تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة

 (كتاب الصَّلَاة)

(1/255)


فارغة

(1/256)


(كتاب الصَّلَاة)

(1/257)


فارغة

(1/258)


لوحة 18 من المخطوطة أ:
" الْأَفْعَال ثَلَاثَة فعل لَا عِقَاب فِي تَركه (مُطلقًا وَهُوَ النّدب، وَفعل يُعَاقب على تَركه) مُطلقًا وَهُوَ الْفَرْض، وَالْوَاجِب مثله، وهما اسمان مُتَرَادِفَانِ، وَفعل يُعَاقب عَلَيْهِ بِالْإِضَافَة إِلَى مَجْمُوع الْوَقْت، لَكِن لَا يُعَاقب بِالْإِضَافَة إِلَى بعض أَجزَاء الْوَقْت، وَيحْتَاج هَذَا إِلَى اسْم ثَالِث وتسميته وَاجِبا (أولى لِأَنَّهُ كَذَا) يَنْوِي وَكَذَا يَقع، وَلَيْسَ هَذَا لتعجيل الزَّكَاة؛ لِأَنَّهُ لم ينْو التَّعْجِيل وَلَا يجوز أَن تقع نفلا؛ لِأَنَّهُ لَا يجوز نِيَّة النَّفْل فِيهِ، فعلى هَذَا لَو مَاتَ فِي أثْنَاء الْوَقْت، فَإِن قَالُوا جَازَ لَهُ التَّأْخِير بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة، فَالْجَوَاب أَن الْعَاقِبَة مستورة عَنهُ فَكيف يتضمنها خطابه وَلَو سَأَلنَا عَن التَّأْخِير أجزناه لَهُ، وَهَذَا فصل يستظهر بِهِ فِي مَسْأَلَة اسْتِقْبَال الْقبْلَة "، وَهُوَ أَن مدرك الشُّرُوط والأسباب غير مدرك الْعِبَادَات إِذْ الْعِبَادَات تتلقى (من) الْأَمر وَالنَّهْي، والشروط والأسباب تتلقى وَصفا من الشَّرْع بِأَن يَقُول: جعلت البيع سَبَب الْملك والمماثلة شَرطه وَالنِّكَاح سَبَب الْحل وَالشَّهَادَة شَرطه، فخطاب الشَّرْع على ضَرْبَيْنِ: خطاب تَكْلِيف، وَذَلِكَ

(1/259)


يَقْتَضِي فهما عَاقِلا، فَلَو اخْتَلَّ بعض (هَذَا) الشَّرْط اخْتَلَّ الْخطاب، وَالْآخر خطاب إِخْبَار وَهُوَ أَن يَقُول وضعت هَذَا سَببا، وَهَذَا شرطا فَلَا يَسْتَدْعِي هَذَا الْخطاب قيام الْعقل والفهم، بل كل من اجْتمع لَهُ السَّبَب بِشَرْطِهِ حصل لَهُ الحكم. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: كل مُجْتَهد مُصِيب، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الْمُصِيب أحد الْمُجْتَهدين، فنحقق هَذَا ونقول: الْمُجْتَهد فِي تَنْقِيح المناط مُصِيب (من) الْجَانِبَيْنِ.
والمجتهد فِي تَحْقِيق المناط الْمُصِيب (وَاحِد) مِثَاله: (الْبر رِبَوِيّ) .
وَالِاجْتِهَاد فِي الْعلَّة، وكل مُجْتَهد مُصِيب عِنْد الله، فَلَيْسَ عِنْد الله عِلّة متعينة قبل الِاجْتِهَاد، وَهِي بعد الِاجْتِهَاد الطّعْم عِنْد الشَّافِعِي، والكيل عِنْد أبي حنيفَة، وَيجوز أَن يثبت حكم فِي شخص دون شخص،

(1/260)


كَالصَّلَاةِ للحائض والطاهر، أما إِذا اجْتَمعُوا على أَن الطّعْم علته، وَاخْتلفُوا فِي أَن هَذِه مطعومة لم يكن (السَّبَب إِلَّا وَاحِدًا) فَالْأول تَخْرِيج المناط، وَالثَّانِي تَحْقِيق المناط، ثمَّ الْمُصَلِّي مَأْمُور بالتوجه إِلَى عين الْكَعْبَة أَو إِلَى الْجِهَة لَا قصدا للجهة، بل للعين، بل يتَيَقَّن الشَّرْط لَا لأجل الشّطْر، بل لأجل الْعين، ثمَّ الِاجْتِهَاد لَا لحقيقة بل لإصابة الشّطْر الْقَائِم (مقَام الْجِهَة الْقَائِمَة) مقَام الْعين، فَإِذا بَان الْخَطَأ لم يعد الِاجْتِهَاد، وَالِاجْتِهَاد يبْنى على مقدمتين الْعَلامَة كالجدي مثلا، وَأَن هَذَا الجدي فلولا خَطؤُهُ من إِحْدَى المقدمتين لم يلغط وَصَارَ كَالْحكمِ إِذا استبان خطأه (فِي الثَّوْبَيْنِ والإناءين) وكما لَو تمّ ذَلِك فِي الْبُنيان فكثيرا مَا

(1/261)


يدْخل الْإِنْسَان دَارا ويعتقد أَن هَذِه الْقبْلَة وَيُصلي إِلَيْهَا.

(1/262)


(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ)
: وجوب الصَّلَاة (لَا) :
الْمَذْهَب: بِأول الْوَقْت وجوبا موسعا.
عِنْدهم: بآخر الْوَقْت.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} . علق الْوَاجِب بِالْوَقْتِ، فمحله جَمِيع أَجْزَائِهِ.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَتى علق شَيْء بِوَقْت كَانَ مَحَله جَمِيع أَجْزَائِهِ، كالسيد إِذا أَمر عَبده بخياطة ثوب فِي يَوْم الْجُمُعَة، فَأَي وَقت خاطه من الْيَوْم امتثل، وَفِي

(1/263)


الْوَاجِبَات مَا هُوَ بِقدر الْوَقْت كَالصَّوْمِ، وَمِنْهَا مَا يفضل عَنهُ الْوَقْت كمسألتنا ثمَّ لَو أدّى فِي أول الْوَقْت سقط الْفَرْض.
لَهُم:
مُقْتَضى الْوُجُوب الموسع التَّخْيِير بَين الْفِعْل وَالتّرْك، وَذَلِكَ من عَلَامَات النَّفْل، وَلَو كَانَت قد وَجَبت بِأول الْوَقْت مَا وَجَبت بِآخِرهِ، وَلَو سَافر بعد أَن مضى من الْوَقْت قدر الصَّلَاة قصر، وَلَو وَجَبت بِأول الْوَقْت مَا قصر، وَيدل عَلَيْهِ أَنه لَو مَاتَ لم يعْص بِالتَّأْخِيرِ.
مَالك: ق.
أَحْمد:.
التكملة:
أشبه بِمَسْأَلَة الْحَج يتَأَخَّر وَلَا يتْرك وتشبه الدّين الْمُؤَجل يجوز تأديته فِي أول الْمدَّة موسعا، وَفِي آخرهَا يجب مضيقا، قَوْلهم: لَا يعْصى لَو مَاتَ بعد تكنه من الْأَدَاء، وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ: لَا يعْصى إِلَّا أَن تظهر لَهُ أَمَارَات الْمَوْت، وَمنع الْمُزنِيّ مَسْأَلَة الْقصر وَقَالَ: لَا يقصر، وَقَالَ

(1/264)


الْأَصْحَاب: الْقصر والإتمام من صِفَات الصَّلَاة، لَا من صِفَات الْوُجُوب فَتعْتَبر صفتهَا حَالَة أَدَائِهَا كمن كَانَ مَرِيضا فِي أول الْوَقْت لَا يسْتَقلّ بِالْقيامِ، وَصَحَّ فِي آخِره، فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْقيام، فَإِن قَالُوا: إِذا صلى أول الْوَقْت وَقعت نفلا، فَهَذَا مَا صَار إِلَيْهِ أحد، وَلَا يشبه تَعْجِيل الزَّكَاة؛ لِأَنَّهُ يَنْوِي بِالصَّلَاةِ الْأَدَاء، بِخِلَاف الزَّكَاة، وَاعْلَم أَن من مَذْهَبهم أَنه إِذا صلى فِي أول الْوَقْت وَقعت مُرَاعَاة فَإِن بَقِي إِلَى آخر الْوَقْت على صفة تلْزمهُ الصَّلَاة فَمَا أَدَّاهُ كَانَ فرضا، وَإِن لم يبْق بَان أَنَّهَا نفل.

(1/265)


فارغة

(1/266)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ)
: الْإِقَامَة كم هِيَ (لب) :
الْمَذْهَب: فُرَادَى سوى لفظ الْإِقَامَة فَهِيَ إِحْدَى عشرَة لَفْظَة.
عِنْدهم: مثنى.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان، ويوتر الْإِقَامَة إِلَّا الْإِقَامَة، وَكَانَ أَوْلَاد أبي مَحْذُورَة يعتمدون مَذْهَبنَا حَتَّى استولى

(1/267)


الفاطميون سنة 362، وَفِي الْبَاب أَخْبَار كَثِيرَة.
لَهُم:
روى عَن أبي مَحْذُورَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام علمه الْإِقَامَة تسع عشرَة لَفْظَة، وَالْأَذَان سبع عشرَة لَفْظَة، وأخبار أخر.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْأَذَان لإعلام الْغَائِب، فَكَانَ شفعا، وَالْإِقَامَة للحاضر فَكَانَت وترا ثمَّ من الْوَاجِب الْفرق بَينهمَا ليعرفا، وَلَا تَكْفِي الْإِقَامَة فرقا؛ لِأَنَّهَا تَأتي بآخرها.
لَهُم:
الْإِقَامَة كالأذان فِي قصد الْإِعْلَام وَتَحْصِيل الثَّوَاب، وَقد زَادَت بِلَفْظَة الْإِقَامَة فَلَا أقل من تساويهما وَالتَّكْبِير فِي آخرهَا مرَّتَيْنِ، فَيجب أَن تكون فِي أَولهَا أَرْبعا، ثمَّ لفظ الْإِقَامَة مثنى، وَهُوَ الأَصْل فَحمل الْجَمِيع عَلَيْهِ.

(1/268)


مَالك: وَافق، إِلَّا أَن لفظ الْإِقَامَة فَرد.
أَحْمد: ق.
التكملة:
القَوْل الْقَدِيم لنا أَن لفظ الْإِقَامَة أَيْضا وتر فَيخرج بذلك عَن الْإِلْزَام وعَلى القَوْل الثَّانِي هُوَ مثنى، لِأَنَّهُ مَا جَاءَ إِلَّا الْآن فَيَقْضِي حَقه بتكراره، صَار إِلَى مَذْهَبنَا من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن عمر وَمن الْأَئِمَّة: مَالك وَإِسْحَاق والحنظلي وَأحمد وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة.
قَالَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة يذكر الْفُقَهَاء السِّتَّة وَهُوَ سابعهم:

(1/269)


(أحبك حبا لَا يحبك مثله ... قريب وَلَا فِي العاشقين بعيد)

(وحبك يَا أم الْبَنِينَ مدلهي ... شهيدي أَبُو بكر فَنعم شَهِيد)

(وَيعرف وجدي قَاسم بن مُحَمَّد ... وَعُرْوَة مَا ألْقى بكم وَسَعِيد)

(1/270)


(وَيعلم مَا أخْفى سُلَيْمَان بعده ... وخارجة يبدى لكم وَيُعِيد)

(مَتى تسألي عَمَّا أَقُول وتخبري ... فَللَّه عِنْدِي طارف وَتَلِيدُ)

(1/271)


فارغة

(1/272)


(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ)
: إِذا اشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة (لج) :
الْمَذْهَب: يُعِيد فِي أحد الْقَوْلَيْنِ.
عِنْدهم: لَا يُعِيد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} ، ونتمسك بِالْعُمُومِ.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} . قَالَ عَامر بن ربيعَة: كُنَّا فِي سفر فاشتبهت علينا الْقبْلَة، فصلينا إِلَى جِهَة، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا تَيَقنا الْخَطَأ وحكينا ذَلِك للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَنزلت هَذِه الْآيَة.

(1/273)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَا أَتَى بِمَا أَمر بِهِ فَوَجَبت عَلَيْهِ الْإِعَادَة كَسَائِر الْأَوَامِر؛ لِأَنَّهُ مَأْمُور بالتوجه إِلَى الشّطْر والاشتباه عَارض يرْتَفع والمأمور بِهِ مُمكن الْوُقُوع فَصَارَ كالتحري فِي الثِّيَاب، والأواني وكالحاكم إِذا أَخطَأ النَّص.
لَهُم:
الشَّرْع لَا يُكَلف محالا، وَحَالَة الِاشْتِبَاه لَيْسَ فِي وَسعه إِدْرَاك الْجِهَة، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد ليتوجه إِلَى حَيْثُ يَظُنّهُ شطرا، وَقد فعل الْمَأْمُور بِهِ فبرئت ذمَّته، وَلِهَذَا لَو صلى إِلَى غير جِهَة اجْتِهَاده وصادف الشّطْر أعَاد فحاضر الْكَعْبَة هِيَ تعبده، وَتعبد الْغَائِب الشّطْر إِن علم وَالِاجْتِهَاد إِن جهل.
مَالك: وَافق أَبَا حنيفَة رحمهمَا الله.
أَحْمد: وَافق أَبَا حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا.
التكملة:
خبرهم فِي سَنَده ضَعِيف، وَآيَة وَردت فِي النَّفْل، فَإِن قَالُوا: الأَصْل التَّوَجُّه إِلَى الله تَعَالَى أُقِيمَت الْكَعْبَة مقَامه، قُلْنَا: الْخلف بعد تصور الأَصْل وَالله لَيْسَ فِي جِهَة دون جِهَة، ... ... ... ... ... ... ... ... ...

(1/274)


وَأما الْحَاج إِذا أخطئوا يَوْم عَرَفَة نمْنَع وتلزمهم إِعَادَة، وَإِن سلمنَا سُقُوط الْإِعَادَة لأجل الْمَشَقَّة، ثمَّ الْخَطَأ ثمَّ (فِي ركُوب) أَرْكَان الْعِبَادَة هَاهُنَا الْخَطَأ فِي أصل الْعِبَادَة.
وَأما صَوْم الْأَسير فَإِن صَادف شعْبَان لم يجزه، وَإِن صَادف شَوَّال أَجزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَو ترك صَوْم رَمَضَان عَامِدًا أَجزَأَهُ شَوَّال، لَو ترك الْقبْلَة عَامِدًا لم يجزه، وَفِي صلَاته إِلَى أَربع جِهَات منع. وَأما حَال المسايفة وَالنَّفْل فِي السّفر فَهَذِهِ أعذار أسقطت التَّوَجُّه إِلَى الْكَعْبَة. أما إِذا اجْتهد وَخَالف اجْتِهَاده وصادف الْقبْلَة نمْنَع ونقول: لَا يُعِيد، وَإِن قُلْنَا: يُعِيد؛

(1/275)


فَلِأَنَّهُ لم يبن على دَلِيل وَهَذَا إِلْزَام عكس الْعلَّة، فَإِنَّهُ يروم أَن يبين أَن صلَاته صَحِيحَة، إِذا وَافَقت اجْتِهَاده بِأَنَّهَا تبطل إِذا خَالَفت اجْتِهَاده، وَإِن صلى إِلَى الْكَعْبَة، وَلَعَلَّ لصِحَّة الصَّلَاة مَعَ مصادفة الْعين شَرط آخر، وَهُوَ الْبناء على طمأنينة، وَإِن عللوا فرض الْجِهَة ليَكُون متأديا فِي صلَاته، وَذَلِكَ يحصل بِمَا يَظُنّهُ جِهَة، وَهَذَا بَاب إِن فتح هدم قوانين الشَّرِيعَة، فَإِنَّهُ يَقُول: الْخمر حرمت للْفَسَاد فتباح لمن لَا يفْسد.

(1/276)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ)
: الصَّبِي إِذا صلى أول الْوَقْت وَبلغ فِيهِ (لد) :
الْمَذْهَب: لَا يجب عَلَيْهِ إِعَادَة الصَّلَاة.
عِنْدهم: يُعِيد وَهُوَ القَوْل الآخر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .

(1/277)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أدّى وَظِيفَة الْوَقْت فَخرج الْوَقْت عَن الْوُجُوب، أَو نقُول: لم يدْرك وَقت الْوُجُوب فَلَا يجب، وَذَلِكَ لِأَن الْوَقْت لَيْسَ لَهُ، إِلَّا وَظِيفَة وَاحِدَة وَصَارَ كالمتيمم إِذا صلى فِي أول الْوَقْت وَوجد المَاء فِي آخِره لَا يُعِيد وَصَارَ الْوَقْت فِي حَقه كالمنقضي، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَة إِذا صلت أول الْوَقْت وَانْقطع الدَّم.
لَهُم:
أدّى النَّفْل فَلَا يسْقط عَنهُ الْفَرْض كَالْبَالِغِ، لِأَن الْبلُوغ شَرط التَّكْلِيف وحد الْوَاجِب مَا تعرض للثَّواب يَفْعَله، وَالْعِقَاب بِتَرْكِهِ، وَلَا يتَصَوَّر هَذَا فِي حق الصَّبِي، ونقول: عبَادَة بدنية تفْتَقر إِلَى النِّيَّة فَلم تصح من الصَّبِي كَالْحَجِّ.
مَالك: وَافق أَبَا حنيفَة رحمهمَا الله.
أَحْمد:

(1/278)


التكملة:
إِنَّمَا لزم الصَّبِي إِعَادَة الْحَج؛ لِأَنَّهَا عبَادَة الْعُمر فأداؤها فِي أكمل حالاته أحسن، ونسلم أَنَّهَا نفل، لَكِن إِذا أَدَّاهَا فِي أول الْوَقْت فقد أدّى وظيفته، ثمَّ نقُول: تكون مُؤَقَّتَة، فَإِن بلغ فِي آخر الْوَقْت قُلْنَا: إِنَّهَا كَانَت فرضا، وَصَارَ كمن عجل الزَّكَاة، وَالْفِقْه فِيهِ أَن الصَّبِي بمَكَان مرحمة، وَالشَّرْع ينظر لَهُ، وَمن النّظر لَهُ أَن يكون هَذَا الْمُؤَدِّي غير سَاقِط عَنهُ كَمَا قُلْتُمْ فِي عبد أجر نَفسه بِغَيْر إِذن سَيّده إِنَّه لَا يَصح، فَلَو أَنه اسْتهْلك مَنَافِعه وَقعت الْأُجْرَة للسَّيِّد فَكَذَا هَاهُنَا هَذِه الصَّلَاة لَا تجب عَلَيْهِ فِي أول الْوَقْت، لَكِن إِذا أَدَّاهَا وَبلغ حسبت لَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَو أوصى الصَّبِي صحت وَصيته نظرا لَهُ مَعَ فَسَاد تَصَرُّفَاته؛ لِأَنَّهُ إِن عَاشَ فَلهُ أَن يرجع، وَإِن مَاتَ صرف مَاله إِلَى مَا أحبه وَلَيْسَت حَالَة بُلُوغ مراهق حَالَة نادرة، نعم صبي أَعقل من الْبَالِغين نَادرا، ثمَّ عنْدكُمْ أَن الصَّلَوَات تجب بآخر الْوَقْت، وَحَيْثُ تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة يكون مُخَاطبا، وَقد أَدَّاهَا فِي أول الْوَقْت فقد أدّى وَظِيفَة الْوَقْت.

