تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة

 (مسَائِل الْإِجَارَة)

(الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة: الْأُجْرَة (قفو) :)

الْمَذْهَب: تتعجل إِلَّا أَن يشْتَرط التَّأْجِيل.
عِنْدهم: تتأجل إِلَّا أَن يشْتَرط التَّعْجِيل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَوْله تَعَالَى: {أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} ، وَجه الدَّلِيل: أَنه سمي مَا يبْذل فِي الْبضْع مَالا فَلَا خلاف أَن الْمَنَافِع تبذل فِي الصَدَاق، فَدلَّ على ماليتها.
لَهُم:
قَوْله تَعَالَى: {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} ، وَجه الدَّلِيل: أَنه علق اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة بِفعل الْإِرْضَاع، وعندكم يسْتَحق بِمُطلق العقد.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عوض فِي بيع فَيملك بِنَفس العقد، وتحقيقه: أَن الْمَنَافِع جعلت بِمَنْزِلَة

(3/143)


الْأَعْيَان حكما بِدَلِيل صِحَة العقد عَلَيْهَا، وَالْعقد لَا بُد لَهُ من مَحل، وَبِذَلِك ملك بعد الْإِجَارَة وَيملك مَا يقابلها وَلِهَذَا يَجْعَل صَدَاقا.
لَهُم:
عقد مُعَاوضَة مُطلقَة بِمُقْتَضى التَّسَاوِي فِي الْملك، وَلم يملك المعوض بِنَفس العقد فَلَا يملك الْعِوَض، ذَلِك لِأَن الْمَنْفَعَة مَعْدُومَة وَلَيْسَت مورد الْملك وَلَيْسَت مَالا؛ لِأَنَّهَا تتجدد.
مَالك: يجب يَوْمًا وَيَوْما ويوافق الْقَرَافِيّ.
أَحْمد:
التكملة:
قَوْله اسْتَأْجَرت بِكَذَا كَقَوْلِه: اشْتريت بِكَذَا، وَمُطلق هَذِه الْأَلْفَاظ
الْإِلْزَام، والالتزام الْمُطلق منتجز اللُّزُوم، فَلَا فرق بَين أَن يَقُول اسْتَأْجَرت الدَّار شهرا وَعلي كَذَا، وَبَين أَن يَقُول لفُلَان عَليّ كَذَا أَو لله عَليّ

(3/144)


كَذَا، فاللفظ دَال على تنجز اللُّزُوم وَلَو أخر الْبَدَل إِلَى اسْتِيفَاء جَمِيع الْمُبدل كَانَ ذَلِك تأجيرا للبدل عَن الْمُبدل، فَإِن قيل: يملك بِكُل جُزْء مَا يَسْتَوْفِيه جُزْءا فآحاد الْأَجْزَاء لَا يتقوم، فَإِنَّهُ لَو أفرد بِالْعقدِ لم يَصح، فَكيف ينزل العقد على تَقْدِير لَو صرح بِهِ لم يَصح وَلَو لم يسْتَحق الْأُجْرَة بِمُطلق العقد لما ملك بِشَرْط التَّعْجِيل، يدل عَلَيْهِ أَنه لَو ضمن الْأُجْرَة ضَامِن صَحَّ وَهُوَ توثقه لجَانب الْوُجُوب وَيصِح الرَّهْن عَلَيْهَا وَهُوَ توثقة لجَانب الِاسْتِيفَاء وَيصِح الْإِبْرَاء عَن الْأُجْرَة وَالْإِبْرَاء إِمَّا تملك، أَو إِسْقَاط وَيصِح الشِّرَاء بِهَذِهِ الْأُجْرَة، ثمَّ عقد الْإِجَارَة يتَعَدَّى إِلَى غير الْعَاقِد، فَلَا بُد من مَحل وَالْعقد الَّذِي لَا يتَعَدَّى النّذر، وَأَمْثَاله وَبِالْجُمْلَةِ اعْتِبَار حَقِيقَة الْوُجُود فِي الْمَنَافِع يتَعَذَّر لَكِن يقدر ذَلِك ضَرُورَة تَصْحِيح العقد.

