تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (مسَائِل الْغَصْب)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة: إِذا
فَقَأَ عَيْني عبد (قسو) .)
الْمَذْهَب: ضمن كَمَال قِيمَته وَلم يملكهُ فِي أظهر
الْقَوْلَيْنِ.
عِنْدهم: إِذا ضمنه ملكه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
(3/56)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَاجِب بدل الْيَدَيْنِ، فَلَا يقف ضمانهما على إِزَالَة
ملك الْعين كَمَا لَو فَقَأَ عينا وَاحِدَة. وَدَلِيل
الدَّعْوَى: أَنه ضَمَان جِنَايَة، وَالْجِنَايَة على الْعين
وَالضَّمان لما فَاتَ، وَالْغَائِب هُوَ الْعين، وَلَا نسلم
أَن الْمُغَلب الْمَالِيَّة بل الدمية، والآدمي دم، وإلحاق
الطّرف بِالنَّفسِ أنسب.
لَهُم:
العَبْد مَال وَلَا يبْقى للْمَالِك مَعَ أَخذ كَمَال قِيمَته
كمن خرق ثوبا خرقا فَاحِشا، تَأْثِيره أَن معنى الْمَالِيَّة
تغلب على أَطْرَاف العَبْد، فجهة الْمَالِيَّة لَا بُد من
اعْتِبَارهَا، وَالْوَاجِب كَمَال بدل الذَّات وَلَا يبْقى
مَعَ الْمُبدل.
مَالك: يجب بِالْجِنَايَةِ مَا نقص إِلَّا فِي الْمُوَضّحَة
وَمَا بعْدهَا من الشجاج.
أَحْمد: ق.
(3/57)
التكملة:
جِنَايَة لَو قدرت على الْمُدبر اقْتَضَت ضمانا من غير ملك
الْعين فَكَذَلِك الْقِنّ قِيَاسا على قطع إِحْدَى
الْيَدَيْنِ، فَإِنَّهُم سلمُوا أَنه (يضمن) بِنصْف الْقيمَة
وَلَا يملك، قَالُوا: إِنَّمَا لم يملك فِي هَذِه الصُّورَة؛
لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى محَال، بَيَانه لَو كَانَ قيمَة
العَبْد سِتّمائَة ونقصت قِيمَته بِالْقطعِ مِائَتَيْنِ بَقِي
مَعَه أَرْبَعمِائَة لَهُ نصفهَا مَعَ ثلثمِائة تبلغ
خَمْسمِائَة، فَلَو ملك الْغَاصِب النّصْف فَاتَ من حق
الْمَالِك مائَة، قُلْنَا: فَإِذا صَار مَعَه أَرْبَعمِائَة
وثلثمائة كملت سَبْعمِائة وَهَذَا أَكثر من الْقيمَة بِمِائَة
فَهَلا ملك الْغَاصِب ربع العَبْد بِمِائَة ثمَّ إِذا التزموا
أَن العَبْد مَال لَزِمَهُم أَنه يُؤْخَذ الْأَرْش كَمَا فِي
الْأَمْوَال وَيبقى على الْملك وَهَذَا مَذْهَب مُحَمَّد
وَقَول (لنا إِن قَالُوا) : أَطْرَاف العَبْد لَا تقوم
وَحدهَا: لِأَن قوامها بِالنَّفسِ، قُلْنَا: بل تقوم على
انفرادها؛ لِأَن التَّقْوِيم بِالْمَنْفَعَةِ وكل عُضْو لَهُ
مَنْفَعَة لَكِن قِيَاس طرف العَبْد إِلَى نَفسه قِيَاس طرف
الْحر إِلَى نَفسه وَالْحر هُوَ الْمُسْتَعْمل أَطْرَافه فضمن
لَهُ، وَالسَّيِّد يسْتَعْمل طرف عَبده فضمن لَهُ، والحرف أَن
الْمُغَلب فِي أَطْرَاف العَبْد قَضِيَّة الدمية عندنَا
وَعِنْدهم الْمَالِيَّة.
(3/58)
فارغة
(3/59)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالسِّتُّونَ
بعد الْمِائَة: المضمونات بِالْغَصْبِ (قسز) :)
الْمَذْهَب: لَا يملكهَا الْغَاصِب.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " على الْيَد مَا أخذت حَتَّى
تُؤَدِّيه "، وَجه الدَّلِيل أَنه يجب عَلَيْهِ رد الْعين
فَمَا أَدَّاهُ هُوَ عوض عَنْهَا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْغَصْب جِنَايَة فَلَا يكون سَببا للْملك كَمَا فِي حق
الْمُدبر، وَذَلِكَ لِأَن الْملك حكم شَرْعِي فَيَقْتَضِي
سَببا شَرْعِيًّا، وَالْغَصْب عدوان فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ
(3/60)
أَحْكَام الشَّرْع، وَالضَّمان لَا يصلح
أَن يكون مملكا؛ لِأَن الضَّمَان مَبْنِيّ على الْغَصْب
الَّذِي هُوَ السَّبَب، فَإِذا لم يصلح السَّبَب لم يصلح مَا
بني عَلَيْهِ.
لَهُم:
الْغَصْب سَبَب ملك الْبَدَل فَيكون سَببا لملك الْمُبدل
كَالْبيع حَتَّى لَا يجْتَمع فِي ملكه الْبَدَل الْمُبدل
وَالْملك حَاصِل فِي الْبَدَل، بِدَلِيل ثُبُوت قضايا
الْأَمْلَاك وَهُوَ بدل الْعين؛ لِأَن الْوَاجِب جَمِيع بدل
الْعين وَبَعضهَا أَو معنى فِيهَا لَا يجوز أَن يُقَابل
بِجَمِيعِ بدلهَا، والعذر عَن الْمُدبر أَنه قد اسْتحق
الْعتْق.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
غَايَة مَا علينا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة استبطاؤهم تسبب
الْملك وَإِبْطَال كل مَا يذكرُونَهُ ونقول: الْملك مَعْصُوم
فَلَا يملك إِلَّا بِسَبَب من قبل الْمَالِك وَفَاء لحق
الْعِصْمَة، وَالْمَوْجُود هُوَ الْغَصْب وَهُوَ عدوان،
وَالضَّمان جبر مَا فَاتَ من الْيَد وَلَا يَصح الْفَوات مَا
بَقِي، ويتأيد بِمَا لَو اخْتلف فِي قيمَة
(3/61)
الْمَغْصُوب وَحلف الْغَاصِب، فَإِنَّهُ
يضمن بقوله وَيَمِينه وَلَا يملك، فَإِن قَالُوا: الْغَصْب
يصلح أَن يكون مملكا؛ لِأَنَّهُ عبارَة عَن ثُبُوت يَد وَلَو
كَانَ على مُبَاح صلح، الْجَواب: أَن هَذَا لَو صَحَّ أبطل
مُعظم قَوَاعِد الشَّرِيعَة، وَرُبمَا قَالُوا لما ملك
الْبَدَل ملك الْمُبدل، وَالْجَوَاب: أَنا لَا نسلم أَن المَال
بدل الْعين، وَإِنَّمَا هُوَ بدل الْيَد، وَالْأَخْذ سَبَب
الْملك بِشَرْط خلو الْعين عَن ملك، وَأما وَالْأَخْذ حرَام
فَلَا ثمَّ وَلَو قَدرنَا الرِّضَا كَانَ يجب أَن يَزُول
الْملك عِنْد الضَّمَان لَا عِنْد الْغَصْب كَمَا يَقُولُونَ
ويلزمهم أَنه لَا ينفذ عتقه، والحرف أَن الْغَصْب عندنَا لَا
يصلح سَببا للْملك وَإِنَّمَا الضَّمَان فِي مُقَابلَة الْيَد
الْفَائِتَة، وَعِنْدهم يصلح للْملك وَالضَّمان فِي مُقَابلَة
الْعين.
(3/62)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالسِّتُّونَ
بعد الْمِائَة: زَوَائِد الْمَغْصُوب (قسح) :)
الْمَذْهَب: مَضْمُونَة على الْغَاصِب.
