الموافقات ج / 1 ص -406-
النوع الثاني في الشروط:
والنظر فيه في مسائل:
المسألة الأولى:
إن المراد1 بالشرط في هذا الكتاب ما كان وصفا مكملا
لمشروطه فيما اقتضاه ذلك المشروط، أو فيما اقتضاه الحكم
فيه2؛ كما نقول: إن الحول أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
الشرط من عدمه انعدام
وليس في وجوده إلزام
"منور الأفهام-ماء".
2 يؤخذ من شراح ابن الحاجب أنه كما أن المانع نوعان: مانع
للسبب، ومانع للحكم؛ فكذا الشرط شرط للسبب وشرط للحكم، وإن
الشرط مطلقا في الحقيقة يرجع إلى أنه مانع، لكن بجهة عدمه،
والمسمى مانعا منعه بجهة وجوده، وإن شرط السبب يشتمل عدمه
على أمر ينافي حكمة السبب، مثاله البيع سبب في ثبوت الملك،
وحكمته حل الانتفاع، وشرطه القدرة على تسليم المبيع، وعدم
القدرة يقتضي العجز عن الانتفاع، وهو يخل بحكمة حل
الانتفاع، وشرط الحكم اختلفت عبارتهم فيه: فمن قائل: إن
عدمه يقتضي حكمه تنافي حكمة الحكم، وعند تطبيقه يتعسر وجود
حكمتين مطردتين متنافيتين، فلذلك قال غيره: شرط الحكم ما
اشتمل عدمه على حكمة تنافي نفس الحكم، ومثلوه بالصلاة؛ فهي
سبب الحكم وهو ترتب الثواب وعدم العقاب، وحكمة الصلاة
التوجه لجناب القدس، وشرطها الطهارة؛ فعدم الطهارة يشتمل
على أمر هو مخالفة الشارع في جعله الطهارة شرطا للثواب،
وهذا ينافي الحكم وهو حصول الثواب وعدم العقاب، وإن كانت
حكمة الصلاة -وهي مطلق التوجه لجناب القدس- موجودة فيما هو
مسمى الصلاة ولو دون الطهارة.
وعليه؛ فشرط السبب عدمه يخل بحكمة السبب؛ فيخل بتسبب الحكم
عنه أيضا، وشرط الحكم يخل بالحكم وإن كانت حكمة السبب
موجودة؛ فلنعد إلى بيان كلام المؤلف ومقارنته بما قالوه:
يقول: إن الشرط "ما كان مكملا للمشروط فيما اقتضاه
المشروط"؛ أي: فيما ترتب على المشروط من الحكمة، أي: وإذا
كان مكملا له في حكمته؛ فعدم الشرط مخل بحكمته، ولا يخفى
أن هذا هو شرط السبب. ثم قال: "أو فيما اقتضاه الحكم فيه"؛
أي: يكون الشرط مكملا للمشروط =
ج / 1 ص -407-
............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= لا في حكمته هو بل في الحكمة التي اقتضاها الحكم الحاصل
بسبب هذا المشروط، وإذا كان كذلك؛ فعدمه يقتضي حكمة تخل
بحكمة الحكم، ولا يخفى أن هذا هو شرط الحكم على الرأي
الأول الذي اعترض بأنه يتعسر تطبيقه على كل شرط للحكم؛
لاستدعائه حكمتين متنافيتين:
إحداهما في عدم الشرط، والأخرى في الحكم، وهو ما لم يذكروا
له مثالا فضلا عن اطراده.
وقد علمت مثاله على الرأي الثاني، وهو يريد بإدماج النوعين
في تعريف واحد جعل الشرط نوعا واحدا كما سيأتي له ذلك في
المانع أيضا، ويجعل ذلك اصطلاحه، أما أمثلته؛ فالمثال
الأول لشرط السبب لأن ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة، وحكمته
التي اقتضاها وصف الغنى، وشرط هذا السبب المكمل له في هذه
الحكمة الحول وبعبارة أخرى إمكان النماء؛ لأن استقرار حكم
الملك إنما يكون بالتمكن من الانتفاع به في وجود المصالح؛
فقدر له حول جعل مناطا لهذا التمكن الذي يظهر به وجه كونه
غنيا، فعدم الشرط وهو التمكن ينافي حكمة السبب وهي الغنى،
وعليه؛ فمتى اختلت حكمة السبب لعدم الشرط؛ فلا يترتب الحكم
أيضا، فقوله: "أو لحكمة الغنى" تنويع في العبارة، أي: إن
ما يقتضيه الملك هو الحكمة التي هي وصف الغنى، وكذا يقال
في أمثاله الآتية بعد.
ومثاله الثاني لشرط الحكم؛ فالزنى سبب لحكم هو الرجم،
وحكمته حفظ النسل وبقاء النوع الإنساني، أي: حكمة ترتب
الحكم عليه وشرعيته عنده حفظ النسل، وشرطه الإحصان، فإذا
عدم الإحصان؛ كان معذورا، فعدم الحكم وهو الرجم مع بقاء
حكمة السبب وهي حفظ النسل؛ لأن حفظ النسل يحصل برجم المحصن
وغير المحصن، ولا يخفى عليك أنه لا يظهر في مثاله هذا
تطبيقه على ما جرى عليه من أن شرط الحكم مكمل لحكمة الحكم
التي اقتضاها؛ لأنه لا يوجد فيه حكمتان متنافيتان بين عدم
الشرط والحكم، أما على الرأي الثاني؛ فظاهر كما صورناه.
ومثاله الثالث من شرط السبب؛ فالقتل العمد العدوان سبب في
القصاص، وحكمته المترتبة من شرعية الحكم عنده الزجر
واستتباب الأمن، وشرطه التكافؤ بحيث لا يقتل الأعلى
بالأدنى، فإذا عدم الشرط وهو التكافؤ؛ اختلت حكمة السبب
وهي الزجر، واستتباب الأمن؛ لأنه يترتب على قتل الأعلى
بالأدنى مفسدة، ونزاع وهرج؛ لأنه لا تقبله النفوس، فعدم
الشرط مخل بحكمة السبب؛ فلا حكم أيضا.
ومثاله الرابع من شرط السبب أيضا؛ فالصلاة سبب للثواب،
وحكمتها الانتصاب للمناجاة =
ج / 1 ص -408-
............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بالخضوع والأدب، والطهارة شرطها، وعدم الطهارة ينافي
حكمة الخضوع والأدب؛ لا يترتب الحكم وهو الثواب.
وقوله: "سواء علينا.. إلخ" يشير به إلى ما قالوه في تقسم
الحكم الوضعي إلى ما جعله الشارع علة وما جعله سببا وما
جعله علامة وما جعله ركنا... إلخ، كما جاء في "تحرير
الكمال"، وشرحه أن الذي وضعه الشارع لحكم فكان ذلك الحكم
موقوفا عليه، إن كانت المناسبة ظاهرة بين ما وضع وبين
الحكم المشروع لذلك الموضوع، يعني بحيث تتلقاه العقول
السليمة بالقبول والتسليم بأن هذا يترتب عليه عند العقل
هذا الحكم؛ فيسمى وضع العلة كالقتل العمد العدوان الموجب
لانتشار العدوان، وجعله الشارع علة للقصاص لإبطال انتشار
القتل المذكور؛ فالعقول السليمة تقبل ترتب هذا الحكم على
هذه العلة؛ لأن ملاءمته ظاهرة، وأما إن كانت المناسبة غير
ظاهرة إلا بوسائط، وفي الجملة بحيث يقال: إن هذا الموقوف
عليه يفضي إلى الحكم في الجملة؛ فيسمى وضع السبب كملك
النصاب، فإنه يفضي إلى الغنى في الجملة، وهو يفضي إلى طلب
الزكاة، وإن كان جعله الشارع دلالة على الحكم وليس فيه
مناسبة ظاهرة ولا إفضاء؛ فهو وضع العلامة كالأوقات
للصلاة... إلخ ما قال؛ فالمؤلف يقول: "إن المنظور إليه في
الشرط إنما هو أن يكون مكملا للمشروط؛ سواء أكان الشرط
وصفا لما يسمونه سببا يعني كالمثال الثاني، وهو ملك
النصاب؛ فالشرط وهو التمكن من النماء وصف له؛ فتقول: يشترط
في النصاب أن يكون متمكنا من نمائه، وكما تقول: يشترط في
الملك أن يكون تاما، أم كان الشرط وصفا لما يسمونه علة كما
في شرط التكافؤ في القتل العمد، فتقول: يشترط في القتل
العمد لترتب القصاص أن يحصل من مكافئ للمقتول، أم كان وصفا
لما يسمى مسببا؛ كما تقول: يشترط في الملك المسبب من صيغة
البيع كونه برضى المتعاقدين، أم كان وصفا لما يسمى معلولا؛
كما تقول: يشترط في القصاص المعلول للقتل العمد أن يكون من
الحاكم أو جماعة المسلمين، أم وصفا لمحالها؛ كما تقول:
يشترط في القتل الذي يوجب القصاص أن يصدر من عاقل؛ فهو وصف
لمحل القتل الذي هو العلة، أم وصفا لمحل المسبب كما تقول:
يشترط في ملك المبيع بالعقد أن يكون منتفعا به؛ فكونه
منتفعا به قائم بالمبيع الذي تعلق به الملك، يعني: فالمدار
على أن يكون الشرط مكملا للمشروط في حكمته أو حكمة الحكم
الذي ترتب عليه، وهذا شامل لكل الشروط مهما نظرت إليها
بكونها وصفا لأي شيء مما ذكروه من هذه الأنواع، كما أنه
شامل أيضا للشروط التي هي أوصاف حقيقية كما =
ج / 1 ص -409-
إمكان
النماء مكمل لمقتضى الملك أو لحكمة الغنى، والإحصان مكمل
لوصف الزنى في اقتضائه للرجم، والتساوي في الحرمة مكمل
لمقتضى القصاص أو لحكمة الزجر، والطهارة والاستقبال وستر
العورة مكملة لفعل الصلاة أو لحكمة الانتصاب للمناجاة
والخضوع، وما أشبه ذلك، وسواء علينا أكان وصفا للسبب أو
العلة، أو المسبب أو المعلول, أو لمحالها، أو لغي ذلك مما
يتعلق به مقتضى الخطاب الشرعي؛ فإنما هو وصف من أوصاف ذلك
المشروط، ويلزم من ذلك أن يكون مغايرا له، بحيث1 يعقل
المشروط مع الغفلة عن الشروط، وإن لم ينعكس، كسائر الأوصاف
مع الموصوفات حقيقة أو اعتبارا، ولا فائدة في التطويل هنا؛
فإنه تقرير اصطلاح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تقول: يشترط في وجوب الصلاة العقل والبلوغ، أو اعتبارية
كما تقول: يشترط لصحتها طهارة الحدث ولصحة الشهادة الحرية؛
فالأولان وصفان حقيقيان والأخيران اعتباريان ثبوتهما بمجرد
اعتبار الشارع.
