تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (" مسَائِل الرَّهْن ")
(2/369)
فارغة
(2/370)
لوحة 39 من المخطوطة " أ ":
يجوز أَخذ الرَّهْن من كل حق ثَابت فِي الذِّمَّة يَصح
اسْتِيفَاؤهُ من الرَّهْن وعقده لَيْسَ بِلَازِم قبل الْقَبْض،
وَرهن العَبْد الْمُرْتَد وَبيعه جَائِز؛ لِأَن الرِّدَّة لَا
تزيل ملكه وَإِنَّمَا تعرضه للتلف فَهُوَ كَالْمَرِيضِ المدنف.
وَاعْلَم أَنه إِذا شَرط الْمُرْتَهن بيع الْمَرْهُون إِذا حل
الْحق لم يجز أَن يَبِيعهُ بِنَفسِهِ، وَلَو وَكله الرَّاهِن
فِي ذَلِك، فالوكالة فَاسِدَة، وَإِذا بَاعَ لم يَصح، قَالَ
مَالك والعراقي: يَصح كَمَا لَو وَكله فِي بيع عين أُخْرَى
ليقضيه دينه مِنْهَا، وَدَلِيلنَا: أَنه تَوْكِيل فِيمَا
يتنافى فِيهِ الفرضان فَلم يَصح كَمَا لَو وَكله
(2/371)
فِي بيع شَيْء من نَفسه وينافي الفرضين أَن
الرَّاهِن يُرِيد اسْتِيفَاء الثّمن وَالصَّبْر على الْمَبِيع،
وَالْمُرْتَهن يُرِيد تَعْجِيل الْحق وَيُفَارق غير الرَّهْن
من أَمْوَاله، لِأَن حق الْمُرْتَهن لَا يتَعَيَّن فِيهِ،
فَإِن وكل الرَّاهِن غير الْمُرْتَهن صَحَّ، إِذا شرطا أَن
يكون الرَّهْن على يَد عدل صَحَّ، وَإِذا قَبضه الْعدْل لزم،
وَيصِح تَوْكِيل هَذَا الْعدْل فِي البيع، فَإِن عزل الرَّاهِن
الْعدْل صَحَّ، وَلم يملك البيع.
وَبِه قَالَ أَحْمد خلافًا لمَالِك وَلَهُم، لأَنهم قَالُوا:
لَا يَنْعَزِل لِأَن الْوكَالَة صَارَت من حُقُوق الْمُرْتَهن،
وَدَلِيلنَا: أَن الْوكَالَة عقد جَائِز فَلَا يلْزم الْعَاقِد
الْقيام عَلَيْهَا كَسَائِر الوكالات، إِذا وضعا الرَّهْن على
يَد عدل وَمَات نظرت فَإِن اتفقَا على كَونه فِي يَد عدل آخر
أَو يَد الْمُرْتَهن جَازَ، وَلَو اخْتلفَا فالحاكم يَضَعهُ
عِنْد من يرتضيه.
فَإِن كَانَ الرَّهْن فِي يَد الْمُرْتَهن فالرهن بِحَالهِ
فَإِن مَاتَ وَرَضي الرَّاهِن أَن يكون فِي يَد وَرَثَة
الْمُرْتَهن كَانَ فِي أَيْديهم إِن اخْتَارُوا وَإِن أَبى لم
يجْبر على ذَلِك؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَضِي بأمانة الْمُرْتَهن
فيضعه الْحَاكِم عِنْد من يرَاهُ.
(2/372)
وَإِن عين الْعدْل شَيْئا لَا يجوز أَن
يَبِيع إِلَّا بِهِ، وَمَعَ الْإِطْلَاق لَا يجوز غير ثمن
الْمثل حَالا من نقد الْبَلَد خلافًا لَهُم، إِذا كَانَ
الرَّاهِن أمة حَامِلا فضربها ضَارب فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا
فعلى الْجَانِي عشر قيمَة الْأُم، وَيكون ذَلِك للرَّاهِن
لِأَنَّهُ بدل الْوَلَد وَلَا يدْخل فِي الرَّهْن وَلَا يجب
أرش مَا نقص بِالْولادَةِ، لِأَن ذَلِك قد دخل فِي بدل
الْجَنِين.
فَأَما إِذا كَانَت دَابَّة وَأَلْقَتْ جَنِينا مَيتا
فَإِنَّهُ يجب مَا نقصت بِوَضْعِهِ وَيكون ذَلِك رهنا،
لِأَنَّهُ بدل من الْجِنَايَة على الرَّهْن، إِذا أقرّ مقرّ
بِالْجِنَايَةِ على الرَّهْن فَإِن كذباه سقط حَقّهمَا، وَإِن
كذبه الرَّاهِن وَصدقه الْمُرْتَهن سقط حق الرَّاهِن وَتعلق حق
الْمُرْتَهن بِأَرْش الْجِنَايَة، فَإِن قَضَاهُ الرَّاهِن من
مَاله أَو أَبرَأَهُ هُوَ رَجَعَ الْأَرْش إِلَى الْمقر، لِأَن
الرَّاهِن يقر أَنه لَا حق فِيهِ، وَإِن صدقه الرَّاهِن وَكذبه
الْمُرْتَهن سقط حق الْمُرْتَهن من الْوَثِيقَة (وَكَانَ
(2/373)
للرَّاهِن الْأَرْش) .
(2/374)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَة: رهن الْمشَاع (قلو)) .
الْمَذْهَب: صَحِيح.
