تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة

 (مسَائِل الْحَج)

(2/129)


فارغة

(2/130)


لوحة 29 من المخطوطة " أ ":
" لما عسر على الْخلق معرفَة خطاب الله تَعَالَى فِي كل حَال لَا سِيمَا عِنْد انْقِطَاع الْوَحْي أظهر الله خطابه لخلقه بِأُمُور حسية هِيَ أَسبَاب للْأَحْكَام جعلهَا مُوجبَة ومقتضية، ونعني بالأسباب أَنَّهَا الَّتِي أضَاف الْأَحْكَام إِلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى: {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} ، و {من شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} وَهَذَا فِيمَا يتَكَرَّر كالعبادات والغرامات، فَللَّه فِي الزَّانِي حكمان: أَحدهمَا وجوب الْحَد عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: نَصبه الزِّنَا سَببا للْوُجُوب فِي حَقه، لِأَن الزِّنَا لَا يُوجب الْحَد لذاته.
وَأما مَا يتَكَرَّر كَالْحَجِّ فَيمكن أَن يُقَال ذَلِك مَعْلُوم بقوله تَعَالَى: {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} فسبب وجوب حج الْبَيْت دون الِاسْتِطَاعَة، وَلما كَانَ وَاحِدًا لم يجب فِي الْعُمر إِلَّا مرّة ".
" وَاعْلَم أَن مُطلق الْأَمر يَقْتَضِي التَّأْخِير لَا بِمَعْنى الْوُجُوب فَإِنَّهُ لَا قَائِل

(2/131)


بِوُجُوب التَّأْخِير، بل بِمَعْنى جَوَاز التَّأْخِير، وَذَلِكَ أَنه يَقْتَضِي إِيقَاع الْفِعْل لَا غير فَيصير متمثلا بالإيقاع فِي أَي زمَان كَانَ كَمَا يكون متمثلا بالإيقاع فِي أَي مَكَان كَانَ، لِأَن اللَّفْظ لَا يشْعر بِغَيْر الطّلب، خَالِيا عَن الطَّرفَيْنِ.
وَعند الْعِرَاقِيّ أَنه يَقْتَضِي البدار، فَإِن عارضونا بِأَن السَّيِّد إِذا أَمر عَبده بِفعل فتوانى فِيهِ كَانَ ملوما.
قُلْنَا: ذَلِك لِأَن قرينَة حَال السَّيِّد تَقْتَضِي البدار، لِأَن مُطلق الْأَمر يَقْتَضِيهِ، نعم النَّهْي يَقْتَضِي البدار، لِأَنَّهُ إِذا لم ينْتَه خَالف الْأَمر.
وَاعْلَم أَن الْأَمر قد يُطلق بِإِزَاءِ الْفِعْل، قَالَ الله تَعَالَى: (وَمَا أمرنَا إِلَّا

(2/132)


وَاحِدَة} ، {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} ، وَقد يُطلق بِإِزَاءِ قَول مَخْصُوص فَهُوَ فِي الْفِعْل مجَاز وَفِي القَوْل حَقِيقَة.
وَاعْلَم أَن أول فرض الْحَج سنة ووأخرة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى سنة ي حَتَّى عَاد الزَّمَان إِلَى هَيئته، وَاعْلَم أَن الْمحرم إِذا لبس نَاسِيا فَلهُ نزع اللبَاس.
قَالَ بعض التَّابِعين: لَا يَنْزعهُ بل يشقه إِذا كَانَ مَعَه مَاء لَا يَكْفِيهِ لغسل الطّيب، وَالطَّهَارَة غسل الطّيب، لِأَنَّهُ يُمكنهُ بدل الْوضُوء التَّيَمُّم، وَإِن أمكنه قطع رَائِحَة الطّيب بِشَيْء غير المَاء فعل وَتَوَضَّأ بِالْمَاءِ " إِن كَانَ بِهِ جِرَاحَة فَشد عَلَيْهَا خرقَة، إِن كَانَت فِي غير الرَّأْس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع من تَغْطِيَة بدنه إِلَّا بالمخيط، وَإِن كَانَت فِي رَأسه لَزِمته الْفِدْيَة ".
وَيجوز للْمحرمِ أَن يستظل فِي الْمحمل خلافًا لَهُم، قَالَ الله تَعَالَى: (إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن

(2/133)


يطوف بهما} قرئَ بِالْوَقْفِ على (جنَاح والابتداء) عَلَيْهِ أَن يطوف بهما، حَصى الْجمار بِقدر الْأُنْمُلَة تَقْرِيبًا.
وَرُوِيَ أَن سكينَة بنت الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا رمت بست حَصَيَات فأعوزتها السَّابِعَة فرمت بخاتمها فَيحْتَمل أَنه كَانَ فصه حجرا، فِي الْخَبَر " لَا تحرم الْمَرْأَة وَهِي غفل "، أَي حَتَّى تختضب وَتكره التطاريف.
من هوامش هَذِه اللوحة:
الْحَج: كَثْرَة الْقَصْد إِلَى مُعظم بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا.
(وَأشْهد من عَوْف حؤولا كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا)

يكره تَسْمِيَة من لم يحجّ صرورة، قَالَ النابعة:

(2/134)


(لَو أَنَّهَا عرضت لأشمط رَاهِب ... عبد الْإِلَه صرورة متعبد)

التَّلْبِيَة: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك، وَيُصلي على النَّبِي، فَإِن رأى حسنا يُعجبهُ قَالَ: لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة.
يجب الْحَج بِسبع شَرَائِط: الْعقل، الْبلُوغ، الْحُرِّيَّة، الْإِسْلَام، الِاسْتِطَاعَة، تخلية الطَّرِيق، إِمْكَان السّير، الاضطباع من الضبع، وَهُوَ الْعَضُد، وَصورته: أَن يكْشف مَنْكِبه وَيخرج الرِّدَاء من تَحْتَهُ وَيجْعَل الطَّرفَيْنِ على مَنْكِبه الْأَيْسَر.

