تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (من مسَائِل الْإِعْسَار الْمَيِّت
الْمُفلس وَالْكَفَالَة وَالضَّمان وَالشَّرِكَة)
(الْمَسْأَلَة الْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة:
من ثبتَتْ عسرته (قن)) .
الْمَذْهَب: يجب تخليته وَلَا يجوز ملازمته.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} .
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من أنظر مُعسرا أظلهُ الله تَحت
عَرْشه يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله "، وَهَذَا يدل على أَنه لَا
يلْزم الإنظار.
(2/438)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كل دين لَا يملك بِهِ الْمُطَالبَة لَا يملك بِهِ الْمُلَازمَة
كالمؤجل.
لَهُم:
دين حَال فَأشبه الدّين على الْمُوسر.
مَالك: ق. وَقَالَ لَا تسمع الْبَيِّنَة على الْإِعْسَار.
أَحْمد: يُؤجر وَتصرف أجرته فِي دينه.
التكملة:
لَا يُقَال: إِن الْمَعْنى فِي الأَصْل أَنه لَو تكفل بِهِ
كَفِيل لم يُطَالب بِهِ وَفِي مَسْأَلَتنَا: لَو تكفل بِهِ
كَفِيل طُولِبَ لِأَن هَذَا لَو كَانَ فوتا صَحِيحا لَا يُوجب
الْفرق بَينهمَا فِي الْمُطَالبَة لمن عَلَيْهِ الدّين
وَإِنَّمَا لم نوجب الْفرق بَينهمَا فِي مُطَالبَته لم نوجب
الْفرق بَينهمَا فِي ملازمته، وَالْفرق بَين مَا
(2/439)
قاسوا عَلَيْهِ وَالْفرع أَن الأَصْل
يسْتَحق بِهِ الْمُطَالبَة وَالْجِنْس بِخِلَاف الْفَرْع.
(2/440)
ص 42 / من المخطوطة أ:
الْإِجْمَاع الْعَام كإجماع النَّاس على وجوب الصَّلَوَات
وعددها، فَهَذَا لَا يسوغ مُخَالفَته، وَالْخَاص اتِّفَاق
عُلَمَاء الْعَصْر على حكم الْحَادِثَة، وَمن الْإِجْمَاع مَا
يكون على حكمين فِي حَادِثَة فَيدل على عدم حكم ثَالِث.
وَاعْلَم أَنه إِذا كفل ببدن رجل وَشرط أَنه مَتى لم يحضرهُ
فعلى الْحق الَّذِي عَلَيْهِ أَو قَالَ: عَليّ كَذَا وَكَذَا
لم يَصح وَلم يجب الشَّيْء الْمَضْمُون خلافًا لَهُم.
وَالْكَفَالَة ببدن الصَّبِي وَالْمَجْنُون صَحِيحَة، لِأَن
الْحق فِي ذمتهما، وَقد يحْتَاج إِلَى إحضارهما للشَّهَادَة
عَلَيْهِمَا بِالْإِتْلَافِ وَإِنَّمَا يَصح بِإِذن الْوَلِيّ،
وَالْكَفَالَة ببدن الْمكَاتب لَا تصح، لِأَن الْحق الَّذِي
عَلَيْهِ غير لَازم،
(2/441)
وَإِذا رهن شَيْئا وَلم يُسلمهُ وكفل آخر
بِتَسْلِيمِهِ لم يَصح لِأَن التَّسْلِيم غير لَازم.
وَإِذا فسخ فِي شركَة الْعَنَان أحد الشَّرِيكَيْنِ كَانَ
للْآخر أَن يتَصَرَّف فِي نصيب نَفسه، وللفاسخ أَن يتَصَرَّف
فِي الْجَمِيع.
والقراض وَالْمُضَاربَة مُتَرَادِفَانِ، وَهُوَ أَن يدْفع شخص
إِلَى شخص مَالا ليتجر لَهُ فِيهِ على أَن مَا يحصل من
الرِّبْح بَينهمَا حسب مَا شرطا، فالحجازيون يسمونه قراضا،
والعراقيون مُضَارَبَة، وَلَا يجوز الْقَرَاض إِلَّا بالنقدين.
وَإِذا قَالَ: خُذ هَذِه الْألف قراضا على أَن لَك النّصْف
إِلَّا عشرَة لم يَصح، لِأَن الرِّبْح قد يكون أقل من عشرَة.