وبهذا البيان تعلم أنه لم يخالف اصطلاحهم إلا في العبارة،
وجعل النوعين للشرط مندرجين في عبارة واحدة، مع أنك ترى
فيها النوعين صريحين، ولكنه يريد أن يجعل الشرط شرطا للسبب
مطلقا؛ إلا أنه تارة يكون مكملا لحكمته هو، أو مكملا لحكمة
الحكم المترتب عليه والمآل واحد، وسيأتي له في المانع جعله
قسما واحدا وهو مانع السبب فقط كما هو صريح تعريفه له
وإدراجه الأمثلة التي ذكروها للنوعين تحته، وسيأتي الكلام
معه فيه.
لا يقال: إنه لم يذكر في الشرط أن عدمه ينافي أو لا ينافي،
وإنما اعتبر كونه مكملا، وهم قد اعتبروا فيه المنافاة؛
فاصطلاحه بعيد عن اصطلاحهم، لنا نقول أولا: إن عدم المكمل
ينافي كمال المكمل؛ سواء أكان سببا، أم حكما؛ فهو آيل إلى
كلامهم، وثانيا، فإن الشرط والمانع من باب واحد كلاهما يعد
مانعا، ولا فرق إلا أن هذا مانع بجهة عدمه، وقد صرح في
المانع بالتنافي بين مقتضى المانع وعلة الحكمة كما يأتي؛
فلا معنى لاعتبار التنافي في أحد المانعين دون الآخر،
وبالجملة؛ فقد أراد أن يخالف الاصطلاح كما يقول، وأوجز حتى
صار الكلام ألغازا؛ فاضطرنا إلى هذا الإطناب، والله أعلم.
"د".
1 في "ط": "وبحيث".
ج / 1 ص -410-
المسألة الثانية:
وإذ ذكر
اصطلاح هذا الكتاب في الشرط؛ فليذكر اصطلاحه في السبب
والعلة والمانع.
فأما السبب؛ فالمراد به: ما وضع1 شرعا لحكم لحكمة يقتضيها
ذلك الحكم، كما كان حصول النصاب سببا في وجوب الزكاة،
والزوال سببا في وجوب الصلاة، والسرقة سببا في وجوب القطع،
والعقود أسبابا في إباحة الانتفاع أو انتقال الأملاك، وما
أشبه ذلك.
وأما العلة؛ فالمراد بها: الحكم والمصالح التي تعلقت2 بها
الأوامر أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: وصف ظاهر منضبط بخلاف العلة؛ فلا يلزم فيها الوصفان،
كما سيقول, وقوله: "لحكم"؛ أي: وضعي أو تكليفي؛ فإباحة
الانتفاع حكم تكليفي، وانتقال الأملاك حكم وضعي. "د".
قلت: انظر السبب ومباحثه عند الأصوليين في "شرح الكوكب
المنير" "1/ 359، 445"، و"التمهيد" للكلوذاني "1/ 68"،
و"المستصفى" "1/ 94"، و"جمع الجوامع" "1/ 94"، و"أصول
السرخسي" "2/ 301"، و"التلويح على التوضيح" "3/ 102"،
و"شرح تنقيح الفصول" "81"، و"مختصر المنتهى" "2/ 7- مع
العضد والحواشي"، و"نشر البنود" "1/ 42"، و"إرشاد الفحول"
"6، 7".
2 أي: شرعت عندها، وظاهر كلامه قصرها على ما تعلق به حكم
تكليفي، مع أن الواقع أن العلة أعم، فدفع حاجة المتعاقدين
في البيوع مثلا حكمة تعلق بها انتقال الملك. "د".
قلت: انظر في مناقشة تعريف المصنف وما يؤخذ عليه: "مباحث
العلة في القياس" "ص92"، وانظر عن العلة: "نبراس العقول"
"215 وما بعدها"، و"المسودة" "385"، و"شرح الكوكب المنير"
"4/ 15"، و"المستصفى" "2/ 230"، و"الإحكام" "3/ 276"
للآمدي، و"اللمع" "58"، و"أصول السرخسي" "2/ 174"، و"تيسير
التحرير" "3/ 302"، و"المحلى على جمع الجوامع" "2/ 231"،
و"شرح العضد" "2/ 209"، و"الإبهاج" "3/ 28"، و"فواتح
الرحموت" "3/ 249"، و"إرشاد الفحول" "207".
ج / 1 ص -411-
الإباحة، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي؛ فالمشقة علة في
إباحة القصر والفطر في السفر، والسفر هو السبب الموضوع
سببا للإباحة؛ فعلى الجملة؛ العلة هي المصلحة نفسها أو
المفسدة لا مظنتها1، كانت ظاهرة أو غير ظاهرة، منضبطة أو
غير منضبطة، وكذلك نقول في قوله, عليه الصلاة والسلام:
"لا يقضي القاضي وهو غضبان"2؛
فالغضب سبب، وتشويش الخاطر عن استيفاء الحجج هو العلة3،
على أنه قد يطلق هنا لفظ السبب على نفس العلة لارتباط ما
بينهما، ولا مشاحة في الاصطلاح.
وأما المانع؛ فهو السبب المقتضي لعلة تنافي علة ما منع4؛
لأنه إنما يطلق بالنسبة إلى سبب مقتض لحكم لعلة فيه، فإذا
حضر المانع وهو مقتض علة تنافي تلك العلة؛ ارتفع ذلك
الحكم، وبطلت تلك العلة، لكن من شرط كونه مانعا أن يكون
مخلا بعلة السبب الذي نسب له المانع5؛ فيكون رفعا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أما المظنة؛ فهي التي جعلها الشارع سببا للحكم بحيث
ينضبط به؛ كالسفر مثلا. "د".
2 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأحكام، باب هل يقضي
الحاكم أو يفتي وهو غضبان، 13/ 136/ رقم 7158"، ومسلم في
"الصحيح" "كتاب الأقية، باب كراهية قضاء القاضي وهو غضبان،
3/ 1342-1343/ رقم 1717"، والنسائي في "المجتبى" "كتاب
آداب القضاة، باب ذكر ما ينبغي للحاكم أن يجتنبه، 8/
237-238"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب الأحكام، باب لا
يحكم الحاكم وهو غضبان، 2/ 776/ رقم 2316" من حديث أبي
بكرة, رضي الله عنه.
3 ولما كان التشويش وصفا غير منضبط، وكان الغضب مظنته،
وكان وصفا ظاهرا؛ ضبط به وجعل سببا. "د".
4 جرى على أن المانع مطلقا يقتضي علة تنافي علة السبب حتى
فيما يسميه الأصوليون مانع الحكم؛ كما تراه في تعريفه
وسائر بيانه، وهو اصطلاح له كما صدر به المسألة، ولا مشاحة
في الاصطلاح، لكن إذا كان مبنيا على أمر معقول، وستأتي
مناقشته في هذا الأمر. "د".
5 المعروف في الأصول أن المانع ينقسم إلى مانع الحكم، وهو
ما يستلزم حكمة تقتضي بقاء نقيض حكم السبب مع بقاء حكمة
السبب؛ كالأبوة مع القتل العمد العدوان، وإلى مانع السبب
وهو كل وصف يخل وجوده بحكمة السبب كالدين مع ملك النصاب.
"خ".
ج / 1 ص -412-
لحكمه،
فإنه إن لم يكن كذلك؛ كان حضوره مع ما هو مانع له من باب
تعارض سببين أو حكمين متقابلين، وهذا بابه كتاب التعارض
والترجيح، فإذا قلنا: الدين مانع من الزكاة؛ فمعناه أنه
سبب يقتضي افتقار المديان إلى ما يؤدي به دينه، وقد تعين
فيما بيده من النصاب؛ فحين تعلقت به حقوق الغرماء انتفت
حكمة وجود النصاب، وهي الغنى الذي هو علة وجوب الزكاة؛
فسقطت1، وهكذا نقول في الأبوة المانعة من القصاص؛ فإنها
تضمنت علة تخل بحكمة القتل2 العمد العدوان3، وما أشبه ذلك
مما هو كثير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا أحد مدارك جمهور أهل العلم القائلين بعدم وجوب
الزكاة على من عليه دين يستغرق النصاب أو ينقصه، وذهب
الشافعية إلى وجوبها عليه نظرا إلى أن الزكاة حق متعلق
بعين المال؛ فتقدم على الدين الذي هو متعلق بالذمة، وهذا
مذهب المالكية أيضا في زكاة الحرث والماشية، وأما زكاة
العين؛ فوافقوا فيها الجمهور بناء على أن تفويضها إلى
أمانة المزكي جعلها كالدين المتعلق بالذمة، وترجح جانب
صاحب الدين لتقدم حقه على حق مستحق الزكاة؛ ولأنه حق
لمعين؛ فيقدم على الحق الثابت لغير معين. "خ". وفي "ط":
"علة في وجوب...".
2 جرى في المانع على أنه لا بد فيه من علة تنافي علة
السبب، وجعله نوعا واحدا، وأدرج ما يسمونه مانع الحكم في
مانع السبب، ومثل لمانع السبب بالمثالين اللذين جعلوا
الأول منهما مثالا لمانع السبب, والثاني مثالا لمانع
الحكم، وظاهر أن مثال الأبوة الذي جعلوه مثالا لمانع الحكم
فيه حكمة المانع -وهي: كون الأب سببا لوجود الابن- هذه لا
تخل بتحقق حكمة السبب وهي الزجر؛ إذ الزجر والانكفاف
وضرورة استتباب الأمن لا تزال قائمة إذا اقتص من الوالد
فلم يخل بها حكمة الأبوة حتى يكون في هذا ما يخل بحكمة
السبب كما يريد، بل فيه تعارض سببين؛ فكان مقتضى تقريره في
المانع ألا تعد الأبوة مانعا؛ فأنت ترى أن قصره المانع على
ما نافت حكمته حكمة السبب أخرج هذا النوع من المانع، وصير
تعريف المانع قاصرا، وعليه؛ فاصطلاحه مبني على اطراد أن كل
مانع فيه علة تنافي علة السبب؛ فعليه تحقيق ذلك، وما لم
يتحقق لا يكون هناك وجه للعدول عن كلام الأصوليين في جعلهم
المانع نوعين. "د".
3 هذه العلة هي كون الأب سببا في وجوب الابن؛ فلا يليق أن
يكون الابن سببا في عدمه، قال أبو بكر بن العربي: حضرت فخر
الإسلام ببغداد يناظر القاضي أبا ثعلب الواسطي؛ فقال
القاضي أبو ثعلب: لا يقتل الأب بابنه لأنه سبب وجوده؛ فلا
يكون سبب عدمه. فقال فخر الإسلام: هذا يبطل بما إذا زنى
بابنته؛ فإنه سبب وجودها ويقتل بزناه بها. وفي الزنى مفسدة
أعظم وأعم من مفسدة القتل؛ فيصح أن يكون لها تأثير في
اختلاف حكمهما، ومن أدلة المسألة حديث ابن عباس:
"لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقاد بالولد الوالد" "خ".
ج / 1 ص -413-
المسألة الثالثة:
الشروط على
ثلاثة أقسام:
أحدها:
العقلية؛ كالحياة في العلم، والفهم في التكليف.
والثاني:
العادية؛ كملاصقة النار الجسم المحرق, في الإحراق،
ومقابلة الرائي للمرئي وتوسط الجسم الشفاف في الإبصار،
وأشباه ذلك.
