تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (كتاب الصّيام)
(2/77)
فارغة
(2/78)
لوحة 27 من المخطوطة " أ ":
ذهب أَكثر أَصْحَابنَا بل عامتهم أَن بَيَان مَا شرع الله من
الْأَحْكَام على جَمِيع الْمُكَلّفين أَو بَعضهم من الْوَاجِب
وَالنَّدْب والمباح والمحظور وَاجِب على النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام، وَلَا يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة.
نعم اخْتلفُوا فِي جَوَاز تَأْخِير بَيَان الْمُجْمل من
الْخطاب، وَبَيَان تَخْصِيص الْعُمُوم إِذا أُرِيد بِهِ
الْخُصُوص عَن وَقت وُرُود الْخطاب إِلَى وَقت الْحَاجة إِلَى
التَّنْفِيذ، فَمنع من ذَلِك بعض أَصْحَابنَا كالمزني
والصيرفي، وَأَجَازَ ذَلِك أَكثر الْأَصْحَاب لذكر النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام بَيَان أَرْكَان الصَّلَاة وهيئاتها عَن
وَقت الزَّوَال إِلَى أَن بَينهَا بِفِعْلِهِ، ثمَّ قَالَ: "
صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ".
وَالدَّلِيل من الْكتاب قَوْله تَعَالَى: {آلر كتاب أحكمت
آيَاته ثمَّ فصلت} ، وَالتَّفْصِيل إِنَّمَا هُوَ تَفْسِير
الْمُجْمل وَتَخْصِيص مَا أُرِيد تَخْصِيصه وَتَقْيِيد مَا
أُرِيد تَقْيِيده، وَاعْلَم أَنه إِذا قَالَ: أَنا صَائِم إِن
شَاءَ الله إِن جعل شرطا لم يَصح، وَإِن أَرَادَ أَن فعل ذَلِك
مَوْقُوف على مَشِيئَة الله صَحَّ.
(2/79)
من طلع الْفجْر عَلَيْهِ وَهُوَ مجامع
وَنزع لم يبطل صَوْمه، لِأَن النزع ترك الْفِعْل فَهُوَ كَمَا
لَو حلف لَا لبست الثَّوْب فاشتغل بنزعه.
الرِّيق: إِذا جمعه فِي فِيهِ ثمَّ ابتلعه هَل يفْطر؟
وَجْهَان: إِذا نقل البلغم من صَدره، أَو من رَأسه إِلَى فِيهِ
إِن ابتلعه أفطر، إِذا قدم من سَفَره فَوجدَ زَوجته طَاهِرا من
الْحيض فَوَطِئَهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أُبِيح
لَهُ الْإِفْطَار، إِن وطئ امْرَأَة وَهِي نَائِمَة لم تفطر
وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة، فَإِن أكرهها
بِحَيْثُ لَا تقدر تمْتَنع لم تفطر، وَإِن خوفها فأطاعته فَفِي
إفطارها قَولَانِ. إِذا وطئ فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل أفطر
وَلَا كَفَّارَة، وَإِن فعل ذَلِك فِي الدبر أَو فِي بَهِيمَة
أفطر وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة خلافًا لَهُم.
قَالُوا: لِأَنَّهُ وَطْء لَا يحصل بِهِ الْإِحْصَان وَلَا
الْإِحْلَال.
الْحَامِل والمرضع إِذا خافتا على أَنفسهمَا فأفطرتا وَجب
عَلَيْهِمَا الْقَضَاء دون الْكَفَّارَة، وَإِن خافتا على
ولديهما فأفطرتا فَالْمَشْهُور من الْمَذْهَب
(2/80)
(أَن) عَلَيْهِمَا الْقَضَاء
وَالْكَفَّارَة، وَتكره الْقبْلَة للصَّائِم إِن حركت
شَهْوَته.
قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: كَانَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبل بعض نِسَائِهِ
وَهُوَ صَائِم، وَكَانَ أملككم لإربه، قَالَ عُرْوَة، فَقلت
لعَائِشَة: وَمن هِيَ إِلَّا أَنْت، فَضَحكت.
إِذا تلذذ بِالنّظرِ (فَأنْزل لم يفْطر) .
إِذا استمنى أفطر وَلَا كَفَّارَة، قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: " اسْتَعِينُوا بقائلة النَّهَار على قيام
اللَّيْل، وبالسحور على صَوْم النَّهَار ".
وَيجوز للْمُسَافِر أَن يَصُوم وَهُوَ عندنَا أفضل خلافًا
لِأَحْمَد.
من جَازَ لَهُ الْإِفْطَار فِي رَمَضَان لعذر ثمَّ زَالَ
الْعذر وَهُوَ مفطر لم يجب عَلَيْهِ الْإِمْسَاك بَقِيَّة
النَّهَار، بل يَأْكُل حَيْثُ لَا يرَاهُ أحد كالمسافر إِذا
قدم وَالْحَائِض إِذا طهرت.
(2/81)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالسَّبْعُونَ:
تبييت النِّيَّة (عو)) .
الْمَذْهَب: لَا يَصح صَوْم شهر رَمَضَان إِلَّا بنية ليلية،
وَكَذَا نذر صَوْم يَوْم بِعَيْنِه.
عِنْدهم: يَصح بنية نهارية فيهمَا جَمِيعًا، فَأَما النّذر
الْمُطلق وَالْقَضَاء فيفتقر إِلَى نِيَّة ليلية.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من لم يجمع الصّيام من اللَّيْل
فَلَا صِيَام لَهُ " وروى من لم ينْو الصّيام قبل الْفجْر
فَلَا صَوْم لَهُ، وَلَا صِيَام لمن لم يبيت
(2/82)
الصّيام من اللَّيْل، وَلم يرد إِمْسَاكه
جُزْء من اللَّيْل، لِأَن ذَلِك غير مَطْلُوب، وَحمله على
الْقَضَاء وَالنّذر بَاطِل، لِأَن كَلَام الشَّارِع يحمل على
مَا هُوَ ركن.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} ،
وَهَذَا قد صَامَ لِأَن الصَّوْم عبارَة عَن الْإِمْسَاك، وروى
أَن أَعْرَابِيًا شهد عِنْد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
بِرُؤْيَة الْهلَال نَهَارا فَأمر أَن يُنَادي من أكل فليمسك،
وَمن لم يَأْكُل فليصم، وَكَذَلِكَ فعل فِي عَاشُورَاء.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لم يَأْتِ بِالْوَاجِبِ فَلم يخرج عَن عهدته، إِذْ الْفَرْض
صَوْم الْيَوْم كُله وَقد صَامَ بعضه حَيْثُ الصَّوْم إمْسَاك
مَعَ نِيَّة، وَمَتى وجدت ضحوة لم يرجع إِلَى مَا فَاتَ لِأَن
النِّيَّة عَزِيمَة على الْفِعْل ووقتها وَقت إنشائها.
