تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (إحْيَاء الْموَات وَالْوَقْف وَالْهِبَة
واللقطة)
(3/159)
فارغة
(3/160)
لوحة 50 من المخطوطة " أ ":
حمى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
النقيع لخيل الْمُسلمين وَلَا حمى إِلَّا لله وَرَسُوله،
وَيجوز للْإِمَام أَن يحمي للْمُسلمين موضعا، حمى عمر رضوَان
الله عَلَيْهِ موضعا، وَولى عَلَيْهِ مولى يُقَال لَهُ هني
وَقَالَ: يَا هني ضم جناحك للنَّاس، وَاتَّقِ دَعْوَة
الْمَظْلُوم، فَإِن دَعوته مجابة، وَأدْخل رب الصريمة وَرب
الْغَنِيمَة وَإِيَّاك وَنعم ابْن عَفَّان وَنعم ابْن عَوْف،
فَإِنَّهُمَا إِن تهْلك ماشيتهما يرجعا إِلَى نخل وَزرع، وَإِن
رب الصريمة وَالْغنيمَة يأتيني بعياله وَيَقُول: يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أفتاركهم أَنا لَا أَبَا
لَك والكلأ
(3/161)
أَهْون عَليّ من الدِّينَار وَالدِّرْهَم
والحقوق هِيَ الَّتِي لابد للمحيا مِنْهَا.
قَالَ أَبُو حنيفَة: حَرِيم الْبِئْر أَرْبَعُونَ ذِرَاعا،
وَالْعين خَمْسُونَ ذِرَاعا، (وَإِذا خرب الْمَسْجِد أَو
الْمحلة أَو الدَّار الْمَوْقُوفَة على جِهَة لم يجز نقص ذَلِك
وَلَا نَقله إِلَى غَيره وَبِه قَالَ مَالك. قَالَ أَحْمد:
إِذا خربَتْ الدَّار جَازَ بيعهَا وَيصرف ثمنهَا إِلَى وقف
آخر، إِذا شَرط فِي الْوَقْف أَن يخرج من شَاءَ من أهل
الْوَقْف وَيدخل من شَاءَ كَانَ فَاسِدا؛ لِأَنَّهُ شَرط مَا
يباين
(3/162)
مُقْتَضى العقد.
وَاعْلَم أَن الْوَقْف فِي الْمَرَض وَصِيَّة) (وَاعْلَم أَن
الْحَيَوَان الْكَبِير الجثة لَا يكون لقطَة فِي الصَّحَارِي،
فَمن أَخذه ضمنه، وَاخْتلف فِيهِ فِي الْعمرَان، قيل: تكون
لقطَة؛ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي للسقي والعلف وَسَوَاء فِي
التَّعْرِيف قَلِيل اللّقطَة وكثيرها مِمَّا تبتغيه النَّفس
وتطلبه، فَأَما غير ذَلِك فَيجوز للملتقط الِانْتِفَاع بِهِ من
غير تَعْرِيف النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام تَمْرَة فَقَالَ: "
لَوْلَا أَنِّي أخْشَى أَن تكون من تمر الصَّدَقَة لأكلتها "،
وقدرها مَالك بِربع دِينَار، وَأَبُو حنيفَة بِعشْرَة
دَرَاهِم، وَمن أَصْحَابنَا من قدرهَا بِدِينَار) .
مَا خرب من بِلَاد الْمُسلمين، وباد أَهله لَا يملك
بِالْإِحْيَاءِ خلافًا، وَالْحجّة أَنَّهَا أَرض جرى عَلَيْهَا
ملك من لَهُ حُرْمَة، فَلَا يملك بِالْإِحْيَاءِ كَمَا لَو عرف
مَالِكهَا، وَالْفِقْه فِيهِ أَنه لَا يَخْلُو أَن يكون
لمَالِكهَا وَارِث أم لَا فَإِن كَانَ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا
فَهِيَ لبيت المَال.
