الواضح في أصول الفقه

فصول

في جمع الحدودِ والعقودِ والحروفِ التي تَدخلُ في أبوابِ الكتاب، وجميعِ ما يُحتاج إليه من الألفاظِ المتضمنةِ لمعانٍ لا يَستغني عنها مَن أرادَ العِلمَ بأصولِ الفقهِ.
فصل
حدُ الفقهِ: العِلمُ بالأحكامِ الشرعيةِ. وقيل: معرفةُ الأحكام الشرعيةِ. وأصولُه: ما انْبَنت عليها الأحكامُ الشرعيةُ؛ لأن الأصلَ ما انبنى عليه غيرُه، فأصلُ الفِقهِ: ما انبنى عليه. وقيل: ما تُفرِّعَ عنها أحكامُ الشرع (1).

فصل
وعينُ الأصول: الكتاب والسُنة والِإجْماعُ.
فكتاب اللهِ: ما بَين الدفًتين من القُرآن.
والأصول منه: النَّص والظاهرُ والعُمومُ والفَحوى والدليلُ والمعنى.
والسنة كذلك.
__________
(1) انظر ما تقدم في الصفحة (7 - 9).

(1/90)


فصل

فالنص: ما بَلغ ببيانِه إلى الغايةِ من الكَشف، قال الراجز (1):
وَجيدٍ كَجِيْدِ الرِّيم لَيْسَ بفاحشٍ ... إذ اهِي نَصَّتْهُ ولا بمُعَطَّل
يعني: كَشَفَتْه.
وقيل: ما عُرف مَعناه من نُطقِه.
وقيل: ما استَوى ظاهرُه وباطنُه.
وقيل: ما لا يحتمل إلا معنى واحداً (2).

فصل

والظاهر: ما احتمل أمرين، هو في احدهما اظهر (3).
فصل
والعمومُ: ما شَمل شَيئين فَصاعداً شُمولاً واحداً.

وقيل: العموم: الاشتراك للكلِّ في الصَيغةِ. والعموم: الاشتمالُ على الكُلِّ، وهو الإِحاطة.
وقد قال بعض الفقهاء: ما عَمً شَيئين فَصاعداً. وليسَ بمَرْضي؛
__________
(1) لعله أراد: "الشاعر"، فالبيت ليس برجز، وهو البيت الثالث والثلاثون من معلقة امرىء القيس المشهورة والتي أولها:
قِفا لبكِ من ذكرى حبيب ومنزل.
(2) انظر ما تقدم من تعريفاته في الصفحة (33).
(3) نقدم في الصفحة (33).

(1/91)


لأن قوله: "عَم"- وعن العموم سئِلَ- ليسَ بتحديدٍ، كمن قيل له: ما السواد؟، فقال: ما سَودَ المحل الذي يَقوم به (1).

فصل
والخصوص: قول نَعني به البعضَ.
وقيل: صيغة البَعض. وقيل: إفرادُ البَعضِ بالصيغةِ. وهذه حُدودٌ كلُها على قَول من يقول: للعمومِ صِيغة.

فصل

فالعموم: صيغةٌ للكُل، والخصوص: صيغة للبعضِ، والِإشارة إلى الدلالة على أن له صيغةٌ بحسْب المكان- إلى أن نَستوفيَه إن شاء الله في مسائل الخلاف- أن نقولَ: لا بُد في كل لغةٍ بمعنى العموم من صيغةٍ مِن قِبل ان حاجةَ أهلِ اللسانِ إلى الدَلالةِ على العُمومَ كحاجتهم إلى الدلالةِ على الخُصوص، فلو جازَ أن لا يكون للعمومَ صيغة، لجاز أن لا يكون للخصوصِ صيغةٌ، ويجيءُ مِنْ هذا ويلزمُ منه أنْ لا يكونَ لشيءٍ صيغةٌ ولا دِلالةٌ، وليس من حيث جاءت لفظةُ العمومِ على مَعنى الخصوص لقرينة، مثل قول القائل: غسلتُ ثيابي.
وليسَ من عادة الناس استيعابَ جميع ثيابِهم بالغَسل، حتى يبقوا عراة، يَنبغي أن نجعلَ لفظةَ العموم غيرَ موضوعةٍ، بل الثقة بأنَ قرينةَ الصيغة تخُص، هي التي أغنت عن ذكر التخصيص، وما هو إلا بمثابة قولِ القائل: جاءني إخوتك. وإن كان منهم مَن قد مات، ثِقةً بمعرفةِ ذلك لا مِن جهة اللفظ.
__________
(1) انظر ما تقدم في الصفحة (34).

(1/92)


فصل
والتخصيص: تمييز بَعضِ الجملةِ بحُكم.
وقيل: إخراجُ بعضِ ما تَناوله العموم، هذا في الجملة.

فصل
فأما تَخصيص الصِّيغ العامةِ في الشرعِ، فهي: بَيانُ المراد باللفظ.

فصل

وليس من شَرط التخصيصِ أنْ يتقدمَهُ عموم، فإنه قد يَقع مُبتدأً، وُيعرفُ أنه تخصيص بالإِضافة إلى جُملة لو تناولها النطق كتناولِ هذا كانَ عُموماً أو تَعميماً، فيقال: خُصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم- بقيام الليلِ (1)، وخُص الأبُ بالرجوع في الهِبة (2)، وخُصَّ الرسولُ- صلى الله عليه وسلم -بالنكاحِ بلفظِ الهِبة (3)، وخُصت مكةُ بالحج، فهذه التخصيصات كان مَعناها: المكلفونَ كثرة، وخوطبَ النَبي - صلى الله عليه وسلم - بقيامِ الليل، والناكحون كثرة، وخُص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنكاحِ
__________
(1) في قوله تعالى في سورة الِإسراء الآية 79: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً
لَكَ}، وفي الآيتين الأوليين من سورة المزمل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)}.
(2) في حديث ابن عمر وابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده".
أخرجه أحمد 2/ 78 وأبو داود (3539)، وابن ماجه (2377)، والترمذي (2133)، والنسائي 6/ 265.
(3) في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]

(1/93)


بلفظِ الهبةِ، والأقاربُ كثرةٌ وخُص الأبُ بالرجوع في الهِبة، والمساجدُ كثرة، وخصت الكعبةُ بالصلاةِ إليها والحج إليها. فهذا نوع من التخصيصِ غريبٌ يَخرج عن تَخصيصٍ ورد على عموم، كإخراج اهلِ الكتاب بإعطاء الجِزية من آية القَتل (1)، وإخراج القاتل عن الإِرث من بين الأقارب والأرحام (2) وما شاكلَ ذلك، فذاكً تخصيصُ عمومٍ، وهذا تخصيصٌ ميزَهُ من بين أمثال في المعاني سوى ما مُيِّز به من الفَضل الذي اقتضى التخصيصَ بالحكمِ الذي خُصصَ به.
__________
(1) وهي الآية التاسعة والعشرون من سورة التوبة: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
(2) أخرج الِإمام مالك في "الموطأ" 2/ 867، والِإمام أحمد في "المسند" 1/ 49 عن عمرْ بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ليس للقاتل شيء".