(1/279)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ)
: الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الآخرتين (لَو) :
الْمَذْهَب: وَاجِبَة.
عِنْدهم: يخْتَار بَين الْقِرَاءَة وَالتَّسْبِيح.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
لما علم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الْأَعرَابِي الصَّلَاة ذكر الْقِرَاءَة وَقَالَ: كَذَلِك فافعل، وَالْقِرَاءَة فعل اللِّسَان.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: الْقِرَاءَة فِي الأولتين قِرَاءَة، وَفِي الآخرتين؛ أَي تنوب عَنْهَا.
وَرُوِيَ عَن عَليّ، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

(1/280)


وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: إِن شَاءَ قَرَأَ وَإِن شَاءَ سبح، وَقَالَت عَائِشَة: فرضت الصَّلَاة فِي الأَصْل رَكْعَتَيْنِ زيدت فِي الْحَضَر، وقررت فِي السّفر.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْقيَاس قِيَاس شبه، وَهُوَ أَن يلْحق الآخرتين بالأولتين، وإلحاق بعض

(1/281)


الشَّيْء بِبَعْضِه مخيل.
لَهُم:
الركعتان الآخرتان زائدتان، بِدَلِيل خبر عَائِشَة، وَالْأَصْل اثْنَتَانِ وَكَذَلِكَ شرعت النَّوَافِل، ثمَّ إِنَّا مأمورون بِالصَّلَاةِ، وَهِي فعل مُجَرّد وَكَذَا كَانَت صدر الْإِسْلَام حَتَّى نزل {فاقرءوا مَا تيَسّر مِنْهُ} ، وَالْأَمر الْمُطلق لَا يَقْتَضِي التّكْرَار، فوجوب الْقِرَاءَة فِي الأولتين إِجْمَاعًا، فَلَا تلتحق بهَا الآخرتان.
مَالك: تجب الْقِرَاءَة فِي مُعظم الصَّلَاة.
أَحْمد: ق.
التكملة:
إِن صَحَّ منقولهم، فَمَعْنَاه أَن الْقِرَاءَة فِي الأولتين كالقراءة فِي الآخرتين كَمَا يُقَال: كَلَام الْوَزير كَلَام الْأَمِير وَأَبُو، ... ... ... ... ... ... ...

(1/282)


يُوسُف أَبُو حنيفَة، وَقَول عَليّ وَابْن مَسْعُود قَول آحَاد الصَّحَابَة، وَإِنَّمَا الْحجَّة فِي الْإِجْمَاع، فَإِن قَالُوا: لَا يسن قِرَاءَة السُّورَة فِي الآخرتين يمْنَع، وَإِن سلمنَا فَذَلِك لنَوْع تَخْفيف، فَإِن فرقوا بَين الْأَوَائِل والأواخر بالخفت والجهر بَطل بصلاتي الظّهْر وَالْعصر، وَلَيْسَ كلما يجْهر بِهِ وَاجِبا كالتكبير فِي فواصل الرَّكْعَات، وَلَا نسلم زِيَادَة الرَّكْعَتَيْنِ بل الشَّرِيعَة

(1/283)


وَردت شَيْئا فَشَيْئًا، وَلم يكن بَعْضهَا تبع بعض لتأخره عَنهُ، وَلَا نسلم أَن الصَّلَاة كَانَت فعلا مُجَردا، وَإِن سلمنَا فَبعد أَن فرضت الْقِرَاءَة صَارَت أصلا، وَأما حذفهَا فِي السّفر فعلى خلاف الأَصْل لَا جرم. قُلْنَا: هُوَ رخصَة، ثمَّ نقُول: الْقِرَاءَة تجب للتمييز بَين عبَادَة الْوُقُوف وَالْعَادَة، فَإِن ألزمونا التَّشَهُّد الأول أَنه لَا يجب فِيهِ ذكر نمْنَع.

(1/284)


لوحة 19 من المخطوطة أ:
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (1) الْحَمد لله رب الْعَالمين (2) الرَّحْمَن الرَّحِيم (3) مَالك يَوْم الدّين (4) إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين (5) اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم (6) صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} آمين.
نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه من ترك حرفا فِي فَاتِحَة الْكتاب مُتَعَمدا بطلت صلَاته، هَذِه مُقَدّمَة، وَلَا خلاف أَن الْحَرْف المشدد بحرفين، هَذِه مُقَدّمَة تنْتج أَن من خفف حرفا مشددا عمدا بطلت صلَاته وَلذَلِك أثبتنا فَاتِحَة الْكتاب وفيهَا 14 تشديدة أعلمنَا عَلَيْهَا، وَاعْلَم أَن سِيبَوَيْهٍ جعل مخرج الضَّاد مُفردا وَهُوَ من أول حافة اللِّسَان وَمَا يَليهَا من الأضراس إِلَّا أَن قوما يخرجونها من الْجَانِب الْأَيْسَر من الْفَم، وَقوم من الْأَيْمن، وَلَيْث جعل مخرجها من مخرج الْجِيم والشين، وَأما

(1/285)


الظَّاء فمخرجها من طرف اللِّسَان وأطراف الثنايا.
وَاعْلَم أَن الصَّلَاة تشْتَمل على أَرْكَان ومسنونات وهيئات، وتتقدمها شَرَائِط، فالشرائط الَّتِي تقع خَارج الصَّلَاة، والأركان فِي أَثْنَائِهَا، والمسنونات مَا يجْبر بِالسُّجُود، والهيئات مَا عدا ذَلِك، فالشرائط هـ طَهَارَة بِمَاء طَاهِر، وَستر عَورَة بِثَوْب طَاهِر، ووقوف على بقْعَة طَاهِرَة، واستقبال الْقبْلَة، وَإِن كَانَت مَكْتُوبَة اشْترط الْعلم بِدُخُول الْوَقْت بِيَقِين أَو غَالب ظن، وَمن الْأَصْحَاب من يسدس بِالنِّيَّةِ، والأركان فِي الرَّكْعَة الأولى يَد (14) التَّكْبِير، وَالنِّيَّة، وَالْقِيَام (وَالْقِرَاءَة) ، وَالرُّكُوع، وطمأنينته، والاعتدال، وطمأنينته، والسجدة الأولى وطمأنينتها، والجلسة يبن السَّجْدَتَيْنِ، والسجدة الثَّانِيَة وطمأنينتها، وتفارق الرَّكْعَة الأولى الثَّانِيَة بِالتَّكْبِيرِ وَالنِّيَّة فَتبقى 12 ركنا، فَإِن كَانَ صبحا جلس للتَّشَهُّد الْأَخير وَفِيه (4) د أَرْكَان: الْجُلُوس، وَالتَّشَهُّد، وَالصَّلَاة على النَّبِي، والتسليمة الأولى فَتكون الْأَركان فِي الصُّبْح ل (30) ركنا، وَفِي الْمغرب مب (42) ركنا، وَفِي الرباعيات ند (54) ركنا، والمسنونات: الْجُلُوس للتَّشَهُّد الأول وَالتَّشَهُّد نَفسه وَالصَّلَاة على النَّبِي فِي قَول والقنوت، وَمَا عدا هَذَا هيئات.

(1/286)


وَاعْلَم أَن اللّحن الَّذِي لَا يحِيل الْمَعْنى مثل كسرة نون (نستعين) لَا تبطل، وَيكرهُ أَن يؤتم بِمن هَذِه صفته، واللحن الَّذِي يحِيل الْمَعْنى مثل رفع الْمَفْعُول إِن كَانَ فِي غير (الْفَاتِحَة) لعجز عَن التأدية لم تبطل؛ لِأَنَّهُ لَو ترك قِرَاءَة مَا زَاد على الْفَاتِحَة لم تبطل، وَإِن تعمد بَطل، وَيكرهُ التَّمام والأرت والألثغ، ويأتم بهؤلاء مثلهم.

(1/287)


(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ)
: قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة (لَو) :
الْمَذْهَب: ركن من تعمد تَركهَا بطلت صلَاته.
عِنْدهم: وَاجِبَة لَيست ركنا فَلَا تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا وَإِن عصى.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب "، وروى أَبُو هُرَيْرَة عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: " كل صَلَاة لَا

(1/288)


يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب فَهِيَ خداج " كَرَّرَه ثَلَاثًا.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فاقرءوا مَا تيَسّر مِنْهُ} ، هَذَا الْأَمر يقْضِي أَن تُجزئ الصَّلَاة بِأَيّ شَيْء قَرَأَ، فَمن قَيده بِشَيْء فقد نسخه، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا صَلَاة إِلَّا بقرآن "، وَقَالَ للأعرابي: اقْرَأ مَا تيَسّر.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْفَاتِحَة أشرف السُّور، وَالصَّلَاة أشرف الْأَحْوَال فَتعين الْأَشْرَف للأشرف.
لَهُم:
الْإِجْزَاء ثَابت فَلَا يُغير بِخَبَر الْوَاحِد، ونسلم أَن الْعِبَادَة يحْتَاط لَهَا

(1/289)


وَلذَلِك جَعَلْنَاهُ وَاجِبا، لَكِن الركنية تثبت بِأَمْر مَقْطُوع بِهِ، وَكَذَا قُلْنَا: السَّعْي وَاجِب لَا ركن، ثمَّ لَو تعيّنت الْفَاتِحَة للصَّلَاة هجر بَاقِي الْقُرْآن.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
أما قَوْله تَعَالَى: {فاقرءوا مَا تيَسّر مِنْهُ} ، فَهَذَا مُجمل فِي سُورَة مجملة طَوِيلَة وقصيرة، وَفَسرهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِفِعْلِهِ المتأكد، وَلَيْسَ التَّقْيِيد نسخا، إِنَّمَا هُوَ ضم حكم إِلَى حكم، ثمَّ الْقيام فِي الصَّلَاة مَا وَجب إِلَّا لأجل الْقِرَاءَة، فَإِن الْأَخْرَس يجب عَلَيْهِ الْقيام بِقدر الْفَاتِحَة عندنَا، وبقدر آيَة أَو ثَلَاث آيَات عنْدكُمْ فَدلَّ على أَن الْقِرَاءَة هِيَ الْمَقْصُود فَتَركهَا يبطل الصَّلَاة ويلزمهم الجلسة وَلَو ثبتَتْ بأخبار التَّوَاتُر مَا اخْتلف قَول أبي حنيفَة فِيهَا، فَإِن قَالُوا: الصَّلَاة أَفعَال، قُلْنَا: الَّذِي ورد الْأَمر بِالصَّلَاةِ، وَالْأَمر لَيْسَ بِفعل لَكِن وَجب الْفِعْل بِالْأَمر، قَوْلهم: الصَّلَاة كَانَت مجزئة قبل الْفَاتِحَة فَإِنَّهَا مَدَنِيَّة، قُلْنَا: الْأَحْكَام نزلت عقبه، فَبعد نزُول الْفَاتِحَة لَا إِجْزَاء، وَمَا نقلوه فِيهِ مطاعن، وتعليلهم بِأَنَّهُ إِذا داوم عَلَيْهَا نسي مَا عَداهَا يلْزمهُم مثله إِذا جعلوها وَاجِبَة.
وحرف الْمَسْأَلَة أَن تَقْيِيد مُطلق الْكتاب عندنَا يجْرِي مجْرى الْبَيَان،

(1/290)


وَعِنْدهم يجرى مجْرى النّسخ.

(1/291)


فارغة

(1/292)


(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ)
: الْبَسْمَلَة (لز) .
الْمَذْهَب: آيَة من الْفَاتِحَة وتتبعها فِي الْجَهْر.
عِنْدهم: لَيست من الْفَاتِحَة وَإِنَّمَا تكْتب فِي أَوَائِل السُّور تبركا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى طَلْحَة بن عبد الله عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: " من ترك بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، فقد ترك آيَة من كتاب الله "، وعد الْحَمد سبع آيَات مِنْهَا: الْبَسْمَلَة، وَقَوله لبريدة: أعلمك أَنه لم تنزل على نَبِي بعد

(1/293)


سُلَيْمَان غَيْرِي، وَعلمه الْبَسْمَلَة.
لَهُم:
روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِخْبَارًا عَن ربه عز وَجل: " قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ "، فَلَو أَن الْبَسْمَلَة مِنْهَا كَانَ إِلَى إياك نستعين أَرْبَعَة نصفا وَتبقى اثْنَتَانِ وَنصف.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
إِجْمَاع الصَّحَابَة على جمع الْقُرْآن بَين الدفتين والبسملة تخطه بقلم الْوَحْي مَعَ التحريج من الزِّيَادَة وَالنَّقْص حَتَّى منعُوا من كتبه بالأعداد والأعلام على الْآي والسور، وَاتَّفَقُوا على أَن مَا بَين الدفتين قُرْآن، وَلَو قصد بإثباتها الفواتح ثبتَتْ بَين الْأَنْفَال وَالتَّوْبَة.

(1/294)


لَهُم:
الْقُرْآن لَا يثبت إِلَّا تواترا، وَلَو كَانَت الْبَسْمَلَة مِنْهُ لثبتت بِثُبُوتِهِ، وَكَذَا الحكم فِي الْإِجْمَاع لم يَقع على كَونهَا مِنْهُ، إِذْ لَو كَانَ لكفر جاحده وَفسق مخالفه، ثمَّ الْكَوْثَر ثَلَاث آيَات، وَلَو أَنَّهَا مِنْهَا لكَانَتْ أَربع آيَات.
مَالك: لَيست قِرَاءَة إِلَّا فِي النَّمْل وَيقْرَأ فِي أَوَائِل السُّور بعد الْفَاتِحَة لَا فِي الْفَاتِحَة.
أَحْمد: وَافق إِلَّا فِي الْجَهْر.
التكملة:
لم يرد بقوله تَعَالَى: قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ التشطير وَإِنَّمَا المُرَاد جزءين، وَإِذا صَحَّ منقولهم لم يزدْ فِي الصِّحَّة على منقولنا فيتعارض التَّرْجِيح بمنقولنا؛ لِأَنَّهُ أَكثر وَأشهر ويتضمن زِيَادَة، وَالْأَخْذ بِالزَّائِدِ أولى، وَنحن لَا نثبت أَن الْبَسْمَلَة قُرْآن علما بل عملا، قَالَ أَبُو حنيفَة: تجب كَفَّارَة صِيَام الْيَمين ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات؛ لِأَن ابْن مَسْعُود قَرَأَ كَذَلِك، فَأثْبت هَذِه الْقِرَاءَة الشاذة عملا لَا علما، ثمَّ نقُول: الْإِجْمَاع

(1/295)


يَنْقَسِم إِلَى مَقْطُوع بِهِ ومستدل عَلَيْهِ، فالمقطوع بِهِ يكفر مخالفه وَصَارَ بِمَثَابَة الْحجر من الْبَيْت، فَإِن من لم يطف بِهِ أَو قَالَ: لَيْسَ من الْبَيْت لم يكفر، وَإِن كَانَ من اسْتحلَّ ترك الطّواف بِالْبَيْتِ يكفر، لَكِن لما كَانَ الْحجر من الْبَيْت مستدلا عَلَيْهِ لَا مَقْطُوعًا بِهِ لم يكفر.
وَالدَّلِيل على الْجَهْر مَعَ مَا جَاءَ فِيهِ من النَّص أَنه ذكر بَين الْقعُود وَالرُّكُوع فتبع الْقِرَاءَة فِي الْجَهْر كالحمدلة، وَأما فِي الْكَوْثَر فَهُوَ بعض آيَة وَيكون الْعدَد قبل نُزُولهَا، وَقد اخْتلف فِي قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْبَسْمَلَة هَل هِيَ آيَة من كل سُورَة، أَو هِيَ بعض الْآيَة فِي أول السُّورَة؟

(1/296)


(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ)
: قِرَاءَة الْفَاتِحَة خلف الإِمَام (لح) :
الْمَذْهَب: تجب على الْمَأْمُوم.
عِنْدهم: تكره.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب "، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَالِي أَرَاكُم تنازعوني الْقُرْآن لَا تَفعلُوا إِلَّا بِأم الْقُرْآن، فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بهَا ".
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} ، وروى جَابر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة ".

(1/297)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ركن فِي الصَّلَاة فَلَا تسْقط بالاقتداء كَسَائِر الْأَركان، ثمَّ الِاسْتِمَاع سنة وَالْقِرَاءَة ركن فَكيف يسْقط ركن بِسنة.
لَهُم:
من صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِإِمَام سَقَطت الْقِرَاءَة عَنهُ كالمسبوق بِرَكْعَة، وَلِأَن الْمَقْصُود من الْقُرْآن الْعَمَل بِهِ وتدبره وَذَلِكَ بالاستماع لَا بالمنازعة.
مَالك: لَا تجب إِذا جهر.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا.
التكملة:
تحمل الْآيَة العزيزة على الْإِنْصَات فِي الْخطْبَة، ثمَّ نقُول: يقْرَأ إِذا سكت الإِمَام وينصت إِذا قَرَأَ، فَإِن للْإِمَام سكتات إِذا تَركهَا عد مقصرا

(1/298)


هِيَ بعد التَّكْبِيرَة، وَبعد التَّأْمِين، وَقد جَاءَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: من صلى خلف إِمَام فليقرأ فِي سكتاته، ومنقولاتهم ضَعِيفَة، وَمِنْهَا مَا يحمل على صَلَاة الْجَهْر فعلى أحد الْقَوْلَيْنِ لَا تجب الْقِرَاءَة فِيهَا، ونقول: الِاعْتِدَاد بالركعة للمسبوق على خلاف الْقيَاس لنَصّ ورد بذلك، وَبِالْجُمْلَةِ الْقدْوَة لَا تسْقط فرض الْقِرَاءَة عندنَا، وَعِنْدهم تسْقط، وَعَلِيهِ مدَار الْمَسْأَلَة.

(1/299)


الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّلَاثُونَ: قِرَاءَة الْقُرْآن بِغَيْر لَفْظَة الْعَرَب (لط) :
الْمَذْهَب: لَا يجوز.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {فاقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} ، وَالْقُرْآن هُوَ الْعَرَبِيّ.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} ، {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} ، وَلَفظ الْقُرْآن لَيْسَ الصُّحُف وَلَا فِي الزبر. وَقَوله: {لينذركم بِهِ} ، وَفِي الْمُنْذرين عجم، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " نزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف " وروى أَن سلمَان، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

(1/300)


كتب الْفَاتِحَة بِالْفَارِسِيَّةِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
إعجاز الْقُرْآن لفظ وَمعنى، وَبِه تحدى؛ لِأَنَّهُ نظم لم يعْهَد، وَدَلِيل صدق الرَّسُول فَتجب الْمُحَافظَة عَلَيْهِ، وَلَا يجب حفظه إِلَّا فِي الصَّلَوَات، وَلَو عبر عَن الْقُرْآن بِشعر لم يجز، وَقد نقل إِلَى لفظ مَوْزُون فَكيف يجوز بِلَفْظ أعجمي؟
لَهُم:
لَيْسَ الْمَقْصُود أَعْيَان الْأَلْفَاظ، بل مَعَانِيهَا فَإِذا تأدت بِأَيّ لفظ كَانَ حصل الْفَرْض، وَصَارَ كإخبار الرَّسُول وكالشهادة تعبدنا فِيهَا بِلَفْظ أشهد فَلَا يقوم مقَامه أعلم. وَيجوز من هَذَا أَن يُقَام بِالْفَارِسِيَّةِ، وَكَذَا التَّسْمِيَة فِي الذَّبِيحَة.

