تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (كتاب الْبيُوع)
(2/181)
فارغة
(2/182)
لوحة 31 من المخطوطة " أ ":
فهم حَقِيقَة البيع وَحَقِيقَة الشَّرْط، وَوجه تَأْثِير
الشَّرْط فِي البيع يكْشف عَن مسَائِل الْخِيَار، فَالْبيع
سَبَب الْملك إِجْمَاعًا فعندنا يحصل بِهِ، وَعِنْدهم يحصل
بِهِ، وَهُوَ عِنْدهم كالأداة، مَتى وجدت صَحَّ البيع، والنفوذ
مُتَوَقف على أَن يسْتَعْمل هَذِه الأداة فِي مَحل
الْمُسْتَعْمل عَلَيْهِ ولَايَة تَامَّة، وَيعرف النّفُوذ بعد
اسْتِعْمَال الأداة بِقَرِينَة حَال الرِّضَا، وَعِنْدنَا نفس
البيع ينْقل الْملك، وَآلَة هَذَا النَّقْل هُوَ اللِّسَان،
والمصحح لهَذَا النَّقْل الْملك، فَإِن من كَانَ لَهُ (حق فِي
مَحل) فَلهُ نَقله إِلَى غَيره.
وَهَذَا النَّقْل لَا يَصح إِلَّا بِشَرْط الرِّضَا وَفَاء
لعصمة الْحق وَالرِّضَا لَا يتَصَوَّر (إِلَّا من) الْعَاقِل،
وَلَا يعرف إِلَّا بِقَرِينَة الِاخْتِيَار، فالملك مصحح
للتَّصَرُّف وَالرِّضَا شَرطه، وَالْعقل يصحح هَذَا (الشَّرْط
وَالِاخْتِيَار) دَلِيله.
وَاعْلَم أَن خبر الْوَاحِد هُوَ الَّذِي لَا يَنْتَهِي إِلَى
حد التَّوَاتُر فقد يَنْقُلهُ النَّفر (والرهط وَقَول
الرَّسُول) لما علم صِحَّته لَا يُسمى خبر وَاحِد، وَخبر
(2/183)
الْوَاحِد يُفِيد غَلَبَة الظَّن، وَلَا
يَسْتَحِيل أَن يتعبد بِهِ، فَيَقُول الشَّرْع جعل عَلَيْكُم
عَلامَة وجوب الْفِعْل غَلَبَة ظنكم، كَمَا جعلت الزَّوَال
سَبَب وجوب الصَّلَاة.
وَالدَّلِيل على الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد رسل النَّبِي
وقضاته وأمراؤه والمنفذ لقبض الصَّدقَات (فَإِنَّهُ كَانَ)
ينفذ وَاحِدًا وَيجب سَماع كَلمته وطاعته، ثمَّ الْعَاميّ
مَأْخُوذ بِالْعَمَلِ بقول الْمُفْتِي وَهُوَ وَاحِد، وَإِن رد
من أَخْبَار الْآحَاد شَيْء فلعلة رد، والمقبول رِوَايَته كل
مُسلم مُكَلّف عدل حَافظ انْفَرد، أَو شَارك وَتقبل رِوَايَة
(من لَا تقبل) شَهَادَته خلافًا للجبائي.
وَقد أَخذ الصَّحَابَة بقول الْوَاحِدَة من أَزوَاج النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام،
(2/184)
وَخبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى
مَقْبُول خلافًا للكرخي، (وَإِذا خَالف الرَّاوِي الْخَبَر،
أَو أفتى بِخِلَافِهِ فَالْخَبَر حجَّة عَلَيْهِ كَمَا هُوَ
حجَّة على غَيره.
وَقَالَ أهل الرَّأْي عمل الرَّاوِي بِخِلَاف مَا روى دَلِيلا
على نسخه عِنْده أَو ضعفه.
وَاعْلَم أَن أقوى النَّقْل أَن يَقُول الصَّحَابِيّ سَمِعت
النَّبِي يَقُول (أَو حَدثنِي وَهَذَا) لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ
إِجْمَال.