(1/94)


فصل (1)
في الكلام
وهو الحروف والأصوات المنظومة للتفاهمِ عما في النفوسِ من الأغراضِ، فهذا جملة الكلام.
فصل
وهو علي ثَلاثة أقسام: اسمٌ، وفِعل، وحَرف، لا رابع لها.

فالاسم: لفظٌ (2) يَدل على مَعنى في نَفسه غير مقترنٍ بزمانٍ، محصلٌ دِلالةَ الإِشارةِ دونَ الإِفادةِ، وفيه سَبعُ لغاتٍ أسْيَرهن واشْهرُهن: كَسر الألف، يقال: اِسْمٌ، واسْمٌ، واُسُمٌ، وَوِسْمٌ، ووُسْمٌ، وسِمٌ، وسمٌ (3).
فمن قال: اسم- بكسرِ الألف- قال: هو من ذواتِ الياء من سمى يَسْمي، فالأمر فيه: اسْمُ يا هذا.
ومن قال بضمِّ الألفِ، قال: هو من ذواتِ الواو، من سَمَى يَسْمو.
__________
(1) تكررت في الأصل.
(2) في الأصل: "كلمة".
(3) "شرح المفصل" لابن يعيش 1/ 23 - 24.

(1/95)


ومن قال: وِسْم ووُسْم، قلبَ الهَمزة واواً، كما قالوا: إشاح ووِشاح، وأسماء ووَسْماء، وأجوه ووُجوه.
ومن قال بحذفِ الألفِ، قال: أصله: سُمْوٌ، فاستُثقلت ضَمّةُ الواو فنُزِعت، وحُذِفت لالتقاءِ الساكنين، فبقي: سُم، قال الشاعر:
لِأفضَلِها بَيتاً وأمنعِها حِمى ... وأكرَمِها أهلاً وأحسَنِها سُماً (1)
ومن قال: سُم، بالضم، نَقل ضمة الواو (2) إلى السين، نحو:
قُم، قال الشاعر:
وعامُنا أَعجَبنا مُقَدَمُهْ ... يُدعى أَبا السمْحِ وقِرْضابٌ سُمُهْ (3)
ومن قال: سِم. بالكسرِ، جعلَ الكسرَ خَلفاً من ألف الوصل أو
الواو الساقطة، كقولهم: فِم، قال الشاعر:
[و]، اللهُ أسماكَ سُماً مُباركا ... آثركَ اللهُ به إيثارَكا (4)
__________
(1) ورد البيت مع آخر قبله في: "المقتضب" 1/ 230، و"المنصف" 1/ 60،
و"أمالي ابن الشجري" 2/ 66، و"اللسان": (سما)، وروايته فيها:
فدع عنك ذكر اللهو واعمد لمدحة ... لخير مَعد كلِّها حيثما انتمى
لأعظمها قدراً وأكرمها أباً ... وأحسنها وجهاً وأعلنها سُما
(2) أي الواو من (وُسْم).
(3) الرجز في "المنصف" 1/ 60، و "الإنصاف" لابن الأنباري: 16، و"اللسان":
(سما)، ويروى بضم السين وكسرها. وبعده:
مبتركاً لكل عظم يلحمُه.
(4) الرجز لأبي خالد القناني، وهو في "ضياء السالك" 1/ 45، و"الِإنصاف": 15، و "اللسان": (سما)، ومحل الاستشهاد فيه، "سماً" بضم السين على وزن =

(1/96)


وتقول في اشتِقاق فِعله: سَمَيْتُه وسَمَوْتُه وأسمَيته وسَمَتُه بالتشديد، قال الشاعر:
اللهُ أسماكَ الذي اسماكه
واختلفوا في اشتقاقِهِ على وجهين:
أحدهما: أنه مُشتق من السموّ، وهو الرِّفعة؛ لأن الاسمَ يَسمو بالمسمى، فيرفعه من غَيره، وهذا قولُ أهلِ البَصرة، فهو مُعتل من لام الفِعل من ذوات الواو أو الياء، والأصل فيه: فَعَل أو فَعِلَ، ويجمع على أسماء، بوزن أفعال، على رد لام الفعل (1).
وتَصغيرُه: سُمَي، وقال سيبويه عن يوُنسَ (2): إنَ أبا عمرو (3) كان يقول: إنهم يَقولون في تَصغير اسم وابن: أُسَيم واُبَيْن، كقول الشاعر:
تَركُ أُبَيْنيْكَ (4) إلى غَيرِ راع (5)
__________
= (هدى)، ويسقيم استشهاده مع الرجز السابق؛ لأن السين في "سمه" رويت بالضم والكسر.
(1) "شرح المفصل" 1/ 23.
(2) يونس بن حبيب، أبو عبد الرحمن الضبي، من أئمة النحويين، أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وعنه أخذ سيبويه والكسائي، توفي سنة (183) هـ. "سير أعلام النبلاء" 8/ 171.
(3) زَبّان بن العلاء بن عمار التميمي المازني، أبو عمرو البصري، شيخ القراء والعربية، توفي سنة (154) هـ. "سير أعلام النبلاء" 6/ 407.
(4) في الأصل: "تترك أبنيك".
(5) الرجز في "اللسان": (بنى)، وقبله: "من يك لا ساء فقد ساءني"، وهو منسوب للسفاح بن بكير اليربوعي.

(1/97)


وقال آخر:
هُم أُبَينى وَهُم شُجوني
والثاني: أنه مُشتق من السِّمَةِ، وهي العلامةُ؛ لما في الاسمِ من تمييز المُسمَّى من غيرِهِ، وهذا قول أهل الكوفة.