(1/301)


مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
قَوْله تَعَالَى: {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} ، حجَّة عَلَيْهِم، فَإِنَّهُ لَو قرئَ بِمَا فِي الصُّحُف الأولى لم يجز، وَقد قيل: إِن الضَّمِير فِي الْآيَة عَائِد إِلَى الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَوْلهمْ: " أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف " حجَّة عَلَيْهِم أَيْضا؛ لِأَنَّهُ حصر فِي سَبْعَة وَلَا حصر عِنْدهم، قَالُوا: فقد قَرَأَ ابْن مَسْعُود طَعَام الْفَاجِر، قُلْنَا: كَانَ يلقن رجلا فَلم يفهم الأثيم فَقَالَ لَهُ الْفَاجِر مُفَسرًا، وَمن الْأَصْحَاب من منع نقل أَخْبَار النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِالْفَارِسِيَّةِ، وَمَعَ التَّسْلِيم فالمقصود مِنْهَا الحكم لَا اللَّفْظ بِخِلَاف الْكتاب الْعَزِيز، ثمَّ قد نقل الْقُرْآن على مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يجوز أَن يعبر عَنهُ بِغَيْر اللُّغَة الَّتِي نقل بهَا التَّوَاتُر وليت شعري كَيفَ يعبر عَن قَوْله تَعَالَى: {كهيعص (1) ذكر رحمت رَبك عَبده زَكَرِيَّا} وَقَوله: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} ، وَقَوله:

(1/302)


{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} وحرف الْمَسْأَلَة: أَن معجز الْقُرْآن عندنَا لفظ وَمعنى، وَعِنْدهم بِالْمَعْنَى.

(1/303)


(الْمَسْأَلَة الْأَرْبَعُونَ)
: رفع الْيَدَيْنِ عِنْد التَّكْبِير وَالرَّفْع مِنْهُ (م) :
الْمَذْهَب: يسن وَهِي هَيْئَة.
عِنْدهم: سنة فِي الِافْتِتَاح، بِدعَة فِي غَيره.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى نَيف وَثَلَاثُونَ نفسا من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم مِنْهُم عَليّ وَعمر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَتَّى تحاذي مَنْكِبَيْه، وَإِذا ركع، وَإِذا رفع، وَكَانَ لَا يرفع بَين السَّجْدَتَيْنِ.

(1/304)


لَهُم:
روى عَلْقَمَة قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ " أَلا أُصَلِّي لكم صَلَاة رَسُول الله وَصلى " وَلم يرفع يَدَيْهِ إِلَّا مرّة وَاحِدَة ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
صَلَاة يسْتَحبّ رفع الْيَدَيْنِ فِي افتتاحها فاستحب رفع الْيَدَيْنِ فِي أَثْنَائِهَا كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ.
لَهُم:
رفع الْيَدَيْنِ تحريكهما فِي الصَّلَاة وَلَيْسَ بِأَمْر شاق حَتَّى يتعبد بِهِ ليتَحَقَّق الِابْتِلَاء وَهُوَ يشبه الْعَبَث، لَكِن الشَّرْع ورد بِهِ فِي افْتِتَاح الصَّلَاة فبقينا فِيمَا عداهُ على الأَصْل.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالُوا: صَلَاة الْعِيد تَكْبِيرَات يُؤْتى بهَا حَال الْقيام، وَفِي مَسْأَلَتنَا تَكْبِيرَة يُؤْتى بهَا فِي غير حَال الْقيام فَلم يسْتَحبّ رفع الْيَدَيْنِ فِيهَا كتكبيرة السُّجُود.

(1/305)


الْجَواب: معنى الأَصْل تبطل بِصَلَاة الْجِنَازَة، فَإِنَّهَا فِي حَال الْقيام وَلَا ترفع الْيَد فِيهَا، وَمعنى الْفَرْع لَا تصح؛ لِأَن التَّكْبِير بَين السَّجْدَتَيْنِ فِيهِ وَجْهَان (فِي أَحدهمَا) يسْتَحبّ الرّفْع ثمَّ تَكْبِيرَة بَين السَّجْدَتَيْنِ يتَّصل طرفها بسجود أَو قعُود، وَهَذِه التَّكْبِيرَة لَا يتَّصل طرفها بسجود وَلَا قعُود فَهِيَ كتكبيرة الِافْتِتَاح، وَبِالْجُمْلَةِ مدَار الْمَسْأَلَة على النَّفْل.

(1/306)


لوحة 20 من المخطوطة أ:
لوحة 27 من المخطوطة ب:
" لَيْسَ من شَرط الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ أَن يكون شَرطه حَاصِلا حَالَة الْأَمر بل قد يتَوَجَّه الْأَمر بِالشُّرُوطِ وَالشّرط على أَن يكون مَأْمُورا بتقدمة الشَّرْط فَيجوز عندنَا خطاب الْكفَّار بِفُرُوع الْإِيمَان خلافًا للخصم، وَلَا يمْتَنع قَول الشَّرْع بني الْإِسْلَام على خمس، وَأَنْتُم مأمورون بهَا، وبتقديم الْإِسْلَام عَلَيْهَا، وَصَارَ كالمحدث يُخَاطب بِالصَّلَاةِ بِشَرْط إِزَالَة الْحَدث.
وَالدَّلِيل على أَنه مُخَاطب بِالصَّلَاةِ حَالَة حَدثهُ أَنه لوترك الصَّلَاة وَهُوَ مُحدث عُوقِبَ على تَركهَا، وَترك الطَّهَارَة، ثمَّ لَو قُلْنَا: لَا يُؤمر بِشَيْء حَتَّى يَأْتِي بِمَا قبله كَانَ الْخطاب يتَوَجَّه بإجراء الْعِبَادَة الْوَاحِدَة على التَّرْتِيب فيخاطب بتكبيرة الْإِحْرَام ثمَّ بِالْقِرَاءَةِ، ويتأيد بقوله خطابا للْكفَّار {مَا سلككم فِي سقر (42) قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين} ، وَلم يكن ترك الصَّلَاة وارتكاب الْمعاصِي سَبَب عقابهم مَا عللوا بِهِ كَقَوْلِهِم فِي سقر، ولقالوا: عذبنا لأَنا خَالَفنَا وكفرنا.
فَإِن قيل: عقابهم على تكذيبهم (مُبَاح) وَغلط بارتكاب هَذِه الْأَسْبَاب، قُلْنَا: فتركهم المأمورات وارتكابهم لهَذِهِ الْأَسْبَاب مُبَاح بزعمكم، فَكيف يغلط، وأوجه مَا حمل عَلَيْهِ قَوْلهم لم نك من الْمُصَلِّين إِلَى الْمُسلمين، ثمَّ انْعَقَد الْإِجْمَاع على تَعْذِيب الْكفَّار بتكذيب الرَّسُول، قَالُوا: لَا معنى للْوُجُوب مَعَ اسْتِحَالَة الْفِعْل، وَلِهَذَا لَا يقْضِي،

(1/307)


قُلْنَا: الْإِسْلَام وفروعه وَإِنَّمَا لَا يَصح (الْفِعْل مِنْهُ لِأَنَّهُ) قدم شَرط الْأَهْلِيَّة للْأَدَاء فَهُوَ كالجنب بِالْإِضَافَة إِلَى الصَّلَاة، وَكَونه لَا يقْضِي لَا يدل على أَنه مَا وَجب (الْعقَاب بل) وَجب وَسقط عَنهُ عفوا، والمصلحة فِي ذَلِك ظَاهِرَة، وَالْقَضَاء فِي أَمر الْمُرْتَد بِأَمْر مُجَدد ".
وَاعْلَم أَنه إِذا قَالَ فِي الصَّلَاة {ادخلوها بِسَلام آمِنين} على قصد الْقِرَاءَة لم يضر، وَإِن قصد التفهيم، وَإِن لم يقْصد إِلَّا التفهيم بطلت صلَاته، وَفِي السُّكُوت الطَّوِيل فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَجْهَان وَالْأَفْعَال بتحريك الْأَصَابِع (و) وَهِي الَّتِي يخيل للنَّاظِر الْأَعْرَاض عَن الصَّلَاة كثلاث خطوَات وَثَلَاث ضربات مُتَوَالِيَات، وَلَا يبطل بِمَا دون ذَلِك، وَلَا بمطالعة الْقُرْآن، وَلَا فِي التَّسْبِيح أَو الحك، وَإِذا مر الْمَار بَين يَدَيْهِ بَينه وَبَين سترته فليدفعه، فَإِن أفْضى (إِلَى قِتَاله فَهُوَ شَيْطَان) لفظ خبر شرِيف، وَلَا يَكْفِي فِي تحجير مَوضِع الْمُصَلِّي أَن يخط خطا على الأَرْض، وَإِن لم يجد الْمَار سَبِيلا سوى الْمَكَان فَلَا دفع.
وَاعْلَم أَن السجدات ثَلَاثَة: سُجُود السَّهْو، وَسُجُود التِّلَاوَة، وَيسْتَحب فِي أَربع عشرَة آيَة، وَلَا سجد فِي (ص) ، وَفِي الْحَج سَجْدَتَانِ خَالف الْخصم فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَيسْتَحب قبل سَجْدَة التِّلَاوَة وَتَكْبِيرَة مَعَ رفع (الْيَدَيْنِ إِن) كَانَ فِي غير الصَّلَاة، وَقيل: يجب التَّحَرُّم والتحلل دون

(1/308)


التَّشَهُّد، وَقيل لَا يجب التَّحَلُّل، والسجدة الثَّالِثَة: سَجْدَة الشُّكْر عِنْد تجدّد نعْمَة أَو دفع نقمة، وَيسْجد بَين يَدي الْفَاسِق شكرا على مُخَالفَة حَاله وَلَا يفعل ذَلِك بمشهد الْمُبْتَلى، وَقيل: يُؤَدِّي سُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر على الرَّاحِلَة وَجْهَان.

(1/309)


الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْأَرْبَعُونَ: إِذا تكلم فِي الصَّلَاة نَاسِيا أَو مكْرها (مَا) :
الْمَذْهَب: لَا تبطل صلَاته.
عِنْدهم: تبطل حَتَّى بالنفخ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: صلى بِنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْعَصْر فَسلم من رَكْعَتَيْنِ.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الْكَلَام فِي الصَّلَاة يبطل الصَّلَاة وَلَا يبطل الْوضُوء "، وَالدَّلِيل على أَن ترك الْكَلَام شَرط قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لمعاوية

(1/310)


ابْن الحكم: " أَن صلَاته هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام الْآدَمِيّين "، فَبَان أَن الْكَلَام منَاف.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ترك الْكَلَام لَيْسَ من جملَة الصَّلَاة، وَلَا يتَأَدَّى بِهِ وَإِنَّمَا يَلِيق بِحَال من يُنَاجِي ربه أَن لَا يقبل على غَيره، فَالْكَلَام من مَحْظُورَات الصَّلَاة، وَمَعَ النسْيَان لَا يتَحَقَّق الْحَظْر إِذْ لَا خطاب ثمَّ جنسه فِي الصَّلَاة بِخِلَاف الْحَدث فَصَارَ كالسلام، فَإِنَّهُ لَا يبطل الصَّلَاة نَاسِيا.
لَهُم:
الصَّلَاة عبَادَة الله يجب ضَمَانهَا بِالْمثلِ إِذا أتلفهَا بالْكلَام عَامِدًا، وَكَذَلِكَ نَاسِيا كالمحرم إِذا جنى على إِحْرَامه فأتلف الصَّيْد نَاسِيا، وَكَذَلِكَ حُقُوق الْآدَمِيّين، فَإِن النسْيَان عذر يقوم بالمتلف لَا بِالْمحل، وَدَلِيل مُنَافَاة الْكَلَام قِرَاءَته لَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره بِخِلَاف الْأَفْعَال.
مَالك: وَافق وَكَلَام الْعَامِد فِي مصلحَة الصَّلَاة لَا يفْسد.
أَحْمد: وفَاق.

(1/311)


التكملة:
منقولهم عَام فنحمله على حَالَة الذّكر، وَأما حُقُوق الْآدَمِيّين وصيد الْحرم وَجب فِيهَا الضَّمَان لعين الْإِتْلَاف، وكما أَن النسْيَان يقوم بالناسي وَلَا بِالْمحل فَكَذَلِك الْعمد، فَإِن قَالُوا: ترك الْكَلَام شَرط فَأشبه الْوَقْت وَالطَّهَارَة يمْنَع، وَإِنَّمَا هُوَ من محظوراتها كَمَا يَقُول فِي الترفه للْمحرمِ، وَخبر مُعَاوِيَة حجَّة لنا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لم يَأْمر بِالْإِعَادَةِ، وَكَانَ قد شمت عاطسا فِي الصَّلَاة، وَيفرق بَين الْكَلَام والفعال، فَإِن اللِّسَان مَشْغُول الذّكر فَيمكن حفظه والجوارح فارغة فيعسر حفظهَا.
وحرف الْمَسْأَلَة هُوَ أَن الْكَلَام من مَحْظُورَات الصَّلَاة، وَلَا حظر مَعَ النسْيَان هَذَا عندنَا وَعِنْدهم تَركه شَرط، وَهُوَ من المنافيات، وَحكمه حكم الْحَدث.

(1/312)


فارغة

(1/313)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْأَرْبَعُونَ)
: إِذا فَاتَتْهُ صلوَات وارتد ثمَّ عَاد (مب) :
الْمَذْهَب: يلْزمه قَضَاء الْفَوَائِت.
عِنْدهم: خلاف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} ، ومحال أَن يخلق الْإِنْسَان لشَيْء وَلَا يكون من أَهله.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْإِسْلَام يجب مَا قبله "، وَأهل الرِّدَّة زمن الصّديق لم يؤمروا بِإِعَادَة الصَّلَوَات.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مُكَلّف أمكنه التَّوَصُّل إِلَى الْعِبَادَة فَكَانَ من أَهلهَا كَالْمُسلمِ.

(1/314)


الدَّلِيل على تَكْلِيفه أَنه كلف الْإِيمَان، وَلِأَن الْخطاب أَمر وَنهي وَهُوَ مَنْهِيّ فَهُوَ مَأْمُور، ثمَّ هُوَ مَأْمُور بِتَصْدِيق الرَّسُول وَمَا جَاءَ بِهِ، وَمِمَّا جَاءَ بِهِ الْعِبَادَات، وَمَتى قَررنَا هَذَا فِيمَا يتْركهُ مُسلما كَانَ أظهر.
لَهُم:
الْكَافِر لَيْسَ من أهل الْعِبَادَة فَلَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء بِتَرْكِهَا، كالأصلي، لِأَن من لَا يكون من أهل الْعِبَادَة لَا يكون من أهل الْقَضَاء، الدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ من أَهلهَا: أَنَّهَا لَا تصح مِنْهُ وَالْعِبَادَة تصح مِمَّن يُثَاب عَلَيْهَا وَهَذَا من أهل النَّار وَقطع الْخطاب عَنهُ إهانة لَهُ.
مَالك: خلاف.
أَحْمد:
التكملة:
مَا نقلوه من الْآيَة وَالْخَبَر دَلِيل على أَنه مُخَاطب، وَأهل الرِّدَّة يحْتَمل أَنهم صلوا وَلم يؤمروا، وَلَيْسَ من شَرط كل حَادِثَة أَن ينْقل قَوْلهم لَو صلى لم تصح صلَاته، قُلْنَا وَكَذَا الْمُحدث، قَوْلهم: الْعِبَادَة قربَة، قُلْنَا: فَهُوَ مُخَاطب بِأَجل الْقرب وَهُوَ الْإِيمَان، وَيصِح مِنْهُ. قَوْلهم: حكم الْعِبَادَات الثَّوَاب، وَالْعِقَاب إِلَى الْوَعْد والوعيد، وَيجوز أَن يَصح الشَّيْء مِمَّن لَيْسَ

(1/315)


من أهل حكمه كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون لَيْسَ من أهل حكم الْعُقُود وَهُوَ الْملك وَهُوَ من أهل الْعُقُود حَتَّى إِن العقد يَقع لَهُ عِنْدهم، وَيجوز أَن تحصل مِنْهُ الْعِبَادَة وَلَا يُثَاب عَلَيْهَا كالمرائي يَصح صَوْمه وَصلَاته وَلَا يُثَاب عَلَيْهِمَا.

(1/316)


لوحة 28 من المخطوطة ب من كتاب الصَّلَاة:

(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْأَرْبَعُونَ:)
إِذا صلى أول الْوَقْت وارتد وَعَاد فِي الْوَقْت (مج) :
الْمَذْهَب: لَا يلْزمه إِعَادَة الصَّلَاة وَالْحج.
عِنْدهم: خلاف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِك حبطت أَعْمَالهم} ، علق إحباط الْعَمَل على الرِّدَّة وَالْمَوْت، وَالْمُعَلّق على شرطين لَا يُوجد إِلَّا بوجودهما.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} ، وَقَوله تَعَالَى: {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} الْفَرِيضَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تمت الْعِبَادَة بركنها وَشَرطهَا فَبعد الْفَرَاغ مِنْهَا إِذا اخْتَلَّ شَرطهَا لَا يُبطلهُ

(1/317)


كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاح، وَقد أدّى وَظِيفَة الْوَقْت، أما صَلَاة الظّهْر، أَو الظّهْر مَوْصُوفَة بِصفة الْقرْبَة، وَفِي إِعَادَة ذَلِك حرج سِيمَا فِي الْحَج وَعدم الثَّوَاب لَا يَقْتَضِي بطلَان الْعِبَادَة كَصَلَاة الْمرَائِي.
لَهُم:
لَيْسَ من أهل الْعِبَادَة ابْتِدَاء فَلَا يكون من أَهلهَا دواما كالرضاع لما أبطل مكلفه النِّكَاح ابْتِدَاء أبْطلهُ دواما، وَالْإِسْلَام لَا يتَجَزَّأ؛ لِأَنَّهُ عبارَة عَن تَوْحِيد الله، وَذَلِكَ مُسْتَحقّ فِي جَمِيع الْعُمر فَإِذا بَطل فِي بعضه بَطل فِي جَمِيعه كَالصَّلَاةِ تبطل بِرُكْن مِنْهَا.
مَالك: قبل السَّلَام.
أَحْمد:
التكملة:
الْآيَة خطاب للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَاصَّة. الْآيَة الثَّانِيَة مُطلقَة وآيتنا مُقَيّدَة، وَالْمُطلق يحمل على الْمُقَيد لَا سِيمَا فِي حَادِثَة وَاحِدَة، ونقول: الْإِسْلَام يفعل فِي لَحْظَة وَاحِدَة، ويستدام بِخِلَاف الصَّوْم وَالصَّلَاة، ثمَّ لَو كَانَ كَمَا زَعَمُوا لبطلت أنكحته وشهاداته وأقضيته وَحرمت ذبائحه، ثمَّ يجب فِيمَن ارْتَدَّ

(1/318)


لَحْظَة وَعَاد أَن يغلب الْإِسْلَام على الْكفْر ويمحوه ثمَّ للصَّلَاة حكمان سُقُوط الْفَرْض وَالثَّوَاب، فَإِن عدم الثَّوَاب بَقِي سُقُوط الْفَرْض، ثمَّ يبطل مَا قَالُوهُ بِالتَّيَمُّمِ إِذا رأى المَاء بعد مَا فرغ من الصَّلَاة، فَإِنَّهُ لَا يبطل صلَاته وَإِن أبطل تيَمّمه.

