الواضح في أصول الفقه (1 فصل
في أدلة 1) من قال بجواز نسخ القرَان بأخبار الآحاد
وهي رواية عن أحمد رضي الله عنه فمن ذلك: قولهم: قد وجدَ ذلك،
بدليلِ أن آياتٍ من القرآن قد نسختها أخبارُ آحادٍ.
فمنها: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}
[البقرة: 180]، نسخت بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"لا وصيةَ لوارثٍ" (2).
وقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى
يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ
سَبِيلًا} [النساء: 15]، نسخ بما روي عن النبي - صلى الله عليه
وسلم -: "خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً: البكرُ بالبكر:
جلدُ مئةٍ،
__________
(1 - 1) طمس في الأصل
(2) تقدم تخريجه 1/ 231.
(4/290)
وتغريبُ عامٍ، والثيبُ بالثيبِ: جلدُ مئةٍ
والرجم" (1).
وقوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ} [البقرة: 191]،
نسخ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوا ابن خَطل، وإن كان
متعلِّقاً بأستار الكعبة" (2).
وقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ
مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
مَيْتَةً} [الأنعام: 145] نُسِخَ بما رويَ عن النبي - صلى الله
عليه وسلم -: أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من
الطير (3). وقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ
ذَلِكُمْ} [النساء: 24] لما ذكر المحرمات، نسخ بقوله - صلى
الله عليه وسلم -: "لا تُنْكَحُ المرأةُ على عمتها، ولا على
خالتها" (4).
فصل
في الأجوبة عن ذلك
أما الوصيةُ، فنسخت بآيةِ المواريثِ.
وأما آيةُ الحبس، فنُسِخَتْ (5) في البكر؛ بقوله {الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ} [النور: 2] وفي الثيب، باَيةِ
__________
(1) تقدم تخريجه 1/ 132.
(2) رواه البخاري (3044)، ومسلم (1357). وعبد الله بن خطل، كان
قد أسلم ثم أرتدَّ، اتخذ قينتين تغنيان بهجاء النبي - صلى الله
عليه وسلم - فأهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه.
(3) رواه مسلم (1934)، وأحمد 1/ 244 و 203 و 327، والدارمي
2/ 85، والطيالسي (2745)، وابن حبان (5285).
(4) تقدم تخريجه 3/ 379.
(5) في الأصل: "نسخت".
(4/291)
الرجم التي كانت: "الشيخ والشيخة إذا زنيا،
فارجموهما البتة، نكالاً من الله".
وأما {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
[البقرة: 191]، (1 فنُسِخَت بقوله: {فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
وأما قولُه: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ
مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145]، فالمرادُ به: ما هو مستطابٌ
عندهم، وليس من الخبائث، فهو عمومٌ دخلَهُ التخصيصُ بالخبرِ،
وإذا أمكن البناءُ والجمعُ، لم يصحَّ حملُهُ على النسخ.
وجميعُ الأخبارِ زوائدُ على الآيات، والنسخُ إنما كان بالآيات.
ومن تعلقاتهم من طريق الاستنباط: أنَّ ما جازَ نسخُ السنَّةِ
به، جازَ نسخُ القرآنِ به، كالقرآن.
فيقال: ليس إذا جاز أن يسقطَ به مثلُه، جاز أن يسقطَ به ما هو
أقوى منه، ألا ترى أن القياسَ يجوزُ أن يعارضَ مثلَهُ، ولا
يجوز أن يعارضَ السنةَ، آحاداً كانت، أو تواتراً.
ومن ذلك: أن قالوا: إن النسخَ إسقاط لبعض ما يقتضيه ظاهرُ
القرآنِ، فجارْ بالسنةِ، كالتخصيصِ.
فيقال: لا يجوز أن يُؤخَذَ حكمُ النسخِ من التخصيصِ، ألا ترى
أن تخصيصَ السنةِ بالقرآن جائزٌ، ونسخَها به لا يجوز، ولأنَّ
__________
(1 - 1) طمس في الأصل.
(4/292)
التخصيصَ (1): بيانُ المرادِ باللفظِ،
وغايتُهُ: أنه إسقاطٌ لبعض ما شملَه اللفظُ، والنسخُ: رفع له
بالكلية، فلم يَجُزْ بما دونه.
ومن ذلك: أن قالوا: إذا جازَ النسخُ إلى غيرِ بدلٍ، فجوازُه
إلى بدلٍ يثبتُ بلفظٍ دونه، أَوْلى.