والثالث:
الشرعية؛ كالطهارة في الصلاة، والحول في الزكاة، والإحصان
في الزنى، وهذا الثالث هو المقصود بالذكر، فإن حدث التعرض
لشرط من شروط القسمين الأولين فمن حيث تعلق به حكم شرعي في
خطاب الوضع أو خطاب التكليف، ويصير إذ ذاك شرعيا بهذا
الاعتبار؛ فيدخل تحت القسم الثالث.
المسألة الرابعة:
افتقرنا إلى بيان أن الشرط مع المشروط كالصفة مع
الموصوف وليس بجزء، والمستند فيه الاستقراء في الشروط
الشرعية؛ ألا ترى أن الحول هو المكمل لحكمة1 حصول النصاب
وهي الغنى فإنه إذا ملك فقط لم يستقر عليه حكمه إلا
بالتمكن من الانتفاع به في وجوه المصالح؛ فجعل الشارع
الحول مناطا لهذا التمكن الذي ظهر به وجه الغنى، والحنث في
اليمين مكمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "الحول مكمل لحكمة...".
ج / 1 ص -414-
لمقتضاها؛ فإنها لم يجعل لها كفارة إلا وفي الإقدام عليها
جناية ما على اسم الله، وإن اختلفوا في تقريرها؛ فعلى كل
تقدير لا يتحقق مقتضى الجناية إلا عند الحنث فعند ذلك كمل
مقتضى اليمين والزهوق1 أيضا مكمل لمقتضى إنفاذ المقاتل
الموجب2 للقصاص أو الدية، ومكمل لتقرر حقوق الورثة في مال
المريض مرضا مخوفا3، والإحصان مكمل لمقتضى جناية الزنى
الموجبة للرجم، وهكذا سائر الشروط الشرعية مع مشروطاتها.
وربما يشكل هذا التقرير بما يذكر من أن العقل شرط التكليف،
والإيمان شرط في صحة العبادات والتقربات، فإن العقل إن لم
يكن؛ فالتكليف محال عقلا أو سمعا، كتكليف العجماوات
والجمادات؛ فكيف يقال: إنه مكمل؟ بل هو العمدة في صحة
التكليف، وكذلك لا يصح أن يقال: إن الإيمان مكمل للعبادات؛
فإن عبادة الكافر لا حقيقة لها يصح أن يكملها الإيمان،
وكثير من هذا.
ويرتفع هذا الإشكال4 بأمرين:
أحدهما:
أن هذا من الشروط العقلية لا الشرعية5، وكلامنا في الشروط
الشرعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خروج أي روح. "ماء".
2 إن اعتبر الزهوق مكملا لحكمة المشروط وهو القتل؛ كان من
النوع الأول للشرط، وإن كان مكملا لحكمة الزجر المترتبة
على القصاص؛ كان من النوع الثاني. "د".
3 فمجرد المرض المذكور سبب في تقرر حقوقهم، ولكن شرطه
الموت. "د".
4 أي: في العقل خاصة، أما الإيمان؛ فجوابه يأتي بعده بعدم
التسليم بشرطيته. "د".
5 ولكنا قلنا: إذا اعتبرها الشرع من حيث تعلق بها حكم
شرعي؛ صارت شرعية تدخل تحت قسم الشروط الشرعية، وتنالها
أحكامها؛ إلا أن يقال: إن كلامنا في الشرعية الصرفة التي
ليست في الأصل عادية ولا عقلية، ولكن هذا لا يتناسب مع
اعتباره الزهوق شرطا، وقد سلمه. "د".
ج / 1 ص -415-
والثاني:
أن العقل في الحقيقة شرط مكمل لمحل التكليف1 وهو الإنسان،
لا في نفس التكليف، ومعلوم أنه بالنسبة إلى الإنسان مكمل،
وأما الإيمان؛ فلا نسلم أنه شرط؛ لأن العبادات مبنية عليه,
ألا ترى أن معنى العبادات التوجه إلى المعبود بالخضوع
والتعظيم بالقلب والجوارح؟ وهذا فرع الإيمان؛ فكيف يكون
أصل الشيء وقاعدته التي ينبني عليها شرطا فيه؟ هذا غير
معقول، ومن أطلق هنا لفظ الشرط؛ فعلى التوسع في العبارة.
وأيضا، فإن سلم في الإيمان أنه شرط؛ ففي المكلف لا في
التكليف, ويكون شرط صحة عند بعض، وشرط وجوب عند بعض -فيما
عدا التكليف بالإيمان- حسبما ذكره الأصوليون في مسألة خطاب
الكفار بالفروع.
المسألة الخامسة:
الأصل المعلوم في الأصول أن السبب إذا كان متوقف
التأثير على شرط؛ فلا يصح أن يقع المسبب دونه، ويستوي في
ذلك شرط الكمال وشرط الإجزاء؛ فلا يمكن الحكم بالكمال مع
فرض توقفه على شرط، [كما لا يصح الحكم بالإجزاء مع فرض
توقفه على شرط]2، وهذا من كلامهم ظاهر؛ فإنه لو صح وقوع
المشروط بدون شرطه؛ لم يكن شرطا فيه، وقد فرض كذلك، هذا
خلف.
وأيضا، لو صح ذلك؛ لكان متوقف الوقوع على شرطه غير متوقف
الوقوع عليه معا، وذلك محال.
وأيضا؛ فإن الشرط من حيث هو [شرط]3 يقتضي أنه لا يقع
المشروط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فيكون في التعبير بشرط التكليف تساهل، والغرض هو ما
ذكر. "د".
2 ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
3 ما بين المعقوفتين زيادة من الأصل و"ط"، وسقط من النسخ
المطبوعة.
ج / 1 ص -416-
إلا
عند حضوره, فلو جاز وقوعه دونه؛ لكان المشروط واقعا وغير
واقع معا، وذلك محال، والأمر أوضح من الإطناب فيه.
ولكنه ثبت في كلام طائفة من الأصوليين أصل آخر، وعزي إلى
مذهب مالك: أن الحكم إذا حضر سببه وتوقف حصول مسببه على
شرط؛ فهل يصح وقوعه بدون شرطه أم لا؟ قولان؛ اعتبارا
باقتضاء السبب، أو بتخلف الشرط، فمن راعى السبب وهو مقتضٍ
لمسببه؛ غلَّب اقتضاءه ولم يراع توقفه على الشرط، ومن راعى
الشرط وأن توقف السبب عليه مانع من وقوع مسببه؛ لم يراع
حضور السبب بمجرده، إلا أن يحضر الشرط فينتهض السبب عند
ذلك في اقتضائه.
وربما أطلق بعضهم جريان الخلاف في هذا الأصل مطلقا1،
ويمثلون ذلك بأمثلة، منها:
إن حصول النصاب سبب في وجوب الزكاة، ودوران الحول شرطه،
ويجوز تقديمها قبل الحول على الخلاف.
واليمين سبب في الكفارة، والحنث شرطها، ويجوز تقديمها قبل
الحنث على أحد القولين.
وإنفاذ المقاتل سبب في القصاص أو الدية، والزهوق شرط،
ويجوز العفو قبل الزهوق وبعد السبب, ولم يحكوا في هذه
الصورة خلافا.
وفي المذهب: إذا جعل الرجل أمر امرأة يتزوجها بيد زوجة هي
في ملكه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تعرض القرافي في الثالث والثلاثين من "قواعده" [1/ 196]
لهذا المبحث، وذكر أن الحكم الذي يتقدم على سببه وشرطه غير
معتبر إجماعا، والذي يتأخر عن السبب ويتقدم عن الشرط يختلف
العلماء في كثير من صوره؛ هل هو معتبر أو لا؟ ثم ضرب لذلك
أمثلة وأهمها ما تصدى المصنف للجواب عنه في هذا التحرير.
"خ".
ج / 1 ص -417-
إن
شاءت طلقت أو أبقت، فاستأذنها1 في التزويج فأذنت له، فلما
تزوجها أرادت هذه أن تطلق عليه، قال مالك: ليس لها ذلك؛
بناء على أنها قد أسقطت بعد جريان السبب وهو التمليك، وإن
كان قبل حصول الشرط وهو التزوج.
وإذا أذن الورثة عند المرض المخوف في التصرف في أكثر من
الثلث جاز، مع أنهم لا يتقرر ملكهم إلا بعد الموت؛ فالمرض
هو السبب لتملكهم، والموت شرط؛ فينفذ إذنهم عند مالك
-خلافا لأبي حنيفة والشافعي- وإن لم يقع الشرط، ومن الناس
من قال بإنفاذ إذنهم في الصحة والمرض؛ فالسبب على رأي
هؤلاء هو القرابة، ولا بد لهم من القول بأن الموت شرط.
وفي المذهب: من جامع فالتذ ولم ينزل فاغتسل فأنزل2 ففي
وجوب الغسل عليه ثانية قولان، ونفي الوجوب بناء على أن سبب
الغسل انفصال الماء عن مقره، وقد اغتسل، فلا يغتسل له مرة
أخرى، هذه حجة سحنون وابن المواز؛ فالسبب هو الانفصال،
والخروج شرط، ولم يعتبر، إلى كثير من المسائل تدار على هذا
الأصل.
وهو ظاهر المعارضة للأصل الأول؛ فإن الأول يقضي بأنه لا
يصح وقوع المشروط بدون شرطه بإطلاق، والثاني يقضي بأنه
صحيح عند بعض العلماء، وربما صح باتفاق، كما في مسألة
العفو قبل الزهوق، ولا يمكن أن يصح الأصلان معا بإطلاق،
والمعلوم صحة الأصل الأول؛ فلا بد من النظر في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المذكور في كتب المذهب أنه إذا ملكها أمر امرأة يتزوجها،
ثم أسقطت حقها الذي ملكها إياه بأن قالت مثلا: أسقطت حقي،
ثم تزوج بالمرأة التي جعل لزوجته حق تطليقها، فإذا أرادت
أن تتمسك بهذا الحق؛ فليس لها ذلك على المشهور المعتمد،
ومقابله ضعيف، وبتنزيل كلام المؤلف عليه يظهر الكلام هنا،
والجواب الآتي، أما مجرد الإذن له على ما هو ظاهر كلامه؛
فإنه لا يسقط حقها ولا يتم معه الجواب الآتي، ولا يخفى
عليك أن قوله: "بناء على... إلخ" ليس من مقول مالك "د".
2 في "ط": "ثم أنزل".
ج / 1 ص -418-
كلامهم
في الأصل الثاني:
أما أولا؛ فنفس التناقض بين الأصلين كافٍ في عدم صحته عند
العلم بصحة1 الأصل الأول.
وأما ثانيا؛ فلا نسلم أن تلك المسائل جارية على عدم اعتبار
الشرط؛ فإنا نقول:
من أجاز تقديم الزكاة قبل [حلول]2 الحول مطلقا -من غير أهل
مذهبنا- فبناء على أنه ليس بشرط في الوجوب، وإنما هو شرط
في الانحتام؛ فالحول كله كأنه وقت -عند هذا القائل- لوجوب3
الزكاة موسع، ويتحتم في آخر الوقت كسائر أوقات التوسعة،
وأما الإخراج قبل الحول بيسير -على مذهبنا- فبناء على أن
ما قرب من الشيء فحكمه حكمه، فشرط الوجوب حاصل.