(3/145)


وحرف الْمَسْأَلَة أَن الْمَنَافِع وَإِن كنت مَعْدُومَة إِلَّا أَن الشَّارِع قدرهَا مَوْجُودَة، وَعِنْدهم هِيَ مَعْدُومَة.

(3/146)


(الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة: موت أحد المستأجرين (قفز) :)

الْمَذْهَب: لَا يفْسخ الْإِجَارَة.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْمَنَافِع نزلت منزلَة الْأَعْيَان حكما فَجرى فِيهَا الْإِرْث كالأعيان، والحوادث تستند إِلَى أَسبَابهَا كمن نصب شبكة ثمَّ مَاتَ أَو حفر بِئْرا فِي مَحل عدوان، فالصيد لناصب الشبكة وَالْغُرْم على حافر الْبِئْر وَالْإِرْث أوسع من العقد، فَإِنَّهُ يَصح فِي الْمَجْهُول.

(3/147)


لَهُم:
الشُّفْعَة مَعْدُومَة فَلَا يَتَنَاوَلهَا العقد وَإِنَّمَا تَنْعَقِد عِنْد وجودهَا شَيْئا فَشَيْئًا، وَإِن مَاتَ الْمُؤَجّر لم ينْعَقد العقد فِيمَا يحدث؛ لِأَن الْعين الْآن مَمْلُوكَة للْوَارِث فَتحدث الْمَنْفَعَة على ملكه.
مَالك: ق.
أَحْمد: ق.
التكملة:
نسلم جدلا أَن الْمَنَافِع لم تقدر مَوْجُودَة إِلَّا أَنه جرى سَبَب ملكهَا فِي حَال الْحَيَاة، فَإِذا وجدت اسْتندَ الْملك إِلَى السَّبَب السَّابِق فِي حَال الْحَيَاة كناصب الحبالة، وحافر الْبِئْر، وَلَا يلْزمنَا كَون الْعَارِية تبطل بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا عقد إِبَاحَة لَا عقد تمْلِيك. ووزان مَسْأَلَتنَا إِذا أجر عَبده ثمَّ أعْتقهُ، فَإِن الْعتْق كالموت فِي كَونه قَاطعا للْملك، وَمَعَ هَذَا الْإِجَارَة لَا تبطل وَالْمَنَافِع

(3/148)


عندنَا تملك على حَالهَا، قَالُوا: لَو أوصى بِرَقَبَة لشخص وبمنافعها لآخر فَرد صَاحب الْمَنْفَعَة الْوَصِيَّة عَادَتْ الْمَنْفَعَة إِلَى الْمُوصى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، لَا إِلَى الْوَرَثَة، فَدلَّ على أَن الْمَنْفَعَة لَا تورث على انفرادها، وَهَذَا فِيهِ منع، بل تعود الْمَنْفَعَة إِلَى الْوَرَثَة.
حرف الْمَسْأَلَة: أَن الْمَنَافِع قدرت مَوْجُودَة حكما فملكها الْمُسْتَأْجر وورثت عَنهُ.

(3/149)


(الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة: إِجَارَة الْمشَاع (قفح) :)

الْمَذْهَب: صَحِيحَة.
عِنْدهم: بَاطِلَة من الشَّرِيك.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
الْإِجَارَة بيع النافع وَبيع الْمشَاع جَائِز لِأَن الْمشَاع لَهُ مَنْفَعَة إِذْ هُوَ جُزْء

(3/150)