فيقال: لو كان هذا استدلالاً صحيحاً، لوجب أن يجوز بالقياس،
فيقال: إنه إذا جازَ رفعُه إلى غيرِ بدلٍ، فلأَنْ يجوزَ إلى
بدلٍ يثبتُ بالقياسِ، أَوْلى.
على أن النسخَ إلى غيرِ بدلٍ لا يؤدي إلى إسقاطِ القرآن (2 بل
إلى رفع الحكم إلى 2) غير بدل، فيرفعُ بمثلِ ما به ثبتَ،
والنسخُ بخبرِ الواحدِ، وبالسنةِ في الجملةِ، رفعٌ للقرانِ بما
هو دونه، وذلك لا يجوزُ.
فصل
فيما تعلق به من أجازَ النسخَ بالمتواترِ منها، وهو الأصحُ.
فمن ذلك: قولهم: إنَّ المتواتر دليل قطعي، وهو الطريقُ الذي
ثبتَ به القرآنُ، وإذا كان قطعياً، صارَ بمثابةِ القرآنِ،
وصاغوه قياساً، فقالوا: دليلٌ مقطوعٌ بصحتِهِ، فجازَ نسخُ
القرآنِ به، كالقرآنِ. يوضح هذا: أن أصلَ إثباتِ القرآنِ عندنا
إنما هو بأخبارِ التواترِ، فما (3) جازَ إثباتُ القرآن له، جاز
أن ينسخَ به.
__________
(1) في الأصل: "للتخصيص".
(2 - 2) طمس في الأصل.
(3) في الأصل: "مما".
(4/293)
فيقال: يجوزُ أن يستويا في القطع، ولا
يَنْسَخُ أحدُهما الآخرَ، كما أن خبر الواحد والقياسَ استويا
في أنَّ كلَّ واحدٍ منهما مظنونٌ، ويجوزُ النسخُ بأخبارِ
الآحادِ دونَ الأقيسةِ.
ولأنَّ الإجماعَ دليل مقطوع به، ولا يجوزُ النسخُ به.
والمعنى في القرآن مع القرآنِ؛ إنَّما نسخ الآي منْهُ بالآي؛
لتساويهما في التأكيد، وهو الإعجازُ الدال على صدق الرسول -
صلى الله عليه وسلم -، والأحكامُ المتعلقةُ عليه من منعِ
الجُنُبِ مِنْ تلاوتهِ، والمُحدِثِ من مسِّه، وعدمُ صحةِ
الصلاةِ إلا بشيءٍ منه، فصارَ في الحرمة، والتأكدِ على السنة،
كتأكدِ السنةِ على القياسِ، وقولِ آحادِ الصحابة.
وعندي: أنَّ هذه الطريقةَ التي هي لإثباتِ النسخِ بالخبرِ
المتواترِ معتمدةٌ، فلا بدَّ من إيضاحها، والكلامِ على كشفِ ما
أجابَ به أصحابُنا، ومَن وافقهم فيها.
فنقولُ وبالله التوفيق: إنَّ الذي ثبتَ به القران، إنَّما هو
أخبارٌ متواترة (1 .... 1) وليس لنا طريق إلى إثبات (1 ... 1)
وليس وراء القطعِ زيادةٌ ولا تقبلُ الزيادة، فليسَ يبقى إلا
الإعجازُ، وذلك لا يرجعُ إلى معنى سوى العلم بأنَّه كلامُ
اللهِ، ومن حيث إنه دلَّ إعجازهُ على (2) أنه كلامُ اللهِ،
دلَّ على صدقِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع ما
يخبرُنا به، فإذا ثبتَ ذلك، لم يبقَ لنا طريق قطعى إلى أنَّ
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما يَتغيَّرُ الحكمُ، أو
يُبْتَدأُ به، إلا سماعُنا في معاصرتهِ، فإذا عدمنا ذلك، لم
يبقَ ما يقومُ مقامَ سماعِنا منه إلا خبرُ التواترِ، فإذا
ظفرنا به، صار كأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: هذه الآيةُ
منسوخة، نزل عليَّ الوحيُ بنسخِها، فوجَب
__________
(1 - 1) طمس في الأصل.
(2) في الأصل: "على إعجازه".
(4/294)
قبولُنا منْهُ بدليل إعجازِ القرآن، فما
نسخنا القرآنَ إلا بمثله في المعنى الذي ثبتَ به.