فصل
وأمَّا وضعها (1)، فعلى أوجهٍ:
منها: القابٌ وأَعلام وُضعت في اللغةِ للتمييزِ بين المُسمَّيات، فهذا الوجهُ يقومُ مقامَ الِإشارةِ إلى العَين، وذلك مثلُ: زَيد وعَمرو.
[و] منها: ما وضع لإِفادةِ بِنْيةٍ من صورةٍ مخصوصةٍ (2)؛ مثل: إنسان وفرس وسَبُع.
ومنها: ما وضعَ لإِفادةِ جنسٍ؛ مثل: عِلم وقُدرة وإرادة.
ومنها: ما وضعَ لإِفادةِ أمرٍ تعلقَ بالمُسمى؛ مثل أن يولد له فيُسمى أباً، ويولد لأخيه فَيسمى عَمّاً، ويولد لأُخته فيسمى خالًا، ومثل: تحت وفَوق وأمام ووَراء وتِلْقاء، فإذا كان فوق السقف، قيل: مَقر ومُستَقر.
وإذا كانَ تحته قيل: ظُلَّة وسقف.
ومنها: مايكون مُفيداً لمعنىً، فمنه ما يكون على وجهِ الاشتقاقِ، مثل: مَقتول ومَضْروب، وقاتِل وضارب (3).
__________
(1) يعني الأسماء.
(2) في "العدة" 1/ 187: "ومنها ما وضع لإِفادة صورة وبنية مخصوصة".
(3) وردت العبارة في "العدة" 1/ 187، كما يلي: "والاسم المفيد لمعنى يتعلق =

(1/98)


وقد يتفقُ الاسمانِ في الصورةِ والذَلالةِ، مثل قَولنا: الوَطء بالنكاح ومِلكِ اليمين مُباح.
وقد يتَّفقان في الأسماءِ ويختلفانِ بالمعنى؛ مثل: القُرء، تردَّدَ بين الحَيضِ والطُهرِ.
وقد يختلفانِ في اللَّفظِ والمعنى؛ مثل قولِنا: الخَمرُ مُحرمةٌ، والخَلُ مُباح.
وقد يَختلفانِ في الصورةِ ويَتفقانِ في المعنى، مثل: زَكاة وصدقة (1).

فصل
والأسماءُ على ضَربين: ما هو عام، [ومنه ما هو خاص.
فالعامٌ على ضربين: منه ما هو عامٌ ليس فوقه ما هو أعمّ منه.
ومنه ما هو عامٌ] بالِإضافةِ إلى ما هو أَخص منه، وإن كان خاصاً بالِإضافةِ إلى ما هو فوقَه.
فالعام الذي ليس فوقَه أعم منه [مثل:] معلوم ومذكور، والخاصُ الذي هو عام في نفسِهِ، مثل قولنا: عَرَض، هو عام في جميع الأجناسِ، وهو خاص بالِإضافة إلى قولنا: معلوم ومذكور.
__________
= بالمسمى، قد يكون على وجه الاشتقاق، مثل قولنا: مقتول ومضروب، ومنه ما هو مشتق، مثل قولنا: قاتل وضارب،.
(1) جميع هذه الأوجه أوردها القاضي في "العدة" 1/ 187.

(1/99)


والخاص الذي هو في الحقيقة خاص؛ مثل: أسماء الأعيان (1).

فصل
ولنا أسماء مُشتركة تَقَع على أضداد، مثل: جَوْن؛ فلونٌ يقع على السوادِ والبَياضِ، وقُرء؛ يَقع على الطهرِ والحَيضِ، وشَفق؛ يَقع على الحُمرةِ والبَياضِ، وعَين؛ يقع على الذهب وعَين الماءِ والباصِرةِ، وغير ذلك. ومَولى؛ يَقعُ على الأسفلِ وهو المَنعَمِ عليه بالعِتقِ، والأعلى وهُو المعتِق المُنْعِم، ولا يُصرفُ عند الِإطلاقِ إلى شَيءٍ منها بعَينه لكن بدِلالة (2).

فصل
ولنا أسماءٌ هي في اللغةِ على مَعنىً، وفي الشرعِ على غيرهِ، واختلفوا في نَقلِها، فقال قومٌ: هي مُبقاةٌ مَزيدةٌ شَرعاً. وقال قومٌ: نُقِلت عن أصلِ الوَضع (3). وسنذكر ذلك في مسائل الخِلاف إن شاء الله، وذلك مثل الصلاةِ؛ هي في اللغةِ: الدُّعاء، وفي الشرعِ: هذه الأفعالُ والأقوالُ المخصوصةُ. والحج: القَصدُ، وهو في الشرع: هذه المناسكُ المخصوصةُ. والزكاةُ: الزِّيادةُ والنَماءُ، وهي في الَشرعِ: صَدقةٌ مَخصوصةٌ. والصومُ: عبارة عن الإِمساكِ، وهو في الشرعِ:
__________
(1) هذا الفصل مأخوذ نصَاً من "العدة" 1/ 187 - 188، وما بين المعقوفين استدرك منه.
(2) انظر " العدة " 1/ 188.
(3) انظر ما تقدم في الصفحة (35)، وما سيأتي في 2/ 422.

(1/100)


إمساك عن الأكلِ والشربِ والجماعِ بقَصدٍ ونِيَّةٍ في زمنٍ مَخصوصٍ (1)

فصل
واختلف الناس في طَريق وضعِها على مَذاهبَ، ونحن نستوفيها في مسائلِ الخلافِ (2) -إن شاء الله-:
فقال قوم: إنَ طريقَها الوحيُ والِإلهامُ لآدمَ عَليه السلامُ.
وقال قوم: إنها مُواضَعَة (3).
وقال قوم: بعضها بطريقِ الإِلهام، وبَعضها بالقياسِ، وبَعضُها بالمواضَعة.

فصل

وأما القسم الثاني من الكلام وهو الفِعل؛ فهو: عبارة عما دَل على زَمانٍ مَحدود.
وقالوا في عَلامة الأسماء: ما كانَ عبارة عن شخص، وما حَسُنَ الجرُّ به وعَنه، وعبارة عما يَصحُّ تَصغيره وُيثَنَّى ويثَلث.
وقالوا في علامةِ الأفعالِ: ما حَسُن فيه قَد، وسين، والمستقبل،
__________
(1) انظر "العدة" 1/ 189.
(2) انظر 2/ 397 وما بعدها.
(3) أي: وضعت بمواضعة أهل اللغة ومواطأتهم على ذلك. انظر "العدة" 1/ 190 - 193.

(1/101)


مثل: سَيفعل ولسوفَ يَفعل (1).

فصل

والحرف: ما عُدمت فيه علامات الأسماءِ والأفعالِ، وقيل: هو عبارة عن شَيئينِ احدُهما مَعنىً، والآخر عِبارة.
والمعنى: هو طرَف الشيءِ، مثل قولِهم: حرفُ الوادي.
والثاني: قول أهل النحو: هو عبارةٌ عما أفادَ مَعنىً في غيرِهِ (2).

