تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (كتاب الطَّهَارَة)
(1/123)
فارغة
(1/124)
(كتاب الطَّهَارَة)
(1/125)
فارغة
(1/126)
لوحة 12:
الطَّهَارَة وَمَا تتأدى بِهِ عرفا شرعا، وَيَنْبَنِي على
هَذَا مسَائِل مِنْهَا: إِزَالَة النَّجَاسَة، وَالْمَاء
الْمُتَغَيّر، وَالنِّيَّة، وَالتَّرْتِيب، وَلَا ننكر أَن
لَفْظَة طَاهِر وطهور كَانَتَا معروفتين عِنْد الْعَرَب فقد
جَاءَ: ملاح التثني ريقهن طهُور.
لَكِن لما نقلت إِلَى الِاسْتِعْمَال الشَّرْعِيّ وَظهر
التَّعَبُّد فِيهَا (بِحَيْثُ نجس) الْخمر وطهر الْخلّ، وَخرج
الْأَذَى من مَكَان وَغسل أَو مسح غَيره وقفنا فِي الطَّهَارَة
وَأَحْوَالهَا على قانون الشَّرْع والتوقيف، وَاعْلَم أَن
الْأَحْكَام لَيست أوصافا للْحَال، بل تعلق خطاب الشَّرْع
بِأَفْعَال الْمُكَلّفين وَلَا حكم قبل الشَّرْع، وَلَا حسن
وَلَا قَبِيح، وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ مجَال فِي ذَلِك، بل لَهُ
التَّصَرُّف فِي جَوَاز الجائزات واستحالة المستحيلات وَهِي
مَسْأَلَة خلافية، وَلَا
(1/127)
نقر بمشهورات تُوصَف بالقبح وَالْحسن
كالعدل وَالظُّلم والصدق وَالْكذب، فَلَيْسَ فِي ذَلِك مَا حسن
أَو قبح لذاته، كَمَا تُوصَف النَّار بالحرارة، وَلَو كَانَ
كَذَلِك (لما اخْتلفت النَّحْل) والعادات، فَإِن الصدْق فِي
الدّلَالَة على عورات الأصدقاء وَمُقَاتِل الْأَنْبِيَاء
قَبِيح، وَالْكذب فِي إصْلَاح ذَات بَين حسن، وَلَوْلَا
الشَّرَائِع والتمدن والعوائد مَا علق بخاطرك حسن وَلَا قبح،
وَقد يبْعَث على الرَّحْمَة رقة غريزية وَلَا تطرد فِي
الْغَيْر كالجازر لَا يرق لذبيحته رقة غَيره، وَقد وجدنَا
الْخلق الْوَاحِد مَحْمُودًا مذموما، وَقد وصف الحقد شَاعِر
فَقَالَ:
(وَمَا الحقد إِلَّا توأم الشُّكْر فِي الْفَتى ... وَبَعض
السجايا ينتسبن إِلَى بعض)
(إِذا الأَرْض أدَّت ريع مَا أَنْت باذر ... من الْبذر فِيهَا
فَهِيَ ناهيك من أَرض)
(1/128)
وحث آخر على الْبُخْل فَقَالَ ومدح:
(إِذا الْمَرْء لم يُوجب عَلَيْك عطاؤه ... صَنِيعَة قربى أَو
خَلِيل توافقه)
(منعت وَبَعض الْمَنْع قهر وَقُوَّة ... وَلم يفتلذك المَال
إِلَّا حقائقه)
وَاعْلَم أَن الطّهُور هُوَ المَاء الْمُطلق بِأَصْل خلقته،
وَيكرهُ مشمسه طِبًّا.
وَأول الْكثير مِنْهُ القلتان وقدرها ث بالسلامي، وَهَذَا
(الْقدر) لَا يُوصف بِالنَّجَاسَةِ، وَإِن ظَهرت فِيهِ حَتَّى
يتَغَيَّر بعض أَوْصَافه الطّعْم، أَو اللَّوْن أَو الرّيح،
وَاعْلَم أَن الْخصم يَدعِي كَون الطَّاهِر لَا يصير نجسا
لَكِن إِذا قاربه النَّجس أخرجه من أَن يتَقرَّب بِهِ إِلَى
المعبود، وَالطَّهَارَة تزيل هَذَا الْمَعْنى وَالْمُنَاسِب
الْإِزَالَة فَمَا حصلت بِهِ (الْإِزَالَة) ناسب التَّطْهِير
فَالْمَعْنى الْمَعْقُول أَن التلوث بِالنَّجَاسَةِ يخرج
المتلوث عَن أَن
(1/129)
يتَقرَّب بِهِ إِلَى المعبود، لَكِن هَذَا
الْمَعْنى الْمَعْقُول يصحب معنى تعبديا ذَلِك الْمَعْنى، أما
فِي إِزَالَة النَّجَاسَة، فكون المَاء لَا يَتَنَجَّس
بالملاقاة، وَأما فِي الْحَدث فَغسل الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة،
فَإِذا عدى الْمَعْنى الْمَعْقُول تعدى مَعَه مَا يلْزمه من
الْمَعْنى غير الْمَعْقُول وَصَارَ كَمَا أَن تَحْرِيم
التَّفَاضُل فِي الْأَشْيَاء السِّتَّة مَعْقُول وَإِسْقَاط
الْجَوْدَة غير مَعْقُول، فَإِذا تعدى إِلَى غَيرهَا تعدى
الْمَعْقُول ولازمه.
(1/130)
(كتاب الطَّهَارَة)
(الْمسَائِل)
(الْمَسْأَلَة الأولى: إِزَالَة النَّجَاسَة (أ)) .
الْمَذْهَب: الْمُتَعَيّن لَهَا المَاء.
عِنْدهم: بِكُل طَاهِر مَائِع مزيل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} .
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لأسماء، ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
(1/131)
" اغسليه بِالْمَاءِ ". نَص على المَاء،
وَلَو ادعينا إِجْمَاع الصَّحَابَة على الِاقْتِصَار على أَن
المَاء طهُور بِوَجْه.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
طَهَارَة ترَاد بهَا الصَّلَاة فَلم يقم فِيهَا غير المَاء
مقَامه، كطهارة الْحَدث ذَلِك؛ لِأَن الطّهُورِيَّة صفة
زَائِدَة على الطَّهَارَة، وَلَا تطلق إِلَّا على المَاء
حَقِيقَة.
لَهُم:
مَائِع طَاهِر مزيل للعين فيصلح لإِزَالَة النَّجَاسَة
كَالْمَاءِ، وَلَوْلَا أَنه مزيل مَا اقْتصر عَلَيْهِ فِي غسل
طيب الْمحرم.
(1/132)
مَالك: ق.
أَحْمد: يكره الْوضُوء وَالْغسْل بِمَاء زَمْزَم وَبِمَا سخن
بِنَجَاسَة. ق.
التكملة:
لنا ثَلَاثَة مآخذ، إِمَّا أَن ندعي بَقَاء عين النَّجَاسَة،
وَالشَّاهِد قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " ثمَّ الطخيه بزعفران
واللون لَا يبْقى دون الملون " وَفِي المَاء قُوَّة شَرْعِيَّة
تحيله طَاهِرا، أَو ندعي أَن المَاء ينجس بملاقاة النَّجَاسَة
وَالشَّرْع جعله طهُورا، ونستدل على ذَلِك بِأَن الْمُنْفَصِل
جُزْء من الْمُتَّصِل، والمنفصل نجس فَكَذَا الْمُتَّصِل،
وَالثَّالِث أَن الثَّوْب صَار نجسا حكما، وَالْمَاء يزِيل
هَذِه النَّجَاسَة، ونعتذر عَن الْخمر المخللة بِأَنَّهَا
استحالت بِنَفسِهَا
(1/133)
وَيفرق بَين المحترمة وَغَيرهَا؛ لِأَن
المحترمة غير نَجِسَة، وَالْمَسْأَلَة لَازِمَة لَهُم أَيْضا
من جِهَة طَهَارَة الغسالة.
وَالصَّحِيح أَن طَهَارَة الْخلّ رخصَة وهم يدعونَ أَن الْخلّ
مزيل كَالْمَاءِ، وَلَا يسلمُونَ أَن الطَّاهِر يصير نجسا،
إِذْ الْأَعْيَان لَا تنْقَلب، وَأما إِذا شاع النَّجس فِي
الطَّاهِر اجْتنب الْجَمِيع، كَمَا لَو اخْتلطت أُخْته
بأجنبيات، وَلَو كَانَ كَمَا ذكرُوا لجَاز الْغسْل بِهِ وأزال
الْحَدث، وَتبقى على الْمُحدث نَجَاسَة، ونعتذر عَن طيب
الْمحرم بِأَن الْقَصْد إِزَالَته وَلَو بمائع نجس.
(1/134)
فارغة
(1/135)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: الْمُتَغَيّر
بمخالطة طَاهِر يسْتَغْنى عَنهُ. (ب))
الْمَذْهَب: لَا تجوز الطَّهَارَة بِهِ.
عِنْدهم: يجوز.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ظَاهر الْآيَة العزيزة ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تغير بمخالطة غير طهُور مَعَ غناهُ عَنهُ، فَلم تجز
الطَّهَارَة بِهِ كَمَاء الباقلاء.