(3/163)
وَاعْلَم أَن الْحَشِيش النَّابِت فِي
الأَرْض الْمَمْلُوكَة لمَالِك الأَرْض، وَقَالَ أَبُو حنيفَة
غير مَمْلُوك وَلَا يجوز بَيْعه إِلَّا بعد الْحِيَازَة، لنا
أَنه نَمَاء ملكه لم يملكهُ غَيره فَوَجَبَ أَن يكون لَهُ
كالحطب والقصب (إِذا وقف على وَلَده وَولد وَلَده دخل فِيهِ
ولد الْبَنَات خلافًا لَهُم، لنا أَنه أضَاف أَوْلَاد
الْأَوْلَاد إِلَيْهِم فَإِذا دخل ولد الْبَنِينَ، وَجب أَن
يدْخل ولد الْبَنَات؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْإِضَافَة سَوَاء،
وَإِذا اسْتثْنى الْوَاقِف أَن ينْفق على نَفسه فِي حَيَاته لم
يجز خلافًا لَهُ، لنا أَنه أَزَال ملكه لَا إِلَى مَالك،
فَهُوَ كَمَا لَو أعتق عَبده وَشرط أَن تكون غَلَّته لَهُ،
وَلَا يُقَال: إِن مَنْفَعَة العَبْد لَا تكون مُسْتَحقَّة
للْمُعْتق بِحَال، وَقد تكون مَنْفَعَة الْمَوْقُوف للْوَاقِف
كَمَا لَو وقف بِئْرا، فَإِنَّهُ يُشَارك فِيهَا الْمُسلمين) ؛
(لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا ذكر فَالْوَاجِب أَن يكون جُزْءا
من مَنْفَعَة الْمَوْقُوف بِإِطْلَاق الْوَقْف كَمَا كَانَ
لَهُ ذَلِك فِيمَا اعتبروا بِهِ) .
(3/164)
(الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: إِذن الإِمَام فِي إحْيَاء الْموَات (قصا) :)
الْمَذْهَب: لَا يفْتَقر إِلَيْهِ الْمُسلم وَلَا يملك بِهِ
الْكَافِر.
عِنْدهم: ف.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من أَحْيَا أَرضًا ميتَة
فَهِيَ لَهُ "، وَقَوله: موتان الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ،
ثمَّ هِيَ لكم مني أَيهَا الْمُسلمُونَ خَاصَّة جعل
(3/165)
الْأَحْيَاء سَببا للْملك وَلم يشرط إِذن
الإِمَام، ثمَّ خصص الْمُسلمين بذلك.
لَهُم:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَيْسَ للمرء إِلَّا مَا
طابت بِهِ نفس إِمَامه "، وَقَوله: " عادي الأَرْض لله
وَلِرَسُولِهِ ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
مُبَاح فِي عَرصَة التمول، فَلَا يفْتَقر إِلَى إِذن الإِمَام
كالصيود، دَلِيل الْإِبَاحَة كَونه لم تثبت عَلَيْهِ يَد،
وَالْيَد تصلح للتَّمَلُّك، بِدَلِيل مَا لَو اتَّصل بِهِ إِذن
الإِمَام، وَأما الذِّمِّيّ فَلَو ملك بِالْإِحْيَاءِ صَار
أصلا فِي دَار الْإِسْلَام وَهُوَ سَاكن بِأُجْرَة وَلَا
ولَايَة للْإِمَام على الْمُبَاحَات والإقطاع للترجيح.
لَهُم:
للْإِمَام ولَايَة على ذَلِك، فَلَا يملك بِغَيْر إِذْنه
كَمَال بَيت المَال، دَلِيل الدَّعْوَى الإقطاع، وتأثيره أَن
الافتيات عَلَيْهِ لَا يجوز وَالذِّمِّيّ يملك بِالسَّبَبِ
الَّذِي يملك الْمُسلم فَصَارَ كَالْبيع والاحتطاب والاحتشاش.
(3/166)
مَالك: مَا قرب من الْعِمَارَة بِحَيْثُ
يتشاح فِيهِ يحْتَاج إِلَى إِذن، وَيجوز للذِّمِّيّ.
أَحْمد:
التكملة:
الْعلمَاء وَإِن اخْتلفُوا فِي أَن الْأَمْوَال أَصْلهَا
الْحَظْر أَو الْإِبَاحَة فَلم يَخْتَلِفُوا أَن الصَّيْد
والحشيش والموات (خَال من ملك) ، وَأَنه مَتى تثبت عَلَيْهِ
الْيَد ملك، ثمَّ الَّذِي يحصل بِهِ الْملك فِي مَوضِع
الْوِفَاق الْإِحْيَاء لَا الْإِذْن فَإِنَّهُ لَو أذن لَهُ
وَلم يحي لم يملك، وَولَايَة الإِمَام لَا تخرجه عَن
التَّمْلِيك بِالْإِحْيَاءِ، كَمَا أَن لَهُ ولَايَة
التَّقْدِيم فِي الصَّلَوَات، ثمَّ يتَقَدَّم بِغَيْر إِذْنه
وَيصِح، وَكَذَلِكَ الْحَاكِم لَهُ تَقْدِيم من شَاءَ من
الْخُصُوم، ثمَّ يسْبق أَحدهمَا بِالدَّعْوَى، فَيصح سماعهَا.