فصل
وقد حصر بعض أهلِ العلمِ الكلامَ، فقال: هو: أمر، وفي مَعناه: السؤال والطَّلبُ والدُّعاء والاقتضاء، يقال: سألَه، وطلبَ منه، واقتَضاه، وأَمَرَة بمعنى: استدعى منه بالقولِ فعلاً.
والمفَرِّقُ الرُّتبة، وسنذكرها- إن شاء الله- في حدود هذه الأبوابِ الخاصة.
قال: والنَهي، وفي مَعناه: الكفُّ والزَّجر والمَنع، يقال: نَهاه، وزَجَره، وكَفَّه عن القَبيح، ومنعه.
قال: والخَبر والاستِخبار، ومن هذا القَبيل: القَسَمُ، فإنه خَبر مؤكًدٌ، والجحود خَبرٌ أيضاً بالنفي، وهو الإِنكار.
قال: ومنه- أعني من الخبر- الوَعدُ والوَعيدُ، فإنه إخبارٌ عن مَنافع
__________
(1) "شرح المفصل"2/ 7 - 4.
(2) المصدر نفسه 8/ 2.

(1/102)


أو مَضار، وسَنستوفي حدودَ ذلك- إن شاء الله- بعد الفراغِ من الجُملة التي قَسمها هذا العالِم من الكلام.
قال: والأمثال والتَشبيه، وهما متقاربان.
قال: والنَهي، والاستِفهام، ومثله الاستعلام، والنداء، والأسماء (1)، وقد قَسمناها (2).

فصل
في تحديدِ ما حَصره من جُملةِ الكَلامِ ونوعِهِ.

فأما الأمر؛ فهو: استدعاء الأعلى الفِعلَ بالقولِ ممن هو دونه.
ولا يَصح قولنا: ممن هو دونه، إلا بعدَ التصريح بالأعلى لتَعود الهاءُ إليه. وحذَفَ قومٌ ذكرَ الأعلى، وقالوا: ممن هو دونه، إعادة للهاءِ إلى مُقَدرٍ مُضمرٍ، ولا يَجوزُ فىِ الحدودِ إضمارٌ ولا تَقديرٌ (3).
ولا يُحتاج في الطلب والاقتِضاء إلى ذكرِ الرتبة، وُيحتاج أنْ تُذكر الرتبةُ في السؤالِ بالعَكسِ، فيقال: استدعاء الأدنى الفِعلَ ممن هو فوقه أو أعلى منه.
والدُّعاء والنداء لا يَحتاج إلى رُتبةٍ أيضاً، قال الله سبحانه:
__________
(1) انظر التفصيل في معاني الكلام في "الصاحبي" لابن فارس: 150 - 158.
(2) تقدم في الصفحة (98) وما بعدها.
(3) سيورد المؤلف تعريفات أخرى للأمر في أول كلامه على الأوامر في 2/ 450.

(1/103)


{يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [إبراهيم: 10]، وهو الأعلى، وقال: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء: 10]، وهو الأعلى، وقال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3]، وهو الأدنى، وقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} [الأعراف: 55] {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16]،.
والاقتِضاءُ نوعٌ من الطَّلَب، ولكنه بطلب القَضاءِ أخص.

فصل
والنَّهي: استِدعاءُ الأعلى التَّركَ من الدّونِ، أو ممن هو دونه (1).
ولك أنْ تقولَ في الأمرِ والنهي: استدعاءُ الفعل بالقولِ، أو استدعاءُ التركِ بالقَولِ من الدونِ، وتَستغني عن الأعلى.

وإن قلتَ: ممن دونَه. فلا بد من ذكرِ الأعلى في ذكرك الاستدعاء، لتعودَ الهاءُ إلى المذكور في الحَدِّ وهو الأعلى. وليس في قولِكَ: الدون، هَاءُ كنايةٍ تحتاج إلى عودِها إلى مذكورٍ ولا مُضمرٍ، وليس لنا في النهي ما يُوافقه من الأدنى إلّا الرَّغبةُ في التركِ، وهي إلاستِقالةُ، وسُؤالُ تَركِ فعل يسوء، أو يُؤلم، أو يَسوءُ المفعول به أو منه، ولكن لا يصرَّح به في حق اللهِ، فلا يُقال: سألتُ اللهَ أن يتركَ أَلميَ أو إيلاميَ، لكن يقال: سألتُ الله أن يُزيلَ أو يَرفَعَ، وأن يكفِيني، وأن يعصِمَني، وأن يَمنعَ عني.
وأما الزَّجرُ والكَف، فلا يَليقُ إلا بالآدميِّ مَع الآدميِّ، أو من اللهِ لغَيرِه أنْ يكونَ زاجراً وكافّاً، ولا يكونُ مَزجوراً كما لا يكون مَنهياً ولا مأموراً، إذ في ذلك استدعاءُ نوعِ عُنف وشِدة، وذلك يكون من الله
__________
(1) سيورد المؤلف تعريفات أخرى للنهي عند كلامه على المناهي في 3/ 230.

(1/104)


بالعَبدِ، ولا يليق بالله من جِهة العبدِ، فيقال: زَجر الله الخلقَ ونَهاهم.
ولا يُقال: زَجروه ولا نَهوه.

فصل

وأما الخبرُ؛ فهو في طَبعِهِ وجَوهرهِ ونعتِهِ: ما احتَمل الصدقَ والكَذبَ (1). ولسنا نريدُ به: مِن طريقٍ تَحقَّقَ الكذبُ فيه، فإنَّ خبر الله لا يَحتملُ الكذبَ، وهو خبر، لكن نُريد به -على ما ذكره شيخنا أبو القاسم بن بَرْهان- ما حَسن أن يُقال فيه من طريق اللغة: صدقتَ أو كذبتَ. فكل كلمةٍ حَسُن في اللُّغة أن يُقال في جَوابها: صدقتَ أو كذبتَ؛ فهي خَبر.
فكلمةُ الكفرِ والتَثنيةِ والتَّثليثِ لا يَحسن في الشَرعِ ولا العَقلِ أنْ يُقال في جَوابها: صدقت، وكلمة التوحيد لا يَحسن في الشرع ولا العقل -على قَول من يَجعله مُحَسّناً (2) - أن نقول (3): كذبت. لَكن من طريق اللغة لا يَقبح، كما أنّا نقول: إن كلمة الكفرِ حَقيقة وليست حقاً، ومَن رمى، فعَمَدَ إصابة شيء، فأصابه، يُقال: أصابَ؛ منَ الِإصابةِ في طَريقةِ أهلِ الرَّمْي، ولا يُقالُ ذلك على سَبيل الصوابِ شَرعاً، كذلك: صَدقت، في باب التَثنية، وكذبت، في باب التوحيد، تحسن لُغة، ويكون وجه حُسنها أنها كلمة مَوضوعة موضعَ الوضعِ
__________
(1) "الصاحبي": 150.
(2) يعني المعتزلة، وقد تقدم بيان المؤلف لذلك في الصفحة (26).
(3) أي: "في جوابها".