(1/136)
لَهُم:
المَاء ومخالطه طاهران، فصارا كَمَا لَو خالطه تُرَاب، والتغير
غير مَانع بِدَلِيل الآجن، وتداول الصِّفَات على المَاء كأطوار
الْخلقَة على الْإِنْسَان وَهُوَ فِي جَمِيعهَا إِنْسَان،
وَالْإِضَافَة لَا تغير حكمه، كَمَا لَو أضيف إِلَى مقره.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالُوا: لَو كَانَ المغير مَانِعا لمنع بِمُجَرَّد الْوُقُوع،
كالنجاسة فِي المَاء الْقَلِيل. الْجَواب: أَن هَذَا عكس
الْعلَّة وَلَا يلْزم، وَبَيَانه أَنهم أرونا مَا تنجس، وَلم
يتَغَيَّر، وَهُوَ المَاء الْقَلِيل بِالنَّجَاسَةِ، وَنحن
إِنَّمَا عللنا بالتغير، وَيجوز أَن ينجس المَاء لِمَعْنى غير
التَّغَيُّر، ثمَّ إِنَّا لَا نمْنَع بالمخالطة وَلَا بالتغير،
بل بِزَوَال إِطْلَاق اسْم المَاء، وَاعْلَم أَن كل صفة ذاتية
تلْزم المَاء فِي
(1/137)
مقرّ أَو ممر تزيل عَلَيْهِ إِطْلَاق
الِاسْم بتغيره عَنْهَا، لَا إِلَيْهَا ذَلِك بضرورة
الِاحْتِرَاز عَنْهَا، وَاعْلَم أَن مخالط المَاء إِن كَانَ
طهُورا بقيا طاهرين، وَإِن كَانَ غير طهُور بقيا كَذَلِك،
وَكَذَا النَّجس، فَإِن قَالُوا: لم يكْتَسب المَاء اسْما آخر،
قُلْنَا: الْأَسْمَاء مِنْهَا مُفْردَة وَمِنْهَا مركبة
ومضافة، والجميع يزِيل إِطْلَاق الِاسْم.
(1/138)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة: نَبِيذ
التَّمْر: (ج)) .
الْمَذْهَب: نجس لَا يجوز الْوضُوء بِهِ.
عِنْدهم: يجوز فِي السّفر عِنْد عدم المَاء.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} ، رتب
التَّيَمُّم على المَاء، فَلَا يجوز الْفَصْل بالنبيذ؛
لِأَنَّهُ زِيَادَة على النَّص، وَذَلِكَ نسخ فَلَا يجوز
بِخَبَر الْوَاحِد.
لَهُم:
خبر ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ لَيْلَة الْجِنّ، وَقد عمل
بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي مَسْأَلَة
الِاسْتِنْجَاء وَوجه دلَالَته قَوْله " معي نَبِيذ " مَعَ
فَصَاحَته.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَا لَا يرفع الْحَدث، فَلَا تصح الطَّهَارَة بِهِ ... .
(1/139)
لَهُم:
نوع تطهر يُفْضِي إِلَى بدل فأفضى إِلَى بدلين كَالْعِتْقِ،
ثمَّ إِن الرَّأْس وَالرجل عضوا طَهَارَة فَثَبت فيهمَا بدل،
كالوجه وَالْيَدَيْنِ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الحَدِيث فِيهِ طعن، ثمَّ إِنَّه كَانَ بِمَكَّة وَآيَة
التَّيَمُّم مَدَنِيَّة، ثمَّ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: "
تَمْرَة طيبَة وَمَاء طهُور ". يَقْتَضِي أَن يكون المَاء
بِحَالهِ وَالتَّمْر على صورته ليصدق عَلَيْهِ الْوَصْف،
فالسكنجبين لَا يُقَال لَهُ خل وَعسل إِلَّا مجَازًا، ثمَّ لَو
كَانَ النَّبِيذ طهُورا مَا ترَتّب على المَاء وَلَا اخْتصَّ
بِالسَّفرِ وَخبر الْوَاحِد فِيمَا يُخَالف الْأُصُول
مَرْدُود، ثمَّ لَو كَانَ النَّبِيذ بدل المَاء لوَجَبَ أَن
يكون أَعم مِنْهُ اعْتبر ذَلِك بِالشرابِ، وَمَا لَا يتَوَضَّأ
بِهِ حضرا لَا يتَوَضَّأ بِهِ
(1/140)
سفرا، وَيَبْنِي الْكَلَام على أَنه لَا
يجوز أَن يكون السّفر عِلّة الطّهُورِيَّة، ثمَّ حَال ابْن
مَسْعُود لَا يَقْتَضِي اسْتِصْحَاب الأنبذة فِي السّفر.
(1/141)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة: شعر الْميتَة
والعظم والعصب (د)) .
الْمَذْهَب: تنجس بِالْمَوْتِ.
عِنْدهم: لَا ينجس بِالْمَوْتِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
أما الدَّلِيل على الْحَيَاة فَقَوله تَعَالَى: {قَالَ من يحيي
الْعِظَام وَهِي رَمِيم} ، وَالدَّلِيل الْكُلِّي قَوْله
عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا
عصب "، وَقَوله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أحد نَوْعي الطَّهَارَة، فَلَا يُفَارق الشّعْر فِيهِ أَصله
كطهارة الْحَدث،
(1/142)
وَالْمُعْتَمد كَون الْأَجْزَاء تَابِعَة
للْأَصْل طَهَارَة ونجسا، وَلذَلِك لَا يمس الْجنب الْمُصحف
بِشعرِهِ.
لَهُم:
الَّذِي يثبت حكم النَّجَاسَة الْمَوْت، وَإِنَّمَا يحل حَيْثُ
تحل الْحَيَاة، وَلَا حَيَاة فِي الشّعْر، وَأَبُو زيد يسلم
أَن فِيهِ حَيَاة، وَيَقُول: الْمَوْت لَا ينجس لعَينه بل
إِمَّا لأجل الفضول، أَو لحُرْمَة الْأكل.
مَالك: الْعظم تحله الرّوح لَا الشّعْر.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا رَضِي الله عَنْهُمَا.
التكملة:
إِن فرقوا بَين الْحَدث وَالْمَوْت بِأَن الْعلَّة ثمَّ
الْوَضَاءَة، وَهُوَ يَشْمَل الشّعْر والبشر، وَالْعلَّة
هَاهُنَا الْمَوْت، وَلَا يحل الشّعْر، فَالْجَوَاب منع عِلّة
الْوَضَاءَة، فَإِن النَّظِيف يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ الكدر،
ثمَّ على أصلهم آكِد، فَإِن الْعلَّة عِنْدهم الْخَارِج
النَّجس ثمَّ حَاجَة الشّعْر إِلَى التَّطْهِير كحاجة
الْجُمْلَة؛ لِأَنَّهُ بَعْضهَا وأبخره الفضول وَالشعر بعد
الْمَوْت يعرض التّلف وَعدم الإحساس يُشَارِكهُ فِيهِ
الْجُلُود المستحيلة، ثمَّ حُرْمَة التَّنَاوُل تعم الشّعْر
والبشرة، وَلَيْسَ
(1/143)
تَحْرِيم الْأكل لعدم الإغذا، فَإِن
التُّرَاب لَا يحرم الدِّرْهَم مِنْهُ، وَإِن كَانَ لَا يغذي
وَلَا ينجس مَا يلقى فِيهِ، ثمَّ الشّعْر يتبع الْجُمْلَة حلا
وَحُرْمَة وضمانا، وَشعر صيد الْحرم كجملته.
(1/144)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة: ذَكَاة غير
الْمَأْكُول (هـ))
:
الْمَذْهَب: لَا تبقى مَعَه طَهَارَة الْجلد.
عِنْدهم: تفِيد فِي غير الْآدَمِيّ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب
وَلَا عصب "، وَهَذِه ميتَة، والْحَدِيث صَحِيح، وَاسْتثنى
المدبوغ بقوله: " هلا أَخَذْتُم إهابها فدبغتموه وانتفعتم بِهِ
".
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " دباغ الْأَدِيم ذَكَاته " شبه
الدّباغ بالذكاة، والمشبه بِهِ أقوى من الْمُشبه والمشبه
يُفِيد الطَّهَارَة، فالمشبه بِهِ أولى.
(1/145)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ذبح غير مَشْرُوع فَلَا تبقى مَعَه طَهَارَة الْجلد، كذبح
الْمَجُوسِيّ، ثمَّ هَذَا حَيَوَان لَا يُؤْكَل لَحْمه، فَلَا
تَأْثِير للذكاة فِي تَطْهِير جلده كالخنزير.
لَهُم:
مَا طهر جلده بالدباغ طهر بالذكاة، كالمأكول، ذَلِك لِأَن
الدّباغ ينشف الرطوبات الَّتِي حلهَا الْمَوْت، والذكاة تمنع
من تحللها أَولا فَكَانَ آكِد.
مَالك: وَافق أَبَا حنيفَة.
أَحْمد:
التكملة:
عِنْدهم الذَّكَاة فعل حسي، وَقد وجد من الْأَهْل بآلته فِي
الْمحل، وَهُوَ نوع معالجة لطلب مَنْفَعَة هِيَ الْجلد، وَنحن
نقُول: إِن الذَّكَاة فعل خَاص بِآلَة خَاصَّة فِي مَحل خَاص،
وَهُوَ حَيْثُ يحل اللَّحْم لقَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا
ذكيتم} ، ونقول: تَحْرِيم ذبح الْحَيَوَان أصل، وَإِنَّمَا
أُبِيح لحَاجَة اللَّحْم،
(1/146)
وَرُبمَا قَالُوا: مَا يعنون أَنه غير
مَشْرُوع إِن عنيتم أَنه لم ينْتَصب سَببا للْحكم فَهُوَ مَحل
النزاع، وَإِن عنيتم أَنه مَنْهِيّ عَنهُ فَمُسلم، لَكِن لم
قُلْتُمْ: إِن الْمنْهِي عَنهُ لَا يكون صَحِيحا، وَقد عرف من
مَذْهَبنَا أَن الصِّحَّة وَالْفساد لَا تتلقى من الْأَمر
وَالنَّهْي، بل من الْأَركان والشرائط، وَالْجَوَاب أَن
الْمَشْرُوع مَا اعْتَبرهُ الشَّرْع، وَالنَّهْي يدل على عدم
المشروعية ويلزمهم نَجَاسَة اللَّحْم، عذرهمْ أَن الطَّهَارَة
تعْتَبر حَيْثُ يكون الِانْتِفَاع، وَلَا انْتِفَاع
بِاللَّحْمِ، ويعتذرون عَن ذبح الْمَجُوسِيّ بِأَن ذَلِك
الشَّرْط ثَبت تعبدا.
