تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (مسَائِل التَّيَمُّم)
(1/211)
فارغة
(1/212)
لوحة 16 من المخطوطة أ:
التَّعْلِيل لاخْتِصَاص التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ (أَنه أحد
نَوْعي مَا يتَطَهَّر بِهِ فيعلق بالأعم وجودا كَالْمَاءِ) .
وَعلم أَن التَّيَمُّم لَا يرفع الْحَدث (بل يُبِيح الصَّلَاة
وَكَذَلِكَ يَنْوِي وَيبْطل بِرُؤْيَة المَاء إِلَّا فِي
الصَّلَاة، وَمَتى توجه الطّلب بَطل التَّيَمُّم (مثل) ظُهُور
ركب، وَإِذا وجد المَاء) مَعَ الْعَجز عَنهُ، فَكَأَنَّهُ مَا
وجده.
والعضو الْمُتَيَمم عَنهُ يُقَام التَّيَمُّم مقَامه فِي
التَّرْتِيب، فَإِن كَانَ الْوَجْه مثلا غسل مِنْهُ (مَا أمكن)
وَتيَمّم وتمم الْوضُوء إِن لم يجد تُرَابا طلى على يَدَيْهِ
الطين حَتَّى يجِف وفركه وَيتَيَمَّم، وَإِذا بذل لَهُ لزمَه
قبُوله لعدم الْمِنَّة، وَكَذَا المَاء بِخِلَاف الرَّقَبَة
فِي الْكَفَّارَة، إِن تحقق الْمُسَافِر عدم المَاء حوله
تيَمّم من غير طلب إِن توهم وجوده تردد فِي طلبه حَتَّى
يلْحقهُ الْغَوْث، وَإِذا دخل عَلَيْهِ وَقت صَلَاة أُخْرَى
فَفِي وجوب إِعَادَة الطّلب وَجْهَان، وَمَتى كَانَ عَن جنبتي
الْمنزل يبعد مَسَافَة الاحتشاش لزمَه
(1/213)
طلبه؛ لِأَن جَانِبي الْمنزل منسوبان
إِلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك أَمَامه وَخَلفه، ثمَّ إِن تَيَقّن
وجود (المَاء قبل مُضِيّ الْوَقْت فَالْأولى التَّأْخِير قولا
وَاحِدًا، وَإِن توقعه بغالب ظن فَقَوْلَانِ لتقابل فَضِيلَة
أول الْوَقْت مَعَ ظن الْإِصَابَة) .
لَو صب المَاء فِي الْوَقْت وَتيَمّم، فَفِي الْقَضَاء
وَجْهَان: وَجه الْوُجُوب أَنه عصى بإراقته بِخِلَاف مَا قبل
الْوَقْت، وَبِخِلَاف (مَا لَو جَاوز) مَاء وَلم يتَوَضَّأ،
إِن أعير الدَّلْو لزمَه قبُوله بِخِلَاف مَا لَو وهبه أَو ثمن
المَاء، فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْقبُول لثقل الْمِنَّة، وَثمن
الْمثل هُوَ مُقَدّر بِأُجْرَة النَّقْل، فَإِن كَانَ مَعَه
ثمن المَاء ويفضل عَن حَاجته لزمَه الشِّرَاء، إِن مَاتَ صَاحب
المَاء (ورفقته) عطاش يمموه وتصرفوا فِي المَاء، وضمنوه
بِالثّمن، فَإِن الْمثل لَا يكون لَهُ قيمَة غَالِبا، إِذا
أوصى بِمِائَة لأولى النَّاس بِهِ فَحَضَرَ جنب وحائض وميت
فالميت أولى بِهِ؛ لِأَنَّهُ آخر الْعَهْد بِهِ، وَمن عَلَيْهِ
نَجَاسَة أولى من الْجنب إِذْ لَا بدل لَهُ، وَالْجنب أولى من
الْمُحدث إِذا كَانَ المَاء قدر الْوضُوء، وَالْمَاء لَهُم
كلهم إِذا وجدوه مُبَاحا، وَيتَيَمَّم من الْمَرَض الَّذِي
يخَاف من الْوضُوء مَعَه من فَوت الرّوح إِلَى شين ظَاهر يبْقى
بالعضو، وَأما إِن كَانَ يتألم فِي الْحَال من أَمن
الْعَاقِبَة لزمَه (الْوضُوء) وَيلْزم غسل مَا صَحَّ من
(1/214)
الْأَعْضَاء وَالْمسح على الْجَبِيرَة ثمَّ
يتَيَمَّم مَعَ الْغسْل وَالْمسح، وَفِي تَقْدِيم الْغسْل على
التَّيَمُّم (ثَلَاثَة أوجه) : أَحدهَا أَن لَا ينْتَقل عَن
عُضْو مَا لم يتمم تَطْهِيره ثمَّ مهما تيَمّم لمَرض أَو
جِرَاحَة أَعَادَهُ لكل صَلَاة وَلم يعد الْوضُوء وَلَا
الْمسْح.
إِن كَانَ على وَجهه قرح وعَلى يَدَيْهِ قرح، وعَلى رجله قرح
لزمَه أَن يغسل الصَّحِيح من وَجهه ثمَّ يتَيَمَّم (ثمَّ يغسل
الصَّحِيح) من يَدَيْهِ ثمَّ يتَيَمَّم وَيغسل الصَّحِيح من
رجلَيْهِ، ثمَّ يتَيَمَّم فَيحْتَاج إِلَى ثَلَاث تيممات،
والمتيمم ينْزع الْخَاتم وَتَكون اليدان متصلتين حَتَّى
يستوعبهما مسحا كَيْلا يثبت للغبار بالانفصال حكم
الِاسْتِعْمَال.