وَالثَّانِي: أَن يَقُول: قَالَ النَّبِي أَو حَدثنَا أَو
أخبرنَا، وَهَذَا ظَاهره النَّقْل
(2/185)
من الصَّحَابِيّ، وَلَيْسَ نصا صَرِيحًا
لِأَنَّهُ يَقُول الْوَاحِد منا قَالَ النَّبِي اعْتِمَادًا
على أَنه بلغه متواترا.
وَالثَّالِث: أَن نقُول (أَمر رَسُول الله بِكَذَا) ، أَو نهى
عَن كَذَا، وَقد يظنّ مَا لَيْسَ بِأَمْر أمرا.
وَالرَّابِع: أَن يَقُول (أمرنَا أَو نهينَا) .
وَالْخَامِس: (أَن يَقُول) كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا.
وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " نضر الله امْرَءًا سمع
مَقَالَتي فوعاها فأداها كَمَا سَمعهَا فَرب حَامِل فقه (إِلَى
غير فَقِيه وَرب حَامِل فقه) إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ ".
(2/186)
عصمنا الله وَإِيَّاكُم عَن الزيغ والزلل
بِحَق مُحَمَّد وَآله.
مِمَّن ولى رَسُول الله على الصَّدقَات كل وَاحِد من قيس بن
عَاصِم وَمَالك بن نُوَيْرَة والزبرقان، وَوَجَب تصديقهم فِي
الْأَخْذ
(2/187)
والإعطاء) .
(2/188)
(كتاب الْبيُوع)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالتِّسْعُونَ: (صو)) .
بيع الْأَعْيَان الغائبة.
الْمَذْهَب: بَاطِل فِي الْمَنْصُور فِي الْخلاف.
عِنْدهم: صَحِيح وَخيَار الرُّؤْيَة ثَابت.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع
الْغرَر وَقد وجد.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من اشْترى شَيْئا لم يره فَهُوَ
بِالْخِيَارِ إِذا
(2/189)
رَآهُ ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَجْهُول الأَصْل عِنْد الْعَاقِد حَالَة العقد فَلَا يَصح
بَيْعه، كَمَا إِذا قَالَ: بِعْتُك شَيْئا، بَيَان الْجَهَالَة
احْتِمَال وجوده وَعَدَمه بَيَان التَّأْثِير: تردد
الْعقْدَيْنِ الصِّحَّة وَالْفساد فرجح تَغْلِيبًا للْحُرْمَة
وَلِهَذَا نقُول: فَاتَت طَرِيق الْغِبْطَة فَلَا يَصح البيع.
لَهُم:
مَال مَمْلُوك فِي يَد البَائِع فصح بَيْعه كالمرئي، تَأْثِيره
وجود الْأَهْلِيَّة والمحلية، وَحَقِيقَة الْمُعَاوضَة لَا
تفْتَقر إِلَى سوى ذَلِك، فَلَو بَطل العقد بَطل
(2/190)
لعدم الرُّؤْيَة وَذَلِكَ لَا يبطل لِأَن
الرُّؤْيَة أحد مدارك الْعلم وَالْعلم بِالظَّاهِرِ يَكْفِي،
وَقد بني عَلَيْهِ جلّ أصُول الشَّرْع وَصَارَ كعلمه
بِالْملكِ.
مَالك: يَصح إِذا وَصفه.
أَحْمد: يَصح إِذا ذكر صِفَات السّلم.
التكملة:
نسلم اجْتِمَاع أَرْكَان العقد وندعي فَوَات شَرط زَائِد
لصِحَّته فَنَقُول: بيع فقد شَرطه فَلَا يَصح، لِأَن الرِّضَا
بِالْمَبِيعِ شَرط.
قَالَ الله تَعَالَى: {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض
مِنْكُم} وَهَذَا مُقْتَضى الْمُعَاوضَة، إِذْ هِيَ جبران
الْفَائِت، وَهَذَا الْمَعْنى يعم الثّمن والمثمن، غير أَن
الثّمن يقْصد الجنسية فَلَو جهلت كميته بَطل، والأعيان ترَاد
لمعان فِيهَا،
(2/191)
وللجهل اعتبرتم الْخِيَار، ويتأيد مَا
قَالُوهُ بالسلم، فَإِن الْجَهْل بصفاته يمْنَع الرِّضَا وَلَا
يلْزم هبة الْمَجْهُول فَإِنَّهُ تمْلِيك بِغَيْر عوض.