وَبِالْجُمْلَةِ تَقْدِير الرِّبْح بِغَيْر جُزْء من المَال
لَا يَصح، وَإِذا دفع إِلَى رجلَيْنِ مَالا قراضا بِالنِّصْفِ
فنض المَال ثَلَاثَة آلَاف فَقَالَ رب المَال: رَأس المَال
أَلفَانِ فَصدقهُ أَحدهمَا وَكذبه الآخر وَقَالَ: بل رَأس
المَال ألف، فَالْقَوْل
(2/442)
قَول الْعَامِل مَعَ يَمِينه، فَإِذا حلف
كَانَ الرِّبْح أَلفَيْنِ ونصيبه مِنْهَا خَمْسمِائَة لِأَن
لَهُ الرّبع فَبَقيَ أَلفَانِ وَخَمْسمِائة فَأخذ رب المَال
أَلفَيْنِ رَأس المَال؛ لِأَن الآخر يصدقهُ فَيبقى خَمْسمِائَة
ربحا فيقتسمانها على الثُّلُث لرب المَال الثُّلُثَانِ وللعامل
الثُّلُث، لِأَن نصيب رب المَال من الرِّبْح (نصفه وَنصِيب)
الْعَامِل الرّبع فيقسمان بَاقِي الرِّبْح على ثَلَاثَة، وَمَا
أَخذ الجاحد فِيمَا زَاد على نصِيبه كالتالف مِنْهَا؛ لِأَن
التَّالِف فِي الْمُضَاربَة يحْسب من الرِّبْح، والقراض يشبه
الْوكَالَة.
(2/443)
(الْمَيِّت الْمُفلس وَالْكَفَالَة
وَالشَّرِكَة)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة:
الْمَيِّت الْمُفلس (قِنَا)) .
الْمَذْهَب: يَصح ضَمَان مَا عَلَيْهِ من دين.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
روى سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أُتِي بِجنَازَة ليُصَلِّي عَلَيْهَا فَقَالَ: هَل عَلَيْهِ من
دين؟ قَالُوا: نعم. فَقَالَ: هَل ترك شَيْئا؟ فَقَالُوا: لَا،
فَامْتنعَ من الصَّلَاة عَلَيْهِ، فَقَامَ أَبُو قَتَادَة
وَقَالَ: هُوَ عَليّ،
(2/444)
وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " الْآن بردت
جلدته عَن النَّار "، وَقَوله للخثعمية: " أَرَأَيْت أَن لَو
كَانَ على أَبِيك دين فقضيتيه ".
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الدّين بَاقٍ فَصحت الْكفَالَة بِهِ.
(2/445)
بَيَانه أَنه كَانَ مَوْجُودا إِلَى حِين
الْمَوْت وَالْمَوْت لَا يسْقط الْحُقُوق لَكِن ينْقل من دَار
إِلَى دَار وَصَارَ كالبر وَالْإِثْم وَلِهَذَا تبقى
الْكفَالَة بعد الْمَوْت وَيصِح الْإِبْرَاء وتبرع
الْأَجْنَبِيّ.
لَهُم:
دين سَاقِط فَلَا تصح الْكفَالَة بِهِ كَمَا بعد الْإِبْرَاء.
دَلِيل السُّقُوط: أَن الذِّمَّة خربَتْ فقلم يبْق لَهُ مَحل،
لِأَن الذِّمَّة الْتِزَام وعهد، والحياة من ضَرُورَة
الذِّمَّة وَالْكَفَالَة الْتِزَام الْمُطَالبَة وَقد سَقَطت
لِأَن الدّين عبارَة عَن وجوب تَسْلِيم وبالموت لَا يجب.
مَالك: ق.
أَحْمد:.
(2/446)
التكملة:
مطلع النّظر الْبَحْث عَن حكم الضَّمَان وَمحله، وَإِلَّا
فسائر متعلقاته من الضَّمَان والمضمون لَهُ، وَصِيغَة
الضَّمَان لَا تخْتَلف، وَالدَّلِيل على بَقَاء الدّين صِحَة
الْأَدَاء وَالْإِبْرَاء وَبَقَاء الدّين عِنْد وجوب
الضَّمَان.
قَالُوا: مَحل الْوُجُوب الذِّمَّة، وَقد تلفت.