عِنْدهم: غير مَضْمُونَة إِلَّا أَن تطلب مِنْهُ فَمنعهَا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْوَلَد مَغْصُوب فَيكون مَضْمُونا كالأم، دَلِيل ذَلِك:
إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ
(3/63)
بعدوانية وَهُوَ حد الْغَصْب، ويتأيد
بالغاصب من الْغَائِب، فَإِنَّهُ مَا فَوت الْيَد المحقة بل
أثبت يَده على مَال الْغَيْر بعدوان.
لَهُم:
الزَّوَائِد لَيست مَغْصُوبَة فَلَا تكون مَضْمُونَة
كَالْوَدِيعَةِ واللقطة، ذَلِك لِأَنَّهُ لم يصنع فِي الْوَلَد
شَيْئا وَرُبمَا لم يعلم بِوُجُودِهِ فَكيف يعد غَاصبا لَهُ
وَالْولد دخل فِي يَده بِغَيْر اخْتِيَاره وَلَا عدوانية ليده،
فَإِن الْملك خلق فِي الأَصْل للتَّصَرُّف بِإِثْبَات الْيَد
عَلَيْهِ ومناط الضَّمَان الْإِضْرَار بتفويت حق الْغَيْر وَلم
يُوجد هَاهُنَا.
مَالك: يفرق بَين أَن يكون حَال الْغَصْب حَائِلا أَو حَامِلا
فالحائل لَا يضمن.
أَحْمد: ق.
التكملة:
أثبت يَده العادية على مَحل قَابل للضَّمَان، فَدخل فِي
ضَمَانه، كَمَا إِذا أَخذ صيد الْحرم وَولد فِي يَده فَإِن
الْوَلَد مَضْمُون بالجزاء إِجْمَاعًا،
(3/64)
وَإِثْبَات الْيَد على الأَصْل تسبب إِلَى
إِثْبَات الْيَد على الْفَرْع، والمتسبب كالمباشر بِدَلِيل
حافر الْبِئْر، ونفيهم العدوانية أَمر شنع، فَإِن المَال وَإِن
خلق للتَّصَرُّف لَكِن إِذا اخْتصَّ بِهِ مَالك صَار حَقه
مَانِعا مِنْهُ، وَإِن اعتذروا عَن الْغَاصِب من الْغَاصِب
فَإِنَّهُ فَوت عَلَيْهِ إِثْبَات الْيَد وَعَن اللّقطَة
بِأَنَّهُ لَو تَركهَا أَخذهَا رَبهَا أَو أَمِين يحفظها
عَلَيْهِ فليأخذوا مثله فِي الْمَسْأَلَة فَإِن حُصُول
الْوَلَد على ملكه سَبَب إِمْكَان الْأَخْذ للْمَالِك حسا
وَشرعا لَوْلَا يَد الْغَاصِب فَهُوَ دَافع مكنه الْمَالِك
وَدفع الشَّيْء بعد سَببه يقوم مقَام قطعه بعد ثُبُوته فِي حكم
الضَّمَان كمن غر بحريّة جَارِيَة، وشتان بَين يَد الْغَاصِب
وَيَد الْمُودع؛ لِأَن الْمُودع يَده للْمَالِك وَالْغَاصِب
يَده لنَفسِهِ، ويلزمهم الْمُودع إِذا جحد، فَإِنَّهُ مَا فَوت
يَد الْمَالِك وَمَعَ هَذَا يضمن، وَكَذَلِكَ الْمُلْتَقط إِذا
جحد فَإِنَّهُ مَا فَوت يدا، وحد الْغَصْب أَنه إِثْبَات
الْيَد على مَال الْغَيْر بعدوان وَزَادُوا لَهُم فِي الْحَد
مَعَ تَفْوِيت يَد الْمَالِك.
(3/65)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالسِّتُّونَ
بعد الْمِائَة: مَنَافِع الْمَغْصُوب: (قسط) :)
الْمَذْهَب: تضمن بالفوات والتفويت تَحت الْيَد العادية.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أَمْوَال معصومة فتضمن، دَلِيل الدَّعْوَى أَن المَال يعلم
شرعا وَقد قَامَ دَلِيله وَهُوَ الِاعْتِيَاض عَنْهَا
بِالْإِجَارَة وَكَونهَا تصلح صَدَاقا وَالْمَال مَا يعده
(3/66)
النَّاس مَالا وَقد ثبتَتْ الْيَد
عَلَيْهَا، وَيَد كل شَيْء بِحَسبِهِ فَهُوَ إِذا إِمَّا مستوف
لَهَا أَو متسبب إِلَى إتلافها والأعيان وَالْمَنَافِع
أَمْوَال.
لَهُم:
ضَمَان الْعدوان مُقَيّد بِالْمثلِ معقولا ونصا، وَلَيْسَت
الْأَعْيَان وَالْمَنَافِع متماثلة. دَلِيل عدم الْمُمَاثلَة:
كَونهَا أعراضا وجواهر، وَإِذا لم تضمن الْمَنَافِع بالمنافع
فبالدراهم أولى ثمَّ الْمَنَافِع لَيست أَمْوَالًا أصلا؛
لِأَنَّهَا قبل وجودهَا لم تُوصَف بِشَيْء وَحَالَة الْوُجُود
مَشْغُولَة بِالْعدمِ لم تحدث على ملك الْغَاصِب وتتلف
بِنَفسِهَا.
مَالك: ف.
أَحْمد:
(3/67)
التكملة:
الْكَلَام فِي الْمَنَافِع منهجان: إِمَّا أَن نقومها أَو
نعطلها فتفوت. فنفرض فِي الأول ونقول: مَنْفَعَة تضمن فِي
العقد الصَّحِيح وَالْفَاسِد فتضمن فِي الِاسْتِيفَاء على ظن
العقد كمنفعة الْبضْع، وَهَذَا الْفَرْض فِيمَا إِذا اسْتعْمل
عبدا ظَنّه مُسْتَأْجرًا وَهَذَا تضييق عَلَيْهِم، وَلَا
يَجدونَ فرقا بَين الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَة والمركوب
بِشُبْهَة، وَإِن تركنَا هَذَا الْفَرْض قُلْنَا: مُسْتَعْمل
عِنْد الْغَيْر فِي حياطته مفوت على الْمَالِك شَيْئا
مُتَقَوّما شرعا فضمنه كمفوت الْحر وَأم الْوَلَد وَسَائِر
الْأَمْوَال، وَثمّ طَرِيق يسْتَغْنى بهَا عَن الْخَوْض فِي
تَحْقِيق الْمَنَافِع وَهِي أَن نقُول لكل مَالك فِي ملكه
حقان: الْعين وَالْيَد وهما معصومان وتفويت الْعين يضمن
فَكَذَلِك تَفْوِيت الْيَد، فَإِن قَالُوا: الْيَد الْمَاضِيَة
لَا يُمكن تفويتها والمستقبلة لم تثبت، قُلْنَا: هَذَا من
الْكَلَام لَو اعْتبر لامتنع التفويت وَالضَّمان الشَّرْعِيّ،
فَإِن من أتلف حَيَوَانا ضمنه، وَمَعْنَاهُ
(3/68)
تَفْوِيت حَيَاته لَا إعدام عينه، والحياة
الْمَاضِيَة لم تفت والمستقبلة لم تحصل وَمعنى اسْتِيفَاء
الْمَنَافِع استهلاكه فِي جِهَة المنتفع بهَا كَأَكْل الْخبز،
والحرف أَن الْمَالِيَّة عندنَا قَائِمَة بالمنافع كالأعيان
وَيتَصَوَّر غصبهَا خلافًا لَهُم.