عِنْدهم: خلافًا وَإِن طرت الإشاعة رِوَايَتَانِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فرهان مَقْبُوضَة} ، وَصفَة محكمَة كَمَا
يُقَال: هبة مَمْلُوكَة، وَقَالَ تَعَالَى: {كل نفس بِمَا كسبت
رهينة} أَي حبيسة، هَذَا دَلِيل على أَن حكم الرَّهْن
الْحَبْس، قَالَ الشَّاعِر:
(ففارقتك برهن لَا فكاك لَهُ ... يَوْم الْوَدَاع فأمسى
الرَّهْن قد غلقا)
(2/375)
فَإِذا كَانَ مَعْنَاهُ الْحَبْس،
فَمَعْنَى العقد لُغَة هُوَ حكمه كالتسليم فِي السّلم.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الرَّهْن وَثِيقَة لجَانب الِاسْتِيفَاء؛ لِأَنَّهُ يَصح
مِمَّا يَصح فِيهِ الِاسْتِيفَاء وَحَقِيقَة الْوَثِيقَة
ثُبُوت زِيَادَة حق من جنس مَا كَانَ ثَابتا قبل وَصَارَ،
كالكفالة تثبت بهَا من جنس مَا كَانَ ثَابتا وَهُوَ
الْمُطَالبَة لَا الدّين كَذَلِك هَا هُنَا فالمستحق بيع
أَمْوَاله يخْتَص الْمُرْتَهن بِهَذِهِ الْعين وَلَو ثَبت بهَا
الْبَعْض لم تكن وَثِيقَة بل حَقِيقَة.
لَهُم:
الرَّهْن وَثِيقَة لجَانب الِاسْتِيفَاء لِأَنَّهُ يخْتَص
بِمَا بِهِ الِاسْتِيفَاء فَيَنْبَغِي أَن يثبت بِهِ بعض مَا
يثبت بِالِاسْتِيفَاءِ كالكفالة لما كَانَت وَثِيقَة لجَانب
الْوُجُوب ثَبت بهَا بعض مَا يثبت بِحَقِيقَة الْوُجُوب،
وَالثَّابِت بِالْحَقِيقَةِ ملك الْعين وَالْيَد وَلَا يُمكن
إِثْبَات ملك فَثَبت ملك الْيَد، والشائع لَا يقبل ذَلِك وَمحل
العقد مَا قبل حكمه.
(2/376)
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
نناقضهم بِمَا إِذا رهن عينا من اثْنَيْنِ حَيْثُ قَالُوا:
يَصح، وَلَو رهن من كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفهَا قَالُوا: لَا
يَصح، فَنَقُول: عقد جَازَ على عين من اثْنَيْنِ فَجَاز فِي
نصفهَا من كل وَاحِد مِنْهُمَا قِيَاسا على البيع وَالْهِبَة
فِيمَا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة.
أما الْآيَة الَّتِي استدلوا بهَا فسياقها جوابها، وَالْمرَاد
بهَا رهن مَا أمكن قَبضه حَقِيقَة وَنَقله إِلَى يَد
الْمُرْتَهن وَالْآيَة أَمر بِالرَّهْنِ الْمَقْبُوض على
سَبِيل الْإِرْشَاد كَمَا فِي الْإِشْهَاد وَلَيْسَ فِيهَا
بَيَان حكم الرَّهْن، وَيكون تَقْيِيده الرَّهْن بالمقبوض
هَاهُنَا إِشَارَة إِلَى أَن الْمَرْهُون يَنْقَسِم إِلَى
مَقْبُوض وَغير مَقْبُوض، وَهَذَا أَمر بِأَحَدِهِمَا توثيقا
لجَانب الْوُجُوب.
ونقول: تعلق الدّين بِالْعينِ هُوَ الْمَقْصُود لأَنا سبرنا
فَمَا وجدنَا غَيره،
(2/377)
وَلَيْسَ بتخيل مَقْصُود وَرَاء مَا ذكرنَا
سوى الْيَد ويستحيل ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن
يُرَاد لعَينه أَو لفائدة يَسْتَحِيل أَن يُرَاد لصورته.
فَإِن إِثْبَات الْيَد على ملك الْغَيْر وَحفظه تَعب مَحْض،
فَإِن أُرِيد لفائدته فَلَا فَائِدَة سوى الِاسْتِيلَاء
والاستيلاء غير مُسْتَحقّ وَلِهَذَا لَا يملك البيع إِلَّا
بِرِضا الرَّاهِن أَو أَمر الْحَاكِم، وباطل أَن يُقَال:
المُرَاد الْأَمْن من الْجُحُود، فَإِن طَرِيق ذَلِك
الْإِشْهَاد، فالإشهاد أَمن من الْجُحُود، وَالرَّهْن أَمن من
الْفلس.
وَبِالْجُمْلَةِ نسبر ونقسم فَلَا نجد غير مَا ذكرنَا وعَلى
الْمُعْتَرض بَيَان أَن الْيَد مَقْصُود وعلينا نفي ذَلِك.
(2/378)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَة: مَنَافِع الْمَرْهُون (قلز)) .
الْمَذْهَب: لَا نعطل على الرَّاهِن، فَلهُ الِانْتِفَاع بهَا
انتفاعا لَا يبطل حق الْمُرْتَهن.
عِنْدهم: لَيْسَ للرَّاهِن الِانْتِفَاع بالمرهون.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الرَّهْن محلوب ومركوب
وعَلى الَّذِي يحلبه ويركبه نَفَقَته ".
وَجه الدَّلِيل: أَنه بالِاتِّفَاقِ لَا يكون محلوبا وَلَا
مركوبا للْمُرْتَهن فَانْصَرف إِلَى الرَّاهِن وَهُوَ الَّذِي
تجب عَلَيْهِ نَفَقَته والْحَدِيث صَحِيح وفتوى رَاوِيه
بِخِلَافِهِ لَا يقْدَح فِيهِ.
