهو فقيه متهد إليه وقد بينا أنه لا تعويل على عناده
بعد بحث أهل الإجماع عن قوله وتزييفهم رأيه واستدل بأن ابن
عباس رضي الله عنهما كان يخالف وكان صبيا ولم يكن مجتهدا
ومن وافقه لا يعد خارقا قلنا لم يخالف إلا وهو مجتهد ولا
نسلم له ذلك
(1/408)
وصار محمد بن
جرير إلى أنه لا مبالاة بقول أقل من ثلاثة وإن كانوا
مجتهدين فإنه يندر إصابتهم وخطأ الباقين والمختار أن خلاف
واحد مستجمع الصفات يمنع صحة الإجماع لأنه يقطع ما ذكرناه
في مأخذ الإجماع والندور يبطل عليه بثلاثة مع ثلاثة آلاف
فإن إصابتهم أيضا نادرة
(1/409)
الباب الثالث في عددهم
إذا بلغوا مبلغ التواتر فهو النهاية وإن تراجعت أعدادهم
إلى واحد وما فوقه إلى مبلغ لا يستحيل عليهم الخطأ
والتواطؤ عرفا فلا حجة فيه عندنا لأن العرف لا يقضي
بإصابتهم قضاء باتا إذ الغلط على الواحد والاثنين غير
مستنكر في العرف وقال قائلون هذا غير متصور وإنكار هذا
مناكرة المعلوم بالمشاهدة في الحال وإثبات استحالته لا
مستند له عقلا وشرعا فإن قيل هذا الدين لا بد وأن يبقى
محفوظا وإذا نقص عدد أهل الإجماع بطل الركن الأعظم في
الدين قلنا قولوا يحصل الإجماع بقولهم وإن قلوا ثم ذلك
مشاهد في الحال وقد وعد الرسول عليه الصلاة والسلام الفترة
في آخر الزمان وقال بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ وقال
(1/410)
سيأتي عليكم
زمان يختلف فيه رجلان في فريضة فلا يعرفان من يعرف حكم
الله فيها
وصار صائرون إلى أنه يتصور ولكن ينعقد الإجماع بقولهم وإن
عادوا إلى واحد فإن قوله متبع في الإسلام وقال الله تعالى
ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى وهذا سبيلهم قلنا
الآية لا حجة فيها كما ذكرنا وإن كان فلا يدل على التفاصيل
والإجماع مأخوذ من إبداء أهل العصر الثاني النكير ودعوى
ذلك ههنا غير ممكن مسألة صار مالك رضي اله عنه إلى أن
الإجماع يحصل بقول الفقهاء السبعة وهم فقهاء المدينة ولا
نبالي بخلاف غيرهم
(1/411)
وقدم أيضا
مذهبهم على النص ولا خفاء ببطلان هذا فإنهم ليسوا كل الأمة
والمدينة أطلال لا أثر لها ولكن لعله صار إلى أن عدد
التواتر لا يعتبر ومخالفة الأقل لا يضر وكانوا أكثر
المجتهدين في زمانه وإنما قدم قولهم على النصوص لإعتقاده
أن مذهب الراوي يقدم على روايته وانحصرت الرواية فيهم عنده
هذا مجمل مذهبه بعد إحسان الظن به وقد تكلمنا عليه وبالله
التوفيق
(1/412)
الباب الرابع في شرائط الإجماع
شرطه أن يقع في مظنون فإن كان معقولا لا يمكن دركه بنظر
العقل فما يتقدم في مرتبته على إثبات الكلام للباري فلا
يثبت بالإجماع لأن مستند الإجماع وهو حجة شرعية كلام الله
تعالى وكذا الكلام فأما ما لا يبعد استئخاره عنه كخلق
الأفعال ومسألة الرؤية والقضاء والقدر فهذا مما يجب
اعتقاده لو ورد فيه نص وقال قائلون يحتج أيضا بالإجماع فإن
إطباقهم على غير الحق مع كثرة عددهم بعيد والمختار أنه لا
يحتج به لأن العقل لا يحيل ذلك في المعقولات والشبهة
مختلجة أو والقلوب مائلة إلى التقليد واتباع الرجل المرموق
فيه إذا قال قولا
(1/413)
هذا مما اختاره
الإمام رحمه الله وللكلام فيه مجال إذ لو تمسك فيه بقوله
لا تجتمع أمتي على الضلالة وهو نص فيه مع علمنا بقطع
التابعين الرد على من يبدي خلاف مسلكهم ولا يقطعون في غير
محل القطع إلا مستندين إلى قطع وتقدير اجتماع الصحابة على
كثرة عددهم على البدعة والضلالة واعتقاد خلاف الدين بعيد
كإجماعهم على قياس خطأ بعد الاشتوار ومن شرائطه عمد بعض
الناس انقراض العصر ليستبان به استقرار الاتفاق ثم قيل
يكتفي يموتهم) تحت هدم دفعه واحدة إذ الغرض انتهاء عمرهم
عليه
وقال المحققون لا بد من انقضاء مدتهم ليفيد فائدة فإنهم قد
يجمعون على رأي وهو بعرض التغيير وقد روي عن ابن عباس رضي
الله عنهما أنه ابدى الخلاف في مسائل بعد اتفاق الصحابة
رضي الله عنهم
(1/414)
والمختار أنهم
ان قطعوا لا في محل القطع لا حاجة إلى انقراض العصر لان
ذلك لا يتفق غلطا وعن رأي إلا بقاطع وإن اطبقوا في محل
الظن من غير قطع فلا بد من استمرار العصر والرجوع في
