تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة

 (الْوكَالَة وَالْعَارِية)

(3/5)


فارغة

(3/6)


لوحة 43 من المخطوطة أ:
قَالَ جَابر بن عبد الله أردْت الْخُرُوج إِلَى خَيْبَر فآذنت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بذلك فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: ائْتِ وَكيلِي فَخذ مَعَه خَمْسَة عشر وسْقا، فَإِن ابْتغى مِنْك آيَة فضع يدك على ترقوته، وَاعْلَم أَن الْأَيْدِي ثَلَاث: يَد أَمَانَة كَالْوَكِيلِ وَالْمُودع، وَالشَّرِيك وَالْوَصِيّ وَالْحَاكِم وَالْمُرْتَهن، وَيَد ضامنة كَالْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِير، والمساوم وَالْمُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا، وَيَد مُخْتَلف فِيهَا وَهِي الْأَجِير الْمُشْتَرك وَالَّذين يتولون مَال غَيرهم خَمْسَة: أَب، جد، وَصِيّ، حَاكم، وَكيل، والعقود أَرْبَعَة أضْرب: عقد لَازم

(3/7)


من جِهَتَيْنِ كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالصُّلْح وَالْخلْع وَالنِّكَاح فِي أشهر الْوَجْهَيْنِ، وَمن قَالَ: إِنَّه غير لَازم من جِهَة الزَّوْج قَالَ: لِأَن الزَّوْج يملك فَسخه، وَالْجَوَاب أَنه إِنَّمَا يملك قطعه وإزالته عَنهُ، كَمَا يملك المُشْتَرِي عتق العَبْد الْمُشْتَرى، وَأما اللَّازِم من جِهَة فكالرهن، وَالْكِتَابَة، وَالرَّابِع مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ السَّبق وَالرَّمْي، إِن قُلْنَا: إِنَّه إِجَارَة كَانَ لَازِما، وَإِن قُلْنَا: إِنَّه جعَالَة كَانَ جَائِزا، وَاعْلَم أَن كل من يجوز لَهُ التَّصَرُّف فِي مَال غَيره لَا يجوز لَهُ أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ إِلَّا الْأَب خَاصَّة، إِن وكل المتداعيان وَكيلا وَاحِدًا لينوب عَنْهُمَا فَفِيهِ وَجْهَان، فَوجه الْجَوَاز: أَنه يُمكنهُ الدَّعْوَى، وَالْجَوَاب عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِقَامَة الْحجَّة وَوجه عدم الْجَوَاز: يُنَافِي الفرضين، إِذا شهد أحد الشَّاهِدين أَنه وكل فلَانا فِي يَوْم الْخَمِيس، وَشهد الآخر أَنه وَكله يَوْم الْجُمُعَة لم تثبت الشَّهَادَة، لِأَن تَوْكِيل الْجُمُعَة غَيره فِي الْخَمِيس، إِذا وَكله فِي كل قَلِيل وَكثير فالوكالة فَاسِدَة، وَيجوز للْمُسلمِ أَن يُوكل ذِمِّيا، إِذا ادّعى الْوكَالَة وَأقَام شَاهدا وَامْرَأَتَيْنِ أَو حلف تمّ الْمَقْصُود، لِأَن الْغَرَض

(3/8)


إِثْبَات المَال دون التَّصَرُّف، إِذا تصرف الْوَكِيل فِي بيع السّلْعَة فِي السّلْعَة (صَار ضَامِنا. مِثَاله: أَن يلبس الثَّوْب) فَإِذا بَاعه بعد ذَلِك هَل يَصح بَيْعه؟ وَجْهَان، لَو شهد أحد الشَّاهِدين أَنه أقرّ بتوكيله يَوْم الْخَمِيس، وَشهد الآخر أَنه أقرّ بذلك يَوْم الْجُمُعَة صَحَّ لِأَن الإقرارين إِخْبَار، ونقول فِي مَسْأَلَة الْعَارِية إِن الْإِذْن فِي تَفْوِيت الْيَد وجد حَقِيقَة، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي نفي الضَّمَان، فَإِنَّهُ لَو قَالَ: أتلف مَالِي وَعَلَيْك ضَمَانه لم يتناقض، نعم. لَو قَالَ: أتلف وَلَا ضَمَان عَلَيْك وَلَا يبْقى الضَّمَان، وَلَو أطلق الْإِذْن ساكتا عَن الضَّمَان حكم فِي الْأَمريْنِ بِقَرِينَة الْحَال، فَإِن شهِدت لنفي الضَّمَان انْتَفَى، وَإِن شهِدت للضَّمَان ثَبت، فالحمامي يَأْذَن فِي تَفْوِيت مَاله وقرينة الْحَال توجب الْعِوَض، وَإِنَّمَا حَال الْمُعير يشْعر بِأَنَّهُ رَضِي بتفويت الْيَد؛ لِأَنَّهُ قبض الْمَنَافِع وَلم يرض بتفويت الْملك.