(2/379)
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
انْتِفَاع لَا يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل حق الْمُرْتَهن فَلَا
يمْنَع مِنْهُ قِيَاسا على سقِِي الدَّابَّة وعلفها؛ لِأَن
حَقه فِي تعلق الدّين بِالْعينِ وَذَلِكَ لَا يسْقط
بِالِانْتِفَاعِ.
لَهُم:
محبوسة بِحكم عقد لَهَا على اسْتِيفَاء مَال فَلَا يكون
للْمَالِك الِانْتِفَاع بهَا قِيَاسا على الْمَبِيع (قبل
الْقَبْض فَإِن البَائِع) إِذا حَبسه على الثّمن لم يكن
للْمُشْتَرِي الِانْتِفَاع بِهِ ويبنى على الْمَسْأَلَة
السَّابِقَة.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(2/380)
التكملة:
فرض الْأَصْحَاب فِيمَا إِذا كَانَ عبدا كسوبا ليتَمَكَّن من
اسْتِيفَاء منفعَته فِي يَد الْمُرْتَهن وَلَا فَائِدَة فِي
هَذَا الْفَرْض إِذْ الْخصم لَا يمْنَع الِانْتِفَاع لثُبُوت
يَد الْمُرْتَهن بل لزوَال يَد الرَّاهِن.
ويتأيد ذَلِك بالجارية الْمُزَوجَة يستردها السَّيِّد نَهَارا
للِانْتِفَاع بهَا بل أولى، فَإِن الزَّوْج قد يتَضَرَّر،
وَكَذَلِكَ العَبْد الْجَانِي يتَعَلَّق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ
وَينْتَفع بِهِ مَوْلَاهُ.
وَقد نسلم أَن ملك الْيَد هُوَ الحكم وَلَكِن الْمَنْفَعَة
(بِملك الْعين تملك) فَإِنَّهَا معَان حَادِثَة فِي الْعين
تضيع بالتعطيل كثمار الْأَشْجَار، وَلَيْسَ الْكَلَام فِي
الِانْتِفَاع، بل فِي ملك الْمَنَافِع وَالِانْتِفَاع
استيفاؤها كاجتناء الثِّمَار.
أما الْمَنْع قبل الْقَبْض فقد لَا يثبت حق الْحَبْس على قَول
بل تسلم إِلَى المُشْتَرِي، وَإِن سلمنَا فالثمن إِن كَانَ
مُؤَجّلا كَانَت الْمَنَافِع للْمُشْتَرِي لتستوفى بطريقه،
وَإِن كَانَ حَالا فتمكينه من الِانْتِفَاع إِضْرَار بالبائع.
(2/381)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَة: عتق الْمَرْهُون (قلح)) .
الْمَذْهَب: الْمَنْصُور أَنه لَا ينفذ الآخر إِن كَانَ
مُوسِرًا أنفذ وَإِلَّا فَلَا.
عِنْدهم: ينفذ على كل حَال.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مسْقط حق الْمُرْتَهن فَلَا يَصح كَالْبيع اللَّازِم، وتأثيره
أَن حق الْمُرْتَهن لَازم
(2/382)
لَا يملك الرَّاهِن إِسْقَاطه، بَيَان
الدَّعْوَى: أَن حق الْمُرْتَهن مَالِي، وَالْإِعْتَاق
إِسْقَاط المَال وَالْحق يتَعَلَّق بِالْعينِ وَالْإِعْتَاق
تصرف فِي الْعين فَصَارَ كعتق الْمَرِيض.
لَهُم:
مُكَلّف أضَاف الْعتْق إِلَى ملكه فنفذ كَالْعَبْدِ
الْمُسْتَأْجر وَالْمَبِيع قبل الْقَبْض وَصَارَ كالحسيات،
وتأثيره أَن مَحل الْعتْق الْملك، فَإِذا سَقَطت بِهِ الْيَد
كَانَ ذَلِك بيعا وَصَارَ كالمرهون إِذا قتل عبدا.
مَالك: ق.
أَحْمد: ف.
التكملة:
يلْزمهُم عتق العَبْد الْمَأْذُون إِذا أحاطت بِهِ الدُّيُون
فَإِنَّهُ لَا ينفذ، وَلَا يلْزمنَا عتق العَبْد
الْمُسْتَأْجر، فَإِن الْإِجَارَة تتَعَلَّق بالمنافع، وَتبقى
بعد الْعتْق إِلَى تَمام الْمدَّة، وَلَا يلْزم الْمَبِيع قبل
الْقَبْض، إِذْ الدّين غير مُتَعَلق بِالْعينِ حَتَّى لَو أفلس
المُشْتَرِي لم يقدم البَائِع بِالثّمن، نعم لَهُ فسخ البيع
وَلِهَذَا يَصح رهن
(2/383)
الْمَبِيع من البَائِع قبل الْقَبْض
بِالثّمن وَوُجُود أحد المتعلقين يمْنَع الآخر.
فَإِن قَالُوا: الرّقّ ضعف شَرْعِي يتَعَلَّق بِالْمحل عقَابا
على الْكفْر وَالْعِتْق يزِيل الرّقّ فتزول مَعَه الْمَالِيَّة
تبعا فَلَيْسَ الْإِعْتَاق فِي مَحل الرَّهْن.