(1/215)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ:)
الْمُتَيَمم إِذا رأى المَاء فِي خلال صلَاته (كَا) :
الْمَذْهَب: لَا تبطل صلَاته.
عِنْدهم: تبطل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم
إِلَى الصَّلَاة} ... الْآيَة.
وَجه الدَّلِيل: أَنه أَمر بِالتَّيَمُّمِ للصَّلَاة، كَمَا
أَمر بِالْغسْلِ، وَقد أَتَى بِهِ.
لَهُم: ... .
(1/216)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عَاجز عَن اسْتِعْمَال المَاء لَا تبطل صلَاته، وعجزه شَرْعِي
لحُرْمَة الصَّلَاة وَالْمُعْتَمد بِمن الْمَشْرُوط لشرطه،
فَلَا يشْتَرط بَقَاء الشَّرْط لبَقَاء الْمَشْرُوط
كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاح.
لَهُم:
وجد المَاء الْمَقْدُور عَلَيْهِ فَبَطل تيَمّمه، كَمَا قيل
الْإِحْرَام وَالصَّلَاة لَا يبْقى مَعَ الرُّؤْيَة حَتَّى
يمْنَع، وَإِنَّمَا يُبْطِلهَا لتتأدى كَامِلَة فَهُوَ كالوصي
إِذا بَاعَ مَال الْيَتِيم بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل.
مَالك: ق.
أَحْمد: وَافق.
التكملة:
تَكْبِيرَة الْإِحْرَام عِنْدهم لَيست من الصَّلَاة،
وَيَقُولُونَ: كل جُزْء من الصَّلَاة يشْتَرط لَهُ مَا يشْتَرط
للْآخر، كالسترة والقبلة، ويعتذرون عَن الصَّلَاة الْجِنَازَة
وَالْعِيدَيْنِ بِأَنَّهَا لَا تقضي إِذا فَاتَت، فَلَو بطلت
بِرُؤْيَة المَاء لفاتت إِلَى
(1/217)
غير شَيْء، ويعتذرون من سُؤْر الْحمار
بِأَنَّهُ مَشْكُوك فِيهِ، وَالتُّرَاب طَاهِر بِيَقِين،
ويلزمون الْمُسْتَحَاضَة إِذا انْقَطع دَمهَا فِي أثْنَاء
الصَّلَاة، فَإِن صلَاتهَا تبطل؛ لِأَنَّهَا بِطَهَارَة
ضَرُورَة، وَكَذَا من وجد الستْرَة، أَو انْقَضتْ مُدَّة
الْمسْح أَو انخرق الْخُف عذرنا نمْنَع الْمُسْتَحَاضَة، وَأما
الستْرَة قَالَ بعض الْأَصْحَاب: إِن كَانَت بعيدَة مِنْهُ لَا
يلْزمه قطع الصَّلَاة لأخذها، ثمَّ إِن الستْرَة شَرط صِحَة
الصَّلَاة، فَمَا انْعَقَدت الصَّلَاة بشرطها، ثمَّ يلْزمهُم
أَن يتَوَضَّأ وَيَبْنِي على صلَاته، كَمَا لَو سبقه حدث. ثمَّ
نقُول: المَاء بِأَكْثَرَ من ثمنه مَعْفُو عَنهُ، لما فِيهِ من
تَفْوِيت غَرَض دُنْيَوِيّ فَكيف تفوت الصَّلَاة المحترمة،
وعَلى أصلهم ألزم حَيْثُ الشُّرُوع فِي التَّطَوُّع مُلْزم،
وَبِالْجُمْلَةِ لَو شرطنا لصِحَّة صلَاته عدم المَاء دَائِما
لَكَانَ مُصَليا على شكّ؛ لِأَن دوَام الْعَدَم مظنون.
(1/218)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ:)
إِذا وجد من المَاء مَا يَكْفِي بعض أَعْضَائِهِ (كب) :
الْمَذْهَب: يَسْتَعْمِلهُ وَيتَيَمَّم عَمَّا لم يغسلهُ فِي
الْمَنْصُور.
عِنْدهم: لَا يسْتَعْمل المَاء بل يتَيَمَّم وَهُوَ القَوْل
الثَّانِي.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
آيَة التَّيَمُّم.
وَجه الدَّلِيل: أَنه جعل شَرط التَّيَمُّم أَلا يجد المَاء،
وَهَذَا وَاجِد.
لَهُم: ... .
(1/219)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَمر بِالطَّهَارَةِ وَهِي متعذرة الْفِعْل وَالْمحل، والمأمور
بأَشْيَاء إِذا قدر على بَعْضهَا تعين عَلَيْهِ لَا يسْقط
المعجوز عَنهُ الْمَقْدُور عَلَيْهِ كستر الْعَوْرَة،
وَإِزَالَة النَّجَاسَة، وَمن لَا يقدر على الْكل لَا يتْرك
الْكل.
لَهُم:
عدم الطّهُور بِيَقِين فيعدل إِلَى التَّيَمُّم كالفاقد أصلا،
ذَلِك لِأَن الطّهُور الشَّرْعِيّ مَا تستبيح بِهِ الصَّلَاة،
وَلَا يستباح هَذَا الْقدر بِخِلَاف ستر بعض الْعَوْرَة
وَإِزَالَة بعض النَّجَاسَة؛ لِأَنَّهُمَا محسوسان،
وَالطَّهَارَة حكمِيَّة.
مَالك: وافقهم.
أَحْمد: رِوَايَتَانِ.