وَكَذَلِكَ النِّكَاح لَيْسَ عقد مُعَاوضَة بل عقد ازدواج
(تتمّ بمعرفته) الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة ثمَّ نسلم صِحَة
العقد فَلم قَالُوا: إِنَّه ينْفد، إِن قَالُوا كل صَحِيح
نَافِذ بَطل بالفضولي، وَإِن شرطُوا الْملك بَطل بالمكره،
وَإِن شرطُوا الرِّضَا عدم فِي مَسْأَلَتنَا إِن اعتذروا عَن
السّلم بالإبهام، وَتعذر التَّسْلِيم ألزمناهم بيع عبد من
ثَلَاثَة أعبد.
وَتَحْقِيق شَرط التَّمْيِيز فِي الدُّيُون لَا مطمع فِيهِ
بِالصِّفَاتِ، وَبِالْجُمْلَةِ عندنَا الْعلم بالمعقود
عَلَيْهِ أصلا ووصفا شَرط صِحَة العقد، وَعِنْدهم الْمُشْتَرط
الْقُدْرَة على التَّسْلِيم وَالْعَمَل بِأَصْل الْمَعْقُود
عَلَيْهِ.
(2/192)
فارغة
(2/193)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالتِّسْعُونَ:
(صز)) .
خِيَار الْمجْلس فِي الْمُعَاوَضَات.
الْمَذْهَب: يثبت فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد
مِنْهُمَا على صَاحبه بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا عَن
مكانهما الَّذِي تبَايعا فِيهِ "، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام:
" من اشْترى شَيْئا فَوَجَبَ لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لم
يُفَارِقهُ ".
وَكَانَ ابْن عمر اشْترى شَيْئا يمشي أذرعا ليجب لَهُ، وَقد
جَاءَ إِلَّا بيع
(2/194)
الْخِيَار.
لَهُم:
روى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " البيع صَفْقَة أَو
خِيَار "، وَمعنى ذَلِك صَفْقَة لَا خِيَار فِيهَا وصفقة
فِيهَا خِيَار.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
البيع سَبَب زَوَال الْملك وَقد يتعقبه النَّدَم وَالشَّرْع
نَاظر للعباد وللندم تَأْثِير بِدَلِيل الْإِقَالَة المحثوث
عَلَيْهَا، فَنَقُول سَبَب ثُبُوت الْخِيَار، ودعت الْحَاجة
إِلَيْهِ وَفِي إثْبَاته نظر فَيثبت كَخِيَار الشَّرْط.
لَهُم:
عقد مُعَاوضَة فَوَجَبَ أَن يلْزم بِنَفسِهِ كَالنِّكَاحِ
لِأَن للعوض تَأْثِيرا فِي لُزُوم الْعُقُود فَإِن الْهِبَة
قبل الْقَبْض غير لَازِمَة، وَتلْزم بِالْعِوَضِ وَكَذَا
الطَّلَاق وَفِي مَسْأَلَتنَا أولى لِأَن الْعِوَض فِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ دخيل وَهَاهُنَا أصل.
(2/195)
مَالك: ف.
أَحْمد: ق.
التكملة:
إِن اعتذروا عَن الْخَبَر بِأَن رِوَايَة مَالك، وَقد خَالفه
فقد نقل من طرق، ومخالفته لَا تقدح فِيهِ، وَهُوَ محجوج بِهِ،
وَإِنَّمَا خَالفه حَيْثُ رَأْي عمل أهل الْمَدِينَة
بِخِلَافِهِ، فَإِن قَالُوا هُوَ خبر وَاحِد فِيمَا تعم بِهِ
الْبلوى.
قُلْنَا: لَا يجوز تَكْذِيب الْعدْل مَا دَامَ صدقه مُحْتملا،
ونقول أحد وصفي العقد فَلَا يثبت دون الرِّضَا قِيَاسا للُزُوم
على الصِّحَّة، ودعواهم اللُّزُوم فِي وضع العقدان عنوا بِهِ
لَا ينْعَقد إِلَّا لَازِما فَهُوَ مَحل الْخلاف وَإِن عنوا
أَنه لَا بُد فِيهِ من اللُّزُوم فنسلم لَكِن طَرِيقه الرِّضَا
باللزوم.