وكذلك القول في شرط الحنث: من أجاز تقديم الكفارة عليه؛
فهو عنده شرط في الانحتام من غير تخيير، لا شرط في وجوبها.
وأما مسألة الزهوق؛ فهو شرط في وجوب القصاص أو الدية، لا
أنه شرط في صحة العفو، وهذا متفق عليه؛ إذ العفو بعده لا
يمكن4؛ فلا بد من وقوعه قبله إن وقع، ولا يصح5 أن يكون
شرطا إذ ذاك في صحته، ووجه صحته أنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: بإطلاق ليصح التناقض. "د".
2 ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، واستظهرها ناسخ
المخطوط.
3 ومثل هذا الجواب للسعد في "حاشيته" على ابن الحاجب في
مسألة الأداء والقضاء. "د".
4 وهو ظاهر متى كان الاعتراض في خصوص عفو المجروح. "د".
5 لو كان تفريعا بالفاء؛ لكان أوضح. "د".
ج / 1 ص -419-
حق من
حقوق المجروح التي لا تتعلق بالمال؛ فجاز عفوه عنه مطلقا1
كما يجوز عفوه عن سائر الجراح، وعن عِرْضه إذا قذف، وما
أشبه ذلك، والدليل على أن مدرك حكم العفو ليس ما قالوه2
أنه لا يصح للمجروح ولا لأوليائه استيفاء القصاص أو أخذ
دية النفس كاملة قبل الزهوق باتفاق، ولو كان كما قالوه؛
لكان في هذه المسألة قولان3.
وأما مسألة تمليك المرأة؛ فإنها لما أسقطت حق نفسها فيما
شرطت على الزوج قبل تزوجه؛ لم يبق لها ما تتعلق به بعده؛
لأن ما كانت تملكه بالتمليك قد أسقطت حقها4 فيه بعد ما جرى
سببه، فلم يكن لتزوجه تأثير فيما تقدم من الإسقاط، وهو فقه
ظاهر.
ومسألة إذن الورثة بينة5 المعنى؛ فإن الموت سبب في صحة
الملك لا في تعلقه، والمرض سبب في تعلق حق الورثة بمال
الموروث لا في تملكهم له؛ فهما سببان، كل واحد منهما يقتضي
حكما لا يقتضيه الآخر، فمن حيث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: زاد عن ثلث ماله أم لا؛ فلا شأن للورثة بذلك. "د".
2 أي: فيما سبق من بنائه على أن مجرد حصول السبب قاضٍ
بترتب المسبب, وإن لم يحصل الشرط اعتبارا باقتضاء السبب.
"د".
3 ومعلوم أن الزهوق شرط في القصاص والدية، وقد اتفقوا على
أنه إن لم يحصل هذا الشرط؛ فلا يتأتى القصاص ولا أخذ دية
النفس، فاتفاقهم دليل على أن مجرد حصول السبب بدون الشرط
لا يترتب عليه المسبب، ولو كان هناك من يقول باعتبار السبب
وحده بدون الشرط؛ لكان قائلا بصحة استيفاء الدية والقصاص
قبل تحقق الشرط وهو الزهوق، ولم يقل بذلك أحد؛ فدل على
اعتبار الجميع للشرط في تحقق حكم المسبب. "د".
4 أي: فليس تزوج المرأة شرطا في صحة التمليك؛ لأن الملك تم
بمجرد الصيغة، غايته أن أثره إنما يكون بعد التزوج، فإذا
أسقطت الملك؛ فليس إسقاطا قبل حصول الشرط في الملك. "د".
5 في الأصل: "مبينة".
ج / 1 ص -420-
كان
المرض سببا لتعلق الحق وإن لم يكن ملك كان إذنهم واقعا في
[محله] لأنهم لما تعلق حقهم بمال الموروث صارت لهم فيه
شبهة ملك, فإذا أسقطوا حقهم فيه لم يكن لهم بعد ذلك
مطالبة؛ لأنهم صاروا في الحال الذي أنفذوا تصرف المريض فيه
حالة المرض كالأجانب1، فإذا حصل الموت لم يكن لهم فيه حق
كالثلث و[قول]2 القائل بمنع الإنفاذ يصح مع القول بأن
الموت شرط؛ لأنهم أذنوا قبل التمليك3 وقبل حصول الشرط؛ فلا
ينفذ كسائر الشروط مع مشروطاتها.
وأما مسألة الإنزال فيصح4 بناؤها على أنه ليس بشرط في هذا
الغسل، أو لأنه لا حكم له؛ لأنه إنزال من غير اقتران لذة.
فعلى الجملة هذه الأشياء لم يتعين فيها التخريج على عدم
اعتبار الشرط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فقد أسقطوا المقدار الذي ترتب لهم على مرض مورثهم،
وصاروا كالأجانب لا يقبل منهم بعد الموت كلام فيما تصرف
فيه زائدا على الثلث؛ كحال الأجانب في ذلك، وكل هذا خارج
عن تقرر ملك لهم في حالة المرض. "د" وفي "ط": "صاروا في
المال...".
2 ما بين المعقوفتين زيادة من "ط" و"م".
3 أي: قبل تمامه بحصول شرطه. "د". وفي "ط": "قبل التملك أو
قبل...".
4 أي: تبنى على أن الجماع ليس من شرط وجوب الغسل فيه
الإنزال، وفرض المسألة الجماع؛ فدعوى أن الإنزال شرط ليست
بصحيحة في هذا الفرض، أو يقال: إن عدم وجوب الغسل مبني على
ما هو أعم من ذلك، وهو أن كل إنزال لم يقترن بلذة يكون
كالعدم لا حكم له، ولو لم يكن ناشئا عن الجماع، اللهم إلا
ما كان في النوم؛ فإنهم وإن لم يشترطوا مقارنته للذة إلا
أنه لما كانت الحالة حالة نوم وغفلة عن ضبط اللذة مع كون
الغالب أن المني لا يكون إلا مع لذة؛ طردوا الباب في النوم
حتى فيما لم يشعر فيه باللذة، وهذا إنما يصح إذا سلمنا أنه
يشترط مقارنة اللذة في اعتبار الإنزال موجبا، مع أنهم
صرحوا في غير الجماع بأن الإنزال بسبب اللذة موجب للغسل،
وإن لم يقارنها، بل تأخر عنها؛ فتأمل، ثم رأيت أن ما قلناه
ليس متفقا عليه بل هو المعتمد، ومقابله يشترط في الإنزال
الموجب للغسل أن يكون بلذة مقارنة، حتى إذا التذ وبعد
انقضاء اللذة خرج منه المني؛ فإنه لا يطالب بالغسل مطلقا،
سواء اغتسل قبل خروجه -وإن لم يطالب به- أو لم يغتسل؛
فكلام المؤلف مبني على هذا. راجع الزرقاني وحاشية العدوي
عليه. "د".
ج / 1 ص -421-
المسألة السادسة:
الشروط المعتبرة في المشروطات شرعا على ضربين:
أحدهما:
ما كان راجعا إلى خطاب التكليف إما مأمورا بتحصيلها
-كالطهارة للصلاة وأخذ الزينة لها وطهارة الثوب وما أشبه
ذلك- وإما منهيا عن تحصيلها -كنكاح المحلل الذي هو شرط
لمراجعة الزوج الأول والجمع بين المتفرق والفرق بين
المجتمع خشية الصدقة الذي هو شرط لنقصان الصدقة وما أشبه
ذلك- فهذا الضرب واضح قصد الشارع فيه, فالأول مقصود الفعل
والثاني مقصود الترك وكذلك الشرط المخير فيه -إن اتفق1-
فقصد الشارع فيه جعله لخيرة المكلف إن شاء فعله فيحصل
المشروط, وإن شاء تركه فلا يحصل.
والضرب الثاني:
ما يرجع إلى خطاب الوضع كالحول في الزكاة والإحصان في
الزنى والحرز في القطع وما أشبه ذلك, فهذا الضرب ليس
للشارع قصد في تحصيله من حيث هو شرط ولا في عدم تحصيله
فإبقاء النصاب حولا حتى تجب الزكاة فيه ليس بمطلوب الفعل
أن يقال يجب علي [صاحبه]2 إمساكه حتى تجب عليه الزكاة فيه,
ولا مطلوب الترك أن يقال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كالنكاح الذي يكون به محصنا؛ فهو مباح وشرط في ترتب حكم
الرجم على الزنى. "د".
2 ما بين المعقوفتين زيادة من الأصل و"م" و"خ" و"ط"، وسقطت
من "د".
ج / 1 ص -422-
يجب
عليه إنفاقه خوفا أن تجب فيه الزكاة, وكذلك الإحصان, لا
يقال: إنه مطلوب الفعل1 ليجب عليه الرجم إذا زنى, ولا
مطلوب الترك لئلا يجب عليه الرجم إذا زنى.
وأيضا فلو كان مطلوبا, لم يكن من باب خطاب الوضع, وقد
فرضناه كذلك, هذا خلف, والحكم فيه ظاهر2.
فإذا توجه قصد المكلف إلى فعل الشرط أو إلى تركه, من حيث
هو فعل داخل تحت قدرته؛ فلا بد من النظر في ذلك, وهي:
المسألة السابعة:
فلا يخلو أن يفعله أو يتركه من حيث هو داخل تحت خطاب
التكليف3، مأمورا به أو منهيا عنه أو مخيرا فيه أو لا, فإن
كان ذلك, فلا إشكال فيه؛ وتنبني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ليس مطلوب التحصيل بفعل سببه وهو النكاح، وإلا؛
فالإحصان وصف لا يفعل. "د".
2 في "م": "ظاهرة"؛ فضبط الجملة الأستاذ محيي الدين تبعا
لذلك: "والحِكَمُ فيه ظاهرة".
3 لا يقال: موضوع المسألة عام في الضربين، وقد خصه بخطاب
التكليف؛ فيكون خاصا بالضرب الأول في المسألة قبلها، وهذا
لا يناسب فرض المسألة كما لا يناسب الأمثلة الآتية.
لأنا نقول: إن خطاب الوضع يدخل تحت قوله: "أو مخيرا فيه"،
وكذا تحت ما قبله من المأمور به والمنهي عنه، من حيث إن
خطاب الوضع في المسائل الآتية يحصل مسببا عن فعل المخير
فيه مثلا كما تقدمت أمثلته؛ فإن الحول في الزكاة يحصل من
إمساك المال مدة الحول، وهو فعل مخير فيه، له أن ينفق أو
يمسك, والإحصان مرتب على النكاح المخير فيه, وجمع المتفرق
وتفريق المجتمع مخير فيه, وكل منهما مترتب عليه خطاب
الوضع؛ فالكلام جارٍ مع فرضه المسألة؛ فإن فعل الشرط؛ لأنه
مأمور به أو تركه؛ لأنه منهي عنه، أو فعله لأنه مخير فيه،
وكان قصده قضاء حاجته، لا إبطال مسبب شرعي، فلا كلام في
ترتب أحكام الشرط عليه. "د".