(1/220)
التكملة:
إِن الزمونا عتق بعض رَقَبَة فِي الْكَفَّارَة، قُلْنَا: هُوَ
مَأْمُور بِعِتْق رَقَبَة، وَبَعض الرَّقَبَة لَا يُسمى
رَقَبَة، وَالتَّيَمُّم إِنَّمَا يستباح مَعَ عدم المَاء
وَبَعض المَاء مَاء، وَيمْنَع أَن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى الْجمع
بَين طهارتين، فَإِن التَّيَمُّم عَمَّا بَقِي من الْأَعْضَاء،
ونمنع أَيْضا اجْتِمَاع الْبَدَل والمبدل، فَإِن الْأَعْضَاء
المغسولة زَالَ حدثها بِالْغسْلِ وَالتَّيَمُّم عَن الْبَاقِي،
ثمَّ يلْزمهُم من تَوَضَّأ وَشرع فِي الصَّلَاة وَسَبقه
الْحَدث فعندهم، وَأحد قولينا أَنه يتَطَهَّر وَيَبْنِي فَلَو
لم يجد مَاء تيَمّم، فَفِي هَذِه الصُّورَة قد جمع بَين المَاء
وَالتُّرَاب، وَيعْتَذر عَن طريقتهم نمْنَع أَن حكم الْوضُوء
اسْتِبَاحَة الصَّلَاة، بل حكمه رفع الْحَدث عَن بعض
الْأَعْضَاء، وَإِنَّمَا لم تستبح الصَّلَاة لقِيَام الْحَدث
فِي الْأَعْضَاء الْبَاقِيَة.
(1/221)
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ:
إِذا نسي المَاء فِي رَحْله فَتَيَمم وَصلى، ثمَّ وجده (كج) :
الْمَذْهَب: يتَوَضَّأ وَيُعِيد فِي أحد الْقَوْلَيْنِ.
عِنْدهم: لَا يُعِيد وَهُوَ القَوْل الآخر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
الْآيَة العزيزة: { ... أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط
أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا}
الْآيَة.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
(1/222)
لنا:
وَاجِد فَلم يَصح تيَمّمه كالذاكر، بِدَلِيل كَون المَاء فِي
رَحْله، وَالنِّسْيَان ضد الذّكر لَا ضد الوجدان، والرحل
أَمارَة المَاء، وَإِنَّمَا أَتَى من تَقْصِيره فَهُوَ كمن
عَلَيْهِ كَفَّارَة ونسى أَنه يملك رَقَبَة وَصَامَ، فَإِنَّهُ
لَا يجْزِيه وكناسي الطَّهَارَة.
لَهُم:
عَاجز عَن اسْتِعْمَال المَاء، فَإِذا تيَمّم وَصلى لَا
يُعِيد، كَمَا لَو حَال بَينهمَا سبع، الدَّلِيل على عَجزه
نسيانه الْمُحِيل بَينه وَبَين المَاء، كالحائل الْحسي، ثمَّ
لَو وجد المَاء مَعَ حَاجته لسقيه وَسقي كراعة عد عَاجِزا،
فالناسي أَجْدَر أَن يعد عَاجِزا.
مَالك: ق.
أَحْمد: وَافق.
التكملة:
إِنَّمَا منعُوا الرَّقَبَة من الْكَفَّارَة، وألزمونا إِذا
أضلّ لرحله فِي الرّحال، وَاعْتذر أَبُو زيد عَن الرَّقَبَة
فِي الْكَفَّارَة أَن الْمَقْصُود ملكهَا لَا
(1/223)
وجودهَا، وَلِهَذَا لَو وَجب على العَبْد
كَفَّارَة فَقَالَ لَهُ السَّيِّد: أعتق هَذَا عَن كفارتك لم
يلْزمه وَهَاهُنَا الْمَقْصُود الوجدان، وَالنَّاسِي غير
وَاجِد، ونقول نَحن للمسألة صُورَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَن لَا
يطْلب فَنَقُول لصَاحب المَاء ثَلَاثَة أَحْوَال أَولهَا: أَن
يعْتَقد وجود المَاء فِي رَحْله فَلَا عذر لَهُ فِي
التَّيَمُّم، أَو يجوز الوجدان فَلَا عذر لَهُ أَيْضا.
وَالثَّالِث أَن يعْتَقد وَهَذَا اعْتِقَاد فَاسد، فَلَا يبْنى
عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَو اعْتقد أَنه متطهر، أما إِذا طلب
فَلم يجد فَهُوَ قَاصِر لَا مقصر، وَهُوَ مَحل الْقَوْلَيْنِ،
وَيُوجه القَوْل الْمَنْصُور أَن هَذَا كَانَ يُمكنهُ أَن
يستديم الذّكر، فَلَمَّا تَركه أمكن أَن يُعَاقب على ذَلِك،
وعَلى ذَلِك قَوْله: {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا} ،
فَكَانَ عِقَابه أَن وَجب عَلَيْهِ قَضَاء الصَّلَاة،
وَمَسْأَلَة ضلال الرحل مَمْنُوعَة، وَإِن سلمنَا فَلَيْسَ
الرحل إِذا فِي يَده.
(1/224)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ:)
التَّيَمُّم للفريضة قبل دُخُول وَقتهَا (كد) :
الْمَذْهَب: لَا يجوز.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
الْآيَة.
الْقيام إِلَى الصَّلَاة شَرط لوُجُوب الْغسْل أَو التَّيَمُّم
مَعَ الْعَدَم، فَنحْن مَعَ الشَّرْط، وَظَاهر هَذَا أَن يكون
المَاء كَذَلِك، لَكِن قَامَ الدَّلِيل على جَوَاز الْوضُوء
فنفينا مَا عداهُ على الأَصْل.
لَهُم:
آيَة التَّيَمُّم.
وَوجه الدَّلِيل أَنه وصف الصَّعِيد بالطيب وأقامه مقَام
المَاء، وَقَالَ تَعَالَى: {ليطهركم بِهِ} ، وَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَام: " جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وترابها طهُورا "،
وَالطهُور لَا يتَقَدَّر بِزَمَان دون زمَان.