دَلِيل ذَلِك: سُقُوط الدّين عَن الْحَرْبِيّ إِذا استغرق لضعف
الذِّمَّة، فالميت أولى، وَكَذَلِكَ حُلُول الْأَجَل لَا
يُفِيد الْإِفْرَاد بالإسقاط.
الْجَواب: أَن الْعَهْد وَتحمل الْأَمَانَة لَا يبطل
بِالْمَوْتِ.
(2/447)
فارغة
(2/448)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَة:
الْكفَالَة بالأعيان الْمَضْمُونَة والأنفس (قنب)) .
الْمَذْهَب: لَا تصح، وَقيل: فِيهِ قَولَانِ.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
أجَاز ابْن مَسْعُود كَفَالَة النَّفس وعَلى ذَلِك كَانَ
السّلف، وَلم يُنكره مُنكر فَكَانَ إِجْمَاعًا.
(2/449)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كَفَالَة أَخْطَأت محلهَا فلفت.
بَيَانه: أَن مَحل الْكفَالَة الدُّيُون؛ لِأَن الدُّيُون،
لِأَن الْكفَالَة مَشْرُوعَة لالتزام الْحق فِي الذِّمَّة،
والأعيان لَا تثبت فِي الذمم، وَوُجُوب الْعين يَنْبَنِي على
الدَّعْوَى وتسلم الْعين بِالْغَصْبِ وَلم يوجدا فِي حق
الْكَفِيل، فقد كفل مَا لَا يقدر على تَسْلِيمه وَهُوَ
الْآدَمِيّ الْمَكْفُول.
لَهُم:
تكفل مَضْمُون وَيجب تَسْلِيمه فصح كَمَا لَو تكفل بدين.
بَيَان الدَّعْوَى: أَنا نعني كَونه مطالبا يجب عَلَيْهِ
الْحُضُور وَقد أمكن تَسْلِيمه بِأَن يحضرهُ وَالتَّسْلِيم
مِمَّا يعْتَاد، وَالْكَفَالَة الْتِزَام الْمُطَالبَة لَا
الْتِزَام الدّين (إِذن الدّين) لَا يكون فِي جِهَتَيْنِ
والمطالبة بِهِ مُمكنَة.
(2/450)
مَالك:.
أَحْمد:.
التكملة:
خبر ابْن مَسْعُود ورد فِي قوم ارْتَدُّوا فاستتابهم وكفلهم
عَشَائِرهمْ وَهَذِه كَفَالَة فَاسِدَة، فَإِن الْكفَالَة ببدن
من عَلَيْهِ حد أَو قصاص بَاطِلَة، وَإِنَّمَا فعله ابْن
مَسْعُود لمصْلحَة وَدَعوى الْإِجْمَاع بَاطِل، عبارَة تكفل
بِمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه شرعا فَلَا يَصح كَمَا لَو تكفل
بالطير فِي الْهَوَاء، وَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) إِن كفل بِغَيْر
إِذن الْمَكْفُول فَهُوَ مُتَبَرّع فَلَا يلْزم الْمَكْفُول
الْحُضُور مَعَه وَالْحَاكِم لَا يجبيه إِلَى إِحْضَاره،
وَكَذَلِكَ الْحَال إِذا كفله فَإِنَّهُ لَا يثبت لَهُ
عَلَيْهِ ولَايَة، وَلَا يُمكنهُ أَن يُطَالِبهُ بأَدَاء
الدّين وَلَا إِذْنه لَهُ يُوجب عَلَيْهِ شرعا أَن
(2/451)
يحضر مَعَه.
(2/452)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَة: ضَمَان المَال الْمَجْهُول وَمَا لم يجب (قنج))
.
الْمَذْهَب: لَا يَصح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
ضَمَان مَال مَجْهُول بِعقد وَلَا يَصح، كَمَا لَو قَالَ: ضمن
بعض مَالك على فلَان.
(2/453)
لَهُم:
ضَمَان وَيصِح تَعْلِيقه على الْخطر فصح فِي الْمَجْهُول
كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق ونقول: عقد ثَبت من غير ذكر بدل فَجَاز
أَن يثبت مَعَ الْجَهَالَة كَالنِّكَاحِ.
مَالك: ف.
أَحْمد: (ف) .
التكملة:
قَالُوا: لم يكن مَعْلُوما فِي الْحَال فَهُوَ مَعْلُوم فِيمَا
بعد فَصَارَ كضمان الْعَهْد والدرك وَمَا يلقِي فِي الْبَحْر.