(3/9)


(الْوكَالَة وَالْعَارِية)

(المسالة السَّادِسَة وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة: التَّوْكِيل من غير رضَا الْخصم (قنو) :)

الْمَذْهَب: جَائِز.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .

(3/10)


الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عدم رِضَاهُ عيب فَيرد شرعا؛ لِأَنَّهُ يطْلب زِيَادَة على الْمَقْصُود؛ لِأَن الْمَقْصُود معرفَة حَال من إِنْكَار وَإِقْرَار ليَأْخُذ أَو يُقيم بَيِّنَة وَلَا فرق بَين جَوَاب وَجَوَاب فِي تعرف الْحَال وَلَيْسَ الْحق غير الْجَواب، بل معرفَة الْحَال وَالْجَوَاب طَرِيق ذَلِك.
لَهُم:
الْمُدَّعِي قد اسْتحق جَوَاب الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا يبطل حَقه إِلَّا بِرِضَاهُ، تَأْثِيره: أَنه يتَصَرَّف فِي حَقه، وَدَلِيل الدَّعْوَى: أَن جَوَابه حق لَهُ وَلِهَذَا يحضرهُ الْحَاكِم وَيطْلب مِنْهُ الْجَواب وَيقف على طلب الْخصم وَينْتَفع بِهِ وَلَا يرضى بِالثّمن مِنْهُ، والخصومات حرَام، وَإِنَّمَا جَازَت للْحَاجة.
مَالك:

(3/11)


أَحْمد:
التكملة:
الدَّعْوَى حق الْمُدَّعِي فَإِنَّهَا طلب حَقه، وَهُوَ مُسْتَقل بِالْجَمِيعِ دون صَاحبه فَيجوز أَن يُقيم فِيهِ غَيره مقَامه إِذْ هُوَ قَابل للنيابة كَسَائِر الْحُقُوق، وتعلقه بِالْغَيْر لَا يمْنَع استقلاله بِهِ، كَمَا فِي قَضَاء الدُّيُون، ويتأيد بالمريض والمخدرة وَالْمُسَافر، فتوكيل هَؤُلَاءِ ينفذ دون رضَا الْخصم، فَإِن قَالُوا: الْإِنْكَار حق الْمُدَّعِي قبل الْمُدعى عَلَيْهِ، قُلْنَا: لَا نسلم أَولا افتقار الحكم إِلَى الْإِنْكَار، وَهَذَا ظَاهر فِي حق الْغَائِب، وَأما الْحَاضِر فِي الْبَلَد فَمن أَصْحَابنَا من جوز الْقَضَاء عَلَيْهِ وَإِن سلم فَهُوَ حق الشَّرْع يَطْلُبهُ الْحَاكِم رَجَاء أَن يقر فيستغني عَن الِاجْتِهَاد فِي حَال الشُّهُود، ثمَّ إِذا حضر وَسكت عَن الْجَواب قضى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَن الْمَقْصُود أَن يعرف انْتِفَاء إِقْرَاره لَا وجود إِنْكَاره وَلَو كَانَ هَذَا الْإِنْكَار حق الْخصم لسقط بإسقاطه، ثمَّ الْإِنْكَار حق الْمُدعى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ موكول إِلَى إخْبَاره وَالْمُدَّعِي لَا يطْلب إِنْكَاره بل إِقْرَاره، وَثَمَرَة الْإِنْكَار للْمُنكر وَهُوَ يدْفع الدَّعْوَى عَنهُ، وعَلى الْحَقِيقَة الْإِنْكَار تَكْذِيب الْمُدَّعِي فَلَا يَقع حَقًا لَهُ.

