تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة

 (مسَائِل السّلم)

(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة: السّلم فِي الْمُنْقَطع (فَلَا)) .
الْمَذْهَب: صَحِيح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
لما قدم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الْمَدِينَة وجدهم يسلفون فِي الثِّمَار السّنة والسنتين وَالثَّلَاث فَقَالَ: " من أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم، وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم ".

(2/351)


وَجه الدَّلِيل: أَنه وجدهم يسلفون فِي الثِّمَار وَالْمرَاد بِهِ مَا لم يُوجد، وَذكر شَرط السّلم وَلم يذكر الْمَوْجُود.
لَهُم:
نهى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن بيع الثِّمَار قبل بَدو صَلَاحهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ السّلم، لِأَن بيع الثِّمَار بِشَرْط الْقطع جَائِز. وَقَالَ: أَرَأَيْت إِن لَو منع الله الثَّمَرَة فَبِمَ يَأْكُل أحدكُم مَال أَخِيه؟
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أسلم فِي مضبوط بِالْوَصْفِ عَام الْوُجُود مَقْدُور على تَسْلِيمه لَدَى الْمحل

(2/352)


فَجَاز كالموجود عِنْد العقد فَإِن الْقُدْرَة ترَاد لوقت الْمُطَالبَة عِنْد الْمحل وَلَا مُطَالبَة قبل الْمحل فَلَا تعْتَبر الْقُدْرَة فِيهِ.
لَهُم:
أسلم فِيمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه فَلَا يَصح كَالْمَعْدُومِ حَال السّلم، تَأْثِيره: فَوَات الْقُدْرَة الْمَشْرُوطَة لصِحَّة العقد، وَدَلِيل الدَّعْوَى جَوَاز فَوت الْمُسلم إِلَيْهِ وَيجوز أَن يَمُوت فَهِيَ مَعْدُومَة فِي تِلْكَ الْحَال.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
مطلع النّظر الْبَحْث عَن الْقُدْرَة على التَّسْلِيم وَلَا خلاف فِي اشْتِرَاطهَا لَكِن لَا يعْتَبر الْيَقِين فِي الْإِجْمَاع وَلَا يحْتَمل كل شكّ بِالْإِجْمَاع وَهُوَ كَالْبيع، فَإِذا بَاعَ غَائِبا صَحَّ مَعَ احْتِمَال تلفه لَكِن الْقُدْرَة عَلَيْهِ مستبقية، فاستصحب فِيهَا الْحَال، وَلَو أبق عَبده، فَأخْبر بعوده إِلَى بَلْدَة يجوز أَن يُقيم فِيهَا إِلَى حِين الْقُدْرَة عَلَيْهِ لم يَصح العقد لاستصحاب حَال الْعَدَم، وَقد

(2/353)


بنيت الْمَسْأَلَة على (التَّسْوِيَة بَين) الثّمن والمثمن فَإِنَّهُم يسلمُونَ أَنه لَو بَاعَ بمكيل وموزون فَكَانَ مُنْقَطِعًا صَحَّ وَالسّلم بيع الْمكيل، وَأي فرق بَين بيع الْمكيل وَالْبيع بالمكيل؟
ومعتمدهم مَا تخيلوه من أَن الثّمن حكم العقد وَالْعجز عَن تَسْلِيمه لَا يمْنَع البيع كَشِرَاء الْمُفلس وَالْعَبْد مَعَ عجزهما، وَلذَلِك جوزوا الْكِتَابَة الْحَالة وَلنَا فِي الْجَمِيع منع.
ونقول: الثّمن والمثمن ركنان، عبارَة حَالَة لَا يجب فِيهَا التَّسْلِيم بِحكم الشَّرْط فَلَا يشْتَرط فِيهَا الْقُدْرَة على التَّسْلِيم قِيَاسا على مَا بعد الْمحل.
وَبِالْجُمْلَةِ انعدام الْمُسلم فِيهِ فِي الْحَال لَا يعْدم وجود الْقُدْرَة فِي ثَانِي الْحَال، وَعِنْدهم يمْنَع تحقق الْقُدْرَة.

(2/354)


فارغة

(2/355)


(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة: السّلم فِي الْحَال (قلب)) .
الْمَذْهَب: صَحِيح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من أسلم فليسلم إِلَى أجل مَعْلُوم "، فَجعل

(2/356)


الْأَجَل شرطا فِي السّلم وَنهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان، وَرخّص فِي السّلم وَمَا رخص فِيهِ تبع بِهِ مورد الشَّرْع وَإِنَّمَا ورد السّلم مُؤَجّلا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: إِذا جَازَ السّلم مُؤَجّلا فحالا أجوز، وَعَن الْغرَر أبعد، أحد عوضي البيع فَثَبت فِي الذِّمَّة كالعوض الآخر.
لَهُم:
أسلم فِي معجوز عَنهُ فَلَا يَصح، إِذْ الْقُدْرَة شَرط فِي السّلم وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بالأجل لِأَنَّهُ عقد محاويج، وَصَارَ كالكتابة عنْدكُمْ فَإِنَّهَا لَا تصح إِلَّا مُؤَجّلَة.
مَالك: ف.
أَحْمد: ف.

