تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة

 (الْإِقْرَار)

(3/27)


فارغة

(3/28)


لوحة 44 من المخطوطة أ:
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: من شرب مُسكرا وَأقر فِي حَال سكره لزمَه مَا أقرّ بِهِ، إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف وَلم يُفَسر، فَلَو فَسرهَا بحبات حِنْطَة صَحَّ، فَإِن فَسرهَا بكلاب فَفِيهِ وَجْهَان، وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف وَدِرْهَم لزمَه دِرْهَم وَرجع فِي تَفْسِير الْألف إِلَيْهِ، قَالَ أَبُو حنيفَة: إِن عطف على الْعدَد الْمُبْهم مَوْزُونا (أَو مَكِيلًا) كَانَ تَفْسِيرا لَهُ بِخِلَاف المذروع والمعدود، إِذا قَالَ مائَة وَخَمْسُونَ درهما أَو خَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما قَالَ أَكثر الْأَصْحَاب: يكون الدِّرْهَم الْمُفَسّر عَائِدًا إِلَى الرتبتين. قَالَ ابْن خيران: يكون لما يَلِيهِ من الرتبتين.

(3/29)


وَاعْلَم أَن الِاسْتِثْنَاء فِي اللُّغَة صَحِيح جَائِز. قَالَ تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيس} ، وَقَالَ: {ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما} ، وَيجوز (أَن يسْتَثْنى) من الْجُمْلَة أَكْثَرهَا، كَمَا يجوز أقلهَا، قَالَ ابْن درسْتوَيْه: لَا يجوز إِلَّا الْأَقَل، وَبِه قَالَ أَحْمد. دليلنا قَوْله تَعَالَى: {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} ،

(3/30)


وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {لأغوينهم أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} فاستثنى فِي مَوضِع الغاوين من الْعباد، وَاسْتثنى فِي مَوضِع الْعباد من الغاوين. وَقَالَ الشَّاعِر:
(أَدّوا الَّتِي نقصت تسعين من مائَة ... ثمَّ ابْعَثُوا حكما بِالْحَقِّ قوالا)

فَإِذا قَالَ ألف إِلَّا دِرْهَم رَجَعَ فِي تَفْسِير الْألف إِلَيْهِ بِمَا إِذا أسقط مِنْهُ الدِّرْهَم بَقِي شَيْء، أَو يجوز أَن يسْتَثْنى الدِّرْهَم من غير جنسه خلافًا لِأَحْمَد وَمُحَمّد، دليلنا: اسْتثِْنَاء إِبْلِيس من الْمَلَائِكَة وَهُوَ من الْجِنّ، وَقد قيل فِي الِاسْتِثْنَاء إِنَّه خبر بعد خبر، إِذا قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم وَدِرْهَم إِلَّا دِرْهَم وَجب عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتثْنى من دِرْهَم درهما، وَلَو قَالَ ثَلَاثَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ فَفِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه يلْزمه ثَلَاثَة، لِأَن الِاسْتِثْنَاء الأول رفع جَمِيع الْإِقْرَار فَبَطل (وَالثَّانِي مُعَلّق بِهِ فَبَطل بِبُطْلَانِهِ) ، وَالثَّانِي: يلْزمه دِرْهَم؛ لِأَن الِاسْتِثْنَاء الأول سقط، وَبَقِي

(3/31)