(2/196)
فارغة
(2/197)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالتِّسْعُونَ:
خِيَار الشَّرْط (صَحَّ)) .
الْمَذْهَب: يُورث.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من ترك حَقًا أَو مَالا "
فَهَذَا حق.
لَهُم: ... .
(2/198)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
حق مَالِي فَجرى فِيهِ الْإِرْث ليَكُون للْوَارِث كَمَا كَانَ
للموروث كحق الرَّهْن لِأَنَّهُمَا يظهران فِي ذَلِك ثمَّ هُوَ
عبارَة عَن ملك الْفَسْخ، لِأَنَّهُ سَبَب شَرْعِي أَعنِي
الشَّرْط فَأفَاد حكما شَرْعِيًّا وَلَيْسَ إِلَّا إِثْبَات
الْفَسْخ.
لَهُم:
الْخِيَار صفة الْمُخْتَار فَلَا يُورث كعلمه، إِذْ لَا فرق
بَين الْخِيَار وَالِاخْتِيَار والمشيئة، وللإنسان خيرتان:
خيرة فِي إنْشَاء العقد وَأُخْرَى فِي لُزُومه، فَإِذا أطلق
استوفاهما، فَإِذا اشْترط اسْتِيفَاء أَحدهمَا.
وَمعنى قَوْله: ولي الْخِيَار أَي فِي العقد، وَالْعقد قد تمّ
يعْمل بِهِ فِي مَعْنَاهُ لَا فِي الْفَسْخ فَهُوَ ضِدّه.
مَالك: ق.
أَحْمد: ... ... ... .
(2/199)
التكملة:
إِن قاسوا على الْأَجَل فَالْجَوَاب أَن الْأَجَل يثبت رفقا
بِمن عَلَيْهِ الدّين، فَإِذا مَاتَ لم ينْتَقل الدّين إِلَى
ذمَّة الْوَارِث بل يتَعَلَّق بِالتَّرِكَةِ، فَلَو قُلْنَا:
إِن الْأَجَل ينْتَقل إِلَى الْوَارِث، وَالدّين لَا ينْتَقل
إِلَى ذمَّته لَكَانَ الدّين فِي مَحل وَالْأَجَل فِي مَحل
وهما متلازمان، ثمَّ مصلحَة الْمَيِّت إِيفَاء دُيُونه.
عبارَة حق لَازم للمورث مَاتَ عَنهُ قبل تَمَامه فانتقل إِلَى
الْوَارِث كَسَائِر الْحُقُوق الْمَالِيَّة، وَفِي الْعلَّة
احْتِرَازًا عَن الْوكَالَة والحقوق الْجَائِزَة فَإِنَّهَا
تبطل بالإغماء وَالْجُنُون فبالموت أولى، وَعَن النِّكَاح
فَإِنَّهُ تمّ بِالْمَوْتِ، وَعَن حق الرُّجُوع فِي الْهِبَة
فَإِنَّهُ للْوَاهِب من وَجه وَعَلِيهِ من وَجه.
وَتَقْرِير الْعلَّة أَن الْمَوْت لم يَجْعَل مُبْطلًا للحقوق
بل مثبتا لَهَا، وَالدَّلِيل على ثُبُوت الْحق وماهيته أَن
الْملك بالاجتماع يُورث وَله سَبَب هُوَ الْمَبِيع وَثَمَرَة
هِيَ النّفُوذ، وَفِي الْملك خيرة ومشيئة تستوفى بهَا ثَمَرَات
الْمَمْلُوك وَالْإِرْث يجْرِي فِي الْملك، وَكَذَلِكَ
الشَّرْط سَبَب ثُبُوت الْحق
(2/200)
ونفوذ الْفَسْخ وخيرة الشارط آلَة
اسْتِيفَاء هَذِه الثمرات وَالْإِرْث فِي الْحق الْمُقدر
بِالشّرطِ.