جملَة منتفع بهَا وَلِهَذَا تجب الْأُجْرَة إِذا سكن دَارا اسْتَأْجر فِيهَا جُزْءا مشَاعا وَتَسْلِيم الدَّار تَسْلِيم الْمَنَافِع، وَصَارَ كَمَا لَو أجر من رجلَيْنِ، فَقَوله أجرتكما كَقَوْلِه أجرتك وأجرتك.
لَهُم:
أجر مَا لَا يقدر على تَسْلِيمه، فَلَا يَصح كَمَا لَو أجر الْمَغْصُوب؛ لِأَن تَسْلِيم الْمَنَافِع باستيفائها بِدَلِيل أَن الدَّار إِذا سلمت إِلَى الْمُسْتَأْجر فانهدمت قبل الِانْتِفَاع كَانَت فِي ضَمَان الْمُؤَجّر وَالِانْتِفَاع بالمشاع لَا يتَصَوَّر كسكنى نصف الدَّار وركوب نَص الدَّابَّة مشَاعا.
مَالك: ق.
أَحْمد:
التكملة:
إِذا أجر من اثْنَيْنِ ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا طرت الإشاعة وَلم يمْنَع صِحَة العقد وَكلما منع مُقَارنَة الِانْعِقَاد منع طاريه وَهَذَا عِنْدهم أولى لِأَن الْمَنَافِع لَا تملك إِلَّا شَيْئا فَشَيْئًا، فَكَانَ الطاري قد قَارن ابْتِدَاء مَا.

(3/151)


عبارَة: وجد العقد من أَهله وصادف مَحَله واقترن بِشَرْطِهِ وَهُوَ الْقُدْرَة على التَّسْلِيم فصح، وَتَسْلِيم كل شَيْء على حسب حَاله، وَالْإِجَارَة عقد مُعَاوضَة وعقود الْمُعَاوَضَات تبتنى على الْعرف كَمَا إِذا بَاعَ بِنَقْد مُطلق، فَإِن من اشْترى دَارا مَمْلُوءَة أقمشة كَانَ عَلَيْهِ تفريغها لَكِن كَمَا جرت الْعَادة بِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ عندنَا يُمكن تَسْلِيم الْمشَاع.

(3/152)


(الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة: الْأَجِير الْمُشْتَرك (قفط) :)

الْمَذْهَب: لَا يضمن مهما اقتصد فِي عمله فِي الْمَنْصُور.
عِنْدهم: خلافًا وَهُوَ القَوْل الآخر.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
حصل الْفساد بِفعل مَأْذُون فِيهِ من جِهَة الْمَالِك، فَلَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان كالأجير الْمُنْفَرد؛ لِأَنَّهُ دق دق مثله، وَهَذَا هُوَ الْمَأْذُون فِيهِ وَالْمُنْفَرد عَلَيْهِ

(3/153)


الْمَنْفَعَة لَا الْعَمَل وَالضَّمان مُؤَاخذَة فَيَقْتَضِي عُدْوانًا وَلَا عدوان وَصَارَ كالفاصد وَأَمْثَاله حَيْثُ لَا ضَمَان عَلَيْهِم.
لَهُم:
حصل الْفساد بِفعل غير مَأْذُون فِيهِ فَيجب الضَّمَان كَمَا إِذا لم يقْصد؛ لِأَنَّهُ أذن لَهُ فِي الدق المزين لَا المخرق، والأجير بَائِع عمله وَالْإِطْلَاق يَقْتَضِي السَّلامَة كالبياعات والمعيب لَا يكون سليما وَلَا يدْخل تَحت العقد الْمُطلق فَهُوَ عيب تولد من عمل مَضْمُون، فَكَانَ مَضْمُونا.
مَالك: يضمن.
أَحْمد: ق.
التكملة:
بِالْجُمْلَةِ الْأَجِير الْمُنْفَرد نقص مَا فِي الدق من مثله قد يسلم وَقد لَا يسلم وَالْعقد مُطلق، فَلم لَا يخْتَص بِالتَّسْلِيمِ وسلامة الْعَاقِبَة غير مَقْدُور لَهُ والعقود لَا ترد على غير مَقْدُور وَيُخَالف التَّغْرِير، فَإِنَّهُ عقد مَأْذُون فِيهِ

(3/154)