(1/225)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
طَهَارَة ضَرُورَة فَلَا تجوز قبل وَقت الضَّرُورَة، أَو فَيجب
أَن تقدر بِقدر الضَّرُورَة كطهارة الْمُسْتَحَاضَة، ذَلِك
لِأَن التُّرَاب ملوث، وَإِنَّمَا احْتمل للْحَاجة فَيقدر
بهَا.
لَهُم:
التُّرَاب خلف المَاء فَأعْطى حكمه، وَحكم المَاء التَّطْهِير،
وَإِبَاحَة الصَّلَاة فِي كل حَال، فَيجب أَن يكون خَلفه
كَذَلِك.
مَالك: ق.
أَحْمد: وَافق.
التكملة:
يمْنَعُونَ كَون التَّيَمُّم للضَّرُورَة، بِدَلِيل جَوَازه
فِي النَّوَافِل، فَإِنَّهُ مُخَيّر بَين فعل النَّافِلَة
وَتركهَا، وَأَنه يجوز فِي أول الْوَقْت، وَإِنَّمَا بَطل
بِرُؤْيَة المَاء؛ لِأَنَّهُ خرج عَن كَونه بَدَلا، وترامى
هَذَا الْبطلَان إِلَى أول التَّيَمُّم، لَكِن الصَّلَوَات
السَّابِقَة وَقعت مسلمة إِلَى الله تَعَالَى، ويعتذرون عَن
طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة بِأَنَّهَا
(1/226)
ترفع الْحَدث الْمَاضِي والمتجدد سلبه
الشَّرْع حكم الْحَدث، فَصَارَ بِمَثَابَة الْعرق، لَكِن قدره
بِوَقْت الضَّرُورَة، وَنحن نسلم الخلفية، لَكِن لَا نقيمها
مقَام الأَصْل من كل وَجه، أَلا ترى أَن الذِّمَّة عِنْدهم خلف
عَن الْإِسْلَام، وَلَا تقوم مقَامه من كل وَجه؟ وَالدَّلِيل
على بَقَاء الْحَدث: وجوده بِرُؤْيَة المَاء وَالْحق أَن
اسْتِبَاحَة الصَّلَاة وَرفع الْحَدث حكمان للْوُضُوء،
وَالتَّيَمُّم يخلفه فِي أَحدهمَا: وَعِنْدهم يخلفه فيهمَا،
ولأصحابنا منع فِي جَوَاز التَّيَمُّم للنوافل، ثمَّ إِن
الْحَاجة إِلَى النَّوَافِل ماسة، فَإِنَّهَا تكمل الْفَرَائِض
وكل وَقت وَقتهَا فَمَا تيَمّم لَهَا إِلَّا فِي وَقتهَا.
(1/227)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ)
: طلب المَاء قبل التَّيَمُّم (كه) :
الْمَذْهَب: وَاجِب.
عِنْدهم: لَا يجب إِلَّا فِي مظانه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
الْآيَة.
إِنَّمَا يعد عادما بعد الطّلب، فَفِي الشَّاهِد لَو قلت
لصاحبك: ابتع لي كَذَا، فَإِن لم تَجِد فَكَذَا لم يجز شِرَاء
الثَّانِي إِلَّا بعد طلب الأول وفوته.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " وترابها طهُورا " سَمَّاهُ
طهُورا، وَلم يشْتَرط الطّلب.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
التَّيَمُّم مَشْرُوط بِعَدَمِ المَاء، وَلَا يعلم الْعَدَم
إِلَّا بعد الطّلب؛ لِأَنَّهُ إِن
(1/228)
طلب احْتمل أَن يجد، وَالظَّاهِر وجود
المَاء بِكُل مَكَان.
لَهُم:
عادم للْمَاء ظَاهرا فَتَيَمم، كَمَا لَو طلب، دَلِيل
الْعَدَم: خلو الفلاة من الْمِيَاه، وَالْأَحْكَام تبنى على
الظَّاهِر فَصَارَ كمن أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر
وَفَاته صلوَات فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيهَا؛ لِأَن الظَّاهِر خلو
دَار الْحَرْب عَمَّن يعلم الصَّلَوَات.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
قَالُوا: طلب الرَّقَبَة فِي الْكَفَّارَة تعين؛ لِأَنَّهُ لَا
يَخْلُو النَّاس من رَقِيق، وَطلب الْحَاكِم النَّص تعين؛
لِأَنَّهُ مَحْصُور فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع فَهُوَ
طلب الشَّيْء من معدنه، فالشريعة وافية بأحكامها، وَكَذَلِكَ
الْقبْلَة لَا تعد
(1/229)
والجهات الْأَرْبَع، وَنحن نقُول: قَوْله
عَلَيْهِ السَّلَام: " وترابها طهُورا " يَعْنِي بعد الطّلب
بِدَلِيل أَن لَو كَانَ ذَلِك فِي الْعمرَان، ونقول: من أسلم
فِي دَار الْحَرْب أَو الْإِسْلَام وَتمكن من السُّؤَال عَن
الْفَرَائِض وَلم يسْأَل لم تسْقط عَنهُ، ونقول: الأَرْض
مَظَنَّة المَاء؛ لِأَنَّهُ أحد الْمُبَاحَات وطالبه أَيْن
كَانَ لَا يعد سَفِيها بِخِلَاف الْكَنْز وقصة النَّفر الَّذين
عدموا المَاء، وشارفوا الْهَلَاك فترنم أحدهم بِبَيْت امْرِئ
الْقَيْس:
(تيممت الْعين الَّتِي عِنْد ضارج ... يفِيء عَلَيْهَا الظل
عرمضها طامي)
فَقَالَ بَعضهم: هَذِه ضارج فوجدوا المَاء، وخبروا النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام بذلك.