(1/105)


اللغوي، لكنَّ الخطأ والقُبحَ فيها من طَريق الشرع أو العَقل، أو هما، كما أنَّ قولَ القائل لرامي الشيء: أصابَ، فيَ حُكمِ الرماية، وإن كان مُخطئاً ومُقيماً أَو مُبطلًا من حَيث الشريعة.

فصل
والقَسَم من هذا القَبيل؛ لأنه خَبرٌ مُؤكَدٌ بالحَلفِ بالمُحترم (1) فإن (2) قولَ المُنكرِ: ليسَ عَليَّ شَيءٌ مما ادَّعاه، يكونُ مُخبراً بِنَفي الاستحقاق، فإذا قال: واللهِ ما يستحق على، كانَ مؤكِّداً لخَبَرِه بقَسَمه.

والقَسَمُ والحَلِفُ خَبرٌ مُؤكَّد بالاسم المُحترم نفياً في القَسَم على الإِنكار، وإثباتاً أيضاً إذا حلف لإثباتِ الدَّم في القَسَامة (3)، أو اليمين مع الشاهدِ في المال، أو اللًّعان من الزوج لإِثبات زِنى الزوجةِ، وتصديقِ نفسِه في القَذْفِ.
فصل
والوَعدُ والعِدَةُ خَبرٌ أيضاً، وحَدُّه: إخبارٌ بمنافعَ لاحقةٍ بالمُخْبَرِ من
__________
(1) في الأصل: "بالمحسن من"، وما أثبتناه يؤيده قول المؤلف الأتي: "والقسم والحلف خبر مؤكد بالاسم المحترم".
(2) في الأصل: "وان".
(3) القسامة- بالفتح-: كالقسم، وحقيقتها أن يقسم من أولياء الدم خمسون نفراً على استحقاقهم دم صاحبهم، إذا وجدوه قتيلاً بين قوم ولم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين، أقسم الموجودون خمسين يميناً، ولا يكون فيهم صبي ولا امرأة ولا مجنون ولا عبد، أو يقسم بها المتهمون على نفي القتل عنهم، وإن حلف المدَّعون استحقوا الدية، وإن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية.
"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير 4/ 62.

(1/106)


جهة المُخْبِر في المستقبل، ووعد الله بالثوابِ لمن أطاعَه داخلٌ تحتَ هذا الحَد.
قال أهل اللغة: الوَعدُ في الخير، والوعيد في الشرِّ، يقول، أهل اللغة في الخير: وعَدْته، وفي الشر: اوعَدْته وتَواعَدْته.

فصل
والوعيد في الأصل: هو إخبارٌ بمَضار محضة لاحقةٍ بالمُخبر من جهة المخبِرِ في المستقبل، ويدخل تحته وعيدُ الله للفسَّاق والكفار على مخالفته وارتكابِ نواهِيه.

والتَّشبيه: إلحاق الشيءِ بنظيرهِ في الصُّورةِ أو المعنى أو هما، وبذلك يَتَبين قوة شعرِ الشاعر، وفقهِ الفقيه؛ لأن رأسَ مال الشعراء التَشبية الذي لا تنْتِجه إلا القريحة الصافية، وليس من الغَزَلِ الذي يحرِّكة العِشْق، والمدْح الذي يحرَكة فيه الإِعطاء والرِّزْق، ولا الهَجْوِ الذي يثيرُه الحسد والعدَاوة ومجازاة المسيء، ولا النَّدْب والمَراثي الذي يَهيجه الخزْن بفَقد الحميمِ، فلم يَبْقَ للتشبيهِ سوى القًريحةِ الصافيةِ، والوزنِ الصائبِ، والاطلاع على حقيقة المِثْلين والمشتبِهَيْن، وعليه يدوز القياس حيث، كان جمَعاً بين مشتبِهَيْنِ.
فصل
والتمني: تَطَلبٌ في النفس لمستبعَدٍ حصوله.
والتَّرجي: تَطلُّب مايتوقَع أو يقرب في النفس حصولُه تقرببباً إلى

(1/107)


خصيصتها

فصل

والاستفهام: طلبُ الفَهْمِ، والاستعلام: طلب العلم.
والأسماء قد سبق الكلام فيها (1).
__________
(1) انظر الصفحة (99) وما بعدها.

(1/108)


فصول
بيان حروف المعاني
اعلم- وفقك الله- أن الحرفَ واقعٌ على الطَرَف والشَفِير، كطَرَف الوادي، وحرف الإِجابة (1) والرَّغيف، وطَرَفُ كلِّ شيءٍ: حرفُه، ويقع على الحرفِ المكتوب من حروف المعْجَمِ، ويَقع في اللغة على الكلمةِ التامَّةِ، وعلى الكلمة غيرِ التامةِ، يقولون: ما فهمت هذا الحرفَ من كلامكم، وما أخطأ فلانٌ أو ما أصابَ في حرفٍ من كَلامه، يريدون: في كلمةٍ منه، وعندي أن هذا تَجوزٌ في الكلام، أو تَنبيه على العِلَّةِ بالحرف في الخطأ والصواب، وقد يُعبَّرُ بالحرفِ عن قراءةٍ، وطريقةٍ في القراءةِ، كقولهم: يقرأ بحرفِ أبي عمرو.
فأما الحرف اللُّغوي الذي يتكلم أهلُ العربيةِ على معانِيه وأحكامه؛ فهو اللفظ المتَّصل بالأسماءِ والأفعالِ وكلِّ جُملة من القَول، والداخلُ عليها لتغيير معانِيها وفوائدِها، مثل: "من"، و"إلى"، و"بَعد"، و"حتى"، و"ما".
نذكرُ جملةً منه:
__________
(1) الإجانة: إناء تغسل فيه الثياب، "اللسان": (أجن) و (ركن).

(1/109)


فصل

في معنى"مَن"
اعلم أنَ حرف "مَن" له ثلاثةُ مواضع: فتجيءُ للخبرِ، والجزاءِ، والا ستفهام.
فأما مجيئُها للخبر، فنحو قولك: جاءَني مَن أحبَبْت، ورأيتُ مَن أعجبني.
وأما مجيئها للشرط والجزاء، نحو قولك: مَن جاءني أكرمتُه، ومَنِ انقطعَ عنِّي عاقَبْتُه.
وأما مجيئها للاستفهام، فنحو قولك: مَن عِندَك؟ ومَن كَلمك؟ ومَن تَزَوًج إليك؟
ولا يَحسُن في تفسير: جاءَني من أحببت: فَرسٌ أو بعيرٌ، ولا في جواب الاستفهام بمن عندك؟: عندي حمارٌ أوثورٌ؛ لأن "من" لما يعقل.