(2/135)


فارغة

(2/136)


فارغة

(2/137)


(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّمَانُونَ: إِذا بذل الْوَلَد بدنه للْأَب أَو مَاله مَعَ عَجزه عَنْهُمَا أَو عَن أَحدهمَا (فو)) .
الْمَذْهَب: صَار بذلك مستطيعا وَفِي الْأَجْنَبِيّ وَجْهَان.
عِنْدهم: لَا يصير مستطيعا ببذل غَيره.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
{وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} .
لَهُم:
{وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْقُدْرَة أَمر حَقِيقِيّ حسي، وَذَلِكَ يحصل ببذل الابْن. دَلِيله: لَو بذل لَهُ المَاء فِي الطَّهَارَة فَإِنَّهُ يصير قَادِرًا وَلَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم ثمَّ الزَّمن يصير بِالْمَالِ

(2/138)


قَادِرًا، كَمَا لَو أوجب عَلَيْهِ الْحَج وطرأ الزَّمن فَإِذا جَازَ أَن يبْقى الْوُجُوب جَازَ أَن يَبْتَدِئ.
لَهُم:
الْبَذْل لَا يجْرِي مجْرى الْملك وَالْقُدْرَة. دَلِيله: لَو كَانَ الْبَاذِل أَجْنَبِيّا، أَو بذل الابْن المَال، أَو بذل الرَّقَبَة فِي الْكَفَّارَة فَإِنَّهُ لَا يصير الْأَب بذلك مستطيعا لِلْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَو أذن السَّيِّد لعَبْدِهِ فِي الْحَج وَذَلِكَ لِأَن قدرَة الْمَرْء وصف يقوم بِهِ، وَالْإِبَاحَة وصف يقوم بالمبيح.
مَالك:
أَحْمد: ف.
التكملة:
مِنْهُم من يسلم أَن الزَّمن إِذا ملك مَالا يجب عَلَيْهِ الْحَج بِمَعْنى أَنه بِحَجّ غَيره فَيحصل لَهُ ثَوَاب نَفَقَته (فَيسْقط عَنهُ الْفَرْض) بِهَذِهِ الطَّرِيقَة وَاخْتَارَ ذَلِك أَبُو زيد.

(2/139)


وَالصَّحِيح من مَذْهَبهم أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج، لِأَن الْحَج عبَادَة تُؤَدّى بأعمال الْبدن وَالْمَال فِيهَا تَابع، ثمَّ ثَبت أَن من لَا مَال لَهُ وَإِن قدر بِبدنِهِ لَا يجب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ بِعَرَفَة.
فالعجز بِالْبدنِ أولى، ثمَّ فرقوا بَين الِابْتِدَاء والدوام يكون الِابْتِدَاء أصعب من الدَّوَام فَاشْترط لَهُ مَا لَا يشْتَرط لَهُ، وَاعْتَذَرُوا عَن المَاء بخلوه عَن الْمِنَّة.
أما نَحن فنمنع الْمسَائِل الَّتِي ألزمونا من بذل المَال وبذل الْأَجْنَبِيّ ونقول: يصير مستطيعا وَكَذَلِكَ فِي رَقَبَة الْكَفَّارَة، وَإِن فرقنا بَين الْوَلَد وَالْأَجْنَبِيّ فَيكون الْوَلَد كسب أَبِيه، وَرُبمَا قُلْنَا حَاله لَا تنَافِي دوَام الْوُجُوب (فَلَا ننافي ابْتِدَاء الْوُجُوب) مَعَ الْأَهْلِيَّة قِيَاسا على حَالَة الصِّحَّة والأهلية احْتِرَازًا عَمَّا بعد الْمَوْت ونعتذر عَن العَبْد بِعَدَمِ الْأَهْلِيَّة فَإِنَّهُ لَو كَانَ بِعَرَفَة لم يجب عَلَيْهِ الْحَج، ثمَّ الِاعْتِبَار فِي الْكَفَّارَات بِحَالَة الْأَدَاء فبذلك يصير الْوَالِد مستطيعا إِذا بذل لَهُ الابْن الرَّقَبَة، وَإِن قُلْنَا: الِاعْتِبَار بِحَال الْوُجُوب فقد اسْتَقر الصَّوْم فِي ذمَّته فَلَا يُبدل حكمه.

(2/140)


(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ: وجوب الْحَج (فز)) .
الْمَذْهَب: على التَّرَاخِي.
عِنْدهم: على الْفَوْر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
حج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي السّنة الْعَاشِرَة من الْهِجْرَة وَكَانَ الْفَتْح سنة ثَمَان وَلَو كَانَ لَهُ عذر لأمر من لَا عذر لَهُ من الصَّحَابَة وَبَين ذَلِك، وتوهم أَن الله أطلعه على عمره توهم وغطى، فَالله تَعَالَى هُوَ المستأثر بِعلم الْغَيْب وَلم ينْقل هَذَا التَّوَهُّم.
لَهُم: ... .