(1/319)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ:)
سُجُود السَّهْو (مد) :
الْمَذْهَب: سنة، وَمحله قبل الْإِسْلَام.
عِنْدهم: بعد التَّسْلِيم وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِي.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلَا يدْرِي أَثلَاثًا أم أَرْبعا؟ فليطرح الشَّك وليبن على الْيَقِين وليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل السَّلَام ".
لَهُم:
" صلى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الظّهْر خمْسا فَقيل لَهُ: أَزِيد فِي الصَّلَاة؟ فتمم وَسلم وَسجد سَجْدَتَيْنِ "، وروى أَنه قَالَ: " من شكّ فِي صلَاته فَلم يدر أَثلَاثًا

(1/320)


صلى أم أَرْبعا؟ فليتحر أقرب ذَلِك إِلَى الصَّلَاة وليتمم وليسجد سَجْدَتَيْنِ ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
فعل مَشْرُوع فِي الصَّلَاة كَانَ مَحَله الصَّلَاة كَسَائِر أفعالها.
لَهُم:
مَا قبل السَّلَام جُزْء من الصَّلَاة فَلَا يكون محلا لسجود السَّهْو كَسَائِر أَجْزَائِهَا. الدَّلِيل عَلَيْهِ: أَنه لَو سَهَا فِي آخر جُزْء وَسجد، وَالْفِقْه فِيهِ أَن السُّجُود جَائِز فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يتعقب السَّهْو لَكِن أخر عَنهُ كَيْلا يتَكَرَّر السَّهْو فَيبقى غير مَحْصُور؛ لِأَن السُّجُود لَا يتَكَرَّر وَلما كَانَ كَذَلِك أخر إِلَى الْفَرَاغ.
مَالك:.
أَحْمد:

(1/321)


التكملة:
منقولهم: جَمِيعهم مَنْسُوخ بِمَا روى الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام، وَقد كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يسْجد قبل السَّلَام وَهُوَ رَاوِي خبر ذِي الْيَدَيْنِ، فلولا علمه بالنسخ مَا اعْتمد ذَلِك وَيمْنَع أَنه لَو سَهَا قبل السَّلَام حَالَة سُجُود السَّهْو أَن يسْجد للسَّهْو، ثمَّ يَقُول بِالسَّلَامِ خرج من الصَّلَاة، وَحُرْمَة الصَّلَاة إِنَّمَا تبقى بِبَقَاء الصَّلَاة. وَالدَّلِيل على عَلْقَمَة: أَن الزِّيَادَة تبطل الصَّلَاة كَمَا يُبْطِلهَا النُّقْصَان فاحتاجت إِلَى جبران.

(1/322)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْأَرْبَعُونَ:)
إِذا وقفت الْمَرْأَة إِلَى جنب الرجل فِي الصَّلَاة (مَه) :
الْمَذْهَب: لَا تبطل صلَاته.
عِنْدهم: خلاف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يقطع صَلَاة الْمَرْء شَيْء ".
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " أخروهن من حَيْثُ أخرهن الله "، وَحَيْثُ ظرف مَكَان وَلَا يجب تَأْخِيرهَا فِي الْمَكَان إِلَّا فِي الصَّلَاة، وَقَوله: " خير صُفُوف الرِّجَال أَولهَا. وَخير صُفُوف النِّسَاء آخرهَا، والاحتراز عَن الشَّرّ

(1/323)


وَاجِب "، وَقد أخر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الْعَجُوز عَن الصَّفّ مَعَ كَون الِانْفِرَاد مَكْرُوها.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَأْمُوم وقف فِي مَحل الْمُبَالغَة فَلَا تبطل صلَاته، كَمَا لَو لم تكن الْمَرْأَة إِلَى جنبه ذَلِك؛ لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ مَا يبطل صلَاته ومنافاة الْجنب أَكثر، وَلَو كَانَ لصيقه جنبا لم تبطل صلَاته، ثمَّ كَانَ يجب أَن تبطل صَلَاة الْمَرْأَة أَيْضا؛ لِأَنَّهَا شاركته فِي كَونهَا مأمورة بِالتَّأْخِيرِ وَتَقْرِير الْحَرْف أَن صَلَاة الْمَأْمُومين لَا يرتبط الْبَعْض بِالْبَعْضِ.
لَهُم:
ترك فرضا هُوَ عَلَيْهِ فِي صلَاته فبطلت، كَمَا لَو ترك فرضا من أفعالها ذَلِك لِأَن تأخيرهن فرض؛ وَلِأَن الْمَرْأَة لَا تصلح للْإِمَامَة وَالرِّجَال أصل الْجَمَاعَات أذانا، وَإِقَامَة، وترتيب صُفُوف وَإِنَّمَا بطلت صلَاته دون صلَاتهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُخَاطب بتأخيرها.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
إِن ألزمناهم صَلَاة الْجِنَازَة اعتذروا عَنهُ بِأَنَّهُ ذكر وَاحِد فَأشبه سُجُود

(1/324)


التِّلَاوَة، وَلَو أَن الْمَرْأَة تتلو وسجدت للتلاوة جَازَ للرِّجَال متابعتها، وَلَا نسلم أَنه ترك فرضا مَنْدُوبًا، فَإِن تَرْتِيب الْوُقُوف من الْأَدَب. قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " ليلني مِنْكُم ذَوُو الأحلام والنهى " وَلَو تقدم سَفِيه على حَلِيم لم تبطل صَلَاة أَحدهمَا، ومنقولهم مَحْمُول على النّدب والكراهية، وَلَو سلمنَا أَنه لَو ترك وَاجِبا لَيْسَ لِمَعْنى يخْتَص بِالصَّلَاةِ، بل لِأَن الْمَرْأَة نَاقِصَة فَلَا يُسَاوِي الْفَاضِل فَصَارَ كَمَا لَو كَانَ بِيَدِهِ مَغْصُوب أَو طُولِبَ بوديعة فَتحرم بِالصَّلَاةِ.
وَإِنَّمَا لَا تصح إِمَامَة الْمَرْأَة لنقصها عقلا ودينا، ثمَّ إِن التّبعِيَّة لَا تبطل موقفها إِلَى جنب الرجل كَمَا لَو وقف الْمَأْمُوم إزاء الإِمَام فَيَقُول موقف لَو وَقفه فِي صَلَاة الْجِنَازَة لم تبطل صلَاته، فَإِذا وَقفه فِي غَيرهَا لم تبطل كَمَا لَو وقف إِلَى جَانب عبد أَو صبي.

(1/325)


لوحة 29 من المخطوطة (ب) :
عَورَة الْأمة لَا نَص للشَّافِعِيّ فِيهَا وَالَّذِي نقل عَنهُ أَنَّهَا إِذا صلت مكشوفة الرَّأْس أجزأها، وَقَالَ أَصْحَابه: لَا يعرف أَبُو إِسْحَاق خلافًا فَإِنَّهَا يجوز لَهَا كشف رَأسهَا فِي الصَّلَاة لقصة عمر، وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي حد عورتها على ثَلَاثَة أوجه، وَقد قَالَ: إِنَّهَا كعورة الرجل، وَقيل كعورة الْحرَّة إِلَّا رَأسهَا وساعديها وساقيها، فَإِن ذَلِك لَيْسَ بِعَوْرَة، وَقيل كعورة الْحرَّة إِلَّا رَأسهَا فَإِنَّهَا لَيست بِعَوْرَة، وعورة الْمُكَاتبَة والمدبرة وَالْمُعَلّق عتقهَا على

(1/326)


صفة وَأم الْوَلَد وَمن بَعْضهَا حر وَبَعضهَا رَقِيق كعورة الْأمة، وَفِي الْحَاوِي؛ وَكَأَنَّهُ وَجه فِيمَن بَعْضهَا حر وَبَعضهَا رَقِيق أَن عورتها كعورة الْحرَّة وَصَححهُ، وَالْمُعْتَبر فِي ستر الْعَوْرَة الجوانب وجهة الْعُلُوّ.
وَلَو صلى وَعَلِيهِ قَمِيص غير مزرور وعورته بَائِنَة مِنْهُ لم تصح صلَاته (وَلَو سترت لحيته رُؤْيَة عَوْرَته من جِهَة الطوق صحت الصَّلَاة على أحد الْوَجْهَيْنِ، وهما جاريان فِيمَا لَو كَانَ فِي قَمِيصه طَاقَة فَوضع يَده عَلَيْهَا من غير أَن يجمع الْقَمِيص بِيَدِهِ، وَلَو جمعه بِيَدِهِ صحت اتِّفَاقًا) . وَلَا يُرَاعِي ستر الْعَوْرَة من جِهَة السّفل حَتَّى لَو صلى فِي قَمِيص وَاسع الذيل جَازَ، وَإِن كَانَ على طرف سطح، وَمن فِي أَسْفَله يُشَاهد عَوْرَته صحت صلَاته، وَتوقف الإِمَام وَصَاحب الْمُعْتَمد فِي هَذِه الصُّورَة، وَحكى صَاحب بَحر

(1/327)


الْمَذْهَب عَن أَبِيه وَجها فِيهَا أَن صلَاته لَا تصح، وَيجب أَن يكون السَّاتِر للعورة من الجوانب الْعُلُوّ حَائِلا بَين النَّاظر ولون الْبشرَة، فَلَا يَكْفِي الثَّوْب الرَّقِيق الَّذِي يُشَاهد من وَرَائه سَواد الْبشرَة وبياضها، وَكَذَا الغليظ المهلهل - النسج - الَّذِي يظْهر بعض الْعَوْرَة من فرجه، فَإِن مَقْصُود السّتْر لَا يحصل بذلك، وَلَو ستر اللَّوْن وَوصف حجم الْأَعْضَاء فَلَا بَأْس كَمَا لَو وصف ثوبا صفيقا ووقف فِي الشَّمْس وَكَانَ حجم أَعْضَائِهِ يَبْدُو من وَرَائه، وَلَا يَكْفِي الْوُقُوف فِي المَاء الصافي، وَيَكْفِي المَاء إِذا علته خضرَة بِحَيْثُ يمْتَنع من رُؤْيَة اللَّوْن وَلَو كَانَ المَاء كدرا كَفاهُ فِي السّتْر على أصح الْوَجْهَيْنِ. وَيَكْفِي فِي التستر التطين مَعَ وجود الثِّيَاب وَادّعى الإِمَام فِيهِ

(1/328)


اتِّفَاق الْأَصْحَاب، وَفِي الْعدة حِكَايَة وَجه أَنه لَا يَكْفِي وَحَكَاهُ فِي الْبَحْر عَن ابْن أبي أَحْمد، وَغلظ لَا يعد ساترا، وعَلى الأول لَو لم يجد إِلَّا طينا فَهَل يجب عَلَيْهِ التطيين فِيهِ وَجْهَان:
أصَحهمَا الْوُجُوب، وَلَا يَكْفِي الْفسْطَاط الضّيق وَنَحْوه ساترا وَإِنَّمَا يُقَال هُوَ دَاخل فِيهِ، وَلَو وقف فِي حب وَصلى على جَنَازَة فَإِن كَانَ وَاسع الرَّأْس تظهر مِنْهُ الْعَوْرَة لم يجز، وَإِن كَانَ ضيق الرَّأْس فَفِيهِ خلاف بَين أَصْحَابنَا.
وَيسْتَحب للرجل أَن يُصَلِّي فِي أحسن مَا يجد من ثِيَابه بتعمم وبقميص ورداء، فَإِن اقْتصر على وَاحِد فالقميص أولى ثمَّ الْإِزَار ثمَّ السَّرَاوِيل، وَيسْتَحب أَن يَجْعَل على عَاتِقه مِمَّا فِي وَسطه شَيْئا وَلَو حبلا، أَو يربطه حَتَّى يخرج من خلاف أَحْمد. وَيسْتَحب للْمَرْأَة أَن تصلي فِي قَمِيص سابغ

(1/329)


وخمار وتتخذ جلبابا كثيفا فَوق ثِيَابهَا يتجافى عَنْهَا، وَلَا يبين حجم أعضائها.

(1/330)


(الْمَسْأَلَة: ... عَورَة الرجل (مو 46) :)

الْمَذْهَب: مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة على الصَّحِيح.
عِنْدهم: مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة مَعَ الرّكْبَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
مَا رُوِيَ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا فَوق الرّكْبَة وَدون السُّرَّة عَورَة ".

(1/331)


لَهُم:
مَا رُوِيَ عَن عَليّ كرم الله وَجهه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرّكْبَة من الْعَوْرَة ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَن الرّكْبَة حد الْعَوْرَة فَلم تكن مِنْهَا قِيَاسا على السُّرَّة.
لَهُم:
أَن الرّكْبَة مفصل يجمع طرفِي عظم الْفَخْذ وَعظم السَّاق، وأحدها حاظر، وَالْآخر مُبِيح فَلَمَّا اجْتمعَا وَجب تَغْلِيب حكم الحاظر كالمرفق.
مَالك:
أَحْمد: السوءتان فِي رِوَايَة وَمثل مَذْهَبنَا فِي آخَرين وَهِي الْأَظْهر عِنْدهم.
التكملة:
وَلِأَن كشفها فِي الصَّلَاة لَا يبطل فَلم تكن عَورَة قِيَاسا على رَأس الْأمة،

(1/332)


فَإِن قيل: إِنَّمَا لم تبطل الصَّلَاة حَال كشفها؛ لِأَنَّهَا لَا تجَاوز ربع الْعُضْو.
قُلْنَا: هَذَا غير مُسلم، بل كثير الْعَوْرَة ويسيرها سَوَاء كَمَا سَنذكرُهُ، فَأَما مَا ذَكرُوهُ من حَدِيث عَليّ كرم الله وَجهه. فَالْجَوَاب عَنهُ: أَن رِوَايَة أَبُو الْجنُوب عقبَة بن عَلْقَمَة وَلَيْسَ بِثِقَة، فَلَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ، وَأما قَوْلهم: الرّكْبَة مفصل يجمع الحاظر والمبيح فعذر صَحِيح؛ لِأَن الحاظر الْفَخْذ وَلَيْسَ من الرّكْبَة بسبيل وَلَو جَازَ أَن يغلب الحاظر لاتصال عظم الْفَخْذ بالركبة لجَاز أَن يغلب الحاظر فِي جلد الْفَخْذ لاتصاله بجلد السَّاق، وَلما بذل تَعْلِيله فِي ذَلِك الْموضع فَكَذَلِك نجيب فِي مَسْأَلَتنَا مثله.

(1/333)


الْمَسْأَلَة: ... ... عَورَة الْحرَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة (مز 47) .
الْمَذْهَب: جَمِيع بدنهَا إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ.
عِنْدهم: جَمِيع بدنهَا إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَظهر الْقَدَمَيْنِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
مَا رُوِيَ عَن أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: " يَا رَسُول الله أَتُصَلِّي الْمَرْأَة فِي درع وخمار بِغَيْر إِزَار؟ قَالَ: نعم، إِذا كَانَ سابغا يُغطي ظُهُور قدميها ".
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَنه عُضْو يجوز تغطيته فِي الْإِحْرَام فَوَجَبَ أَن يكون من الْعَوْرَة قِيَاسا

(1/334)


على سَائِر الْبدن.
لَهُم:
لِأَن الْقَدَمَيْنِ لَا تستر فِي الْعَادة فَوَجَبَ أَن لَا تبطل الصَّلَاة بكشفهما كالوجه؛ وَلِأَنَّهُ عُضْو ذُو أنامل فَلم يكن من الْعَوْرَة قِيَاسا على الْكَعْبَيْنِ.
مَالك:
أَحْمد: لَا يجوز أَن تكشف سوى وَجههَا.
التكملة:
وبعكسه الكفان لما لم يجب تغطيتهما فِي الْإِحْرَام دلّ على أَنَّهُمَا ليسَا من الْعَوْرَة.
وَأما قَوْلهم: إِن الْقَدَمَيْنِ لَا تستر فِي الْعَادة فَوَجَبَ أَن لَا تبطل الصَّلَاة بكشفهما كالوجه فَهَذَا منتقص بِالْحلقِ فَإِنَّهُ من عَادَة النِّسَاء كشفه فِي بُيُوتهنَّ وَكَذَلِكَ بعض الساعد وَبَعض السَّاق، ثمَّ الْمَعْنى فِي الْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ من أَنه لَا يجوز تغطيته فِي الْإِحْرَام والقدم بِخِلَافِهِ، وَأما قَوْلهم: عُضْو ذُو أنامل فَلَا تَأْثِير لَهُ؛ لِأَن الْوَجْه عُضْو غير ذِي أنامل وَلَيْسَ من الْعَوْرَة، وقياسهم على الْكَفَّيْنِ غير صَحِيح لما ذَكرْنَاهُ من افْتِرَاق الحكم فِي الْكَفَّيْنِ والقدمين حَال الْإِحْرَام.

(1/335)


فارغة

(1/336)


(الْمَسْأَلَة:
(مح 48)) .
إِذا مَا بدا من عَورَة الرجل أَو الْمَرْأَة شَيْء فِي الصَّلَاة مَعَ الْقُدْرَة على الستْرَة هَل تبطل أم لَا؟
الْمَذْهَب: نعم.
عِنْدهم: إِن كَانَ دون الدِّرْهَم من الْمُغَلَّظَة وَدون الرّبع من غَيرهَا فَلَا، وَإِن أَكثر من ذَلِك بطلت.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
مَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لَا يقبل الله صَلَاة امْرَأَة حَاضَت إِلَّا بخمار " وَتَقْدِيره امْرَأَة بلغت الْمَحِيض، وَهَذَا يدل على أَن شعرهَا يجب تخمير جَمِيعه.

(1/337)


لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَن هَذَا حكم يتَعَلَّق بالعورة فَاسْتَوَى فِيهَا قليلها وكثيرها كالنظر.
لَهُم:
لِأَن ستر الْعَوْرَة حكم يسْقط فِي حَال الْعذر فَوَجَبَ أَن يكون فِي غير حَال الْعذر يخْتَلف قَلِيله وَكَثِيره كإزالة النَّجَاسَة والعذر الَّذِي يضبطها الْعَدَم وَمَا إِذا كشف الرّيح بعض عَوْرَته فِي الصَّلَاة فَرد الثَّوْب على مَا انْكَشَفَ.
مَالك: لَا تجب الْإِعَادَة.
أَحْمد:
التكملة:
وَلِأَن التَّحْدِيد بِمَا دون الدِّرْهَم لَيْسَ بِأولى من التَّحْدِيد بِالربعِ وَبِمَا فَوْقه وبالدرهم وَمَا فَوْقه، وَقد بَطل التَّحْدِيد بِمَا دون الرّبع، وَالدِّرْهَم، فَوَجَبَ أَن يكون التَّحْدِيد بِمَا دون الرّبع وَالدِّرْهَم مَسْأَلَة.
وَأما قَوْلهم: إِن مَا عَفا عَنهُ حَال الْعذر فَوَجَبَ أَن يخْتَلف حكمه قَلِيله وَكَثِيره فَهُوَ بَاطِل بِالنّظرِ، فَإِن نظرة الْفجأَة عُفيَ عَنْهَا للْعُذْر، وَيَسْتَوِي حكم

(1/338)


قليلها وكثيرها، وَأَيْضًا ينْتَقض مَا قَالُوهُ بِالْوضُوءِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنهُ عِنْد الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء وَالتُّرَاب وَلم يتَعَذَّر الْعَفو عَن بعضه على أَن الْمُفْتى فِي النَّجَاسَة أَنه عفى عَنْهَا للضَّرُورَة ولخوف الْمَشَقَّة فِي بَابهَا، وَأما الْعَوْرَة فَلَا مشقة تلْحق فِي سترهَا فافترق الْمَعْنى فيهمَا.