وفارقَ الإجماع، فإنه إنما يتحققُ في الوقتِ الذي انقطعَ
الوحيُ، ولم يبقَ سوى الاجتهاداتِ، وهو أمرٌ يحتاجُ إلى
استنادِه (1) إلى دليل، فإنْ حصلَ الإجماعُ على أنَّ الآيةَ
منسوخةٌ بنقلٍ، حُكِمَ بالنسح بدليلِ النقلِ، وإنْ كان العقدُ
على أنَّ الآيةَ منسوخةٌ بغيرِ نقل، بل بمجردِ (2) الاجتهاد،
فموتُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أوجبَ تقريرَ (3)
الأحكامِ النازلةِ من السماء، فلا يبقى للاجتهاد عملٌ، إلا في
حوادثَ لا نقلَ فيها، بخلافِ السنة المتواترة؛ فإنَّها تستندُ
إلى الوحي الذي طريقُه طريقُ القرآنِ، فهي (4) بمنزلةِ القرآنِ
في القوةِ، فلم (5) يبقَ بينهما اختلافٌ إلاَّ في نفسِ الصيغ
والنطق، وذلك لا يوجبُ فرقاً فيما يتعلق بقوة الإثبات (6 ....
6) بين كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (6 ..... 6)
الأحكام ونسخها، وبين المتواترِ من الأخبارِ عنْهُ، وإنْ كان
بينهما رتبةٌ في الفضلِ، فإن من سمع لفظ رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - أفضلُ ممن سمع عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم
-، فذاك صحابي، وله فضلُ السماعِ منه، والصحبةِ له، لكن لَمَّا
تساويا في القطعِ، ألغينا في الإثباتِ والرفع رتبةَ الفضل،
كذلك هاهنا.
ومن ذلك: أنه ليس في رفعِ حكمِ القرآنِ بالسنةِ إحالةٌ، ولا
إفسادٌ للتكليف، ولا مناقضةٌ؛ فإنَّه إذا قال النبي - صلى الله
عليه وسلم -: إنَّ الملكَ تَنزلَ إليَّ
__________
(1) في الأصل: "استفاده".
(2) في الأصل: "لمجرد".
(3) في الأصل: "تقدير".
(4) في الأصل: "فهو".
(5) في الأصل: "ولم".
(6 - 6) طمس في الأصل بمقدار أربع كلمات.
(4/295)
آنفاً، فقال: إنَّ الله قد أسقط عنك وعن
أمتك حكمَ آيةِ كذا، وجعلَ حكمَها مرفوعاً كأنْ لم يَنْزِلْ
عليك، وجبَ التعويلُ على ذلك، والتصديقُ له، بالطريق الذي
صدقناه به في جعلِ اللهِ لذلك الكلامِ الذي أعجزَ الفصحاءَ،
فكان (1) شاهدَ نفسهِ، فلا نجتاجُ إلى مُخبِرٍ يخبرُنا بأَنه
كلامُ الله.
ولقائل [أن] يقول: فالنسخُ قد يقعُ على ما لا إعجازَ فيه، وما
لا إعجازَ فيه لا يثبتُ بمعنىً يختصُّهُ، بل يحتاجُ إلى نقلٍ
يحصلُ به العلمُ، وإنَّما يصحُ ما ذكرتَه مِنَ الإعجازِ، في
السورة المديدة.
وقد أجبتُ في النظر عن هذا: بأنَّ القرآنَ عندي لا يحتاجُ إلى
طريقٍ، فلو (2) نَقَله مَنْ نَقَلَه، كان القرآنُ شاهدَ
نفسِهِ؛ بأسلوبِه ونمطِهِ الذي لا يختلطُ به سواه، فهو حافظٌ
نفسَهُ عن اختلاطِ (3) غيرِهِ بهِ، وشاهدُ نفسِهِ بكونِهِ
منقطعاً عن كلِّ (4) كلامٍ، فلا حاجةَ بنا إلى نقلِ آحادٍ أو
تواترٍ، فلو وجدناه في صحيفةٍ، لحكمنا بنمطه وأسلوبه بأنَّه
قرآنٌ، وأنَّه كلامُ اللهِ، كما أنَّ قلبَ العصا حيَّةً،
وإحياءَ الميتِ، وإخراجَ ناقةٍ من صخرة، لايحتاج إلى (5 نقل
آحادٍ أو تواتر لتصديق 5) قول من ظهرت على يديه، بل من ظهرت
على يديه، صحَّتْ دعواه بالرسالة (6)، وخبرُه بها، وهي شاهدةٌ
لنفسها بعجزِ الخلقِ بأنَّها (7 ....... 7) في إنزالِ تلك
الآية، وكنا مستصلحين بالرفعِ لها، كما كُنَّا مستصلحين
__________
(1) في الأصل: "كان".