(2/141)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
موسع الْوُجُوب مَعْقُول ومشروع بِدَلِيل الزكوات وَالْقَضَاء وَالنّذر وَالْكَفَّارَات وَالْأَمر بِالْحَجِّ جَاءَ مُطلقًا وَاقْتضى الطَّاعَة وَلم يتَعَرَّض لزمان بِعَيْنِه وَالتَّعْيِين يفْتَقر إِلَى زَائِد، وَإِذا لم يقتض الْفَوْر نفى التَّأْخِير فنسبة الزَّمَان، جَمِيعه إِلَى الْحَج كنسبة الْوَقْت إِلَى صلَاته.
لَهُم:
المأخذ الأول: كَون الْأَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب كالكسر يَقْتَضِي الانكسار وَالْغُرْم لَا يدع الذِّمَّة والتأخر، أما إِلَى غَايَة مَعْلُومَة، وَلم يقل بِهِ أحد، أَو إِلَى عَام يغلب على ظَنّه الْعَجز وَهَذَا مُمْتَنع.
المأخذ الثَّانِي: أَن التَّأْخِير تَفْوِيت فَالسنة يتخللها حوادث وَالْكَفَّارَات قَامَ دَلِيل على تَأْخِيرهَا ثمَّ هِيَ مُمكنَة الْأَدَاء دَائِما.
مَالك: ف.
أَحْمد: ف.

(2/142)


التكملة:
الْحَج عبَادَة أمدها الْعُمر فَأَي وَقت أَدَّاهَا وَقعت موقعها، وكما يجوز أَن يكون فِي الْوَاجِب الْمضيق مصلحَة يجوز أَن يكون فِي الْوَاجِب الموسع مصلحَة، ويتأيد بِأَن الْحَج مَتى فعل كَانَ أَدَاء وَلَو فَاتَ وقته قضي كالصلوات، وَالْحكمَة فِي كَون الْحَج وَظِيفَة الْعُمر حَتَّى لَا يَخْلُو جُزْء مِنْهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَو وَجب على الْفَوْر مَعَ الِاسْتِطَاعَة أدّى إِلَى خلل عَظِيم فَإِنَّهُ كَانَ يجب على أهل بلد فِي نوبَة وَاحِدَة وَرُبمَا كَانَ رِبَاطًا فيخلو الثغر ويجر فَسَادًا ثمَّ نقُول: التّرْك جملَة لَا يجوز بل التَّأْخِير وَكَونه يَعْصِي لَو مَاتَ بعد الِاسْتِطَاعَة وَلم يحجّ ذَلِك لأَنا جَوَّزنَا لَهُ التَّأْخِير بِشَرْط السَّلامَة كَمَا يجوز للزَّوْج ضرب زَوجته وَلَو مَاتَت ضمن.

(2/143)


(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّمَانُونَ: (فح)) .
من عَلَيْهِ فرض الْحَج لَو تنفل بِهِ أَو نفل بِهِ.
الْمَذْهَب: لَا يَصح نفلا بل فرضا وَلَا يَقع إِلَّا عَن نَفسه.
عِنْدهم: يكون كَمَا أوقعه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
سمع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة فَقَالَ لَهُ: " أحججت عَن نَفسك؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حج عَن نَفسك ثمَّ عَن شبْرمَة "، وروى عَن نَفسك فلب.
لَهُم:
سمع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام رجلا يُلَبِّي عَن نبشة فَقَالَ: " أحججت عَن

(2/144)


نَفسك "؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " حج عَن نبشة وَحج عَن نَفسك ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
فرض الْحَج أهم من فعله، وَالشَّرْع نَاظر الْعباد، وَمن النّظر لَهُم إِيقَاع نفل الْحَج عَن فَرْضه لكَونه عبَادَة الْعُمر، وَفِيه مشقة هَذَا، كَمَا نقُول فِي الْإِسْلَام لما كَانَ أصل الْعِبَادَات لَو أَتَى بِهِ كَيْفَمَا أَتَى بِهِ وَقع فرضا.
لَهُم:
عبَادَة تَنْقَسِم إِلَى نفل وَفرض فصح أَن يتَنَفَّل بهَا قبل أَدَاء الْفَرْض كَالصَّلَاةِ ونقول: عبَادَة مقدرَة بأفعالها فصح إِيقَاع نفلها قبل فَرضهَا كَالصَّلَاةِ، فَإِن الْحَج يعرف بأفعاله لَا بوقته، فالوقت يحْتَمل مَا وضع فِيهِ بِخِلَاف الصَّوْم، فَإِنَّهُ يقدر بِالْوَقْتِ.
مَالك: وَافق أَبَا حنيفَة فَيجوز أَن يحجّ عَن غَيره.

(2/145)