(2/83)
لَهُم:
النِّيَّة ضحوة وَقد قارنت الصَّوْم صُورَة فَيَنْبَغِي أَن
تصح كالنفل، بَيَانه: أَن أول النَّهَار مُعْتَاد إِمْسَاكه
وَالْمَشَقَّة فِي آخِره، وَإِنَّمَا اعْتبر إمْسَاك أَوله
ليصير آخِره صوما فَهُوَ تَابع ومقارنة النِّيَّة للتابع لَيست
شرطا فَتَصِح النِّيَّة نَهَارا مَعَ هَذَا خوفًا من فَوَات
الْعِبَادَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالُوا: الْعِبَادَة فِي حكم الصِّحَّة وَالْفساد وَاحِدَة
لَا تتجزأ، وَالنِّيَّة قصد التَّقَرُّب بِالْفِعْلِ وَلم
يشْتَرط بِالْإِجْمَاع اقترانها بِجَمِيعِ الْعِبَادَة، بل
اكْتفى بِجُزْء وَاحِد وَجَمِيع الْأَجْزَاء سَوَاء، وَلذَلِك
صَحَّ النَّفْل بنية نهارية، وَإِنَّمَا اخْتصّت النِّيَّة فِي
بعض الْعِبَادَات بأولها لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى تعْيين،
وَمحل
(2/84)
النزاع اسْتغنى عَن ذَلِك بِتَعْيِين
الْوَقْت.
الْجَواب: الأَصْل اعْتِبَار النِّيَّة المحققة فِي جَمِيع
الْعِبَادَة، فَإِن تَصْحِيح الْقرْبَة دون قصد الْقرْبَة بعيد
غير أَن الشَّرْع علم مَا فِي الاستدامة من الْمَشَقَّة
فَاكْتفى بِالنِّيَّةِ فِي الْخَبَر الأول فَتكون مَوْجُودَة
فِي جَمِيع الْعِبَادَة بَعْضهَا حَقِيقَة وَبَعضهَا حكما،
وَفِي مَحل النزاع تضييق النِّيَّة على أول الْوَقْت مُمْتَنع
فنقلت إِلَى مَا قبله وَقدر بَقَاؤُهَا، وَلَو جَازَ
تَأْخِيرهَا مَا جَازَ تَقْدِيمهَا، فَإِذا نوى لَيْلًا فقد
اشْتَمَلت النِّيَّة على جَمِيع النَّهَار وَنِيَّة النَّهَار
يتعطل بهَا جُزْء مِنْهُ ونمنع تعْيين الْيَوْم للصَّوْم،
فَإِن الْمُسَافِر يَصُوم فِيهِ نفلا، وَلنَا فِي التَّنَفُّل
منع وَإِن سلمنَا فَهُوَ صَائِم من وَقت النِّيَّة وَالْأول
إمْسَاك.
(2/85)
فارغة
(2/86)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ:
تعْيين النِّيَّة (عز)) .
الْمَذْهَب: لَا يتَأَدَّى إِلَّا بنية مُعينَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين
لَهُ الدّين} ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِنَّمَا
الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نوى ".
لَهُم:
الْآيَة العزيزية.
وَالصَّوْم عبارَة عَن الْإِمْسَاك مَعَ النِّيَّة وَقد وجد.
(2/87)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
صَامَ من غير نِيَّة فَلَا يَصح صَوْمه، ويعنى بِالصَّوْمِ
الْإِمْسَاك فِي بَيَاض النَّهَار ونقول: عبَادَة يشْتَرط
تعْيين النِّيَّة فِي قَضَائهَا فَاشْترط تعْيين النِّيَّة فِي
أَدَائِهَا كَالصَّلَاةِ، وَلَا يلْزم الْحَج، لِأَنَّهُ
يشْتَرط تعْيين النِّيَّة فِي قَضَائِهِ، ونقول: فقد شَرط
الْعِبَادَة فَلم تصح.
لَهُم:
صَوْم عين فصح بِمُطلق النِّيَّة كالنفل، فَإِن من أصبح غير
ناو وَأطلق النِّيَّة انْصَرف إِلَى النَّفْل وَالْوَاجِب
عَلَيْهِ صَوْم وَمَتى أَتَى بِهِ لَا يبْقى عَلَيْهِ شَيْء،
وَتَعْيِين الزَّمَان يُغني عَن تعْيين النِّيَّة، وَلَا فرق
بَين تعْيين الزَّمَان وَتَعْيِين الْمَكَان.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
مطلع النّظر الْبَحْث عَن حَقِيقَة النِّيَّة وَوجه الافتقار
إِلَيْهَا وَالنِّيَّة على ضَرْبَيْنِ: تقرب وتمييز، أما
التَّقَرُّب فَفِي الْعِبَادَات إخلاص الْعَمَل لله تَعَالَى،
وَأما التَّمْيِيز كَمَا فِي الدُّيُون فَإِنَّهُ يحْتَمل
التَّمَلُّك هبة وَقَضَاء وَفِي مَحل النزاع
(2/88)
لَا خلاف أَن النِّيَّة للتقرب نفي
الزَّائِد من كَونه فرضا أَو نفلا أَو قَضَاء فتبييته
بِالنِّيَّةِ فالخصم اعْتبر نِيَّة التَّمْيِيز وَقد اسْتغنى
فِيهَا بِالْوَقْتِ الْمُتَعَيّن، وَنحن نقف مَعَ نِيَّة
التَّقَرُّب الَّتِي لَا يجوز أَن تَخْلُو الْعِبَادَة
مِنْهَا، إِن ألزمونا الْوضُوء وَالْحج عبادات بنية مُطلقَة.