(2/201)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالتِّسْعُونَ:
(صط)) .
الْملك فِي مُدَّة الْخِيَار.
الْمَذْهَب: لَا يمْنَع الْخِيَار جَرَيَان الْملك فِي
الْمَنْصُور.
عِنْدهم: يمْنَع فِي القَوْل الآخر ومذهبهم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لحبان بن منقذ: قل لَا خلابة.
وَاشْترط الْخِيَار: ثَلَاثَة أَيَّام.
(2/202)
ومقصود دفع الخلابة يحصل بِإِثْبَات
الْخِيَار فِي الِاسْتِدْرَاك مَعَ زَوَال الْملك، واتصال
السَّبَب الْمُسَبّب.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض
مِنْكُم} وَبيع الْخِيَار لم يتَحَقَّق فِيهِ الرِّضَا فَلم
ينْقل الْملك.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
السَّبَب النَّاقِل للْملك قد وجد فَهُوَ بِمَثَابَة البيع
اللَّازِم فَإِن السَّبَب الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَالْخيَار
يُرَاد للْفَسْخ.
لَهُم:
عقد تَأْخِير فَلَا يُفِيد الْملك بِنَفسِهِ كَالْهِبَةِ قبل
الْقَبْض وَالشّرط إِذا اقْترن بِالسَّبَبِ أخرجه عَن كَونه
سَببا كَمَا لَو قَالَ: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق لم يكن
الطَّلَاق سَبَب البينوتة إِلَّا مَعَ شَرطه، وَالْخيَار
اسْتِبْقَاء مَا كَانَ لَهُ
(2/203)
بالخبرة الْأَصْلِيَّة، فَإِذا عقد استبقى
تِلْكَ الْخيرَة فِي الحكم.
مَالك: وَافق أَبَا حنيفَة.
أَحْمد: ق.
التكملة:
البيع سَبَب مَنْصُوب للْملك وَلَا سَبِيل إِلَى قطع السَّبَب
عَن الْمُسَبّب مَا أمكن.
فَإِن قيل: إِن كَانَ الْملك للْمُشْتَرِي كاللبن الْحَاصِل
فِي مُدَّة الْخِيَار لم يرد على البَائِع إِذا فسخ.
الْجَواب: إِن كَانَ للْبَائِع فَلم يسلم للْمُشْتَرِي إِذا
أَجَازُوا الْوَقْف.
قَول ثَالِث للشَّافِعِيّ: فَإِن منعُوا مَا ألزمناهم منعنَا
مَا ألزمونا ويرتكب على مساق هَذَا القَوْل كَمَا يلْزم
عَلَيْهِ ونحكم بسلامة الزَّوَائِد لمن حكمنَا لَهُ بِالْملكِ،
وعَلى الْجُمْلَة مَا من صُورَة فِي تفريعات الْمَسْأَلَة
إِلَّا وفيهَا خلاف.
(2/204)
قَالَ الْمُزنِيّ: مَذْهَب الْخصم يُؤَدِّي
إِلَى محَال فَإِنَّهُ يَقُول: إِذا كَانَ الْخِيَار
للْمُشْتَرِي وَحده خرج الْمَبِيع عَن ملك البَائِع وَلَا
يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي وَالْملك لَا بُد لَهُ من مَالك،
لِأَنَّهُ من بَاب الْمُضَاف وَمَا يُفْضِي إِلَى الْمحَال
محَال، وَحَقِيقَة الْخِيَار عندنَا ملك الْفَسْخ وَعِنْدهم
اسْتِيفَاء مَا كَانَ لَهُ من خيرة.
(2/205)
(الْمَسْأَلَة الْمِائَة: (ق)) .
خِيَار أَرْبَعَة أَيَّام.
الْمَذْهَب: يفْسد العقد فِي الْحَال وَلَا يعود صَحِيحا.