(1/339)


لوحة 30 من المخطوطة ب:
الْعَوْرَة الْخلَل فِي الثغور وَغَيرهَا، وَمَا يتَوَقَّع مِنْهُ ضَرَر يُقَال: أَعور الْمَكَان إِذا صَار ذَا عَورَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن الْمُنَافِقين من المقاتلين فِي الخَنْدَق: {إِن بُيُوتنَا عَورَة} أَي خَالِيَة نتوقع الْفساد فِيهَا، فَلذَلِك سميت السوءتان عَورَة؛ لِأَن (كشفهما مُوجب) خللا فِي حُرْمَة مكشوفهما، وَكَانَ وَجه الْمَرْأَة ومحاسن جَسدهَا عَورَة؛ لِأَنَّهُ يتَوَقَّع من رؤيتها وَسَمَاع كَلَامهَا خلل فِي الدّين وَالْعرض، وَلَيْسَ المُرَاد بالعورة المستقبح، فَإِن الْمَرْأَة الجملية تميل النُّفُوس إِلَيْهَا، وَبِهَذَا يظْهر أَن الْمَرْأَة مَعَ الْمَرْأَة كَالرّجلِ مَعَ الرجل، لَا كَالْمَرْأَةِ مَعَ الرجل، وَهِي مَسْأَلَة خلاف بَين الْعلمَاء هَل يجب أَن تستر جَمِيع بدنهَا عَن الْمَرْأَة أم لَا؟ ، وَلِهَذَا السِّرّ خُولِفَ بَين الْأمة والحرة فَجعلت عَورَة الْأمة كَالرّجلِ؛ لِأَنَّهَا لما امتهنت بِالْخدمَةِ صَارَت كالبهيمة وَسقط موقعها من النَّفس، فَلذَلِك لما رأى عمر رَضِي الله عَنهُ أمة مكشوفة الرَّأْس ضربهَا بِالدرةِ، وَقَالَ لَهَا: أتتشبهين بالحرائر يَا لكاع؟ ! ، وَسبب ذَلِك أَنَّهَا إِذا تشبهت بالحرائر الْتبس الْإِمَاء بالحرائر فَكَانَت سفلَة الْجَاهِلِيَّة،

(1/340)


وَمن يَزْنِي إِنَّمَا يقْصد الْإِمَاء فَإِذا الْتبس قصدن الْحَرَائِر أَيْضا بالزنى لعدم امتيازهن عَن الْإِمَاء فانتشر الْفساد وانخرقت الحرمات وثارت الْفِتَن بَين الزناة والأزواج، أما إِذا امتازت الْإِمَاء اقْتصر الْفساد عَلَيْهِنَّ، وَكَانَ ذَلِك أليق بسد الذريعة فِي تَخْفيف الْفساد بِحَسب الْإِمْكَان، وَمن هَذَا الْبَاب أَيْضا أجَاز جمَاعَة من الْعلمَاء فِي شِرَاء الْأمة أَن تقلب عُرْيَانَة إِلَّا من سرتها إِلَى ركبتها، وَأَن ينظر إِلَى مَا عدا ذَلِك كَمَا يَفْعَله الرجل مَعَ الرجل.
فَإِذا طرأت الستْرَة على الْعُرْيَان فِي أثْنَاء الصَّلَاة، أَو طرى الْعتْق على الْأمة فِي أثْنَاء الصَّلَاة هَل تبطل الصَّلَاة؛ لِأَن الستْرَة شَرط من حِينَئِذٍ وَلم يُوجد الشَّرْط فَأشبه طريان السَّاتِر طريان الْحَدث أَو لَا تبطل لِأَن الْمُصَلِّي دخل فِيهَا بِوَجْه مَشْرُوع والتغيير لم يكن من قبله وَلَا ينْسب إِلَيْهِ بِخِلَاف الْحَدث؛ فَإِنَّهُ ينْسب إِلَى الْمُصَلِّي فَيُقَال أحدث، وَلَا يُقَال أعتقت الْأمة نَفسهَا وَلَا جَاءَ الْمُصَلِّي لنَفسِهِ بسترة؟
وَنَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة الْمُتَيَمم يدْخل فِي الصَّلَاة ثمَّ يطْرَأ عَلَيْهِ المَاء فَهَل تبطل صلَاته لبُطْلَان التَّيَمُّم بوجدان المَاء، أَو لَا تبطل؛ لِأَنَّهُ فِيهَا بِبَدَل وَهُوَ التَّيَمُّم وَهُوَ أولى بِالصِّحَّةِ من الْعُرْيَان، لِأَن الْعُرْيَان لم يدْخل بِبَدَل؟

(1/341)


(الْمَسْأَلَة:)
... إِذا عدم الستْرَة هَل يُصَلِّي قَائِما:
الْمَذْهَب: يُصَلِّي قَائِما.
عِنْدهم: يُصَلِّي قَاعِدا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} ، وَهُوَ عَام فِي جَمِيع الْأَحْوَال.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع ستر عَوْرَته إِلَّا إِذا جلس فَيصَلي جَالِسا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لِأَن الْقيام ركن من أَرْكَان الصَّلَاة وَستر الْعَوْرَة شَرط خَارج عَن الصَّلَاة،

(1/342)


والركن الدَّاخِل أهم من الشَّرْط الْخَارِج فَيصَلي قَائِما.
لَهُم:
لِأَن الْقيام إِنَّمَا يحسن مَعَ ستر الْعَوْرَة، وَأما مَعَ كشف الْعَوْرَة فالجلوس أليق بالأدب.
مَالك: وفَاق.
أَحْمد: وفَاق.
التكملة:
خَيره أَبُو حنيفَة بَين أَن يُصَلِّي قَائِما أَو قَاعِدا فِي رِوَايَة عَنهُ لتعارض فَوَات الرُّكْن بِالْجُلُوسِ فيفوته الْقيام، وفوات ستر الْعَوْرَة إِذا صلى قَائِما بِظُهُور السوءتين مَعَ الْقيام، وَلم يجزه الشَّافِعِي، وَمن وَافقه بل جزموا بِوُجُوب الْقيام؛ لِأَن الْقيام أفضل من الستْرَة لكَونه ركنا والسترة شَرط، إِذا كَانَ لَا بُد من فَوَات أَحدهمَا يقدر الْجمع بَينهمَا تعين السّتْر.
فَإِن كَانَ العراة جمَاعَة فِي ليل صلوا جمَاعَة؛ لِأَن الظلام يحجب بَعضهم عَن بعض وَإِن كَانُوا فِي نَهَار أَو ليل مقمر افْتَرَقُوا فِي الصَّلَاة، لِأَن الْأَركان والشروط أهم فِي نظر الشَّرْع فِي فَضِيلَة الْجَمَاعَة فيقدمان عَلَيْهَا تَقْدِيمًا للأعلى على الْأَدْنَى.

(1/343)


فارغة

(1/344)


(الْمَسْأَلَة:)
... إِذا كَانَ وَحده أيستر عَوْرَته؟
الْمَذْهَب: يستر.
عِنْدهم: لَا يلْزمه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي التِّرْمِذِيّ: " إيَّاكُمْ والتعري فَإِن مَعكُمْ من لَا يفارقكم إِلَّا عِنْد الْغَائِط وَحين يُفْضِي أحدكُم إِلَى أَهله فاستحيوهم وأكرموهم ".
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} ، وَمَفْهُومه أَنه لَا يلْزمه فِي الْخلْوَة وَأَنه يخْتَص بالجلوة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ستر الْعَوْرَة إِنَّمَا هُوَ صون للْحُرْمَة، وضياع الْحُرْمَة مَعَ الأماثل من الْمَلَائِكَة أَشد من ضياعها مَعَ النَّاس.

(1/345)


لَهُم:
لَا معنى للاستتار مَعَ الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ؛ لأَنهم يرَوْنَ مَا تَحت السَّاتِر وَيصلونَ إِلَى دَاخل الْجَسَد إِلَى الْقُلُوب، فَإِذا لم يحجبهم الْجَسَد أولى أَن لَا يحجبهم الثَّوْب.
مَالك: وفَاق.
أَحْمد: وفَاق.
التكملة:
وَلِأَن الستْرَة تَعْظِيم للمستور عَنهُ، وللساتر لَا لأجل إِدْرَاك السوءة أَلا ترى لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها لبول أَو غَائِط، وَلَكِن غربوا أَو شرقوا "، فَأمر عَلَيْهِ السَّلَام بالاستتار عَن الْكَعْبَة تَعْظِيمًا لَهَا لَا؛ لِأَنَّهَا تدْرك السوءات وَالْمَلَائِكَة شَأْنهمْ أَن يعظموا؛ لأَنهم خَاصَّة الله تَعَالَى لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون فتعظيمهم أولى من تَعْظِيم الْبشر؛ وَلِأَنَّهُ إِذا تعود العري فِي الْخلْوَة وَقع ذَلِك مِنْهُ فِي الجلوة جَريا على الْعَادة من غير شُعُور، فَكَانَ سد الذريعة فِي ذَلِك أولى صونا لحُرْمَة الْمُؤمن وَأولى من الضّيَاع، وتدريبا على محَاسِن الْأَخْلَاق ومكارمها حَتَّى يكون ذَلِك عَادَة وديدنا.

(1/346)


فارغة

(1/347)


(الْمَسْأَلَة:)
... إِذا لم يجد إِلَّا حَرِيرًا أَو نجسا.
الْمَذْهَب: يُصَلِّي فِي الْحَرِير.
عِنْدهم: يُصَلِّي فِي النَّجس.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} ، وَالنَّجس لَيْسَ من الزِّينَة وَالْحَرِير زِينَة.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " هَذَانِ حرامان على ذُكُور أمتِي "، وَأَشَارَ إِلَى الذَّهَب وَالْحَرِير.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لِأَن تَحْرِيم الْحَرِير لَا اخْتِصَاص لَهُ بِالصَّلَاةِ والنجاسة مُنَافِيَة للصَّلَاة ومختصة بهَا فَكَانَ اجتنابه أولى.

(1/348)


لَهُم:
لِأَن مَا عَم تَحْرِيمه فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا كَانَت مفسدته أعظم فَكَانَ اجتنابه أولى.
مَالك: وفَاق.
أَحْمد:
وَنَظِير مَسْأَلَتنَا إِذا وجد الْمحرم ميتَة وصيدا وَهُوَ مُضْطَر لأكل أَحدهمَا فَإِنَّهُ يَأْكُل الْميتَة وَيتْرك الصَّيْد؛ لِأَن تَحْرِيم الصَّيْد لأجل الْإِحْرَام وَتَحْرِيم الْميتَة لَا لأجل الْإِحْرَام، فَكَانَت الْمُنَافَاة بَين الْإِحْرَام وَالصَّيْد أَكثر من مُنَافَاة الْميتَة لَهُ كَذَلِك مُنَافَاة النَّجَاسَة للصَّلَاة أَشد من مُنَافَاة الْحَرِير لَهَا فَكَانَت مُلَابسَة الْحَرِير فِي الصَّلَاة أيسر، أَلا ترى أَن الْإِنْسَان فراره من عدوه الْخَاص بِهِ أَشد من فراره من عدوه الَّذِي يعادي جنسه، وَلَا يبغض شخصه؛ لِأَنَّهُ قد يستثنيه من جنسه بِخِلَاف عدوه نَفسه، وَكَذَلِكَ إكرامه (لصديقه نَفسه أَشد من إكرامه) لمن يحب جنسه، فالاختصاص أبدا لَهُ تَأْثِير عَظِيم فِي العرفيات

(1/349)


والشرعيات فَكَذَلِك فِي مَسْأَلَتنَا.

(1/350)


لوحة 21 من المخطوطة أَو 31 من ب:
نتكلم فِي معنى الْوَاجِب وَالْفَرْض وهما اسمان مُتَرَادِفَانِ (على حكم وَاحِد شَرْعِي) ، وَإِن اخْتلف مَعْنَاهُمَا لُغَة، فَالْوَاجِب السَّاقِط، قَالَ تَعَالَى: {وَجَبت جنوبها} ، وَالْفَرْض مَوضِع الْوتر من الْقوس، ولاختلاف اسميهما لُغَة فرق الْخصم (بَينهمَا فِي مسَائِل) وَهِي (الْوتر) والتلبية عِنْد الْإِحْرَام وَالْأُضْحِيَّة، وَسُجُود التِّلَاوَة، وَزَكَاة الْفطر، وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، وَزعم أَن هَذِه السِّتَّة وَاجِبَات لَا فَرَائض وَلَا سنَن، وَفسّر بعض أهل الرَّأْي الْفَرِيضَة بِمَا علم (وُجُوبه بِالْكتاب) ، وَالسّنة المتواترة، فَأَما مَا يعلم بأخبار الْآحَاد فَوَاجِب، وَهَذَا خطأ على أصلهم، لأَنهم فرضوا الْوضُوء من القهقهة فِي الصَّلَاة، وأوجبوا الْوضُوء بنبيذ التَّمْر، وَالْوُضُوء من الْقَيْء والرعاف، وَسموا الْوضُوء فِي هَذِه الْمَوَاضِع فَرِيضَة، وَإِنَّمَا تثبت هَذِه بروايات شَاذَّة، وفرضوا فِي عين الدَّابَّة

(1/351)


ربع قيمتهَا بأثر عَن بعض الصَّحَابَة، ثمَّ دليلنا أَن كل مَا جَازَ إِطْلَاق اسْم الْوَاجِب عَلَيْهِ جَازَ إِطْلَاق اسْم الْفَرِيضَة (عَلَيْهِ) كالصلوات والزكوات.
(وَاعْلَم أَن خطاب الشَّرْع إِمَّا أَن يرد باقتضاء الْفِعْل، أَو اقْتِضَاء التّرْك أَو (التَّخْيِير) بَينهمَا (فَإِن) ورد باقتضاء الْفِعْل فإمَّا أَن يقْتَرن بِهِ الْإِشْعَار بعقاب على التّرْك فَيكون وَاجِبا أَو لَا يقْتَرن فَيكون (ندبا، واقتضاء) التّرْك إِن أشعر بعقاب على الْفِعْل فَهُوَ مَحْظُور وَإِلَّا فمكروه) ، وَبعد فَلَا مشاحة فِي الْأَسْمَاء بعد الِاتِّفَاق على المسميات، وَاعْلَم أَن الْأَحْكَام السمعية لَا تدْرك بِالْعقلِ فَنحْن على بَرَاءَة الذِّمَّة إِلَى حِين وُرُود الْخطاب فَإِذا جَاءَ نَبِي وَأوجب خمس صلوَات تبقى صَلَاة سادسة، وَهَذَا اسْتِصْحَاب حَال أول، وَالثَّانِي اسْتِصْحَاب حَال الْعُمُوم إِلَى أَن يرد الْمُخَصّص (وَالنَّص إِلَى أَن يرد) النّسخ واستصحاب حكم دلّ الشَّرْع على ثُبُوته كالملك عِنْد جَرَيَان الْفِعْل المملك وشغل الذِّمَّة عِنْد الْإِتْلَاف.
وَاعْلَم أَن الْجَمَاعَات فِي الصَّلَوَات مُسْتَحبَّة وَلَيْسَت وَاجِبَة إِلَّا فِي الْجُمُعَة، وفضلها يدْرك (بِإِدْرَاك رَكْعَة مَعَ الإِمَام) . والمسبوق يَنْبَغِي أَن يكبر للْعقد ثمَّ للهوي، وَإِن اقْتصر على تَكْبِيرَة العقد (جَازَ) ، وَيسْتَحب (مُتَابعَة) الإِمَام والتخلف عَنهُ فِي الْأَفْعَال مَعَ

(1/352)


(سرعَة) اللحاق، فَإِن أدْركهُ سَاجِدا كبر للْإِحْرَام وَسجد غير مكبر، ثمَّ يقوم كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ تَابع للْإِمَام فِي الْفِعْل وَلَيْسَ عَلَيْهِ هُوَ ذكر، فَإِذا قَامَ الإِمَام ابْتَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ لَا بِدُعَاء الاستفتاح؛ لِأَنَّهُ قد تخَلّل بَينه وَبَين التَّكْبِير أَفعَال وَدُعَاء الاستفتاح مَكَانَهُ بعد التَّكْبِير فَسقط.
(وَيكرهُ أَن) يكبر للْإِحْرَام أَو يسْجد ويداه فِي كميه. وَيكرهُ وضع الْبَطن على الفخذين فِي السُّجُود، والإقعاء، ونقرة الْغُرَاب وافتراش السَّبع. وَاعْلَم أَن من فَاتَتْهُ صَلَاة جهر فأداها نَهَارا فليسر، وَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة سر فأداها لَيْلًا أسر، فَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة جهر فأداها لَيْلًا أسر، فَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة جهر فأداها لَيْلًا هَل يجْهر فَوَجْهَانِ.

(1/353)


(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ:)
إِذا بَان الإِمَام جنبا أَو مُحدثا (مو) :
الْمَذْهَب: لَا إِعَادَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى أنس قَالَ: " صلى بِنَا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَكبر وَكَبَّرْنَا مَعَه، فَأَشَارَ إِلَى الْقَوْم كَمَا أَنْتُم فَلم نزل قيَاما إِلَى أَن أَتَى نَبِي الله وَرَأسه يقطر مَاء " وَهَذَا نَص، فَإِنَّهُ عَاد وتمم الصَّلَاة، وروى الْبَراء قَالَ: صلى بِنَا النَّبِي عَلَيْهِ

(1/354)


السَّلَام وَلَيْسَ على وضوء فتمت للْقَوْم وَأعَاد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
لَهُم:
روى سعيد بن الْمسيب أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام صلى بِالنَّاسِ وَهُوَ جنب فَأَعَادَ وأعادوا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كل يُصَلِّي لنَفسِهِ وَيُؤَدِّي فَرْضه، وَالْجَمَاعَة تبعد الصَّلَاة عَن النسْيَان، والغفلة وَقصد الْمُتَابَعَة لَا يُخرجهُ عَن كَونه يُؤَدِّي فَرْضه، وَقد نَص أَبُو حنيفَة على أَنه لَو ارْتَدَّ الإِمَام لم تبطل صَلَاة الْمَأْمُور، وَكَذَا لَو صلى جمَاعَة الظّهْر يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ سعى إِلَى الْجُمُعَة بطلت صلَاته دون صلَاتهم وَقد أدّى الْمَشْرُوط بِشَرْطِهِ.
لَهُم:
اقْتدى بِمن لَيْسَ فِي صَلَاة فَهُوَ كَمَا لَو اقْتدى بِإِمَام وَبَان أَنه كَافِر أَو

(1/355)


امْرَأَة أَو علم بحدثه أَو بَان حَدثهُ فِي صَلَاة الْجُمُعَة، وَالْمُعْتَمد صَلَاة الْمَأْمُوم مرتبطة بِصَلَاة الإِمَام بِدَلِيل أَن الْمَأْمُوم (إِذا سَهَا يحمل الإِمَام سَهْوه) وَلَا يحْتَاج إِلَى سُجُود.
مَالك: إِن كَانَ الإِمَام نَاسِيا حَدثهُ فَصَلَاة الْمَأْمُوم صَحِيحَة.
أَحْمد: ق.
التكملة:
منقولهم ضَعِيف الْعذر عَن النقوض، أما إِذا بَان أَن الإِمَام كَافِر أَو امْرَأَة بطلت الصَّلَاة فرط فِي ترك التعرف والفراسة فقلما تخفى شمائل الْأُنْثَى، وبعيد أَن يلتبس كَافِر بِمُسلم فِي هَذَا الْمقَام فَإِن فرض فِي مستتر بالْكفْر فقد نقُول لَا إِعَادَة، وَأما إِذا علم بِحَدَث الإِمَام فَالصَّلَاة بَاطِلَة لفساد نِيَّته وَصَلَاة الْجُمُعَة فِيهَا منع، وَمَعَ التَّسْلِيم الْجَمَاعَة فِيهَا مَقْصُودَة

(1/356)


مَشْرُوطَة وَبهَا سميت، فَإِذا لم يُوجد الشَّرْط بطلت، أما غَيرهَا من الصَّلَوَات لَيست الْجَمَاعَة شرطا فِيهَا، وَبِالْجُمْلَةِ عندنَا صَلَاة الْمَأْمُوم لَا ترتبط بِصَلَاة الإِمَام، وَلَا تدخل فِيهَا.