(3/69)
(الْمَسْأَلَة السبعون بعد الْمِائَة:
المستكرهة على الزِّنَا (قع) :)
الْمَذْهَب: تسْتَحقّ الْمهْر.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَالَ تَعَالَى: {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم} الْآيَة. أوجب
المثلية فِي الْعدوان وَلَا مثلية بَين الْبضْع وَالْمَال؛
لِأَن الْأَمْوَال تتقابل صُورَة وَمعنى والمعنيان معدومان
بَين الْبضْع وَالْمَال، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " ادرءوا
الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ "، وَالْمَال ثَبت مَعَ الشُّبُهَات
فَكيف يُوجب الْفِعْل
(3/70)
الْوَاحِد الضدين؟
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ندعي تقومها بِدَلِيل تقومها بِالْعقدِ وَفِي وَطْء
الشُّبْهَة، والقيم بِقدر الرغبات فقد فَوت حَقًا مُتَقَوّما
دون رِضَاهَا لَهَا فَيضمنهُ لَهَا (بمنافع بدنهَا فَإِن
منعُوا الأَصْل عدنا إِلَى) مَنَافِع الْمَغْصُوب وَثبتت
الْمَالِيَّة والتقوم والإتلاف فِي جنس الْمَنَافِع، فَإِن
سلمُوا فالجمع بَين الْبضْع وَالْمَنَافِع سهل، فَإِن مَنَافِع
الْأَعْضَاء بحسبها.
لَهُم:
ننكر أَولا وجود الْمَنَافِع وماليتها وتقومها ثمَّ نسلم أَن
الْمَنَافِع تضمن بِالْمَالِ، ثمَّ ننكر وجوب الْمهْر
لتَحْرِيم الْفِعْل وَوُجُوب الْحَد، ونقول: وَطْء تمحض
عُدْوانًا فَلَا يُوجب مهْرا قِيَاسا على المطاوعة؛ لِأَن
الْحَد ضَمَان زاجر وَالْمهْر ضَمَان جَائِز، وَالْأَصْل فِي
الضَّمَان الزّجر والجبر بدل وَالْقَصْد حفظ الْمحل، وَيحصل
ذَلِك بالزجر.
مَالك: ق.
أَحْمد: أصح روايتيه مثل مَذْهَبنَا.
(3/71)
التكملة:
نفحص عَن منَاط إِيجَاب الْمهْر فِي وَطْء الشُّبْهَة وَلَا
يجوز أَن يكون لظن الْوَاطِئ مَعَ غلطه نفي أَن يكون لتفويت
مَنْفَعَة الْبضْع، وَهَذَا حَاصِل فِي مَسْأَلَتنَا، فَإِن
قيل: الْمهْر يجب بِالْعقدِ، وَالْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يُقَاس
عَلَيْهِ كالنسب، قُلْنَا: لَو كَانَ الحكم فِي الْوَطْء
بِالشُّبْهَةِ مَنْصُوصا صلح أَن يُقَاس عَلَيْهِ لكنه مُلْحق
بالمنصوص فَيَنْبَغِي أَن نبحث عَن وَجه الْإِلْحَاق وَنَنْظُر
هَل مثله فِي مَسْأَلَتنَا، ومنشأ خيالهم اشْتِرَاك لَفْظِي
الْعِصْمَة وَالضَّمان، أما الْعِصْمَة فَتطلق حَقِيقَة فِي
الْمَعْنى الْقَائِم بِالْمحل الْمُقْتَضِي تَحْرِيم
إِبَاحَته، وَوجه الْحَقِيقَة فِيهِ أَن الْعِصْمَة هِيَ
الْحِفْظ وَالْحُرْمَة، والمعصوم هُوَ الْمَحْفُوظ وَمُطلق
الْعِصْمَة مجَاز فِي الْمَعْنى الْمُقْتَضِي بِالْمحل تضمين
التّلف إِذْ فِي إِيجَاب قيمَة الشَّيْء مَا يخيل أَن
الْمُتْلف كالمحفوظ وهما مَعْنيانِ متباينان لتباين أثريهما؛
لِأَن أَحدهمَا يمْنَع من الْإِتْلَاف قبل وُقُوعه وَيتَعَلَّق
بالتكليف، وَالثَّانِي: تضمين الْمُكَلف (وَيتَعَلَّق بالمكلف)
، وَغَيره فَإِذا
(3/72)
تَحْرِيم الْبضْع عصمَة وَالضَّمان للتفويت
فهما مَعْنيانِ، فَمَتَى وجدا وجد مَا يتَعَلَّق بهما أَو وجد
أَحدهمَا يَقْتَضِي مَا يتَعَلَّق بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ
عندنَا مَنْفَعَة الْبضْع مُتَقَومَة.
(3/73)
فارغة
(3/74)
(بَقِيَّة مسَائِل الْغَصْب)
(3/75)
فارغة
(3/76)
لوحة 46 من المخطوطة " أ ":
إِذا غصب أَرضًا فغرسها لزمَه قلع الْغَرْس وتسوية الأَرْض
وَأُجْرَة الْمثل إِذا غصب دَارا فجصصها وزوقها كَانَ
للْمَالِك مُطَالبَته بقلع الجص والتزويق؛ لِأَنَّهُ ملك
الْغَاصِب شغل بِهِ ملك الْمَالِك، فَإِن نقصت قيمَة الدَّار
بِإِزَالَة ذَلِك عَمَّا كَانَت قبل التزويق لزم الْغَاصِب
التَّفَاوُت، وَإِن لم ينقص لم تلْزمهُ إِلَّا أُجْرَة الْمثل
الْمدَّة الَّتِي أَقَامَت فِي يَده، فَأَما إِن لم يُطَالِبهُ
الْمَالِك بقلعه وَأَرَادَ الْغَاصِب قلعه كَانَ لَهُ ذَلِك،
فَإِن وهبه الْغَاصِب للْمَالِك هَل يجْبر على قبُوله؟
وَجْهَان، فَأَما إِذا نقل تُرَاب أَرض كَانَ عَلَيْهِ
إِعَادَته إِن طَالبه الْمَالِك، فَإِن لم يُطَالِبهُ لم يكن
لَهُ إِعَادَته، إِذا رأى دَابَّة قَائِمَة مَعَ صَاحبهَا
فركبها لم يضمنهَا إِلَّا أَن ينقلها من مَكَانهَا، إِذا غصب
زيتا فأغلاه فَكَانَ صَاعَيْنِ تَسَاوِي أَرْبَعَة دَرَاهِم
فَعَاد بعد الطَّبْخ إِلَى صَاع يُسَاوِي أَرْبَعَة دَرَاهِم
فَعَلَيهِ بدل الصَّاع التَّالِف وَلَا يحْتَسب لَهُ
بِزِيَادَة قيمَة الصَّاع الثَّانِي، فَلَو كَانَ عوض الزَّيْت
عصيرا وَالْحَال الْحَال فَفِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا حكمه
(3/77)
حكم الزَّيْت، وَالثَّانِي لَا يضمن
شَيْئا؛ لِأَن التَّالِف بالنَّار مائية لَا قيمَة لَهَا، إِذا
غصب ثوبا وزعفرانا لمَالِك وَاحِد فصبغ الثَّوْب بالزعفران،
فَكَانَت قيمَة الثَّوْب عشرَة وَقِيمَة الزَّعْفَرَان عشرَة
وَكَانَ بعد الصَّبْغ يُسَاوِي عشْرين فَلَا شَيْء على
الْغَاصِب، وَإِن صَار يُسَاوِي ثَلَاثِينَ، فَلَا شَيْء
للْغَاصِب؛ لِأَن أثر فعله فِي ملك غَيره فَأَما إِن نقصت
الْقيمَة فَصَاحب الثَّوْب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رَضِي وَإِن
شَاءَ طَالب بِنُقْصَان الْقيمَة، إِذا غصب شَاة وأحضر قصابا
فذبحها كَانَ للْمَالِك أَن يستردها وَله مَا بَين قيمتهَا
حَيَّة وذبيحة يُطَالب بهَا من شَاءَ من الْغَاصِب والقصاب،
فَإِن غرم القصاب رَجَعَ القصاب على الْغَاصِب، وَإِذا غصب
شَاة وأنزى عَلَيْهَا فَحله كَانَ الْوَلَد لصَاحب الشَّاة،
وَإِن غصب فحلا وأنزاه على شاته كَانَ الْوَلَد لَهُ
(لِأَنَّهُ يتبع الْأُم) ، وَلَا أُجْرَة عَلَيْهِ، لِأَن
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام " نهى عَن عسب الْفَحْل " إِلَّا
أَن يكون قيمَة الْفَحْل قد نقصت بذلك فَيلْزمهُ مَا نقص.