(3/12)


فارغة

(3/13)


(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة: الْوَكِيل فِي الْخُصُومَة (قنز) :)

الْمَذْهَب: لَا يملك الْإِقْرَار.
عِنْدهم: يملك ذَلِك فِي مجْلِس الحكم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وَكيل بِالْخُصُومَةِ وَلَا يملك الْإِقْرَار لِأَنَّهُ قطع الْخُصُومَة، ويتأيد بِكَوْنِهِ لَا يملكهُ خَارج الْمجْلس فَنَقُول: الْوَكِيل بِالْإِقْرَارِ لَا يملك الْخُصُومَة فَكَذَلِك

(3/14)


عَكسه، وَالشَّيْء لَا يُسْتَفَاد من ضِدّه، ويتأيد بِالْإِبْرَاءِ وَالصُّلْح وَالْإِقْرَار بِالدَّمِ، وأدائها صَرِيحًا.
لَهُم:
وَكيل بِجَوَاب الْخصم فَملك الْإِقْرَار، لِأَن التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيل بجوابها لتصح فِيمَا يملكهُ الْمُوكل، وَإِنَّمَا يملك الْجَواب، فَالْجَوَاب الْمُطلق هُوَ الْمَمْلُوك، وتسميته خُصُومَة مجَاز لقَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة} ، وَلَا يُمكن الْعَمَل بحقيقته إِلَّا أَن يُقَال: الْمُوكل فيحق ومجازه يَصح فِي الْأَحْوَال كلهَا.
مَالك: ق.
أَحْمد:

(3/15)


التكملة:
الْخُصُومَة عبارَة عَن فعل يبْقى الْفَاعِل مَعَه خصما وَالْإِقْرَار يضاد ذَلِك فَهُوَ عَاص للْمُوكل، ونقول: الْجَواب الْمُطلق الَّذِي جعلتم الْخُصُومَة مجَازًا عَنهُ إِقْرَار أم إِنْكَار أم شَيْء آخر؟ وَالْإِقْرَار ينبو عَنهُ لفظ الْخُصُومَة، وَتَحْقِيق الْكَشْف أَن الْمُطلق قَضِيَّة مُخْتَلفَة بَين مختلفتين كاللونية بَين السوَاد وَالْبَيَاض، وَالْجَوَاب الْمُطلق لَا يَصح إِلَّا بِقَرِينَة حَال تعرفه إِلَى المسميين، وَلِهَذَا لَا يَصح بِلَفْظ مَجْهُول يحْتَمل مَعْنيين، وَسَمَاع الْبَيِّنَة من ضَرُورَة الْخُصُومَة وَلَيْسَ الْإِقْرَار من ضَرُورَة الْخُصُومَة ثمَّ لَو وَكله فِي الْإِقْرَار لم يتَصَوَّر؛ لِأَنَّهُ يكون قد أقرّ الْمُوكل بِالْحَقِّ فللوكيل أَن يُؤَدِّي لَفظه ويخبر عَنهُ فَكيف يحمل الْوكَالَة على مَا لَو صرح بِهِ لم يَصح.

(3/16)


(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة: الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا (قنح) :)

الْمَذْهَب: لَا يَبِيع بِغَبن فَاحش وَلَا إِلَى أجل وَلَا بعروض.
عِنْدهم: يَصح مِنْهُ ذَلِك كُله.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
وَكيل مُخَالف؛ لِأَنَّهُ وَكيل فِي البيع، وَقد بَاعَ من وَجه ووهب من وَجه والتبرع لَا يملكهُ؛ وَلِأَن ملك البيع كَالْأَبِ وَالْوَصِيّ؛ وَلِأَنَّهُ بدل مَال

(3/17)