الثَّانِي فَسقط مِنْهُ دِرْهَمَانِ فَبَقيَ دِرْهَم، وَالثَّالِث: أَنه يلْزمه دِرْهَمَانِ، وَهُوَ الأقيس، وَلَو أقرّ بِثَوْب فِي منديل أَو بِتَمْر فِي جراب فالوعاء للْمقر؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل فِي منديل لي، وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا دِرْهَم بِالرَّفْع لزمَه دِرْهَم وَاحِد وَتَقْدِيره شَيْء هُوَ دِرْهَم، وَإِن قَالَه بالخفض لزمَه بعض دِرْهَم وَيكون كَذَا كِنَايَة عَن بعض مُضَاف إِلَى الدِّرْهَم، وَإِن نصب لزمَه دِرْهَم وَيكون مَنْصُوبًا على التَّفْسِير. وَمثله إِذا قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم، فَإِنَّهُ يُفَسر ذَلِك بشيئين: أَي شَيْئَيْنِ كَانَا فَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما لزمَه دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ ذكر جملتين، فَإِذا فَسرهَا بدرهم عَاد التَّفْسِير إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا كَقَوْلِه عشْرين درهما، فَإِنَّهُ يعود التَّفْسِير إِلَى الْعشْرين، وَإِذا أقرّ بِعَبْد عَلَيْهِ عِمَامَة دخلت الْعِمَامَة فِي الْإِقْرَار، وَلَو قَالَ دَابَّة عَلَيْهَا سرج لم يدْخل السرج، وَلَو قَالَ دَابَّة بسرجها أقرّ بالسرج، لِأَن الْبَاء تعلق الثَّانِي بِالْأولِ، إِذا قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا وَلم يُفَسر قبل مَا (بقوله إِلَّا الْخمر وَالْخِنْزِير؛ لِأَنَّهُمَا لَا يثبتان فِي الذِّمَّة، وَاعْلَم أَن النّسَب لَا يثبت إِلَّا بِشَاهِد وَيَمِين وَلَا بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ) .

(3/32)


(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة: غُرَمَاء إقراري الصِّحَّة وَالْمَرَض (قسا) :)

الْمَذْهَب: يحاصون فِي التَّرِكَة.
عِنْدهم: يتَقَدَّم غُرَمَاء الصِّحَّة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .

(3/33)


لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
اسْتَويَا فِي الْوُجُوب فاستويا فِي الِاسْتِيفَاء (كدينى الْمَرَض) . دَلِيل الدَّعْوَى: أَن الْوُجُوب ظهر بقوله فِي ذمَّته، وَقَوله مَرِيضا كَقَوْلِه صَحِيحا فِيمَا هُوَ سَبَب الْوُجُوب، والذمة حَالَة الْمَرَض كهي حَال الصِّحَّة عهدا والتزاما فَإِذا اسْتَويَا وجوبا واستويا قَضَاء وَالْمَرِيض جَائِز التَّصَرُّف وَمَا فعله إِظْهَار وَاجِب وَلَا وَجه لتَعلق الدّين.
لَهُم:
مَحْجُور عَلَيْهِ فِي حق الْغُرَمَاء بحقهم فَلَا يقبل إِقْرَاره بِمَا يضرهم

(3/34)


كمن رهن مَالا ثمَّ أقرّ بِهِ، دَلِيل الْحجر: أَن حق الْغَرِيم يتَعَلَّق بِمَالِه عِنْد مَوته مُسْندًا إِلَى أول الْمَرَض، بَيَان الْإِسْنَاد أَن الْمَوْت هُوَ الْمُقْتَضِي للتعلق وَسَببه الْمَرَض وَالْمَوْت نِهَايَة الْعَجز وَأول الْمَرَض أول الْعَجز فاستند التَّعَلُّق إِلَى أول جُزْء من (أَجزَاء) السَّبَب.
مَالك: ق.
أَحْمد:
التكملة:
دينان ظهرا بطريقين متساويين فسوى بَينهمَا أَدَاء (كَمَا لَو ثبتا ببينتين) لَا فرق إِلَّا أَن الْإِقْرَار مظهر تَنْتفِي عَنهُ التُّهْمَة فَاكْتفى فِيهِ بقول وَاحِد، وَاعْتبر الْعدَد فِي الْبَيِّنَة، وَمحل ثُبُوت الدّين الذِّمَّة وَالْمَرَض لَا يخل بهَا، فَإِن الدّين ثَابت إِجْمَاعًا حَتَّى لَو أَبرَأَهُ غُرَمَاء الصِّحَّة أَو فضل عَنْهُم صرف إِلَى غُرَمَاء الْمَرَض وَلَا نظر إِلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كإقرار متعاقبين فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض ويتأيد بالأسباب المنشأة كالاستقراض والإتلاف

(3/35)


وَالشِّرَاء وَالنِّكَاح لما سوى بَينهمَا فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض، ثمَّ الْمَرَض مَجْمُوع (الآلام) وَالْمَوْت أثر الْكل، فالإقرار الثَّانِي وجد قبل تَمام سَبَب التَّعَلُّق وَالدّين عندنَا فِي الذِّمَّة فِي حالتي الْحَيَاة وَالْمَوْت لَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ (وَهُوَ فِي حَيَاته) مُخَيّر بَين أَن يقْضِي الدّين من هَذَا المَال أَو من غَيره وَله التَّصَرُّف فِي المَال بِالْبيعِ (والاستهلاك) لَكِن بِشَرْط أَن يقْضِي الدّين من مَحل آخر، أَو نسلم أَن التَّعْلِيق عِنْد الْمَوْت، وَالْمَوْت حَادث يُنَاسب تعلق الدّين بِالْعينِ بِخِلَاف زمن الْمَرَض ثمَّ الْمَوْت شَرط هَذَا التَّعْلِيق وَتَقْدِيم الْمَشْرُوط على الشَّرْط محَال.