(3/78)
فارغة.
(3/79)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: غصب الْعقار (قعا) :)
الْمَذْهَب: مُتَصَوّر وَيضمن بِالْغَصْبِ.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من غصب
شبْرًا من أَرض طوق بِهِ من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة ".
وَجه الدَّلِيل قَوْله: " غصب "، وَإِنَّمَا لم يذكر
الضَّمَان؛ لِأَنَّهُ تعرض لأحكام الْآخِرَة فوزانه قَوْله
تَعَالَى: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم}
وَالْكَلَام بحقيقته حَتَّى يقوم دَلِيل الْمجَاز.
لَهُم:
قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من غصب
شبْرًا من أَرض طوق بِهِ من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة "،
وَجه الدَّلِيل: لوكان الضَّمَان وَاجِبا لذكره (وَقَوله غصب)
(3/80)
اسْتِعَارَة، وَقد رُوِيَ سرق أَرضًا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
الْغَصْب لَا يتَصَوَّر إِلَّا حَيْثُ يتَصَوَّر النَّقْل،
وَأكْثر مَا يقدر منع الْمَالِك التَّصَرُّف وَهَذَا تصرف فِي
الْملك لَا فِي الْعين، فَلَا يعد غصبا، وَالضَّمان يكون
بِالْغَصْبِ، وَإِن تصورت الْيَد فِي الْعقار فَهِيَ حكمِيَّة.
مَالك: ق.
أَحْمد: إِن شغل الأَرْض بِفِعْلِهِ ضمن فَيكون مذْهبه: أَن
لَا ضَمَان بِالْغَصْبِ.
التكملة:
أقرب الْمسَائِل اسْتِيلَاء الْمُسلمين على عقار فَإِنَّهُ
يُفِيد الْملك كالمنقول وَمَا
(3/81)
هُوَ المملك من منقولهم المضمن من مَنْقُول
دَار الْإِسْلَام وَكَذَلِكَ حكم عقارهم وَقد سلمُوا أَن من
جلس على بِسَاط الْغَيْر أَو ركب دَابَّته ضمن من غير نقل
وَلَا سير، وَكَذَلِكَ الْمُودع إِذا جحد الْوَدِيعَة
وَالْمَوْجُود مِنْهُ قَول مُجَرّد، وَالْيَد عبارَة عَن
الْقُدْرَة والاستيلاء على الشَّيْء لِاسْتِيفَاء مَا خلق لَهُ
مِنْهُ، وَذَلِكَ يتَفَاوَت بتفاوت الْأَعْيَان.
قَوْلهم: إِزَالَة (يَد الْمَالِك) لم يكن بِإِثْبَات الْيَد
عَلَيْهِ غير صَحِيح لأَنا بَينا أَن الْيَد هِيَ الْقُدْرَة
وَالتَّصَرُّف اسْتِعْمَال الشَّيْء فِيمَا خلق لَهُ، وَلَا
يخفى أَن الْعين الْوَاحِدَة لَا تقبل التَّصَرُّف من
شَخْصَيْنِ.
(3/82)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: إِذا غصب ساجة أدرجها فِي بنائِهِ (قَعْب) :)
الْمَذْهَب: نزعت بِحَق الْمَالِك.
عِنْدهم: ينْتَقل إِلَى الْقيمَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترده
".
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا: ... .
(3/83)
لَهُم:
اجْتمع حق الْمَالِك وَالْغَاصِب فَقدم حق الْغَاصِب لقِيَامه
من كل وَجه فَإِن الساجة صَارَت كالهالكة لبيعها الْبناء
وَصَارَت عقارا يسْتَحق بِالشُّفْعَة وَحقّ صَاحب الْعقار غير
مجبور، وَحقّ الْمَالِك مجبور بِالْقيمَةِ.
مَالك: ق.
أَحْمد:
التكملة:
حق الْمَالِك الْمَعْصُوم بَاقٍ فِي الساجة وَفعل الْغَاصِب
لَا يصلح لإِزَالَة ملكه فَيجب الرَّد عِنْد الْإِمْكَان،
غَايَة مَا فِي الْبَاب أَن الْغَاصِب تلْزمهُ خسارة فِي
الرَّد وَذَلِكَ مَعْهُود فِي مؤونة الرَّد وإبدال حق
الْمَالِك بِالضَّمَانِ إبِْطَال لَهُ فِي الْمَعْنى وَذَلِكَ
مُمْتَنع إِلَّا بِرِضَاهُ، ونقول: مَا جَازَ رده وَجب رده،
فَإِن قَالُوا: لَا يجوز رده فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى سفه
كَانَ كَامِلا شنيعا
(3/84)
يأباه الشَّرْع، فَإِن الْخُرُوج من
الْمَظَالِم حسن، وَلَو أَرَادَ صَاحب الْبناء نقضه لغَرَض
جَازَ، أما من غصب خيطا (خاط بِهِ جرحه أَو جرح) عَبده
فَإِنَّمَا لم يَنْزعهُ، فَإنَّا قَدرنَا (الْخَيط تَالِفا)
لحُرْمَة الْآدَمِيّ وَله أشباه شرعا، فَإِنَّهُ لَو اضْطر فِي
المخمصة جَازَ لَهُ أكل مَال غَيره، وَبِالْجُمْلَةِ الساجة
بَاقِيَة وردهَا غير مُتَعَذر يدْخل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
إِذا غصب ثوبا فَصله قَمِيصًا وأمثال هَذِه الْوَاقِعَة،
فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: هُوَ بالصنعة قد أخرجهَا عَن أَن تكون
بَاقِيَة من كل وَجه ويعدلون إِلَى الْقيمَة والمثار وَاحِد.
(3/85)
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: إِذا غصب حِنْطَة فطحنها (قعج) :
الْمَذْهَب: يغرم أرش نقص إِن كَانَ وَالْعين للْمَالِك.
عِنْدهم: يضمن قيمَة الْمَغْصُوب ويملكه.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: الْخَبَر الشريف ( ... ) .
لَهُم:
دعِي النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى ضِيَافَة فَقدم
إِلَيْهِ شَاة مصلية فَأخذ لقْمَة، وَجعل يلوكها وَلَا يسيغها
وَقَالَ: " إِن الشَّاة تُخبرنِي أَنَّهَا ذبحت بِغَيْر حق
فَقَالُوا: نعم. هِيَ لبَعض جيراننا أخذناها لنعطيهم الثّمن
فَقَالَ: أطعموها الْأُسَارَى ".
(3/86)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَغْصُوب لَو لم يُغَيِّرهُ الْغَاصِب لم يملكهُ فَإِذا غَيره
وَجب أَن لَا يملكهُ كَمَا لَو قطع الشَّاة الْمَغْصُوبَة وَلم
يطبخها.
لَهُم:
أخرج الْعين عَن الْمَعْنى الْمَقْصُود بهَا بِزِيَادَة صفة
فَزَالَ ملك الْمَالِك بِالْإِتْلَافِ كَمَا لَو وطئ جَارِيَة
ابْنه فأحبلها.