وَالْجَوَاب: أَن الرّقّ اسْم الْملك فِي الْآدَمِيّ وهما
اسمان مُتَرَادِفَانِ أَو نوع وجنس كالتفاح والفاكهة وعَلى
التَّسْلِيم نقُول: الْعتاق تصرف من الْمَالِك وَلَيْسَ لَهُ
من عَبده سوى الْملك وَالرّق إِن قدر فَهُوَ للشارع، فَكيف
يملك العَبْد إِسْقَاطه، نعم إِذا سقط الْملك انْتَفَى الرّقّ.
(2/384)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّلَاثُونَ
بعد الْمِائَة: زَوَائِد الْمَرْهُون العينية (قلط)) .
الْمَذْهَب: لَا يتَعَدَّى حكم الرَّهْن إِلَيْهَا.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
نعول على الْخَبَر الْمُتَقَدّم فِي مَنَافِع الْمَرْهُون،
فَإِن الْأَحْكَام متعارضة فالاستيلاء وَالتَّعْيِين للأضحية
يسري، وَالنِّكَاح وَأرش الْجِنَايَة وَحقّ الرُّجُوع فِي
الْهِبَة وَتَعْلِيق الْعتْق وَحقّ الْقصاص لَا يسري.
لَهُم: ... .
(2/385)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْجَارِيَة وَوَلدهَا محلان متفاصلان فرهن أَحدهمَا لَا يُوجب
رهن الآخر، تَأْثِيره أَنه لم يرْهن الْوَلَد فَلَو كَانَ
مَرْهُونا كَانَ رهن الْأُم، وَالأُم رهن بِمُبَاشَرَة
السَّبَب فِيهَا.
لَهُم:
حق لَازم تعلق بِالْعينِ (فسرى إِلَى الْوَلَد) كالملك، وفقهه
أَن الْوَلَد حدث فِي مَحل حق الْمُرْتَهن وَهُوَ عين
الْجَارِيَة فعدي إِلَى الْفَرْع، فَإِن الْمحل إِذا انبسط
انبسط الْحق عَلَيْهِ كالمالية.
مَالك: يدْخل الْوَلَد لَا غير.
أَحْمد: ق.
(2/386)
التكملة:
زَعَمُوا أَن الْعقر مَرْهُون وخيالهم فِيهِ أَن الْبضْع
متحابة نَحْو الْأَجْزَاء فَصَارَ الْمهْر كأرش قطع الْيَد،
وَالْكَلَام عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَة وَطْء الثّيّب وَملك
الْيَد لَيْسَ حكما للْعقد، وَلَو سلم فَلَيْسَ الْوَلَد جزأ
من الْأُم بل مُودع فِيهَا، وَالأُم حَيَوَان وأجزاؤها مَا
قَامَت بهَا الْحَيَاة، وَلَا نسلم أَن الْيَد وصف الأَصْل
حَتَّى يتَعَدَّى إِلَى فَرعه فَإِن الْأَحْكَام خطاب الله
تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين منعا وإطلاقا
وَصِحَّة وَفَسَادًا وَلَا نسلم أَن الْمُتَوَلد من الشَّيْء
يَتَّصِف بِصفتِهِ فَفِي المحسوس يتَوَلَّد الْأسود من
الْأَبْيَض، ويتأيد (بتولد الْمَنْكُوحَة الْمُسْتَأْجرَة) .
(2/387)
(الْمَسْأَلَة الْأَرْبَعُونَ بعد
الْمِائَة: إِذا تلف الْمَرْهُون (قُم)) .
الْمَذْهَب: لم يسْقط بِهِ شَيْء من الدّين إِذْ هُوَ
أَمَانَة.
عِنْدهم: يضمن بِأَقَلّ الْأَمريْنِ قيمَة أَو دينا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: " لَا
يغلق الرَّهْن من راهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه ".
وَجه الدَّلِيل: قَوْله من راهنه أَي من ضَمَان راهنه
وَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَمَّا كَانَ تعتاده
الْعَرَب من غلاق الرَّهْن.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الرَّهْن بِمَا فِيهِ ".
(2/388)
وَقَوله: ذهبت الرَّهْن بِمَا فِيهَا.
وَرُوِيَ أَن رجلا رهن عِنْد آخر فرسا بدين لَهُ فنفقت وَرفعت
الْقِصَّة إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ
للْمُرْتَهن: " ذهب حَقك ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لم يُوجد سَبَب الضَّمَان فَلَا يثبت لِأَنَّهُ تعلق الدّين
بِالْعينِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي ضمانا؛ لِأَن الْحَبْس
لتأكيد حَقه فَلَا يجوز أَن يَجْعَل سَببا لإسقاطه وتوهينه،
وَعِنْدنَا أَنه إِذا قبض استوفى عين حَقه كَمَا فِي السّلم
إِذا قبض الْمُسلم فِيهِ، إِذْ لَا يجوز قبض بدله.
(2/389)
لَهُم:
المستوفي بِالدّينِ مَضْمُون فالمقبوض بوثيقة مَضْمُون، بَيَان
الدَّعْوَى: أَن الدّين لَا يُمكن قَبضه لِأَنَّهُ أَمر حكمي،
وَالْقَبْض حسي وَإِنَّمَا يصير مَا قَبضه مَضْمُونا ثمَّ
يتساقطان مُبَادلَة شَرْعِيَّة فوثيقة الِاسْتِيفَاء تجْرِي
مجْرى حَقِيقَة الِاسْتِيفَاء وَصَارَ كالمقبوض على جِهَة
السّوم.
مَالك: يضمن من الرَّهْن مَا يخفى هَلَاكه كالنقدين بِخِلَاف
مَا يظْهر كالحيوان.
أَحْمد: ق.