(1/230)
(من التَّيَمُّم وَالْمسح على الْخُف
وَالْحيض)
(1/231)
فارغة
(1/232)
لوحة 17 من المخطوطة أ:
إِذا كَانَت الجبائر على مَوضِع التَّيَمُّم فَإِذا قُلْنَا:
(يَكْفِيهِ الْمسْح بِالْمَاءِ مسح وأجزأه) ، فَإِن (قُلْنَا:
يحْتَاج إِلَى) التَّيَمُّم؛ فَإِنَّهُ يمسح بِالْمَاءِ
وَيتَيَمَّم وَيمْسَح بِالتُّرَابِ على الجبائر وَتلْزَمهُ
الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا؛ لِأَن الجبائر لَا يُجزئ مسحها عَن
التَّيَمُّم، وَلَا يقوم بدل عَن بدل، فالتيمم لَا بدل لَهُ،
وَاعْلَم أَن الموق هُوَ الجرموق، وَمسح النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام على الموق، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ...
(1/233)
إِذا نزع الْخُف وَانْقَضَت مُدَّة
الْمسْح، قَالَ فِي الْقَدِيم: يُعِيد الْوضُوء قَالَ فِي
الْبُوَيْطِيّ: وحرملة يجْزِيه غسل الرجلَيْن، وَهُوَ مَذْهَب
أبي حنيفَة، وَجه القَوْل الأول: أَنه لما بَطل الْوضُوء فِي
الرجلَيْن بَطل فِي الْجَمِيع؛ لِأَن الطَّهَارَة لَا تتبعض،
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن مسح الْخُف نَاب عَن غسل الرجل
خَاصَّة فبظهورها بَطل مَا نَاب عَنهُ خَاصَّة، وَاعْلَم أَن
شَرط مَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ أَن يكون ساترا لمحل الْفَرْض
قَوِيا حَلَالا، وَفِيمَا يشرج شقَّه خلاف، وَاعْلَم أَن
قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يطهرن} ، يحْتَمل انتقالهن
(1/234)
حَالَة الْحيض وَيحْتَمل فعلهن الطُّهْر
بِالْغسْلِ، فَكَانَ مُجملا، وَقد قرئَ مشدد الطَّاء فَيكون
طَاهِرا فِي فعل الطَّهَارَة.
وَأول إِمْكَان الْحيض أول السّنة التَّاسِعَة، أَو
الْعَاشِرَة فِي وَجه، وَأَقل مُدَّة الْحيض يَوْم وَلَيْلَة،
وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَأَقل الطُّهْر خَمْسَة عشر
يَوْمًا وَأَكْثَره لَا حد لَهُ، وأغلب الْحيض سِتّ أَو سبع،
وأغلب الطُّهْر بَاقِي الشَّهْر.
وَيمْتَنع بِالْحيضِ كل فعل يحْتَاج إِلَى طَهَارَة
وَالصَّوْم، لَكِن تقضيه بِخِلَاف الصَّلَاة وَالْجِمَاع،
وَيُبَاح الِاسْتِمْتَاع بِمَا دون الْإِزَار، وَإِن جَامعهَا
وَالدَّم غبيط تصدق بِدِينَار وَفِي آخِره بِنصْف دِينَار.
وَأما الِاسْتِحَاضَة فكسلس الْبَوْل لَا تمنع الصَّلَاة بل
تتوضأ لكل صَلَاة فِي وَقتهَا وتتلجم وتستثفر، ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ...
(1/235)
وتبادر الصَّلَاة، وَفِي تَجْدِيد
الْعِصَابَة لكل فَرِيضَة وَجْهَان إِلَّا أَن يظْهر الدَّم،
وَمهما شفيت قبل الصَّلَاة استأنفت الْوضُوء، وَإِن كَانَت فِي
الصَّلَاة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا: أَنه كالتيمم إِذا رأى المَاء
فِي تِلْكَ الْحَالة.
والمبتدأة المميزة الَّتِي ترى الدَّم الْقوي أَو لَا تتحيض
فِيهِ بِشَرْط أَلا يزِيد (على خَمْسَة) عشر يَوْمًا،
والمبتدأة الَّتِي لَا تَمْيِيز لَهَا ترد إِلَى عَادَة نسَاء
بَلَدهَا أَو عشيرتها بِشَرْط أَن لَا تنقص عَن سِتّ، وَلَا
تزيد على سبع لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " تحيضي فِي علم
الله سِتا أَو سبعا "، وَالْقَوْل الآخر: ترد إِلَى أقل مُدَّة
الْحيض احْتِيَاطًا (لِلْعِبَادَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ) إِذا
رَأَتْ الدَّم على حَالَة وَاحِدَة من اللَّوْن الدَّال على
الْحيض، فَإِن لم يتَجَاوَز خَمْسَة عشر فَهِيَ الْمدَّة،
فَإِن تجَاوز ردَّتْ إِلَى سِتّ أَو سبع أَو يَوْمًا فِي
القَوْل الآخر، والمعتادة ترد إِلَى عَادَتهَا، وللحيض شرح
يضيق عَنهُ هَذَا الْمُخْتَصر، وضاف (فتر عَن مسير) .
(1/236)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ)
: التَّيَمُّم بالأجزاء الأرضية غير التُّرَاب (كو) :
الْمَذْهَب: لَا يجوز.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " وترابها طهُورا " ذكر الأَرْض
مُطلقًا فِي حكم الصَّلَاة، وخصص التُّرَاب بالطهورية
وَالنُّزُول من الْعَام إِلَى الْخَاص دَلِيل التَّخْصِيص
فَهُوَ كَقَوْلِه: " فِي الْغنم السَّائِمَة زَكَاة ".