ج / 1 ص -423-
الأحكام التي تقتضيها الأسباب على حضوره، وترتفع عند فقده؛
كالنصاب إذا أنفق قبل الحول للحاجة إلى إنفاقه، أو أبقاه
للحاجة إلى إبقائه، أو يخلط ماشيته بماشية غيره لحاجته إلى
الخلطة، أو يزيلها لضرر الشركة أو لحاجة أخرى، أو يطلب
التحصن بالتزويج لمقاصده، أو يتركه لمعنى من المعاني
الجارية على الإنسان، إلى ما أشبه ذلك.
وإن كان1 فعله أو تركه من جهة كونه شرطا قصدا لإسقاط حكم
الاقتضاء [في السبب]2 أن لا يترتب عليه أثره؛ فهذا عمل غير
صحيح، وسعي باطل؛ دلت على ذلك دلائل العقل والشرع معا.
فمن الأحاديث في هذا الباب قوله, صلى الله عليه وسلم3:
"لا يجمع بين متفرق ولا يفرق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: فإن فعل ما يحقق الشرط أو فعل ما يخل به بهذا القصد؛
فإنه يكون باطلا لا يترتب عليه أثره، وظاهره أن ذلك جار
فيما ترتب عليه ما لا يعد هربا من الأثر؛ كأن يجمع لتلزمه
الزكاة أو يفرق لتلزمه أيضا، وكذا إذا أبقى النصاب بقصد
وجوب الزكاة، أو فعل موجب الإحصان ليرجم إذا زنى ظاهره أن
هذا لا يترتب عليه أثره؛ لأنه قصد إلى الشرط من جهة كونه
شرطا بنية إسقاط حكم الاقتضاء السابق على فعل ما يحقق
الشرط حتى لا يترتب عليه أثره، وهو عدم الزكاة في المثالين
الأول والثاني، وعدم الرجم في المثال الثالث، ولا يخفى أن
هذا الظاهر غير واضح؛ لأنه متى بقي النصاب إلى الحول عنده
ولو بهذا القصد لزمته الزكاة، وكذا يقال في بقية الأمثلة؛
فهل تقيد المسألة بما إذا كان الفعل أو الترك قصدا إلى
إسقاط أثر شرعي لا يراه في مصلحته، وهربا مما ينافي مقاصد
الناس في المألوف عند العقلاء؛ فيكون الحكم في المسائل
السابقة وأمثالها اعتبار الحالة الواقعة ولو كان القصد
مندرجا فيما يقوله المؤلف؟ "د".
2 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
3 فهو فعل منهيا عنه ليخل بشرط الزكاة أو زيادتها، وفي
المثال الثاني فعل منهيا عنه ليخل بشرط الخيار، وفي المثال
الثالث فعل منهيا عنه وهو إدخال فرس معروف فيها أنها تسبق
الخيل ليحقق شرط حوز الرهان وهو السبق؛ فهو مخل بقصد
المسابقة ومقترن بقصد حصول الشرط، وكذا يقال في شرط
الولاء: إنه فعل منهيا عنه بقصد إسقاط حكم الاقتضاء ألا
يترتب عليه أثره، وكذا =
ج / 1 ص -424-
بين مجتمع
خشية الصدقة"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= البيع، وشرط ألا يبيعه المشتري مطلقا أو لغيره مثلا؛
فهذا إسقاط لما يترتب على البيع من حق المشتري في سائر
تصرفات الملك، وما بعده قيد فيه السلف الذي لا يكون إلا
لله وليس فيه مشاحة ولا ربح بالبيع الذي فيه ذلك؛ فقد خرج
السلف بذلك عن مقتضاه، وشرط في شرط كشرط أن يكون الولاء
للبائعين في مسألة بريرة حيث اشترطوا في بيعها أن تعتقها،
واشترطوا في عتقها أن يكون الولاء لهم، والفقهاء استثنوا
من عدم جواز البيع والشرط مسألة شرط العتق فقد أجازوها؛
فيتصور فيها شرط في شرط، وكذا فعل اليمين المنهي عنها
ليرتب عليها حقا له لم يكن؛ فقد فعل شرطا يترتب عليه
القضاء له بغير حقه، وقد فعله من جهة كونه شرطا بالقصد
المعلوم، وجعل الشارع اليمين على نية المستحلف حتى لا يمكن
الحالف من فعل شرط بهذا القصد الباطل، وآية
{وَلا يَحِلُّ لَكُمْ...} إلخ من هذا أيضا، فإذا فعل ما يقتضي نشوزها وعدم قيامها بحدود
الله؛ فقد فعل منهيا عنه بقصد حصوله على غرضه من الفدية،
وآية شهادة الزور؛ فالشهادة يحقق بها شرطا لحكم القاضي
للمشهود له بقصد إسقاط حكم الاقتضاء قبل الشهادة، والتيس
المستعار يريد تحقيق شرط عودها للأول بهذا القصد. "د".
وفي "م": "قوله, عليه السلام"، وفي "خ": "قوله, عليه
الصلاة والسلام".
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الزكاة، باب لا يجمع بين
متفرق ولا يفرق بين مجتمع، 3/ 314/ رقم 1450" من حديث أنس,
رضي الله عنه.
وأخرجه من حديث ابن عمر ضمن قطعة من آخر حديث طويل, أبو
داود في "السنن" "كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، 2/
244-225/ رقم 1568"، والترمذي في "الجامع" "أبواب الزكاة،
باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، 2/ 66-67/ رقم 617"،
وابن ماجه في "السنن" "كتاب الزكاة، باب صدقة الإبل، 1/
573، 574/ رقم 1798"، وأحمد في "المسند" "2/ 15"، وابن أبي
شيبة في "المصنف" "3/ 121، 122"، وابن زنجويه في "الأموال"
"رقم 1519"، والحاكم في "المستدرك" "1/ 392"، والبيهقي في
"الكبرى" "4/ 88"، وابن حزم في "المحلى" "6/ 32، 40" من
طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه ابن عمر به،
وإسناده ضعيف لضعف سفيان في رواية عن الزهري.
ولكن للحديث شواهد عديدة اعتنى بسردها ابن زنجويه في
"الأموال" "2/ 861-863"، وانظر: "التلخيص الحبير" "2/ 151،
155"، و"فتح الباري" "3/ 314".
ج / 1 ص -425-
وقال
صلى الله عليه وسلم1:
"البيع والمبتاع بالخيار
حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه
خشية أن يستقيله"2.
وقال: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن تسبق؛ فليس
بقمار، ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن تسبق؛ فهو
قمار"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "م": "عليه السلام"، وفي "خ": "عليه الصلاة والسلام".
2 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب البيوع، باب كم يجوز
الخيار، 4/ 326/ رقم 2107، وباب إذا لم يوقت الخيار هل
يجوز البيع، 4/ 327-328/ رقم 2109"، ومسلم في "صحيحه"
"كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، 3/ 1163/
رقم 1531"، وأبو داود في "السنن" "كتاب البيوع والإجارات،
باب في خيار المتبايعين/ رقم 3454، 3455"، والترمذي في
"الجامع" "أبواب البيوع, باب ما جاء في البيعين بالخيار ما
لم يتفرقا/ رقم 1245", والنسائي في "المجتبى" "كتاب
البيوع، باب وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما، 7/
248-249"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب التجارات، باب
البيعان بالخيار ما لم يفترقا، 2/ 736/ رقم 2181"، ومالك
في "الموطأ" "2/ 2671"، وأحمد في "المسند" "2/ 4، 9، 73",
وابن الجارود في "المنتقى" "رقم 617"، والبيهقي في
"الكبرى" "5/ 268، 272" عن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- بألفاظ متعددة منها هذا.
3 أخرجه أحمد في "المسند" "3/ 505"، وابن ماجه في "السنن"
"2/ 960/ رقم 2876"، وأبو داود في "السنن" "3/ 30/ رقم
2579"، وابن أبي شيبة في "المصنف" "12/ 499"، والدراقطني
في "السنن" "4/ 305"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "2/
365-366"، والحاكم في "المستدرك" "2/ 114"، والبيهقي في
"السنن الكبرى" "10/ 20"، والبغوي في "شرح السنة" "10/
395-396/ رقم 2654"، وابن حزم في "المحلى" "7/ 354"، وأبو
نعيم في "الحلية" "2/ 175"، والحربي في "غريب الحديث" "2/
373"، والطبراني في "المعجم الصغير" "1/ 285/ رقم 470-
الروض الداني"، وابن المنذر في "الإقناع" "2/ 506"، وأبو
عبيد في "غريب الحديث" "2/ 143"، وابن عدي في "الكامل" "3/
1208-1209"، وأبو يعلى في "المسند" "10/ 259/ رقم 5864"،
وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "7/ 103/ 2" من طريقين "سفيان
بن حسين وسعيد بن بشير" بأسانيد متفرقة عن الزهري عن سعيد
بن المسيب =
ج / 1 ص -426-
............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عن أبي هريرة به.
وهذا إسناد ضعيف، والحديث معلول، أعله جهابذة الجرح
والتعديل.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "العلل" "2/ 252/ رقم
2249" له: "سألت أبي عن حديث رواه يزيد بن هارون وغيره عن
سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
مرفوعا: "أيما رجل أدخل فرسا بين فرسين وهو يأمن أن يسبق؛
فهو قمار" قال أبي: هذا خطأ، لم يعمل سفيان بن حسين شيئا
لا يشبه أن يكون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحسن
أحواله أن يكون عن سعيد بن المسيب من قوله، وقد رواه يحيى
بن سعيد عن سعيد من قوله".
وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه", كما في "التلخيص الحبير"
"4/ 163"، و"الفروسية" "230- بتحقيقي" لابن القيم:
"سألت يحيى بن معين عن حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي, صلى الله عليه
وسلم: "من أدخل
فرسا بين فرسين..." الحديث؛ فقال: باطل وخطأ على أبي
هريرة".
وقال أبو داود في "سننه" بعد أن أخرجه "رقم 2580": "رواه
معمر وشعيب وعقيل عن الزهري عن رجال من أهل العلم، قالوا:
"من أدخل فرسا"، وهذا أصح عندنا.
هذا لفظ أبي داود؛ فلا ينبغي أن يقتصر المخرج له من
"السنن" على قوله: رواه أبو داود، ويسكت عن تعليله له.
وقد رواه مالك في "الموطأ" "2/ 468"، والبيهقي في "السنن
الكبرى" "10/ 20" "عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب؛ أنه
قال: "من أدخل فرسا"؛ فجعله من كلام سعيد نفسه.
وكذلك رواه الأساطين الأثبات, من أصحاب الزهري معمر بن
راشد، وعقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، والليث بن سعد،
ويونس بن يزيد الأيلي، وهؤلاء أعيان أصحاب الزهري، كلهم
رووه عن سعيد بن المسيب من قوله.
وممن أعله أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريب الحديث" "2/
143"، وأعله أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" "14/ 87"،
وقال:
"هذا حديث انفرد به سفيان بن حسين من بين أصحاب ابن شهاب،
ثم أعله بكلام أبي داود". =
ج / 1 ص -427-
وقال
في حديث بريرة حين اشترط أهلها أن يكون الولاء لهم:
"من اشترط شرطا ليس في كتاب الله؛ فهو باطل، وإن كان مائة
شرط"1 الحديث.