التكملة:
وَبِالْجُمْلَةِ ذمَّة الرَّاهِن مَشْغُولَة وَلم يجز سَبَب
تفرغها، ونناقضهم بِمَا إِذا كَانَ الرَّهْن معدلا عِنْد
ثَالِث فَإِنَّهُم سلمُوا أَن الدّين لَا يسْقط إِذا تلف،
وَكَذَلِكَ ولد الْمَرْهُون مَرْهُون عِنْدهم، وَلَو تلف مَعَ
بَقَاء الأَصْل لم
(2/390)
يسْقط بِهِ شَيْء وأخبارهم ضَعِيفَة، وَلَو
سلمنَا أَن الرَّهْن أوجب ملك الْيَد لَكِن يَد مُسْتَحقَّة
لإعادته والمستحقة لَا تضمن، وَلَا نسلم أَن الدُّيُون تتعارض
بل تبقى، وَلِهَذَا لَو برِئ من أَحدهمَا بَقِي الآخر، وَلَو
كَانَ حكم الرَّهْن ملك الْيَد فَكيف صَحَّ عِنْد ثَالِث؟
وَالْيَد الْمَأْذُون فِيهَا لَيست منَاط الضَّمَان، وَالدية
اسْتِحْقَاق تمْلِيك بعض الْأَعْيَان فَإِذا تسلم الدِّرْهَم
فقد ملكه، ونسلم أَن الدّين شَيْء فِي الذِّمَّة وَلكنه
يتَأَدَّى بِالْعينِ، فَإِن الدَّرَاهِم الْمعينَة هِيَ
الَّتِي فِي الذِّمَّة؛ لِأَن الدّين عبارَة عَن الدَّرَاهِم
الْمُطلقَة أَعنِي الدِّرْهَم بحده وَحَقِيقَته، وَتَكون
الْحَقِيقَة مَوْجُودَة فِي كل دِرْهَم، ويلزمهم إِذا مَاتَ
الْمَرْهُون فَإِن تَجْهِيزه على الرَّاهِن وَكَذَلِكَ لَو
بَاعه من الْمُرْتَهن وَجب إقباضه.
(2/391)
فارغة
(2/392)
(من مسَائِل الرَّهْن)
(2/393)
فارغة
(2/394)
لوحة 40 من المخطوطة " أ ":
يَبِيع ولي الصَّغِير فِي رهن مَاله والارتهان لمَاله الأحظ
لَهُ، إِمَّا إِن بَاعَ مَاله وَأخذ رهنا على فَاضل الثّمن عَن
الْقيمَة بعد اسْتِيفَاء الْقيمَة جَازَ مثل أَن يَبِيع مَا
يُسَاوِي مائَة بِمِائَة وَعشْرين وَيقبض مائَة ويرتهن على
عشْرين وَهل يَأْخُذ رهنا على مائَة وَعشْرين فَفِيهِ خلاف
بَين الْأَصْحَاب.
وَإِمَّا إِن أقْرض وَإِنَّمَا يجوز ذَلِك إِذا خَافَ عَلَيْهِ
جَائِحَة وَصَرفه إِلَى ذمَّة ثِقَة فَيجوز أَخذ الرَّهْن.
وَاعْلَم أَن الأَرْض الخراجية إِن كَانَ الإِمَام تَركهَا فِي
أَيدي الْغَانِمين، وَضرب الْخراج عَلَيْهَا صَحَّ رَهنهَا،
وَالْخَرَاج على الرَّاهِن، وَإِن كَانَ الإِمَام قد استطاب
نفوس الْغَانِمين ووقفها على الْمُسلمين لم يجز رَهنهَا.
وَاعْلَم أَن رهن الْمَبِيع فِي مُدَّة الْخِيَار إِن كَانَ
الْخِيَار لَهما أَو للْبَائِع لم يجز، وَإِن كَانَ الْخِيَار
للْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ.
إِن قُلْنَا: التَّدْبِير وَصِيَّة صَحَّ رهن الْمُدبر، وَإِن
قُلْنَا: هُوَ تَعْلِيق عتق بِصفة لم يَصح الرَّهْن، وَمن شَرط
الرَّهْن أَن يكون مَعْلُوما إِن قَالُوا كَانَت وَاقعَة
(2/395)
أبي طَلْحَة فِي صدر الْإِسْلَام فاحتيج
إِلَى تَأْكِيد الْفِطَام عَن الْخمر حَتَّى أَمر بِكَسْر
الدنان.
قُلْنَا: وَكَذَلِكَ أَيْضا ضرب الْجِزْيَة كَانَ ليستعين
بِمَال الْكفَّار وَقد زَالَت هَذِه الْحَاجة فَقَالُوا: لَا
تضرب الْجِزْيَة وَإِنَّمَا يتبع موارد النَّص وَلَا نعرج من
هَذِه الْأَحْوَال وَلَا نسلم أَنه ورد نَص بِكَسْر الدنان،
وَلَا نسلم أَن الْخمر كَانَت مُبَاحَة إِنَّمَا تَأَخّر
التَّحْرِيم إِلَى مِيقَاته.
قَالُوا: هَب أَن التَّخْلِيل حرَام فَمَا الدَّلِيل على
تَحْرِيم الْخلّ؟ قُلْنَا: إِذا كَانَ الْفِعْل حَرَامًا دلّ
على أَن الْمَفْعُول حرَام كَيْلا تتناقض الْأُمُور
الشَّرْعِيَّة.