الْجَواب: هَذَا بَاطِل بِالْبيعِ، وَالْإِجَارَة فَإِنَّهُ
يجوز أَن يكون مَعْلُوما فِي ثَانِي الْحَال، والجهالة فِي
الْحَال نمْنَع مِنْهَا وَضَمان الدَّرك لَا يَصح فِي أحد
الْقَوْلَيْنِ، وَإِن سلمنَا فَالضَّمَان هُنَاكَ يتَنَاوَل
جَمِيع الثّمن وَهُوَ مَعْلُوم، وَإِنَّمَا تحصل الْجَهَالَة
فِي الثَّانِي عِنْد ظُهُور الِاسْتِحْقَاق وَهَذَا لَا يمْنَع
كَون الْمَعْلُوم مَضْمُونا، كَمَا لَو بَاعَ ثَلَاثَة أعبد
بِثمن وَاحِد ثمَّ اسْتحق أحدهم صَحَّ البيع فِي الْبَاقِي
بِحِصَّتِهِ.
(2/454)
وَأما ضَمَان مَا يلقِي فِي الْبَحْر
فَذَلِك استدعاء إِتْلَاف على جِهَة الْقرْبَة لتخليص المَال
وَلَيْسَ بِضَمَان، أَلا ترى أَنه يَصح أَن يضمن أَكثر من
قيمَة الْمَتَاع ويقارن الطَّلَاق وَالْعتاق، فَإِنَّهُ يَصح
على بعض مَجْهُول، أَلا ترى أَنه لَو قَالَ أحد هَؤُلَاءِ حر
أَو أحد هَؤُلَاءِ: طَالِق، صَحَّ بِخِلَاف الضَّمَان.
وَأما الْمهْر الْمَجْهُول يثبت فِي النِّكَاح لتلف الْبضْع
وَهُوَ بِمَنْزِلَة قيمَة المُشْتَرِي فِي البيع الْفَاسِد
وَفِي مَسْأَلَتنَا الْمَالِيَّة فِي الذِّمَّة بِالْعقدِ
فَهُوَ كَالثّمنِ فِي البيع وَالْأُجْرَة فِي الْإِجَارَة.
(2/455)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَة:
إِذا شَرط الشريكان تفاضل الرِّبْح (قند)) .
الْمَذْهَب: لَا يَصح.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الوضيعة على رَأس المَال
وَالرِّبْح على الْعَمَل ".
(2/456)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
شركَة أَخْطَأت محلهَا فلغت كَبيع الْحر.
بَيَانه: أَن محلهَا المَال لَا الْعَمَل، دَلِيله أَن
الْعَمَل مَعْدُوم ومجهول، وَالْمحل لَا بُد أَن يكون
مَعْلُوما وموجودا، وَالَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ عقد الشّركَة
المَال فَيُقَال: عقد على هَذَا المَال، وَلذَلِك يُوجب
إِحْضَار المَال.
لَهُم:
عقد الشّركَة مَا أوجبه الِاشْتِرَاك كعقد التَّمْلِيك،
وَلَيْسَ ذَلِك اشتراكا فِي المَال، بِدَلِيل إِمْكَان
الشّركَة فَلَا بُد أَن يكون حكمه اشتراكا يتعقبه، وَهُوَ
الِاشْتِرَاك فِي الْعَمَل، فَكَانَ الِاشْتِرَاك فِي الْعَمَل
حكمه، وَكَذَلِكَ يُرَاد للنمو والنمو يكون بِالْعَمَلِ.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
(2/457)
التكملة:
العقد وَارِد على المَال وَالْحكم ثُبُوت الشّركَة فِيهِ
حَتَّى يصير بَينهمَا على الشُّيُوع، فَإِذا كَانَ لكل وَاحِد
مِنْهُمَا عشرَة واشتركا فَمَعْنَاه أَن أحدهم بَاعَ النّصْف
الْمشَاع من مَاله بِالنِّصْفِ الْمشَاع من مَال صَاحبه فصارا
شَرِيكَيْنِ فِي جَمِيع المَال، وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا عشرَة
وَللْآخر خَمْسَة فَمَعْنَى الشّركَة أَن صَاحب الْعشْرَة
بَاعَ ثلث مَاله مشَاعا بِثُلثي مَال صَاحبه، إِذْ هُوَ مثله
قدرا فَصَارَ الْجَمِيع بَينهمَا على الشُّيُوع أَثلَاثًا.