الْجَواب: أَن نقُول الْوضُوء رفع الْحَدث أَو اسْتِبَاحَة
الصَّلَاة، وكل ذَلِك لَا يَنْقَسِم إِلَى فرض وَنفل.
أما الْحَج فَلَا يلْزم فَإِن نزاعنا وَقع فِي فعل مَأْمُور
بأوامر مُخْتَلفَة وَلَا بُد من امْتِثَال ذَلِك الْأَمر
بِالْقَصْدِ وَالْحج لَيْسَ من قبيل الْأَمر بِالْفِعْلِ بل
ذَات الْمَأْمُور مُسْتَحقَّة الْحُضُور بالمناسك.
(2/89)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالسَّبْعُونَ:
المطاوعة فِي شهر رَمَضَان (عج)) .
الْمَذْهَب: لَا تلزمها الْكَفَّارَة على الْمَنْصُور.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
خبر الْأَعرَابِي وَقَوله: هَلَكت وأهلكت، قَالَ: " مَاذَا
صنعت؟ " قَالَ: واقعت أَهلِي فِي نَهَار رَمَضَان، فَقَالَ
لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " أعتق رَقَبَة "، وَلم
يتَعَرَّض للْمَرْأَة وَلَو كَانَ عَلَيْهَا شَيْء لذكره.
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من أفطر فِي نَهَار
رَمَضَان فَعَلَيهِ مَا على
(2/90)
الْمظَاهر "، وَهَذِه قد أفطرت فعلَيْهَا
الْكَفَّارَة الَّتِي على الْمظَاهر.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْمَرْأَة سبق فطرها جِمَاعهَا فَصَارَ كَمَا لَو ابتلعت
حَصَاة ثمَّ جومعت وَالْكَفَّارَة كَفَّارَة وقاع، وَهَذِه
مواقعة لَا مواقعة لِأَن الْوَطْء من الرجل وَهِي مُمكنَة
والتمكين من الْفِعْل دون الْفِعْل كالتمكين من الْقَتْل.
لَهُم:
اسْتَويَا فِي سَبَب الْكَفَّارَة فاستويا فِي وُجُوبهَا،
دَلِيله الوقاع فِي حَالَة الْإِحْرَام بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ
يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفَّارَة الْإِحْرَام، ذَلِك
لِأَن الاسْتوَاء (فِي السَّبَب يَقْتَضِي الاسْتوَاء) فِي
الحكم وإفطارها كإفطاره.
مَالك: ف.
أَحْمد: ق.
(2/91)
التكملة:
مطلع النّظر تَحْقِيق المناط فِي مَحل الْإِجْمَاع من قصَّة
الْأَعرَابِي ويشتمل على أَوْصَاف كَثِيرَة واختلافنا فِي وصف
وَاحِد وَهُوَ كَونه وقاعا فَنحْن نعتبره، والخصم يعْتَبر
عُمُوم وصف الْإِفْسَاد، وَقد يوافقون فِي اعْتِبَار الوقاع
وَيدعونَ أَن الْمَرْأَة فِيهِ كَالرّجلِ.
وَقد نوافقهم على أَن المناط (مُطلق الْإِفْسَاد) ، وندعي أَنه
هُوَ أفسد صَومهَا، ثمَّ الْكَفَّارَة تترتب على الوقاع المهلك
وَإِنَّمَا وجد من الزَّوْج وَالْمَرْأَة مَحَله حَتَّى لَا
يَصح مِنْهَا أَن يَقُول واقعت وَانْتِفَاء الْعلَّة يُوجب
انْتِفَاء الْمَعْلُول ويتأيد هَذَا الْفَصْل بالعاقلة إِذا
مكنت مَجْنُونا فَإِن الْحَد سَاقِط عَنْهَا عنْدكُمْ فَإِن
ناقضونا بِحَدّ الزِّنَى وَكَونه يعمهما إِمَّا لِأَن الْفِعْل
مُشْتَرك بَينهمَا، أَو لِأَن تمكينها بِمَنْزِلَة الْفِعْل.
قُلْنَا: الْحَقَائِق لَا تنْتَقض بِالْأَحْكَامِ، وَالصَّحِيح
أَنه فَاعل فعل الْإِيلَاج وَالْمَرْأَة مُمكنَة إِلَّا أَن
الشَّرْع لقب تمكينها زنى وربط بِهِ الْحَد وَذَاكَ إِلَيْهِ،
بَقِي إِذا ألحقت بِهِ هُنَاكَ فلتلحق بِهِ هَاهُنَا.
(2/92)
وَالْجَوَاب: هَذَا قِيَاس وَلَا مجَال
للْقِيَاس فِي الْأَسْبَاب.
(2/93)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالسَّبْعُونَ:
الْإِفْطَار بِالْأَكْلِ وَالشرب (عط)) .
الْمَذْهَب: لَا يُوجب الْكَفَّارَة.
عِنْدهم: يُوجب بالغذاء والدواء.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: الْخَبَر الشريف.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تَارِك للصَّوْم فِي بعض الْيَوْم فَلم تجب الْكَفَّارَة
عَلَيْهِ، كَمَا لَو ترك
(2/94)
الْجَمِيع بِأَن لم ينْو لِأَن حَقِيقَة
الصَّوْم ترك الْأكل لَا ترك الْجِمَاع، فالجماع من
الْمَحْظُورَات، وَمنا من سلم أَن الْجِمَاع ترك الصَّوْم غير
أَنه لَو طلع الْفجْر عَلَيْهِ وَهُوَ مخالط وَجَبت
الْكَفَّارَة كتركه الصَّوْم فِي بعضه، وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا
ترك الصَّوْم فِي كل النَّهَار بِأَن لم ينْو.