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
قَالُوا: الْمَعْنى فِي الأَصْل أَنه لم تذْهب منفعَته
الْمَقْصُودَة بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا وألزمونا إِذا أحرق
الشَّاة والعذر أَنه بِالذبْحِ قبل الطَّبْخ قد فَوت مَنَافِع
الْحَيَاة من الدّرّ والنسل والحرث، وَأما التحريق فقد أخرج
الْعين عَن الِانْتِفَاع، وَبِالْجُمْلَةِ فعل الْغَاصِب عدوان
من كل وَجه خلافًا لَهُم، وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَالَّتِي
بعْدهَا تبنى على هَذَا الْحَرْف وعَلى أَنه مَا أحدث
بِفِعْلِهِ عينا
(3/87)
أُخْرَى، وَيَقُولُونَ: مَالِيَّة
الْحِنْطَة غير مَالِيَّة الدَّقِيق فَإِنَّهُمَا يفترقان
اسْما وَصُورَة، وَقد بطلت الْمعَانِي الحنطية بِفعل الْغَاصِب
فضمنها، وَالْجَوَاب أَن مَالِيَّة الْحِنْطَة بِكَوْنِهَا
قوتا وَهَذَا الْمَعْنى لَا يبطل بالطحن بل يصير أقرب إِلَى
الْمَقْصُود، وَإِنَّمَا تَتَفَاوَت الْحِنْطَة والدقيق
بالادخار فَإِن كَانَ ذَلِك ينقص الْحِنْطَة ضمنه الْغَاصِب،
بَقِي أَن الْحِنْطَة كَانَت متهيئة لأغراض وماليتها
بِاعْتِبَار الْكل وَقد فَاتَ بَعْضهَا فَكيف يهدر؟ الْجَواب:
أَن الْعين إِذا استعدت لوجوه من الِانْتِفَاع بالتقوم بآحادها
على الْبَدَل؛ لِأَن من ضَرُورَة صرفهَا إِلَى جِهَة صرفهَا
عَن بَاقِي الْجِهَات وَالْمُعْتَبر تَقْوِيم الْعين فِي كل
حَال.
(3/88)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: إِذا غصب حِنْطَة فبذرها (قعد) :)
الْمَذْهَب: الزَّرْع للْمَالِك.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
ملك الْغَاصِب لَا بُد لَهُ من سَبَب، وَهَذِه الْأَفْعَال
عدوانات، ويلزمهم إِذا
(3/89)
غزل الْقطن أَو طبع النقرة، فَإِن هَذِه
الْأَفْعَال لَا تبطل ملك الْمَالِك وَالْعين بَاقِيَة
إِنَّمَا تَغَيَّرت صفتهَا، وَمن ملك الشَّيْء، فَإِنَّمَا
ملكه ناميا؛ لِأَن قيام الْملك بالجواهر سَبَب ملك مَا يقوم
بهَا.
لَهُم:
الْعين الْمَغْصُوبَة صَارَت هالكة وَحدثت عين أُخْرَى
بِدَلِيل زَوَال الِاسْم وَالصُّورَة وَالْمعْنَى، وَدَلِيل
اخْتِلَاف الْجِنْس أَنه لَا يجوز أَخذ أَحدهمَا عَن الآخر فِي
السّلم فَحدثت الْعين بِفعل الْغَاصِب فَتكون لَهُ، أما إِذا
أَلْقَت الرّيح حَبَّة فِي أرضه فَنَبَتَتْ فالزرع لمَالِك
الْحبَّة؛ لِأَنَّهُ لم يحدث بِفعل صَاحب الأَرْض.
مَالك:
أَحْمد: ق.
التكملة:
يدعونَ أَن مَالِيَّة الْحِنْطَة غير مَالِيَّة الدَّقِيق،
وَالْجَوَاب: هَذِه الْمَالِيَّة وَإِن سلم أَنَّهَا حَادِثَة
لَكِنَّهَا حدثت فِي ملكه فَيخْتَص بهَا وَلَا يقطع ملكه
عَنْهَا، ومذهبنا على جادة الشَّرْع، قَالُوا: نَص الشَّافِعِي
على أَنه لَو غصب حِنْطَة
(3/90)
وبلها حَتَّى تعفنت أَنه يُخَيّر الْمَالِك
بَين الْقيمَة وَتَكون الْحِنْطَة للْغَاصِب وَالْأَرْش،
وَتَكون الْحِنْطَة للْمَغْصُوب مِنْهُ، فَهَلا أجزتم ذَلِك
فِي الْحِنْطَة المطحونة، قُلْنَا: حكم يبْقى حَقه وأزال ملكه
بتمليكه (فَلم تتناقض هَذِه الْقَاعِدَة وَلم يبْق إِلَّا
التَّخْيِير، وَلَا يلْزم التَّعَرُّض لَهُ وَقد خرج قَول آخر
أَنه لَا يُخَيّر، قَالُوا: وَقد نَص على أَنه لَو خلط)
الْغَاصِب الزَّيْت بِزَيْت نَفسه فَلهُ أَن يُعْطي الْمَالِك
من مَوضِع آخر وَهَذَا تمْلِيك بِالْغَصْبِ، قُلْنَا: وَفِيه
قَول آخر أَنه يُشَارك الْمَالِك فِيهِ وَالْمَنْع مُتَعَيّن
هَاهُنَا؛ لِأَن غَايَة الْمُمكن أَن يُقَال: تعذر الرَّد
وَصَارَ كالهالك وَلَيْسَ الْمَالِك فِي هَذَا التَّقْدِير
بِأولى من الْغَاصِب، بَقِي أَن يُقَال: (هلك مَال) الْغَاصِب
لما خلطه بِملك الْمَالِك أَو يُقَال: هما شريكان وَالْأَوْجه
الْمَنْع.
(3/91)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: إِذا خرق الثَّوْب خرقا فَاحِشا (قعه) :)
الْمَذْهَب: ضمن الْأَرْش لمَالِكه.
عِنْدهم: الْمَالِك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه قيمَة
الثَّوْب وَسلمهُ إِلَيْهِ وَإِن شَاءَ أرش الْجِنَايَة.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
أتلف جُزْءا من جملَة فَلَا يُطَالب بِبَدَل الْجَمِيع، كَمَا
لَو قطع إِحْدَى يَدي عبد، وَالْفرق بَين أرش الثَّوْب وَبَين
مَا إِذا قطع يَدي عبد أَن أرش الْيَدَيْنِ قدره الشَّرْع
بِقدر قيمَة الْجُمْلَة، وَأرش الثَّوْب غير مُقَدّر.
(3/92)
لَهُم:
كل عين لَو أتلفهَا لوَجَبَ عَلَيْهِ بدلهَا جَازَ أَن يجب
عَلَيْهِ قدر ذَلِك الْبَدَل بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا مَعَ
بَقَاء عينهَا كَمَا لَو غصب طَعَاما فبله.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
لَيْسَ إِذا وَجب الْبَدَل بِإِتْلَاف الْجَمِيع وَجب
بِإِتْلَاف الْبَعْض، أَلا ترى أَن مَالا تذْهب منفعَته
الْمَقْصُودَة بِإِتْلَاف بعضه كالحبوب والأدهان لَو أتلفهَا
جَمِيعهَا لزمَه كَمَال الضَّمَان، ثمَّ لَا يلْزمه كَمَال
الْبَدَل بِإِتْلَاف بَعْضهَا، أما إِذا بل الطَّعَام لَا يسلم
فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَإِن سلمنَا فالجناية فِيهِ لم
تَسْتَقِر وَلَا تناهى النُّقْصَان، وَالظَّاهِر أَنه إِذا
تناهى لم يبْق مِنْهُ مَاله قيمَة فَيصير فِي معنى من أَخذ
الثَّوْب رمى بِهِ إِلَى نَار فَإِنَّهُ يلْزمه كَمَال
قِيمَته، وَفِي مَسْأَلَتنَا
(3/93)
قد أتلف جُزْءا وَاسْتقر فِيهِ الْجِنَايَة
فَلم نجز الْمُطَالبَة بِقِيمَة الْجَمِيع.
(3/94)
(مسَائِل الْغَصْب)
(3/95)
فارغة
(3/96)
لوحة 47 من المخطوطة " أ ":
قَالَ أَبُو حنيفَة بالاستحسان، (قَالَ الشَّافِعِي رحمهمَا
الله) من اسْتحْسنَ فقد شرع، وَالِاسْتِحْسَان ثَلَاث
مَرَاتِب: مَا يستحسنه الْمُجْتَهد بعقله وَلَا شكّ أَنه يجوز
وُرُود التَّعَبُّد بِهِ عقلا، فَلَو ورد الشَّرْع بَان مَا
سبق إِلَى أوهامكم فاستحسنتموه فَهُوَ حكم من الله لجَاز،
لَكِن وُقُوع التَّعَبُّد بِهِ لَا يعرف من ضَرُورَة الْعقل
وَنَظره إِلَّا أَن يرد فِيهِ مسموع وَلَو ورد لَكَانَ لَا
يثبت بِخَبَر الْوَاحِد، فَإِن جعل الِاسْتِحْسَان مدْركا من
مدارك الْأَحْكَام ينزل منزلَة الْكتاب وَالسّنة
وَالْإِجْمَاع، فَلَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد.