(3/36)


الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة: الْإِقْرَار للْوَارِث فِي مرض الْمَوْت (قسب) :
الْمَذْهَب: صَحِيح فِي القَوْل الْمَنْصُور.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {من بعد وَصِيَّة يوصين بهَا أَو دين} غير أَن آيَة الْمِيرَاث نسخت آيَة الْوَصِيَّة فَبَقيَ الدّين مُطلقًا فِي تَقْدِيمه على الْإِرْث.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْإِقْرَار مظهر ثُبُوت الدّين لِاجْتِمَاع أَرْكَانه، وكل دين ظهر ثُبُوته

(3/37)


وَجب أَدَاؤُهُ كإقراره فِي الصِّحَّة أَو إِقْرَاره لأَجْنَبِيّ والتبرع امْتنع حذرا من إيحاش بَاقِي الْوَرَثَة بالتخصيص وَفِيه قطيعة رحم.
لَهُم:
مُتَّهم فِي الْإِقْرَار بِدَلِيل مَنعه من التَّبَرُّع وَلَا ينْدَفع هَذَا بِدَلِيل عقله وَدينه لاطراد الْعرف، وَالْمَرَض أوجب حجرا فِي حق الْأَجْنَبِيّ فَهُوَ مُتَعَلق حق الْوَرَثَة وَالْمَنْع عَن التَّبَرُّع فِي حق الْغَيْر لَا يدل على الْحجر وَالثلث خَالص حَقه.
مَالك: إِن اتهمَ لم يقبل وَإِلَّا قبل.
أَحْمد: ف.
التكملة:
قَالُوا: (لَا يجوز) إِقْرَاره بِجَمِيعِ المَال لأَجْنَبِيّ؛ لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِي الثُّلُث فَصَارَ الْبَاقِي جَمِيعه مَاله فيجد نفاذا إِلَى ثلث الْبَاقِي كَذَلِك خلاف الْوَارِث، فَإِنَّهُ لَا يجد الْإِقْرَار فِي حَقه نفاذا أصلا، قُلْنَا: فَقولُوا: لَو تبرع بِثلث المَال صَار الْبَاقِي كل مَاله فَجَاز التَّبَرُّع بِثُلثِهِ وَيبقى على مساق كَلَامهم جُزْء من المَال لَا ينفذ الْإِقْرَار فِيهِ، وَأما دَعوَاهُم التُّهْمَة فمحال، إِذْ لَيست حَال تُهْمَة، وَيبْطل بِمَا لَو أقرّ لمن يتبناه وَله ابْن عَم كاشح، فَإِنَّهُ يَصح، وَلَو

(3/38)


أقرّ لِابْنِ عَمه (الْكَاشِح) وَله أم ضَعِيفَة لَا يَصح، ويتأيد مَا قُلْنَاهُ بِالْإِقْرَارِ للْأَجْنَبِيّ وَلَا عذر عَنهُ إِلَّا أَنه من حَوَائِجه وَهُوَ الْعذر فِي الْإِقْرَار للْوَارِث وَظُهُور الدّين بِالْإِقْرَارِ وَالْحريَّة وَالْعقل وَسَائِر الْأَركان واتهام الْمُسلم المتدين فِي حَال يُؤمن فِيهَا الْكَافِر ويبر الْفَاجِر لَا يجوز.