لَهُم:
وجد الْإِفْطَار الْكَامِل فَوَجَبت الْكَفَّارَة كالجماع،
ذَلِك لِأَن الصَّائِم مَأْمُور بالكف عَن الشهوتين والجنابة
بارتكابهما وَاحِد، وَقد سوى الشَّرْع بَينهمَا تَحْرِيمًا
وتحليلا، وَالْكَفَّارَة عُقُوبَة فصلحت للزجر عَن الْإِفْطَار
سِيمَا وشهوة الْبَطن هِيَ الْأَكْثَر وقوعا فاقتضت الزّجر
عَنْهَا.
مَالك: تجب الْكَفَّارَة بِكُل مَا يحصل بِهِ هتك حُرْمَة
الصَّوْم إِلَّا الرِّدَّة.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْكَفَّارَة لَيست فِي مُقَابلَة الْمحل حَتَّى نَنْظُر إِلَى
فَوَاته ونقطع بِالنّظرِ
(2/95)
عَن الْفَوْت، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَة
بأزاء الْفِعْل، إِمَّا جَزَاء عَلَيْهِ أَو محوا لأثره حَتَّى
يصير كَأَن لم يكن، وَهَذِه الْمُنَاسبَة فِي خُصُوص معنى
الوقاع (أَكثر لِمَعْنى الْحَظْر فِيهِ فَإِن الوقاع)
بِاعْتِبَار أَصله حرَام والحل عَارض وَالْأكل مُبَاح،
وَالْحُرْمَة لعَارض وَلِهَذَا يقْضِي بِتَحْرِيم كل امْرَأَة
لم يعرف حلهَا، وبحل كل مأكل لم تعرف حرمته، فَإِن الزِّنَا
حرَام لعَينه، وَأكل مَال الْغَيْر حرَام لغيره، وَملك
الْمُبَاح لَا يُغير هَذَا الْمَعْنى لِأَن فِي الْجُمْلَة فِي
الْوَطْء ابتذالا هُوَ بعد الْملك كَمَا كَانَ قبل الْملك.
أما من أفطر بِخَمْر فَنَقُول: النَّقْص يدل على من يسْتَدلّ
بالمناسبة على اعْتِبَار الْمَعْنى فِي حق الحكم وَنحن نثبت
اعْتِبَار وصف الوقاع بِالنَّصِّ يعم الشَّرْط الْمُضَاف
إِلَيْهِ أَن يكون مناسبا حَتَّى يعْتَبر مَعَ السَّبَب غَايَة
مَا فِي الْبَاب أَن مناسبا آخر لم يعتبره الشَّرْع وَمن يتحجر
عَلَيْهِ فِيمَا يَأْخُذ ويذر.
(2/96)
فارغة
(2/97)
(الْمَسْأَلَة الثَّمَانُونَ: (ف)) .
إِذا جَامع فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان.
الْمَذْهَب: تجب كفارتان.
عِنْدهم: كَفَّارَة وَاحِدَة وَاخْتلفُوا كَمَا لَو كفر ثمَّ
وطئ فِي يَوْم ثَان.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
خبر الْأَعرَابِي.
وَجه الدَّلِيل كَونه لم يسْأَله دفْعَة وَاقع أَو دفعات،
وَلَو اخْتلف الحكم لاستفصله، دَلِيل كَونه عُقُوبَة: قَوْله
عَلَيْهِ السَّلَام: " من أفطر
(2/98)
مُتَعَمدا "، علق الْكَفَّارَة على العمدية
فَدلَّ على كَونهَا عُقُوبَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تكَرر سَبَب الْوُجُوب فتكرر الْوُجُوب كَمَا لَو ظَاهر ثمَّ
ظَاهر، فَإِن الحكم مُوجب السَّبَب فَكَانَ على وَفقه
وَالْيَوْم الثَّانِي كَالْيَوْمِ الأول فِي جَمِيع أَحْكَامه.
لَهُم:
الْكَفَّارَة تجب بهدم حُرْمَة رَمَضَان والشهر وَاحِد فَهُوَ
بِمَثَابَة شَهْري التَّتَابُع، وَكَفَّارَة رَمَضَان
عُقُوبَة، والعقوبات تتداخل كالحد.
الدَّلِيل على كَونهَا عُقُوبَة: اعْتِبَار العمدية فِيهَا خرج
عَلَيْهِ مَا لَو وطئ ثمَّ كفر فَإِنَّهُ بِمَثَابَة مَا لَو
حد ثمَّ وطئ، وَكَذَا إِذا وطئ فِي رمضانين هُوَ كَمَا لَو وطئ
امْرَأتَيْنِ.
مَالك: ق.
(2/99)
أَحْمد: إِن كفر عَن الأول وَجَبت فِي
الثَّانِي.
التكملة:
الْكَفَّارَة لَيست من قبيل الْعِبَادَات، فَإِن الْعِبَادَات
مَطْلُوبَة، وَالْكَفَّارَة بِسَبَب يأباه الشَّرْع، وَلَيْسَت
غَرَامَة، إِذْ الغرامات خير الْمحَال، وَالْكَفَّارَة تجب
بِإِزَاءِ الْفِعْل إِجْمَاعًا، وَلِهَذَا تَتَعَدَّد فِي
الْجَمَاعَة، إِذا قتلوا وَاحِدًا مَعَ اتِّحَاد الدِّيَة
وَلَيْسَت عُقُوبَة، لِأَن الْعُقُوبَات تزجر عَن الْفِعْل،
وَالْفِعْل إِنَّمَا يزْجر عَنهُ إِذا اتّصف بِالْحُرْمَةِ
وَذَلِكَ عِنْد النَّهْي.
وَالْكَفَّارَة تجب بِأَسْبَاب لَا يتَعَلَّق بهَا النَّهْي
وَلَا تُوصَف بِالْحُرْمَةِ كَالْقَتْلِ الْخَطَأ، فَهِيَ إِذا
جنس بِنَفسِهَا تمحو أثر الْفِعْل، ونقول: هتك حُرْمَة
الشَّهْر خيال بَاطِل، وَإِنَّمَا هُوَ جنى على نَفسه وَدينه،
وَمِنْهُم من يَقُول: تعدد السَّبَب يُوجب تعدد الحكم فِي
الْعِبَادَات والغرامات لَا فِي الْحُدُود (وَقد يسلمُونَ تعدد
الحكم، أما الاستبقاء فَفِي الْعِبَادَات والغرامات لَا
الْحُدُود) .