(2) في الأصل: "ولو".
(3) فى الأصل: "اخلاط".
(4) في الأصل: "محل".
(5 - 5) طمست في الأصل.
(6) طمس في الأصل.
(7 - 7) في الأصل بياض بمقدار أربع كلمات.
(4/296)
بإنزالها، فلا فرقَ بينَ أنْ يتلوَ لنا
قرآناً يَرْفعُها أو يروي لنا وحياً ليسَ بقرآنٍ يرفعُ حكمَها،
أوْ تلاوتها رأساً.
فإن قيل: ولا إحالة في العقل أيضاً برفعِ حكمِ الآي بأخبارِ
الآحادِ، ولم يدلَّ نفيُ إحالةِ العقلِ لذلك على جواز النسخ
بها، كذلك متواتِرُها.
فيقالُ: يحتمل أن نقولَ: لولا إجماعُ الصحابةِ، لجوَّزْنا، لكن
الصحابةُ أَجْمَعَتْ على ردِّ قراءة ابنِ مسعود، وإنْ كانَ
الثقةَ العدلَ، وهو يقولُ: سمعتُ من رسول الله كذا، وهم لا
يلتفتونَ إلى روايتِهِ، فما رضوا بنقلِ ابن [مسعود] مع جلالته
وفضله لإثباتِ كلماتٍ وحروفٍ في كتاب الله، ولم يثبتوا في
المصحف إلاّ ما وقع الإجماعُ على نقله، فكان ذلك تنبيهاً على
أنهم لا يقبلون روايَتُه في رفعِ القرآنِ ونسخِهِ.
على أنَّ في ذلكَ معنىً يأباهُ العقلُ، وذلكَ أنَّ القرآنَ
حكمه ثبتَ بدليلٍ قطعي وطريق قطعي، فكيفَ يُرفعُ القطع بخبرِ
الواحدِ، وغايةُ ما يوجبُهُ غلبةُ الظنِّ؟ والعقلُ يأبى ذلك،
ولا يأبى رفعَ القطعِ بالقطعِ، لاستوائهما في الغاية، وهي
العلمُ الذي لا يقبلُ التزايدَ، لا سيما والتواترُ يوجبُ علماً
ضرورياً، فيصيرُ السامعُ لخبرِ التواتر، كالسَّامعِ منَ
المخبرِ عَنْهُ (1 أمراً طارئاً ينافي ا) مخبره، وبعد أنْ
ينحرسَ الإثباتُ عن الشكِّ والريب، فلا طائلَ في المراتبِ فيما
عدا ذلك، ألا ترى أنَّ أصْلَ إثباتِ الشريعةِ جاءَ تارةً
بطريقِ المنامِ، وتارةً بالمَلَكِ، وتارةً بالإلقاءِ في
رُوعِهِ، وتارةً باجتهادهِ، على قولِ من أثبَتَ جوازَ إثباته
الأحكام باجتهاده - صلى الله عليه وسلم - (2)، فلما سَلِمَتِ
العصمةُ، تساوى
__________
(1 - 1) طمس في الأصل.
(2) وبه قال أصحاب أبي حنيفة، وبعض الشافعية. انظر"العدة" 5/
1078 وما بعدها.
(4/297)
الإثباتُ، حتى جُعلَ منامُ عمرَ رضي الله
عنْهُ وعبدِ الله بن زيدٍ في الأذانِ مُعوَّلاً (1) عليه (2)،
وما سنَحَ لمعاذٍ من تأخيرِ قضاء (3) ما فاتَهُ مع الإمامِ،
صارَ سنةً، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَنَّ لكم
معاذٌ، فاتبعوا سنته" (4)، فإذا كانَ التعويلُ على العصمةِ في
الطرق، سقطت مراتبُ الألفاظِ واللافظين، وصارت الثقة (5)
والطمأنينةُ إلى الطريقِ هي (6) المعولَ عليها في الإثباتِ
والرفعِ، وطريقُ التواترِ طريقٌ مقطوعٌ، فلا وجه لانحطاطِه عن
رتبة التلاوةِ في بابِ نسخِ حكمِ التلاوةِ.