(1/147)
فارغة
(1/148)
لوحة 13:
دَلِيل الْخطاب مَذْهَبنَا، وَكَانَ صاحبنا قيمًا باللغة،
عَارِفًا بمجاري كَلَام الْعَرَب، قَالَ الْأَصْمَعِي: قَرَأت
ديوَان هُذَيْل على فَتى بالحجاز يُقَال لَهُ: مُحَمَّد بن
إِدْرِيس، ثمَّ إِن أَبَا عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَافق
دَلِيل الْخطاب وَاسْتدلَّ على أَن لي الْمُعسر لَا يُبِيح
حَبسه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لي الْوَاجِد يُبِيح عرضه
وعقوبته " وَأنكر على من أول قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: "
لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير من أَن يمتلئ
شعرًا " بِأَنَّهُ الشّعْر الَّذِي
(1/149)
هجى بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
وَقَالَ: لَو كَانَ كَذَلِك لجَاز أَن يحفظ يسير هجوه،
وَإِنَّمَا المُرَاد جنس الشّعْر إِذا امْتَلَأَ الْإِنْسَان
مِنْهُ فَشَغلهُ عَن مهمه، فدليل الْخطاب حجَّة يظْهر من
فحواه، وَلما قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الْهِرَّة لَيست بنجسة
فِي معرض التَّعْلِيل دلّ على نَجَاسَة الْكَلْب، وَكَذَلِكَ
انْقَطَعت مُرَاجعَته بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: هِيَ تغتدى، أَو
ذَات ذَنْب لحسن أَن يُقَال فالكلب كَذَلِك، وَاعْلَم أَن كل
عَام يتَطَرَّق إِلَيْهِ التَّخْصِيص لَكِن يحسن إِخْرَاج
نادره لَا ظَاهره، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " كل إهَاب "
جَازَ أَن يخرج مِنْهُ إهَاب الْخِنْزِير وَالْكَلب لَا
الشَّاء وَالْبَعِير وَاعْلَم أَن كل حَيَوَان طَاهِر فِي حَال
حَيَاته كَيفَ عدم الْحَيَاة طهر جلده بالدباغ، وَجَمِيع
الْحَيَوَان طَاهِر غير الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد
مِنْهُمَا، أَو من أَحدهمَا "، وَاعْلَم أَن الدّباغ
(1/150)
بالشب والقرظ، وَفِي مَعْنَاهُمَا وَلَو
كَانَ نجسا وَالله أعلم.
(إِذا عمل من جلد نجس حَوْض فَإِن كَانَ المَاء الَّذِي فِيهِ
قُلَّتَيْنِ فالماء طَاهِر والحوض نجس، وَإِن كَانَ دون
الْقلَّتَيْنِ فهما نجسان) ، وَاعْلَم أَن مَحل النِّيَّة
الْقلب، فَإِن شَاركهُ اللِّسَان فَحسن، والعبادات فِي
النِّيَّة على ثَلَاثَة أضْرب: قسم يفْتَقر إِلَى نِيَّة
الْفِعْل كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَقع إِلَّا فرضا، وَقسم
يحْتَاج مَعَ ذَلِك إِلَى نِيَّة الْفَرْضِيَّة كالكفارات
والزكوات، وَقسم يحْتَاج مَعَ ذَلِك إِلَى التَّعْيِين
كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة، وَيجب أَن يَنْوِي فِي الْوضُوء رفع
الْحَدث أَو مَا لَا يستباح إِلَّا بِالطَّهَارَةِ وَوقت
النِّيَّة، أما الْمُسْتَحبّ فَعِنْدَ غسل الْيَدَيْنِ، وَأما
الْوَاجِب فَعِنْدَ غسل الْوَجْه ويكلف أَلا يقطعهَا
وَالنِّيَّة (عِنْد الْخصم تصرف) الْوضُوء إِلَى الْعِبَادَة
وَالْوُضُوء إِذا حصل أَبَاحَ الصَّلَاة، فَهُوَ كالسعي إِلَى
الْجُمُعَة إِن نوى بِهِ الْعِبَادَة كَانَ، وَإِلَّا أدّيت
بِهِ الْجُمُعَة، وَاعْلَم أَن الْبِدَايَة بالميامن
(1/151)
يسْتَحبّ، وَالْوَاجِب من مسح الرَّأْس مَا
يَقع عَلَيْهِ الِاسْم، ثمَّ فرض الْوضُوء النِّيَّة وَغسل
الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين، وَالْمسح وَغسل
الرجلَيْن إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وهما (الناتئان) عِنْد الْمفصل
وَالتَّرْتِيب والتتابع.
وَالسّنَن: التَّسْمِيَة، وَغسل الْيَدَيْنِ قبل إدخالهما
الْإِنَاء ثَلَاثًا والمضمضة (وَالِاسْتِنْشَاق) بَالغا إِلَّا
أَن يكون صَائِما فيرفق، وتخليل اللِّحْيَة الكثة، وَمسح
جَمِيع الرَّأْس، وَمسح الْأُذُنَيْنِ ظَاهرا وَبَاطنا بِمَاء
جَدِيد وَإِدْخَال المسبحتين فِي الصماخين، وتخليل أَصَابِع
الرجلَيْن بالخنصر أَو السبابَة، والشهادتان عِنْد الْفَرَاغ.
(1/152)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة: جلد الْكَلْب
وَالْخِنْزِير والمتولد مِنْهُمَا (و))
:
الْمَذْهَب: لَا يطهر بالدباغ.
عِنْدهم: يطهر إهَاب الْكَلْب، وَالْخِنْزِير رِوَايَتَانِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
امْتنع عَلَيْهِ السَّلَام من دَار قوم فروجع فَقَالَ: إِن فِي
دَارهم كَلْبا، فَقيل لَهُ فَفِي دَار فلَان هرة - دَار
دَخلهَا - فَقَالَ: الْهِرَّة لَيست نَجِسَة إِنَّهَا من
الطوافين عَلَيْكُم والطوافات.
لَهُم:
(1/153)
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " أَيّمَا
إهَاب دبغ فقد طهر " يتَعَلَّق بِعُمُومِهِ، وَإِنَّمَا خرج من
الْخِنْزِير نصا، ثمَّ الْخِنْزِير لَا يحمل إهابه الدّباغ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
نجس الْعين فَلَا يطهر جلده بالدباغ، كالخنزير؛ لِأَن الدّباغ
يزِيل نَجَاسَة الميتات، وَدَلِيل نَجَاسَته نَجَاسَة لعابه،
ونقول: جلد كلب فَكَانَ نجسا بعد الدّباغ كَمَا قبل الْمَوْت.
لَهُم:
حَيَوَان ينْتَفع بِهِ مُطلقًا اخْتِيَارا فطهر جلده بالدباغ
كالشاة، وَلَا نسلم نَجَاسَته، بل هُوَ كالفهد، ونجاسة لعابه
لَا تدل على نَجَاسَته؛ لِأَنَّهُ يرشح بَاطِنه، وَقِيَاسه أَن
ينجس من الْحَيَوَان كُله. اسْتثْنى مِنْهُ الْآدَمِيّ
لِحُرْمَتِهِ، والمأكول للْحَاجة.
مَالك: يطهر ظَاهر كل جلد لَا بَاطِنه.
أَحْمد: لَا يطهر جلد ميتَة بالدباغ.
(1/154)
التكملة:
رُبمَا قَالُوا بِنَجَاسَتِهِ حَيا، فَإِن الدّباغ يزِيل
نَجَاسَة الْمَوْت، لَكِن يدعونَ أَن نَجَاسَة الْحَيَاة
انْتَهَت بِالْمَوْتِ، لانْتِهَاء علتها وَهِي حذر الْخلطَة
ويتوهم بتوارد الْمعَانِي المتماثلة التَّأْثِير الِاتِّحَاد،
كمن اشْترى زَوجته فَإِن وَطئهَا المستمر حل بِالْملكِ لَا
بِالنِّكَاحِ، نَحن نقُول: الشَّرْع إِذا أثبت حكما فِي مَحل
ثَبت الحكم مَعَ بَقَاء الْمحل اسْما ووصفا والمتناسبة فِي
نَجَاسَة الْكَلْب هُوَ الْمَعْنى الَّذِي ميزه عَن
الْحَيَوَان وَهُوَ الْكَلْبِيَّة لَا غير إِذْ لَا يفارقها
فِي وصف سواهُ، فَإِن قَالُوا النَّص فِي كلب حَيّ قُلْنَا
فَمَا حدث إِلَّا الْمَوْت وَالْمَوْت إِن لم يُنَاسب
التَّنْجِيس لم يُنَاسب التَّطْهِير، وَحَاصِل النّظر الْبَحْث
عَن مَاهِيَّة الدّباغ فعندما يطهر؛ لِأَنَّهُ يسْتَخْرج
العفونات ويطيب الْجلد وَلَا يزِيد على الْحَيَاة، وَأما
حَدِيثهمْ فتخصيصه بِمَا أخرج مِنْهُ الْخِنْزِير، فَإِن
قَالُوا: الدّباغ يحِيل الْعين فَهُوَ كالتخليل سلمنَا أَنه
يحِيل، وَلَكِن لَا يزِيد على الْحَيَاة، وَبِالْجُمْلَةِ مَتى
سلمُوا نَجَاسَته حَيا، فَالْمَسْأَلَة لنا والشأن فِي
التَّسْلِيم.
(1/155)
فارغة
(1/156)
(المسالة السَّابِعَة: طَهَارَة الْحَدث
(ز))
:
الْمَذْهَب: تفْتَقر إِلَى النِّيَّة.
عِنْدهم: لَا تفْتَقر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين
لَهُ الدّين} .