قَالُوا: كَونه مُنْتَفعا بِهِ يُؤثر فِي اقْتِضَاء الْحل
وَالْمَانِع الشدَّة، وَقد زَالَت، قُلْنَا: منتفع مخترع أَو
متكسب إِن قُلْتُمْ حصل ابْتِدَاء من الله تَعَالَى فَلَيْسَ
كَذَلِك، وَإِن قُلْتُمْ حصل بكسب قُلْنَا: بكسب مَشْرُوع أَو
مَحْظُور؟ الأول
(2/396)
مَمْنُوع، وَالثَّانِي لم يستفد بِهِ
الْحل.
قَالُوا: لَو كَانَت جِنَايَة اتِّخَاذ الْخمر تناسب إبِْطَال
الْمَالِيَّة فتوبته من الْجِنَايَة واشتغاله بالإصلاح يُنَاسب
تَحْصِيل الْمَالِيَّة.
قُلْنَا: ذَلِك يَصح فِي جِنَايَة لَا يتَعَلَّق بهَا مصَالح
الْخلق فَأَما مَا عجلت عُقُوبَته لمصْلحَة عَامَّة فالتوبة
لَا تدرؤه كالحدود وَالْكَفَّارَات، وعقوبة اتِّخَاذ الْخمر
إِتْلَاف الْمَالِيَّة وسد بَاب الْإِصْلَاح حفظا للعقول فَلَا
يسْقط بِالتَّوْبَةِ كَحَد الشّرْب عِنْدهم وَأحد قولينا.
أما ولد الزِّنَى، فحرمته لحقه، وَلِهَذَا يعْتَبر فِيهَا
صِفَاته الَّتِي بهَا يحقن دَمه.
(2/397)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة: رهن الْمَغْصُوب من الْغَاصِب
(قما)) .
الْمَذْهَب: لَا يدْرَأ ضَمَان الْغَصْب بل يكون مَضْمُونا
إِذا تلف.
عِنْدهم: ينتفى ضَمَان الْغَصْب وَيبقى مَضْمُونا بِأَقَلّ
الْأَمريْنِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
(2/398)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْعين مَضْمُونَة قبل الرَّهْن والطارئ الرَّهْن وَلَا
يُنَافِي الضَّمَان حَقِيقَة وَلَا حكما فَإِن الْغَاصِب مسك
لغرضه، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهن، أَلا ترى أَنه لَو ارْتهن ثمَّ
تعدى فَلَيْسَ الثَّوْب صَار ضَامِنا وَبَقِي مرتهنا،
فَكَذَلِك إِذا غصب ثمَّ ارْتهن يَنْبَغِي أَن يكون غَاصبا
وَلما لم ينتف الْغَصْب الطَّارِئ بِالرَّهْنِ الثَّابِت لم
ينتف الْغَصْب الثَّابِت بِالرَّهْنِ الطَّارِئ.
لَهُم:
حكم الرَّهْن ثُبُوت الْيَد، فَإِذا ثبتَتْ انْتَفَى عدوان
الْيَد فَيَنْتَفِي حكم الضَّمَان، لِأَن الْيَد العادية على
جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا أَنَّهَا منسوبة إِلَى التَّعَدِّي،
وَالْأُخْرَى أَنَّهَا غير مُسْتَحقَّة، فَإِذا بَطل أحد
الوصفين بالإيداع وَصَارَت الْيَد منسوبة إِلَى الْملك
انْتَفَى الضَّمَان، وَإِن ثبتَتْ غير مُسْتَحقَّة فَكَذَلِك
إِذا تبدلت الصّفة الْأُخْرَى.
(2/399)
مَالك: ف.
أَحْمد: ف.
التكملة:
فِي الْمَسْأَلَة طَرِيق آخر وَهُوَ أَنه لم يَتَجَدَّد إِلَّا
مُجَرّد قَوْله: رهنت وَلم يجر إِذن فِي الْقَبْض.
فَنَقُول: الْعدوان مطرد وَمَا طَرَأَ غير تَامّ، لِأَنَّهُ لم
يَتَجَدَّد لَهُ حق الْإِمْسَاك، إِذْ الرَّهْن لَا يلْزم
بِمُجَرَّد قَوْله: " رهنت " وَلَا بُد من إِذن فِي الْقَبْض،
وجريان صُورَة النَّقْل أَو مضى مُدَّة يتَصَوَّر فِيهَا
الْقَبْض، فَإِن سلمُوا أَن الرَّهْن لم يلْزم تمّ الْغَرَض،
وَإِن قَالُوا: يلْزم نقلنا الْكَلَام إِلَيْهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ حكم الرَّهْن تعلق الدّين بِالْعينِ وَذَلِكَ
لَا يُنَافِي الضَّمَان كَمَا لَو قتل العَبْد الْمَغْصُوب عبد
الْغَاصِب، وَتعلق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ وعَلى التَّسْلِيم
نقُول: غَايَة الْكَلَام زَوَال صفة العدوانية وَذَلِكَ لَا
يزِيد على زَوَال الْيَد العادية وبالاتفاق لَو غصبه غَيره
مِنْهُ يبْقى الضَّمَان عَلَيْهِ، لِأَن يَد الْمَالِك لم
(2/400)
تعد والموجب تَفْوِيت يَده فَلَمَّا لم تعد
لَا يبرأ خرج عَلَيْهِ الْإِيدَاع، فَإِن يَد الْمُودع (يَد
الْمُودع) شرعا.
وَفِي الْمَسْأَلَة منع، وللشيخ أبي عَليّ وَجه فِي منع لُزُوم
الرَّهْن فَيُقَال: للرَّاهِن أَن يسْتَردّهُ قهرا بِحكم
الْغَصْب، ثمَّ الْمُرْتَهن يسْتَردّهُ بِحكم الرَّهْن،
وللمرتهن أَيْضا أَن يردهُ قهرا ليبرأ من الضَّمَان ثمَّ
يسْتَردّهُ للرهينة.