أَحْمد: ق.
التكملة:
يلْزمهُم إِذا أطلق النِّيَّة فَإِنَّمَا ينْصَرف إِلَى الْفَرْض وَيفرق بَين الصَّلَاة وَالْحج بِكَوْن الْحَج عبَادَة الْعُمر، وَبِمَا يتَضَمَّن من المشاق ونهار رَمَضَان أَيْضا ظرف الصَّوْم، وَبِالْجُمْلَةِ نقُول: وُقُوع نفل الْحَج عَن فَرْضه فِيهِ نظر، وَقد ورد مثله بِدَلِيل أَنه لَو أطلق النِّيَّة وَقعت عَن الْفَرْض وَالنِّيَّة الْمُطلقَة وَنِيَّة الْفِعْل وَاحِد، فَإِن قَالُوا عبَادَة لَا يتَعَيَّن وَقتهَا فَلَا يتَأَدَّى فَرضهَا بنية نفلها كَالصَّلَاةِ، فَإِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ.
الْجَواب: الْأَوْقَات تتَعَيَّن على معنين: أما أَن تتَعَيَّن بذاتها كالدلوك للصَّلَاة وَالشُّهُود للشهر، وَأما أَن يتَعَيَّن بِمَعْنى يقارنها كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: " من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا "، فَصَارَ ذكره معينا للْوَقْت وَالْحج من هَذَا الْقَبِيل فَإِن الْمُكَلف أول إِحْرَام يحرمه أَمارَة على أَن الزَّمَان بعده مُتَعَيّن لِلْحَجِّ المفترض ويلزمهم مُطلق النِّيَّة فَإِنَّهَا تَنْصَرِف إِلَى الْفَرْض ويلزمهم إِذا نوى بِالطّوافِ النَّفْل فَإِنَّهُ ينْصَرف إِلَى الْفَرْض.

(2/146)


(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّمَانُونَ:
شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة أشهر الْحَج (فط)) .
الْمَذْهَب: إِذا أحرم فِي غَيرهَا بِالْحَجِّ لم ينْعَقد إِحْرَامه حجا، وَهل ينْعَقد عمْرَة؟ قَولَانِ.
عِنْدهم: ينْعَقد إِحْرَامه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} مَعْنَاهُ وَقت الْحَج أشهر.
لَهُم:
رُوِيَ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} إِتْمَامهَا أَن يحرم بهَا من دويرة أَهله فَيلْزم من هَذَا أَن يَصح مِمَّن دَاره بعيدَة.

(2/147)


وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " وَهَذَا قد نوى الْإِحْرَام بِالْحَجِّ فَلَا يَقع لَهُ عمْرَة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ركن من أَرْكَان الْحَج فَلَا يجوز فعله قبل دُخُول وقته كَسَائِر الْأَركان الدَّلِيل على كَونه ركنا: أَنه يُقَال لَهُ تمم وَيجب عَلَيْهِ إِحْضَار النِّيَّة فِيهِ والمضي وَلَا يستدام إِلَى سنة ثَانِيَة بِخِلَاف الْوضُوء فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ صلوَات.
لَهُم:
شَرط يدْخل بِهِ فِي الْعِبَادَة فَلَا يعين لَهُ وَقت الْعِبَادَة كَالْوضُوءِ للصَّلَاة الدَّلِيل على كَونه شرطا: أَنه يُرَاعى إِلَى آخرهَا، وأركان الْعِبَادَة مَا يُعَاقب الْبَعْض وَلَا يعْتَبر فِيهِ الْكَفّ عَمَّا ينكف عَنهُ فِي أَفعَال الْحَج، ولينافيه مَا يُنَافِي الْأَفْعَال.
مَالك: يكره الْإِحْرَام فِي غَيرهَا وَينْعَقد.

(2/148)


أَحْمد: وَافق أَبَا حنيفَة.
التكملة:
لَو أحرم بِعُمْرَة فِي شهر رَمَضَان وقضاها ثمَّ حج من عَامه لم يكن مُتَمَتِّعا بِخِلَاف مَا إِذا أحرم فِي شَوَّال، والمتمتع من زاحم أَفعَال الْحَج فِي وقته بِعُمْرَة، وَهَذَا يدل على الْفرق بَين الْوَقْتَيْنِ، ثمَّ من أحرم بِالْحَجِّ وسعى فِي رَمَضَان لزمَه الْإِعَادَة، وَلَو أَنه وجد الِاسْتِطَاعَة فِي شهر رَمَضَان وحضرته الْوَفَاة لم تلْزمهُ الْوَصِيَّة بِالْحَجِّ بِخِلَاف شَوَّال، وَالْإِحْرَام فِي غير أشهره مَكْرُوه فِي المذهبين.
استدلوا على أَن الْإِحْرَام شَرط بِكَوْنِهِ يعْتَبر فِي سَائِر الْعِبَادَة.
وَقَالُوا: الرُّكْن مَا يتركب مِنْهُ وَمن غَيره الْعِبَادَة وَهَذَا عندنَا مَمْنُوع، فَإِن التَّلْبِيَة لَا يشْتَرط بَقَاؤُهَا وَكَونه يبْقى لَا يدل على أَنه لَيْسَ بِرُكْن.

(2/149)


(الْمَسْأَلَة التِّسْعُونَ: (ص)) .
إِذا أحرم بحجتين أَو عمرتين.
الْمَذْهَب: ينْعَقد بِأَحَدِهِمَا.
عِنْدهم: ينْعَقد بهما فَإِذا شرع فِي أَحدهمَا صحت وَبقيت الْأُخْرَى فِي ذمَّته.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .

(2/150)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تنبني على الَّتِي قبلهَا، وَالْإِحْرَام كَمَا ذكرنَا جُزْء من الْحَج، وَقد تلبس بِهِ فَلَا يكون شَارِعا فِي حجَّتَيْنِ، كَمَا لَا يتَصَوَّر فِي صَومينِ وَلَا فِي صَلَاتَيْنِ.
لَهُم:
الْإِحْرَام إِلْزَام فشابه النّذر، وَالْعجز عَن الْأَدَاء لَا يمْنَع الصِّحَّة، كَمَا لَو أحرم لَيْلَة عَرَفَة مَعَ بعد دَاره، وفقهه أَن الِالْتِزَام لَا تقف صِحَّته على الْأَدَاء لِكَوْنِهِمَا منفصلين بِشَرْط الِالْتِزَام (أَن يكون الْمُلْتَزم) أَهلا، والملتزم مَشْرُوعا وَالْحج مُقَدّر بالأفعال لَا بِالزَّمَانِ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
الْمُعْتَمد أَن الْإِحْرَام ركن فَلَا يَصح مِنْهُ اثْنَان فِي وَقت وَاحِد، فَإِذا أَتَى بهَا