وَالْإِخْلَاص بِالنِّيَّةِ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ "، وَالْوُضُوء عبَادَة وَعمل.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم
إِلَى الصَّلَاة} الْآيَة، وَلم يذكر النِّيَّة وَلَو كَانَت
شرطا لذكرها.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قَالَ صَاحب الْمَذْهَب طهارتان فَكيف تفترقان، يَعْنِي
الْوضُوء وَالتَّيَمُّم.
(1/157)
ونقول: طَهَارَة حكمِيَّة ترَاد للصَّلَاة
فافتقرت إِلَى النِّيَّة كالتيمم.
لَهُم:
المَاء طهُور بطبعه فَكيف اسْتعْمل طهر.
بَيَانه: أَن على أَعْضَاء الْمُحدث نَجَاسَة، بِدَلِيل مَنعه
من الصَّلَاة وَأمره بِالطَّهَارَةِ فَصَارَ كالنجاسة العينية
الَّتِي تزَال بِغَيْر نِيَّة، وَعمل المَاء فِي التَّطْهِير
كعمله فِي الرّيّ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
كَون التَّيَمُّم يفْتَقر إِلَى نِيَّة يشكل عَلَيْهِم،
فَإِنَّهُ بدل وَيَقْتَضِي أَن يُسَاوِي مبدله، وَالتَّيَمُّم
وَالْوُضُوء لَا يفترقان فِي صفة الْقرْبَة، والمأمورات
تَنْقَسِم إِلَى مَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة وَإِلَى مَالا
يفْتَقر إِلَى نِيَّة، وَالضَّابِط فِي ذَلِك أَن كلما لَا
ينْهض الْعرض العاجل حَافِظًا لأصله دون وَعِيد الشَّرْع،
فَهُوَ قربَة، وتخيل الْوَضَاءَة فِيهِ معنى كلي لَا يعْتَبر
وجود شَيْء مِنْهُ فِي آحَاد الصُّور،
(1/158)
ودعواهم أَن المَاء طهُور طبعا بَاطِل، بل
هُوَ بِمَثَابَة التُّرَاب كِلَاهُمَا ثبتَتْ لَهُ
الطّهُورِيَّة شرعا، وَلَا نسلم أَن على أَعْضَاء الْمُحدث
نَجَاسَة، بِدَلِيل أَنه لَا ينجس بِهِ الثَّوْب الرطب إِن
مَسّه، وَلَا تبطل صَلَاة حامله، وَبِالْجُمْلَةِ هم يشبهون
الْأَعْضَاء بِالثَّوْبِ طَهَارَة ونجسا، وَنحن ندعي
طَهَارَتهَا وَإِن ألزمونا كَون المَاء مُسْتَعْملا منعنَا،
وَإِن سلمنَا فالعذر أَنه أدّيت بِهِ عبَادَة.
(1/159)
فارغة
(1/160)
فارغة
(1/161)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة: التَّرْتِيب
فِي الْوضُوء (ح)) .
الْمَذْهَب: مُسْتَحقّ.
عِنْدهم: مُسْتَحبّ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم
إِلَى الصَّلَاة} الْآيَة، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: "
ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ ". ثمَّ للتَّرْتِيب أدرج
ممسوحا بَين مغسولين، وروى عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أَنه تَوَضَّأ مُرَتبا، وَقَالَ: لَا يقبل الله الصَّلَاة
إِلَّا بِهِ.
لَهُم:
الْآيَة وَجَاءَت بِالْوَاو وَهِي جَامِعَة لَا مرتبَة وَهِي
مجزئة (فَمن علق الْأَجْزَاء على التَّرْتِيب فقد منع
الْأَجْزَاء بِخَبَر الْوَاحِد وَذَلِكَ نسخ) .
(1/162)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوضُوء عبَادَة فَوَجَبَ أَن يكون مَعْلُوم الأَصْل
وَالْوَصْف شرعا، وَالَّذِي نقل الْوضُوء الْمُرَتّب فَهُوَ
الْمَشْرُوع.
لَهُم:
الْوضُوء عبَادَة، إِن قصدت بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ شَرط صِحَة
الصَّلَاة، وَأَبُو زيد يَقُول: شَرط الْعِبَادَة يثبت بِمَا
تثبت بِهِ أَرْكَانهَا وأركان الصَّلَاة ثبتَتْ نصا فَلَا يثبت
شَرطهَا بِخَبَر الْوَاحِد.
مَالك: ف.
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالُوا: الْفِعْل لَا يشْتَرط، وَالتَّرْتِيب صفة الْفِعْل،
الْجَواب: الْمَنْع وَلَا بُد من الْفِعْل، وَيدل على أَن
الْوَارِد للتَّرْتِيب مَسْأَلَة حكمِيَّة، وَهِي إِذا قَالَ
لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق،
فَإِنَّهُ يَقع طَلْقَة وَاحِدَة، وَلَوْلَا التَّرْتِيب لوقعت
الثَّلَاث، وعَلى كل حَال يتَمَسَّك بِأَن الْوضُوء عبَادَة،
وَالْمَاء طهُور شرعا، والعبادات تتأدى كَمَا جَاءَت وَالَّذِي
نقل التَّرْتِيب، فَإِن شَذَّ فعل على التَّرْتِيب فَلَعَلَّهُ
عَن سَهْو وَوهم، ثمَّ يَقُولُونَ: الْوضُوء عبَادَة إِن
(1/163)
قصد بِهِ الْعِبَادَة وَإِلَّا فقد حصل
شَرط الصَّلَاة، وَهَذَا أصل يطردونه فِي مسَائِل.
(1/164)
(المسالة التَّاسِعَة: تثليث مسح الرَّأْس
(ط))
:
الْمَذْهَب: مسنون.
عِنْدهم: مَكْرُوه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
تَوَضَّأ عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا وضوئي
ووضوء الْأَنْبِيَاء من قبلي، وَالْوُضُوء اسْم لجَمِيع هَذَا
الْفِعْل، وَجَاء " وَمسح رَأسه ثَلَاثًا "، وخبرنا أولى
لمَكَان زِيَادَته، وَالْوُضُوء يَشْمَل الْمسْح بِدَلِيل
الْبر والحنث.
لَهُم:
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: " بت عِنْد خَالَتِي
مَيْمُونَة فَقَامَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَحل شناق
الْقرْبَة وَغسل وَجهه وَيَديه ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ
(1/165)
وَأُذُنَيْهِ مسحة وَاحِدَة، وَغسل
قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أحد قسمي الْوضُوء فسن فِيهِ التّكْرَار ثَلَاثًا كالغسل،
وَقِيَاس الْمسْح على الْغسْل صَحِيح. فَالْقِيَاس تقريب فرع
من أصل، وَلَا شَيْء أقرب من إِلْحَاق بعض الشَّيْء بِبَعْضِه.
لَهُم:
طَهَارَة مسح فَلَا يسن فِيهَا التّكْرَار كالتيمم وَمسح
الْخُف، ذَلِك؛ لِأَن الْقَصْد فِيهَا التَّخْفِيف آلَة ومحلا،
فَكَانَ، وفعلا ثمَّ سنة الرَّأْس الِاسْتِيعَاب فَلَا يسن
فِيهِ التّكْرَار كَيْلا يجمع بَين سنتَيْن.
مَالك: الْمرة الْوَاحِدَة أفضل.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا.
التكملة:
يرَوْنَ أَن الْكَمَال فِي كل عُضْو بِزِيَادَة من جنس الأَصْل
فِي مَحل الأَصْل وَقد تحقق ذَلِك بالاستيعاب فأغنى عَن
التّكْرَار، وَنحن نقُول: إِنَّمَا يقوم
(1/166)
الِاسْتِيعَاب مقَام التّكْرَار، إِذا ضمن
مَقْصُوده، وَالْمَقْصُود من التّكْرَار النَّظَافَة فِي مَحل
أَصْلهَا وَالزَّائِد على الْمَمْسُوح من الرَّأْس فضل، فَلَا
يقوم مقَام التّكْرَار ونقول: أصل مبَاشر بِالْمَاءِ فاستحب
التّكْرَار فِيهِ كالمغسول، وَقَوْلنَا أصل احْتِرَاز من
الْخُف، فَإِنَّهُ بدل، وَقَوْلنَا: مبَاشر بِالْمَاءِ
احْتِرَاز من التَّيَمُّم، وَالْمَقْصُود أَن إِلْحَاق
الرَّأْس بِالْوَجْهِ أولى من إِلْحَاقه بالخف، وإلحاق الْمسْح
بِالْمَاءِ بِالْغسْلِ أولى من إِلْحَاقه بِالتُّرَابِ.
قَوْلهم بني على التَّخْفِيف لَا معنى لَهُ إِلَّا أَنه دون
الْغسْل، كَمَاء أَن الْوضُوء دون الْغسْل والعذر عَن تكْرَار
مسح الْخُف كَونه يتْلف بذلك، وَلَا نسلم أَن تكْرَار الْمسْح
يصير غسلا آيَته أَنه لَو أَتَى بِهِ مَكَان غسل الْوَجْه مَا
أَجزَأَهُ.
(1/167)
(الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة: الْمَضْمَضَة
وَالِاسْتِنْشَاق (ي)) .
الْمَذْهَب: سنتَانِ فِي الطهارتين.
عِنْدهم: واجبتان فِي الْغسْل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
حَدِيث أم سَلمَة وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " يَكْفِيك أَن
تحثي على رَأسك ثَلَاث حثيات من مَاء ثمَّ تفيضي عَلَيْك
المَاء فَإِذا أَنْت قد طهرت "، ذكر الْغسْل وكيفيته، وَلم
يذكر الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} .
(1/168)
أَمر بتطهير الْبدن وَهُوَ اسْم للجملة
يَسْتَثْنِي مِنْهُ مَا يتَعَذَّر غسله.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " بلوا الشّعْر وأنقوا الْبشرَة،
فَإِن تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عضوان باطنان من أصل الْخلقَة، فَلَا يجب غسلهمَا فِي
الْجَنَابَة كباطن الْعين، ثمَّ هَذِه طَهَارَة عَن حدث فَلَا
تجب فِيهَا الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق قِيَاسا على
الصُّغْرَى.