وَالْجَوَاب: أَن الأَصْل تعدد الْأَحْكَام بِتَعَدُّد
الْأَسْبَاب وَأَن يَسْتَوْفِي
(2/100)
ذَلِك مَا لم يُوجد مَانع.
(2/101)
فارغة
(2/102)
(مسَائِل الصّيام)
(2/103)
فارغة
(2/104)
ص 28 من المخطوطة " أ ":
(الْمُكَلف الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، وَشَرطه أَن يكون عَاقِلا
يفهم الْخطاب، لِأَن التَّكْلِيف يَقْتَضِي الطَّاعَة
بالإمساك، وَلَا يُمكن الْإِمْسَاك إِلَّا بِقصد النِّيَّة،
وَشرط الْقَصْد الْعلم بِالْمَقْصُودِ وَفهم التَّكْلِيف، فَمن
لَا يفهم كَيفَ يُقَال لَهُ: افهم، وَمن لَيْسَ لَهُ قصد
صَحِيح، كَيفَ يُكَلف الْقَصْد الصَّحِيح؟
وَأما وجوب الزَّكَاة والغرامات والنفقات على الصّبيان
فَلَيْسَ ذَلِك من التَّكْلِيف؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل
التَّكْلِيف بِفعل الْغَيْر وَتجب الدِّيَة على الْعَاقِلَة
لَا بِمَعْنى أَنهم يكلفون بِفعل الْغَيْر لَكِن بِمَعْنى أَن
فعل الْغَيْر سَبَب لثُبُوت الْغرم عَلَيْهِم، وَكَذَا ملك
النّصاب سَبَب لثُبُوت الزَّكَاة فِي ذمَّة الصَّبِي بِمَعْنى
أَنه سَبَب لخطاب الْوَلِيّ بِالْأَدَاءِ فِي الْحَال وَسبب
خطاب الصَّبِي بعد الْبلُوغ وَذَلِكَ لَا يَسْتَحِيل إِنَّمَا
يَسْتَحِيل أَن يُقَال لمن لَا يفهم افهم.
وَبِالْجُمْلَةِ الصَّبِي يفهم الْخطاب بِالْقُوَّةِ وَيظْهر
إِلَى (الْفِعْل بِالْبُلُوغِ) وَأمر الصَّبِي بِالصَّلَاةِ
إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الْوَلِيّ فَهُوَ يُخَاطب الصَّبِي،
وَإِنَّمَا تعرف السن الَّتِي يُخَاطب فِيهَا بِالشَّرْعِ
وَالنَّاسِي أَيْضا غير مُخَاطب، وَكَذَا السَّكْرَان وَلُزُوم
المغارم من قبيل ربط الْأَحْكَام.
(2/105)
وَقَوله تَعَالَى: {لَا تقربُوا الصَّلَاة
وَأَنْتُم سكارى} {خطاب للمنتشي، فَإِن قَالُوا} : عنْدكُمْ
لَيْسَ من شَرط الْأَمر كَون الْمَأْمُور بِهِ مَوْجُودا
وَعَدَمه أكد من عدم صفة فهمه.
الْجَواب: الْمَعْدُوم مَأْمُور على تَقْدِير الْوُجُود لَا
أَيَّة مَأْمُور فِي حَالَة الْعَدَم لَا يبعد أَن يقوم بِنَفس
الْأَب طلب تعلم الْوَلَد الْعلم قبل وجود الْوَلَد فَصَارَ
الْوَلَد مطالبا بذلك الطّلب.
وَكَذَا اقْتِضَاء الطَّاعَة من الْعباد تعلق بهم وعَلى
تَقْدِير وجودهم (فَإِذا وجدوا صَارُوا) مأمورين وَلَا يُسمى
هَذَا الْمَعْنى فِي الأول خطابا إِنَّمَا يصير خطابا إِذا وجد
الْمَأْمُور) .
وَاعْلَم أَنه يحسن أَن يُقَال: (لمن أوصى أَوْلَاده) بالتصدق
بِمَالِه أَمر فلَان أَوْلَاده بِكَذَا وَإِن كَانَ بَعضهم يعد
مجنيا أَو مَعْدُوما.
وَاعْلَم أَنه لَا يقف (الْإِفْطَار على الطَّعَام وَالشرَاب)
فَحسب بل لَو بلع
(2/106)
حَصَاة أفطر والحقنة تفطر والتقطير فِي
الإحليل، وَلَا يكره للصَّائِم أَن يكتحل (وَلَو وجد طعم
الدَّوَاء فِي) حلقه لم يفْطر.
الشَّيْخ الْهم إِذا أجهده الصَّوْم جهدا غير مُحْتَمل أفطر
وَتصدق عَن كل يَوْم (مدا) وَمن وَجب عَلَيْهِ) قَضَاء
رَمَضَان فجَاء رَمَضَان آخر وَلم يقْض صَامَ الْأَدَاء وَكفر
عَن الْغَائِب.
(2/107)
(الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة
وَالثَّمَانُونَ: (فا)) .
إِذا انْفَرد بِرُؤْيَة الْهلَال ورد الْحَاكِم شَهَادَته إِن
جَامع.
الْمَذْهَب: وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " صومكم يَوْم تصومون " دَلِيل على
أَن الْيَوْم لَيْسَ من الشَّهْر، لِأَن النَّاس مَا صاموه
وَكَونه لَا يمْنَع بِرُؤْيَة الْهلَال لما رُوِيَ أَن
(2/108)
عمر رَضِي الله عَنهُ أَمر إنْسَانا زعم
أَنه رأى الْهلَال أَن يغسل وَجهه فَفعل وَعَاد فَمَا رَآهُ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
أفطر فِي يَوْم من رَمَضَان بجماع يَأْثَم فَوَجَبت
الْكَفَّارَة كَالْيَوْمِ الثَّانِي وَالدَّلِيل على وجوب
صَوْمه وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِ، وَفطر غَيره لَا يلْزمه،
كَمَا لَو شرب خمرًا يحسبها الْغَيْر مَاء أَو وطئ
أَجْنَبِيَّة يحسبها النَّاس زَوجته.
