تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (الشُّفْعَة وَالْمُسَاقَاة)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة:
مُسْتَحقّ الشُّفْعَة (قفا) :)
الْمَذْهَب: الشَّرِيك.
عِنْدهم: الشَّرِيك وَالْجَار.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " إِنَّمَا الشُّفْعَة
فِيمَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود، وصرفت الطّرق فَلَا
شُفْعَة " وَالْخَبَر صَحِيح، وَذكر تصريف الطّرق؛ لِأَنَّهُ
الْغَالِب وَإِلَّا الأَصْل وُقُوع الْحُدُود، فَلَا يلْزم
كوننا لَا نعتبر تصريف الطّرق.
(3/120)
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " جَار الدَّار أَحَق
بِالدَّار "، وروى جَابر: " جَار الدَّار أَحَق بشفعة الدَّار.
ينْتَظر بهَا إِن كَانَ غَائِبا إِن كَانَ طريقهما وَاحِدًا "،
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْجَار أَحَق بصقبه "،
وَالْكَلَام لحقيقته، وَلَا يحمل على الْمجَاز إِلَّا
بِدَلِيل.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْقيَاس يمْنَع الْأَخْذ بِالشُّفْعَة؛ لِأَنَّهُ يملك مَال
الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه، لِأَن الشَّرْع ورد فِي الخليط
فبقينا فِي الْجَار على مُقْتَضى الأَصْل، وَالضَّرَر لَا
(3/121)
يدْفع بِالضَّرَرِ وَلَو كَانَ الْجَار
يسْتَحق الشّركَة بجواره فأقدم الشَّرِيك عَلَيْهِ.
لَهُم:
الشُّفْعَة وَردت بعلة الضَّرَر لسوء الْمُشَاركَة، وَالضَّرَر
مَدْفُوع بِأخذ الشّقص من الدخيل وَهَذَا الضَّرَر مَوْجُود
فِي الْجوَار؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِل الْملك اتِّصَال قَرَار
وتأبيد فَاسْتحقَّ الشُّفْعَة كالشريك.
مَالك: وَافق وَقَالَ أَيْضا تثبت فِي السفن.
أَحْمد: ق.
التكملة:
بعض منقولهم مُجمل مثل الصقب، وَبَعضه فِي رَاوِيه مطْعن،
ومنقولنا ثَبت السَّنَد، وَمَا يَصح من منقولهم محمله على
الشَّرِيك، وَقد يُسمى جارا، وَقد تسمى الزَّوْجَة جارا:
(3/122)
(أيا جارتا بيني فَإنَّك طالقه ... )
ونقول: إِذا أثبت الشَّرْع الشُّفْعَة فِي الشّركَة فَبِأَي
طَرِيق يُقَاس عَلَيْهَا الْجوَار وَالضَّرَر على الشَّرِيك
أَكثر لما فِيهِ من مؤونة الْقِسْمَة ثمَّ لَو تَسَاويا مَا
قدم الشَّرِيك على الْجَار وَمَا يقدر من الْخُصُومَة فَفِي
الشّركَة مثله وَذَلِكَ ينْدَفع بالسلطان.
وحرف الْمَسْأَلَة: أَن الشُّفْعَة عِنْدَمَا معللة بِدفع
ضَرَر الْقِسْمَة وَعِنْدهم بِرَفْع ضَرَر الدخيل.