(3/39)


الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة: إِذا أقرّ بِمَال عَظِيم (قسج) :
الْمَذْهَب: قبل تَفْسِيره بِأَيّ قدر كَانَ.
عِنْدهم: الْعَظِيم مِائَتَا دِرْهَم.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
اجتاز عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ على قوم (يحلفُونَ) بَين

(3/40)


الرُّكْن وَالْمقَام ثمَّ قَالَ: " أَعلَى دم أم على مَال عَظِيم "؟ ففهم من الْعَظِيم زِيَادَة على أصل المَال، وَالشَّافِعِيّ (غلظ) الْيَمين بنصاب الزَّكَاة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْعَظِيم لفظ مُجمل يرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ كَلَفْظِ المَال، وَبَيَان الْإِجْمَال أَنه يحْتَمل عَظِيم الجثة وعظيم الْقدر وَبِمَعْنى أَن قدره عَظِيم، فَإِذا كَانَ كَذَلِك (فقصر العظمة) على عشرَة أَو على مِائَتَيْنِ لَا معنى لَهُ.
لَهُم:
لفظان مُخْتَلِفَانِ فَلَا بُد من مَعْنيين مُخْتَلفين كَقَوْلِه مَال جيد، إِذْ لَا يقبل مِنْهُ رَدِيء، وَإِنَّمَا نزلناه على الْعشْرَة؛ لِأَنَّهُ نِصَاب السّرقَة أَو الْمِائَتَيْنِ بِخَبَر عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، وَهَذَا من تَفْرِيع الْمَذْهَب، إِنَّمَا النزاع فِي أَنه لَا يقبل فِي تَفْسِيره مَال مُطلق.
مَالك: ق، وَقيل: قدر الدِّيَة، وَقيل مَا يزِيد على الْمُطلق.
أَحْمد:

(3/41)


التكملة:
بَقِي أَن يُقَال لَو أقرّ بِمَال نزل على أقل مَا يتمول، فَإِذا قَالَ عَظِيم وَجب أَن يكون لهَذِهِ الزِّيَادَة فَائِدَة، وَالْجَوَاب: أَن من الْأَصْحَاب من قَالَ: يجب أَن يُفَسر بِمَال عَظِيم الحجم أَو يزِيد على أقل مَا يتمول بِشَيْء، وَالْمذهب أَنه لَا يشْتَرط بل نقُول مَفْهُوم لفظ المَال مَا ينْتَفع بِهِ وَلَيْسَ من ضَرُورَته التَّقْوِيم والعصمة وَالضَّمان بِدَلِيل الْخمر وَالْخِنْزِير والحبة الْبر، فَلهُ تَفْسِير الْعَظِيم بالمتقوم وبتباين مَفْهُوم اللفظتين، بَقِي أَن يُقَال هَذَا الْمَعْنى ثَابت فِي لَفْظَة المَال فَيكون الْعَظِيم تَكْرَارا، فَنَقُول هَذَا الْمَعْنى لَا يثبت بِمَفْهُوم نفس المَال إِذْ وَصفه مِمَّا ينْتَفع بِهِ وَلكنه لَازم شَرْعِي، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا بَيَان محمل صَحِيح فَصَارَ كَقَوْلِه لَك مَال مُتَقَوّم، أَو نقُول: قدر أَنه فسره بِمَفْهُوم لفظ المَال تَأْكِيدًا لَهُ فَيجب أَن يقبل، إِذْ التَّأْكِيد مَعْهُود فِي المَال كَقَوْلِهِم مَال مُتَمَوّل، وَعبد مَمْلُوك وَعشرَة كَامِلَة فغايته أَنه عِنْد الْإِطْلَاق يشْعر بِزِيَادَة معنى ويتأيد بِمَا لَو قَالَ خطير ونفيس، فقد سلم أَكْثَرهم ذَلِك، وَالْفرق بَين الْجَوْدَة والعظم أَن الْجَوْدَة مضبوطة، والعظم غير مضبوطة.

(3/42)


فارغة

(3/43)


(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة: إِذا أقرّ بعض الْوَرَثَة بدين وَأنكر الآخر (قسد) :)

الْمَذْهَب: لم يُؤَاخذ إِلَّا بِنَصِيبِهِ فِي الْمَنْصُور.
عِنْدهم: يُؤَدِّي من نصِيبه جَمِيع مَا أقرّ بِهِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {من بعد وَصِيَّة يوصين بهَا أَو دين} ، وَجه الدّين: أَنه لَا يخلص للْوَارِث التَّرِكَة إِلَّا بعد الدّين، وَهَذَا قد اعْترف بِالدّينِ وَصَارَ مَا صَار إِلَى غَيره من الْوَرَثَة كالمغصوب.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
بِتَصْدِيق أَحدهمَا لَا يثبت إِلَّا نصف الدّين وَلَا يقْضِي مَا زَاد، كَمَا لَو