فصل

في معنى "أيُّ"
اعْلَم أنهأ في أصْلِ وَضْعِها للفَصْلِ، وأن لها ثلاثةَ مواضعَ: تجيءُ للخبر، والشَرْط والجزاءِ، والاستفهام.
فأما مجيئُها للخبر، نحو قولك: لأضْرِبَنَّ أيهم قامَ، ولأوَبخَنَ أيَ القومَ دخل الدار.
وأما الاستفهام، نحو قولك: أيَ الناسِ رأيتَ؟ وأيهم كلمْتَ؟

(1/110)


وأما مجيئها للشرط والجزاء: نحو قولك: أيهم ضربْتَ اضرِبْ، وأيهم هجرتَ أهجرْ، وأيَّهم كلمْتَ اكلِّمْ.

فصل
في حرف "مِن " بكسر الميم
وهي حرفٌ له ثلاثةُ مواضعَ:
أَحدها: أنها لابتداءِ الغاية، تقول: سرتُ من الكوفةِ إلى البصرة. وهذا أصلُها على ما ذكره القومُ، وهي نَقِيضةُ "إلى"؛ لأن "إلى" تجيءُ لانتهاءِ الغايةِ، و"مِن" تجيءُ لابتدائِها.
وقد تدخلُ في الكلام للتَبْعِيضِ، وتكون صلةً في الكلام وزيادةً.
فأما كونُها لابتداءِ الغاية، نَحْو قولهم: جئتُ مِن الحجاز إلى العراقِ، وهذا الكتابُ مِن زيدٍ إلى عمرو، يَعْنونَ: ابتداءَ مجيئِه وصدورِه من زيدٍ، وانتهاءَهُ إلى عمرٍو.
وأما مجيئُها للتَبعِيضِ، فنحو قولك: أخذتُ من مالِ فلانٍ، واستفدتُ من عِلْمِه، وأكلت مِن طعامِه.
وأما كونُها صِلَةً زائدةً، فنحوُ قولك: ما جاءَني مِنْ احدٍ، وما بالربْعَ من أحدٍ (1).
__________
(1) زاد ابن هشام على ما ذكره المؤلف من معانيها: البدل، والظرفية، والتعليل، وبيان الجنس. "أوضح المسالك": 352 - 354.

(1/111)


فصل
في حرف "ما"
وقد تدخلُ في الكلام للنَفْيِ والجَحْدِ، نحوُ قولِه: ما لَهُ عندِي حَقٌّ، ولا لَهً قِبَلي دَيْنٌ، وما أحْسَنَ زيدٌ -على وجهِ النفي لإِحْسانِه- وما قامَ عمرو، ونحوً ذلك.
وقد تدخلُ في الكلام للتَّعَجُّبِ، نحوُ قولك: ما أحْسَنَ زيداً! وما أجْمَلَ عَمْراً! على وجهِ التعجب من حُسْنِ زيدٍ وجمالِ عمرٍو.
وقال بعضُهم: تدخل الاستفهام، (نحو) (1): ما في الكِيسِ؟، والاستبهام: [نحو] (1): {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10]، {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16]، في الكيس ما فيه، إبْهاماً على السائلِ لا إفهاماً له، كما تُجيبه بالِإفْهام، فتقولُ: فيه دراهمُ.
وقال بعضُ أهلِ اللُّغةِ: إنها خاصةٌ لما لا يَعقِلُ (2)، وقال آخرون: بل هي لما يَعقِلً وما لا يَعقِلُ، وإنه قد يكون جوابُها بذِكْرِ ما يعقلُ وما لا يعقلُ، بحيثً إذا قيل له: ما عندك؟ صَلَحَ أن يقولَ: رَجلٌ، وأن يقول: فَرَسٌ، قال الله تعالى {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ...} , الآيات: [الشمس: 5 - 6]
__________
(1) ليست في الأصل، وزدناها للتوضيح.
(2) "أوضح المسالك": 78 - 79.

(1/112)


فصل

في معنى "أم"
اعْلَمْ أن لها موضعَيْنِ، احدهما: الاستفهام، نحو قولك: سَكتَ زيدٌ أمْ نطقَ؟ وقامَ أَم (1) قعدَ؟ وقد تكون للاستبهام، تقول: زيدٌ عندك أم عمرو، فكأنك قُلتَ: ايها عندك؟ وهذا زيدٌ أم اخوهُ؟
وقد تكونُ "أم" بمعنى (أو)، إذا ارِيدَ بهما الاستفهام، إذا قلتَ: أزيدً عندك أم عمرٌو؟، فهو كقولك: أزيدٌ عندك أو عمرٌو (2)؟.

فصل

في معنى "إلى"
هي موضوعةٌ لانتهاءِ الغايةِ، نحو قولك: ركبتُ إلى زيدٍ، وجئتُ إلى عمرو، وكُل الطعامَ إلى آخِرهِ، وتكونُ في هذا الموضعِ بمعنى "حتى"، التي هي للغايةِ، وإن اريدَ به دخولُ الغايةِ في الكلام، فبدليل يوجبُ ذلك غَيْرِ "إلى"، نحوُ قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، وأريد به: مَعَ المرافقِ (3)، بدليلٍ غيرِ الحَرْفِ (4)؛ ولذلك لم
__________
(1) في الأصل: "أو".
(2) "الصاحبي" لأحمد بن فارس اللغوي: 97 - 98.
(3) وهو قول جمهور العلماء، وخالف في ذلك زفر وابن داود وبعض أصحاب مالك، فجعلوا "الى" لانتهاء الغاية، فلا يدخل المذكور بعدها. "المغني" 1/ 172 - 173.
(4) وهو حديث جابر رضي الله عنه قال: كان النبي ي إذا توضأ، أدار الماء
إلى مرفقيه. رواه الدارقطني في "السنن" 1/ 83.

(1/113)


يُوجِبْ قولُه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، دخولَ الليلِ مع النهارِ.