فصل
يجوز نسخ السنة بالقرآن
وبه قال المتكلمون، واختاره أبو بكر الباقلاني (7)، وأصحابُ
أبي حنيفة (8)، خلافاً لأحد قولي الشافعيِّ (9): لا يجوزُ نسخُ
السنةِ بالقرآنِ.
__________
(1) في الأصل: "معمولاً".
(2) رواه أبو داود (499)، والترمذي (189)، وابن ماجه (706)،
وأحمد 4/ 43، وابن حبان (1679)، وابن خزيمة (371)، وصححه، وقال
الترمذي: حسن صحيح.
(3) طمست في الأصل.
(4) أخرجه أحمد 5/ 246، وعبد الرزاق في "المصنف" (3175)، وأبو
داود (506) والبيهقي في "السنن" 2/ 296، من حديث معاذ رضىِ
الله عنه.
(5) في الأصل: "المشقة".
(6) في الأصل: "هو".
(7) "المستصفى" 1/ 124، و"المحلي على جمع الجوامع " 2/ 80.
(8) "تيسير التحرير" 3/ 202، و"فواتح الرحموت" 2/ 78.
(9) وهو المشهور من قول الإمام الشافعي. انظر "الرسالة" (57)،
=
(4/298)
فصلٌ
في الأدلةِ على جوازهِ
فمنها: أنَّ ذلك قد وُجدَ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- صالحَ أهلَ مكةَ يومَ صدُّوهُ عامَ الحديبيةِ عن البيتِ؛ على
أنَّ مَنْ جاءَهُ مسلماً ردَّهُ، وردَّ أبا جندلٍ وجماعةً من
الرجال، وجاءَت امرأةٌ، فأنزلَ الله تعالى: {فَإِنْ
عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى
الْكُفَّارِ} (1) [الممتحنة: 10] وهذا (2 [ممّا ورد في السنة
ولم يعلم] 2) إلا من جهتِهِ، فنسِخَ بقرآنٍ، وهو منعُه مِنْ
رَدِّ المؤمنة إلى الكفار، (2 وكذلك كانت 2) الصلوات تؤخرُ
حالَ الحربِ، فنسخها الله تعالى بقولِهِ: {فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239].
ومن طريقِ الاستدلالِ بالاستنباطِ: أنَّ السنةَ: ما ثبتَ من
حكمِ الله سبحانه بقوله - صلى الله عليه وسلم - وإخبارِه،
ومعلوم أنَّهُ لو قالَ شيئاً، فتضمَّنَ قولُه حكماً، ثم عادَ،
فقال ما ينسخُهُ في وقتٍ آخر، حَكمنا بنسخِ الأول بقوله
الثاني؛ لأنَّهُ وحيُ الله سبحانه، فإذا جاء وحيُ (3) الله
سبحانه بنسخِ ذلك الحكمِ، كانَ وحياً على صفةٍ تعطي الزيادة في
القوة بالإعجاز، ولا وجهَ لتجويزِ نسخِ ما أُوحيَ إليه بشرعهِ،
بقوله (4)، مع
__________
= و"المعتمد" 1/ 423، و"الإحكام" للآمدي 3/ 150 و"الإبهاج" 2/
270، و"المستصفى" 1/ 134، و"التبصرة" (264).
(1) رواه البخاري (2732) ضمن حديث طويل في صلح الحديبية عن
المِسْور بن مَخْرمَةَ ومروان بن الحكم.
(2 - 2) طمس في الأصل.
(3) طمس في الأصل.
(4) زاد في الأصل هنا: "بما أوحي إليه فشرعه بقوله"، ونظنها
تكراراً لما سبق.
(4/299)
المنع، مع نسخِ (1) ما قال عن وحيٍ بما
قاله الله سبحانه من الوحي.
وفيما قدَّمنا من الأدلةِ على تجويزِ نسخ القرآنِ بالسنةِ
تنبيهٌ على تجويز نسخِ السُّنةِ بالقرآنِ؛ لأنَّ نسخَ الآكدِ
بالأضعفِ يُعطي تجويزَ الأضعفِ بالآكدِ والأقوى.