(3/123)
فارغة
(3/124)
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَة: الشّقص الممهور (قفب) :
الْمَذْهَب: تثبت فِيهِ الشُّفْعَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من كَانَ لَهُ أَرض أَو
نخل فَلَا يَبِيعهَا حَتَّى يعرضهَا على شَرِيكه، فَإِذا
بَاعهَا وَلم يُؤذنهُ فشريكه أَحَق بهَا "، وَجه الدَّلِيل
قَوْله: " فَإِن بَاعهَا " جعل البيع شرطا فِي الْأَخْذ
بِالشُّفْعَة، وَهَذِه الْعُقُود لَيست بيعا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(3/125)
شقص مَمْلُوك بعوض فثبتت فِيهِ الشُّفْعَة
كَالْبيع، وَالْعلَّة دفع الضَّرَر لَا نفس البيع والمماثلة
حَاصِلَة بِالْمثلِ وبالقيمة، وَلَا شكّ أَنه تقابله قيمَة
وَهِي مُتَقَومَة بِدَلِيل العقد الصَّحِيح وَالْفَاسِد، فقد
وَجب السَّبَب الدَّاعِي إِلَى إِثْبَات الشُّفْعَة وَتحقّق
شَرطه فَثَبت.
لَهُم:
شقص مَمْلُوك لَا فِي مُقَابلَة مَال فَلم يُؤْخَذ
بِالشُّفْعَة كَالْهِبَةِ.
تَأْثِيره: أَن الشُّفْعَة تملك بِمَا ملك المُشْتَرِي فَيكون
إِذا ملكه بِمَالِه مثل وَلَا مثل للمنافع فقد ملك الشّقص
بِمَا لَيْسَ بِمَال وَلَا تثبت فِيهِ الشُّفْعَة كَمَا لَو
ملكه هبة.
مَالك: تثبت الشُّفْعَة بِقِيمَة الشّقص.
أَحْمد:
التكملة:
الصُّورَة الْمَفْرُوضَة قد صَار فِيهَا بعض الدَّار مَبِيعًا
وَلَا شُفْعَة عِنْدهم،
(3/126)
وَهَذَا مَال ملك بِمَال فَأَي عذر لَهُم
عَن سُقُوط الشُّفْعَة فِيهِ، وَجَوَاز منقولهم ظَاهر، وَنحن
نعمل بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل نفي الشُّفْعَة فِيمَا سوى
البيع والعذر عَن الْهِبَة أَنه لَا عوض لَهَا سوى الْمِنَّة
أَو الثَّوَاب، وَلَا يُمكن الْأَخْذ بهَا، قَالُوا: وَمثل
ذَلِك فِي الْمهْر، فَإِن الْمَرْأَة رغبت فِيهِ مَعَ أُمُور
أخر من الزَّوْج وَذَلِكَ لَا يُمكن أَن يُؤْخَذ بِهِ،
وَالْجَوَاب: أَنه لَا أثر لذَلِك بل الْأَثر لما يظْهر فِي
العقد، وَذَلِكَ بِمَثَابَة مَا لَو بَاعَ الشّقص من قَرِيبه
يُرِيد بِهِ صلَة رَحمَه، فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت إِلَى هَذَا
وَيُؤْخَذ بِمَا ظهر فِي العقد، والحرف أَن مَا قوبل بِهِ
الشّقص من الْبضْع وَالْمَنَافِع هِيَ أَعْيَان مَضْمُونَة
عندنَا كَسَائِر الْأَمْوَال خلافًا لَهُم.
(3/127)
فارغة
(3/128)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَة: كَيفَ نقسم الشُّفْعَة بَين الشُّرَكَاء (قفج)
:)
الْمَذْهَب: على السِّهَام فِي القَوْل الْمَنْصُور.
عِنْدهم: على الرُّءُوس وَهُوَ القَوْل الثَّانِي.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الشُّفْعَة حق الْملك فتقسم على قدره كالغلة وَالرِّبْح، ذَلِك
لِأَن الشُّفْعَة
(3/129)
حق، وَإِنَّمَا اسْتحق بِملك نصِيبه،
فَمَعْنَاه أَنه يسْتَحق بِملكه وَحُقُوق الْملك تتبع الْملك
فتقدر بِهِ، فَأصل الْملك لأصل الشُّفْعَة وَالْقدر لقدر مَا
يَأْخُذ إِن زوحم.