لَهُم:
عضوان ظاهران فَوَجَبَ غسلهمَا.
بَيَانه: أَنه يجب غسلهمَا من النَّجَاسَة، يبْقى أَنه لَا
يفْطر ببلع الرِّيق وَذَلِكَ للضَّرُورَة، ويقابله أَنه لَو
جعل فِيهِ شَيْئا لم يفْطر.
مَالك: ق.
(1/169)
أَحْمد: واجبتان فِي الطهارتين.
التكملة:
الْمُدَّعِي الْخصم وَيَكْفِينَا الْمُطَالبَة، ونستدل على
أَنَّهُمَا باطنان بِأَنَّهُ لَا يجب إِيصَال المَاء
إِلَيْهِمَا فِي الْوضُوء وَلَا فِي غسل الْمَيِّت، ثمَّ مُوجب
الْأَمر الْإِتْيَان بِالْغسْلِ، وَلَا خلف أَن من اغْتسل وَلم
يتمضمض يُسمى مغتسلا، وَحَاصِل النّظر الْخَوْض فِي لفظ
الْغسْل ومعارضة حَدِيث أم سَلمَة، ويلزمهم أَن الْعين تنجس
بالكحل النَّجس وَهِي مَعَ هَذَا عُضْو لَا يجب غسله، ويعتذرون
عَن غسل الْمَيِّت بِأَن الْمَضْمَضَة تَتَضَمَّن تَشْوِيه
خلقته.
(1/170)
لوحة 14 من المخطوطة أ:
حد الْمُلَامسَة أَن يُفْضِي بِشَيْء من جسده إِلَى جَسدهَا
(من غير حَائِل سوى الشّعْر) وَالسّن وَالظفر عَامِدًا أَو
نَاسِيا، وَفِي الملموس قَولَانِ، وَفِي ذَوَات الْمَحَارِم
قَولَانِ. وَلَا ننكر أَن الْكِنَايَة والتعريض والاستعارة
وَالْمجَاز عَادَة اللِّسَان (الْعَرَبِيّ وَأَن صيانته عَن
ذكر الْفَوَاحِش عفته) لَكِن لَا حَاجَة بِنَا إِلَى ذَلِك فِي
مَسْأَلَتنَا فصريح لفظ اللَّمْس يُنَاسب نقض الطَّهَارَة،
فتعسف اجتلاب شَيْء يكنى عَنهُ لَا حَاجَة إِلَيْهِ، وَبَيَان
التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فِي الْآيَة أَن قَوْله تَعَالَى:
{إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} ، أَي من النّوم وينعطف
عَلَيْهِ {أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط} ، وَيَتَرَتَّب
عَلَيْهِ فِي الْمَعْنى قَوْله: {فَاغْسِلُوا} ثمَّ قَالَ:
{وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} فقد تمّ حكم الْحَدث والجنابة
فِي حَال وجود المَاء، ثمَّ قَالَ: {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو
على سفر} ، وَهُوَ تعرض لحالة تعذر اسْتِعْمَال المَاء فِيهَا،
وَقَالَ: {فَلم تَجدوا مَاء} بَين (أَن كل من يلْزمه) الْوضُوء
وَالْغسْل عِنْد وجود المَاء يلْزمه التَّيَمُّم عِنْد عَدمه،
وَلَا يُمكن عطف {أَو لامستم النِّسَاء} على قَوْله: (وَإِن
كُنْتُم
(1/171)
مرضى} ، فَإِن الْمَرَض وَالسّفر ليسَا من
أَسبَاب الْأَحْدَاث، وَاعْلَم أَن حكم الْمَرْأَة فِي
اللَّمْس حكم الرجل (وَمَسّ الْمَيِّت كمس) الْحَيّ والفرجان
سَوَاء، وَاعْتبر فِي الْخُنْثَى لامسا وملموسا (بِعَين الْفرج
ومنابته) الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة (إِذا مس الْإِنْسَان)
بِذكرِهِ دبر غَيره يَنْبَغِي أَن ينْتَقض وضوء؛ لِأَنَّهُ
مَسّه بِآلَة مَسّه، وَالْمذهب أَنه لَا ينْتَقض (لِأَنَّهُ مس
بدنه) بِبدنِهِ، فَإِن قيل: أَلَيْسَ لَو مس دبر غَيره
بِيَدِهِ انْتقض وضؤوه؟ قُلْنَا: فرق بَين الْيَد وَالذكر،
أَلا ترى أَنه لَو مس ذكره بِيَدِهِ نقض، وَلَو مَسّه بِغَيْر
يَده لم ينْتَقض، وَاعْلَم أَن الرّيح من الْقبل كَالرِّيحِ من
الدبر ينْقض الْوضُوء، والمسبار (هُوَ الْميل) والحقنة إِذا
خرجا نقضا (الْوضُوء وَإِن) لم يخالطهما شَيْء.
من خرج مِنْهُ مني واغتسل، ثمَّ خرج مِنْهُ شَيْء آخر واغتسل
أعَاد الْغسْل خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ إِن قَالَ إِن خرج
قبل الْبَوْل أعَاد الْغسْل.
وَاعْلَم أَن المشيمة نَجِسَة، لِأَن مَا أبين من حَيّ فَهُوَ
ميت، وَكلما يخرج من مخرج حَيّ فَهُوَ نجس، كالأبوال والأرواث.
(1/172)
قَالَ أَحْمد: طَاهِر مِمَّا يُؤْكَل
لَحْمه.
فِي دم (السّمك) وَجْهَان: أَحدهمَا أَنه نجس، وَالثَّانِي
طَاهِر، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة، وَاحْتج بِأَنَّهُ لَو
كَانَ نجسا لوقف إِبَاحَة السّمك على إهراقه كَسَائِر
الْحَيَوَان، وَدَلِيلنَا: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم}
، وَمَا ذَكرُوهُ غير صَحِيح؛ لِأَن سفح الدَّم لَا لنجاسته بل
لِأَن الذّبْح وَجه سهل فِي موت الْحَيَوَان.
وذرق الْحمام نجس خلافًا لمَالِك وَأحمد وَأبي حنيفَة.
دليلهم: إِجْمَاع النَّاس على تَركه فِي الْمَسَاجِد
وَعِنْدنَا ذَلِك ضَرُورَة.
(1/173)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة: لمس
النِّسَاء غير الْمَحَارِم (يَا))
:
الْمَذْهَب: ينْقض الْوضُوء.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول.
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {أَو لامستم النِّسَاء} ذكر اللَّمْس فِي
سِيَاق الْأَحْدَاث وَحَقِيقَته لمس الْيَد، وصريح اللَّمْس
مُنَاسِب، فَإِنَّهُ يُحَرك الشَّهْوَة.
لَهُم:
روى أَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل بعض
نِسَائِهِ وَصلى وَلم يتَوَضَّأ، وَجَاء أَن عَائِشَة لمست
أَخْمُصُهُ وَهُوَ ساجد.
(1/174)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وجد اللَّمْس فِي مَحل الشَّهْوَة شرعا وطبعا فَأشبه اللَّمْس
الْفَاحِش، ذَلِك؛ لِأَن الْأَجْنَبِيَّة مَحل الشَّهْوَة شرعا
وطبعا، ثمَّ اللَّمْس سَبَب الْخَارِج فأقيم مقَامه
احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ.
لَهُم:
الطَّهَارَة إِنَّمَا تجب عَن نَجَاسَة أَو سَببهَا وَلم
يُوجد، إِذْ الأَصْل فِي إِيجَاب الطَّهَارَة الْخَارِج
النَّجس واللمس الْمَذْكُور أُرِيد بِهِ الْجِمَاع، بِدَلِيل
وجوب التَّيَمُّم على الْمُحدث وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ (غير
الْآيَة) .
مَالك: إِن كَانَ بِشَهْوَة نقض.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا.
التكملة:
اعتراضهم على الْآيَة بِأَن الله حييّ كريم كنى بالْحسنِ عَن
الْقَبِيح قَالَ:
(1/175)
{هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة} ،
وَقَالَ: {كَانَا يأكلان الطَّعَام} .
وَيدعونَ أَن تيَمّم الْجنب إِنَّمَا أَخذ من هَذِه الْآيَة؛
لِأَنَّهَا ذكرت حكم الطهارتين بِالْمَاءِ ثمَّ بِالتُّرَابِ،
وَالْجَوَاب: أَنَّهَا لَا ننكر الْكِتَابَة، وَإِنَّمَا
يُصَار إِلَيْهَا إِذا لم يحسن الْمصير إِلَى الصَّرِيح، وَأما
التَّيَمُّم فاستفيد من بَيَان الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام،
وَلذَلِك الْتبس على عمار حَتَّى تمعك فِي التُّرَاب، وَلم
يرشده النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْآيَة، والأصلح أَن
يجمع بَين
(1/176)
الْقِرَاءَتَيْن: لمستم ولامستم، وَفِي
الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَلَا نسلم أَن الطَّهَارَة
إِنَّمَا تجب عَن نَجَاسَة بل وَعَن سَبَب يُفْضِي إِلَيْهَا
كالنوم.
(1/177)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة: لمس
الذّكر بباطن الْكَفّ (يب)) .
الْمَذْهَب: ينْقض الْوضُوء.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
حَدِيث بسرة بنت صَفْوَان، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " من
مس ذكره فَليَتَوَضَّأ "، وروى وضوءه للصَّلَاة.
(1/178)
لَهُم:
حَدِيث قيس بن طلق، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن هُوَ
إِلَّا بضعَة مِنْك ".
وَقَوله: " لَا وضوء إِلَّا من حدث، أَو ريح "، والاعتماد على
حَدِيث قيس حَيْثُ ذكر الحكم وَالْعلَّة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
سَبَب الْخَارِج فأقيم مقَامه احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ؛
لأَنا لَا نعلم اللَّمْس الَّذِي تتعقبه الشَّهْوَة، فوقفنا
مَعَ جنسه كالسفر وَالْمَشَقَّة.