(2/401)
فارغة
(2/402)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة: استدانة قبض الْمَرْهُون
(قمب)) .
الْمَذْهَب: لَيست شرطا فِي صِحَة الرَّهْن.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عقد من شَرط لُزُومه الْقَبْض فَلَا يشْتَرط فِيهِ اسْتِدَامَة
الْقَبْض كَالْهِبَةِ؛ لِأَن الْمَقْصُود هُوَ البيع عِنْد
الْمحل وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي دوَام الْقَبْض.
(2/403)
لَهُم:
رهن مَقْبُوض فَلَا يملك الرَّاهِن استرجاعه إِلَى يَده كَمَا
لَو كَانَ الرَّهْن لَا مَنْفَعَة لَهُ، ونقول: مَحْبُوس
لِاسْتِيفَاء الْحق فَاسْتحقَّ الْحَبْس على الدَّوَام
كالمستأجر؛ لِأَن الْمَقْصُود التَّوَثُّق فَإِذا زَالَت يَده
زَالَ التَّوَثُّق.
مَالك: ف.
أَحْمد:.
التكملة:
فرقوا بَين الرَّهْن وَالْهِبَة (فَإِن الْهِبَة) الْمُسْتَحق
فِيهَا الْملك فَلم يشْتَرط لَهُ اسْتِدَامَة الْقَبْض وَهَا
هُنَا الشَّرْط التوثقة فَاشْترط لَهَا اسْتِدَامَة الْقَبْض
كَالْمَبِيعِ فِي يَد البَائِع، وَمَا قَالُوهُ فِي الْهِبَة
يُنكر تأييد الْقَبْض فَإِنَّهُ يفْتَقر إِلَيْهِ وَإِن كَانَ
الْمَقْصُود نقل الْملك، وَإِن أَرَادوا بِالْقَبْضِ فِي
الرَّهْن استدامته حكما فَكَذَا نقُول، وَأَن حكم الرَّهْن
ثَابت فِي مُدَّة إِجَارَة الْمَرْهُون وَلِهَذَا لَا تجوز
المسافرة والتغرير بِهِ، وَإِن أَرَادوا الْقَبْض الْمشَاهد
فَغير مُعْتَبر بِالْإِجْمَاع
(2/404)
لِأَنَّهُ يجوز رده إِلَى يَد الرَّاهِن
لينْتَفع بِهِ.
فَإِن قَالُوا: الْعلَّة خوف الْجُحُود بَطل بِمَا إِذا
أَعَارَهُ للرَّاهِن، وَيُفَارق الرَّهْن الْإِجَارَة بِأَن
الْمَقْصُود من الْإِجَارَة الْمَنَافِع وَذَلِكَ لَا يُمكن
إِلَّا بِالْقَبْضِ وقياسهم على مَا لَا مَنْفَعَة فِي قِيَاس
فَاسد، لِأَن مَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ لَيْسَ فِيهِ استرجاعه
غَرَض صَحِيح فَإِنَّهُ لَو زوج حرَّة وَسلمهَا إِلَى زَوجهَا
لم يجز لَهُ استرجاعها مِنْهُ، وَلَو زوج أمة كَانَ لَهُ
استرجاعها ليستوفي مَنْفَعَتهَا.
(2/405)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة: الرَّهْن قبل وجوب الْحق
(قمج)) .
الْمَذْهَب: لَا يَصح.
عِنْدهم: يَصح شَرطه قبل، فَإِذا وَجب الْحق ارْتهن.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وَثِيقَة فِي حق فَلَا تسبق الْحق من غير حَاجَة كالإشهاد.
(2/406)
لَهُم:
أذن فِي إمْسَاك مَاله فَجَاز تَعْلِيقه بِشَرْط، كَمَا إِذا
قَالَ: إِذا جَاءَ فلَان فاقبض مِنْهُ مَالِي وَدِيعَة، ونقول:
مَا لَا يبطل بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة جَازَ تَعْلِيقه
بِالشّرطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق.
مَالك:.
أَحْمد:.
التكملة:
قَالُوا: الشَّهَادَة إِخْبَار فَلَا تصح قبل الْمخبر بِهِ
وَالرَّهْن توثقه فصح قبل كضمان الدَّرك.
الْجَواب: كَمَا لَا تصح الشَّهَادَة مَا لم تثبت لَا يَصح
التَّوَثُّق مَا لم يثبت، وَلنَا فِي ضَمَان الدَّرك منع،
وَإِن سلمنَا قُلْنَا فِي تَصْحِيحه قبل الْوُجُوب حَاجَة،
وَلَا حَاجَة هَا هُنَا ونمنع صِحَة الرَّهْن بِالشُّرُوطِ
الْفَاسِدَة.
وَالْفرق بَينه وَبَين الطَّلَاق أَن الطَّلَاق يَصح تَعْلِيقه
بِطُلُوع الشَّمْس ومجيء الْمَطَر، وَالرَّهْن لَا يَصح فِيهِ
ذَلِك.
(2/407)
فَإِن قَالُوا: هُوَ إِيجَاب رهن فَجَاز
قبل ثُبُوت الدّين كَالرَّهْنِ الْمَشْرُوط فِي إِيجَاب البيع
قبل تَمَامه.