لَهُم:
أفطر بِشُبْهَة فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ كَمَا لَو تسحر يظنّ
أَنه ليل فَلم يكن ذَلِك لِأَن الْكَفَّارَة فِي الصَّوْم
عُقُوبَة، وَالدَّلِيل على الشُّبْهَة أَن الشَّهْر فِي حق
غَيره شعْبَان، بِدَلِيل أَنه لَو عد النَّاس مَعَه تِسْعَة
وَعشْرين يَوْمًا فَلم يرَوا الْهلَال لزمَه الصَّوْم مَعَهم.
مَالك:
أَحْمد:
(2/109)
التكملة:
دَلِيل على كَونه من شهر رَمَضَان صلَاته واستثناؤه عَن تثبيت
النِّيَّة وتعيينها عِنْدهم وَلُزُوم قَضَائِهِ بنية رَمَضَان،
إِذا فَاتَ، أما هم فَيَقُولُونَ لما رد الْحَاكِم شَهَادَته
حكمنَا بِأَنَّهُ لَيْسَ من رَمَضَان كَيْلا يكون فِي حق شخص
من شعْبَان، وَفِي حق آخر من رَمَضَان، وَلَعَلَّه أَخطَأ فِي
النّظر، وَإِنَّمَا ألزمناه فِي الصَّوْم شَرَائِطه
احْتِيَاطًا.
الْجَواب: الرُّؤْيَة مدرك من مدارك الْعلم حَتَّى لَو أَن أهل
قَرْيَة رَأَوْا الْهلَال لَزِمَهُم الصَّوْم، وَإِن لم يلْزم
غَيرهم على مَسَافَة الْقصر، ويستحيل أَن يُقَال: انْتِفَاء
الْغَلَط لكثرتهم، فَإِن الْكَثْرَة تَنْفِي احْتِمَال
الْكَذِب لَا الْغَلَط فَإِن الْغَلَط جَار، أما إِذا لم ير
الْهلَال فِي تَاسِع وَعشْرين فَإِنَّهُ يفْطر سرا خيفة
التُّهْمَة.
(2/110)
فارغة
(2/111)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
وَالثَّمَانُونَ: (غب)) .
إِذا وصل إِلَى جَوْفه بمضمضة أَو إِكْرَاه.
الْمَذْهَب: لَا يفْطر فِي القَوْل الْمَنْصُور.
عِنْدهم: يفْطر إِن كَانَ ذَاكِرًا للصَّوْم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ
وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ " وَالْخَطَأ لَا
يرْتَفع إِنَّمَا نرفعه من حَيْثُ الْمَعْنى، وَلَا نعلق بِهِ
حكما.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الصَّوْم مِمَّا ولج،
وَالْوُضُوء مِمَّا خرج "، وَقَالَ
(2/112)
للقيط: " بَالغ فِي الْمَضْمَضَة
وَالِاسْتِنْشَاق إِلَّا أَن تكون صَائِما فارفق "، وَإِنَّمَا
نهى مَخَافَة الْوَاصِل.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وصل الْوَاصِل إِلَى جَوْفه بِغَيْر اخْتِيَاره فَلم يفْطر
كَمَا لَو طَار إِلَى حلقه ذُبَابَة.
لَهُم:
لَو بَالغ أفطر لَا بالمبالغة بل بالواصل، وَكَذَا إِن لم
يُبَالغ إِذْ الحكم مَعَ الْوَاصِل كَمَا قُلْنَا فِي
الْقبْلَة نهى عَنْهَا الشَّاب، وَرخّص فِيهَا للشَّيْخ، ثمَّ
إِن الشَّيْخ لَو قبل أفطر، عبارَة: وصل الْوَاصِل إِلَى
جَوْفه وَهُوَ ذَاكر فَأفْطر
(2/113)
قِيَاسا على مَا لَو ظن أَنه ليل.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
الصَّوْم فعل أَمر العَبْد بِهِ وَهُوَ الْكَفّ، والإفطار فعل
هُوَ ترك الصَّوْم وَفعله مَا تعلق بقدرته وَقس على النَّاسِي
الله أطعمك وسقاك، وَالْأَصْل أَن من لَا يفعل شَيْئا لَا
يُضَاف إِلَيْهِ، وحافر الْبِئْر فِي ملك الْغَيْر أضيف
إِلَيْهِ لتعديه، قَوْلهم: الصَّوْم مِمَّا يلج، يرد عَلَيْهِ
الاستقاء عِنْدهم النَّاسِي على خلاف الْقيَاس، وَإِلَّا
الْفطر قد وجد.
وحرف المسالة أَن عندنَا كَمَا لَا يدْخل فِي الصَّوْم إِلَّا
بِقصد لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا بِقصد، وَعِنْدهم يحصل
الْإِفْطَار بالمنافي.
(2/114)
فارغة
(2/115)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
وَالثَّمَانُونَ: (فج)) .
الْمَجْنُون إِذا أَفَاق فِي أثْنَاء الشَّهْر.
الْمَذْهَب: لَا يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَ من أَيَّام الشَّهْر.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث " رفع
التَّكْلِيف عَن الْمَذْكُورين وَيَقْتَضِي رفع مُطلق
الْوُجُوب، وَاسْتثنى من ذَلِك النَّائِم بِدَلِيل.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} وَقد
تحقق شُهُوده حَيْثُ أَفَاق فِي بعضه إِذْ كَانَت إِضَافَة
وجوب الصَّوْم إِلَى الشَّهْر إِضَافَة مُطلقَة، وَهَذَا يدل
على السَّبَبِيَّة، لِأَن الحكم أخص بِسَبَبِهِ من شَرطه،
لِأَن السَّبَب مُوجب وَالشّرط غير مُوجب.