(1/357)


(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ:)
إِذا اقْتدى مفترض بمتنفل (مز) :
الْمَذْهَب: يجوز وَيجوز مفترض مَعَ اخْتِلَاف النِّيَّة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الْعشَاء وَيعود إِلَى قومه فَيصَلي بهم هِيَ لَهُ نَافِلَة وَلَهُم مَكْتُوبَة، وَمثل معَاذ لَا يفوت على نَفسه فضل الْفَرِيضَة خلف رَسُول الله، وَمَا كَانَ يستبد بِهَذَا دون إِعْلَام النَّبِي

(1/358)


وَكَيف يخفي ذَلِك عَنهُ مَعَ صغر عَرصَة الْمَدِينَة حماها الله تَعَالَى أبدا.
لَهُم:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الإِمَام ضَامِن والمؤذن مؤتمن "، وَمَا أَرَادَ أَن الإِمَام يلْتَزم صَلَاة الْمَأْمُوم فِي ذمَّته كالديون، بل أَرَادَ أَن صَلَاة الْمَأْمُوم تدخل فِي ضمن صَلَاة الإِمَام.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كَانَ يُصَلِّي لنَفسِهِ والاقتداء بالأفعال الظَّاهِرَة، وَالنِّيَّة أَمر بَاطِن، فَإِذا أَتَى بالأفعال حصلت فَضِيلَة الْجَمَاعَة فَنَقُول: صلاتان متفقتان فِي

(1/359)


الظَّاهِر فصح أَن تكون كل وَاحِدَة تَابِعَة لِلْأُخْرَى فِي الِاقْتِدَاء كالمتنفل خلف المفترض.
لَهُم:
ارتباط صَلَاة الْمَأْمُوم بِالْإِمَامِ يمْنَع من اخْتِلَاف نيتيهما، وَاخْتِلَاف الْأَفْعَال يمْنَع صِحَة الِاقْتِدَاء فَلَا تجوز الظّهْر خلف من يُصَلِّي الْجُمُعَة وَلَا الْجُمُعَة خلف متنفل، وَلَا الظّهْر خلف من يُصَلِّي الْمغرب، فَإِذا كَانَ اخْتِلَاف الْأَفْعَال يمْنَع فاختلاف النيات أولى.
مَالك: اخْتِلَاف النِّيَّة يمْنَع الِاقْتِدَاء.
أَحْمد: ق.
التكملة:
اعتذروا عَن اقْتِدَاء المتنفل بالمفترض بِأَنَّهُ يجوز بِنَاء النَّافِلَة على تحريمة الْفَرِيضَة بِأَن يُؤَدِّي صَلَاة، ويتبين أَن وَقتهَا مَا دخل فتنعقد لَهُ نفلا، أما نَحن فالأحكام الَّتِي ذكروها كلهَا لنا فِيهَا كَلَام، وعَلى التَّسْلِيم نقُول: إِنَّمَا لم

(1/360)


يَصح الِاقْتِدَاء لاخْتِلَاف الْأَفْعَال الظَّاهِرَة فَبَطل مَعَه الِاقْتِدَاء، أما الْخَبَر فيراد بالضامن من (ضَمَان الْإِكْمَال، وبكمال صلَاته تكمل الصَّلَاتَان) ، وَلَا يُرَاد أَن أَحدهمَا يدْخل فِي الْأُخْرَى، وَلَو قدر ذَلِك سَقَطت الْأَفْعَال والشرائط كَمَا يدْخل الْوضُوء فِي الْغسْل، وَأما الْمُبَالغَة؛ فَلِأَنَّهُ الْتزم ذَلِك، فَإِن قَالُوا: لَو سَهَا الإِمَام وَلم يسْجد سجد الْمَأْمُوم نمْنَع، وَإِن سلمنَا فَإِنَّمَا سجد؛ لِأَنَّهُ أَدخل النَّقْص على صلَاته، وَالْإِمَام ضمن كمالها، فَإِذا لم يَفِ كملها الْمَأْمُوم، وَأما إِذا سَهَا الْمَأْمُوم لم يسْجد؛ لِأَنَّهُ ضمن الْمُتَابَعَة، فَلَو سجد خَالف، أَو نقُول يجْبر نُقْصَان سَهْو الإِمَام فَضِيلَة الْمُتَابَعَة.

(1/361)


(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْأَرْبَعُونَ:)
إِذا صلى الْكَافِر جمَاعَة فِي مَسْجِد أَو غَيره (مح) :
الْمَذْهَب: لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله، فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ "، علق الْعِصْمَة على الشَّهَادَتَيْنِ.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} ، وَإِنَّمَا عمارتها بالصلوات، وَقتل بعض الصَّحَابَة قوما من الْكفَّار اعتصموا بِالسُّجُود فوداهم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " من صلى صَلَاتنَا وَأكل ذبيحتنا فَهُوَ منا "، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

(1/362)


وَقَوله: " هلا شققت عَن قلبه ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْإِسْلَام إِقْرَار بِاللِّسَانِ واعتقاد بِالْقَلْبِ وَعمل بالأركان وَلم تُوجد، ثمَّ لَو اعْترف أَن الصَّلَاة من الْإِسْلَام لم نحكم بِإِسْلَامِهِ ثمَّ يحْتَمل أَن يكون فعله رِيَاء وهزوا ثمَّ الْإِقْرَار بِالشَّهَادَتَيْنِ اعْتِرَاف بالصانع والمرسل وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَالصَّلَاة جُزْء من ذَلِك.
لَهُم:
(مَا أَتَى بِهِ إِسْلَام فَهُوَ كالشهادتين) ؛ لِأَن الصَّلَاة على هَذَا الْوَجْه من خَصَائِص الْإِسْلَام بِخِلَاف الْحَج وَالصَّوْم وَالصَّلَاة مُنْفَردا، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " من رَأَيْتُمُوهُ يلازم الْجَمَاعَة فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِسْلَامِ "،

(1/363)


والشهادتان قَول يدل على الْإِسْلَام، وكما أَن كلمة الْكفْر تدل عَلَيْهِ فَكَذَلِك السُّجُود للصنم.
مَالك:
أَحْمد: من صلى حكم بِإِسْلَامِهِ.
التكملة:
منقولهم لَا حجَّة لَهُم فِيهِ؛ لِأَن الْمُشْركين لَا يعمرون مَسَاجِد الله تَعَالَى: {مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسَاجِد الله} ، وَالْخَبَر حجَّة لنا؛ لِأَن أَوله أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها وصلوا صَلَاتنَا، ثمَّ نقُول الْكَافِر لَا يُصَلِّي صَلَاتنَا، فَإِن من شَرطهَا تَقْدِيم الْإِيمَان، وَالَّذين وداهم عَلَيْهِ السَّلَام بِنصْف الدِّيَة، وَلَو كَانُوا مُسلمين لوداهم بِجَمِيعِ الدِّيَة وَإِنَّمَا فعل ذَلِك تألفا للقلوب، وَالْأَحْكَام الَّتِي تمسكوا بهَا مَمْنُوعَة، وَأما حكم الشَّافِعِي بِإِسْلَام الْمُرْتَد إِذا صلى فِي دَار الْحَرْب لَا الْكَافِر الْأَصْلِيّ، قَالُوا: فَإِذا اختتن مَا تَقولُونَ فِيهِ، قُلْنَا: الْخِتَان جرح

(1/364)


مؤلم لَا يتهم فِيهِ فَيجوز أَن يحكم بِإِسْلَامِهِ، قَالَ بَعضهم: الْخِتَان دَاع الْإِسْلَام.
قَالُوا: فَإِن أذن قُلْنَا يحكم بِإِسْلَامِهِ إِذا أَتَى بكلمتي الشَّهَادَتَيْنِ، أما من صلى للصنم يحكم بِكُفْرِهِ، لِأَن الْإِسْلَام الْتِزَام عَام، فَإِذا سجد للصنم فقد ترك إِسْلَامه فحكمنا بِكُفْرِهِ.

(1/365)


(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْأَرْبَعُونَ:)
الْوتر (مط) :
الْمَذْهَب: سنة مُؤَكدَة.
عِنْدهم: وَاجِبَة لَيست فرضا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى طَلْحَة بن عبيد الله أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ من قبل نجد ثَائِر الرَّأْس يسمع لصوته دوِي فَسَأَلَ رَسُول الله عَن الْإِسْلَام فَقَالَ لَهُ: خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَقَالَ: هَل عَليّ غَيْرهنَّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَن تطوع ... الْخَبَر.

(1/366)


لَهُم:
روى أَبُو الدَّرْدَاء أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " إِن الله تَعَالَى زادكم صَلَاة إِلَى الصَّلَوَات الْخمس فصلوها من الْعشَاء إِلَى الْفجْر أَلا وَهِي الْوتر " أَمر بهَا ووقتها، وَالْأَمر والتأقيت للواجبات وَالزَّائِد عَن جنس الْمَزِيد عَلَيْهِ.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
يستصحب الْحَال فِي بَرَاءَة الذِّمَّة وَهِي دَلِيل مَعْمُول بِهِ، فَمن ادّعى شَيْئا بِلَا دَلِيل فَعَلَيهِ الدَّلِيل.
لَهُم:
الْوتر يقْضى ويتوقف، فَهِيَ كَسَائِر الْوَاجِبَات، وَإِنَّمَا جعلناها

(1/367)


وَاجِبَة؛ لِأَنَّهَا ثبتَتْ بأخبار الْآحَاد؛ وَلِأَنَّهَا تُؤدِّي فِي جَمِيع اللَّيْل فَأَشْبَهت النَّوَافِل، فقد سَقَطت عَن الْفَرْض دَرَجَة وَالْوُجُوب من السُّقُوط، وأذان الْعشَاء أَذَان للوتر، كَمَا فِي صَلَاتي مُزْدَلِفَة، ثمَّ صَلَاة الْجِنَازَة فرض كِفَايَة وَلَا أَذَان لَهَا.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
نقلهم نحمله على الِاسْتِحْبَاب وَالنَّدْب، وَلَا نسلم أَن الْوتر يقْضى، وَإِن سلمنَا فعلى سَبِيل النّدب، وَلَا نسلم أَنَّهَا مُؤَقَّتَة، وَإِن سلمنَا فالتأقيت لَا يدل على الْوُجُوب كَصَلَاة الضُّحَى، وَيجوز التَّنَفُّل عندنَا بِرَكْعَة وبثلاث رَكْعَات.

(1/368)


(الْمَسْأَلَة الْخَمْسُونَ:)
كمية الْوتر (ن) :
الْمَذْهَب: أَقَله رَكْعَة وَأَكْثَره إِحْدَى عشرَة، وَيسْتَحب السَّلَام عَن اثْنَتَيْنِ.
عِنْدهم: ثَلَاث رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى ابْن عمر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي مثنى مثنى ويوتر بِرَكْعَة، وَكَذَلِكَ رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.
لَهُم:
رُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُوتر بِثَلَاث رَكْعَات لَا يسلم حَتَّى

(1/369)


ينْصَرف مِنْهُنَّ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " وتر اللَّيْل كوتر النَّهَار ثَلَاث رَكْعَات وَهِي الْمغرب "، وَنهى أَن يسلم عَن رَكْعَة فِي الْوتر.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الرَّكْعَة الْوَاحِدَة صَلَاة، بِدَلِيل أَنه يعْتَبر لَهَا أَرْكَان الصَّلَاة من الْقيام وَالْقِرَاءَة والسترة، والقبلة، والركعة الثَّانِيَة إِعَادَة الأولى وتكرارها.
لَهُم:
الرَّكْعَة الْفَذ لَيست صَلَاة وَلم تفرض، وَيكرهُ النَّفْل بهَا، وتتأيد بِأَن صَلَاة الصُّبْح فِي السّفر لَا تشطر كَسَائِر الصَّلَوَات، وَأَن الشَّرْع لم يفصل

(1/370)


بَين رَكْعَتَيْنِ بجلوس تشهد، وَلَو كَانَت الرَّكْعَة الْفَذ صَلَاة لفصل.
مَالك: الْوتر رَكْعَة قبلهَا شفع ينْفَصل عَنْهَا أَقَله رَكْعَتَانِ.
أَحْمد: ق.
التكملة:
منقولهم حَتَّى ينْصَرف مِنْهُنَّ زِيَادَة فِي الْخَبَر لم تنقل نقل الأَصْل، وَفِي بعض الْمَنْقُول طعن، وَبَعضهَا قد عمل ناقلها بِخِلَافِهَا، وَأما صَلَاة الْفجْر فَإِنَّهَا لم تشطر لانعقاد الْإِجْمَاع على ذَلِك، وَأَصله تعبد ثمَّ لَا يلْزمنَا ذَلِك مِنْهُم؛ لِأَن السّفر عِنْدهم لَا يشطر الصَّلَوَات لَكِن كَذَا فرضت وزيدت فِي الْحَضَر ويلزمهم صَلَاة الْمغرب، فَإِن الرَّكْعَة الْأَخِيرَة فصل الشَّرْع بَينهَا وَبَين الأولتين بالتشهد ثمَّ كل رَكْعَة متميزة عَن الْأُخْرَى بِالسُّجُود.

(1/371)


لوحة 22 من المخطوطة أ:
(الْعَزِيمَة فعيلة من الْعَزْم، وَهُوَ الْقَصْد الْمُؤَكّد، وَبِه وصف أولو الْعَزْم، وَهِي فِي خطاب الشَّرْع عبارَة عَمَّا لزم من الْعِبَادَات.
ويقابل الْعَزِيمَة الرُّخْصَة وَهِي عبارَة عَن السهولة، وَفِي خطاب الشَّرْع عَمَّا وسع للتكليف فعله بِعُذْر وَعجز مَعَ قيام السَّبَب الْمحرم وَأَعلاهُ إِبَاحَة قَول كلمة الْكفْر وَشرب الْخمر وَإِتْلَاف مَال مَعْصُوم عَلَيْهِ بِسَبَب الْإِكْرَاه والمخمصة والغصص بِمَا لَا يسيغه إِلَّا الْخمر الْحَاضِرَة وَدون ذَلِك مَا حط عَنَّا من الإصر والأغلال الَّتِي لَزِمت الْأُمَم قبلنَا، وعَلى الْحَقِيقَة تَسْمِيَة هَذِه رخصَة مجَاز فَإِن التَّضْيِيق على غَيرهَا لَيْسَ تضييقا علينا، ومراتب الرُّخص تَتَرَدَّد بَين هذَيْن الحدين، وَمن ذَلِك الْقصر وَالْفطر للْمُسَافِر، وَمن حَقه أَن يُسمى رخصَة؛ لِأَن السَّبَب الْوَقْت وشهود الْمصر فِي الشَّهْر وَالضَّرَر مرخص، أما التَّيَمُّم مَعَ عدم المَاء لَا يُسمى رخصَة، لِأَن لَا يُمكن أَن يُكَلف اسْتِعْمَال المَاء مَعَ عَدمه، فَلَا يكون السَّبَب قَائِما مَعَ اسْتِحَالَة التَّكْلِيف بِخِلَاف الْمُكْره على الْكفْر؛ فَإِنَّهُ قَادر على تَركه، وَقد يكون الْفِعْل الْوَاحِد رخصَة عَزِيمَة بِالْإِضَافَة إِلَى وصفين كالمضطر فِي المخمصة يجب عَلَيْهِ حفظ نَفسه ويفسح لَهُ فِي تنَاول الْميتَة أَو مَال الْغَيْر فَفعله من حَيْثُ

(1/372)


حفظ نَفسه وَاجِب، وَمن حَيْثُ إِنَّه مَا كلف هلك نَفسه رخصَة) ، فَإِذا فهمت الرُّخْصَة فالقصر مِنْهَا وترخص بسفر سِتَّة عشر فرسخا وَهُوَ الطَّوِيل وَيحْتَاج إِلَى ربط الْقَصْد بمَكَان مَعْلُوم، ويترخص عِنْد مُجَاوزَة السُّور وَعمْرَان الْبَلَد وَيَنْتَهِي السّفر بِالْعودِ إِلَى عمرَان الوطن وبالعزم على الْإِقَامَة مُطلقًا أَو مُدَّة تزيد على ثَلَاثَة أَيَّام، وَهَذِه الْمَسْأَلَة مستنبطة من إِذْنه عَلَيْهِ السَّلَام لمن عَاد من الْمُهَاجِرين إِلَى مَكَّة بعد الْفَتْح أَن يُقيم ثَلَاثًا فَدلَّ أَن الثَّلَاث فِي حكم السّفر.
وَمحل الْقصر الصَّلَوَات الرّبَاعِيّة، وَرخّص السّفر: الْقصر، وَالْجمع وَالْفطر، وَمسح ثَلَاث أَيَّام (وَالصَّوْم أفضل، وَيَقَع) الْجمع بَين صَلَاتَيْنِ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع إِن شَاءَ قدم الْعَصْر إِلَى الظّهْر وَالْعشَاء إِلَى الْمغرب، وَإِن شَاءَ أخر، وَفِي الْحَج يقدم الْعَصْر إِلَى الظّهْر بِعَرَفَة، وَيُؤَخر الْمغرب إِلَى الْعشَاء بِمُزْدَلِفَة، وَفِي الْمَطَر يقدم الْعَصْر إِلَى الظّهْر، وَالْعشَاء إِلَى الْمغرب، وَشرط الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ أَن يَنْوِي الْجمع عِنْد تحريمة الأولى فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَقبل التسليمة الأولى فِي القَوْل الثَّانِي، وَأَن يبْقى الْعذر الْمُبِيح

(1/373)


للْجمع إِلَى آخر الصَّلَاة، وَاعْلَم أَن الإِمَام يَنْوِي بالتسليمة الأولة الْخُرُوج من (الصَّلَاة وَالسَّلَام) على الْحفظَة، وعَلى من عَن يَمِينه، وبالثانية الْحفظَة، وَمن على يسَاره، وَالْمَأْمُوم إِن كَانَ عَن جنب الإِمَام نوى أَرْبَعَة أَشْيَاء: الْخُرُوج من الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْحفظَة وعَلى الإِمَام والمأمومين، وَالْوَاجِب نِيَّة الْخُرُوج وَالْبَاقِي مُسْتَحبّ.
وَيسْتَحب أَن يَبْتَدِئ بِالسَّلَامِ مُتَوَجها.