وَهَذَا لتحقيق معنى الصّرْف، لِأَنَّهُ بيع النَّقْد
بِجِنْسِهِ مُتَسَاوِيا وَلذَلِك شَرط إِحْضَار الْمَالَيْنِ
فِي الْمجْلس وَإِثْبَات يديهما عَلَيْهِمَا، نعم ينْفَرد عقد
الصّرْف بِأَنَّهُ لَا يَصح إِلَّا مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس
وَالنَّوْع فَلَا يَصح بَين الصَّحِيح والمكسر وَالدِّينَار
وَالدِّرْهَم؛ لِأَن الْمَقْصُود أَن يصير المالان مَالا
وَاحِدًا صُورَة وَحكما بِخِلَاف الصّرْف، وَيدل على مَا
ذَكرْنَاهُ إِضَافَة العقد إِلَى المَال، وَالْأَصْل ثُبُوت
الحكم فِي مَحل الْإِضَافَة.
(2/458)
فارغة
(2/459)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْخَمْسُونَ
بعد الْمِائَة: شركَة الْمُفَاوضَة والأبدان وَالْوُجُوه
(قنه)) .
الْمَذْهَب: لَا يَصح إِلَّا شركَة الْعَنَان.
عِنْدهم: تصح جَمِيعهَا إِلَّا الْأَبدَان فِي الاحتطاب
والاحتشاش.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
(2/460)
لَهُم:
الْإِجْمَاع مُنْعَقد من لدن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم
وَإِلَى الْآن على الِاشْتِرَاك فِي الْأَعْمَال وَفِي
الْأَثر: " تفاوضوا فَإِن فِيهِ بركَة ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عقد الشّركَة ليشارك أَحدهمَا الآخر فِي كَسبه، فَلَا يَصح
كَمَا لَو اشْتَركَا فِي الاحتشاش. الدَّلِيل فِي الْمُفَاوضَة
شركَة لَا تصح مَعَ تفاضل الْمَالَيْنِ فَلَا تصح مَعَ
تساويهما. الدَّلِيل فِي شركَة الْوُجُوه شركَة على غير مَال
فَلَا تصح كشركة الاحتطاب والاحتشاش.
لَهُم:
نوع شركَة تخْتَص باسم، فَكَانَ بهَا مَا يَصح كشركة
الْعَنَان.
(2/461)
مَالك: الْمُفَاوضَة جَائِزَة والأبدان
مَعَ اتِّفَاق الصَّنْعَة.
أَحْمد: تجوز شركَة الْأَبدَان فِي كل شَيْء.
التكملة:
قَالُوا فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل (العقد يُضَاف إِلَى
الْعَمَل) وَحكمه ثُبُوت الشّركَة فِيهِ حَتَّى يصير كل وَاحِد
مِنْهُمَا بعضه لَهُ اسْتِقْلَالا وَالْبَعْض لشَرِيكه
نِيَابَة، وَلَا يعبد وُقُوع الشّركَة فِي الْعَمَل
كَالْوَكِيلِ من رجلَيْنِ فِي شِرَاء عبد وَالْوَكِيل فِي
شِرَاء نصف عبد إِذا اشْترى جَمِيعه لنَفسِهِ وكالعامل فِي
الْقَرَاض، فَإِن عمله مُشْتَرك بيه وَبَينه الْمَالِك وكل
جَهَالَة فِيهِ فبالربح تصير مَعْلُومَة.
الْجَواب: أما الْقَرَاض فَثَبت ضَرُورَة وَهُوَ جعَالَة لَا
شركَة وَتَعْلِيق الرِّبْح على تَحْصِيل الْكسْب كتعليق الْجعل
على رد الْآبِق.
والجهالة تحْتَمل فِيهِ للْحَاجة. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي
الله عَنهُ: لَا أعلم أَن فِي الدُّنْيَا شَيْئا بَاطِلا إِن
لم تكن شركَة الْمُفَاوضَة بَاطِلَة، لِأَن هَذَا عقد غرر
لِأَن مَا يلْزم أَحدهمَا من غَرَامَة تلْزم الآخر وَبِمَا دون
هَذَا تفْسد الْعُقُود.
(2/462)
فارغة
(2/463)
|