لَهُم:
آيَة التَّيَمُّم، والصعيد اسْم للصعيد على وَجه الأَرْض،
وَمعنى طيب هَاهُنَا طَاهِر، وَقَول ابْن عَبَّاس: إِنَّه
تُرَاب الْحَرْث، أَو المنبت، لَا يُقيد
(1/237)
بِهِ الْكتاب لِأَنَّهُ خبر وَاحِد.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(طَهَارَة شَرْعِيَّة، أَو حكمِيَّة فاختصت بِمَا جعله
الشَّرْع طهُورا، وَغير التُّرَاب لَا يُشَارِكهُ فِي مزاياه
لغباره الْمُتَعَلّق بالعضو، وَكَونه أَعم أَجزَاء الأَرْض
وَالطَّهَارَة مِمَّا يعم بِهِ الْبلوى فعلق على الْعَام.
لَهُم:
لما كَانَ عدم المَاء مُمكنا أُقِيمَت الأَرْض مقَامه فجميعها
قَائِم مقَام المَاء توسعة فَإِذا تقيد بِبَعْض أَجْزَائِهَا
ضَاقَ، وَأما الْجَوَاهِر فَهِيَ مودعة فِيهَا) .
مَالك: يجوز بِالْأَرْضِ وَمَا اتَّصل بهَا حَتَّى الشّجر.
أَحْمد: ق.
التكملة:
أما نَحن فنحمل الطّيب على المنبت، وَبِذَلِك فسره ابْن
عَبَّاس وَعلي رَضِي الله عَنْهُم، وَتَقْيِيد الْمُطلق يجْرِي
مجْرى التَّخْصِيص وَالْبَيَان، وَجعل التُّرَاب طهُورا أظهر
فِي تكرمة الْآدَمِيّ فَإِنَّهُ أديمه، ويلزمهم التَّيَمُّم
بالزجاج والخزف والآجر، فَإِن اعتذروا بصلابته ألزمناهم
التَّيَمُّم بِالْحجرِ، قَالُوا:
(1/238)
حرف " من " يسْتَعْمل لابتداء الْغَايَة،
مَعْنَاهُ أَنه من وَقت الضَّرْب يَبْتَدِئ الْمسْح، وَهَذَا
تعسف، ومدار الْمَسْأَلَة أَن التُّرَاب عندنَا عرفت طهوريته
شرعا فنقف مَعَه وَعِنْدهم طهوريته؛ لِأَنَّهُ من أَجزَاء
الأَرْض.
(1/239)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ 9
: إِذا لم يجد الطهُورَيْنِ المَاء وَالتُّرَاب (كز) :
الْمَذْهَب: صلى على حسب حَاله وَأعَاد.
عِنْدهم: لَا يُصَلِّي حَتَّى يقدر على أَحدهمَا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَوْله: عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور "
نفي صِحَة الصَّلَاة بِغَيْر طَهَارَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
شَرط من شُرُوط الصَّلَاة، فَإِذا عجز عَنهُ لَا يجوز لَهُ ترك
الصَّلَاة.
دَلِيله: ستر الْعَوْرَة وطهارة الثَّوْب وَالْمَكَان،
وَغَايَة الشَّرْط تَنْزِيله منزلَة الرُّكْن وَلَو عجز عَن
ركن لم يتْرك الصَّلَاة ثمَّ الشَّرْط زَائِد فَإِذا توقف
عَلَيْهِ الْمَشْرُوط صَار أصلا وَوقت الصَّلَاة شرِيف.
(1/240)
لَهُم:
فقد شَرط أَهْلِيَّة أَدَاء الصَّلَاة، فَلَا يستبيح فعلهَا
أَصله الطَّهَارَة عَن الْحيض. دَلِيل ذَلِك: الْإِعَادَة
وَيُخَالف الستْرَة وَالثَّوْب النَّجس، لِأَن الصَّلَاة بهما
لَا تُعَاد، ثمَّ من ظَاهر وَلم يقدر على الْعتْق وَلَا
الصَّوْم لَا يستبيح وَطْء الْمظَاهر عَلَيْهَا كَذَلِك
هَاهُنَا.
مَالك: لَا يُصَلِّي فِي الْوَقْت وَلَا يلْزمه الْقَضَاء.
أَحْمد: ق.
التكملة:
يلْزمهُم أَن من أفسد الْحَج، أَو الصَّوْم يجب عَلَيْهِ
الْمُضِيّ فِيهِ كَيْلا يخلى الزَّمَان من ذَلِك الْفِعْل،
ونقول: الْوَطْء حق الْمظَاهر، وَيجوز للْإنْسَان تَأْخِير
حَقه، وَالصَّلَاة حق الله تَعَالَى، ثمَّ أَمر الْبضْع آكِد
من سَائِر الحرمات، وَلِهَذَا من اخْتلطت أمته بالإماء لَا
يتحَرَّى ليستبيح الْوَطْء، وَلَو نسي صَلَاة من خمس وَجب
عَلَيْهِ أَن يَأْتِي بِالْجَمِيعِ، ثمَّ إِن هَذَا مُخَاطب
بِالصَّلَاةِ وَلَو لم يكن أَهلا مَا خُوطِبَ، كَالصَّبِيِّ
وَالْمَجْنُون والمحدث مُخَاطب
(1/241)
بِالصَّلَاةِ، وعَلى هَذَا تخرج طَهَارَة
الْحَائِض فَإِنَّهَا شَرط أَهْلِيَّة فعل الصَّلَاة،
وَلِهَذَا لَو قدرت الْحَائِض على الطّهُور مَا جَازَ لَهَا
اسْتِعْمَاله، وَلَا قَضَاء مَا يفوتها من الصَّلَوَات ونمنع
الْإِعَادَة على قَول، وَقد يسوى بَين الطَّهَارَة والسترة فِي
الْإِعَادَة والإجزاء، وحرف الْمَسْأَلَة: أَن الطَّهَارَة
عندنَا شَرط أَدَاء الصَّلَاة، وَعِنْدهم شَرط أَهْلِيَّة
الْأَدَاء.