لَهُم:
عُضْو مِنْهُ لَا ينْقض الْوضُوء لمسه كفخذه، وتأثيره أَن
الطَّهَارَة عَن
(1/179)
نَجَاسَة وَلَا نَجَاسَة.
مَالك: وَافق فِي مس فرج الْكَبِير لَا الدبر.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا فِي الصَّغِير.
التكملة:
قَالُوا: إِنَّمَا يُقَام غير الْخَارِج مقَامه إِمَّا لتعذر
مَعْرفَته لَو خرج كالنوم، أَو بِأَن يُفْضِي إِلَيْهِ غَالِبا
كالتقاء الختانين، أَو يكون الحكم مِمَّا يحْتَاط لَهُ، كَمَا
يُقيم النِّكَاح مقَام الْوَطْء، وَالْوَطْء: مقَام حَقِيقَة
البعضية فِي إِثْبَات
(1/180)
الْمحرم. الْجَواب: أَن هَذَا يُفْضِي
إِلَى الْخَارِج فالتحق بِمَا ذَكرُوهُ، قَالُوا: فَكَانَ
يَنْبَغِي أَنه إِذا لمس ذكر غَيره أَن ينْتَقض وضوء الملموس
إِذْ الشَّهْوَة لَهُ. الْجَواب: الْمَنْع، ونقول: ينْتَقض،
ثمَّ قِيَاس الذّكر على سَائِر الْبدن غير صَحِيح لما يخْتَص
بِهِ من الْغسْل بإيلاجه، وَوُجُوب الْمهْر وَالْحَد.
(1/181)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة:
الْخَارِج من غير السَّبِيلَيْنِ (يج) :)
الْمَذْهَب: لَا ينْقض الْوضُوء.
عِنْدهم: ينْقض إِن كَانَ نجسا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى حميد الطَّوِيل أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام احْتجم
ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ، وروى وَلم يزدْ على غسل محاجمه.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من قاء أَو رعف أَو أمذى فِي
صلَاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم "،
وروى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قاء
(1/182)
فَأفْطر. قَالَ ثَوْبَان: أَنا صببت وضوءه
عَلَيْهِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تَعْلِيق الْوضُوء على الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ كتعليق
الصَّلَاة على الزَّوَال وَالصَّوْم على الشُّهُود، فَلَا يجب
بِسَبَب آخر، ذَلِك لِأَن الْوضُوء عبَادَة تعبدية.
لَهُم:
خَارج نجس فنقض الْوضُوء كَمَا لَو كَانَ من السَّبِيلَيْنِ،
ذَلِك لِأَن الْوَاجِب طَهَارَة فَلَا تجب إِلَّا عَن
نَجَاسَة، والاقتصار على الْأَعْضَاء تيسيرا، وَالدَّلِيل على
النَّجَاسَة قَوْله تَعَالَى: {ليطهركم بِهِ} .
(1/183)
مَالك: ينْقض الْخَارِج الْمُعْتَاد من
السَّبِيل الْمُعْتَاد.
أَحْمد: ف.
التكملة.
يَعْتَذِرُونَ عَن القهقهة بِأَن الْإِثْم قَامَ مقَام
النَّجَاسَة، ويعتذرون عَن خُرُوج الطَّاهِر من الْمخْرج
الْمُعْتَاد بورود التَّعَبُّد بِهِ، وَإِنَّمَا يُعلل
بِالنَّجَاسَةِ فِي غير مَحل النَّص، ويعتذرون عَن البلغم
لطهارته، وَعَن الْمَنِيّ إِذا خرج من غير الْمخْرج
الْمُعْتَاد بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُوجب الْغسْل؛ لأجل
الشَّهْوَة، وَلَا شَهْوَة حَتَّى أَنه لَو خرج من سَبيله
بِغَيْر شَهْوَة لم يُوجب غسلا، وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ على
أَن الْوضُوء غير مَعْقُول كَونه إِجْرَاء الطّهُور على
أَعْضَاء طَاهِرَة، وَلَو كَانَ الْوضُوء عَن نَجَاسَة لاختص
بمحلها، وَلم تكف فِيهِ الْأَحْجَار، وَالدَّلِيل على أَن
السَّبَب الْخَارِج من الْمخْرج الْمُعْتَاد وجوب الْوضُوء
بالطاهر، وَالنَّجس مِنْهُ والقليل وَالْكثير وَالْعين والأثر،
وَبِالْجُمْلَةِ نَحن نعتقد التَّعَبُّد فِي الطَّهَارَة، وهم
يرَوْنَ أَنه من نَجَاسَة حكمِيَّة وَالْغسْل إِزَالَة لَهَا.
(1/184)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة: القهقهة
فِي الصَّلَاة (يَد) :)
الْمَذْهَب: يبطل الصَّلَاة وَلَا ينْقض الْوضُوء.
عِنْدهم: تبطل الصَّلَاة وتنقض الْوضُوء.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى جَابر رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: "
الضحك فِي الصَّلَاة يبطل الصَّلَاة، وَلَا ينْقض الْوضُوء ".
لَهُم:
أَخْبَار خلاصتها من ضحك فِي صلَاته وقهقه فليعد الْوضُوء
وَالصَّلَاة.
(1/185)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
طَهَارَة تعبدية يتبع فِيهَا مورد الشَّرْع، وَلم تنقض
الطَّهَارَة عَنْهَا بالقهقهة فِي الصَّلَاة، كَمَا لَو كَانَت
صَلَاة جَنَازَة.
لَهُم:
الْإِثْم حدث شرعا، قَالَ ابْن عَبَّاس: الْحَدث حدثان: حدث من
فرجك، وَحدث من فِيك.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
نقُول: إِلْحَاق القهقهة بالأحداث مُتَعَذر، فَإِنَّهَا لَا
تنقض خَارج الصَّلَاة، وَمَا عهدنا حَدثا ينْقض فِي الصَّلَاة
وَلَا ينْقض خَارِجهَا، وأخبارهم مدارها على عَمْرو بن عبيد
وَكَانَ قدريا، وَمَعْلُوم أَن أَسبَاب الْأَحْدَاث تحكمات
(1/186)
لَكِن بعد أَن تثبت لَا تفرق بَين كَونهَا
فِي الصَّلَاة، أَو خَارِجهَا ويلزمهم إِذا قهقه فِي
التَّشَهُّد الْأَخير، فَإِنَّهُ يبطل طَهَارَته، وَلَا يبطل
صلَاته، فَإِن كَانَت بَاقِيَة فَيَنْبَغِي أَن تبطل، وَإِن لم
تكن بَاقِيَة فَيَنْبَغِي أَلا تنقض الطَّهَارَة على أَنه لَو
كَانَت القهقهة بِمَثَابَة الْحَدث، فالحدث عِنْدهم فِي هَذِه
الْحَال لَا يبطل الصَّلَاة ثمَّ الضحك بِمَثَابَة الْكَلَام
يَعْتَذِرُونَ عَن صَلَاة الْجِنَازَة بِكَوْنِهَا لَيست
صَلَاة حَقِيقِيَّة، وَلِهَذَا يتَيَمَّم لَهَا عِنْدهم مَعَ
وجود المَاء.
(1/187)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة: مني
الْآدَمِيّ (يه) :)
الْمَذْهَب: طَاهِر وَفِي غَيره ثَلَاثَة أوجه.
عِنْدهم: نجس.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْمَنِيّ يُصِيب الثَّوْب: "
إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة البصاق والمخاط، امسحه بِخرقَة أَو
أمطه بإذخرة "، قَالَت عَائِشَة: كنت أفرك الْمَنِيّ من ثَوْبه
عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يُصَلِّي.
لَهُم:
رأى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عمارا يغسل ثَوْبه من النخامة
فَقَالَ: " إِنَّمَا يغسل الثَّوْب من خَمْسَة: الْغَائِط،
وَالْبَوْل، والقيء، وَالدَّم، والمني ". قَالَ لعَائِشَة: "
إِذا رَأَيْت الْمَنِيّ رطبا فاغسليه، أَو يَابسا فافركيه ".
(1/188)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
متولد من أصل طَاهِر ليصير مثل الأَصْل، فَلَا يصير نجسا
كالبيض وَاللَّبن، وَالْعَفو عَن غسله آيَة طَهَارَته.
لَهُم:
خَارج ينْقض الطَّهَارَة، فَكَانَ نجسا كالبول والمذي، بل أولى
فَإِنَّهُ ينْقض الطَّهَارَة الْكُبْرَى.
مَالك: نجس.
أَحْمد: ق.
التكملة:
يفرقون بَين الْمَنِيّ وَاللَّبن بِأَن الْمَنِيّ نَاقض
للطَّهَارَة، ويعتذرون من الْبيض بِكَوْن جنته نقية، ويزعمون
أَن الِاقْتِصَار على فرك الْمَنِيّ رخصَة، وَمن أصلهم أَن
النَّجَاسَة كَيفَ كَانَت طهر الْمحل ويلحقون الْمَنِيّ
بالعلقة الْجَواب: أما الْأَخْبَار فضعيفة، ويلزمهم مَا
اعتذروا عَنهُ، ونمنع نَجَاسَة الْعلقَة على قَول، ونقول:
الْمَنِيّ أصل الْآدَمِيّ فَكَانَ طَاهِرا كالتراب، وتأثيره
أَن
(1/189)
هَذِه تكرمة للآدمي. قَالَ الله تَعَالَى:
{وَلَقَد كرمنا بني آدم} وتنجيس مَا يخلق مِنْهُ يضاد التكرمة،
وتبني هَذِه الْمَسْأَلَة من جانبهم على أَن الْحَدث نَجَاسَة
حكمِيَّة تتَعَلَّق بِخَارِج نجس، فَحَيْثُ وَجَبت دلّ على
خُرُوج النَّجس، ونقول على خبرهم يجوز أَن يجمع بَين أَشْيَاء
فِي الذّكر، وَيخْتَلف حكمهَا، كَمَا نهى عَن كسب الْحجام،
وحلوان الكاهن، وَمهر الْبَغي وَكسب الْحجام مَكْرُوه وقسيماه
محرمان، وَإِن سلمنَا نَجَاسَة الْعلقَة، فَلِأَنَّهَا
مَجْهُولَة فِي الرَّحِم فَرُبمَا صَارَت دَمًا فَكَأَنَّهَا
نَجَاسَة مجاورة للنطفة.