الثَّانِي: مَا يقطع بِهِ لهواه وَهَذَا لَا يجوز إِجْمَاعًا.
الثَّالِث: أَن يَقُوله بِدَلِيل مثل أَن يحكم على الْحَادِثَة
بنظائرها لدَلِيل حَاصِل من الْكتاب مثل قَوْله: " مَالِي
صَدَقَة "، فَالْقِيَاس لُزُوم التَّصَدُّق بِكُل مَا يُسمى
مَالا، اسْتحْسنَ أَبُو حنيفَة التَّخْصِيص بِمَال الزَّكَاة
لقَوْله تَعَالَى: {خُذ من أَمْوَالهم} ، وَمثل هَذَا لَا
يُنكر شبهه لَهُم قَالُوا: قَالَ الله تَعَالَى:
(3/97)
{الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون
أحْسنه} .
وَالْجَوَاب: أَن اتِّبَاع أحسن مَا أنزل إِلَيْنَا هُوَ
اتِّبَاع الْأَدِلَّة فبينوا أَن هَذَا مِمَّا أنزل شبهه
قَالُوا: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ
حسنا فَهُوَ حسن عِنْد الله تَعَالَى "، وَهَذَا لَا حجَّة
فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خبر وَاحِد. جَوَاب آخر: المُرَاد بِهِ
جَمِيع الْمُسلمين أَو آحادهم إِن أُرِيد الْجَمِيع فَهُوَ
صَحِيح؛ لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع على الْخَطَأ وَإِن أُرِيد
الْآحَاد لزم الِاسْتِحْسَان الْعَوام، قَالُوا: الْأمة
استحسنت دُخُول الْحمام من غير تَقْدِير أُجْرَة، وَشرب المَال
من السقاء، وَالْجَوَاب: من أَيْن عَرَفْتُمْ أَن الْأمة فعلت
ذَلِك من غير دَلِيل، وَلَعَلَّ الدَّلِيل جَرَيَان ذَلِك من
عصر الرَّسُول وَقرر عَلَيْهِ لأجل الْمَشَقَّة وَهِي سَبَب
الرُّخْصَة، وَجَوَاب آخر تَسْلِيم السقاء المَاء إِبَاحَة،
وَإِذا أتْلفه متْلف فَعَلَيهِ ثمن الْمثل؛ لِأَن قرينَة حَاله
تدل على الْعِوَض، وَكَذَلِكَ الحمامي فَلَيْسَ
(3/98)
هَذَا ببدع بل بِقِيَاس، فرع لِابْنِ
الْحداد إِذا غصب عبدا فجنى جِنَايَة تزيد على قِيمَته ثمَّ
مَاتَ العَبْد كَانَ على الْغَاصِب قِيمَته فَإِذا أَخذهَا
السَّيِّد تعلق أرش الْجِنَايَة بهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَت
مُتَعَلقَة بِالْعَبدِ فتعلقت بِبَدَلِهِ، كَمَا أَن الرَّهْن
إِذا أتْلفه متْلف وجهت قِيمَته وَتعلق الدّين بهَا، فَإِذا
أَخذ ولي الْجِنَايَة الْقيمَة من الْمَالِك رَجَعَ الْمَالِك
بِقِيمَة أُخْرَى؛ لِأَن الْقيمَة الَّتِي أَخذهَا اسْتحقَّت
بِسَبَب كَانَ فِي يَد الْغَاصِب، فَكَانَت من ضَمَانه، قَالَ:
وَلَو كَانَ العَبْد وَدِيعَة فجنى جِنَايَة استغرقت قِيمَته،
ثمَّ إِن الْمُودع قَتله وَجَبت عَلَيْهِ قِيمَته وَتعلق بهَا
أرش الْجِنَايَة فَإِذا أَخذهَا ولي الْجِنَايَة لم يرجع على
(3/99)
الْمُودع؛ لِأَنَّهُ جنى وَهُوَ غير
مَضْمُون عَلَيْهِ، إِذا أَزَال الْمُسلم تأليف صَلِيب لم
يضمنهُ، وَإِن كسر مِنْهُ مَا يصلح لغير ذَلِك ضمن. من غصب
صَغِيرا حرا ثمَّ مَاتَ فِي يَده لم يضمن بِخِلَاف مَا لَو
كَانَ عبدا، وَكَذَا إِذا كَانَ كَبِيرا قَالَ ابْن أبي
هُرَيْرَة: يضمن منفعَته وَهَذَا غير صَحِيح؛ لِأَن
الْمَنْفَعَة تلفت فِي يَد مَالِكهَا، وَهُوَ كَمَا لَو كَانَ
عَلَيْهِ ثِيَاب فبليت فِي زمن الْغَصْب.
(3/100)
(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: إِذا فَقَأَ عَيْني فرس (قعو) :)
الْمَذْهَب: لزمَه أرش مَا نقص.
عِنْدهم: عَلَيْهِ رفع الْقيمَة اسْتِحْسَانًا.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
رُوِيَ عَن عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا:
فِي عين الدَّابَّة ربع الْقيمَة.
(3/101)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مَا لَا يضمن سَائِر أَطْرَافه، بمقدر لَا يضمن عينه بمقدر
كالشاة.
لَهُم:
حَيَوَان يسْتَحق لأَجله سهم من الْغَنِيمَة فَكَانَ بدل عينه
مُقَدرا كالآدمي.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
أما الْأَثر الَّذِي رَوَوْهُ فَيحْتَمل أَن يَكُونَا أوجبا
أرش النُّقْصَان فَوَافَقَ ذَلِك ربع الْقيمَة كَمَا رُوِيَ
عَن أبي بكر وَزيد رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا أوجبا فِي
الْعين الْقَائِمَة ثلث الدِّيَة، وَكَانَ ذَلِك على طَرِيق
الْحُكُومَة وَوَافَقَ الثُّلُث
(3/102)
وَالْوَصْف الَّذِي ذَكرُوهُ فِي دليلهم
لَا تَأْثِير لَهُ فِي تَقْرِير الْبَدَل؛ لِأَن الصَّبِي
وَالْكَافِر لَا يسْتَحق لأَجلهَا سهم ويتقدر بدل عَن كل
وَاحِد مِنْهُمَا، وَعِنْدهم يدل عَن الْبَقَرَة وَالْبَعِير
مُقَدّر وَلَا يسْتَحق لأجلهما سهم ثمَّ الْمَعْنى فِي الأَصْل
أَن بدل سَائِر أَطْرَافه مُقَدّر؛ وَلِأَن الْآدَمِيّ لما
تقدر بدل عينه وَجب فِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة، فَلَو كَانَ
فِي مَسْأَلَتنَا مُقَدرا لوَجَبَ نصف قِيمَته.
(3/103)
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: الْمُسلم إِذا أراق خمر الذِّمِّيّ (قعز) :)
الْمَذْهَب: لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
عِنْدهم: يضمن الْمُسلم بِالْقيمَةِ وَالذِّمِّيّ بِالْمثلِ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " حرمت الْخمْرَة لعينها "،
أَي لِمَعْنى فِيهَا، وَهِي الشدَّة المطربة وَالْعلَّة
مَوْجُودَة فِي حق الْكَافِر حسب وجودهَا فِي حق الْمُسلم،
وَلعن فِيهَا عشرَة، واللعن الشَّرْعِيّ لَا يُطلق إِلَّا فِي
الْحَرَام.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر
وَالْميسر} الْآيَة.
(3/104)
وَجه الدَّلِيل: هَذَا الْخطاب مَعَ
الْمُسلمين (وَكَانَت الْخمر قبل نُزُولهَا حَلَالا) .