(1/242)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ)
: الطَّهَارَة الْكَامِلَة قبل لبس الْخُف (كح) :
الْمَذْهَب: شَرط لصِحَّة الْمسْح.
عِنْدهم: لَا تشْتَرط للبس بل للْحَدَث.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى أَبُو بكرَة الْخَبَر إِذا تطهر وَلبس خفيه، فاستدلالنا
بِالشّرطِ، لَا بِمَفْهُوم الْخطاب؛ لِأَن (إِذا) كلمة شَرط
وَمُطلق الطَّهَارَة ينْصَرف إِلَى جَمِيعهَا، لَا إِلَى
بَعْضهَا.
لَهُم:
روى عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه أرخص أَن يمسح
الْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام بليالهن، والمقيم يَوْمًا
وَلَيْلَة، وَأطلق.
(1/243)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كَمَال الطَّهَارَة شَرط الْمسْح، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن
يعْتَبر ليُصَلِّي، أَو ليلبس وَلَا يُقَال يعْتَبر ليُصَلِّي؛
لِأَن الصَّلَاة تستباح بِالْمَسْحِ، وَالْحَدَث يَتَخَلَّل
ذَلِك بَقِي أَن يعْتَبر صِحَة اللّبْس.
لَهُم:
الْوضُوء للوضاءة والنظافة، وَلَيْسَ فِي الْمسْح ذَلِك إِلَّا
أَن الشَّرْع أَقَامَ الْخُف مقَام الرجل فَمنع الْخُف سريان
الْحَدث إِلَيْهَا فَلَا يخْتَلف لبسه بالأحوال وَلِهَذَا جعل
ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين الْحَدث؛ لِأَن الْآن تحققت
الْحَاجة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالَ مشايخهم: دوَام اللّبْس بِمَثَابَة ابْتِدَائه،
الدَّلِيل عَلَيْهِ الْبر والحنث، فَإِنَّهُ لَو حلف لَا لبس
الْخُف وَهُوَ لابس حنث إِن استدام فَإِذا لبس وتطهر،
فَكَأَنَّهُ
(1/244)
لبس بعد التَّطْهِير يلْزمهُم على هَذَا
أَن من تطهر وَلبس خفيه، ثمَّ أحدث لَا يجوز لَهُ الْمسْح،
حَيْثُ اسْتِدَامَة اللّبْس كابتدائه فَكَأَنَّهُ قد ابْتَدَأَ
اللّبْس بعد الْحَدث، وَلَا يستبعد نزع الْخُف ولبسه، فَإِن
الْمحرم إِذا كَانَ فِي يَده صيد ثمَّ تحلل لَا يجوز لَهُ أَن
يملكهُ حَتَّى يُرْسِلهُ، ثمَّ يعود لأَخذه، وللشرع تعبدات لَا
تعقل، ونرى هَذَا فِي تَصَرُّفَات كَثِيرَة، فَإِن الْحَاكِم
إِذا تعدى ولَايَته قيد شبر وَسمع بَيِّنَة ثمَّ عَاد إِلَى
بَلَده لزمَه إِعَادَة السماع، وَالْمَقْصُود من الشَّهَادَة
إِعَادَة الْفَهم، وَذَلِكَ لَا يخْتَلف بالأمكنة وَلَا نسلم
أَن الْخُف يمْنَع من تلبس الْحَدث بِالرجلِ، فَإِن الْحَدث
يَتَجَدَّد من الْبَاطِن ثمَّ الْحَدث لَا يَزُول عَن الْقدَم،
بِدَلِيل مَا لَو انخرق الْخُف، أَو انْقَضتْ الْمدَّة بِأَن
الْحَدث من ذَات الْمُحدث، وَالْمسح رخصَة، فالطهارة عندنَا
شَرط اللّبْس فتتقدم عَلَيْهِ، وَعِنْدهم ترَاد حَتَّى إِذا
أحدث بعد اللّبْس وَالطَّهَارَة لم يسر الْحَدث إِلَى الرجل.
(1/245)
فارغة
(1/246)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ)
: إِذا مسح فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر (كط) :
الْمَذْهَب: أتم مسح مُقيم.
عِنْدهم: أتم مسح مُسَافر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} الْآيَة.
مقتضاها: إِيجَاب غسل الرجل إِلَّا فِيمَا استثنته السّنة
بِحكم الرُّخْصَة للمقيم وَالْمُسَافر، وَالْمُطلق لكل وَاحِد
مِنْهُمَا من أول مسحة إِلَى آخِره لاقتران وصف الْحَالة
بِالْمَسْحِ، وَهَذَا لم يكن مُسَافِرًا فَكيف يمسح مسح
مُسَافر؟
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " يمسح الْمُسَافِر ثَلَاثَة
أَيَّام "، وَهَذَا مُسَافر.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
المسحات أخذت حكم فعل وَاحِد وَعبادَة وَاحِدَة، وَقد اجْتمع
فِيهَا
(1/247)
الْحَضَر وَالسّفر فغلب الْحَضَر، دَلِيل
الِاتِّحَاد إرادتها لشَيْء وَاحِد وَهُوَ اسْتِبَاحَة
الصَّلَاة عندنَا، وَالْمَنْع من السريان عنْدكُمْ، وَمَا
أُرِيد لوَاحِد فَحكمه وَاحِد كَالْوَطْءِ فِي الْمهْر
وَالْحَد، ويرجح الْحَضَر؛ لِأَنَّهُ أفضل.