(2/151)


لَغَا مَا لَا يقبله الْوَقْت كالوقوفين والطوافين، وَعِنْدنَا الْعمرَة وَاجِبَة بِالْحَجِّ وَعِنْدهم هِيَ سنة وَحجَّتنَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} ، وانعقد الْإِجْمَاع أَن الْحَج وَاجِب، وَكَذَلِكَ الْعمرَة.
وحجتهم أَن الْعمرَة لَا تتأقت وَالْحج يتأقت وَكلما لَا يتأقت فَلَيْسَ بِوَاجِب وَهَذَا الخيال بَاطِل طردا وعكسا، فَإِن السَّلَام وَالْجهَاد وَالْقَضَاء وَالنّذر وَالْكَفَّارَة وَاجِبَات وَلَا تتأقت وَبِالْعَكْسِ رواتب النَّوَافِل تتأقت وَلَيْسَت بواجبة، وَعِنْدنَا الْإِفْرَاد أفضل من التَّمَتُّع، والتمتع وَالْقرَان جَمِيعًا رخصتان وَعِنْدهم الْقرَان أفضل.

(2/152)


(من مسَائِل الْحَج)

(2/153)


فارغة

(2/154)


لوحة 30 من المخطوطة " أ ":
إِذا اسْتَأْجرهُ ليحج عَنهُ فِي الْعَام الثَّانِي لم تصح الْإِجَارَة، هَذَا إِذا اسْتَأْجرهُ ليحج عَنهُ بِنَفسِهِ، فَأَما إِذا اسْتَأْجرهُ ليحصل لَهُ حجَّة جَازَ أَي وَقت كَانَ، لِأَن مَحل ذَلِك الذِّمَّة.
وَيجب الْجَزَاء بقتل الصَّيْد الْحرم عمدا كَانَ أَو خطأ، إِذا أتلف صيدا ماخضا ضمنه بِقِيمَة شَاة ماخض وَإِنَّمَا وَجَبت قيمتهَا، لِأَن الْحمل فِي الصَّيْد زِيَادَة، وَكَذَلِكَ فِي الشَّاة إِلَّا أَنه ينقص من لَحمهَا ويضرها، فقيمتها تزيد بِهِ وجسمها ينقص فأوجبنا الْقيمَة لتحصل الزِّيَادَة.
وَيجوز أَن ترعى غنمه حشيش الْحرم خلافًا لَهُم.
وَإِذا اشْترك الْمحل وَالْمحرم فِي صيد فعلى الْمحرم نصف الْجَزَاء.
وَاعْلَم أَن الْحمام كلما عب وهدر، وَمعنى عب: أَخذ المَاء جرعة

(2/155)


جرعة، والهدير صَوت الْحمام وتغريده: ترجيعه.
قَالَ الشَّافِعِي: الدباسي والقماري والفواخت والشفانين حمام.
قَالَ الْكسَائي: كل مطوق حمام. قَالَ أَبُو عبيد: الْحمام الوحشي،

(2/156)


واليمام الأنسي، وتستحب لمن فرغ من الْحَج أَن يزور قبر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام.
حكى الْعُتْبِي قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد قبر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فجَاء أَعْرَابِي فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، سَمِعت الله يَقُول: {وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما} وَقد جئْتُك مُسْتَغْفِرًا لذنبي مستشفعا بك إِلَى رَبِّي ثمَّ قَالَ:
(يَا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم)

(نَفسِي الْفِدَاء لقبر أَنْت ساكنه ... فِيهِ العفاف وَفِيه الْجُود وَالْكَرم)

ثمَّ انْصَرف الْأَعرَابِي فَرَأَيْت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي النّوم فَقَالَ: الْحق الْأَعرَابِي فبشره بِأَن الله قد غفر لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِي: قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} ، وأحصر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْحُدَيْبِية فَنحر الْبَدنَة عَن سَبْعَة

(2/157)


وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة، وَذَلِكَ سنة سِتّ وَلَا فرق بَين أَن يكون الْإِحْصَار من جِهَة الْمُشْركين أَو من جِهَة قطاع الطَّرِيق.

(2/158)


(الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة وَالتِّسْعُونَ: (صا)) .
الِاسْتِئْجَار على الْحَج.
الْمَذْهَب: يَصح.
عِنْدهم: لَا يَصح بل يعْطى رزقا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
حَدِيث الخثعمية وَقَوْلها: إِن فَرِيضَة الْحَج أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا، لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ؟ وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " أَرَأَيْت أَن لَو كَانَ على أَبِيك دين فقضيته أَكَانَ يَنْفَعهُ ذَلِك " فجوز النِّيَابَة وَشبهه

(2/159)


بِالدّينِ، وَالدّين تدخله النِّيَابَة.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عمل مَعْلُوم يُمكن تَسْلِيمه وَالْقِيَام بِهِ غير مفترض على الْأَجِير فَجَاز وَصَارَ كبناء الْمَسَاجِد وَهَذِه الدَّعَاوَى ثَابِتَة وَتَصِح النِّيَابَة بِدَلِيل الزَّمن وبصحة حجَّة الابْن عَن الْأَب.
لَهُم:
عبَادَة بدنية فَلَا يَصح فِيهَا الِاسْتِئْجَار كَالصَّلَاةِ، بَيَان الدَّعْوَى أَن أفعالها بدنية وقوفا وسعيا، وَالْمرَاد من الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة الِابْتِلَاء بأتعاب الْبدن، لتطهر الطَّاعَة، وَهَذَا لَا يحصل بِعَمَل الْغَيْر.
مَالك: ق.
أَحْمد: وافقهم.