فَإِن قَالُوا: الْموَات كَانَ للْكفَّار ثمَّ ملكه
الْمُسلمُونَ وَالْإِمَام وليهم.
قُلْنَا: فَكَانَ يَنْبَغِي أَنه لَو خرب قوم من الْمُسلمين
الْموَات أَن يضمنوه
(3/167)
وَلَا خلاف أَنه يجوز لآحاد الْمُسلمين حفر
الْأَرَاضِي، وَنقل ترابها للتطيين وَشِرَاء الْكَافِر ابتنى
على ملك غَيره فَهُوَ فِيهِ تبع.
وَقَوْلهمْ حق الْكَافِر من الدُّنْيَا أَكثر من الْمُسلم،
فسنتكلم عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَة الِاسْتِيلَاء.
والحرف أَن الْموَات عندنَا تجْرِي مجْرى الْمُبَاحَات وَأَن
الذِّمِّيّ لَيْسَ من أهل الدَّار.
(3/168)
(الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: الْوَقْف (قصب) .)
الْمَذْهَب: يلْزم بِنَفسِهِ لَا يفْتَقر إِلَى حكم حَاكم.
عِنْدهم: لَا يلْزم إِلَّا بِحكم حَاكم أَو يخرج مخرج
الْوَصَايَا ويتسع لَهُ الثُّلُث.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
نقل عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَنهم
وقفُوا أملاكهم، مِنْهُم: أَبُو بكر وَعُثْمَان، وَعَائِشَة
وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن وَابْن مَسْعُود والمسور والمقداد،
وَلم يرجع أحد مِنْهُم وَلَا من ذُرِّيتهمْ وَهَذَا يُورث
(3/169)
علما ضَرُورِيًّا.
لَهُم:
قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: جَاءَ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام
بِإِطْلَاق الْوَقْف، وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام:
لَا حبس عَن فَرَائض الله، وَقَالَ: لَا حبس بعد سُورَة
النِّسَاء، وَجَاء أَبَا عبد الله بن زيد إِلَى النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَا: إِنَّه قد تصدق بحائطه وَهُوَ
قوام عيشنا فَرده النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِمَا.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
(3/170)
إِزَالَة ملك على وَجه الْقرْبَة، فَكَانَ
لَازِما بِنَفسِهِ كَالْعِتْقِ. أَو نقُول: تحبيس أصل وتسبيل
ثَمَرَة فَلَزِمَ بِنَفسِهِ كَمَا لَو وقف أَرضًا مَسْجِدا،
وَالْعلَّة فِي لُزُوم الْوَقْف مساس الْحَاجة إِلَيْهِ،
وَالْحَاجة إِلَى الفنادق والقناطر أَعم من الْمَسَاجِد
وَكَذَلِكَ الرَّبْط والمدارس.
لَهُم:
الْوَقْف لَا يزِيل الْملك بِنَفسِهِ، بِدَلِيل الْعَمَل
بِشَرْطِهِ، وَلَو زَالَ الْملك لما بَقِي الْعَمَل بِشَرْطِهِ
وَصَارَ كالمساجد الَّتِي لَا يتبع فِيهَا شَرط الْوَاقِف
فِيمَن يُصَلِّي فِيهَا، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل على
زَوَال الْملك لَا سِيمَا وَهُوَ تَعْطِيل الْأَمْوَال وتمليك
الْمَعْدُوم للمعدوم.
مَالك: الْوَقْف لَا يَزُول ملكه عَن الْوَقْف.