(2/116)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْإِيجَاب لَا يتَنَاوَل زمن الْجُنُون، فَإِذا أَفَاق لَا
يتَنَاوَل الْإِيجَاب الزماني الْمَاضِي كَالصَّبِيِّ بلغ فِي
بعض الشَّهْر، ذَلِك لِأَن الْإِيجَاب بخطاب الشَّرْع،
لِأَنَّهَا عبَادَة سمعية، وَالْخطاب سَاقِط، وَالْوُجُوب
بِالْخِطَابِ لَا بالأسباب، والمتكرر بِمُطلق الْأَمر.
لَهُم:
الْجُنُون يمْنَع من فهم الْخطاب فَلَا يمْنَع الْوُجُوب
وَالْأَدَاء، إِذْ التَّصَوُّر كَالصَّوْمِ، لِأَن أَسبَاب
الْأُمُور الحسية كالوقت للصَّلَاة، وَالْمَال لِلزَّكَاةِ
وَإِذا حصلت حصل الْمُسَبّب، وَلِأَنَّهَا تَتَكَرَّر
بِتَكَرُّر الْأَوْقَات، وَإِنَّمَا سقط الْقَضَاء إِذا أَفَاق
بعد الشَّهْر للْحَرج، وندعي أَنه مُخَاطب.
مَالك: إِذا فَاتَ الشَّهْر فِي حَال حَيَاته فَعَلَيهِ
الْقَضَاء.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا.
(2/117)
التكملة:
قَالُوا: خطاب الْأَدَاء التمَاس الْفِعْل من الْمُكَلف،
وَالْمَجْنُون لَيْسَ أَهلا لَهُ، وخطاب الْوُجُوب الْإِثْبَات
فِي الذِّمَّة، وَذمَّة الْمَجْنُون صَحِيحَة.
الْجَواب: هَذَا التَّقْسِيم مَقْبُول فِي الْمُعَامَلَات،
فَإِن الْوَاجِب مثلا مَال مُقَدّر فِي الذِّمَّة، والعبادات
لَيْسَ فِيهَا إِلَّا خطاب وَاحِد، وَهُوَ طلب الْفِعْل،
وَالْفرق بَينهمَا أَن المَال الْمُؤَدى غير فعل الْأَدَاء،
وَهَاهُنَا الْفِعْل الْمُؤَدِّي عين فعل الْأَدَاء، وَقد وَقع
الِاشْتِرَاك فِي اللَّفْظ فَإِنَّهُ يُقَال: أَدَاء المَال
وَأَدَاء الصَّلَاة فيظن أَن الْمُؤَدى فِي الصَّلَاة غير
الْأَدَاء، والعذر عَن النَّائِم (أَن الشَّرْع) أدَار الْخطاب
مَعَ الْعقل والنائم عَاقل، بِدَلِيل أَنه لَو روعه مُنَبّه
فَزَالَ عقله وَجب عَلَيْهِ الضَّمَان، وَنسبَة النَّائِم
إِلَى الْمَجْنُون نِسْبَة الْمُقَيد إِلَى الزَّمن.
حرف الْمَسْأَلَة عندنَا الْوُجُوب يتلَقَّى من خطاب الشَّرْع
وَلَا خطاب فِي حق الْمَجْنُون، وَعِنْدهم يتلَقَّى من
الْأَسْبَاب.
(2/118)
فارغة
(2/119)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة
وَالثَّمَانُونَ: (فد)) .
إِذا شرع فِي صَلَاة أَو صَوْم تطوع.
الْمَذْهَب: لَا يلْزمه إِتْمَامه وَلَا قَضَاؤُهُ إِن
أفْسدهُ.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
رَوَت أم هَانِئ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كنت عِنْد
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَأتي بقدح فِيهِ شراب فَشرب
وناولني فَشَرِبت، وَقلت: يَا رَسُول الله أذنبت ذَنبا
فَاسْتَغْفر لي، فَقَالَ: " مَا فعلت؟ "، قلت: كنت صَائِمَة،
قَالَ: " أعن قَضَاء؟ ". قلت: لَا. فَقَالَ: " لَا يَضرك ".
(2/120)
لَهُم:
قَالَت عَائِشَة: كنت وَحَفْصَة صائمتين فأهدى لنا طَعَام
فأكلنا فَدخل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فابتدرتني حَفْصَة
وَكَانَت بنت أَبِيهَا فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: " اقضيا
يَوْمًا مَكَانَهُ "، وَدخل عَليّ ذَات يَوْم فَقَالَ: "
إِنِّي صَائِم " فأهدي لنا حيس، فَقَالَ: " إِنِّي آكل وأقضي
يَوْمًا ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تَارِك للصَّوْم فِي بعض الْيَوْم فَلَا يزِيد على ترك
الْجَمِيع أما الْإِكْرَام والالتزام فَلَا يُوجد إِثْم إِنَّه
عبَادَة لَا يجب الْمُضِيّ فِيهَا مَعَ الْإِفْسَاد فَلَا
(2/121)
تلْزم بِالشُّرُوعِ يخرج عَلَيْهِ الْحَج
فَإِنَّهُ يمْضِي فِيهِ مَعَ الْإِفْسَاد.
لَهُم:
عبَادَة تلْزم بِالنذرِ فتلزم بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ، وَإِذا
شرع فِي صَوْم نفل فَأول جُزْء أَتَى بِهِ انْعَقَد قربَة،
والقرب لَا يجوز إِبْطَالهَا، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا
تُبْطِلُوا أَعمالكُم} .
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
يلْزمهُم إِذا شرع فِي صَوْم ظن أَنه وَاجِب عَلَيْهِ حَيْثُ
لَا يلْزمه الْمُضِيّ فِيهِ، عِنْدهم أَن الْغرم يلْزم كالنذر،
وَإِن كَانَ النّذر يلاقي كل يَوْم وَالْغُرْم بعضه.
قَالُوا: وَأجْمع الأصوليون على أَن من نَدم على طَاعَة
وَتَابَ عَنْهَا كفر، وَاعْتَذَرُوا عَن الْأكل عِنْد الصّديق
بالْخبر الْوَارِد فِيهِ من جبر قلب الْمُسلم.