(2/160)


التكملة:
مطلع النّظر الْبَحْث عَن حَقِيقَة الِاسْتِئْجَار وشرائطه فَنَقُول: الْإِجَارَة مُقَابلَة الْمَنْفَعَة بِالْمَالِ.
وَمن اسْتَأْجر إنْسَانا فقد ملك مَنَافِعه، وللصحة شُرُوط: أَن تكون الْمَنَافِع مَعْلُومَة إِمَّا بِتَعْيِين زمَان الْعَمَل وَإِمَّا بِتَعْيِين مَحَله، وَأَن يكون مَقْدُورًا على تَسْلِيمه حسا وَشرعا، وَأَن يكون حَاصله كُله للْمُسْتَأْجر فَلَا يَصح أَن يطحن قَفِيزا بقشره، وَلَا يسلخ شَاة بجلدها، وأجمعنا على أَن من وَجب عَلَيْهِ الْحَج وطرأ عَلَيْهِ الزَّمن وَجب عَلَيْهِ أَن يسْتَأْجر من يحجّ عَنهُ، فَإِذا كَانَ الِاسْتِئْجَار مُمكنا حكما وَحَقِيقَة صَحَّ ثمَّ الْقَصْد بعث الزائرين إِلَى الْبَيْت وَعمارَة الْمَنَاسِك بهم وَعِنْدهم أَن الَّذِي يَدْفَعهُ الزَّمن بدل الْوَاجِب كالشيخ الْهم إِذا فدى عَن الصَّوْم وَهَذَا بَاطِل، فَإِنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لجرى مجْرى الْكَفَّارَات وَصرف إِلَى مصارفها وَاشْترط أَن يكون أَهلا ليَأْتِي بِمَا استنيب فِيهِ وَصَارَ كذبح الْمَجُوسِيّ.

(2/161)


فارغة

(2/162)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالتِّسْعُونَ: (صب)) .
إِحْرَام الصَّبِي الْمُمَيز.
الْمَذْهَب: صَحِيح وَيلْزمهُ الْكَفَّارَة بارتكاب مَحْظُورَات الْحَج.
عِنْدهم: لَا يَصح إِحْرَامه وَسلم أَكْثَرهم صِحَة حجه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى السَّائِب بن يزِيد قَالَ: حج بِي أبي وَأَنا ابْن سبع سِنِين. وروى أَن امْرَأَة رفعت صَبيا فِي محفتها وَقَالَت: يَا رَسُول الله أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم. وَمَا صَحَّ صَحَّ بوصفه الشَّرْعِيّ وَهُوَ اللُّزُوم.

(2/163)


لَهُم:
وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن امْرَأَة قَالَت: " يَا رَسُول الله إِن فَرِيضَة الله على عبَادَة فِي الْحَج أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت على الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: نعم ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَضع الشَّرْعِيّ فِي الْحَج اللُّزُوم فَإِنَّهُ لم يوضع بِحَيْثُ يُمكن الْمُضِيّ فِيهِ إِلَّا وَهُوَ لَازم، وَإِمْكَان الْمُضِيّ احْتِرَازًا من العَبْد والمحصر، وَإِنَّمَا لَا يلْزم إنشاؤه ابْتِدَاء من الصَّبِي لكَونه وَظِيفَة الْعُمر، فَالْأَحْسَن أَن يَأْتِي بهَا كَامِلا وَصَارَ كالإسلام لَا يلْزمه إنشاؤه وَيصِح مِنْهُ.
لَهُم:
الْحَج عبَادَة لَا يلْزم الصَّبِي إنشاؤها وَلَا يلْزمه الْمُضِيّ فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَذَلِكَ لِأَن الصِّبَا يُنَافِي التَّكْلِيف وَإِنَّمَا صححناها مِنْهُ نظرا لَهُ، وَالْإِسْلَام

(2/164)


يَصح من غير نِيَّة وَمَعَ الْإِكْرَاه، وَإِذا لم يلْزم الْحَج لم تلْزمهُ الْكَفَّارَة.
مَالك: يجب على الْمولى لِأَنَّهُ عقد بِإِذْنِهِ.
أَحْمد: ق.
التكملة:
مطلع النّظر أَن الْحَج عِنْدهم من قبيل التكاليف الْمَشْرُوعَة ابتلاء وَالصبَا يُنَافِي الْتِزَام التكاليف، وَعِنْدنَا الْحَج من قبيل مَا يلْزم فِي ذمَّة العَبْد، وَالصبَا لَا يُنَافِي الْوُجُوب فِي الذِّمَّة وَالْكَفَّارَات فِي الْحَج كأروش الْجِنَايَات وَهِي إتلافات لاقت أبعاض الْحَج كالقلم وَالْحلق وَفعل الصَّبِي فِي الْإِتْلَاف كَفعل الْبَالِغ.
أما كَفَّارَة الظِّهَار وَالْيَمِين لَا تلْزم الصَّبِي إِذْ هِيَ مُوجب القَوْل، وَقَوله غير مُعْتَبر وَيدل عَلَيْهِ كَفَّارَة الصَّيْد فِي الْحرم بِأَن ذَلِك وَاجِب

(2/165)


على الصَّبِي إِجْمَاعًا، وَلَا فرق بَين كَفَّارَة الْحرم وَكَفَّارَة الْإِحْرَام.
فَإِن قَالُوا: الصَّيْد مَعْصُوم بِحَق نَفسه بالالتجاء وَإِنَّمَا صرف جَزَاؤُهُ إِلَى الْفُقَرَاء لِأَنَّهُ لَا وَارِث لَهُ.
قُلْنَا: هَذَا بَاطِل بل هُوَ حق الله تَعَالَى فَإِن الصَّيْد لَيْسَ أَهلا أَن يجب لَهُ.