أَحْمد:
التكملة:
نقيس الْمدرسَة على الْمَسْجِد وننصر أَن الْملك فِي الْوَقْف
لله تَعَالَى: ونقول: الصَّلَاة قربَة يفْتَقر فِي إِقَامَتهَا
إِلَى بقْعَة، وَكَذَلِكَ دراسة الْعلم وَتعلم الْقُرْآن
والجميع أَوْصَاف بقْعَة مَمْلُوكَة بِجِهَة الْعِبَادَة،
فَإِن قَالُوا: وَالْمَسْجِد
(3/171)
أَيْضا لَا يلْزم بقوله بل إِذا صلى فِيهِ
وَاحِد، قُلْنَا: فَقولُوا فِي الْمدرسَة كَذَلِك يلْزم إِذا
درس فِيهَا وَاحِد ثمَّ لَو راعيتم فِي الْمَسَاجِد قِيَاس
الهبات، فالملك خَارج إِلَى الله تَعَالَى فَقولُوا: يحْتَاج
أَن يُصَلِّي فِيهِ نَائِب الله تَعَالَى وَهُوَ الإِمَام،
وَفِي اتِّبَاع شَرط الْوَاقِف فِي الْمَسْجِد اخْتِلَاف بَين
الْأَصْحَاب، مِنْهُم من قَالَ لَو خصصه بأصحاب الحَدِيث مثلا
فِي إِقَامَة شعاره لم يجز لغَيرهم والاعتماد فِي الْوَقْف على
الحَدِيث.
(3/172)
فارغة
(3/173)
(الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: الْهِبَة (قصج) :)
الْمَذْهَب: لَا رُجُوع بعد الْقَبْض إِلَّا للْأَب، وَفِي
الْأُم خلاف.
عِنْدهم: لَا يرجع الْقَرِيب بل الْغَرِيب.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يحل لأحد أَن يهب
هبة وَيرجع فِيهَا إِلَّا الْأَب فِيمَا وهبه لوَلَده ".
وَرُوِيَ أَن النُّعْمَان بن بشير أنحله أَبوهُ غُلَاما
وَأخْبر بذلك النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: " أكل ولدك
نحلته " قَالَ: لَا. قَالَ: فاسترده.
(3/174)
لَهُم:
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " الْوَاهِب أَحَق بهبته
مَا لم يثب مِنْهَا ".
وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا
قَالَا: من وهب من ذَوي مَحَارمه فَلَا رُجُوع لَهُ، وَدَلِيل
اقتضائها الْعِوَض قَوْله تَعَالَى: {فَحَيوا بِأَحْسَن
مِنْهَا أَو ردوهَا} ، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " من
اصْطنع إِلَيْكُم مَعْرُوفا فكافئوه ".
(3/175)
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عقد تمّ بركنيه مُفِيد لحكمه فَلَا يكون للْوَاهِب الرُّجُوع
فِيهِ بِنَفسِهِ كَالْبيع.
بَيَان الحكم جَوَاز الْوَطْء، وَلم يُوجد سَبَب الْفَسْخ
إِلَّا العقد، وَالشَّيْء لَا يصلح سَببا للنقيض وَلَا ولَايَة
للْوَاهِب على رد ملكه من ملك الْمَوْهُوب لَهُ والعوض لَيْسَ
مَقْصُود الْهِبَة.
لَهُم:
عقد تخلف عَنهُ مَقْصُوده فَثَبت فِيهِ حق الْفَسْخ كالعيب،
دَلِيل ذَلِك أَن الْمَقْصُود الْعِوَض، وَهُوَ مَعْلُوم شرعا
وَعرفا، وذوو الْمَحَارِم قد حصل لَهُ من جانبهم الثَّوَاب
وَهُوَ غَرَض صَحِيح.
مَالك: يلْزم بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول.
أَحْمد: ف.
(3/176)
التكملة:
منقولهم ضَعِيف السَّنَد، والتحية رد السَّلَام، وبنوا
كَلَامهم على دعويين: إِحْدَاهمَا: أَن كل هبة تَقْتَضِي بِحكم
الْحَال عوضا، وَالْأُخْرَى: أَن الْعِوَض لم يسلم لَهُ، وهما
ممنوعان، فَإِن الْهِبَة لَو اقْتَضَت عوضا لبطلت دون تَفْضِيل
الْعِوَض، كَمَا لَو ذكر عوضا مَجْهُولا ثمَّ لَو كَانَ كَمَا
زَعَمُوا كَانَت الْهِبَة بيعا، وَالْبيع تمْلِيك بِبَدَل
وَهَذَا تمْلِيك بِغَيْر بدل، وتنعقد الْهِبَة بِشَرْط
الثَّوَاب بيعا على رَأْي كَمَا ينْعَقد البيع بِغَيْر ثمن هبة
على رَأْي، وَبِالْجُمْلَةِ لَو كَانَت الْهِبَة تبتني على
الْعِوَض بِقَرِينَة الْحَال لكَانَتْ كَلَفْظِ البيع دون
تَعْرِيف الْعِوَض مُفسد، وَمهما أكل الْمُتَّهب من
الْمَوْهُوب فقد فَاتَ الْعِوَض فليطالب بِقِيمَتِه، ثمَّ
الْعَاقِل لَا يهب درهما طَمَعا
(3/177)
فِي دِرْهَم، وَعِنْدهم أَنه لَو أَخذ
درهما بَطل رُجُوعه مَعَ أَنه يحْتَمل أَنه أَخذه على رَجَاء
غَيره، وَكَانَ يَنْبَغِي على هَذَا أَن يفْسد فِي أَمْوَال
الرِّبَا.