قُلْنَا: لَيْسَ إِذا جَازَ فِي إِيجَاب البيع جَازَ قبل وجوده
كَالشَّهَادَةِ تجوز فِي إِيجَاب البيع وَلَا تجوز قبل وجوده،
وَلِأَن الرَّهْن فِيمَا ذَكرُوهُ لَا يسْبق الْحق لِأَنَّهُ
ثَبت بِثُبُوتِهِ وَفِي مَسْأَلَتنَا يسْبق الْحق وَالرَّهْن
تَابع للحق فَلَا يجوز أَن يسْبقهُ.
(2/408)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة: إِذا ارْتهن عصيرا فَوَجَدَهُ
خمرًا وَاخْتلفَا (قمد)) .
الْمَذْهَب: القَوْل قَول الرَّاهِن فِي الْمَنْصُور.
عِنْدهم: القَوْل قَول الْمُرْتَهن.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
اخْتلفَا فِي صفة يجوز حدوثها بعد الْقَبْض فَكَانَ القَوْل
قَول من ينفيها كالعيب فِي الْمَبِيع.
(2/409)
لَهُم:
رهن معيب فَكَانَ القَوْل فِيهِ قَول الْمُرْتَهن كَمَا لَو
قَالَ: أقبضته معيبا وَالْمُرْتَهن يُنكر قبض الرَّهْن على
وَجه يجوز قَبضه فَكَانَ القَوْل قَوْله، كَمَا لَو اخْتلفَا
فِي أصل الْقَبْض.
مَالك:.
أَحْمد:.
التكملة:
الْفرق بَين إِنْكَار الْعصير وَبَين إِنْكَار أصل الْقَبْض:
أَن الأَصْل عدم الْقَبْض، وَهَاهُنَا الأَصْل الْقَبْض
الصَّحِيح وَالدَّعْوَى عدم الصِّحَّة يدل عَلَيْهِ أَن فِي
البيع لَو اخْتلفَا فِي أصل الْقَبْض كَانَ القَوْل قَول
المُشْتَرِي وَلَو اخْتلفَا فِي عيب بِالْمَبِيعِ كَانَ
القَوْل قَول البَائِع.
(2/410)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة
وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة (قمه)) .
تَخْلِيل الْخمر.
الْمَذْهَب: حرَام والخل من ذَلِك نجس.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى أنس قَالَ: جَاءَ أَبُو طَلْحَة رَضِي الله عَنْهُمَا
إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لما حرمت الْخمر فَقَالَ:
عِنْدِي خمر لأيتام ورثوها فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام: " أرقها "، قَالَ: أَفلا أخللها؟ قَالَ: " لَا "،
أَمر بالإراقة وَنهى عَن التَّخْلِيل مَعَ كَونهَا لأيتام.
لَهُم:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " خير خلكم خل خمركم ".
(2/411)
وَرُوِيَ: " يحل الدّباغ الْجلد كَمَا يحل
الْخمر الْخلّ "، والمشبه بِهِ أقوى من الْمُشبه.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
تصرف فِي الْخمر ليتمولها فَلَا تصح كَالْبيع، بَيَان
الدَّعْوَى: أَن وضع المخلل فِيهَا تصرف.
وتأثيره: أَن التَّخْلِيل قلب عين، وقلب الْأَعْيَان إِلَى
الله تَعَالَى فَبَقيَ مُجَرّد التَّصَرُّف وَهُوَ حرَام،
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ جَوَاز الإراقة وَلَو جَازَ التَّخْلِيل
مَا جَازَت الإراقة.
لَهُم:
إصْلَاح جَوْهَر فَاسد وتطهير نجس فَكَانَ مَشْرُوعا كالدباغ؛
لِأَن الشَّرْع مَا ورد بالإصلاح.
بَيَان الدَّعْوَى: أَن الخمرية صفة فَاسِدَة فَهُوَ يبدلها
بالخلية الصَّالِحَة
(2/412)
وَلِهَذَا جَازَت الإراقة، فالإصلاح أولى
فَصَارَ كالكافر يطْلب إِسْلَامه قبل إعدامه.
مَالك: رِوَايَتَانِ.
أَحْمد: ق.
التكملة:
لَيْسَ من كَلَام الْمَسْأَلَة فَرضهَا فِي التَّخْلِيل بالملح
وَنَحْوه، فَإِن الْملقى ينجس عندنَا، ثمَّ ينجس الْخلّ وَلَا
يطهر الْملح بالتخليل تلقيا مِمَّا مهدناه فِي إِزَالَة
النَّجَاسَة من أَن غير المَاء لَا يطهر.
نعم خُصُوص هَذِه الْمَسْأَلَة مَا إِذا خلل بِالنَّقْلِ من
ظلّ إِلَى شمس أَو عَكسه.
وَأما الْخمْرَة المحترمة فَهِيَ طَاهِرَة فِي جَمِيع صور
التَّخْلِيل إِلَّا فِي إِلْقَاء الْملح، وَمن الْأَصْحَاب من
سوى بَين المحترمة وَغَيرهَا.
أما الدن حكم بِطَهَارَتِهِ على خلاف الْقيَاس، وَالْوَجْه فِي
مساق هَذَا
(2/413)
النّظر الْمَنْع وَتَخْصِيص الحكم بالخمرة
الَّتِي لَا تحرم.
وعَلى الْجُمْلَة هَذِه الْمَسْأَلَة غامضة، ويعارض قَوْلهم
إصْلَاح جَوْهَر فَاسد قَوْلنَا: إِفْسَاد جَوْهَر صَالح، نعني
بِهِ مَا يلقى فِي الْخمر من المخللات، وَبِالْجُمْلَةِ
التَّخْلِيل إبْقَاء المشتد لَا إِزَالَة الشدَّة.
(2/414)
|