ونهى عليه [الصلاة والسلام] عن بيع وشرط، وعن بيع وسلف،
وعن شرطين في بيع2، وسائر أحاديث الشروط المنهي عنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وقال بعض الحفاظ فيما نقل ابن القيم في "الفروسية"
"231-232- بتحقيقي": "يبعد جدا أن يكون الحديث عند الزهري
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا، ثم لا يرويه واحد
من أصحابه الملازمين له، المختصين به, الذين يحفظون حديثه
حفظا، وهم أعلم الناس بحديثه، وعليهم مداره، وكلهم يروونه
عنه كأنما من قول سعيد نفسه، وتتوفر هممهم ودواعيهم على
ترك رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم الطبقة
العليا من أصحابه، المقدمون على كل من عداهم ممن روى عن
الزهري، ثم ينفرد برفعه من لا يدانيهم ولا يقاربهم؛ لا في
الاختصاص به، ولا في الملازمة له، ولا في الحفظ، ولا في
الإتقان، وهو معدود عندهم في الطبقة السادسة من أصحاب
الزهري على ما قال أبو عبد الرحمن النسائي، وهو سفيان بن
حسين؛ فمن له ذوق في علم الحديث لا يشك ولا يتوقف أنه من
كلام سعيد بن المسيب لا من كلام رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- ولا يتأتى له الحكم برفع الحديث إلى النبي -صلى الله
عليه وسلم- بل إما أن يرويه ويسكت عنه، أو ينبه عليه".
قال ابن القيم: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: رفع
هذا الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خطأ، وإنما هو
من كلام سعيد بن المسيب".
قال: "وهذا مما يعلم أهل العلم بالحديث أنه ليس من كلام
النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو من كلام سعيد بن
المسيب نفسه، وهكذا رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري
عنه عن سعيد بن المسيب؛ مثل: الليث بن سعد، وعقيل، ويونس،
ومالك بن أنس، وذكره في "الموطأ" عن سعيد بن المسيب نفسه،
ورفعه سفيان بن حسين الواسطي، وهو ضعيف لا يحتج بمجرد
روايته عن الزهري لغلطه في ذلك". ونحوه في "مجموع الفتاوى"
"18/ 63-64".
1 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب البيوع، باب إذا اشترط
شروطا في البيع لا تحل, 4/ 376/ رقم 2168"، ومسلم في
"صحيحه" "كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، 2/ 1042/
رقم 1504" من حديث عائشة, رضي الله عنها.
2 في الأصل و"ط": "عن شرطين في شرط"، وفي النسخ الثلاث
المطبوعة: "وعن شرط =
ج / 1 ص -428-
ومنه
حديث:
"من اقتطع مال امرئ مسلمٍ بيمينه"1.
وحديث: أن
"اليمين على
نية المستحلِف"2.
وعليه جاءت الآية:
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية [آل عمران: 77].
وفي القرآن أيضا:
{وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا
آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا
يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} الآية [البقرة: 229].
وآية شهادة الزور والأحاديث فيها من هذا أيضا.
وقال تعالى:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
وما جاء من3 الأحاديث.
وقال:
{فَإِنْ
طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= في شرط"! والصواب: "وعن شرطين في بيع"؛ كما أثبتناه.
وسيأتي النهي عن ذلك في حديث بلفظ:
"لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم
يضمن...". انظره وتخريجه "ص469".
وما بين المعقوفتين سقط من "م"، وكتب "خ" هنا ما نصه: "لم
يجر البيع والسلف لاتهام المتعاقدين على قصد السلف بزيادة،
ولأن فيه الجمع بين عقدين متضادين؛ فإن السلف معروف،
والبيع موضوع للتجارة، ومبني على المشاحَّة".
1 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع
حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، 1/ 122/ رقم 137" بلفظ:
"من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه؛ فقد أوجب الله له النار".
2 أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب الأيمان، باب يمين الحالف
على نية المستحلف، 3/ 1247/ رقم 1653، بعد 21" من حديث أبي
هريرة, رضي الله عنه.
3 في "ط": "وما في معناه من".
ج / 1 ص -429-
وما
جاء من أحاديث لعن المحلِّل والمحلَّل له1 والتيس
المستعار.
وحديث التصرية في شراء الشاة على أنها غزيرة الدَّرِّ2.
وسائر أحاديث النهي عن الغش3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرج الترمذي في "الجامع" "2/ 294"، وأبو داود في
"السنن" "2/ 227"، وابن ماجه في "السنن" "1/ 622"،
والنسائي في "المجتبى" "6/ 149"، وأحمد في "المسند" "1/
450"، والدارمي في "السنن" "2/ 294"، وابن أبي شيبة في
"المصنف" "4/ 295"، وعبد الرزاق في "المصنف" "6/ 269"،
والدارقطني في "السنن" "3/ 251"، والحاكم في "المستدرك"
"2/ 198"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "7/ 207" من حديث
ابن مسعود:
"لعن المحلل والمحلل له".
وقال الذهبي في "الكبائر" "ص213- بتحقيقنا" بعد أن أورد
حديث: "لعن الله المحلل والمحلل له"، قال: "جاء ذلك من وجهين جيدين عنه, صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" "3/ 170": "صححه ابن
القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري".
وانظر غير مأمور: "الاقتراح" "207"، و"تحفة المحتاج" "2/
372".
2 أخرج البخاري في "الصحيح" "كتاب البيوع، باب النهي
للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم/ 3/ 361/ رقم
2148"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب البيوع، باب حكم بيع
المصراة، 3/ 1158/ رقم 1524" من حديث أبي هريرة مرفوعا:
"لا تصروا
الإبل والغنم للبيع، فمن ابتاعها بعد ذلك؛ فهو بخير
النظرين من بعد أن يحلبها؛ إن رضي أمسكها، وإن سخطها ردها
وصاعا من تمر"،
وفي رواية لمسلم:
"من اشترى
مصراة؛ فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها؛ رد معه صاعا من
تمر لا سمراء".
وهي في البخاري معلقة، دون "لا سمراء".
3 أخرج ابن حبان في "الصحيح" "2/ 326/ رقم 567- الإحسان"،
والطبراني في "الكبير" "رقم 10234"، و"الصغير" "1/ 261"،
وأبو نعيم في "الحلية" "4/ 189"، والقضاعي في "مسند
الشهاب" "رقم 253، 254" بإسناد حسن عن ابن مسعود مرفوعا:
"من غشنا فليس
منا".
وأخرجه مسلم في "صحيحه" "رقم 101"، وأبو داود في "السنن"
"رقم 3455"، والترمذي في "الجامع" "رقم 1315"، وابن ماجه
في "السنن" "رقم 2224"، وأحمد في "المسند" "2/ 242، 417"،
وأبو عوانة في "المسند" "1/ 57"، والطحاوي في "المشكل" "2/
139"، وابن الجارود في "المنتقى" "رقم 564"، والحاكم في
"المستدرك" "2/ 8، 9"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "5/
230" من حديث أبي هريرة.
ج / 1 ص -430-
والخديعة.
والخلابة1.
والنجش2.
وحديث امرأة رفاعة القرظي حين طلقها وتزوجها3 عبد الرحمن
بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وأخرج البخاري في "الصحيح" "كتاب البيوع، باب ما يكره من
الخداع في البيع، 4/ 337/ رقم 2117", ومسلم في "الصحيح"
"كتاب البيوع، باب من يخدع في البيع، 3/ 1165/ رقم 1533"؛
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمن يخدع في البيع: "متى
بايعت؛ فقل: لا خلابة"،
وهذا الرجل هو حبان بن منقذ، وقيل: بل والده، وهذا هو
الصحيح، وانظر: "تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم" "رقم
596"، وتعليقنا عليه.
2 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب البيوع، باب النجشي، 4/
355/ رقم 2142"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب البيوع، باب تحريم
بيع الرجل على بيع أخيه" من حديث ابن عمر: "أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- نهى عن النجش".
قال "د": "تصرية الشاة وما معها من مسائل الغش والخديعة
والخلابة والنجش -ويجمعها في الحقيقة جنس الغش- قد فعل بها
أمرا يقتضي زيادة الثمن عما إذا كانت غير مغشوشة، ولو كان
ما فعله بهذا القصد صحيحا؛ لرتب الشارع عليه ملكه للزيادة
وحل الانتفاع بها، ولكنه لا يرتب ذلك لأنه فعل شرط الزيادة
بهذا القصد السيئ ولا بد؛ فلا تكون الزيادة ملكا له، ولا
يحل انتفاعه بها، وللمشتري رد المبيع واسترداد الثمن".
3 في جميع الأمثلة السابقة وجد الشرط فعلا، ولكن بقصد غير
صحيح, فكان سعيا باطلا من هذه الجهة، أما في مسألة امرأة
رفاعة؛ فليس فيها تحقق الشرط وهو نكاح الزوج الآخر، وأنه
فعل بقصد سيئ كالتحليل مثلا حتى يلغى الأثر المترتب على
الشرط, ويبقى الأمر كما كان قبل فعله، وإنما الذي في
المسألة أن الشرط لم يتحقق بدليل قوله, عليه السلام:
"لا، حتى تذوقي
عسيلته..." إلخ،
أي: إنه لم يتحقق المس مع الانتشار بدليل أنها لما عادت
إليه -عليه السلام- بعد مدة تقول: إنه قد مسني؛ فقال لها:
"كذبت
بقولك الأول، فلن أصدقك في الآخر"؛ فلا
يظهر وجه إدراج المسألة في هذا الباب. "د".
ج / 1 ص -431-
الزبير1.
والأدلة أكثر من أن يؤتى عليها هنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرج البخاري في "الصحيح" "كتاب الشهادات، باب شهادة
المختبئ، 5/ 249/ رقم 2639"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب
النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا
غيره، 2/ 1055-1056/ رقم 1433"، وأبو داود في "السنن"
"كتاب الطلاق، باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح
زوجا غيره، 2/ 731-732/ رقم 2309"، والنسائي في "المجتبى"
"كتاب الطلاق، باب إحلال المطلقة ثلاثا والنكاح الذي يحلها
به، 6/ 148"، والترمذي في "الجامع" "أبواب النكاح، باب ما
جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيطلقها قبل أن
يدخل بها، 2/ 293/ رقم 1127"، وابن ماجه في "السنن" "كتاب
النكاح، باب الرجل يطلق امرأته ثلاثا فتتزوج فيطلقها قبل
أن يدخل بها أترجع إلى الأول؟ 1/ 621-622/ رقم 1932"،
وأحمد في "المسند" "6/ 42، 96" من حديث عائشة قالت: "جاءت
امرأة رفاعة القرظي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت:
كنت عند رفاعة فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن
بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال:
"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا؛ حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك".
وأخرج مالك في "الموطأ" "2/ 531" عن المسور بن رفاعة
القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير: أن رفاعة بن
سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب، وذكر نحوه.
وهو مرسل عند أكثر رواة "الموطأ"، ورواه ابن وهب وابن
القاسم وعلي بن زياد وإبراهيم بن طهمان وعبيد الله بن عبد
المجيد الحنفي، جميعهم عن مالك؛ فقالوا: عن الزبير بن عبد
الرحمن عن أبيه موصولا، وهو صاحب القصة.