بِغَيْر عوض، ثمَّ الْعرف أَنه إِذا أطلق البيع فَإِنَّهُ يقْصد بِهِ المربح أَو الْعَادِل، ونقيس على الشِّرَاء، فَإِنَّهُ لَو وكل فِيهِ لم يَصح بِالْغبنِ الْفَاحِش.
لَهُم:
وَكيل مُوَافق فَجَاز فعله، دَلِيل ذَلِك: أَن الْمَأْمُور بِهِ هُوَ البيع وَالْمَفْعُول بيع؛ لِأَنَّهُ يَقُول: بِعْتُك كَذَا وَالْمَوْجُود شرعا هُوَ الْمَعْقُود لفظا وَحَقِيقَة مُقَابلَة مَال بِمَال وَقد وجد.
مَالك: ق.
أَحْمد:
التكملة:
أمره بتفويت الْملك إِلَى بدل وَمُطلق كل شَيْء يحمل على الْكَامِل مِنْهُ، فَإِنَّهُ الأَصْل فِي كل مَوْجُود وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان لَا تكون إِلَّا بِدَلِيل وَصَارَ كالرقبة الْمُطلقَة فِي الْكَفَّارَة وَيحمل على الْكَامِل ثمَّ الْبَدَل جَائِز للمبدل، وَالْخَبَر يكون بالكامل لَا بالناقص وَإِطْلَاق البيع إِن عنوا بِهِ بِالْإِضَافَة إِلَى الثّمن فَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع لكَون الْمَبِيع معينا وَإِن عنوا بِهِ بِالْإِضَافَة إِلَى

(3/18)


الثّمن فَهُوَ مَا ذَكرْنَاهُ من أَن التفويت إِلَى بدل مُطلق، فَالْبيع مُقَابلَة بَين مالين حَقِيقَة ولفظا، ودعواهم أَن الثّمن مسكوت عَنهُ وَاقع من ضَرُورَة البيع غير صَحِيح؛ لِأَن الْمُعَامَلَة تقوم بالمقابلة، فَمن ذكرهَا فقد ذكرهمَا كالوزن لَا يُقَال الصنجة فِي الْوَزْن مسكوت عَنْهَا فَصَارَ المالان مذكورين فِي لفظ البيع على الْإِطْلَاق، بَقِي أَن يُقَال الْمُطلق يَسْتَوِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع المسميات حَتَّى لَو حلف لَا يعْتق حنث وبر بالسليم والمعيب. وَالْجَوَاب: أَن الْمَوْجُود الْمُطلق هُوَ الْكَامِل فَصَارَ الِاسْم الْمُطلق وَاقعا بإزائه هَذَا الأَصْل فِي الْوُجُود ثمَّ الْكَمَال مِمَّا شرع لغَرَض وَظهر بِالْمَعْنَى الَّذِي لأَجله شرع وَهُوَ الْخَبَر فِي الْمُتَنَازع فِيهِ.

(3/19)


(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة: مُسلم وكل ذِمِّيا فِي شِرَاء خمر أَو خِنْزِير (قنط) :)

الْمَذْهَب: لَا يَصح التَّوْكِيل وَلَا الشِّرَاء.
عِنْدهم: يَصح التَّوْكِيل وَالشِّرَاء.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عقد لَا يجوز للْمُسلمِ أَن يَتَوَلَّاهُ بِنَفسِهِ وَلَا يَصح تَوْكِيله فِيهِ كَمَا لَو

(3/20)


وَكله فِي تَزْوِيجه بمجوسية.
لَهُم:
لَو نَص على ثمن فَاشْترط بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَقع الْملك لَهُ وَلَو كَانَ الْملك لَا يَقع لَهُ لما وَقع لَهُ عِنْد الْمُخَالفَة ثمَّ الْملك من حُقُوق العقد، وَهُوَ يَتَوَلَّاهُ فَكَانَ الْملك لَهُ.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
قَاعِدَة الْمَسْأَلَة: أَن الْملك فِي الْوكَالَة يَقع للْمُوكل هَذَا عندنَا وَعِنْدهم يَقع أَولا للْوَكِيل ثمَّ للْمُوكل وَيدل على أصل الْقَاعِدَة أَنه عقد تولاه الْغَيْر للْغَيْر وَصَحَّ لَهُ فانتقل الْملك إِلَى الْمَعْقُود لَهُ دون الْعَاقِد كالتوكيل فِي النِّكَاح وَلَو كَانَ وَكيلا فِي البيع كَانَ الثّمن للْمُشْتَرِي فنقيس الثّمن على الْمُثمن ثمَّ لَو اشْترى الْوَكِيل من يعْتق عَلَيْهِ لم ينعتق.