فصل

في معنى "الواو"
اعلم بأن الواوَ حرفٌ موضوعٌ للجمع والنَسَقِ، والتًشْريكِ بين المذكورين، نحو قولك: ضربتُ زيداً وعمراً، وأكرمتُ خالداً وبَكْراً.
وقد تَرِد بمعنى "أو" بدِلالَةٍ، كقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، أي: أو ثُلاثَ أو رُباعَ.
وقد ذكر قومٌ من الفقهاء (1) أنها موضوعةٌ للتَرْتيبِ والتَعْقيب، بمَنْزِلَةِ "ثُم" و"الفاء"، ولا يُمْكِنُ دعوى ذلك، لكن وَرَدَتْ في مواضَعَ قامت الدَلالَةُ على أن فيها ترتيباً، فأما أن تكونَ الواوُ أوْجَبَتِ الترتيبَ فيها، فلا، وكيفَ يمكنُ دعوى ذلك، وقد قالَ أهلُ اللغةِ: رأيتُ زيداً وعمراً معاً، ولم يَستَجِيزُوا: رأيتُ زيداً ثم عمراً معاً، ولا استجازُوا قولَ القائل: رأيتُ زيداً فعمراً معاً؟
ومما يُوَضحُ ذلك أنه لم يأتِ في اللغةِ: اقْتَتَلَ زيدٌ ثم عمرٌو، ولا اقتتلَ زيدٌ فعمرو، لما كان الاقْتتالُ من افعالِ الاشْتِراكِ التي لا يكون الفِعلُ فيها إلا من اثنينِ، وقالوا: اقتتل زيدٌ وعمرٌو، واختصمَ خالدٌ وبكرٌ، فلو كانتِ الواوُ تُوجِبُ الترتيبَ، لما حَسُنَ ذلك فيها كما لم يَحْسُنْ في "ثم" و"الفاء".
__________
(1) نسب الجويني ذلك إلى الشافعية. انظر "البرهان" 1/ 181.

(1/114)


والدَّلالةُ على أن "اقتتل" و"اختصم" للشركةِ، أنه لو قال قائل: اقتتل زيدٌ ثم عمرٌو، لَحَسنَ أن يُقالَ: اقتتلَ زيدٌ مع مَنْ؛ ثم عمرٌو مع من؟ كلّ ذلك لأن الشركة مقتضى قول القائل: اقتتل، سنذكرُ ذلك شافياً في مسائلِ الخِلافِ من الكتاب -إن شاء الله-، وإنما لم يَصِحَ دخولها في الأفعال المشْتَرَكةِ؟ لأنهَ لو قال قائل: اختَصمم زيد وعمرو، وكان ذلك يفِيد ترتيباً، لكان قد سبقَ الفعل من أحد المخْتَصِمَيْنِ قبل حصوله من الآخر، وذلك محالٌ؛ لأن المشَتركَ لا ينفرد به الواحد، فلا جَرَمَ لا يَسْبِق به الواحدُ، وإذا لم يَسْبِق، فلا ترتيبَ (1).

فصل

في الكلام في معنى "الفاء"
وهي حرف إذا كان للنَّسقِ والعطفِ، اقتضى إيجابَ الترف:، بغير مهلةٍ ولاتراخٍ ولا فَصْلٍ، فهي منفصلةٌ عن الواوبإيجابِ العطفَ بنوع ترتيبٍ، ومنفصلة عن "ثم" و "بعد" بكونها لا فَصل توجِبُ، ولامهْلةً ولا تَراخِي، بل توجبُ التعقيبَ في الترتيبِ.
فإذأ قلتَ: ضربت زيداً فعمراً، أردتَ ترتيبَ ضرب عَمرٍو على ضرب زيد (2)، لكنْ عَقِيبَه بلا فصلٍ.
وكذلك دخلتِ الفاءُ للشرطِ والجزاءِ، لأنه اَدْخَل لتعجيل الجزاءِ،
__________
(1) "شرح المفصل " 8/ 90 - 94.
(2) في الأصل: "أردت ترتيب ضرب زيد على ضرب عمرو".

(1/115)


وإنما جُعِلَ الجزاءُ معجلًا، لأنه إن كان مجازاةً على إساءةٍ، كان أرْدَعَ عنها، وإن كانَ على حَسَنَةٍ، كان التعجيلُ أدعى إليها، فقالوا: لا تَسوني فأسوءَك.
وقد تكونُ جوابَ جملةٍ من الكلام، نحْوَ قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، وإذا دخلتَ مكةَ، فطُفْ بالبيتِ.
وقد تكون جوابَ الأمرِ، نحْوَ قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117]،وليس هو في هذه المواضعِ للتعقيب.

فصل

في معنى"ثُم"
وهي مُوجِبَةٌ للترتيب، لكنْ بمهلةٍ وفصلٍ، فإذا قال: اضرب زيداً ثم عمراً، أرادَ به الترتيبَ بنوع فصلٍ متأخرٍ، لا بتعقيب.
وقد تَرِدُ بمعنى الواو، قال الله سبحانه: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 46]، بمعنى: واللهُ شهيدٌ على فعلِهم حالَ فعلهم، لا مُرَتَباً على فعلِهمِ، ويحتملُ أن تكونَ على أصلِها للتَّراخي بكون شهودِ الباري متراخياً عن وفاتِه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه (1) {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 46]، لا عن أفعالهم، فإنه قال: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ
__________
(1) في الأصل: "أنه".

(1/116)


شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}، والباري لا يشهدُ فعلَهم قبل فعلِهم نَظراً، بل عِلْماً (1).

فصل

في القول في معنى "بَعْدَ"
وهي حرفٌ يفيدُ الترتيبَ، ولايفيدُه على مهلةٍ، بل يَصْلُحُ ما بعدها أن يكونَ بمهلةٍ وغيرِ مهلة، فتَقول: جاءَني زيدٌ بعدَ. عمرٍو بيومٍ، وتقول: بلَحْظَةٍ، وعَقِيبَهُ (2).

فصل

القول في معنى "حتى"
ولها ثلاثةُ مواضعَ، وأصلها في اللغة للغايةِ، وهي حرفٌ جارٌّ، تقول: أكلتُ السمكةَ حتى رَأْسِها، وضَربتُ القومَ حتى زَيدٍ، مَعناه: حتى انتهيتُ إلى رأسِها، وإلى زيدٍ.
وقد تكون بمعنى الواو (3)، إذا قلتَ: كلَّمْتُ القومَ حتي زيداً كلمتُه (4)، تريدُ به: كلمتُه.
والثالثة: حتى رأسُها، فيكونُ معناهُ الابتداءُ: حتى رأسُها أكلْتُه.
__________
(1) "الصاحبي": 119 - 120.
(2) "الصاحبي": 118.
(3) واشترط البصريون لذلك أن يكون الثاني من الأول. انظر "الصاحبي": 122.
(4) كذا في الأصل، ولعلها زائدة.