"فائدة": الزبير ضبطها الحافظ في "التقريب" "3860" بفتح
الزاي، وفي حاشية الأصل بكسر الباء وفتح الزاي المشددة.
ج / 1 ص -432-
وأيضا؛
فإن هذا العمل1 يصير ما انعقد سببا لحكم شرعي جلبا لمصلحة
أو دفعا لمفسدة، عبثا لا حكمة له ولا منفعة به2، وهذا
مناقض لما ثبت في قاعدة المصالح، وأنها معتبرة في الأحكام.
وأيضا؛ فإنه مضاد لقصد الشارع من جهة أن السبب لما انعقد
وحصل في الوجود؛ صار مقتضيا شرعا لمسببه، لكنه توقف على
حصول شرط3، هو تكميل للسبب؛ فصار هذا الفاعل أو التارك
بقصد رفع حكم السبب قاصدا لمضادة الشارع في وضعه سببا، وقد
تبين [أن]4 مضادة قصد الشارع باطلة؛ فهذا العمل باطل.
فإن قيل: المسألة مفروضة في سبب توقف اقتضاؤه للحكم على
شرط، فإذا فقد الشرط بحكم القصد إلى فقده؛ كان كما لو لم
يقصد ذلك، ولا تأثير للقصد، وقد تبين أن الشرط إذا لم يوجد
لم ينهض5 السبب أن يكون مقتضيا؛ كالحول في الزكاة؛ فإنه
شرط لا تجب الزكاة بدونه بالفرض، والمعلوم من قصد الشارع
أن السبب إنما يكون سببا مقتضيا عند وجود الشروط، لا عند
فقدها، فإذا لم ينتهض سببا؛ كانت المسألة كمن أنفق النصاب
قبل حلول الحول لمعنى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما تقدم من الآيات والأحاديث استدلال بالنقل والاستنباط
منه، وهذا وما بعده استدلال بطريق العقل المبني على ما
استقرئ من مقاصد الشرع في شرع الأحكام للمصالح، فلو جرى
العمل باعتبار هذا الشرط الذي قصد به هذا القصد؛ لبطلت تلك
المصالح التي يبنيها الشاع على تلك الأسباب، فمثلا لو
اعتبر التفريق والجمع بهذه النية، ولو اعتبر الإنفاق قبل
الحول بقليل ليهرب من الزكاة في المسألتين؛ لأمكن لكل واحد
أن يخلص من وجوب الزكاة بفعل هذا الشرط أو تركه مثلا،
وضاعت المصلحة المترتبة على الزكاة، وكذا يقال في سائر
الأمثلة. "د".
2 في "ط": "فيه".
3 كمرور الحول مثلا في النصاب، فإذا أنفق بعضه بقصد رفع
الزكاة؛ كان قصده رفع الزكاة عن هذا النصاب المملوك له
مضادا لقصد الشارع إيجاب الزكاة فيه. "د".
4 سقط من الأصل.
5 في الأصل و"ط": "ينتهض".
ج / 1 ص -433-
من
معاني الانتفاع، فلا تجب عليه الزكاة؛ لأن السبب لم يقتضِ
إيجابها لتوقفه على ذلك الشرط الذي ثبت اعتباره شرعا، فمن
حيث قيل فيه: إنه مخالف لقصد الشارع؛ يقال: إنه موافق1،
وهكذا سائر المسائل.
فالجواب: أن هذا المعنى إنما يجري فيما إذا لم يقصد رفع
حكم السبب، وأما مع القصد إلى ذلك؛ فهو معنى غير معتبر؛
لأن الشرع شهد له بالإلغاء على القطع، ويتبين ذلك بالأدلة
المذكورة إذا عرضت المسألة عليها؛ فإن الجمع بين المتفرق2
أو التفرقة بين المجتمع قد نهي عنها إذا قصد بها إبطال3
حكم السبب، بالإتيان بشرط ينقصها حتى تبخس المساكين؛
فالأربعون شاة فيها شاة بشرط الافتراق، ونصفها بشرط
اختلاطها بأربعين أخرى مثلا، فإذا جمعها بقصد إخراج النصف؛
فذلك هو المنهي عنه، كما أنه إذا كانت مائة مختلطة بمائة
وواحدة، ففرقها قصدا أن يخرج واحدة؛ فكذلك، وما ذاك إلا
أنه أتى بشرط أو رفع شرطا يرفع عنه ما اقتضاه السبب الأول،
فكذلك المنفق نصابه بقصد رفع ما اقتضاه من وجوب الإخراج،
وكذلك قوله:
"ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله"4؛
فنهى عن القصد إلى رفع شرط الخيار الثابت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو مضاد لقصد الشارع كما ذكر في الدليل السابق، وموافق
له من جهة أن قصد الشارع أن السبب إنما يقتضي مسببه عند
وجود الشرط لا عند فقده، يعني: فكان يقتضي ذلك على أكثر
الفروض أن يقال: إنه فعل منهيا عنه وأثم مثلا، ولكنه لا
تجب عليه الزكاة؛ فإثمه من جهة المضادة لقصد الشارع وعدم
وجوب الزكاة لفقد الشرط الذي قصد الشارع توقف تأثير السبب
على حصوله. "د".
2 في الأصل: "المفترق".
3 وتقدمت القاعدة الأصولية وهي أنه ليس لأحد أن يرفع حكم
السبب؛ لأن المسبب من فعل الله لا من فعل المكلف، ولما كان
هذا الشرط يقصد به رفع المسبب؛ كان لاغيا وكأنه لم يكن.
"د".
4 قطعة من حديث صحيح مضى تخريجه "ص425".
ج / 1 ص -434-
له
بسبب العقد، وعن الإتيان بشرط الفرس المحللة1 [للجعل]2
بقصد أخذه، لا بقصد المسابقة معه، ومثله مسائل الشروط؛
فإنها شروط يقصد بها رفع أحكام الأسباب الواقعة3؛ فإن
العقد على الكتابة4 اقتضى أنه عقد على جميع ما ينشأ عنه،
ومن ذلك الولاء، فمن شرط أن الولاء له من البائعين؛ فقد
قصد بالشرط رفع حكم السبب فيه، واعتبر هكذا سائر ما تقدم
تجده كذلك؛ فعلى هذا الإتيان بالشروط أو رفعها بذلك القصد
هو المنهي عنه5، وإذا كان منهيا عنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النسخ المطبوعة: "المحلية".
2 سقط من الأصل.
3 قيد به لما سبق له من أن المسبب الذي لا يرفع هو مسبب
سبب وقع بالفعل؛ فارجع إليه. "د".
4 كتب ناسخ الأصل هنا ما نصه: قوله: "فإن العقد على
الكتابة... إلخ" كلام غير صحيح؛ فإن بيع الكتابة منعه أبو
حنيفة والشافعي، وأجازه مالك، لكنه يقول: "الولاء لعاقدها
لا لمشتريها" عكس ما قاله المصنف، وكلامه يشير إلى أن حديث
بريرة محمول على بيع كتابتها لا رقبتها، وهو حمل فاسد كما
ذكرناه من كون الولاء في بيع الكتابة عند من يجيزها
للعاقد، والذي في الحديث خلافه.
وأيضا؛ فإن الكتابة إذا كانت نقدا إنما تباع بعرض، والذي
في القصة خلافه، والمحققون من المالكية يحملون بيعها على
بيع رقبتها بعد "عجزها"، فمن اشترطه من بائعي الرقبة:
الولاء على المشتري أن أعتق، فقد قصد رفع حكم السبب فيه؛
فكان الصواب التمثيل على هذا الوجه، وكان المصنف اعتمد على
ما في "بداية المجتهد" للحفيد ابن رشد، حيث نقل عن
المالكية حمل الحديث على بيع الكتابة وهو كلام فاسد بما
أوضحناه، والله تعالى أعلم.
وممن أشار إلى فساده بالوجه الأول الأبي في "شرح مسلم"،
وبالوجه الثاني ابن قيم الجوزية في كتاب "الهدي". ا. هـ.
كاتبه.
5 أي: فقوله, في الاعتراض السابق: إنه موافق من جهة ومخالف
من جهة؛ غير صحيح، فإنه مخالف من كل جهة؛ لأنه متى كان
المنهي عنه هو فعل الشرط نفسه؛ فيكون باطلا وكأنه لم يحصل؛
فبقي الحكم كما كان قبل فعله. "د".
ج / 1 ص -435-
كان
مضادا لقصد الشارع1؛ فيكون باطلا.
فصل:
هذا العمل هل يقتضي البطلان بإطلاق أم لا؟
الجواب: أن في ذلك تفصيلا، وهو أن نقول2: لا تخلو أن يكون
الشرط الحاصل في معنى المرتفع، أو المرفوع في حكم الحاصل
معنى، أو لا.
فإن كان كذلك؛ فالحكم الذي اقتضاه السبب على حاله قبل هذا
العمل، والعمل باطل ضائع لا فائدة فيه، ولا حكم له، مثل أن
يكون وهب المال قبل الحول لمن راوضه على أن يرده عليه بعد
الحول بهبة أو غيرها، وكالجامع بين المفترق3 ريثما يأتي
الساعي ثم ترد إلى التفرقة، أو المفرق بين المجتمع كذلك ثم
يردها إلى ما كانت عليه, وكالناكح لتظهر صورة الشرط ثم
تعود إلى مطلقها ثلاثا، وأشباه ذلك؛ لأن هذا الشرط المعمول
فيه لا معنى له ولا فائدة فيه تقصد شرعا.
وإن لم يكن كذلك؛ فالمسألة محتملة، والنظر فيها متجاذب
ثلاثة أوجه:
أحدها:4
أن يقال: إن مجرد انعقاد السبب كافٍ؛ فإنه هو الباعث5 على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: مضاد له عينا، وسيأتي لهذا ذكر في الفصل بعده. "د".
2 في "ط": "يقال".
3 في "ط": "المتفرق".
4 ضعيف في النظر إن لم يكمل بما سبق من أنه منهي عنه ومضاد
لقصد الشارع قطعا؛ فيكون باطلا، أما مجرد أن الشرط أمر
خارجي... إلخ؛ فإنه لا يفيد، ولو جعل ما بعده مكملا له لا
دليلا مستقلا، وكان هو روح الدليل لصح، ولكن قوله: "وأيضا"
يقتضي استقلاله في نظره بالاستدلال، وكلامه في التطبيق على
الأمثلة بعد يقتضي أن محل الاستدلال وروحه ما بعد قوله:
"وأيضا"؛ فتأمل. "د".
5 لا يخفى ما فيه من التسامح. "د".