عِنْدهم: يفْسد فِي الْيَوْم الرَّابِع وَرُبمَا قَالُوا هُوَ
صَحِيح فَإِن لم يحدث الرَّابِع فسد.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
(2/206)
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عقد فَاسد فَلَا يعود صَحِيحا إِلَّا باستئنافه عَارِيا عَن
الْمُفْسد كَمَا لَو بَاعَ درهما بِدِرْهَمَيْنِ، ثمَّ هُوَ
شَرط أوجب فِي العقد نقيض مَوْضُوعه فأفسده كَمَا لَو قَالَ:
بِعْتُك على أَن أسلم نَهَارا وأسترد لَيْلًا، وَالنَّهْي
دَلِيل الْفساد وَالْخيَار يضاد العقد، لَكِن ثَبت فِي
الثَّلَاث نصا.
لَهُم:
حدث الْمُفْسد قبل تقرره فِي العقد فَصَارَ كَمَا لَو بَاعَ
السّلْعَة برقمها ثمَّ
(2/207)
تبين فِي الْمجْلس، لِأَن الشَّرْط لَا
يفْسد لذاته بل بِمُوجبِه، والموجب خِيَار الْيَوْم الرَّابِع
وَلم يتَّصل بِالْعقدِ والهدنة إِذا عقدت أَكثر من الْمدَّة
الشَّرْعِيَّة تصح بِحَذْف الزَّائِد ثمَّ الْفَاسِد صَحِيح
بِأَصْلِهِ.
مَالك: يجوز قدر مَا يحتاجان إِلَيْهِ.
أَحْمد: يثبت من الْخِيَار مَا يتفقان عَلَيْهِ.
التكملة:
يدل على فَسَاد البيع بِأَن الْمَبِيع لَو تلف فِي هَذِه
الْمدَّة ضمنه المُشْتَرِي بِالْقيمَةِ وَفِي الصَّحِيح
بِالْمُسَمّى وبكونه لَا يسْتَحق بِهِ الشُّفْعَة ونمنع
الْهُدْنَة وَإِن سلمُوا أَنه انْعَقَد فَاسِدا تعذر عَلَيْهِم
التَّصْحِيح وَذَلِكَ أَن الْمُفْسد الَّذِي يحذفونه إِن عنوا
بِهِ الشَّرْط فقد مضى وانحذف بِنَفسِهِ، وَإِن عنوا بِهِ
الْمَشْرُوط فَهُوَ غير ثَابت حَتَّى ينحذف فَإِنَّهُم وَإِن
اعتذروا أَن الْفَاسِد مَشْرُوع بِأَصْلِهِ لكِنهمْ يقرونَ
أَنه غير مَشْرُوع بوصفه، والحذف تصرف شَرْعِي فيستدعي ثَابتا
مَشْرُوعا حَتَّى ينحذف بِهِ.
(2/208)
قُلْنَا: حذفه وَبَقِي البيع فَاسِدا
بِخِلَاف الْخِيَار الْمَشْرُوع فَإِنَّهُ حق ثَابت
بِالْإِجْمَاع فعقل حذفه.
(2/209)
فارغة
(2/210)
(مسَائِل فِي الرِّبَا)
(2/211)
فارغة
(2/212)
لوحة / 32 خَ:
اخْتلف فِي صِحَة الْعلَّة الْمَقْصُورَة على أَصْلهَا فأبطلها
أَصْحَاب الرَّأْي وأجزناها، وَمَالك وَقُلْنَا: عِلّة
الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ كَونهمَا ثمنين، وَهَذَا الْوَصْف
مَقْصُور عَلَيْهِمَا لَا يتعداهما، وَدَلِيل جَوَاز ذَلِك أَن
علل الشَّرْع عَلَامَات للْأَحْكَام بِالْوَضْعِ من غير أَن
تكون مُوجبَة لأحكامها بأنفسها فَيجوز أَن يرد الشَّرْع بِجعْل
صفة خَاصَّة للشَّيْء عِلّة الحكم فِيهِ، وَلَا يشْتَرط تعديها
جملَة، كَمَا يجوز أَن يشْتَرط تعديها إِلَى كثيرين.