(1/374)


(الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة وَالْخَمْسُونَ:)
الْقصر فِي السّفر (نَا) :
الْمَذْهَب: يتَخَيَّر الْمُسَافِر فِيهِ.
عِنْدهم: يتحتم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} ، ذكره بِلَفْظ رفع الْجنَاح، قَالَ يعلى بن أُميَّة لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَا بالنا نقصر؟ وَقد أمنا، فَقَالَ لَهُ: لقد تعجبت مِمَّا تعجبت مِنْهُ فَسَأَلت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: " صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته ".
لَهُم:
رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: فرضت الصَّلَاة فِي الأَصْل رَكْعَتَيْنِ

(1/375)


زيدت فِي الْحَضَر وأقرت فِي السّفر، قَالَ ابْن عَبَّاس: شرعت صَلَاة الْحَضَر أَرْبعا، وَالسّفر اثْنَتَيْنِ، قَالَ ابْن عمر: الصُّبْح رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ (وَالْجُمُعَة رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ) تَمام غير قصر على لِسَان نَبِيكُم.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْقصر ثَابت نصا وإجماعا، وَالْحكم إِذا ثَبت علل تكثيرا للفوائد، وتعليل هَذَا بِالرُّخْصَةِ؛ لِأَنَّهُ يثبت تَخْفِيفًا، وحد الرُّخْصَة مَوْجُود فِيهِ،

(1/376)


وَلذَلِك علق على السّفر لمشقته وَالْإِبَاحَة كَافِيَة فِي الرُّخص فَصَارَ كالمسح وَالْفطر، ثمَّ لَو صلى مُسَافر خلف مُقيم أتم يدل على أَن الْإِتْمَام أصل.
لَهُم:
مَا زَاد على رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ بِوَاجِب عَلَيْهِ، بِدَلِيل جَوَاز تَركه لَا إِلَى بدل (وَبِغير مأثم) ثمَّ فِي تَفْوِيض ذَلِك إِلَى العَبْد رد التَّكْلِيف إِلَيْهِ والإسقاط ينْفَرد بِهِ الْمسْقط كَالنِّكَاحِ بِالطَّلَاق، ثمَّ التَّخْيِير يكون بَين شَيْئَيْنِ متساويين لَا بَين فعل وَترك، ثمَّ إِن الثَّوَاب وَاحِد.
مَالك: الْمَشْهُور من مذْهبه الْوِفَاق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالُوا على الْآيَة: رفع الْجنَاح يسْتَعْمل فِي الْوَاجِب، قَالَ الله تَعَالَى: {فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} ، وَالسَّعْي وَاجِب، وَالْجَوَاب: أَنه ورد بِسَبَب صنمين هما: إساف ونائلة تخوف الْمُسلمُونَ من الطّواف بَينهمَا، ثمَّ لَا نسلم أَنه مَحْض إِسْقَاط بل صَدَقَة فَهُوَ كالإبراء من الدّين،

(1/377)


وَلَا نسلم أَنَّهُمَا اسْتَويَا فِي الثَّوَاب، بل ثَوَاب الْإِتْمَام أَكثر ويلزمهم اقْتِدَاء الْمُسَافِر بالمقيم فَإِنَّهُ يتم، فَإِن قَالُوا: كَانَ ذَلِك لِأَنَّهُ ألزم نَفسه مُتَابَعَته ألزمناهم.
إِذا اقْتدى مُقيم بمسافر، فَإِنَّهُ لَا يقصر فوزان مَا قُلْنَا صَوْم شهر رَمَضَان للْمُسَافِر وصلاتا الظّهْر وَالْجُمُعَة، فَإِنَّهُ يتَخَيَّر فِي ذَلِك، وَلَيْسَ التَّخْيِير بَين فعل، وَلَا فعل بل بَين صَلَاتَيْنِ نَاقِصَة وتامة.

(1/378)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْخَمْسُونَ:)
العَاصِي بِسَفَرِهِ (نب) .
الْمَذْهَب: لَا يترخص رخص الْمُسَافِرين.
عِنْدهم: يترخص.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} ، وَهَذَا بَاغ فَلَا يُبَاح لَهُ أكل الْميتَة.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر} الْآيَة، علق جَوَاز الْفطر على مُجَرّد السّفر، وَلَا يجوز منع هَذَا إِطْلَاق بأخبار آحَاد لَا بِقِيَاس.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الهائم لَا يترخص، والعاصي فِي إطراح قَصده كالهائم، وَلِأَن الْمعْصِيَة يجب اجتنابها فَكيف تكون سَبَب الرُّخص، والرخص إِعَانَة وَلَا يعان العَاصِي.

(1/379)


لَهُم:
سفر لَيْسَ بِمَعْصِيَة فأباح الرُّخْصَة كالمباح، لِأَن الْمعْصِيَة لَا تعود إِلَى ذَات السّفر كمسح الْخُف الْمَغْصُوب وَالصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة تخَالف من شرب مَحْظُورًا حَتَّى زَالَ عقله حَيْثُ لَا يلْحق بالمجنون فِي سُقُوط خطابه؛ لِأَن مُجَرّد شربه مَعْصِيّة، وَلِهَذَا يحد فَصَارَ كَمَا لَو أنشأ الْمعْصِيَة فِي السّفر فَإِنَّهُ يترخص.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالُوا: العَاصِي بِسَفَرِهِ يمسح يَوْمًا وَلَيْلَة، وَهَذِه رخصَة. الْجَواب: الصُّورَة مَمْنُوعَة، وَإِن سلمنَا، فَلذَلِك لَيْسَ من رخص السّفر، وَكَذَلِكَ إِذا أنشأ الْمعْصِيَة سفرا نمْنَع أَن يترخص، وَإِن سلمنَا فَهَذِهِ الصُّورَة مَا تعرضنا لَهَا فِي دليلنا فَلَا نجيب عَنْهَا، فَأَما من كسر رجله فعجز عَن الْقيام فَإنَّا نوجب عَلَيْهِ قَضَاء الصَّلَوَات إِذا زَالَت الزمانة، وَهَذَا بعيد، بل نقُول

(1/380)


الْكسر لَا يُرَاد للزمانة، بل لما أحدث من الوهن واستتبع ذَلِك الزمانة، ثمَّ الذرائع إِلَى الشَّيْء تُعْطِي صفته (حلا وحرما) ، وَقد لعن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخمر عشرَة، وَكَذَلِكَ من خرج من بَيته مُجَاهدًا أَو حَاجا أثيب على أول خطْوَة أما من أنشأ الْمعْصِيَة فِي السّفر فزنا أَو شرب فمعصية مجاورة للسَّفر، والخف الْمَغْصُوب نمْنَع من الْمسْح عَلَيْهِ، وَمَعَ التَّسْلِيم نقُول: الْمسْح مُرَتّب على ستر الْقدَم وَكَذَلِكَ الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة فَهُوَ عَاص بشغل ملك الْغَيْر.
وحرف الْمَسْأَلَة أَنه أنشأ أَسْفر على هَذَا الْوَجْه كَانَ مَحْظُورًا من كل وَجه، وَعِنْدهم، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

(1/381)


الحظرية زَائِدَة على ذَات السّفر.

(1/382)


(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْخَمْسُونَ:)
التَّسْلِيم (نج) :
الْمَذْهَب: يتَعَيَّن لِلْخُرُوجِ من الصَّلَاة.
عِنْدهم: لَا يتَعَيَّن فَلَو بدله بِغَيْرِهِ من كَلَام أَو فعل منَاف للصَّلَاة تمت صلَاته.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم ". حصر التَّحْلِيل فِي التَّسْلِيم، وَهَذَا يسْتَدلّ فِي الْخَبَر، لَا بِدَلِيل الْخطاب.
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِ مَسْعُود: إِذا رفعت فِي السُّجُود وَقَعَدت

(1/383)


بِقدر التَّشَهُّد فقد تمت صَلَاتك، وَرُوِيَ أَنه قَامَ فِي الظّهْر إِلَى خَامِسَة وَلم ينْقل أَنه أعَاد وَلم يسلم من الظّهْر، وَقَالَ لمعاوية بن الحكم: " لَا يصلح لصلاتنا شَيْء من كَلَام النَّاس "، وبالسلام يقبل على الْآدَمِيّين.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
التَّسْلِيم من الصَّلَاة ذَلِك؛ لِأَنَّهُ لَو جلس قدر التَّشَهُّد فَهُوَ فِي الصَّلَاة وَهَذَا الْخَبَر الَّذِي إِلَيْهِ مِنْهَا لَو اقْتدى مقتد فِيهِ صَحَّ، وَلَو سَهَا كبر، وَلَو نوى الْإِقَامَة تغير فرض السّفر ثمَّ يعقبه السَّلَام، فَلَو كَانَ مُبْطلًا أعَاد فَتعين أَنه مِنْهَا، وَيصْلح لذَلِك لتردده فِي التَّشَهُّد بِخِلَاف الْحَدث.
لَهُم:
التَّسْلِيم لَا تتأدى بِهِ الصَّلَاة، إِنَّمَا هُوَ مُحَلل وَلَا يُرَاد لعَينه، فَصَارَ

(1/384)


كالسعي إِلَى الْجُمُعَة، يُؤَيّدهُ أَنه لَو جَاءَ بِالتَّسْلِيمِ فِي غير وقته بطلت صلَاته والتسليمة الثَّانِيَة غير وَاجِبَة فَجَاز إِبْدَال الأولة، ثمَّ لَو أَنه من الصَّلَاة مَا صرف بِهِ وَجهه عَن الْقبْلَة كَسَائِر أَجزَاء الصَّلَاة.
مَالك: يسلم وَاحِدَة إِمَامًا كَانَ أَو فَذا.
أَحْمد: ق.
التكملة:
حَدِيث ابْن مَسْعُود مَوْقُوف عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ قاربت التَّمام كَمَا قَالَ: من وقف بِعَرَفَة فقد تمّ حجه، وَلَا نسلم أَن الْكَلَام فِي هَذِه الْحَال من كَلَام الْآدَمِيّين، بل حكمه حكم: {ادخلوها بِسَلام آمِنين} ، و {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} ، فَإِنَّهُ لما قصد لَهُ من قِرَاءَة أوَامِر، وَفرق بَين التسليمة الأولى وَالْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ بالأولة خرج من الصَّلَاة، وَلِهَذَا لَو نوى الْإِقَامَة لَا يتَغَيَّر فَرْضه، وهيئة الْمُسلم أَن يفْتَتح بِالتَّسْلِيمِ مُسْتَقْبلا، ثمَّ يجوز ترك الِاسْتِقْبَال لعذر كَمَا فِي خطْبَة الْجُمُعَة الْقَائِمَة مقَام رَكْعَتَيْنِ، أما بطلَان الصَّلَاة بالْكلَام فِي أَثْنَائِهَا فلمخالفة التَّرْتِيب، وَلَا نسلم أَن التَّسْلِيم ضد الصَّلَاة، وَإِن سلمنَا فَنحْن نتبع فِيهِ مورد الشَّرْع، ثمَّ يلْزمهُم إِذا انْقَضتْ

(1/385)


مُدَّة الْمسْح أَو تخرق الْخُف فِي هَذِه الْحَال، فَإِن صلَاته تبطل، وَكَذَلِكَ الْمُتَيَمم إِذا رأى المَاء، وَلَا يَنْفَعهُمْ قَوْلهم: إِن هَذِه الْأَشْيَاء تقع لَا بِاخْتِيَارِهِ؛ لأَنهم عَلقُوا على الضِّدّ وَقد وجد.

(1/386)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ:)
لفظ التَّكْبِير (ند) :
الْمَذْهَب: يتَعَيَّن لانعقاد تحريمة الصَّلَاة.
عِنْدهم: كل لفظ يُعْطي معنى التَّكْبِير.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
الْخَبَر السَّابِق، وَلما عرف التَّكْبِير بِالْألف وَاللَّام انْصَرف إِلَى الْمَعْهُود وَلَفظ التَّكْبِير معنى لَا يُوجد لغيره، وروت عَائِشَة أَنه كَانَ يفْتَتح الصَّلَاة بقوله: " الله أكبر "، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "، وَذَلِكَ بَيَان لمجمل الْقُرْآن.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {قد أَفْلح من تزكّى (14) وَذكر اسْم ربه فصلى} ربط الصَّلَاة باسمه الْكَرِيم مُطلقًا، فَمن خصصه بِلَفْظ دون غَيره فقد قيد مُطلق الصَّلَاة وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أقِم الصَّلَاة لذكري} .

(1/387)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
التَّكْبِير جُزْء من الصَّلَاة فَكَانَ مُتَعَيّنا كَسَائِر أَجْزَائِهَا بِدَلِيل اعْتِبَار النِّيَّة فِيهِ، والعبادات لَا يَهْتَدِي الْقيَاس إِلَى تفاصيلها ومقاديرها ونقيس على الشَّهَادَة عِنْد الْحَاكِم، وعَلى لفظ الْأَذَان.
لَهُم:
على الْبدن وَهُوَ الرُّكْن وَاللَّفْظ آلَته وَيجوز إِبْدَال الْآلَة بِمِثْلِهَا إِذا حصل الْمَقْصُود، كَمَا أَنا جَوَّزنَا إِبْدَال المَاء بِغَيْرِهِ فِي إِزَالَة النَّجَاسَة لما عقلنا الْغَرَض، وَكَذَلِكَ الشَّاة فِي الزَّكَاة، وَإِنَّمَا تعيّنت لَفْظَة الشَّهَادَة عِنْد الْحَاكِم؛ لِأَنَّهَا إِخْبَار وَيَمِين وَتعين الْأَذَان؛ لِأَنَّهُ إِعْلَام وَكَذَلِكَ ورد وَيجوز إِبْدَاله.
مَالك: ينْعَقد بقوله: " الله أكبر " فَحسب.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا.
التكملة:
قَوْله تَعَالَى: {قد أَفْلح من تزكّى} المُرَاد بِهِ صَدَقَة الْفطْرَة، (وَذكر

(1/388)


اسْم ربه فصلى} تَكْبِيرَات الْعِيد وَصلَاته، وعَلى أَن الذّكر بِسم الله مُطلق فيقيده، ونسلم أَن الْمَقْصُود التَّعْظِيم لَكِن بِاللَّفْظِ الشَّرْعِيّ، ثمَّ يلْزمهُم تَغْيِير الْأَفْعَال، وَيجوز عِنْد الْفجْر أَن يُبدل الْقيام وَالْقعُود بِالْإِيمَاءِ، وَقَوله: " الله أكبر "، فَزِيَادَة لَا تحيل الْمَعْنى، ثمَّ نقُول: الْمَقْصُود فِي هَذَا الرُّكْن عمل اللِّسَان بِمَا ورد بِهِ الشَّرْع، ثمَّ نقُول: الشَّهَادَة لَو كَانَت حلفا وإخبارا لجازت إِذا أخبر وَحلف، وَتَكون الْيَمين أقوى لِأَنَّهَا مُسْتَقْبلَة.
عبارَة تحريمة الصَّلَاة تعرف من لَفْظَة التَّكْبِير مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَلم نحكم بانعقادها كَقَوْلِه: اللَّهُمَّ غفرا، ويتحقق على الزُّهْرِيّ بِالنَّصِّ أَن الْأَذَان أَخفض حَالا من الصَّلَاة أَن يُرَاد لَهَا والنطق شَرط فِيهِ وَالصَّلَاة أولى، وَبِالْجُمْلَةِ التَّكْبِير عندنَا ركن فَتعين، وَعِنْدهم الرُّكْن فعل اللِّسَان بالثناء.

(1/389)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْخَمْسُونَ:)
تَارِك الصَّلَاة مُتَعَمدا (نه) :
الْمَذْهَب: يقتل حدا ضربا بِالسَّيْفِ.
عِنْدهم: لَا يقتل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من ترك صَلَاة مُتَعَمدا كفر "، انتظم الحَدِيث الْكفْر، وَالْقَتْل قَامَ الدَّلِيل على عدم الْكفْر بَقِي الْقَتْل، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} ، أَي صلواتكم إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين ".

(1/390)


لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث "، وَلَيْسَ ترك الصَّلَاة مِنْهَا، وَالنَّص على الْحصْر فِي ثَلَاث فَالزِّيَادَة تَقْتَضِي إبِْطَال الْحصْر.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
فِي المنهيات مَا يجب بِهِ الْقَتْل لغلظه فَيجب أَن يكون فِي المأمورات كَذَلِك؛ لِأَن الْعُقُوبَات شرعت روادع وبقدر الجريمة الْعقُوبَة، وَالصَّلَاة تشبه الْإِيمَان؛ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّر فِي الْأَوْقَات بِخِلَاف الْحَج وَالصَّوْم وَالزَّكَاة، إِذْ هِيَ مرّة فِي الْعَام ثمَّ الصَّلَاة لَا تصح فِيهَا النِّيَابَة وَلَا تفتدى، وَلَا يسْقط وُجُوبهَا بِحَال.
لَهُم:
فرع من فروع الْإِيمَان فَلَا يجب الْقَتْل بِتَرْكِهِ كَالصَّوْمِ، ذَلِك؛ لِأَنَّهُ جِنَايَة

(1/391)


على مَحْض حق الله فَلَا يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لكَونهَا دَار ابتلاء؛ وَلِأَن ترك الصَّلَاة من حَيْثُ هُوَ ترك لَا يتمحص جريمة؛ لِأَنَّهُ ترك وَاجِب، وبهذه الشُّبْهَة يدْرَأ الْحَد، وَصَارَ كَمَا غصب مَال الْغَيْر لَا يُعَاقب لِأَن أصل الْأَمْوَال الْإِبَاحَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: يكفر.
التكملة:
نقُول بِمُوجب الحَدِيث فتارك الصَّلَاة كَافِر بعد إِيمَان من وَجه؛ لِأَن الصَّلَاة إِيمَان من وَجه ثمَّ إِن الحَدِيث قد زيد عَلَيْهِ، بِدَلِيل الصَّائِل، وقاطع الطَّرِيق، وَالْجَوَاب عَن طَريقَة أبي زيد يَأْتِي فِي الْمُرْتَدَّة.
قَوْله: ترك الصَّلَاة لَيْسَ بِمَعْصِيَة من كل وَجه مَمْنُوع، فَإِن الْمعْصِيَة وَالطَّاعَة مَا تعلق بِهِ الْأَمر وَالنَّهْي، وَلَا نَنْظُر إِلَى أَنه فعل أَو ترك، وَالشَّيْء لَا يحرم وَلَا يُبَاح لعَينه وجنسه، وَلَو كَانَ كَذَلِك لما وجد من جنس الْمعْصِيَة مُبَاح والزنى وَالنِّكَاح تَحت جنس وَاحِد.
وَبِالْجُمْلَةِ عندنَا الْفِعْل وَترك الْفِعْل سَوَاء فِي الْحرم والحل، وَالدَّلِيل على

(1/392)


أَحْمد أَنَّهَا عبَادَة من فروع الْإِيمَان، فَلَا يكفر بِتَرْكِهَا مَعَ اعتقادها كَالصَّوْمِ، وَبِالْجُمْلَةِ الصَّلَاة عندنَا أَجْدَر بمشابهة الْإِيمَان من وُجُوه وَعِنْدهم حكمهَا حكم سَائِر الْفُرُوع.