ج / 1 ص -436-
الحكم،
وإنما الشرط أمر خارجي مكمل، وإلا؛ لزم أن يكون الشرط جزء
العلة1، والفرض بخلافه، وأيضا؛ فإن القصد فيه قد صار غير
شرعي؛ فصار العمل فيه مخالفا لقصد الشارع، فهو في حكم ما
لم يعمل فيه، واتحد مع القسم الأول في الحكم؛ فلا يترتب
على هذا العمل حكم، ومثال ذلك: إن أنفق النصاب قبل الحول
في منافعه أو وهبه هبة بَتْلة لم2 يرجع فيها، أو جمع بين
المفترق، أو فرق بين المجتمع -وكل ذلك بقصد الفرار من
الزكاة- لكنه لم يعد إلى ما كان عليه قبول الحول، وما أشبه
ذلك؛ فقد علمنا -حين نصب الشارع ذلك السبب للحكم- أنه قاصد
لثبوت الحكم به، فإذا أخذ هذا برفع حكم السبب مع انتهاضه
سببا؛ كان مناقضا لقصد الشارع، وهذا باطل، وكون الشرط -حين
رُفع أو وُضع- على وجه يعتبره الشارع على الجملة3 قد أثر
فيه القصد الفاسد؛ فلا يصح أن ينتهض شرطا شرعيا، فكان
كالمعدوم بإطلاق، والتحق بالقسم الأول.
والثاني:
أن يقال: إن مجرد انعقاد السبب غير كاف، فإنه وإن كان
باعثا؛ قد جعل في الشرع مقيدا بوجود الشرط، فإذًا ليس كون
السبب باعثا بقاطع في أن الشارع قصد إيقاع المسبب بمجرده،
وإنما فيه أنه قصده إذا وقع شرطه، فإذا كان كذلك؛ فالقاصد
لرفع حكم السبب مثلا بالعمل في رفع الشرط لم يناقض قصدُه
قصدَ الشارع من كل وجه، وإنما قصد لما لم يظهر فيه قصد
الشارع للإيقاع أو عدمه، وهو الشرط أو عدمه، لكن لما كان
ذلك القصد آيلا لمناقضة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في ط: "علة".
2 أي: بائنة قاطعة. انظر: "لسان العرب" "ب ت ل".
3 فالشارع يعتبر إنفاق النصاب قبل الحول في منافعه، والهبة
البتلة، وجمع المتفرق مثلا بهذا القصد نافذا؛ فيرتب في
الهبة ملك الموهوب له، ولا يرد ما أنفقه في قضاء مصالحه،
وهكذا لا يلزمه بتفريق المجتمع؛ فتكون التصرفات صحيحة في
الجملة، لا من كل وجه؛ لأنه بهذا القصد الفاسد يكون آثما،
وأيضا لا يرتب عليه الحكم الذي أراده وهو الفرار من
الزكاة. "د".
ج / 1 ص -437-
قصد
الشارع على الجملة، لا عينا؛ لم يكن مانعا من ترتب أحكام
الشروط عليها.
وأيضا؛ فإن هذا العمل لما كان مؤثرا وحاصلا وواقعا؛ لم يكن
القصد الممنوع فيه مؤثرا في وضعه شرطا شرعيا أو سببا
شرعيا، كما كان تغير المغصوب سببا أو شرطا في منع صاحبه
منه وفي تملك الغاصب له، ولم يكن فعله بقصد العصيان سببا
في ارتفاع ذلك الحكم.
وعلى هذا الأصل ينبني صحة ما يقول اللخمي فيمن تصدق بجزء
من ماله لتسقط عنه الزكاة، أو سافر في رمضان قصدا للإفطار،
أو أخر صلاة حضر عن وقتها الاختياري ليصليها في السفر
ركعتين، أو أخرت امرأة صلاة بعد دخول وقتها رجاء أن تحيض
فتسقط عنها، قال: فجميع ذلك مكروه، ولا يجب على هذا في
السفر صيام، ولا أن يصلي أربعا، ولا على الحائض قضاؤها،
وعليه أيضا يجري الحكم في الحالف: ليقضين فلانا حقه إلى
شهر، وحلف بالطلاق الثلاث؛ فخاف الحنث فخالع زوجته لئلا
يحنث، فلما انقضى1 الأجل راجعها؛ فهذا الوجه يقتضي أنه لا
يحنث لوقوع الحنث وليست بزوجة؛ لأن الخلع ماضٍ شرعا وإن
قصد به قصد الممنوع.
والثالث:
أن يفرق بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين؛ فيبطل
العمل في الشرط في حقوق الله، وإن ثبت له في نفسه حكم
شرعي؛ كمسألة الجمع بين المفترق والفرق بين المجتمع،
ومسألة نكاح المحلل على القول بأنه نافذ ماض ولا يحلها ذلك
للأول؛ لأن الزكاة من حقوق الله، وكذلك المنع من نكاح
المحلل حق الله؛ لغلبة حقوق الله في النكاح على حقوق
الآدميين، وينفذ مقتضى الشرط في حقوق الآدميين؛ كالسفر
ليقصر أو ليفطر أو نحو ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "قضى".
ج / 1 ص -438-
وهذا
كله ما لم يدل دليل خاص على خلاف ذلك، فإنه إن دل دليل خاص
على خلافه؛ صير إليه، ولا يكون نقضا على الأصل المذكور؛
لأنه إذ ذاك دال على إضافة هذا الأمر الخاص إلى حق الله،
أو إلى حق الآدميين، ويبقى بعد ما إذ1 اجتمع الحقان محل
نظر واجتهاد؛ فيغلب أحد الطرفين بحسب ما يظهر للمجتهد،
والله أعلم.
المسألة الثامنة:
الشروط مع مشروطاتها2 على ثلاثة أقسام:
أحدها:
أن يكون مكملا لحكمة المشروط وعاضدا لها3 بحيث لا يكون فيه
منافاة لها على حال؛ كاشتراط الصيام في الاعتكاف عند من
يشترطه، واشتراط الكفء والإمساك بالمعروف والتسريح4 بإحسان
في النكاح، واشتراط الرهن والحميل والنقد أو النسيئة في
الثمن في البيع، واشتراط العهدة في الرقيق، واشتراط مال
العبد وثمرة الشجر وما أشبه ذلك، وكذا اشتراط الحول في
الزكاة، والإحصان في الزنى، وعدم الطَّوْل في نكاح الإماء،
والحرز في القطع؛ فهذا القسم لا إشكال في صحته شرعا؛ لأنه
مكمل لحكمة كل سبب يقتضي حكما، فإن5 الاعتكاف لما كان
انقطاعا إلى العبادة على وجه لائق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ماء": "إذا".
2 في المسألتين السادسة والسابعة قيد الشروط بقوله:
"المعتبرة في المشروطات شرعا"، وهنا أطلقها حتى يتأتى
التقسيم إلى الأقسام الثلاثة؛ فالكلام هنا عام فيما اشترطه
الشارع وما اشترطه الشخص نفسه من شرط ملائم أو منافٍ أو لا
ملائم ولا منافٍ. "د".
3 مقويا لها. "ماء".
4 في "ط": "أو التسريح".
5 في الأصل: "فإن كان الاعتكاف..." بزيادة "كان".
ج / 1 ص -439-
بلزوم
المسجد؛ كان للصيام فيه أثر ظاهر، ولما كان غير الكفء مظنة
للنزاع وأنفة أحد الزوجين أو عصبتهما وكانت الكفاءة أقرب
إلى التحام الزوجين والعصبة، وأولى بمحاسن العادات؛ كان
اشتراطها ملائما لمقصود النكاح، وهكذا الإمساك بمعروف،
وسائر تلك الشروط المذكورة تجري على هذا الوجه؛ فثبوتها
شرعا واضح.
والثاني:
أن يكون غير ملائم لمقصود المشروط ولا مكمل لحكمته، بل هو
على الضد من الأول، كما إذا اشترط في الصلاة أن يتكلم فيها
إذا أحب، أو اشترط في الاعتكاف أن يخرج عن المسجد إذا أراد
بناء على رأي مالك1، أو اشترط في النكاح أن لا ينفق عليها
أو أن لا يطأها وليس بمجبوب ولا عِنِّين، أو شرط في البيع
أن لا ينتفع بالمبيع، أو إن انتفع؛ فعلى بعض الوجوه دون
بعض، أو شرط الصانع على المستصنع أن لا يضمن المستأجر عليه
إن تلف، أو أن يصدقه في دعوى التلف، وما أشبه ذلك؛ فهذا
القسم أيضا لا إشكال في إبطاله؛ لأنه منافٍ لحكمة السبب؛
فلا يصح أن يجتمع معه؛ فإن الكلام في الصلاة منافٍ لما
شرعت له من الإقبال على الله تعالى والتوجه إليه والمناجاة
له، وكذلك المشترط في الاعتكاف الخروج مشترط ما ينافي
حقيقة الاعتكاف من لزوم المسجد، واشترط الناكح أن لا ينفق
ينافي استجلاب المودة المطلوبة فيه، وإذا اشترط أن لا يطأ
أبطل حكمة النكاح الأولى وهي التناسل، وأضر بالزوجة؛ فليس
من الإمساك بالمعروف الذي هو مظنة الدوام والمؤالفة، وهكذا
سائر الشروط المذكورة، إلا أنها إذا كانت باطلة؛ فهل تؤثر
في المشروطات أم لا؟
هذا محل نظر يستمد2 من المسألة التي قبل هذه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من لزوم المسجد. "د".
2 فهي شروط تقتضي رفع حكمة السبب، ويقصد بها رفع المسبب
الواقع، وتقدم تفصيل ذلك "د".
قلت: مما ينبغي أن يلاحظ أن عقد الزواج لا يبطل بالشروط
الفاسدة؛ لأنه ليس عقد معاوضة، بل يبطل الشرط وحده، ويبقى
العقد صحيحا منتجا لآثاره.
ج / 1 ص -440-
والثالث:
أن لا يظهر في الشرط منافاة لمشروطه ولا ملاءمة1 وهو محل
نظر؛ هل يلحق بالأول من جهة عدم المنافاة؛ أو بالثاني من
جهة عدم الملاءمة ظاهرا؟ والقاعدة المستمرة في أمثال هذا
التفرقة بين العبادات والمعاملات، فما كان من العبادات لا
يكتفى فيه بعدم المنافاة دون أن تظهر الملاءمة؛ لأن الأصل
فيها التعبد دون الالتفات إلى المعاني، والأصل فيها أن لا
يقدم عليها إلا بإذن؛ إذ لا مجال للعقول في اختراع
التعبدات؛ فكذلك ما يتعلق بها من الشروط، وما كان من
العاديات يكتفى فيه بعدم المنافاة؛ لأن الأصل فيها
الالتفات إلى المعاني دون التعبد، والأصل فيها الإذن حتى
يدل الدليل على خلافه2، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 موافقة. "ماء".
2 تقسيم الشروط إلى ثلاثة أقسام يذكره المالكية في البيع،
ويقولون: ما كان من مقتضيات العقد أو مصلحاته؛ صح فيه
البيع والشرط، وما كان منافيا للعقد، أو مؤديا إلى غرر فسد
فيه البيع والشرط، وما لا يفيد مصلحة في البيع ولا مفسدة،
ولا يؤثر في زيادة الثمن أو نقصه؛ صح فيه البيع وبطل
الشرط، ويضاف إلى هنا قسم رابع وهو ما إذا تمسك المشترط
بالشرط بطل البيع، وإن أسقطه كان البيع ماضيا، وبهذا
التفصيل أمكنهم الجمع بين ما روي في هذا الصدد من الأحاديث
المتعارضة في بادئ النظر. "خ". |