وَالْخطاب خَاص بِالْمُسْلِمين فَبَقيَ فِي حق الْكَافِر على
الأَصْل، وَفِي الْآيَة مَوَاضِع تدل على اختصاصها
بِالْمُسْلِمين.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْخمر نَجِسَة فَلَا يجب ضَمَانهَا كالميتة وَهُوَ إِتْلَاف
ورد على مَحل غير مُتَقَوّم فَلَا يُوجب الضَّمَان كالميتة
وَالدَّم وَكَونه لَا يضمن بِالْمثلِ الْمُمكن دَلِيل عدم
الضَّمَان؛ لِأَن ذَوَات الْأَمْثَال تضمن بِالْمثلِ وَالْخمر
من ذَوَات الْمثل فَعدم الضَّمَان بِالْمثلِ مَعَ الْإِمْكَان
دَلِيل سُقُوط الضَّمَان.
لَهُم:
فَاتَ الضَّمَان فِي حق الْكفَّار، فَلَا يثبت كالقبلة لأهل
قبَاء كَيْلا يُكَلف مَا لَا نطيق بَيَانه أَنهم مقرون على
اعْتِقَادهم وَقد أمرنَا بترك التَّعَرُّض لَهُم وَعقد
الذِّمَّة إِذا عصم عينا قَومهَا.
(3/105)
مَالك: يجب الضَّمَان.
أَحْمد:
التكملة:
مثار النّظر الْبَحْث عَن عِلّة انْتِفَاء الضَّمَان فِي خمر
الْمُسلم فَنَقُول: الأَصْل فِي الْخمر تَحْرِيم الشّرْب
الثَّابِت بِالْإِجْمَاع ثمَّ يتبعهُ وجوب الإراقة إعداما
للعين ثمَّ الْحَد جَزَاء ثمَّ التَّنْجِيس تنفيرا ثمَّ سُقُوط
المغرم إهانة فَصَارَ كالحشرات، وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود
فِي خمر الْكَافِر، ويتأيد بِانْتِفَاء ضَمَان الْمثل مَعَ
أَنه أقرب إِلَى جبر حَقه وَهُوَ متيسر، وَوُجُوب الْمثل
المتيسر يمْنَع وجوب الْقيمَة كَمَا فِي سَائِر الضمانات فَسقط
الْمثل إِجْمَاعًا وَالْقيمَة اسْتِدْلَالا، فَإِن اعتذروا
بِأَن الْمُسلم لَا يملك الْخمر وَلَا يتَمَكَّن من تمليكها لم
يسْتَقرّ على أصلهم لما جوزوا للْمُسلمِ أَن يُوكل ذِمِّيا
يتجر لَهُ فِي الْخمر، وَتَصِح التِّجَارَة، وَتَكون
الْأَثْمَان والأرباح للْمُسلمِ فليؤد مِمَّا اشْترى وَكيله
فَإِن قَالُوا: فِيهِ إذلال، قُلْنَا: الإذلال بأَدَاء المَال
الْمُتَقَوم أَكثر، وَأما الْآيَة
(3/106)
فالتحريم فِيهَا عَام وَالْخطاب مَعَ
الْمُسلمين لشرفهم، ثمَّ إِنَّهَا دلّت على معنى ذاتي فِي
الْخمر لَا تخْتَلف باخْتلَاف المخاطبين.
(3/107)
(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: إِذا غصب جَارِيَة فَحملت فِي يَده وَولدت
(قعح) :)
الْمَذْهَب: نُقْصَان الْولادَة فِي الْأُم لَا يجْبرهُ
الْوَلَد.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
النُّقْصَان فَوَات جُزْء والجزء مَضْمُون على الْغَاصِب
وَالْولد ملك الْمَالِك فَلَا يضمن ملكه بِملكه وَالضَّمان لَا
يسْقط إِلَّا بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاء ونمنع اتِّحَاد
(3/108)
السَّبَب ونسلمه، ونقول: لَا يصلح الْوَلَد
أَن يخلف لكَونه ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ.
لَهُم:
الْوَلَد قَامَ مقَام النَّقْص فانعدم كَمَا لَو هزلت ثمَّ
سمنت وَذَلِكَ؛ لِأَن سَبَب الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَاحِد
وَهُوَ الْوَضع؛ لِأَن الْوَلَد لَا يقوم بِنَفسِهِ قبل
الْولادَة وَالسَّبَب الْوَاحِد إِذا أخرج عَن ملكه مَالا
وَأدْخل مَالا كَانَ الدَّاخِل خلفا عَن الْخَارِج.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
الْجَارِيَة مَغْصُوبَة بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وصفاتها
الَّتِي قَامَت بهَا الْمَالِيَّة وكل مَغْصُوب عجز عَن
تَسْلِيمه وَجب ضَمَانه، وَهَذَا شَأْن مَا فَاتَ من الْأُم
(3/109)
وَالْولد لَا يصلح جَابِرا؛ لِأَنَّهُ لَو
انْتَفَى نُقْصَان الْأُم كَانَ الْوَلَد مَمْلُوكا وجبر ملك
الْإِنْسَان يملكهُ لَا وَجه لَهُ، ويتأيد بِمَا إِذا مَاتَت
الْأُم فَإِن الْوَلَد لَا يجبرها إِجْمَاعًا، وَإِن كَانَ
فِيهِ وَفَاء بهَا ثمَّ لَو كَانَ الْوَلَد أقل من قيمَة
النُّقْصَان لزم الْغَاصِب قدر التَّفَاوُت، ثمَّ قَالُوا لَو
أمْسكهَا حَتَّى زَادَت قيمَة الْوَلَد وساوت قدر النُّقْصَان
انْتَفَى الضَّمَان، وَهَذِه زِيَادَة حدثت لَا بِالْولادَةِ،
ثمَّ لَو الْتزم الْأَرْش وردهما ثمَّ صَار الْوَلَد بِقدر
التَّفَاوُت، قَالُوا: لَا يُعَاد الْأَرْش، وكل هَذَا تنَاقض،
ثمَّ نمْنَع اتِّحَاد السَّبَب؛ فَإِن سَبَب النُّقْصَان
الْولادَة وَسبب مَالِيَّة الْوَلَد الْعلُوق، فَإِنَّهُ مَال
(3/110)
قبل الِانْفِصَال بِدَلِيل أَن الْجَنِين
إِذا كَانَ بَين مالكين وَعتق أَحدهمَا نصِيبه ضمن نصيب الآخر،
وَإِن ضرب بَطنهَا فأجهضت ضمن نصيب الشَّرِيك.
(3/111)
(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالسَّبْعُونَ
بعد الْمِائَة: إِذا قدم الْغَاصِب الطَّعَام الْمَغْصُوب
إِلَى الْمَالِك فَأَكله بِحكم الضِّيَافَة (قعط) :)
الْمَذْهَب: الضَّمَان على الْغَاصِب فِي القَوْل الْمَنْصُور.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
لم يَأْتِ بِالرَّدِّ الْمُسْتَحق فَلَا يبرأ، بَيَانه: أَنه
لم يصل إِلَيْهِ مَا أزيل فَإِنَّهُ أزيل
(3/112)
يَد الْمَالِك من الْملك وَأعَاد يَد
الْإِبَاحَة بِدَلِيل أَن يَد الْمَالِك لَهَا أَحْكَام
كَالْبيع وَالْهِبَة، ثمَّ قد غره، فَإِنَّهُ رُبمَا لَو علم
أَنه لَهُ لم يَأْكُلهُ وَقد تتَصَوَّر يَد الْمَالِك وَلَا
يكون بل كَمَا لَو اكترى دَارا قد أجرهَا.