لَهُم:
اسْتَووا فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق فاستووا فِي الْأَسْبَاب،
لِأَن الشُّفْعَة بِأَصْل الْملك لَا بِقَدرِهِ بِدَلِيل
تَسَاوِي من قل نصِيبه وَمن كثر فِي الْأَخْذ بهَا، ذَلِك؛
لِأَن الشّركَة عِلّة الِاسْتِحْقَاق، ونقيس على الزِّيَادَة
فِي عدَّة الشُّهُود إِقَامَة الْبَيِّنَة بِاثْنَيْنِ
وَالزِّيَادَة فِي الْخراج.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
يلْزمهُم الفرسان والرجالة، فَإِن كل فريق مِنْهُم إِذا
انْفَرد انْفَرد بِالْغَنِيمَةِ وَإِذا اجْتَمعُوا تفاوتت
الْقِسْمَة بَينهم، ويلزمهم إِذا قطع يَد إِنْسَان، فَإِن
(3/130)
أرش الْجِنَايَة يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ،
فَلَو قتل آخر تعلّقت أَيْضا الْجِنَايَة بِرَقَبَتِهِ (فَإِذا
بِيعَتْ رقبته) قسمت الْقيمَة بَينهمَا، وَلَو خلف رجل بِنْتا
وأختا، فَإِن الْفَاضِل عَن الْبِنْت للْأُخْت، فَلَو كَانَ من
الْأُخْت أَخ قسم بَينهمَا الْبَاقِي.
عبارَة: فَائِدَة مَالِيَّة سَببهَا الْملك فتتوزع على قدر
الْملك كالأرباح ونسلم لَهُم أَن أصل الْملك عِلّة كَامِلَة
لإزعاج المُشْتَرِي وَدفع ضَرَره، لَكِن كل وَاحِد مسَاوٍ
لصَاحبه فِي ذَلِك لَا جرم دفع كل ضَرَر عَن كل وَاحِد مِنْهُم
بإزعاج المُشْتَرِي، فَأَما تَحْصِيل الْملك للشَّفِيع وتوسعة
ريعه ففائدة ملكه وَالْكَلَام فِي تنَازع الشفعاء عِنْد
الْقِسْمَة، وَلَا كَلَام بَين الشفعاء وَالْمُشْتَرِي ورد
الْملك عَلَيْهِم من فَوَائِد ملكهم، فَإِذا انْفَرد وَاحِد
فَهُوَ لَهُ وَأقرب مِثَال لما نَحن فِيهِ الْغَنِيمَة سِيمَا
فِي الْأَرَاضِي وَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة.
(3/131)
(المسالة الرَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ بعد
الْمِائَة: إِذا بنى المُشْتَرِي أَو غرس (قفد) :)
الْمَذْهَب: لم ينْقض مَا بناه مجَّانا.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
بِنَاء بِحَق وَلَا ينْقض بِنَاؤُه مجَّانا كَمَا لَو لم يكن
شَفِيع، ذَلِك لِأَنَّهُ بنى فِي ملكه وَلَا إِثْم عَلَيْهِ
وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر، ثمَّ لَو بَاعَ أَو وهب
صَحَّ
(3/132)
وَهُوَ محق فِي تصرفه، فَالْحق أَن ينظر
لَهُم أَو يَأْخُذ الشَّفِيع مَعَ ثمن الْبناء ويتأيد بِمَا
أَنه لَا ينْقض زرعه.
لَهُم:
تصرف من المُشْتَرِي يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال حق الشَّفِيع،
فَجَاز للشَّفِيع نقضه كَمَا لَو بَاعه، وتحقيقه أَن الشَّرْع
مكنه من الْوُصُول إِلَى الْمَبِيع بِدَلِيل الْقُدْرَة،
وَالزِّيَادَة إبِْطَال حَقه وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُسِيء
على حق نَفسه.