(3/44)


صدقه فِي النّصْف خَاصَّة؛ لِأَن الدَّعْوَى على الْمَيِّت والمصدق غَيره فَيَنْبَغِي أَن لَا يقبل إِلَّا أَنه قبل بطرِيق الْخلَافَة، وَإِنَّمَا خَلفه فِي النّصْف وَصَارَ كَمَا لَو أقرّ أحد الشَّرِيكَيْنِ على العَبْد الْجَانِي فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بِحقِّهِ.
لَهُم:
اعْترف بِجَمِيعِ الدّين فَلَزِمَهُ، فَإِنَّهُ زعم بِإِقْرَارِهِ أَن لَا حق لَهُ فِيمَا فِي يَده إِلَّا بعد وُصُول صَاحب الدّين إِلَى حَقه فعومل بِمَا فِي زَعمه وَصَارَ مَا فِي يَده حَقًا للْغَرِيم فَقبل إِقْرَاره على نَفسه.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
الْمَوْت سَبَب زَوَال ملك الْمَيِّت وَحُصُول ملك الْوَارِث وَتعلق الدّين بِالتَّرِكَةِ وَالْكل وَاقع مَعًا كَمَا عرف من اقْترن الْأَحْكَام بالأسباب سَوَاء قضينا حكم الْمَوْت، أَو إِسْنَاده إِلَى الْمَرَض فَاعْتقد أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه أَن النّظر إِلَى ملك الْمَيِّت أولى، فَإِنَّهُ الأَصْل وَملك الْوَارِث يتلَقَّى مِنْهُ فقضاء دينه أولى، ثمَّ يصرف الْبَاقِي إِلَى الْوَرَثَة، فَكَانَ فِي التَّقْدِير كَأَنَّهُ

(3/45)


رهن عَبده ثمَّ مَاتَ أَو أقرّ بِالدّينِ وَمَات، فَكَانَ الدّين مُتَعَلقا واعتقد الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد أَن النّظر إِلَى جَانب الْوَارِثين واشتراك ملكهم، فَكَأَن الدّين تعلق بِملك مُشْتَرك.
عبارَة: أقرّ بدين مُتَعَلق بِمَال مُشْتَرك فَيلْغُو فِي نصيب شَرِيكه ويؤاخذ بِنَصِيبِهِ كَمَا لَو أقرّ بِجِنَايَة عبد مُشْتَرك، وَتَقْرِيره: أَن الدّين لَا يَصح من حَيْثُ الْإِقْرَار على ذمَّة الْمَيِّت؛ لِأَن قَول الْإِنْسَان لَا يقبل فِي حق غَيره إِلَّا فِي الشَّهَادَة.
وَالْحَاصِل أَنه أقرّ فِي ملكه وَملك شَرِيكه فيؤاخذ فِي ملكه.

(3/46)


(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة: إِذا أقرّ الابْن الْمُسْتَغْرق للْأَب بِأَخ (قسه) :)

الْمَذْهَب: ثَبت نسبه وَورث فَإِن أقرّ اثْنَان بِأَخ رَابِع وَأنكر الثَّالِث لم يثبت النّسَب.
عِنْدهم: الْخلاف فِي الطَّرفَيْنِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
ترافع سعد بن أبي وَقاص وَعبد بن زَمعَة إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام

(3/47)


فِي ولد وليدة زَمعَة، فَزعم سعد أَنه ابْن أَخِيه عتبَة، وَقَالَ عبد هُوَ أخي ولد على فرَاش أبي فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " هُوَ لَك يَا عبد الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر " وَكَانَ سعد يزْعم أَن أَخَاهُ أوصى إِلَيْهِ بِهِ لوطيء جاهلي وَزَمعَة زوج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم يُوَافق على الْإِقْرَار وَقَالَ لَهَا: احتجبي عَنهُ.
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:

(3/48)