(1/117)


فصل

القول في معنى "متى"
ومتى ظرفُ زمانٍ وسؤالٌ عنه، تقول: متى قامَ زيدٌ؟ ومتى قامتِ الحربُ؟ أو متى تقومُ؟ والجواب عنه: غَداً، أو تقول: قامَ، أو قامَتْ أمسِ.
[وتكونُ للجزاء، كقول الشاعر:] (1)
مَتى تَأتِهِ تَعْشُو إلى ضَوءِ نارِهِ ... تَجِدْ خَيرَ نارٍ عِنْدَها خَيرُ مُوقِدِ (2)

فصل

في معنى "أين"
اعلم أن "أين" سؤالٌ عن المكانِ، وهي عندهم ظرفُ مكانٍ، وجوابُها يَقَعُ به، فإذا قلتَ: أينَ زيدٌ؟ أو أين أبوك؟ كان جوابه: في المسجدِ، أو السَّوقِ (3).

فصل

القول في معنى "حيث"
وهي حرفٌ للمكانِ أيضاً، فهي ظرفٌ من ظروفِ المكان، كأينَ،
__________
(1) ما بين حاصرتين ليس في الأصل.
(2) البيت. للحطيئة جرول بن أوس بن مالك، من قصيدة طويلة يمدح بها بغيض ابن عامر بن شماس التميمي، وهي في "ديوانه": 161، و"شرح المفصل" 7/ 45.
(3) وتكون شرطا لمكان نحو: "أين لقيت زيدا فكلمه " بمعنى: في أي مكان "الصاحبي": 114.

(1/118)


تقول: حيثُ وجدتَ زيداً فأكرِمْهُ، وحيثُ صَلَحَ مِنَ البلادِ فاسكَنْهُ.

فصل

في معنى "إذ" و"إذا"
واعلم أنهما ظرفانِ للزمان، تقول: جاءَ زيدٌ إذْ طلَعَ الفجرُ، وجاء المطرُ إذْ غَربَتِ الشمس، وتقول: إذا جاءَ زيدٌ فأكرِمْه، وإذا قَدِمَ الحاجُّ فأنْزِلْهم (1).
__________
(1) "الصاحبي": 110 - 113.

(1/119)


فصل

في بيان حروف الصِّفاتِ التي يقومُ بعضُها مَقامَ بعضٍ، ويُبْدَلُ بعضُها ببعضٍ.
من ذلك قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، بدلأ من: على جُذوعِ النخل.
وقوله في الباء: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، بمعنى: فاسأل عنه خبيراً.
واللام بمعنى "على": {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [الحجرات: 2]، يعني: عليه بالقول، وقوله: {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: 52]، بمعنى: عليهم اللَعْنَةُ.
و"إلى" بدلاً من "مع": {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]، أي: مَعَ أموالِكم، {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52]، أي: مَعَ الله، هذا قولُ أكثرِ العلماء، ووجدتُ عن علي بن عيسى الرُّمَّاني (1) أنها على حقيقتِها؛ فإنَ معنى قولِه: مَن
__________
(1) علي بن عيسى بن علي، أبو الحسن الرمانى من كبار النحاة، له كتاب "شرح أصول ابن السراج" و"شرح سيبويه"، توفي ببغداد سنة (384) هـ. "سير أعلام النبلاء"16/ 533.

(1/120)


أنْصاري في الجهادِ في اللهِ صابراً إلى أن يصلَ إلى ثواب الله؟ وأقامَ اسمَ الله مَقامَ ثوابه سبحانه (1)، وقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} الأكل ها هنا: الأخذ، تقول العرب: ما لي لا يُؤكَل: لا يؤخَذ، فكأنه يقول: لا تَشوبوا بالأخذِ أموالَهم إلى اموالكم.
وقد جاء في أشعار العَرب ذلك، قال الشاعر:
فإنْ تَسْأَلوني بِالنَساء فإنني ... عَليمٌ بأدواءِ النساءِ طَبيب (2)
والمراد بالنساء: عن النساءِ، فأقامَ الباءَ مَقامَ "عن".
وقد جاء في كلامِهم حيث قالو: سَقَطَ فلانٌ لِفِيه، أي: على فِيه.
وقال الشاعر:
فخَر صَريعاً لِلْيَديْنِ ولِلفَمِ (3)
والمرادُ به: على اليَدَيْنِ وعلى الفَمَ.
__________
(1) "الصاحبي": 104، وتفسير الطبري 3/ 284.
(2) البيت لِعَلقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس، المعروف بعلقمة الفحل، شاعر جاهلي. انظر "الشعر والشعراء" 1/ 218، و "البيان والتبيين" 3/ 329.
(3) عجز بيت نسب إلى عدة شعراء، فقد نسب إلى ربيعة بن مكدم، وروايته: فهتكت بالرمح الطويل إهابه ... فهوى صريعاً لليدين وللفم ونسب إلى عكبر بن حديد: "ضممت إليه بالسنان قميصه ... "، كما نسب إلى جابر بن حيى التغلبي، وصدره: "تناوله بالرمح ثم انثنى له .. ".
"المغني" لابن هشام: 781، "شرح اختيارات المفضل": 955، "الأمالي" 2/ 272.

(1/121)


وقالت العرب في معنى "إلى" مكانَ "مع ": الذَّوْدُ (1) إلى الذَوْدِ إبل، أي: مَعَ الذَّوْد.
وقد وُضِعَتِ اللامُ موضعَ "إلى"، قال سبحانه: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5]، يعني: إليها.
وقد ابدِلَت "على" ب "مِنْ "، قال سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا (2) عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2]، يعني: مِنَ الناسِ، {الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} [المائدة: 107]، أي: استحقَّ مِنْهم.
و"مِنْ" قَد تَردُ مكان الباء، قال سبحانه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]، مكان: بأمرِ الله، وكذلك قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4]، أي: بكلِّ أمر.
وقال تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 28]، يعني: منها، و: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6]، يعني: يَشرب منها عبادُ الله، {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14]، أي: انْزِلَ من (3) علمِ اللهِ. {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا} [الأنبياء: 77]، أي: على القوم (4).
__________
(1) الذود: ما بين الثنْتين إلى التسع من الِإبل. "اللسان": (ذود).
(2) في الأصل: "كالوا"، وهو خطأ.
(3) في الأصل: "في"، وهو خطأ؛ لأن التمثيل هنا لِإقامة الباء مقام "من".
(4) التمثيل هنا لِإقامة "من" مقام "على".

(1/122)


{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25]، أي: من عبادِه (1).
و"على" بمعنى "عند"، قال سبحانه: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء: 14]، أي: عندي (2).
__________
(1) التمثيل هنا لِإقامة "عن" مقام "من".
(2) نقل المؤلف هذا الفصل من "العدة" لشيخه أبي يعلى 1/ 208 - 212.

(1/123)