(3/178)
(الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: هبة الْمشَاع احْتمل الْقِسْمَة أَو لم يحْتَمل
(قصد) :)
الْمَذْهَب: صَحِيحَة توجب الْملك مَعَ الْقَبْض.
عِنْدهم: توجب الْملك الْمشَاع غير الْمُحْتَمل الْقِسْمَة لَا
فِي الْمُحْتَمل.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا: ... .
لَهُم:
قَالَ الصّديق لعَائِشَة: كنت أنحلتك جذاذ عشْرين وسْقا
وَإنَّك مَا حُزْتِيهِ وَلَا قبضتيه وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم
مَال الْوَارِث، وَجه الدَّلِيل قَوْله:
(3/179)
" حُزْتِيهِ "، فَدلَّ أَن الْقَبْض
بالحيازة، وروى جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم قَالُوا: لَا
تتمّ الْهِبَة إِلَّا أَن تكون محوزة.
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
عقد تمْلِيك فِي الْمشَاع فَأثْبت حكمه كَالْبيع، وتأثيره أَن
مَا هُوَ مَحل الْملك هُوَ مَحل الْهِبَة، وَلِهَذَا ينْعَقد
العقد فِي الْمشَاع، فقد تحقق من الْأَهْل فِي الْمحل
وَالتَّسْلِيم فِي الْمشَاع حسب التَّسْلِيم فِي الْمُقَرّر،
وَالدَّلِيل على قبض الْمشَاع البيع وَرَأس المَال فِي السّلم.
لَهُم:
الْقَبْض ركن فِي بَاب الْهِبَة، وَلم يُوجد بِتَمَامِهِ
فَصَارَ كَمَا لَو لم يتم الْقبُول، وَبَيَانه: أَن الْقَبْض
إِنَّمَا يتم بِالْقِسْمَةِ فِيمَا تحتمله؛ لِأَن الْقَبْض
عبارَة عَن الْحِيَازَة.
مَالك: ق.
(3/180)
أَحْمد:
التكملة:
الْقَبْض مَعَ الشُّيُوع تَامّ وَلَا نزيدهم على الْقَبْض
بِالْبيعِ، فَإِنَّهُ يُفِيد نقل الضَّمَان والتسليط على
التَّصَرُّف، وَكَذَلِكَ الْقَبْض فِي البيع الْفَاسِد مَعَ
الشُّيُوع يُفِيد الْملك، وَكَذَلِكَ لَو سلم إِلَيْهِ ألفا
نصفا قرضا وَنصفا قراضا ملك النّصْف الَّذِي هُوَ قرض على
الشُّيُوع، وَكَذَلِكَ لَو وهب اثْنَان من وَاحِد وَقبض دفْعَة
وَاحِدَة لزم عِنْدهم وَلم يصدر من كل وَاحِد إِلَّا التسليط
على الْمشَاع، قَالُوا: الدَّلِيل على أَن الْقِسْمَة من تَمام
الْقَبْض أَن من اشْترى شِقْصا مشفوعا مشَاعا وقاسمه البَائِع،
فَإِن الشَّفِيع يَأْخُذهُ بِالشُّفْعَة وَلَا تنقص الْقيمَة،
وَلَو لم تكن من تَمام الْقَبْض لنقضها كَسَائِر تَصَرُّفَات
المُشْتَرِي، وَالْجَوَاب أَن الْقيمَة تَقْرِير حق الشَّفِيع
فَكيف ينقضها،
(3/181)
قَالُوا: فَالْمُشْتَرِي يُطَالب
بِالْقيمَةِ قبل الْقَبْض وَلَوْلَا أَنَّهَا من الْقَبْض لما
جَازَ ذَلِك، وَالْجَوَاب: إِن قُلْنَا إِن الْقِسْمَة بيع
فَلَا تصح قبل الْقَبْض؛ لِأَن التَّصَرُّفَات قبل الْقَبْض
ممتنعة عندنَا لضعف الْملك، وَإِن قُلْنَا: إِنَّهَا تَمْيِيز
وَإِقْرَار فَهَذَا قبض حَقِيقَة.