(3/21)


(الْمَسْأَلَة السِّتُّونَ بعد الْمِائَة: الْعَارِية (قس) :)

الْمَذْهَب: مَضْمُونَة.
عِنْدهم: أَمَانَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْعَارِية مَضْمُونَة، والمنيحة مَرْدُودَة، والزعيم غَارِم "، وَرُوِيَ أَنه اسْتعَار درع صَفْوَان بن أُميَّة فَقَالَ: أغصبا يَا مُحَمَّد

(3/22)


فَقَالَ: لَا، بل عَارِية مَضْمُونَة مُؤَدَّاة، فوصف الْعَارِية بِالضَّمَانِ.
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَيْسَ على الْمُسْتَعِير غير الْمغل ضَمَان "، والمغل: الخائن.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
قبض مَال الْغَيْر لمَنْفَعَة نَفسه لَا عَن اسْتِحْقَاق سَابق فَوَجَبَ عَلَيْهِ

(3/23)


الضَّمَان؛ لِأَن الْإِذْن كَانَ فِي الِاسْتِعْمَال فاقتصر عَلَيْهِ وَمَا ثَبت ضَرُورَة تعذر بهَا، وَضَمان الْعين أَمر وَرَاء الِاسْتِعْمَال فقد أَخذ مَال الْغَيْر لغرضه من غير اسْتِحْقَاق قبض فضمن كالمستام.
لَهُم:
قبض صدر عَن إِذن صَحِيح من جِهَة الْمَالِك فَلَا يُوجب الضَّمَان كالمستأجر؛ لِأَنَّهُ لما أذن لَهُ فِي الْمَنَافِع فَمن ضَرُورَته الْإِذْن فِي الْقَبْض، وَإِذا كَانَ قد ملكه الْمَنَافِع فالعين مَجْمُوع مَنَافِع.
مَالك: ف.
أَحْمد: ق.
التكملة:
يحمل خبرهم على ضَمَان الْأَجْزَاء الْمُسْتَحقَّة بِالِاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّهَا مَضْمُونَة عِنْد التَّعَدِّي ومجاوزة حد الْإِذْن، ونقول: الْأَخْذ تَفْوِيت يَد الْغَيْر حسا، وَإِن كَانَ الْغَرَض الْأَخْذ كَانَ تفويتا حكما أَيْضا بِخِلَاف

(3/24)


الْمُودع، فَإِنَّهُ أَخذ لغَرَض الْمَالِك وَهُوَ نَائِب عَنهُ، وَيَد الْمَالِك مستمرة حكما، ثمَّ الْقَبْض لَيْسَ مَأْذُونا فِيهِ لفظا بل لَازم مَدْلُول الْإِذْن فِي الِانْتِفَاع، وَذَلِكَ لضَرُورَة الَّذِي يضْطَر إِلَيْهِ فِي تَقْدِير مَدْلُول الْإِذْن جَوَاز الْقَبْض، أما نفي الضَّمَان، فَلَا ضَرُورَة فِيهِ، أَو نقُول: مَأْذُون فِيهِ لغيره لَا لعَينه، أَو نقُول: الْإِذْن دَلِيل الرِّضَا بتفويت الْيَد وَلَيْسَ فِيهِ تعرض للضَّمَان، وَلَيْسَ من شَرط الضَّمَان قبض غير مَأْذُون فِيهِ، لِأَن المضمن تَفْوِيت الْيَد الْمُسْتَحقَّة على صَاحبهَا وَلَا يجوز أَن يُقَال: عدم الْإِذْن شَرط فِيهِ لِأَن الشَّرْط مَا يتَوَقَّف الحكم على (وجوده كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاح وَمَا يتَوَقَّف الحكم) على عَدمه، فوجوده مَانع فَكَانَ الْإِذْن منافيا للضَّمَان بعد وجود سَببه، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ لَو لم يكن الْجمع بَين جَوَاز الْقَبْض وَوُجُوب الضَّمَان، وَقد بَينا إِمْكَانه فَإِنَّهُ يَقُول: أَذِنت فِي الْقَبْض بِشَرْط الضَّمَان وَيدل عَلَيْهِ وجوب الرَّد؛ فَلَو كَانَ الْإِذْن فِي تَفْوِيت الْيَد لَا يدل على نفي إِعَادَة الْيَد كَيفَ يدل على نفي ضَمَان الْعين؟

(3/25)


فارغة

(3/26)