مقداره إلى الطرف والغرض تبين الاستقرار ثم يعتبر معه
تكرار الواقعة فلو تناسوها فلا اثر للاجماع مع استمرار
العصر قيل ومن شرطه ان يبوحوا به أو يكتبوه في فتاويهم أما
اطباقهم على الفعل لا يكون اجماعا فإن آحادهم لا يعصمون عن
زلات متفاوتة وكذا جملتهم والمختار انه يستدل به لعلمنا ان
التابعين لو انكروا على فاعل فعلا فاستدل بفعل الانصار
والمهاجرين اطباقا ترك ورد على من يرد عليه ويتصل بهذا
رضاهم وسكوتهم عن الشئ قال الشافعي رضي الله عنه في الجديد
لا يكون اجماعا إذ لا ينسب إلى ساكت قول وقال أبو حنيفة
رحمه الله هو اجماع لانهم لو اضمروا خلافا لبعد في العرف
سكوتهم ورضاهم تقرير عليه كتقرير الرسول عليه الصلاة
والسلام
(1/415)
واستدلال ابي
حنيفة بسكوت بعض الصحابة في كل مسالة مع دعوى
الانتشار مزيف إذ لا تنتشر الوقائع التي لا تتوفر الدواعي
على نقلها نعم قصة ابن ملجم وما يضاهيها لا يكلفون فيه نقل
الاشتهار فانه مشتهر في العرف ولكن دعوى السكوت والرضا من
الكل مع تباين امصارهم محال إذ لا يبعد اضمار واحد خلافا
وان لم يبده لفوات الأمر أو ابداه ولم ينقل والمختار ان
السكوت لا يكون حجة إلا في صورتين احداهما سكوتهم وقد قطع
بين ايديهم قاطع لا في مظنة القطع فالدواعي تتوفر في الرد
عليه والثانية ما يسكتون عليه مع استمرار العصر وتكرر
الواقعة بحيث لا يبدي في ذلك احد خلافا فأما إذا حضروا
مجلسنا فأفتى واحد وسكت الاخرون فذلك اعراض لكون المسالة
مظنونة والادب يقتضي ان لا يعترض على القضاة والمفتين
والله اعلم
(1/416)
الباب الخامس فيما يكون خرقا للاجماع
إذا اجمعت الصحابة في مسالة على قولين فإحداث مذهب ثالث
عند بعض العلماء ليس خرقا لانهم اجمعوا على تسويغ الخلاف
وفتحوا بابه والمختار انه خرق لانهم اجمعوا على الحصر
فذهولهم عبد عن الحق على ممر الايام مع كثرتهم محال ولكن
لا بد من طول الزمان وليكن اطول مما يعتبر في الاجماع على
قول واحد
فأما إذ اجمعوا على قولين ثم اجمع العصر الثاني على أحدهما
هل يخرمه الخلاف بعده قال القائلون يخرم لان الأمة لا
تجتمع إلا على الحق فصار هذا حقا قطعا وقال الشافعي
والقاضي رضي الله عنهما وهو المختار لا يخرم الخلاف لان
الاولين اجمعوا على تسويغ الخلاف فمن لم يجوز فقد خرق
(1/417)
الاجماع ولكن
ينبغي ان يبقى هذا الاضراب بينهم في الزمان لو فرض مثله
على قول واحد لكان اجماعا فأما اهل العصر الاول إذا اجمعوا
على احد المذهبين بعد الاختلاف فاختلفوا في هذه المسألة
أيضا كما في اجماع اهل العصر الثاني والمختار انه ان فرض
في صورة القطع في غير محله فالرجوع إلى مذهب واحد بعد
القطع بجواز الخلاف لا يفرض في العرف ومن احادهم يحمل على
الغلط فأما إذا لم يقطعوا بتسويغ الخلاف فالرجوع بعده
إجماع قبل انقارض العصر إذ تبين به عدم الاصرار والإجماع
على الخلاف وبعد انقضاء مدة الإجماع لا يفرض الرجوع فان
قيل اجمعت الصحابة في مسالة رد الثيب إذا وطئت بالعيب على
منع الرد مع العقر فلم احدثكم مذهبا ثالثا قلنا ذلك منقول
عن الآحاد ولا ينتشر مثل هذه الواقعة فلا إجماع فيه ولا
معنى لقول بعض اصحابنا انهم قد قالوا على الجملة بأصل الرد
فقد وافقناهم فيه
(1/418)
إذ الرد مع
العقر يناقض الرد مجانا من جميع الوجوه إذ لو فرض الإجماع
عليه لكان الرد مجانا خرقا للاجماع فان قيل بماذا يتبن
رجوع المفتي عن مذهبه قلنا إذا افتى بتحريم ثم أفتى بنقيضه
فقد رجع وكذا إذا قال رجعت فلو أفتى وقطع به ثم أفتى
بنقيضه فقد رجع عن مذهبين أحدهما الحكم والاخر القطع به
وان كان تردد ابتداء فليس ذلك مذهبا في تقدير القطع به
لعده رجوعا وان ارتكب خلافه لم يكن رجوعا لانه ليس معصوما
ويتصل به انه لو أفتى أبو بكر رضي الله عنه في مسالة وافتى
عمر رضي الله عنه فيها بنقيضه وهما علما وقوع الاختلاف
يستبان من خلافهما مع عدم النكير إجماع على الخصوص على ان
المسالة مختلف فيها وان لم يصرحوا به وذلك معلموم عليه
بقرينه الحال قطعا إذ لو كان مقطوعا لما تركوا النكير فيه
وقال قائلون لا يتبن به لانه ليس مصرحا به كالفعل وهو فاسد
لما ذكرناه من القرينة والله اعلم
(1/419)
|