مَالك:
أَحْمد:
التكملة:
من لَا يقْلع زرعه قلع زرع الْغَاصِب لَا ينْقض بِنَاؤُه نقض
بِنَاء الْغَاصِب كالمستعير إِذا اسْتعَار مُدَّة وَبنى وغرس
أَو المُشْتَرِي إِذا رد عَلَيْهِ عوض الشّقص بِالْعَيْبِ،
فَإِن البَائِع وَإِن اسْتحق اسْتِرْدَاده لَا ينْقض عَلَيْهِ،
واحترزنا بقولنَا قلع زرع الْغَاصِب عَن منع لَهُم فَإِنَّهُم
يَقُولُونَ بقلع زرعه إِن لم يبْذل الْأُجْرَة وَلَا يقْلع إِن
بذل، وَهَذِه تميزه عَن الْغَاصِب واحترزنا بقولنَا لَا ينْقض
بِنَقْض بِنَاء الْغَاصِب عَمَّا سلطناه عَلَيْهِ من النَّقْض
لَكِن بِالْأَرْشِ،
(3/133)
والإنصاف أَن للْمُشْتَرِي ملكا وللشفيع
حَقًا وَالضَّرَر متقابل لَكِن أَهْون الضررين أولى
بِالِاحْتِمَالِ، فَكَمَا أَن الإهمال فِي الزَّرْع أَهْون من
الْإِبْطَال بِالْقَلْعِ، فَكَذَلِك الْإِبْدَال أَهْون من
الْإِبْطَال بِالنَّقْضِ.
(3/134)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّمَانُونَ
بعد الْمِائَة: الْمُسَاقَاة على النّخل وَالْكَرم (قفه) :)
الْمَذْهَب: مُعَاملَة صَحِيحَة وَفِي سَائِر الشّجر قَولَانِ.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
لما فتح عَلَيْهِ السَّلَام خَيْبَر عنْوَة أصَاب صفراء وبيضاء
وَحَدَائِق فَقَسمهَا على الْغَانِمين، فاستغلوها فنقصت
الثِّمَار فِي أَيْديهم فَقَالَ الخيابرة: نَحن أعلم بِأَمْر
النخيل فساقاهم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن يكون شطر
الثِّمَار لَهُم،
(3/135)
والْحَدِيث نَص ومساقه دفع كل تَأْوِيل،
فَإِنَّهُ بعث عبد الله بن رَوَاحَة خرصها، وَقَالَ: إِن
شِئْتُم فلكم، وَإِن شِئْتُم فلي.
لَهُم:
رُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن المخابرة،
فَإِن كَانَت مُشْتَقَّة من الْخَبِير وَهُوَ الأكار فَتطلق
على الْمُسَاقَاة أَيْضا، وَإِن كَانَت من تصريف خَيْبَر
فَهِيَ نهي عَن هَذِه الْمُعَامَلَة الَّتِي كَانُوا يرونها.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عين لَا تزكو ثمارها إِلَّا بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، فَإِذا لم
تجز إِجَارَتهَا للمنفعة الْمَقْصُودَة جَازَ أَن يعْقد
عَلَيْهَا بِبَعْض نمائها كالدنانير وَالدَّرَاهِم.
(3/136)
لَهُم:
نوع إِجَارَة فَلَا يَصح على هَذَا الْوَجْه كالمزارعة،
الدَّلِيل على أَنَّهَا إِجَارَة أَنه لَا بُد فِيهَا من
إِعْلَام الْمدَّة وَالْجهل بِقدر الْعِوَض يبطل.
وَدَلِيل الْجَهْل: أَن النَّمَاء مَجْهُول وَمثله لَا يَجْعَل
أُجْرَة (وَلَو جعل أُجْرَة) هَذَا الْعَامِل مَا يخرج من نخيل
آخر لم يجز وَيُخَالف الْقَرَاض؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأُجْرَة
وَلَا يشْتَرط فِيهِ علم الْمدَّة.
مَالك: تجوز الْمُسَاقَاة على جَمِيع الشّجر.
أَحْمد: ق.