(2/357)


التكملة:
الْجَواب عَن الحَدِيث أَن مَعْنَاهُ من أسلم فِي مَكِيل فَلْيَكُن مَعْلُوم الْكَيْل، وَمن أسلم فِي مُؤَجل فَلْيَكُن مَعْلُوم الْأَجَل، وَلَا نسلم أَنه عقد محاويج، بل نوع بيع، وَالسَّبَب الظَّاهِر فِي الْقُدْرَة عندنَا كَونه حرا مُطلق التَّصَرُّفَات، فَهُوَ أهل الْملك بالاتهاب والاحتطاب وَالْإِرْث.
وَعِنْدهم: الْقُدْرَة بالأجل، أما النَّهْي عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان فَالْمُرَاد بِهِ الْأَعْيَان، فَإِن الَّذِي لَا يكون عِنْد أحد وَلَيْسَ الْمَعْنى فِي هَذِه الرُّخْصَة اسْتثِْنَاء عَن تَحْرِيم بيع كَمَا تخيلوه بل الرُّخْصَة فِيهِ إِثْبَات أحد الْعِوَضَيْنِ دينا مَعَ تعين الآخر.
وَبِالْجُمْلَةِ الْأَجَل وَالسّلم عندنَا رخصَة وَعِنْدهم هُوَ عَزِيمَة.

(2/358)


(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة: السّلم فِي الْحَيَوَان (قلج)) .
الْمَذْهَب: صَحِيح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
استسلف النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بكرا وَأدّى بازلا. وَقَالَ: خَيركُمْ أحسنكم قَضَاء، واستسلف ابْن الْعَاصِ فِي تجهيز جَيش بَعِيرًا ببعيرين إِلَى إبل الصَّدَقَة.

(2/359)


وَكَانَ ابْن عَبَّاس يسلف فِي الوصائف.
لَهُم:
نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن السّلف فِي الْحَيَوَان، وَالسَّلَف (يَشْمَل الْقَرْض وَالسّلم وَقَالَ:) لَا خير فِي بيع الْحَيَوَان نَسِيئَة، قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: آخر آيَة نزلت على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام آيَة الرِّبَا وَمَات، وَلم يبين كثيرا مِنْهَا، وَإِن من الرِّبَا السّلم فِي السن.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَرْكَان السّلم اجْتمعت وَلَا نظر إِلَّا فِي الْمحل وَمحله مَا قبل حكمه،

(2/360)


وَحكمه إِثْبَات الْحَيَوَان فِي الذِّمَّة، وَالْحَيَوَان يثبت فِي الذِّمَّة فَكَانَ محلا، دَلِيل ثُبُوته فِي الذِّمَّة الصَدَاق وإبل الدِّيَة والغرة.
لَهُم:
أسلم فِي مُخْتَلف الصِّفَات فَلَا يَصح كَمَا فِي الْجَوْهَر، وتأثيره أَن الْإِيهَام يُؤثر فِي العقد وَالْحَيَوَان لَا يضْبط بِالْوَصْفِ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
نحمل منقولهم على مَا كَانَت الْعَرَب تعتاده من البيوعات الْفَاسِدَة إِن اعْترضُوا على حديثنا بِأَنَّهُ كَانَ فِي دَار الْحَرْب فَفِيهِ مَا يدْرَأ هَذِه الشُّبْهَة لِأَنَّهُ قَالَ أجهز جَيْشًا وَإِنَّمَا يُجهز الْجَيْش من دَار الْإِسْلَام.

(2/361)


فَإِن قَالُوا: إِنَّه لم يذكر الْأَجَل، قُلْنَا: الرَّاوِي ذكر المهم وَالْأَجَل كَانَ مَعْلُوما عِنْده (أَو لَعَلَّ زمن الصَّدَقَة كَانَ مَعْلُوما ومحصول كَلَامهم أَن الْمُسلم فِيهِ غير مُتَعَيّن من غَيره وَذَلِكَ بَاطِل) ، بل معنى تَعْيِينه على أَن الْمُعَامَلَات تنبني على الْمُسَامحَة والمساهلة، فَإِن من اشْترى عبدا وَرَآهُ لم يحط بِجَمِيعِ أَوْصَافه وَلَعَلَّ مِنْهَا مَا يكشفه الزَّمن الطَّوِيل وتناقضهم بالنبات.
ثمَّ الْوَاجِب تَسْلِيم الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات فِي أدنى الدَّرَجَات وَكلما تشْتَرط رُؤْيَته فِي البيع يشْتَرط وَصفه، لِأَن التِّجَارَات عُقُود مراضاة وَلنَا فِي الأكارع والرءوس منع.