وتحقيقُ القولِ في ذلك: أنّا قد علمنا أنَّ الحكمَ المندرج في
السنة، حكمٌ شَرَعَهُ اللهُ بوحيه على لسان نبيه - صلى الله
عليه وسلم - وعلمنا أنَّ ما نزلَ من كلامهِ سبحانه متضمناً (2)
حكماً، هو وحيٌ من الله، فإذا جازَ أن يرفعَ حكمَهُ وحيُهُ
بقولِ رسولِه المخبرِ عن وحيِه، لم يحسنْ أن نقولَ: لا يجوزُ
أنْ يُنْسخَ حُكْمُ الله الأولُ بوحيهِ الثاني بكلامِهِ، مع
كونِ الوحيين متساويين، وأحدُهما زادَ فيه كونه وحياً بكلام
الله، (3 فكانَ وحيُ الله بكلامه أقوى وآكدَ من 3) وحي اللهِ
بغيرِ كلامِه (4) ومنعُ (5) نسخِ (6) وحيه بغيرِ كلامِ الله
بوحيهِ، بكلامِه، يَجْعلُ (7) كونَه وحياً أو كلاماً له مقصراً
عن الوحي (8) الذي ليسَ بكلامِهِ، ولا وجهَ لذلكَ.
يوضّحُ هذه الطريقةَ: أنَّ كلامَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم
-، المرويَّ قد اختُلِف في
__________
(1) في الأصل: "فنسخ".
(2) في الأصل: "متضمن".
(3 - 3) طمس فى الأصل.
(4) زاد هنا في الأصل: "بوحي ... بغير كلامه"، ونظنه إعادة لما
سبق.
(5) في الأصل: "ومع".
(6) طمس في الأصل.
(7) في الأصل: "فنجعل".
(8) في الأصل: "كون الوحي".
(4/300)
جوازِ نقله بالمعنى، وقد يدخلُ الروايةَ
بالمعنى نوعُ اختلالٍ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم
-: "نَضَّرَ الله امرأً سمعَ مقالتي، فوعاها، فأدَّاها كما
سمعها، فربَّ حاملِ فقهٍ غيرُ فقيهٍ، وحاملِ فقهٍ إلى مَن هو
أفقهُ منه" (1)، والقراَنُ محفوظُ الألفاظِ، فالحكمُ فيه أشدُّ
حفظاً، فإذا جازَ نسخُ السنة بالسنةِ، مع تجويزِ نقلها بالمعنى
الذي يجوز عليه الاختلالُ بتغييرِ اللفظِ، فلأن يجوزَ نسخُ
السنةِ بالقرآنِ المحروسِ، المحفوظِ المعاني بحفظ ألفاظِهِ،
أَوْلى، والله أعلم.
فصلٌ
في شُبَهِهِمْ
فمنها: أنَّ السنةَ مبينةٌ للقرآن، وما وُضعَ للبيانِ لشيءٍ،
لا يُنْسَخُ بذلك الشيءِ، والدلالةُ على ذلك: قولُهُ تعالى:
{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
ومنها: أنَّ السنةَ ليست من جنس القرآنِ، والشيءُ لا يُنْسَخُ
بغيرِ جنسِهِ؛ بدليلِ [أَن] القرآنَ لا تنسخُهُ السنةُ،
وربَّما قالوا: لمَّا لم يَجُزْ نسخُ القرانِ بالسنةِ، لم
يَجُزْ نسخُ السنةِ بالقرآنِ.
ومنها: أنَّ السُّنةَ مَا عُرِفَتْ إلاَّ بالقرآنِ، فلو
بَيَّنَها القرآنُ، صارت أصلاً، ولا يجوزُ أنْ يصيرَ الفرعُ
أصلاً.
__________
(1) تقدم تخريجه 1/ 7.
(4/301)
فصل
في الأجوبة
أما الأولُ: فإنَّ البيانَ هو التبليغُ، وكونُهُ مبلغاً لا
يمنعُ أنْ يردَ (1 بلاغه بوحي من الله ونطقٍ ليس من 1) القرآن،
وتارةً يرد بنطقِ القرآن (1 الذي أوحي إليه، فكلاهما وَحْيُ
الله 1)، فوحيُ الله إذا بينه بوحيهِ، لا فرقَ بينَ كونهِ
كلامَ الله، أو إلهامَ اللهِ، فكلاهما (2) من عندِهِ، ولهَذا
جازَ تخصيصُ السنةِ بالقراَنِ، وهيَ أحدُ البيانينِ.