(1/393)


(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْخَمْسُونَ:)
الشَّهِيد (نو) :
الْمَذْهَب: لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ.
عِنْدهم: يصلى عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ جنبا غسل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} وَرُوِيَ من جِهَات فِي قَتْلَى أحد مَا مَعْنَاهُ أَنهم مَا غسلوا وَلَا صلى عَلَيْهِم، وَقَالَ: " ادفنوهم بدمائهم "، وَهَذِه الرِّوَايَة وَإِن كَانَت نفيا إِلَّا أَن فِي ضمنهَا إِثْبَاتًا، كَمَا لَو قَالَ هَذَا وَارِث فلَان لَا وَارِث لَهُ غَيره.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وصل عَلَيْهِم} ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " صلوا على من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله "، وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا تَابع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وغزا فَقتل

(1/394)


فصلى عَلَيْهِ، وَصلى على شُهَدَاء أحد وَحَمْزَة بَين يَدَيْهِ حَتَّى صلى عَلَيْهِ سبعين مرّة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَخذ حكم الْأَحْيَاء بِدَلِيل الْآيَة، والحياة فِي الْجنَّة حَيَاة الْأَبَد وتكرمة الشَّهَادَة تغني عَن غَيرهَا وَإِنَّمَا حلت زَوجته؛ لِأَن فِي رقها ضَرَرا، وَكَذَلِكَ مَاله ينْقل إِلَى أَقَاربه لينْتَفع بِهِ، وَدَفنه لصيانته.
لَهُم:
مُسلم طَاهِر يصلى عَلَيْهِ كَسَائِر الْمَوْتَى الْمُسلمين؛ لِأَنَّهُ تطهر بِالشَّهَادَةِ

(1/395)


فَاسْتحقَّ الرَّحْمَة وَالصَّلَاة رَحْمَة وَرَحْمَة الله مَرَاتِب، وَقد صلى على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِنَّمَا لم يغسل الشَّهِيد؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيد اسْتِبَاحَة صَلَاة، وَلَا حدث عَلَيْهِ فَإِن الْغسْل لَا يزِيل الْحَدث، إِذْ لَو حمله مصل لم يجز.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْآيَة الَّتِي احْتَجُّوا بهَا مُطلقَة فتخص بِغَيْر الشَّهِيد، والأعرابي يحْتَمل أَنه قتل خَارج المعركة، أَو أُرِيد بِالصَّلَاةِ الدُّعَاء لَهُ، وَرُوِيَ ذَلِك، وَكَذَا الصَّلَاة على شُهَدَاء أحد، قَوْلهم: الْغسْل للتطهير والتكفين يبطل بِغسْل

(1/396)


الطِّفْل بل أولى، فالطفل مَقْطُوع بعصمته.

(1/397)


لوحة: 23 من المخطوطة أ:
قَوْلهم مَسْأَلَة الشَّهِيد مُسلم طَاهِر طرد مَحْض لَا فقه فِيهِ، وَكَثِيرًا مَا نورد من الْمسَائِل أَمْثَال ذَلِك فينبه عَلَيْهِ، وَيُسمى هَذَا النَّوْع الْمُطَالبَة بعلة الأَصْل، فَيحْتَاج أَن يدل على أَن عِلّة الصَّلَاة على الْمُسلم كَونه مُسلما طَاهِرا، والصائر إِلَى هَذَا النَّوْع من الأقيسة لَا يعْتَبر الإحالة والمناسبة، ونقول: الْقيَاس لَا معنى لَهُ إِلَّا رد فرع إِلَى أصل يكون الأَصْل مُتَّفقا عَلَيْهِ بِجَامِع، وندعي تحقق أَرْكَان الْقيَاس بذلك.
وَالْجَوَاب: أَن مَا ذَكرُوهُ يحْتَاج إِلَى شَرط وَهُوَ أَن يكون الْجَامِع مغلبا على الظَّن بِمَعْنى مَا مخيل أَو مُنَاسِب أَنه عِلّة الحكم وَلم يذكر وَجها يُوجب عَلَيْهِ الظَّن، وَلَا يبْقى إِلَّا قَوْله وجدت أصلا مجمعا عَلَيْهِ.
فَنَقُول الْمجمع عَلَيْهِ وَفِيه النزاع، وَلَيْسَ كل شَيْئَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي الْعلَّة، ويتصفان بِوَصْف يدل على أَن مَا اشْتَركَا فِيهِ عِلّة فِي اتصافه أَلَيْسَ الشَّهِيد وَغَيره يوصفان بِأَنَّهُمَا مختونان؟ أَيجوزُ أَن يَجْعَل الْخِتَان عِلّة الصَّلَاة؟ وَيُقَال آدَمِيّ مختون يصلى عَلَيْهِ كَسَائِر الْمُسلمين كلا بل يجب أَن تكون الْعلَّة الجامعة تغلب على الظَّن (إِن لم يُوجب الْيَقِين أَن الحكم)

(1/398)


لزم الأَصْل بسببهما، وَإِلَّا فَهُوَ طرد مَحْض.
وَاعْلَم أَن الشَّهِيد إِذا أُصِيب فِي المعركة وَأخرج مِنْهَا سَاعَة وَمَات لم يخرج عَن الشَّهَادَة. والعادل إِذا قَتله الْبَاغِي شَهِيد فِي أحد الْقَوْلَيْنِ بِخِلَاف الْبَاغِي وقاطع الطَّرِيق حكمه حكم الْبَاغِي.
وَمن يقْتله قَاطع الطَّرِيق شَهِيد فِي أحد الْقَوْلَيْنِ. وَالنِّيَّة فِي غسل الْمَيِّت وَاجِبَة عِنْد بعض الْأَصْحَاب. وَإِذا مَاتَ رجل لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ رجل وَلَا امْرَأَة قريبَة أَو مَاتَت امْرَأَة بِهَذِهِ النِّسْبَة يمما وَإِذا وجد بعض الْمَيِّت غسل، وَالْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل خلافًا، وَالْعلَّة كَون المشيع جَاءَ شافعا، وَالْوَلِيّ فِي الصَّلَاة الْأَب، ثمَّ أَبوهُ وَاعْتبر التَّعْصِيب وَكَثْرَة الشَّفَقَة.
وَاعْلَم أَنه إِذا صلي على جَنَازَة لَيْلًا فَقِيَاس قَوْلنَا الْجَهْر، وفرائض الْجِنَازَة النِّيَّة وَالتَّكْبِير مقترنين وَالْقِيَام وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالصَّلَاة على النَّبِي، وَالسّنَن: الاستفتاح، والتعوذ، وَرفع الْيَدَيْنِ، وَالدُّعَاء للْمَيت، والتكبيرات

(1/399)


بعد الْإِحْرَام وَالسَّلَام الْأَخير.
والموتى أَرْبَعَة: من لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ، وَقد ذكر، وَمن يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ كالسقط، وَمن يصلى عَلَيْهِ وَلَا يغسل هُوَ الَّذِي يخَاف أَن ينْفَصل إِذا غسل، وَالرَّابِع يصلى عَلَيْهِ وَيغسل.
وَالْمحرم إِذا مَاتَ يغسل وَيصلى عَلَيْهِ وَلَا يخمر وَجهه، وَلَا رَأسه، وَلَا يقرب طيبا.

(1/400)


(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ:)
غسل الزَّوْج زَوجته (نز) :
الْمَذْهَب: جَائِز.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
رُوِيَ أَن عليا غسل فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَلم يُنكر الصَّحَابَة ذَلِك فَصَارَ إِجْمَاعًا، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " أَنْت زَوجته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة "، لَيْسَ حكما يخْتَص بهما، بل سَائِر الْأمة كَذَلِك، وَالرَّسُول لم يعرفهَا وَقت وفاتها بل قَالَ أَنْت أول أَهلِي لحَاقًا بِي، وَلم يرد أَنَّهَا غسلت نَفسهَا.

(1/401)


لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
حق ثَبت لأحد المتناكحين على صَاحبه فَثَبت لصَاحبه عَلَيْهِ كَالْوَطْءِ وحقوقه ذَلِك لِأَنَّهُمَا ركنا العقد كَالثّمنِ والمثمن فِي البيع وهما مشتركان فِي مقاصده، وَالْمَوْت لَا يخرج الْمحل عَن قبُول الْحل وَالْحُرْمَة بِدَلِيل غسل الرجل الرجل وَالْمَرْأَة الْمَرْأَة.
لَهُم:
حل اللَّمْس مُسْتَفَاد لعقد النِّكَاح وَقد زَالَ، دَلِيله: الْوَطْء وَزَوَال الْمحل وَأَنه صَار بِمَنْزِلَة الجماد وَلِهَذَا جَازَ لَهُ نِكَاح أُخْتهَا وَأَرْبع سواهَا

(1/402)


وَالْمِيرَاث خلَافَة حكمِيَّة ثبتَتْ للزَّوْج، وَلم يكن لَهَا غسل نَفسهَا، وَإِنَّمَا غسلته لِأَن النِّكَاح قَائِم بِدَلِيل الْعدة وَكَونهَا بِالْأَشْهرِ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق رِوَايَة وَلَا تغسل الزَّوْجَة زَوجهَا.
التكملة:
يجوز أَن يبْقى أثر النِّكَاح فِي حكم دون حكم، بِدَلِيل المبتوتة فِي مرض الْمَوْت وَكَونهَا تَرث فقد بَقِي النِّكَاح فِي حق الْإِرْث دون غَيره، وَعِنْدنَا ذَلِك فِي الرّجْعَة، وَلَا نسلم أَنَّهَا التحقت بالجمادات بِدَلِيل كَونهَا تغسل، فَإِن قَالُوا: ملك الْيَمين يبطل بِمَوْت الْمَمْلُوك فَكَذَلِك هَاهُنَا، قُلْنَا: لَا فرق بَين الْمَوْضِعَيْنِ وَيجوز للسَّيِّد غسل مملوكته، وَأما إِذا مَاتَ السَّيِّد لَا تغسله الْأمة؛ لِأَنَّهَا انْتَقَلت إِلَى ملك الْوَرَثَة، وَبِالْجُمْلَةِ يلْزمهُم المبتوتة فِي مرض الْمَوْت؛ فَإِنَّهَا تَرث عِنْدهم لقِيَام النِّكَاح من وَجه، وَأما الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ؛ فَلِأَنَّهُ قد زَالَ الْمَانِع وَهُوَ خوف التباغض ثمَّ نسلم أَن النِّكَاح قد زَالَ من كل وَجه يُمكن زَوَال انْتِهَاء لَا زَوَال انْقِطَاع، بل قد تَأَكد فاستعقب حكمه بِدَلِيل

(1/403)


الْإِرْث، وَلَا فرق بَين الْغسْل وَالْإِرْث.

(1/404)


(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْخَمْسُونَ:)
الصَّلَاة على ميت غَائِب بِالنِّيَّةِ، وعَلى جُزْء من الْمَيِّت، وعَلى الْقَبْر (نح) :
الْمَذْهَب: جَائِز.
عِنْدهم: لَا يجوز إِلَّا أَن يُوجد الْأَكْثَر أَو الشّطْر الَّذِي فِيهِ الرَّأْس.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
صلى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام على النَّجَاشِيّ وعَلى قبر مسكينة قد صلي عَلَيْهَا وَصلى عَلَيْهِ الصَّحَابَة أَفْوَاج، وَلَو كَانَت صلَاته على النَّجَاشِيّ؛ لِأَنَّهُ

(1/405)


لَو كوشف فَرَآهُ لنقل، ثمَّ قد صلى على الصَّحَابَة مَعَه، فَإِن قَالُوا: كَانَ النَّجَاشِيّ فِي رَهْط كفار وَقُلْنَا دَاره دَار هِجْرَة لَا تَخْلُو مِمَّن يُصَلِّي عَلَيْهِ سِيمَا مَعَ مَكَانَهُ من الْملك.
لَهُم:
رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَتَى جَنَازَة ليُصَلِّي عَلَيْهَا فَأخْبرهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قد صلى عَلَيْهَا، وَقَالَ: الصَّلَاة على الْجِنَازَة لَا تُعَاد، ثمَّ إِجْمَاع السّلف على أَن الصَّحَابَة مَا كَانُوا يعيدون الصَّلَاة على الْجِنَازَة مَعَ آثَارهم الْحَسَنَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وَقع الِاتِّفَاق على أَن الْوَالِي إِذا لم يصل على الْجِنَازَة جَازَت صلَاته بعد الْقَوْم، وَمَعْلُوم أَن حق الْمَيِّت قد قضي، وَالْفِقْه فِيهِ أَن الصَّلَاة شرعت دُعَاء أَو شَفَاعَة للْمَيت وَالْخَيْر مستكثر مِنْهُ إِلَّا أَنَّهَا فرض كِفَايَة وَلَا

(1/406)


نوجب ذَلِك أَن يُعَاد وَصَارَ كالسلام وَالْجهَاد.
لَهُم:
الصَّلَاة شرعت لحق الْمَيِّت حَيْثُ هِيَ دُعَاء لَهُ وبدليل تولي أَهله لَهَا فَإِذا قضيت مرّة لَا تُعَاد صَار كسجود التِّلَاوَة وَلَيْسَت هَذِه الصَّلَاة نَافِلَة فتعاد كالنوافل، بل هِيَ فرض كِفَايَة والفرائض لَا تُعَاد ووزانه من الْجِهَاد أَن تقهر كل الْكفَّار وَهُنَاكَ يسْقط فرض الْجِهَاد.
مَالك: وَافق الْخصم.
أَحْمد:.
التكملة:
حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ لم يَصح، وَأما قَوْله: لم ينْقل عَن الصَّحَابَة إِعَادَة صَلَاة الْجِنَازَة، قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا مِمَّا تتوفر الدَّوَاعِي عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ شهرته بَينهم أغنت عَن نَقله، وَقد بَينا أَن فروض الكفايات إِذا قَامَ بهَا الْبَعْض لَا يمْنَع الْبَاقُونَ من فعلهَا كالجهاد وَالسَّلَام.
أما سَجْدَة التِّلَاوَة، فَإِنَّهَا تجب وتستحب للتالي والمستمع وَقد

(1/407)


قضينا حَقّهَا فوزان مَسْأَلَتنَا أَن يحضر آخر وَيسمع فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهُ السُّجُود ثمَّ من صلى فقد أسقط الْفَرْض عَن نَفسه، فَإِن قُلْنَا: لَا يُعِيد جَازَ، وَأما إِن لم يصل فقد سقط الْفَرْض عَنهُ بِفعل غَيره والفضيلة أَن يسْقط عَنهُ بِفعل نَفسه فَلَا يمْنَع.
إِن قَالُوا: هَذِه الصَّلَاة حق الْمَيِّت، وَالْأَصْل أَن يُبَاشِرهَا بِنَفسِهِ، قُلْنَا: وَقع الِاتِّفَاق على أَنه يدعى للْمَيت ويستغفر لَهُ ويصل إِلَيْهِ ثَوَاب الْقُرْآن وَالصَّلَاة عَلَيْهِ فِي حكم ذَلِك، عبارَة قضي حق الْمَيِّت بِأَقَلّ مَا يسْقط بِهِ الْفَرْض وَذَلِكَ لَا يمْنَع من الزِّيَادَة كرد السَّلَام وَالْجهَاد.

(1/408)


(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْخَمْسُونَ:)
الْآدَمِيّ إِذا مَاتَ (نط) :
الْمَذْهَب: لَا ينجس فِي أصح الْقَوْلَيْنِ.
عِنْدهم: نجس بِالْمَوْتِ ويطهر بِالْغسْلِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَيْسَ بِنَجس حَيا وَلَا مَيتا ".
لَهُم: ... .

(1/409)


الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
آدَمِيّ فَلَا ينجس بِالْمَوْتِ كالشهيد، وَوُجُوب غسله لَا يدل على نَجَاسَته كالجنب.
لَهُم:
وجوب غسله دَلِيل نَجَاسَته كَالثَّوْبِ النَّجس، وَبِهَذَا يُفَارق الشَّهِيد فَإِن الشَّهِيد لَا يغسل. عبارَة حَيَوَان لَهُ نفس سَائِلَة وَلَا يعِيش فِي المَاء فنجس بِالْمَوْتِ كَالْإِبِلِ وَغَيرهَا من الْحَيَوَان الطَّاهِر.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
يفرق بَين الْمَيِّت وَالثَّوْب، فَإِن نَجَاسَة الثَّوْب مجاورة، فَكَانَ غسله لإزالتها، وَلَو كَانَ الْمَيِّت نجسا لكَانَتْ نَجَاسَته نَجَاسَة عين، وَالْغسْل لَا يُؤثر فِي ذَلِك، وتشبيههم الْآدَمِيّ بِغَيْرِهِ من الْحَيَوَان بَاطِل، فَإِن الْإِبِل وَالْبَقر لَا تطهر بِالْغسْلِ، وَكَذَلِكَ الْعُضْو الْبَائِن لَا يطهر بِالْغسْلِ على أَن أَبَا بكر

(1/410)


الصَّيْرَفِي قَالَ: الْعُضْو طَاهِر.

(1/411)


(الْمَسْأَلَة السِّتُّونَ:)
الصَّلَاة على الْمَيِّت (س) .
الْمَذْهَب: الْوَلِيّ أولى من الْوَالِي فِي القَوْل الْجَدِيد.
عِنْدهم: الْوَالِي أَو الْوَلِيّ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يؤم رجل فِي سُلْطَانه وَلَا أَمِير فِي إمارته ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ولَايَة يعْتَبر فِيهَا تَرْتِيب الْعَصَبَات فَكَانَ الْوَلِيّ الْمُنَاسب فِيهَا مقدما على

(1/412)


السُّلْطَان كولاية النِّكَاح، ولَايَة يقْصد بهَا الدُّعَاء للْمَيت وَالِاسْتِغْفَار لَهُ، فَالْمُنَاسِب أشْفق من السُّلْطَان، وَهِي مُتَعَلقَة بِحَق آدَمِيّ فَصَارَت كالغسل.
لَهُم:
ولَايَة فِي إِمَامَة سنّ لَهَا الِاجْتِمَاع فَكَانَ السُّلْطَان أولى بهَا كَالْجُمُعَةِ وَيُفَارق ولَايَة النِّكَاح حَيْثُ الْقَصْد بهَا دفع الْعَار، فَكَانَ الْوَلِيّ أَحَق بهَا ثمَّ إِن الْوَلِيّ يلْزمه طَاعَة الْوَالِي فَيقدم المطاع كَالْأَبِ مَعَ الابْن.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
تفارق هَذِه الصَّلَاة سَائِر الصَّلَوَات لما فِيهَا من حق الْمَيِّت، وَالْخَبَر الَّذِي أوردوا إِنَّمَا هُوَ فِي الصَّلَوَات غير صَلَاة الْجَنَائِز وَهِي الَّتِي لَا يتَعَلَّق بهَا حق آدَمِيّ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله "، وَالْمرَاد بِهِ

(1/413)


غير صَلَاة الْجِنَازَة وَلم يكن تَقْدِيم الْأَب على الابْن لمَكَان الطَّاعَة، بل لِأَنَّهُ أَكثر حنة وشفقة على الْمَيِّت.

(1/414)