لَهُم:
أَتَى بِالرَّدِّ الْمُسْتَحق عَلَيْهِ فبرئ من الضَّمَان
كَمَا لَو علم. بَيَان الدَّعْوَى: أَن الْمُسْتَحق عَلَيْهِ
عود يَد الْمَالِك، وَقد عَادَتْ وَلَا تكون يَد الْمَالِك
إِلَّا يَد ملك بِدَلِيل أَنه لَو شَرط تَعْدِيل الرَّهْن
عِنْد الْمَالِك لم يَصح، وَتَقْرِيره أَن الْمَالِك عَاد
إِلَى الْمَالِك وَلَا يضمن الْغَاصِب.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
تخيلوا أَن عوده إِلَى يَد الْمَالِك يجْبر الْيَد
الْفَائِتَة، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ مَا عَادَتْ يَد
الْمَالِك الْفَائِتَة. بَيَانه: أَن الْيَد الْمُعْتَبرَة
شرعا هِيَ الْقُدْرَة لَا الْجَارِحَة، وَالْقُدْرَة تخْتَلف
فَمن قدر على جَمِيع التَّصَرُّفَات فِي عين كَانَ لَهُ
(3/113)
عَلَيْهَا يَد ملك فَإِن قدر على مُجَرّد
الْحِفْظ لنَفسِهِ كَانَ مسترهنا فَإِن كَانَ ذَلِك للْمَالِك
كَانَ مستودعا فَإِن قدر على مُجَرّد التَّصَرُّف كَانَ
مُبَاحا، ونقول: قد يتَصَوَّر من الْمَالِك فعل فِي
الْمَغْصُوب يُوجب الضَّمَان كالإتلاف وَالشِّرَاء وَالْهِبَة
وَالْغَصْب وَالْعَارِية، هَذِه أَسبَاب جِهَات الضَّمَان،
وَكَذَلِكَ لَو صدرت من أَجْنَبِي ضمن للْغَاصِب، فَلَو صدرت
من الْمَالِك وطالب الْغَاصِب عَاد الْغَاصِب عَلَيْهِ، أما
فِي مَسْأَلَتنَا هَذَا الْفِعْل لَا يعود بِهِ الْغَاصِب على
الْمَالِك إِذْ لَو عَاد الْمَالِك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غره
فالصورة أَن يُطَالب الْمَالِك الْغَاصِب بِالْعينِ فَيُطَالب
الْغَاصِب بِالضَّمَانِ فيطالبه الْمَالِك بِضَمَان الْغرَر
فيستقر الضَّمَان على الْغَاصِب فَنحْن نقدر الضَّمَان
عَلَيْهِ ابْتِدَاء لما كَانَ يُفْضِي إِلَيْهِ.
(3/114)
(الْمَسْأَلَة الثَّمَانُونَ بعد
الْمِائَة: إِذا غصب شَيْئا وَتلف فِي يَده (قف) :)
الْمَذْهَب: يضمن بِأَكْثَرَ قِيمَته من حِين الْغَصْب إِلَى
حِين التّلف.
عِنْدهم: يضمن قِيمَته وَقت الْغَصْب.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
كل حَال ثبتَتْ فِيهَا يَد الْغَاصِب على الْمَغْصُوب جَازَ
أَن تضمن قِيمَته فِيهِ كابتداء الْغَصْب.
(3/115)
لَهُم:
مَضْمُون بِالْقَبْضِ فَاعْتبر فِيهِ الْقيمَة حَال الْقَبْض
كَالْمَرْأَةِ إِذا قبضت صَدَاقهَا.
مَالك:
أَحْمد: تعْتَبر الْقيمَة حِين التّلف.
التكملة:
قَالُوا فِي الِابْتِدَاء نقل الْمَغْصُوب عَن يَد الْمَالِك
فضمن فِي تِلْكَ الْحَال وَهَاهُنَا لم ينْقل الْمَغْصُوب فَلم
يطْلب بِقِيمَتِه كَمَا بعد التّلف، وَالْجَوَاب: لَا يمْتَنع
أَن ينْقل وَيلْزمهُ الضَّمَان كَالْمُودعِ إِذا جحد
الْوَدِيعَة وَيُفَارق مَا بعد التّلف، فَإِنَّهُ لَيْسَ بغاصب
للعين، إِذْ رِوَايَته أَنه لَا يُطَالب بردهَا، وَأما
الْمَرْأَة، فَالَّذِي قَبضته صَدَاقهَا وَمَالهَا وَمَا يحدث
يحدث على ملكهَا.
(3/116)
لوحة 48 من المخطوطة " أ ":
للْمُفلس الْأَخْذ بِالشُّفْعَة وَالْعَفو؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذ
فِي ذمَّته وَلَيْسَ بمحجور عَلَيْهِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ
الْمكَاتب، أما الْمَأْذُون فَلهُ الْأَخْذ وَلَيْسَ لَهُ
الْعَفو، وَالْقَوْل فِي ثمن الشّقص قَول المُشْتَرِي مَعَ
يَمِينه وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْبناء، قَوْله وَإِذا ورث
اثْنَان دَارا بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا وَورثه
ابناه فَبَاعَ أَحدهمَا نصِيبه، فَإِن الشُّفْعَة تثبت
لِأَخِيهِ وَعَمه هَذَا الْقيَاس، قَالَ مَالك: الْأَخ أولى
بِهِ؛ لِأَنَّهُ أخص بِالشّركَةِ من الْعم وَحقّ الشُّفْعَة
يُورث، وَبِه قَالَ مَالك خلافًا للعراقي وَأحمد يُورث على قدر
الْحُقُوق، ومالا يحْتَمل الْقِسْمَة كالحمام وَالدَّار
الصَّغِيرَة لَا شُفْعَة فِيهِ، وعهدة المُشْتَرِي على
البَائِع، وعهدة الشَّفِيع على المُشْتَرِي، ويتوصل إِلَى
إِسْقَاط الشُّفْعَة بِأَن يقر البَائِع بِسَهْم من الشّقص
لولد المُشْتَرِي وَهُوَ صَغِير ثمَّ يَشْتَرِي لَهُ الْأَب
الْبَاقِي، وَمن ذَلِك أَن يعْقد البيع بِثمن مَعْلُوم وَيذكر
أَنه عوضا فِيهِ وَفَاء
(3/117)
بِالْقيمَةِ أحضراه مجْلِس العقد، وَإِذا
أذن الشَّفِيع فِي البيع أَو أَبْرَأ من الشُّفْعَة قبل العقد
لم تسْقط شفعته، والمطالبة على الْفَوْر مَا لم يمْنَع من
ذَلِك عذر، فَإِذا لَقِي المُشْتَرِي بدأه بِالسَّلَامِ ثمَّ
بالمطالبة، إِذا أَرَادَ فِي الْمُسَاقَاة أَن يشتركا فِي
الزَّرْع على مَا يشرطانه أعَار صَاحب الأَرْض الأكار نصف أرضه
وَيكون الْبذر بَينهمَا؛ أَولا يسْتَحق رب الأَرْض على الأكار
أُجْرَة نصف الأَرْض وَيعْمل الأكار على الأَرْض، فَتكون
الْغلَّة بَينهمَا وَلَا يسْتَحق الْعَامِل أُجْرَة نصف عمله؛
لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُتَطَوّع بِمَا بذل، قَالَ
الْمُزنِيّ: يكون الْبذر بَينهمَا ويكري صَاحب الأَرْض الأكار
نصف أرضه بِأَلف ويكتري مِنْهُ نصف عمله على نصفه وَعمل عوامل
بِأَلف ويتقاصان بذلك، وَتَكون الْغلَّة بَينهمَا، وَيُمكن
بأسهل من ذَلِك، وَهُوَ أَن يكريه نصف أرضه بِعَمَلِهِ وَعمل
عوامله على نصِيبه، وَإِن أَرَادَ أَن يكون الْبذر من
أَحدهمَا، فَإِن كَانَ من رب المَال اسْتَأْجر مِنْهُ نصف عمله
وَعمل عوامله على نصفه بِنصْف الْبذر وَنصف الأَرْض، وَإِن
كَانَ الْبذر من الأكار اسْتَأْجر مِنْهُ بِنصْف عمله وَعمل
عوامله وَنصف الْبذر نصف الأَرْض وتفتقر هَذِه الْإِجَارَة
إِلَى تَقْدِير الْمدَّة ورؤية الأَرْض والعوامل، إِذا كَانَ
على النّخل
(3/118)
المُشْتَرِي ثَمَرَة لم يثبت فِي
الثَّمَرَة الشُّفْعَة خلافًا لَهُ.
(3/119)
|