وأمّا قولُهم: لشىَ منْ جِنْس السنةِ، فلا عبرةَ بالجنس بعدَ
تساوي الجهةِ التي صدرَ عنها الأمرانِ: الناسخُ والمنسوخُ،
والَمبيَّنُ والبيانُ، فكلاهُما (3) وحيُ الله، إذ لا ينطقُ
إلاَّ عَنْ وحي، ولوْ نَطَقَ باجتهادِهِ، لم يَمْتَنعْ أنْ
يردَ نطقُ القرآنِ رافعاً [و] ناسخاً لما حكمَ بِهِ
باجتهادِهِ.
فعلى كلا الأمرينِ: لا يمتنعُ نسخُ الجِنْسِ بغيرِ الجنسِ،
وهما يجريانِ مجرى الجنسِ الواحدِ، لكونِهما من عندِ الله،
وإلهامَه وحكمَه المشروعَ بأمرِهِ ووحيهِ، ولهذا جازَ بيانُ
كلِّ واحدٍ منهما بالآخرِ في بابِ التخصيصِ.
وأمَّا الأصلُ الذي قاسُوا عليه، وهو نسخُ القرآنِ بالسنةِ،
فإنَّا لا نسلِّمُهُ؛ على ما اخترْنَاهُ من نسخِ القرآنِ
بالمتواترِ من السنةِ، ومَن سلَّمَهُ لم يُعَلِّلْ بأنَّهُ
ليسَ من جنسِهِ، ألاَ تَرَى أنَّ الآحادَ من السُّنَنِ مِنْ
__________
(1 - 1) طمس في الأصل.
(2) في الأصل: "كلاهما".
(3) في الأصل: "وكلاهما".
(4/302)
جنْس المتواترِ منها، ولا (1) ينسخُ
آحادُها متواتِرَها، لكن عَلَّلوُا بأنَّ الَقرآنَ أعلى وآكدُ،
وأنَّهُ ذو إعجازٍ، ولَهُ حرمة في التلاوةِ؛ في اعتبارِ الغسلِ
من الجنابةِ لها، ورفع الحَدَثَيْنِ جميعاً لمسِّ المسطورِ من
كتابِ الله، بخلافِ السنة.
وأمّا قولُهم: تصيرُ أصلاً. فلا تصيرُ أصْلاً، كما لا تصيرُ
أصلاً بتخصيصِ القرآنِ لها، ولهذا (2 .......... 2) لا تصير
أصلاً ببيانِها بالتخصيصِ للقرآنِ (3).
فصلٌ
في جوازِ نسخ [الحكم] قبلَ وقتِ فعلهِ
لا يختلفُ الناسُ في جوازِ نسخِهِ قبلَ فِعْلِهِ؛ لأنَّ المكلف
لو تَرَكَهُ توانياً حتى فاتَ وقتُهُ، لم يَمتَنعْ نسخُهُ.
واختلفوا في جوازِ نسخِهِ قبلَ وقتِ فعلِهِ:
فالمذهبُ عندَنا: جوازُ نسخِهِ، هذا ظاهرُ كلامِ صاحِبنا أحمدَ
(4) رضيَ الله عنه، وإليه ذهبَ ابنُ حامدٍ، واختارهُ شيخُنا
الإمامُ ابنُ الفَراءِ (5) رحمة الله عليه، وبهذا قال أكثرُ
أصحابِ الشافعي (6)،
__________
(1) في الأصل: "فلا".
(2 - 2) طمس فىِ الأصل بمقدار خمس كلمات.
(3) طمس في الأصل.
(4) انظر "المسودة" (207)، و"روضة الناظر" مع "جنة المناظر" 1/
203 وما بعدها.
(5) "العدة" 3/ 809.
(6) انظر "المنخول " للغزالي (297)، و"المستصفى" 1/ 112،
و"الإحكام" =
(4/303)
والأشاعرةُ (1).
وذهبَ أبو الحسن التميميُّ: إلى نفي جوازر، وهو مذهبُ
الصيرفيِّ من أصحابِ الشافعيِّ (2)، وأكثر المعتزلة (3).
واختلف المجيزونَ لنسخِ الشيءِ قبلَ وقتِ فعلِهِ، هل يجوزُ على
الوجهِ الذي أمرَ به، أم على خلافِ ذلكَ الوجهِ؟ على مذهبين.