إِقْرَار مِمَّن يحوز الْمِيرَاث فصح كَمَا لَو كَانَا اثْنَيْنِ وَعكس ذَلِك، والتأثير أَن الْإِقْرَار على الْغَيْر لَا يَصح إِلَّا أَنه قبل بطرِيق الْخلَافَة وَأَنه قَائِم مقَام الْوَارِث، والمشاركة فِي الْمِيرَاث فرع على ثُبُوت النّسَب وثبوته فِي حق الْوَارِث فرع ثُبُوته فِي حق الْمَيِّت.
لَهُم:
شَهَادَة فِي حق الْمَيِّت فَلَا تثبت بِالْوَاحِدِ كالشهادات، بَيَان الدَّعْوَى: أَن الْأُخوة مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا من رجل وَاحِد، وَالْحكم فرع الْعلَّة، فالثابت كَلَامه أَنه إِن أثبت هُوَ شَهَادَة على الْمَيِّت بِالْإِقْرَارِ فِي حق الْمقر وَالشَّهَادَة فِي حق الْغَيْر وَلِهَذَا ينْسب إِلَى الْأَب فَلَا بُد من الْعدَد وَلما فِيهِ من شُبْهَة الْإِقْرَار شَاركهُ فِي المَال.
مَالك: ف.
أَحْمد:

(3/49)


التكملة:
ساعدونا على أَن الْمقر لَهُ لَو أكذب الْمقر أَو كَانَ أسن من الْأَب أَو كَانَ مَعْرُوف النّسَب بِغَيْرِهِ أَو كَانَ أَبوهُ قد نَفَاهُ بِاللّعانِ أَنه لَا يثبت الْمِيرَاث فَنَقُول: طلب مِيرَاث الْبُنُوَّة وَلَيْسَ ابْنا شرعا فَلَا يسعف بِهِ كَمَا فِي الْمسَائِل الْأَرْبَع، لِأَن الْبُنُوَّة ثبتَتْ، فاستلحاق الْوَالِد لَا بِدَعْوَى الابْن وَيثبت بإلحاق من لَهُ رُتْبَة الْخلَافَة أَو بالفراش وَلَا معنى للإقرار بالأخوة، وَإِنَّمَا هِيَ بنوة الْأَب وبنوة الْأَب لَا تقبل التجزيء، وَالدَّلِيل الْقَاطِع أَنه لَا يصير عَمَّا لأَوْلَاد الْمقر المنكرين وَلَا حفدة لجده الْمُنكر وَلَو كَانَ أَخا لَهُ كَانَ عَم وَلَده، فَإِن قَالُوا: يصير عَمَّا ويرثهم ناقضوا، فَإِنَّهُ يحْتَاج أَن يزاحم الْعم الْمُنكر وَهَذَا لَا يجوز، فَإِن زعموه شَهَادَة، فالشهادة تفْتَقر إِلَى الْعَدَالَة وقيود أخر وَكلهَا مُنْتَفٍ وَيسمع قَول امْرَأَة فاسقة أَو كَافِرَة تقر أَن هَذَا أخي من غير تقدم دَعْوَى وإنكار، وَبعد هَذَا كُله النّسَب أَمر كَبِير

(3/50)


يتَعَلَّق عَلَيْهِ عدَّة أَحْكَام وَهُوَ مُشْتَرك بَين الْمقر وَالْمقر بِهِ وَكَيف تكون (شَهَادَة) وَالْمقر ذُو حَظّ فِيهِ.

(3/51)


لوحة 45 من المخطوطة " أ ":
إِذا كَانَ الْمَغْصُوب قَائِما رد، وَإِن كَانَ تَالِفا، فَإِن كَانَ من ذَوَات الْأَمْثَال كالحبوب والأدهان رد مثله، وَإِن كَانَ مِمَّا يتَفَاوَت كالثياب، وَالْحَيَوَان فَالْقيمَة، وَحكى المالكيون أَن من جنى على ذَات فأتلف غَرَض صَاحبهَا مِنْهَا فالمجني عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رَجَعَ بِمَا نقصت، وَإِن شَاءَ سلمهَا وَأخذ قيمتهَا، وصوروا فِي ذَنْب حمَار القَاضِي.
قَالَ أَبُو حنيفَة: من قلع عين دَابَّة كالبعير وَالْبَقَرَة وَجب عَلَيْهِ نصف قيمتهَا، وَقيل الرّبع، وَشَرطهَا أَن تكون مُنْتَفعا بهَا من جِهَتَيْنِ، لَا كالحمار إِذا غصب عصيرا فتخمر فِي يَده وَجب عَلَيْهِ إراقته ورد مثل الْعصير، وَإِن صَار فِي يَده خلا رده، ورد مَا بَين قِيمَته عصيرا وخلا