(2/166)


(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالتِّسْعُونَ: (صج)) .
إِذا اشْترك محرمين فِي قتل صيد.
الْمَذْهَب: يجب جَزَاء وَاحِد فِي القَوْل الْمَنْصُور.
عِنْدهم: كل وَاحِد جَزَاء كَامِل على القَوْل الثَّانِي.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى أَن جمَاعَة محرمين قتلوا ضبعا فسألوا ابْن عمر عَن ذَلِك فَقَالَ: عَلَيْهِم جَزَاء وَاحِد.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ضَمَان حَيَوَان مَعْصُوم فَيقدر بِقدر الْحَيَوَان فَيكون الْوَاجِب فِيهِ، وَإِن

(2/167)


تعدد الْمُتْلف وَاحِدًا.
دَلِيله الدِّيَة، بَيَان أَن الضَّمَان فِي مُقَابلَة الْمُتْلف أَن الله تَعَالَى آمن الصَّيْد على المحرمين وَأَنه يتَقَدَّر بِقدر الْمُتْلف وَالْوَاجِب فِي مُقَابلَة الْمحل والتكفير يحصل تبعا.
لَهُم:
الْوَاجِب جَزَاء الْجِنَايَة، وَالْجِنَايَة كَامِلَة من كل وَاحِد مِنْهُم فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاء كَمَا لَو انْفَرد، دَلِيل الدَّعْوَى: أَن الْوَاجِب كَفَّارَة وَالْكَفَّارَة جَزَاء الْجِنَايَة لِأَنَّهَا تكفرها.
بَيَان الْجِنَايَة أَنه جنى على إِحْرَامه جِنَايَة كَامِلَة حَيْثُ فعل مَحْظُور إِحْرَامه.
مَالك: وَافق أَبَا حنيفَة.
أَحْمد: ق.

(2/168)


التكملة:
أما الْكَلَام فِي الْقَتْل فَهَل يَتَبَعَّض أم لَا؟ فسيجيء فِي الْجِنَايَات وَكَفَّارَة الْقَتْل قد ذكر صَاحب الإفصاح أَنه يجب على الْجَمَاعَة كَفَّارَة وَاحِدَة، وَلَا نسلم أَن الْجَزَاء فِي مُقَابلَة الْجِنَايَة وتسميته كَفَّارَة لَا اعْتِبَار بِهِ، بل الِاعْتِبَار بالمعاني ويتأيد مَا ندعيه بتعدي الْجَزَاء بالصيد.

(2/169)


فارغة

(2/170)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالتِّسْعُونَ: (صد)) .
مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه.
الْمَذْهَب: لَا يجب جَزَاؤُهُ.
عِنْدهم: يجب حَتَّى فِي السبَاع وَالنُّمُور.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " خمس من الدَّوَابّ يقتلن فِي الْحل وَالْحرم، الْحَيَّة، والغراب، وَالْعَقْرَب، والحدأة، وَالْكَلب الْعَقُور ".
قَالَ ابْن عُيَيْنَة: والعقور من كل حَيَوَان ودعا على أبي لَهب

(2/171)


أَن يُسَلط الله عَلَيْهِ كَلْبا فافترسه سبع، وروى أَن الْمحرم بقتل كل سبع.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} وَهَذَا صيد، قَالَ الشَّاعِر:
(صيد الْمُلُوك أرانب وثعالب ... وَإِذا غضِبت فصيدك الْأَبْطَال)

والأرنب يُؤْكَل، والثعلب لَا يُؤْكَل.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
سبع مؤذ بطبعه فَكَانَ للْمحرمِ قَتله وَلَا شَيْء عَلَيْهِ كالذباب، وتأثيره: أَن قتل المؤذي رفع لأذائه فَصَارَ كَمَا لَو قصد الْمحرم إِقَامَة لطبعه مقَام الْفِعْل وَالْعرب لَا تعرف الصَّيْد إِلَّا مَا يُؤْكَل لَحْمه.

(2/172)


لَهُم:
كل حَيَوَان جَازَ اصطياده لنَوْع مَنْفَعَة فَهُوَ صيد وَمَنْفَعَة هَذِه جلودها وشعورها وعظامها وَهِي متوحشة ممتنعة.
مَالك: خص الإهدار بالمؤذي الْمُبْتَدِي.
أَحْمد: ق.
التكملة:
بِالْجُمْلَةِ تَعْلِيل بأذيته ونقيس على الفواسق وطبيعة الْإِيذَاء تقوم مقَامه كَأَهل دَار الْحَرْب لما كَانَ طبعهم قتالنا قاتلناهم فِي كل حَال ونستدل على كَونهَا لَيست صيدا بِأَنَّهُ سُئِلَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن الضبع أهوَ صيد؟ فَقَالَ: " نعم ". وَفِيه كَبْش.
وَمعنى كَونه صيدا أَي مَأْكُول، وَإِلَّا فَكل أحد يعلم أَنه متوحش والاصطياد إِنَّمَا أُبِيح للْحَاجة وَإِلَّا فَهُوَ تَعْذِيب الْحَيَوَان لغير مأكله.