فصلٌ
في جمعِ أدلتنا
فمنها: إثباتُ وجودِ ذلكَ من جهةِ الله سبحانه، بدليلِ قوله
تعالى لإبراهيم: اذبحْ ولدَكَ، ورُوِيَ: واحدكَ، ودلَّ عليه
قولُه في القرآن: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ
أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ
افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] إلى قوله: {فَلَمَّا
أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] إلى قوله:
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]، والفِداءُ
بالذبحِ نسخٌ لما كانَ شرعَهُ من الذبح قبل وقتِ الذبحٍ، فقد
تضمنَتْ هذهِ الآيةُ تجويزَ ذلكَ على اللهِ سبحانه؛ إذ كان في
شريعةٍ من شرائعِهِ، وفي شريعتنا، لأنَّ نبيَّنا - صلى الله
عليه وسلم -
__________
للآمدي 3/ 115، "شرح اللمع" للشيرازي 2/ 193.
(1) انظر "العدة" لأبي يعلى 2/ 808، و"البرهان " 2/ 1303،
و"الإحكام" للآمدي 3/ 126.
(2) انظر "المنخول" (297)، و"أصول السرخسي" 2/ 63، و"الإبهاج"
2/ 256، و"الإحكام" للآمدقي 3/ 115.
(3) انظر "المعتمد" 1/ 407.
(4/304)
(1 قد أُمِرَ1) باتِّباعِ أبيه إبراهيمَ،
والاقتداءِ به، وشرعُ منْ سَبَقَهُ شرعٌ له، ما لمْ يَثْبُتْ
نسخُهُ على (1 ما قَدَّمنا 1).
فصل
في أسئلتهم على هذه الآية
(1 الأول: أن ذلك كان مناماً، فلا يثبت به الأمر 1).
والثاني: أنه قال بلفظ المستقبلِ، وليسَ فيه تصريحٌ بالأمرِ من
الله، وقول إسحاق أو إسماعيل: افعلْ ما تؤمرُ، ولمْ تقُلْ: ما
أُمِرْتَ، لكنْ علقَه على المستقبلِ، فدلَّ ذلكَ على أنَّه لم
يكنْ تحققَ الأمرُ، وانما قالَ: افعلْ ما يتحققُ من الأمرِ لكَ
في مستقبلِ أمرِكَ.
ومنها: أنَّهُ كان أمرَ بمقدماتِ الذبح مِنْ أَخْذِ المُدْتةِ
والحَبْلِ، واخراج ابنه إلى الصحراء، فاستشعر إبَراهيم أنه
إنَّما يؤمرُ بذبحه، فكشفَ النسخُ أنه لم يك مأموراً إلا
بالقدْرِ الذي أُمِرَ به من الأماراتِ، دون حقيقة الذبح، وليسَ
هذا نسخاً، لكنه بيانٌ (2)، والذي أُمِرَ به قد وَقَعَ منهُ،
وهو إخراجُهُ على الوجهِ الذي أخرجَهُ، وتلُّهُ للجبين.
ومنها: أنَهُ قد كانَ أُمِرَ بالذبحِ، وقد أوقعَهُ، لكن رويَ
أنَّهُ كانَ كُلَّما قطعَ عِرْقاً، عادَ ملتحماً، فلا يكونُ ما
جرى من الفداء نسخاً؛ لأنَّ نفسَ المأمورِ بهِ قد وقعَ، ويشهدُ
لهذا التأويلِ قولُه: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:
105]، فيعطي هذا: أنَّهُ صدَّقَها بالفعلِ وايقاعِه على الوجهِ
المأمورِ به، إمَّا الذبحِ، أو أمارات الذبح، ولهذا
__________
(1 - 1) طمس في الأصل.
(2) في الأصل: "بياناً".
(4/305)
قال: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 105]
فبالنَ (1) موقعُ الإحسانِ.
ومنها: أن قالوا: لم يُرِدْ إلاَّ اختبارَهما، وابتلاءَ
سرِّهِما وصبرِهما، فأمَّا نفسُ إيقاعِ الفعلِ، فلا، وإذا أراد
ذلكَ، لم يكنْ ناسخاً لما شرعَهُ قبلَ وقتِ فِعْلِهِ (2
لتحقُّقِ الفعلِ 2) المشروعِ من الابتلاءِ في وقتِهِ، وكشفِ (2
اختبارهما عن حقيقة طاعتهما 2).
(2 ومنها: أنه جُعِلَ على أَوْداجِه 2) صفيحةٌ من نحاس، تَمنع
من الذبح بعد ذلك، فلم يتَحَقَّقْ أَمرُه به، لا نسْخاً، لكن
منعاً (3). |