التكملة:
لفظ الْمُسَاقَاة فِي الْخَبَر يرد قَوْلهم: إِنَّهَا كَانَت
مصالحة والمعاملة مَعَ الذِّمَّة كهي مَعَ الْمُسلمين، فَإِن
ادعوا أَنهم كَانُوا أرقاء فَبَاطِل؛ لِأَنَّهُ لم ينْقل ذَلِك
وَقد كَانُوا أَرْبَعِينَ ألفا وَلم ينْقل بيع وَاحِد مِنْهُم،
وَيشْهد لما قُلْنَا أثر جلي ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله
عَنهُ وَهُوَ أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم اتَّفقُوا
على صِحَة
(3/137)
الْقَرَاض وَلَا ينْعَقد الْإِجْمَاع
إِلَّا عَن تَوْقِيف أَو قِيَاس وَلَا تَوْقِيف فِيهِ، فَلم
يكن مُسْتَند إِلَّا فهم صِحَة الْمُسَاقَاة واعتقادهم أَن
الْقَرَاض فِي مَعْنَاهَا وَلَا يخفى تفَاوت الْعقْدَيْنِ
وابتناؤها على حَاجَة الْأَغْنِيَاء، والعمال لاستنماء المَال،
فَإِن قَالُوا: اسْتِئْجَار بِبَعْض النَّمَاء الْحَادِث من
الأَصْل الْمُسْتَأْجر، فَلم يجز كَمَا لَو اسْتَأْجرهُ لرعي
غنمه بِبَعْض أَوْلَادهَا.
فَالْجَوَاب: لَيْسَ، إِذا لم يَصح بِبَعْض النَّمَاء فِي بعض
الْأَعْيَان لَا يَصح فِي غَيرهَا، أَلا ترى أَن البيع لَا
يَصح فِي كثير من الْأَعْيَان وَيصِح فِي كثير، فَكَذَلِك
الْإِجَارَة لَا تصح فِي بعض الْمَنَافِع وَتَصِح فِي بعض.
(3/138)
فارغة
(3/139)
لوحة 49 من المخطوطة " أ ":
الْإِجَارَة لَازِمَة. قَالَ الْخصم: يجوز للمكتري أَن يفْسخ
الْإِجَارَة لعذر، وَاعْلَم أَن الْمَنْفَعَة تحدث على ملك
الْمُسْتَأْجر خلافًا لَهُم، فعندهم تحدث على ملك الْمُؤَجّر،
إِذا أكراه دَارا شهرا وَأَرَادَ أَن يكريها شهرا بعده من غير
الْمُكْتَرِي لم يجز، وَالْإِجَارَة نوع من البيع يَقع على
الْمَنَافِع، وَالْإِجَارَة تتَنَاوَل الْعين حَتَّى تستوفي
مَنَافِعهَا، وَقَالَ أَكثر الْأَصْحَاب تتَنَاوَل
الْمَنَافِع، وَإِذا اكترى دَابَّة وَجَاوَزَ بهَا الْمسَافَة
المقررة، فَإِن كَانَ صَاحبهَا مَعهَا وَتَلفت بعد نزُول
الْمُكْتَرِي فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن تلفت تَحْتَهُ فقد
تلفت بفعلين: أَحدهمَا مضمن، وَالْآخر غير مضمن فَمَاذَا يجب؟
قيل: نصف قيمتهَا، وَقيل: تسْقط الْقيمَة على الْمسَافَة
وَتُؤْخَذ بِالنِّسْبَةِ لما زَاد على المقررة، فَأَما إِن لم
يكن صَاحبهَا مَعهَا وَتَلفت فِي الْمسَافَة الزَّائِدَة
ضمنهَا قولا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا تلفت تَحت يَده، إِذا قَالَ:
أجرتك هَذِه الدَّار كل شهر بدرهم، وَلم يعين عدد الشُّهُور،
فَالْإِجَارَة فَاسِدَة فِي الْمَشْهُور، وَقَالَ فِي
(3/140)
الْإِمْلَاء: تصح فِي الشَّهْر الأول
وَتبطل فِيمَا عداهُ، إِذا اكترى دَارا وَأَرَادَ أَن يكريها
قبل الْقَبْض لم يجز فِي الْمَشْهُور، وَأما بعد الْقَبْض
فَيجوز أَن يكريها حَتَّى من الْمكْرِي خلافًا لَهُم فِي
الْمكْرِي، وَيجوز للمكتري أَن يكْرِي الدَّار وَلَو
بِأَكْثَرَ مِمَّا اكترى بِهِ، قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز
بِأَكْثَرَ مِمَّا اكترى وَهل يثبت فِي الْإِجَارَة خِيَار
الْمجْلس وَجْهَان، وَأما خِيَار الشَّرْط فَلَا يدْخل فِي
الْإِجَارَة خلافًا لَهُم؛ لِأَنَّهُ عقد يقْصد بِهِ
الْمَنْفَعَة فَلَا يثبت فِيهِ خِيَار الشَّرْط كَالنِّكَاحِ،
وَإِذا أجر مَنْفَعَة بِمَنْفَعَة جَازَ خلافًا لَهُم ووافقوا
فِيمَا إِذا كَانَتَا لَا من جنس وَاحِد، وَحجَّتنَا:
أَنَّهُمَا منفعتان وَيجوز عقد الْإِجَارَة على كل وَاحِد
مِنْهُمَا فَجَاز إِن يَجْعَل إِحْدَاهمَا عوضا عَن الْأُخْرَى
كَمَا لَو كَانَتَا من جِنْسَيْنِ، وَلَا يُقَال إِن الْجِنْس
الْوَاحِد حرم النِّسَاء فِي الْأَعْيَان، فَكَذَلِك
الْمَنَافِع، لأَنا نقُول: الْإِجَارَة لَيست نسَاء، لِأَن
النِّسَاء أَن يتَأَخَّر الْحق إِلَى أجل، وَالْأَجَل فِي
الْإِجَارَة يسْتَوْفى بِهِ الْحق، وَإِذا اسْتَأْجر ظِئْرًا
بكسوتها ونفقتها
(3/141)
لم يجز خلافًا لَهُم، فَإِنَّهُم قَالُوا
يجوز اسْتِحْسَانًا، وَحجَّتنَا: أَنه عقد مُعَاوضَة، فَلَا
يجوز أَن يَجْعَل الْعِوَض فِيهِ الطعمة، وَالْكِسْوَة
كَالْبيع وَيجوز بيع الدَّار الْمُسْتَأْجرَة فِي أحد
الْقَوْلَيْنِ خلافًا لَهُم؛ لِأَنَّهُ عقد تقصد بِهِ
الْمَنْفَعَة، فَلَا يمْنَع البيع كَالنِّكَاحِ، وَإِذا أعتق
العَبْد الْمُسْتَأْجر عتق.
وَلَيْسَ للْعَبد الْخِيَار فِي فسخ الْإِجَارَة خلافًا لَهُم،
لِأَن هَذَا عقد لَازم قبل أَن يملك التَّصَرُّف فَلَا يملك
فَسخه بِملك التَّصَرُّف، كَمَا لَو زوج الْأَب ابْنَته ثمَّ
بلغت، والعذر عَن الْأمة إِذا عتقت تَحت عبد مَا عَلَيْهَا من
ضَرَر. وَإِذا أجر الْوَلِيّ الصَّبِي الَّذِي فِي حجره ثمَّ
بلغ، فَلَا خِيَار لَهُ خلافًا لَهُم. وَيجوز اسْتِئْجَار
الْمَصَاحِف والدفاتر للنَّظَر فِيهَا خلافًا لَهُم،
وَالْحجّة: أَنَّهَا مَنْفَعَة مَقْصُودَة يجوز إعارتها فَجَاز
إِجَارَتهَا.
(3/142)
|