لَكِن بِحَيْثُ لَا يسري، فَكَانَ فِيهِ نوع عسر وغرر لكنه يحْتَمل، وَالْإِجَارَة لَا تحْتَمل الْعرف لَكِنَّهَا تكون فِيمَا يوثق بِتَسْلِيمِهِ، ونناقضهم بالفصد والحجامة، فَإِنَّهُ يقْصد السَّلامَة وَالصَّلَاح ثمَّ إِذا صَار قتلا لَا ضَمَان، فَإِن قَالُوا: لَا يُمكن أَن يُقَال لَهُ: اجرح جرحا لَا يسري بَطل عَلَيْهِم بسراية الْقصاص، فَإِنَّهَا مَضْمُونَة عِنْدهم، وَلَا يزَال نلزمهم الْأَجِير الْمُنْفَرد ونناقضهم بِهِ ونجمع بَينهمَا بالحجام والفاصد وَعمل الْمُنْفَرد أَيْضا مَضْمُون وَالْأُجْرَة تَسْتَقِر بِعَمَلِهِ وَلَكِن أقيم التَّمَكُّن مقَام الِاسْتِيفَاء فِي تَقْرِير الْعِوَض على أَن ضَمَان الْمُقَابلَة بالمعاقدة لَا يُوجب ضَمَان الغرامة وَلَا يُنَاسِبه.
والحرف أَن أظهر الْقَوْلَيْنِ أَن يَده يَد أَمَانَة.

(3/155)


(الْمَسْأَلَة التِّسْعُونَ بعد الْمِائَة: شَرط الْإِجَارَة فِي ابْتِدَاء الْمدَّة (قصّ) :)

الْمَذْهَب: أَن تقارن العقد.
عِنْدهم: يجوز أَن تتأخر عَنهُ.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم: ... .
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:

(3/156)


عقد مُعَاوضَة على معِين شَرط تَأْخِير تَسْلِيم الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَلم يَصح كَمَا لَو شَرط تَأْخِير التَّسْلِيم فِي الْمَبِيع بِشَرْط الْمُعَاوضَة الْمَحْضَة كَون الْمَعْقُود عَلَيْهِ مَوْجُودا معينا مَقْدُورًا على تَسْلِيمه وَهَذِه الشَّرَائِط سَقَطت لَا مُطلقًا لَكِن بطرِيق إِقَامَة ذِي الْمَنْفَعَة مقَامهَا فَلم يجز تَأْخِيره عَن العقد.
لَهُم:
كل شَيْئَيْنِ جَازَ العقد عَلَيْهِمَا صَفْقَة وَاحِدَة جَازَ العقد على كل وَاحِد مِنْهُمَا مُنْفَردا كالعبدين وَقد عقد على مَنْفَعَة تستوفى حَالا فحالا فَجَاز أَن يَقع على مَا يتَأَخَّر فِيهِ اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة كَالنِّكَاحِ على الصَّغِيرَة.
مَالك: إِذا أطلق اقْتضى أَن يكون عقيب العقد.
أَحْمد:
التكملة:
لما قَامَ ذُو الْمَنْفَعَة مقَام الْمَنْفَعَة كَانَ من شَرط عُقُود الْمُعَاوَضَات تعقب التَّسْلِيم حَتَّى لم يجز أَن يتَأَخَّر فِي البيع أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام بِالشّرطِ، وَأما فِي

(3/157)


الْإِجَارَة، فَلَا يجوز شَرط أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام لم يجز تَأْخِير التسليط وَقد تسامحنا بِإِقَامَة ذِي الْمَنْفَعَة مقَامهَا فَلَا نتسامح بترك التسليط قَالُوا: هُوَ فِي الْحَال ملك الْمَنْفَعَة فِي الشَّهْر الْمُقَابل إِلَّا أَن ذَلِك تَأْجِيل، فَالْجَوَاب: لَو كَانَ كَذَلِك جَازَ تَعْجِيل الْأُجْرَة، ثمَّ نقُول: تراخي الْأَجَل فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ على خلاف الْقيَاس، وَإِنَّمَا جَازَ فِي السّلم للْحَاجة، فَإِن قَالُوا: هَذَا كَالْوَصِيَّةِ بثمرة وَاحِدَة وبالقراض يُوجب استحقاقا فِي ربح لم يُوجد، فَالْجَوَاب: أَن الْوَصِيَّة تفارق عقد البيع فتفارق الْإِجَارَة، والحرف أَن عندنَا أُقِيمَت الْعين مقَام الْمَنَافِع فتحتاج أَن يصادفها العقد، وَعِنْدهم العقد على الْمَنَافِع.

(3/158)