وَفَائِدَة استنباط الْعلَّة الْمَقْصُورَة الْمَنْع من حمل
غير الْمَنْصُوص عَلَيْهِ، أَو يكون التَّبْيِين إِلَى
الْمَقْصد الشَّرْعِيّ، وعَلى هَذَا يجوز أَن يكون فِي الأَصْل
الْوَاحِد عِلَّتَانِ: إِحْدَاهمَا متعدية، وَالْأُخْرَى
مَقْصُورَة عَلَيْهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ النَّاظر ينظر وتستنبط الْعلَّة، فَإِذا صحت
(لَهُ نظر بعد) ذَلِك هَل تتعدى أم لَا؟ فالتعدي وَعَدَمه بعد
تَصْحِيح الْعلَّة، وَأما
(2/213)
التَّعْلِيل بِالِاسْمِ فقد منع مِنْهُ
أَكثر أَصْحَاب الرَّأْي، وَأَجَازَهُ أَكثر القابسين من
أَصْحَابنَا.
وَقَالُوا: الْعلَّة الشَّرْعِيَّة أَمارَة الحكم، وَأكْثر
(الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة) معلقَة بالأسماء فَلَا ننكر أَن
يَجْعَل الشَّرْع الِاسْم أَمارَة الحكم، كَمَا يَجْعَل الصّفة
سِيمَا فِي الِاسْم (الْمُشْتَقّ) ، وَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَام: " إِن الشَّيْطَان يحضر البيع فشوبوا بيعكم
بِصَدقَة ".
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم
بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة} .
قَالَ بعض أَصْحَابنَا: لَيْسَ ذَلِك اسْتثِْنَاء وَإِنَّمَا
مَعْنَاهُ لَكِن، (وَقيل: هُوَ) اسْتثِْنَاء مُنْقَطع
وَشَاهده:
(2/214)
(وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا
اليعافير وَإِلَّا العيس)
إِذا قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا، فَقَالَ: قبلت (انْعَقَد
البيع، وَمثله لَو قَالَ: بِعني هَذَا بِكَذَا فَقَالَ:
بِعْتُك) ، قَالَ أَحْمد: لَا ينْعَقد إِلَّا بِلَفْظ
الْمَاضِي، إِذا قَالَ: أتبيعين فَقَالَ: بِعْتُك لم ينْعَقد،
لِأَن قَوْله: أتبيعني اسْتِفْهَام لَا استدعاء، وَالَّذِي
ينْعَقد بِهِ (البيع الْإِيجَاب) وَالْقَبُول، قَالَ الْخصم:
التعاطي بيع.
قَالَ مَالك: البيع مَا يعده النَّاس بيعا، وَهَذَا لَهُ وَجه
جيد فِي الشَّرْع، لِأَن البيع مَوْجُود قبل الشَّرْع،
وَإِنَّمَا علق الشَّرْع عَلَيْهِ أحكاما، فَيجب أَن يرجع
فِيهِ إِلَى عرف الْعَرَب، (كَمَا يرجع فِي الخزن) والإحياء
وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن
(2/215)
يعْتَبر فِي هَذَا أَنَّهُمَا مَتى
افْتَرقَا عَن ترَاض بالمعاوضة فقد تمّ البيع.
هَذَا وَلم ينْقل عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه
لفظ التبايع (وَلَو اسْتعْمل دَائِما لنقل ذَلِك) .
الدَّلِيل على أَن الطَّعَام لجَمِيع مَا يطعم قَوْله
تَعَالَى: {فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه} .
وَإِذا أسلم شَيْئا فِي شَيْء إِن لم يكن العوضان أَو أَحدهمَا
مِمَّا فِيهِ رَبًّا جَازَ مثل أَن يسلم الثِّيَاب فِي
الْحَدِيد.
وَأما إِن كَانَ العوضان فيهمَا الرِّبَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا
أَن تكون عِلّة الرِّبَا فيهمَا وَاحِدَة أَو مُخْتَلفَة فَإِن
كَانَت (الْعلَّة) فيهمَا مُخْتَلفَة جَازَ كإسلام
(2/216)
الدَّرَاهِم فِي الْحِنْطَة، وَإِن كَانَت
الْعلَّة وَاحِدَة لم يجز كإسلام الدَّرَاهِم فِي الدَّنَانِير
وَالْحِنْطَة فِي الشّعير، وَلَا يجوز التَّفَرُّق فِي ذَلِك
قبل الْقَبْض.
(2/217)
|