(1/190)
فارغة
(1/191)
لوحة 15 من المخطوطة أ:
أورد فِي مَسْأَلَة الْأَوَانِي إِذا كَانَ أَحدهمَا (بولا
ومنعنا فَهَل إِذا منع الْمُسْتَدلّ) النَّقْض يَنْقَطِع
السَّائِل؟ قيل: يَنْقَطِع، وَالصَّحِيح أَنه لَا يَنْقَطِع،
وَلَيْسَ لَهُ أَن ينصب دَلِيلا فِي مَحل الْمَنْع؛ لِأَن
منصبه يُنَافِي منصب الِاسْتِدْلَال، (وَلَو فسح للسَّائِل فِي
إِقَامَة دَلِيل على مَسْأَلَة النَّقْض زَالَ ضَابِط النّظر)
.
وَمن قَوْلنَا فِي سُؤْر السبَاع أوضح وَمَا نقُوله لَا يحسن
مِنْهُم الِاحْتِجَاج بِهِ لأَنهم لَا يقدرُونَ بالقلتين،
وَالْخَبَر إِذا ورد حِكَايَة حَال لَا عُمُوم لَهُ، وَكَذَا
إِذا كَانَ مَفْهُوم خطاب (على رَأْي) وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ
السَّلَام بنى فِي الْخَبَر على الْغَالِب، وَأَنه ورد تردها
السبَاع وتبول، فَبنى على ذَلِك، (وَاعْلَم) أَن شَرط
الِاجْتِهَاد أَن يكون للإمارة مجَال فِي الْمُجْتَهد فِيهِ،
وَلَا يجوز فِي تَمْيِيز الْمحرم وَالْميتَة عَن الذّكر
والأجنبية، وَيَنْبَغِي أَن يتَأَكَّد باستصحاب حَال وَيكون
مَعَ الْعَجز عَن الْيَقِين، وَلَا يكون على شاطئ نهر،
(1/192)
وَقيل يجوز، فَإِن لم تلح عَلامَة صب
المَاء وَتيَمّم فَإِن تيَمّم قبل صب المَاء قضى.
وَمَسْأَلَة سُؤْر السبَاع يلْحقهَا أَن سُؤْر الْهِرَّة
طَاهِر، فَإِن أكلت نجسا وولغت فِي مَاء قَلِيل فَفِيهِ
ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين الولوغ فِي الْحَال،
أَو بعد غيبَة مُحْتَملَة للولوغ فِي مَاء كثير، وَالْأَحْسَن
تَعْمِيم الْعُضْو (للْحَاجة وأدب الاستطابة ستر الْعَوْرَة
وصرفها عَن النيرين وَلَا يَبُول فِي الْحُجْرَة وَلَا تَحت
الشّجر المثمر، وَلَا يجلس فِي متحدث النَّاس ويعتمد على يسراه
فِي الْجُلُوس وَلَا يستصحب مَا عَلَيْهِ اسْم الله تَعَالَى،
وَيقدم يسراه دَاخِلا وَبِالْعَكْسِ ويستبرئ من الْبَوْل
بالنحنحة ويستنجي بِكُل طَاهِر جامد منق غير مطعوم لَا حُرْمَة
لَهُ غير مُتَّصِل بحيوان، وَيقف مَعَ الإنقاء وَالْعدَد
والإيثار مُسْتَحبّ، وَلَا يسْتَعْمل يَمِينه فِي مس فرجه،
ويمر كل حجر على جَمِيع الْموضع فِي أحسن الرأيين.
وَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين المَاء وَالْحجر، بذلك مدح أهل
قبَاء، وَإِذا اخْتلف اجْتِهَاد رجلَيْنِ فِي إناءين تَوَضَّأ
كل مِنْهُمَا بِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَيْهِ،
(1/193)
وَلَا يأتم بِصَاحِبِهِ) .
وولوغ الْكَلْب يغسل مِنْهُ الْإِنَاء سبعا إِحْدَاهُنَّ
بِالتُّرَابِ وعرقه وَسَائِر أَجْزَائِهِ كلعابه، وَفِي
إِلْحَاق الْخِنْزِير بِهِ فِي غسل الْإِنَاء كَذَلِك
قَولَانِ، وَالْأَظْهَر أَنه لَا يقوم الأشنان والصابون مقَام
التُّرَاب، وَلَا غسلة ثامنة، إِذا غسل الْإِنَاء عَن ولوغ
الْكَلْب فترشش من المَاء على ثوب قيل: يغسل الثَّوْب مرّة،
وَقيل: بِعَدَد المرات الَّتِي بقيت.
إِذا ولغَ كلبان فَهَل لَهما حكم كلب وَاحِد فِي الْغسْل فِيهِ
خلاف، وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا بِمَثَابَة (كلب وَاحِد) يلْحق
بِمَسْأَلَة الاستطابة إِن كَانَ فِي الصَّحرَاء خمر من
الأَرْض فَهِيَ كالبنيان، (وَإِن كَانَ الْبُنيان) فضاء
بِغَيْر حَائِل فَهُوَ كالصحراء، (وَاعْلَم أَن الْعَوْرَة مَا
بَين السُّرَّة وَالركبَة، وَالركبَة والسرة ليستا مِنْهَا،
عِنْد الْحَنَفِيّ الرّكْبَة عَورَة) .
(1/194)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة: إِذا
اشتبهت عَلَيْهِ الْأَوَانِي (يو) :)
الْمَذْهَب: يتحري وَيتَوَضَّأ بالطاهر عِنْده.
عِنْدهم: لَا يتحَرَّى إِلَّا أَن يكثر عدد الطَّاهِر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
ندعي أَنه وَاجِد فَلَا يتَيَمَّم.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} .
يدعونَ أَنه غير وَاجِد مَاء طَاهِرا بِيَقِين فيتيمم.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
اجْتِهَاد صَادف مَحَله فصح، كَمَا لَو كَانَ عدد الطَّاهِر
أَكثر؛ لِأَن الِاجْتِهَاد تطلب حكم شَرْعِي بدليله، ونقول:
شَرط للصَّلَاة أمكن حُصُوله بِالِاجْتِهَادِ فَوَجَبَ
التَّوَصُّل إِلَيْهِ، كالقبلة والسترة.
(1/195)
لَهُم:
التَّحَرِّي مَظَنَّة الشَّك، فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ،
وَالتُّرَاب طَاهِر بِيَقِين، وَرُبمَا وَقع على النَّجس،
فاستعمال الطَّاهِر بِيَقِين أولى.
مَالك: ق.
أَحْمد: لَا يتحَرَّى وَيتَيَمَّم.
التكملة:
يلزمونا إِذا كَانَ أحد الإناءين بولا، واختلطت ميتَة بمذكاة،
أَو أُخْته بأجنبيات، فَإِنَّهُ لَا يتحَرَّى، الْجَواب:
مَسْأَلَة الْبَوْل مَمْنُوعَة رأى ابْن سُرَيج، وَإِن سلمنَا
فالمياه النَّجِسَة لَهَا أصل فِي الطَّهَارَة وتعود بالمكاثرة
طَاهِرَة بِخِلَاف الْبَوْل فيتأيد الظَّن بِأَصْل هُوَ
اسْتِصْحَاب الْحَال، ويعتذرون من الستْرَة بِأَن غَايَة مَا
يقدر أَنه صلى فِي ثوب نجس، وَذَلِكَ لَا يمْنَع صِحَة
الصَّلَاة وَيَقُولُونَ الثَّوْب لَا بدل لَهُ وَبدل المَاء
التُّرَاب.
(1/196)
وجهات الْقبْلَة مُمكن أَن يكون قبْلَة فِي
مسكن آخر، وَأما إِذا كثرت الْأَوَانِي أَخذ بالأغلب،
وَالْجَوَاب منع أَن الِاجْتِهَاد للضَّرُورَة، بل للْحَاجة،
والمجتهد إِذا غلب على ظَنّه طرف صَار الآخر سَاقِطا،
وَبِالْجُمْلَةِ يرجع النّظر إِلَى تعَارض الظنون، فالخصم
يَدعِي وجود شَرط (التَّيَمُّم وَهُوَ الْعَجز عَن اسْتِعْمَال
الطَّاهِر بِيَقِين، وندعي نَحن أَن المَاء الطَّاهِر حَاضر،
وَقد غلب على الظَّن، متأبدا باستصحاب الْحَال إِذا انصب أحد
الإناءين قبل الِاجْتِهَاد هَل يجْتَهد فِي الثَّانِي؟ ،
وَجْهَان: أَحدهمَا لَهُ اسْتِعْمَاله من غير اجْتِهَاد؛
لِأَنَّهُ يشك فِي نَجَاسَته، وَالأَصَح أَنه يجْتَهد.
(1/197)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة: سُؤْر
السبَاع (يز) :)
الْمَذْهَب: طَاهِر.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى جَابر قَالَ: سُئِلَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام:
أَنَتَوَضَّأُ مِمَّا أفضلت الْحمر؟
فَقَالَ: " نعم، وَبِمَا أفضلت السبَاع كلهَا "، حَدِيث صَحِيح
فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ.