(2/362)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة: هَل يجوز أَن يكون رَأس المَال جزَافا (قلد)) .
الْمَذْهَب: نعم.
عِنْدهم: إِن كَانَ مِمَّا يُكَال أَو يُوزن فَلَا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .

(2/363)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لَهُم:
عوض فِي عقد لَا تعْتَبر فِيهِ الْمُمَاثلَة فَلَا يجب معرفَة قدره كَالثّمنِ فِي البيع.
لَهُم:
عقد يقْصد بِهِ الرِّفْق فِي تَأْخِير أحد بدليله فَاعْتبر معرفَة الْمِقْدَار الآخر كالقرض.
مَالك: إِذا تعين بِالْعقدِ احْتِيجَ إِلَى ضبط وَصفه.
أَحْمد: وَافق مَالِكًا.
التكملة:
إِن قَالُوا: على الأَصْل الَّذِي قسنا عَلَيْهِ أَنه لَا يتَعَيَّن معرفَة قدر المعوض فِيهِ فَكَذَلِك الْعِوَض، وَفِي السّلم اعْتبر قدر المعوض فَكَذَلِك الْعِوَض، فَهَذَا يبطل بِمَا إِذا كَانَ رَأس المَال مِمَّا يُكَال أَو يُوزن فَإِنَّهُ يعْتَبر قدر المعوض، وَلَا

(2/364)


تعْتَبر معرفَة قدر الْعِوَض، لِأَنَّهُ لَيْسَ إِذا اعْتبر فِي المعوض الَّذِي فِي الذِّمَّة يجب أَن يعْتَبر فِي الْعِوَض الْمعِين كَالْعلمِ بِالصِّفَاتِ فَإِنَّهَا تعْتَبر فِي المعوض لَا فِي الْعِوَض.
وَأما إِذا كَانَ رَأس المَال فِي الذِّمَّة اعْتبر معرفَة الْمِقْدَار وَهَا هُنَا التَّعْيِين يُغني عَنهُ وَالسّلم يُفَارق الْقَرْض، لِأَن فِي الْقَرْض يرد الْمثل وَهَا هُنَا لَا يرد الْمثل، ونناقضهم بِمَا إِذا كَانَ رَأس المَال مذروعا.
وَبِالْجُمْلَةِ لَا أثر للْجَهْل بالمقدار مَعَ التَّعْيِين.

(2/365)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة: إِذا وجد بِالْمُسلمِ فِيهِ عَيْبا وَحدث عِنْده عيب (قله)) .
الْمَذْهَب: يرجع بِأَرْش الْعَيْب.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .

(2/366)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أحد نَوْعي البيع فجا أَن يثبت الرُّجُوع فِيهِ بِأَرْش الْعَيْب، كَبيع الْأَعْيَان.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لَهُم:
لَو عدنا بِالْأَرْشِ فسخنا العقد فِي غير الْمَعْقُود عَلَيْهِ بِدَلِيل جَوَاز إِبْدَاله لَو لم يحدث بِهِ عيب عِنْده، وَذَلِكَ لِأَن الْمَقْبُوض غير الْمَعْقُود عَلَيْهِ.
مَالك:.
أَحْمد:.
التكملة:
مَا زعموه يَنْبَنِي على أَن الرُّجُوع بِالْأَرْشِ فسخ للْعقد فِي جُزْء من الْمَبِيع وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الْمَبِيع هُوَ الْأَجْزَاء الَّتِي تنَاولهَا العقد، فَأَما الصِّحَّة والسلامة الَّتِي يثبت الأَرْض فِي مقابلتها فَلَيْسَتْ بمعقود عَلَيْهَا، ثمَّ لَو

(2/367)


سلمنَا هَذَا لَهُم فالمقبوض هُوَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ، وَلِهَذَا ينفذ فِيهِ التَّصَرُّف، وَإِنَّمَا جَازَ إِبْدَاله قبل حُدُوث الْعَيْب لِأَنَّهُ بِالْفَسْخِ يخرج عَن أَن يكون الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَأَما قبل الْفَسْخ فَهُوَ مَعْقُود عَلَيْهِ.
وَاعْلَم أَن حرف الْمَسْأَلَة: أَن عندنَا الْمَقْبُوض هُوَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ وَعِنْدهم الْمَقْبُوض غير الْمَعْقُود عَلَيْهِ.

(2/368)