(3/52)


إِن كَانَت قِيمَته نقصت بتخليله، وَمن الْأَصْحَاب من خرج وَجها آخر وَقَالَ: يجب عَلَيْهِ مثل الْعصير ورد الْخلّ، لِأَن الْعصير تلف بالتخمير فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانه، وَإِن عَاد خلا كَمَا قُلْنَا فِيهِ.
إِذا سمنت الْجَارِيَة الْمَغْصُوبَة ثمَّ ذهب سمنها، ثمَّ عَاد فَإِنَّهُ يردهَا وَيضمن السّمن الأول على أحد الْوَجْهَيْنِ. إِذا فتح قفصا على طَائِر وهيجه ضمن، وَإِن لم يهيجه ووقف زَمَانا طَويلا فَلَا ضَمَان. إِذا فتح دَارا وَدخل آخر فَأخذ المَال فَلَا ضَمَان على الفاتح. إِذا حل زقا فَسَأَلَ مَا فِيهِ ضمن؛ لِأَن السَّائِل لَا اخْتِيَار لَهُ. إِذا سرق فردة خرق قيمتهَا دِرْهَمَانِ وأتلفها وَقيمتهَا جَمِيعًا عشرَة دَرَاهِم فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن الْوَاجِب دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ قيمَة مَا أتلف، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ ثَمَانِيَة؛ لِأَنَّهُ الْقدر الَّذِي نقصته الْقيمَة بِإِتْلَاف أحد الْخُفَّيْنِ، وَلَا يخْتَلف الْأَصْحَاب أَن الْقطع لَا يجب لِأَن مَا زَاد على الدرهمين ضمنه فِي ذمَّته لتفريقه بَين الْخُفَّيْنِ، وَمَا فِي ذمَّته لَا

(3/53)


يجب بِهِ الْقطع كَمَا لَو ذبح شَاة تَسَاوِي ربع دِينَار فِي الْحِرْز فنقصت قيمتهَا، ثمَّ أخرجهَا، فَإِنَّهُ لَا قطع عَلَيْهِ، إِذا غصب أَمْرَد فَنَبَتَتْ لحيته ونقصت قِيمَته بذلك ضمن النَّقْص، إِذا غصب جَارِيَة قيمتهَا مائَة فَسَمنت (فِي يَده أَو تعلمت) صَنْعَة فبلغت ألفا ثمَّ هزلت فِي يَده أَو نسيت الصِّنَاعَة فَعَاد إِلَى قيمتهَا وَجب عَلَيْهِ ردهَا ورد تِسْعمائَة.
قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب عَلَيْهِ رد ذَلِك إِلَّا أَن يكون طَالبه بهَا فِي تِلْكَ الْحَال فَمَنعه، وَلَو غصب جَارِيَة قيمتهَا مائَة فَسَمنت فبلغت قيمتهَا ألفا وتعلمت صَنْعَة فبلغت قيمتهَا أَلفَيْنِ ثمَّ هزلت ونسيت الصَّنْعَة فَعَادَت إِلَى مائَة، فَإِنَّهُ يردهَا وَيرد ألفا وَتِسْعمِائَة، وَإِن بلغت بالسمن ألفا ثمَّ عَادَتْ بالهزال إِلَى مائَة ثمَّ تعلمت صَنْعَة فبلغت ألفا ثمَّ نسيتهَا فَعَادَت إِلَى مائَة فَإِنَّهُ يردهَا وَيرد ألفا وَثَمَانمِائَة؛ لِأَنَّهَا نقصت بالهزال تِسْعمائَة وبنسيان الصَّنْعَة تِسْعمائَة، من اشْترى شِرَاء فَاسِدا لم يملك بِهِ وَكَانَ الْمُشْتَرى مَضْمُونا

(3/54)


عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ وَعَلِيهِ أُجْرَة مثله للمدة الَّتِي (يُقيم فِي يَده) .
وَاعْلَم أَنه لَا ينظر إِلَى الْأَسْوَاق وَمَعْنَاهُ أَن يغصب عينا تَسَاوِي مائَة فيزيد سوقها فتبلغ ألفا ثمَّ يرجع إِلَى مائَة فَإِنَّهُ لَا يُطَالب بِالزَّائِدِ.

(3/55)