لَهُم:
سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْمِيَاه تكون بالفلاة تنوبها
السبَاع. فَقَالَ: " إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم ينجس "،
علل عدم النَّجَاسَة بِقدر المَاء لَا بِطَهَارَة الْوَارِد
فَدلَّ على أَن مَا دون الْقلَّتَيْنِ نجس.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
حَيَوَان يجوز اقتناؤه إعجاباً بِهِ فَحكم بِطَهَارَة سؤره
كجوارح الطير إِذْ لَو
(1/198)
كَانَ نجس الْعين مَا جَازَ اقتناؤه كَذَا،
وَترك أكله؛ لِأَنَّهُ تعدى أخلاقه، لَا لِأَنَّهُ نجس، ويتأيد
بِطَهَارَة جلده مدبوغا.
لَهُم:
سبع محرم أكله فَأشبه الْكَلْب وَالْخِنْزِير؛ لِأَنَّهُ
إِنَّمَا حرم بِوَصْف السبعية إهانة لَهُ، وَمَا كَانَ كَذَلِك
فَهُوَ نجس كَالْكَلْبِ.
مَالك: ق.
أَحْمد: رِوَايَتَانِ.
التكملة:
قَالُوا: الشَّيْء يحرم أكله، إِمَّا لعدم الإغذاء كالتراب
والذباب، أَو لخبثه كالسم، أَو لكَونه يعدي خلقا ذَمِيمًا، أَو
لحُرْمَة كالآدمي، وَهَذِه الْمعَانِي مَعْدُومَة فِي السبَاع،
فَإِنَّهَا كَانَت تُؤْكَل قبل الْإِسْلَام فَبَقيَ
تَحْرِيمهَا لنجاستها، ويعتذرون عَن جَوَاز بيعهَا بِأَن
مَذْهَبهم جَوَاز بيع الْأَعْيَان النَّجِسَة، وَيمْنَعُونَ
طَهَارَة عرقها، وَإِن سلمُوا فللضرورة، وَعِنْدهم لحم الْفرس
مَكْرُوه (وسؤره وَالْحمار مَشْكُوك فِيهِ) وسؤر الهر
للضَّرُورَة، وجوارح الطير
(1/199)
تَأْخُذ المَاء بمناقيرها، وَكَانَت ترد
دور الْكُوفَة وَلَا ظلال لَهَا فَعَفَا عَنْهَا أَبُو حنيفَة
للْحَاجة. الْجَواب: تَحْرِيم الْأكل خيفة الْأَعْدَاء فَصَارَ
كَمَا نهى عَن رضَاع الحمقاء، وَعَن السم، وَالْأَصْل فِي
الْحَيَوَانَات الطَّهَارَة، إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ
الشَّارِع، وَقَوْلهمْ فِي دور الْكُوفَة فَالْجَوَاب عَنهُ
أَن الْأَحْكَام تتَعَلَّق على الْحَاجَات الْعَامَّة لَا على
حَاجَة بلد، وَعَلَيْهِم الدَّلِيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
لدعواهم النَّجَاسَة وجوارح الطير لَا يجوز أكلهَا إِجْمَاعًا،
وسؤرها طَاهِر.
(1/200)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة: قَلِيل
النَّجَاسَة (يح) :)
الْمَذْهَب: لَا يُعْفَى إِلَّا من مَحل النجو وَدم البراغيت.
عِنْدهم: يُعْفَى عَن هَذَا الْقدر أَيْن كَانَ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
عُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وثيابك فطهر} ..
لَهُم:
.
(1/201)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
النَّجَاسَة مجتنبة نصا، والكمية لَا أثر لَهَا، بل الْكل
مستقذر، وَرخّص الشَّرْع فِي أَشْيَاء ضَرُورَة فتقدر بهَا
وَتلك الضَّرُورَة تكَرر هَذَا الْحَدث وَتعذر المَاء، كل وَقت
وكشف الْعَوْرَة.
لَهُم:
الشَّرْع يعْفُو عَن المحذورات إِذا قلت، وَلَا يلْتَفت إِلَى
الْمحل، غير أَن التَّقْدِير إِلَى الشَّرْع، وَحَيْثُ عَفا
عَن مَحل النجو كَانَ هُوَ قدر الْقلَّة فَسقط اعْتِبَار
الْمحل.
مَالك: يُعْفَى عَن قدر الدِّرْهَم.
(1/202)
أَحْمد: يُعْفَى عَن النقطة والنقطتين.
التكملة:
قَالُوا: لَو عُفيَ عَن النَّجَاسَة فِي المنديل عقل أَن
الْقَمِيص فِي مَعْنَاهُ، وَنسبَة المنديل إِلَى الْقَمِيص
كنسبة بعض الْأَعْضَاء إِلَى بعض، وَهَذَا قِيَاس فَاسد أَولا؛
لِأَن الصَّحَابَة لم يتوهموا هَذَا التَّسَاوِي، وَكَذَلِكَ
استمرت عَادَتهم على الِاسْتِنْجَاء مَعَ التَّحَرِّي عَن
قَلِيل النَّجَاسَة فِي جَمِيع الْبدن وَمَا كَانَ كَذَلِك
إِلَّا لِأَن مَحل النجو اخْتصَّ بِنَوْع حَاجَة يجوز أَن
يَجْعَل منَاط هَذِه الرُّخْصَة، وَبِالْجُمْلَةِ نَحن نعلل
بِالْحَاجةِ وَنَنْظُر إِلَى الْمحل وهم يعللون بالمقدار.
(1/203)
(المسالة التَّاسِعَة عشرَة:
الِاسْتِجْمَار بِالْحجرِ (يط) :)
الْمَذْهَب: وَاجِب.
عِنْدهم: مسنون.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " إِنَّمَا أَنا لكم كالوالد
لوَلَده، فَإِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فليستنج
بِثَلَاثَة أَحْجَار "، وَقَالَ: " اتَّقوا الْملَاعن
وَأَعدُّوا النبل ".
(1/204)
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من استجمر فليوتر، وَمن لَا
فَلَا "، وَزَعَمُوا أَن التَّخْيِير يرجع إِلَى نَفسه
الِاسْتِجْمَار.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
نَجَاسَة لَا تلْحق الْمَشَقَّة فِي محوها، فَشرط إِزَالَتهَا
لاستباحة الصَّلَاة، كالزائد على الدِّرْهَم، وَالطَّهَارَة من
النَّجَاسَة وَاجِبَة وتقليلها أَيْضا وَاجِب كَذَلِك أَسْفَل
الْخُف.
لَهُم:
مَا لَا يُوجب إِزَالَته بالمائع مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ،
لَا يجب بخفيفه كَدم البرغوث ثمَّ لَو كَانَ إِزَالَة هَذِه
النَّجَاسَة مَا كفى فِيهِ الْحجر، كالزائد عَلَيْهَا.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
اعْتِبَار الدِّرْهَم لَا يدل عَلَيْهِ أصل، وَفِي تقليل
النَّجَاسَة تطييب النَّفس،
(1/205)
وَأمن من الانتشار، وَلَا يبعد أَن يقْصد
الشَّرْع تقليل النَّجَاسَة، وَلذَلِك أوجبتم فِي الْخُف
الدَّلْك، وَفِي الْمَنِيّ الفرك، وَجَوَاب الْخَيْر: أَن
التَّخْيِير فِي الإيتار، وَظَاهر هَذَا أَن لَا يحْجر فِي
الِاقْتِصَار على حجرين وَلَكِن حمل ذَلِك على مَا بعد
التَّثْلِيث، بِدَلِيل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهي عَن أَن
يجتزئ بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار.
(1/206)
فارغة
(1/207)
الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ: اسْتِقْبَال
الْقبْلَة بالفرجين (ك) :
الْمَذْهَب: يجوز.
عِنْدهم: لَا يجوز الِاسْتِقْبَال، وَفِي الآخر رِوَايَتَانِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأَيْت النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام يقْضِي حَاجته مُتَوَجها نَحْو الْقبْلَة،
وَذكر لَهُ أَن قوما يكْرهُونَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة بفروجهم،
فَقَالَ: أقد فَعَلُوهَا؟ استقبلوا بمقعدي الْقبْلَة.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا أتيتم الْغَائِط فَعَظمُوا
قبْلَة الله، وَلَا تستقبلوها وَلَا تستدبروها، لَكِن شرقوا،
أَو غربوا ".
(1/208)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
غير مُسْتَقْبل الْمُصَلِّي بفرجه، وَلَا الْمُصَلِّي
مُسْتَقْبل لَهُ، فَصَارَ كَمَا لَو شَرق أَو غرب.
لَهُم:
كل حكم ثَبت للْقبْلَة فِي الصَّحَارِي مثله فِي الْبُنيان،
وَيَقُول: اسْتقْبل الْقبْلَة بفرجه فِي قَضَاء الْحَاجة من
غير ضَرُورَة، فَلَا يجوز كالمصحر.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْفرق بَين أَحْكَام الْقبْلَة فِي الصَّحرَاء، والبنيان أَن
المتنفل يجوز لَهُ ترك الْقبْلَة مصحرا بِخِلَاف الْبُنيان،
وَالْجَوَاب عَن خبرهم: أَن الْغَائِط
(1/209)
المطمئن من الأَرْض، وَذَلِكَ يكون فِي
الصحارى، وتأييده قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا أتيتم،
وَهَذَا إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الصحارى، فَإِن قَالُوا مَحل
نزه عَن الْخَلَاء إِذا كَانَ غير مَبْنِيّ فنزه عَنهُ
مَبْنِيا كالمسجد، قُلْنَا: هَذَا يُؤَدِّي إِلَى ترك
اسْتِعْمَال الأخلية، وَفرق بَين الْمَسْجِد والجهة، إِذْ
الْمَسْجِد لَا يجوز فِيهِ إِخْرَاج الدَّم بالفصد والحجامة
بِخِلَاف الْجِهَة، وَالْمعْنَى فِي الْمَنْع من الْمَسْجِد
أَنه لنَفس الْبقْعَة، وَهَاهُنَا الْمَنْع لاستقبال
الْمُصَلِّين، ونسلم أَن الْمَنْع لأجل الْجِهَة لَكِن يجوز
أَن نترخص فِيهِ ضَرُورَة.
(1/210)
|