وَالْجَوَاب: لَا نسلم أَن الْغرم مُلْزم، وَالنّذر الْتِزَامه
صَحِيح صَرِيح وثابت
(2/122)
فِي الذِّمَّة كالديون، وَهَاهُنَا لم
تُوجد الْعِبَادَة حَتَّى تحفظ.
ونقول: الصَّوْم لَا يتَجَزَّأ بل كُله عبَادَة وَبَعضه لَيْسَ
بِعبَادة، وَهُوَ يشابه الْإِيجَاب وَالْقَبُول، وَالصَّحِيح
أَن نسلم أَنه عبَادَة، لَكِن نقُول: الْجُزْء يحاكي أَصله
وَلَو ترك أصل هَذِه الْعِبَادَة فِي الْيَوْم لم يلْزمه
شَيْء، وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم}
أَرَادَ بِهِ الْوَاجِبَات.
(2/123)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة
وَالثَّمَانُونَ: (فه)) .
إِذا نذر صَوْم الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق.
الْمَذْهَب: لَا ينْعَقد نَذره وَإِذا صَامَ لم يَصح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تَصُومُوا يَوْم النَّحْر "
فالنهي دَلِيل الْفساد وَفَسَاد الْمَنْذُور فَسَاد النّذر،
فَإِن النّذر الْتِزَام يُرَاد للوفاء، فَلَمَّا امْتنع شرعا
بَطل، وَصَارَ كنذر يَوْم أَيَّام الْحيض.
لَهُم:
نهى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن صَوْم هَذِه الْأَيَّام،
وَلَو لم يتَصَوَّر لما نهى
(2/124)
وَعنهُ، وَذَلِكَ لِأَن الْمَقْصُود من
النَّهْي امْتنَاع الْمُكَلف وَالصَّوْم شرعا هُوَ هَذَا
الْإِمْسَاك، وَالدَّلِيل على المشروعية عمومات الْأَمر
بِالصَّوْمِ كَقَوْلِه تَعَالَى: " الصَّوْم لي "، وَمُقْتَضى
الْأَمر يَقْتَضِي شرع الْمَأْمُور.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أضَاف النّذر إِلَى غير مَحَله فلغا كالليالي، ذَلِك لِأَن
الْمَنْذُور الصَّوْم وَلَيْسَت محلا وَلَا يحل صَومهَا،
وَالْخُلَاصَة أَن الصَّوْم عقد شَرْعِي فَلَا ينْعَقد إِلَّا
بِالشَّرْعِ، وَالشَّرْع هُوَ الْإِيجَاب مرّة، والاستحباب
مرّة، وهما معدومان.
ونقول: نذر مَعْصِيّة فَلَا يَصح قِيَاسا على جَمِيع
الْمعاصِي، وَلَو صَامَ فِيهَا وَقضى لم يَصح.
لَهُم:
يَوْم فَيكون محلا للصَّوْم كَغَيْرِهِ، بَيَان الْمَحَلِّيَّة
النَّهْي عَنهُ، الدَّال على تكونه فِيهِ، وَلِأَن الصَّوْم كف
النَّفس عَن الشهوتين فمحله زمَان ذَلِك، وَالنَّهْي لَا
لِمَعْنى يرجع إِلَى الْيَوْم بل لإجابة الدَّاعِي وهم أضياف
الله فَصَارَ
(2/125)
كَالصَّلَاةِ فِي دَار مَغْصُوبَة، ونقول:
نذر صدر من أَهله فِي مَحَله فصح.
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْجَواب عَن نُكْتَة الْمَسْأَلَة أَن نقُول: افهموا من
الصَّوْم مَا تفهمون من صَلَاة الْحَائِض فَمَا يُخَالف بِهِ
الْحَائِض لَو صلت هُوَ الَّذِي يُخَالف بِهِ صِيَام يَوْم
الْعِيد وَالْحق أَن يحمل لفظ الشَّرْع على مَوْضُوعه.
وَمَعْنَاهُ أَن الصَّلَاة فِي اللُّغَة هِيَ الدُّعَاء،
فَإِذا أطلقت شرعا أُرِيد بِهِ الصُّورَة الْمَعْلُومَة،
فَإِذا قَالَ: لَا تصل لم يرد لَا تدع بل مَعْنَاهُ لَا تقدم
على الصُّورَة الَّتِي صورتهَا لَك وسميتها صَلَاة، وَكَذَا
فِي الصَّوْم.
أما كَونه صَحِيحا فَلَيْسَ جُزْءا من الْمُسَمّى حَتَّى يفوت
الِاسْم بفواته، بل هُوَ تبع وجود الْمُسَمّى مَعَ زِيَادَة
شَيْء آخر، وَهُوَ كَونه مُوَافقا لِلْأَمْرِ السَّابِق
(2/126)
وفساده تبع وجود الْمُسَمّى مُخَالفا لأمر
سَابق، وبهذه الدقيقة ينْحل إِشْكَال الْمَسْأَلَة ثمَّ
الْأَيَّام مَا كَانَت محالا لِأَنَّهَا بَيَاض نَهَار بل
بِالشَّرْعِ وَالنَّهْي ينْصَرف إِلَى الْإِمْسَاك حسا،
وَهَذَا يتَصَوَّر فِي يَوْم الْعِيد، وَالصَّوْم لَهُ طرفان:
طرف يتَعَلَّق بالمأمور، وَهُوَ الْإِمْسَاك وَالنِّيَّة
وَذَلِكَ مُتَصَوّر مِنْهُ، وطرف يتَعَلَّق بِالْأَمر وَهُوَ
إِذْنه فِيهِ، فَإِذا لم يَأْذَن لَا يكون مَشْرُوعا، وَلَا
نسلم أَن الْعِبَادَة بمجاهدة النَّفس بل بِطَاعَة الْأَمر
ويلزمهم كَونه لَا يلْزم بِالشُّرُوعِ، وَكَونه لَا تَصُوم
فِيهِ قَضَاء، ثمَّ افهم أَن الْحَائِض لَا يُخرجهَا الْحيض
عَن أَهْلِيَّة الْعِبَادَة، أَلا ترى أَن الْمُحدث لَا تصح
صلَاته وَلَو التزمها وَالْحيض كالجنابة.
(2/127)
فارغة
(2/128)
|