(2/173)


قَالُوا: الصَّيْد كل حَيَوَان متوحش مُمْتَنع.
قُلْنَا: وَيكون مَأْكُولا وَلَا ينْتَفع بأجزائه، إِلَّا إِذا كَانَ مَأْكُولا، والثعلب والأرنب عندنَا مأكولان فِي وَجه.

(2/174)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالتِّسْعُونَ: (صه)) .
الْمحرم إِذا دلّ محرما على صيد فَقتله.
الْمَذْهَب: الْجَزَاء على الْقَاتِل لَا على الدَّال.
عِنْدهم: يجب الْجَزَاء على الدَّال وَالْقَاتِل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
روى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه أوجب الْجَزَاء على الدَّال.
وَعَن عمر أَنه شاور عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي إِيجَاب الْجَزَاء على

(2/175)


الدَّال فأوجبه.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
علق الْجَزَاء على الْقَتْل والاصطياد، وَالدّلَالَة لَيست قتلا وَلَا اصطيادا، وَحَقِيقَة الْفِعْل دلَالَة على إِتْلَاف مَحل مَضْمُون فَلَا يكون سَببا للضَّمَان، كَمَا لَو دلّ على قتل مُسلم، وَغَايَة مَا وجد سَببا لَكِن مَعَ مُبَاشرَة فأسقط (حكم السَّبَب) كالحافر والدافع.
لَهُم:
اسْتحق الصَّيْد الْأَمْن بِالْإِحْرَامِ وَدخُول الْحرم، فَإِذا فَوت عَلَيْهِ حَقه بِالدّلَالَةِ وَجب الْجَزَاء، كَمَا لَو رَمَاه فَقتله وَصَارَ كَمَا لَو دلّ على الْوَدِيعَة، وَحَقِيقَة أَمنه بتواريه عَن الصَّائِد.
مَالك: ق.
أَحْمد: يلْزمهَا الْجَزَاء وَيلْزم الْمحرم مِنْهُمَا.

(2/176)


التكملة:
منقولهم يُعَارض بمنقولنا وَمعنى الْقيَاس، وَالدّلَالَة لَيست من مَحْظُورَات الْحَج، وَإِنَّمَا حرمت لِأَنَّهَا دلَالَة على مَعْصِيّة، وَكَانَ الْقيَاس يَقْتَضِي أَنه إِذا دلّ حَلَالا أَنَّهَا لَا تحرم، وَإِنَّمَا حرمت لما روى أَبُو قَتَادَة قَالَ: خرج فِي رَهْط محرمين فَعَن لَهُم صيد فَشد عَلَيْهِ فاصطاده وَحمل إِلَى المحرمين فامتنعوا من أكله وسألوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك فَقَالَ لَهُم: هَل أعنتم؟ هَل دللتم؟ ثمَّ لَا نسلم أَن الدَّال يحرم عَلَيْهِ الْأكل، وَإِن سلمنَا فَبِهَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا ضمن الْمُودع لِأَنَّهُ ترك الْحِفْظ الَّذِي الْتَزمهُ.

(2/177)


(الْمَسْأَلَة: ... ... ... .)

إِذا مَاتَ وَقد وَجب عَلَيْهِ الْحَج وَلم يوص بِهِ.
الْمَذْهَب: يقْضِي من تركته.
عِنْدهم: لَا يقْضِي مَا لم يوص بِهِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
مَا روى ابْن عَبَّاس أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا

(2/178)


رَسُول الله إِن أُخْتِي نذرت أَن تحج وَمَاتَتْ قبل أَن تحج أفأحج عَنْهَا؟ قَالَ: لَو كَانَ على أختك دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَاقْض دين الله تَعَالَى فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَالْمَيِّت غير مُكَلّف بِفَرْض وَلَا مستطيع لحج.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا: وَلِأَنَّهُ حق يدْخلهُ النِّيَابَة ليستقر عَلَيْهِ فِي حَال الْحَيَاة فَوَجَبَ أَن لَا يسْقط عَنهُ كالديون.
لَهُم: وَلِأَنَّهَا عبَادَة تعلّقت بِقطع مَسَافَة فَوَجَبَ أَن يسْقط بِالْمَوْتِ كالجهاد.
مَالك: لَا يقْضى مَا لم يوص بِهِ.
أَحْمد: يقْضِي من تركته.
التكملة:
قد قاسوا منع الْوُجُوب على الصَّلَاة فَقَالُوا: عبَادَة على الْبدن يُوجب

(2/179)


أَن تسْقط بِالْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ، وَنحن نقُول: قد وافقتمونا على أَنه لَو أوصى بِهِ لقضي من تركته وَالصَّلَاة لَا تخلف الحكم فِي عدم وقُوف فعلَيْهَا بَين أَن يُوصي بهَا أَو لَا يُوصي مَعَ أَن صَاحب الشَّرْع قد شبهها بِقَضَاء الدّين.
وَالدّين لَا فرق فِي قَضَائِهِ بَين أَن يُوصي بِهِ أَو لَا، وَقد روى أَيْضا أَن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا حج فَقَالَ لَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حجي عَنْهَا فَأمرهَا بِالْحَجِّ عَنْهَا، وَلم يسْأَلهَا هَل أوصت بِهِ أم لَا؟

(2/180)