(3/182)
(الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالتِّسْعُونَ
بعد الْمِائَة: جِهَة اللّقطَة بعد تَعْرِيف سنة (قصه) :)
الْمَذْهَب: جِهَة التَّمْلِيك بِشَرْط الضَّمَان للغني
وَالْفَقِير.
عِنْدهم: جِهَة الصَّدَقَة فَتجوز للْفَقِير لَا للغني
وَيتَصَدَّق بهَا على نَفسه بِشَرْط الضَّمَان.
الدَّلِيل من الْمَنْقُول:
لنا:
رُوِيَ أَن سَائِلًا سَأَلَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن
اللّقطَة، فَقَالَ: " اعرف عفاصها ووكاءها وَعرفهَا سنة، فَإِن
جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فشأنك بهَا "، والتقط أبي بن كَعْب
صرة فِيهَا ثلثمِائة دِينَار فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام:
(3/183)
عرفهَا حولا ثمَّ قَالَ: استمتع بهَا ".
لَهُم:
قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " من الْتقط لقطَة فليعرفها
حولا كَامِلا، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا تصدق بهَا، فَإِن
قدم رَبهَا وَرَضي بِالْأَجْرِ وَإِلَّا ضمن لَهُ ".
الدَّلِيل من الْمَعْقُول:
لنا:
من جَازَ لَهُ الِالْتِقَاط جَازَ لَهُ الْإِنْفَاق بعد
التَّعْرِيف كالفقير؛ لِأَن اللّقطَة مَال الْغَائِب فِي يَده
وَحقه الْحِفْظ، وَالْحِفْظ إِمَّا بالإمساك أَو يملك بِشَرْط
ضَمَان فَيصير مَحْفُوظًا فِي ذمَّته، وَالصَّدَََقَة (تبطل
بِالضَّمَانِ وَلَو وَجب لتعين) .
(3/184)
لَهُم:
من لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة لَا تحل لَهُ اللّقطَة، تَأْثِيره:
أَن النّظر للْمَالِك وَاجِد وجهة التَّصَدُّق أجمع للنَّظَر
من جِهَة التَّمْلِيك، فالصدقة وُصُول المَال إِلَيْهِ
بِالْأَجْرِ.
مَالك: يملكهَا الْغَنِيّ دون الْفَقِير، وَلَا قطّ
الْحَيَوَان الصَّغِير إِذا أكله لَا غرم عَلَيْهِ.
أَحْمد: إِذا وجد بَهِيمَة فِي ملكة ملكهَا.
التكملة:
الْمُعْتَمد على حَدِيث الْجُهَنِيّ الَّذِي جمع أَنْوَاع
الضوال وَحَدِيث أبي بن كَعْب قَالَ الشَّافِعِي: كَانَ من
مياسير الصَّحَابَة، وَأما الْقيَاس فَلَا مدْخل لَهُ فِي
مبادئ أَحْكَام على أَن الْقيَاس يَقْتَضِي أَن ملك الْمَالِك
لَا يَزُول إِلَّا بِسَبَب من جِهَته، وَقِيَاس الْغَنِيّ على
الْفَقِير لَا يجوز إِلَّا أَنا لَو
(3/185)
قَدرنَا توارد الْأَحَادِيث فِي الدّلَالَة
على زَوَال ملكه ونقتدي فِيهِ الْإِزَالَة بالتصدق وبالتمليك
وأردنا أَن نرجح أحد المسلكين فجانبنا أقرب، فَإِن فِيهِ
إحْيَاء حق الْمَالِك بترغيب النُّفُوس فِي الْتِقَاطه وتملكه
بِشَرْط الضَّمَان وَلَا ثَوَاب فِي الْمُعَاوضَة، وَمَا
ذَكرُوهُ ينفر عَن الِالْتِقَاط فَلَا يرغب فِيهِ إِلَّا أولو
الطمع.
(3/186)
|