لَهُم:
المسحات تتجزأ فَيثبت لكل وَاحِدَة حكم، كَمَا لَو دخل وَقت
الظّهْر ثمَّ سَافر قبل الْعَصْر قصر، وَدَلِيل التجزي: تكررها
وَدخُول الْحَدث بَينهَا، ثمَّ يَخْتَلِفَانِ أصلا فَتَصِح
وَاحِدَة وتفسد وَاحِدَة، فاختلفا وَصفا كَصَوْم رَمَضَان.
مَالك: الْمُسَافِر يمسح بِغَيْر تأقيت.
أَحْمد: ق.
التكملة:
كَون المسحات ينْفَصل بَعْضهَا من بعض لَا يدل على أَنَّهَا
لَيست عبَادَة وَاحِدَة كَالْحَجِّ، وبالحج أَيْضا نجيب عَن
كَون فَسَاد الْبَعْض لَا يفْسد الْبَعْض، وَلَا خلاف أَن مبدأ
الْمدَّة من حِين الْحَدث، وَلِهَذَا قَالَ الْمُزنِيّ: إِن من
(1/248)
أحدث فِي الْحَضَر أتم مسح مُقيم، وَالْحق
أَن من لبس خفه وَهُوَ مُقيم فَلَا يطهر لنا عزمه على السّفر
أَو الْإِقَامَة، وَلَا بحدثه يسْتَدلّ على إِقَامَته فَرُبمَا
كَانَ لضَرُورَة، أما إِذا مسح فِي الْحَضَر تَبينا أَنه
مُقيم، ثمَّ إِن نفس الْمدَّة لَا ترَاد لعينها إِنَّمَا ترَاد
للمسح غير أَن ذَلِك يخْتَلف وَلَا يُمكن ضَبطه فضبطناه
بالمدة، والمدة إِن لم تكن عبَادَة فالمسح فِيهَا عبَادَة،
فَإِن قَالُوا: يَنْبَغِي أَن لَا يمسح مسح مُقيم؛ لأَنا مَا
تحققنا حَاله وَلَيْسَ بمقيم مَحْض، فَالْجَوَاب: أَن حملنَا
على الْأَقَل من حالتيه، وَهِي الْإِقَامَة فَإِن الْمسْح
جَائِز بِالْجُمْلَةِ وَلَا يَخْلُو أَن يكون مُقيما أَو
مُسَافِرًا، وَبِالْجُمْلَةِ المسحات عندنَا تجْرِي مجْرى
الْعِبَادَة الْوَاحِدَة، وَعِنْدهم تجْرِي مجْرى
الْعِبَادَات.
(1/249)
(الْمَسْأَلَة الثَّلَاثُونَ)
: إِذا انْقَطع دم الْحَائِض لأقله (ل) :
الْمَذْهَب: لَا يحل وَطْؤُهَا وَلَا لأكثره.
عِنْدهم: يحل لأكثره، وَإِذا مضى على أَقَله وَقت صَلَاة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا تطهرن فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم
الله} والتطهير: الِاغْتِسَال. قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم
جنبا فاطهروا} .
لَهُم: ... .
(1/250)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
طهرت وَلم تتطهر فَلَا يجوز وَطْؤُهَا، كَمَا لَو انْقَطع
الدَّم لأقله.
وَمَعْنَاهُ وَلم يغْتَسل، وفقهه أَن حدث الْحيض وَالْوَطْء
يحْتَاج إِلَى الِاحْتِيَاط فِيهِ، وَلَئِن زَالَ الْحيض فقد
زَالَ إِلَى خلف وَهُوَ الْحَدث
لَهُم:
انْقَطع حَيْضهَا بِيَقِين فَحل للزَّوْج وَطْؤُهَا كَمَا لَو
اغْتَسَلت، دَلِيل
(1/251)
الدَّعْوَى: أَنه لَو عَاد الدَّم كَانَ
اسْتِحَاضَة، وَالْعلَّة فِي تَحْرِيم الْوَطْء هُوَ الْحيض
وَإِلَّا الْمُحَلّل قَائِم فَيَعُود إِلَى الأَصْل عِنْد
زَوَال الْحيض.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
إِن عَلقُوا حل الْوَطْء على حل الصَّوْم ألزمناهم الَّتِي
يَنْقَطِع دَمهَا لدوّنَ الْمدَّة، فَإِنَّهَا لَا تَصُوم،
ثمَّ نقُول: الصَّوْم عبَادَة يحْتَاط لإيجابها، أما الْوَطْء
فالغالب فِيهِ تَحْرِيم الْفِعْل، فَأَما قَول أبي زيد زَالَ
حَيْضهَا يَقُول: زَالَ مُطلقًا لَا نسلم زَالَ إِلَى خلف،
وَهُوَ الْحَدث نسلم، ونفرق بَين حدث الْحيض، وَحدث
الْجَنَابَة، فَإِن حدث الْجَنَابَة من الْوَطْء فَلَا يحرم
الْوَطْء، أما الْحيض فنفسه تَحْرِيمه للْوَطْء، فَكَذَلِك
حَدثهُ، قَوْلهم فِي أدون الْحيض نوجب الْغسْل عَلَيْهَا
ليَكُون فِي عداد الطاهرات، الْجَواب: اجعلوا وجوب الْغسْل
عَلَيْهَا وَاجِبا فِي الْفرق بَينهَا وَبَين الْحيض بِأَن
الْحَائِض لَا يجب الْغسْل عَلَيْهَا، فَلَمَّا اعتبروا
الْغسْل دلّ على وُجُوبه فِي أدنى الْحيض
(1/252)
وَأَكْثَره وَحدث الْحيض عندنَا قَامَ
مقَام الْحيض فِي تَحْرِيم الْوَطْء خلافًا.
(1/253)
فارغة
(1/254)
|